article_title
stringlengths
1
185
author_name
stringlengths
2
70
date_added
stringlengths
10
10
read_count
int64
24
10.8M
article_link
stringlengths
45
1k
text
stringlengths
6
254k
التوازن الفكري ( 1 من 6 )
د. محمد بن إبراهيم السعيدي
07-10-2019
7,147
https://www.alukah.net//culture/0/136583/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%b2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a-1-%d9%85%d9%86-6/
التوازن الفكري (1 من 6) مفهوم التوازن الفكري حين شَرعْتُ في كتابة هذه المجموعة من المقالات كان تعريف " التوازن " عقبة تحول دون البدء في الكتابة؛ فالمصطلح جديد فيما يبدو لي في تراثنا الثقافي، والذين استخدموه مضافًا إلى الفكر لم يقصدوا به معنًى واحدًا: فمنهم مَن يستخدمه كوصف إيجابي لعملية التفكير التي تؤدي إلى نتائج صحيحة، فهو عنده مرادف تقريبًا لاستعمال المنطق في التفكير، وذلك عن طريق البحث عن مقدمات صحيحة للوصول إلى نتائج صحيحة. ومنهم مَن يريد بهذا المصطلح: ا لمعطيات العلمية التي تُبنَى عليها الأفكار الصحيحة. ومنهم من يريد به: الفكر المتوسط بين طرفي النقيض أو بين الإفراط والتفريط. فهو عند هؤلاء مرادف للوسطية. ومنهم من يعني بـ " التوازن الفكري ": الفكر الذي هو عليه؛ فأفكاره متوازنة وأفكار غيره مختلة، وهؤلاء طائفة غير قليلة ليس في فكرنا العربي المعاصر وحسب، بل في الفكر والرأي العام العالميَّيْن. أما ما أعنيه هنا أي في هذه المقالات بـ " التوازن " - وأرجو أن أوفق في الكتابة عنه –: فهو الابتناء على المعطيات الصحيحة في نظري لتكوين الأفكار، والاتزان لا يعني صواب الفكرة، بل صواب طريقة التفكير؛ فإن من مفارقات الفكر: أن سلوك طريق واحدة فيه لا يؤدي بالضرورة إلى نتيجة واحدة. وقبل الاستغراق في هذا المعنى يحسن أن أبدأ في ذكر مفهومي للفكر؛ فإننا حين نستعرض كشافات الاصطلاحات العلمية القديمة نجد الناس بين عالِم ومتعلِّم وجاهل، وربما وجد في بعض الأوساط مصطلح المتكلم والفيلسوف، وفي العصر الحديث وُجِد مصطلحان ليس لهما وجود - حسب علمي - في تراثنا القديم، وهما " الثقافة " و" الفكر "، ويأتي منهما: المثقف والمفكر، ويحار الناس كثيرًا في تحديد معناهما، ومن ثَم يحارون في مواضع إطلاقهما. وحديثنا عن الفكر خاصة؛ فالذي يظهر لي أن أكثر مَن يتعاطى هذا المصطلح في ثقافتنا العربية المعاصرة يريدون به: « التصور الإجمالي والتفصيلي لواقع ما من حيث كنهه وعوامل تكوينه ومآلاته وطرق تحسينه وعلاج آفاته». وتقييد التصور بالإجمالي والتفصيلي ليشمل الإدراك بنوعَيْه عند المناطقة الذين يقسمون الإدراك إلى " تصور " وهو الإدراك المتجرد عن الحكم، و" تصديق " وهو الإدراك المتضمن للحكم. والواقع يشمل الواقع الديني والسياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي لمجتمع ما. فكلُّ تصوُّر لهذا الواقع في أي جزئية من جزئياته يعدُّ فكرًا؛ ولهذا يمكن القول: إن الفكر بهذا المفهوم مشاع بين الناس فكل إنسان لديه تصور لما يحيط به مما ذكرنا، لكن الناس يختلفون في مكانة تصوراتهم باختلاف درجاتهم من حيث حصولهم على المعلومة ونوعية تعلمهم وبصيرتهم، إلى غير ذلك من الفروق الفردية بينهم. وهذا الفهم لمعنى الفكر يتوافق إلى حدٍّ كبير ومفهوم علماء النفس الاجتماعي للرأي العام، وعليه يمكن القول إن الفكر يساوي في كثير من مظاهِرِه ما يسميه علماء النفس الاجتماعي وخبراء الإعلام بالرأي العام. وإن كان ثمة فرق بين الأمرين فهو أن الرأي العام قد يتضمن قضية تفرض على المجتمع إعلاميًّا أو سياسيًّا، وليست في الحقيقة من صميم اهتماماته، وربما لا تكون ضمن الأمور المؤثرة في حياته العادية، لكن وسائل الإعلام قد يكون لها مصلحة في فرضها على المجتمع، وهذا ما يحاول قادة الفكر دائمًا النأي بالمجتمع عنه، وذلك كي لا تكون انفعالات الأمة خادمة لأصحاب المصالح الخاصة. وثمة فرق آخر بين الرأي العام والفكر؛ وهو: أن الأخير يُراد به تصورات نخبة معينة من المثقفين، أما الرأي العام فالكل يشارك في تكوينه، وهذا الفرق قد لا يكون دقيقًا، بل قد يكون غير مسلم به لأنه يحتاج إلى ضبط المراد بهؤلاء النخبة التي تستحق أن تستأثر بتسمية إنتاجها الذهني فكرًا، مع أن البشر بشكلٍ عام لديهم نزعة فطرية نحو الحق، بمعنى أن الجميع يريد الحق فيما يعرض له من قضايا، ولا فرق في ذلك بين النخبة وغيرهم، بل قد تكون النخبة أقل ميْلًا إلى الحق من عامة الناس، باعتبار أنهم أكثر تعرُّضًا للهوى الفكري والانتماء المدرسي من غيرهم، أما من سواهم فإن لديهم تسليمًا لا شعوريًّا بأنهم لا يمتلكون أدوات معرفة الحق في القضايا المتعلقة بالتصورات التفصيلية للواقع، ومن ثَم الحكم من خلالها؛ وذلك لأن مصدر المعرفة المتفق عليه هو الحس أو ما يقوم مقامه، فلما كان الحسّ متعذِّرًا في الغالبية الساحقة من قضايا الحياة العامة إلا على أناس محدودين جدًّا، فإن الغالبية الساحقة يعطون ثقتهم لمن يتصورون أنه قد وصل إلى المعلومة بطريق الحس أو بأقرب الطرق إلى الحس، وأن هذا الموثوق صادق معه إما لملازمته لصفة الصدق أو لأنه صاحب مصلحة في الصدق، ولعل قول الله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 187] يصدق هذه الفكرة، فالناس بشكل عام ليس لديهم أدوات العلم بمعنى القطع والتحقق مما يسعون إلى التحقق منه. ولهذا نجد أن إقبال الناس على القيادات الفكرية إقبال طبعي، لا يحتاجون إلى مَن يدلهم عليه بل ربما صح القول بأنه فطرة، فالناس إذا لم يجدوا أمامهم مؤهلًا لقيادتهم فكريًّا صنعوا لهم قائدًا على مواصفاتهم الخاصة، ولعل هذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: « إن الله لا ينزع العلم انتزاعًا من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسُئِلوا فأفتَوْا بغير علم؛ فضلوا وأضلوا ». ولك أن تتأمل في قوله صلى الله عليه وسلم: « اتخذ الناس » فالناس إذا لم يكن المؤهل لقيادتهم فكريًّا أمامهم اتخذوا من تلقاء أنفسهم قائدًا فكريًّا ولو لم يكن مؤهلًا، والناس يعرفون الموهوب والذكي ومَن يملك القدرات الثقافية والخطابية التي تمكِّنه من التأثير وجذب الأتباع، لكن ليس كل مَن يستطيع تكوين قاعدة جماهيرية بهذه الصفات هو الأمثل حتمًا لقيادة الأمة فكريًّا. ولعلها تتاح مناسبة للحديث عن الأمثل للقيادة الفكرية، وإن كنت قد تطرقت لشيء منه في برنامج ساعة حوار على قناة المجد الفضائية. المصدر: موقع الدرر السنية
كتاب المؤتنف للخطيب البغدادي يحقق لأول مرة على نسخة المؤلف
محمود ثروت أبو الفضل
06-10-2019
8,919
https://www.alukah.net//culture/0/136572/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%86%d9%81-%d9%84%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d9%8a%d8%ad%d9%82%d9%82-%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%85%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%86%d8%b3%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81/
كتاب المؤتنف للخطيب البغدادي يحقق لأول مرة صدر حديثًا نسخة محققة جديدة من كتاب " المؤتَنِف تكَمِلة المؤتلِف والمختلف "، للخطيب البغدادي، والتي تُطبَع لأول مرة عن نسخة المؤلف بخط يده، وذلك عن دار الذخائر- المكتبة العمرية، بتحقيق الأستاذ أبي عاصم الشوامي. وفن " المؤتلف والمختلف " من الفنون التي اعتنى بها أهل السنة لضبط الأسماء وتصحيحها، حيث إن الأسماء والأعلام يختلف نطقها مع توحد رسم الأقلام، قال ابن الصلاح: «هذا فن جميل، من لم يعرفه من المحدثين كثُرَ عثاره، ولم يعدم مُخَجِّلًا، وهو منتشر لا ضابط في أكثره يُفَزع إليه، وإنما يُضبط بالحفظ تفصيلًا»، وقال العراقي في ألفيته: وَاعْنِ بما صُورَتُه مؤتلفُ *** خطًّا ولَكنْ لفظُه مختلفُ وقال علي بن المديني: « أشد التصحيف؛ التصحيف في الأسماء ». ومن هذا النوع كان كتاب صاحبنا الخطيب البغدادي حيث ألف عبد الغني بن سعيد الأزدي (409 هـ) كتابين؛ أحدهما في " مشتبه الأسماء "، والثاني في " مشتبه النسبة ". وألف شيخه أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني (385 هـ) كتابًا سماه " المؤتلف والمختلف ". وكثرت في هذا الفن التصانيف إلى أن جاء الخطيب البغدادي (463 هـ) فرأى أن يجمع نقص الكتب السابقة؛ وجمع بين مؤلفي الدارقطني وعبد الغني في مؤلف واحد، مع شرح ما قصّرا في شرحه، والاعتراف بسابق فضلهما فكان كتاب " المؤتنِف ". قال ابنُ خلكان: « وكان الخطيب أبو بكر صاحب " تاريخ بغداد " قد أخذ كتاب الحافظ أبي الحسن الدارقطني المُسمّى " المختلف والمؤتلف " وكتاب الحافظ عبدالغني بن سعيد الذي سماه " مشتبه النسبة " وجمعَ بينهما، وزادَ عليهما، وجعله كتابًا مستقلًا سمّاه "المؤتنف تكملة المختلف"». وهذا الكتاب من أعظم مفاخر الخطيب البغدادي ومن آخر كتبه تصنيفًا بالشام، ألفه حين ترك بغداد وأقام في الشام بعد فتنة البساسيري. ويصرح الخطيب البغدادي فيما نقله ابن ماكولا عنه: أنه قد جمع فيه من مؤتلف أسماء الرواة وأنسابهم ومختلفها، وما تضمنته كتب أصحاب الحديث من ذلك - وإن لم يكن المذكور راويًا - ما شذَّ عن كتابي أبي الحسن علي بن عمر وأبي محمد عبدالغني بن سعيد المصنفين في " المؤتلف والمختلف " وفي " مشتبه النسبة ". وأنه يذكر ما رسم فيهما أو في أحدهما على الوهم، ودخل على مدوِّنه فيه الخطأ والسهو، ويبين فيه صوابه، ويورد شواهده، ويذكر صحيح ما اختلفوا فيه مما انتهى إليه علمه، ويُقر ما أشكل عليه من ذلك لينسب كل قول إلى صاحبه". مصنفًا إياه على خمسة فصول: الفصل الأول: ما لم يذكراه ولا واحد منهما. الفصل الثاني: أوهام كتبهم. الفصل الثالث: ما أغفلاه مما أوردا له نظائر. الفصل الرابع: أشياء ذكراها وقصرا في شرحها وإيضاحها فبينها وأتم نقصانها. الفصل الخامس: ما أورداه من الأحاديث نازلةً ووقعت له عالية" [تهذيب مستمر الأوهام (ص 85-59)]. لذا كان مصنف الخطيب البغدادي من أجمع مصنفات هذا الفن، إلى جانب أنه من أضخم كتب الخطيب وأوسعها مادة وهو أحد الأصول التي بنى عليها ابن ماكولا كتابه "الإكمال" إلى جانب كون هذا الكتاب من المصادر التاريخية الأصلية التي حفظت لنا مادة عظيمة في تراجم رواة الحديث وأنسابهم. ونسخة الكتاب الخطية تعد من نفائس المخطوطات وأقدمها في العالم، ويذكر د. عبد الحيكم الأنيس في مقال له بشبكة الألوكة [1] أن هذه النسخة قد سُمِعت من المؤلف، وعليها سماعات أخرى كثيرة، ويقع أصلها في (٢٤) جزءًا، ولكن سقط منها (١٢) جزءًا، وفي تسمية جزأين من الأجزاء الباقية أثرُ تغيير، وأن الحافظ ابن حجر - رحمه الله - ذكر أنه اطلع عليها ووقعت بيده، وبالتالي نجد أن هذا المخطوط النفيس: ♦ كُتب في الشام. ♦ ثم ذهب إلى بغداد. ♦ ثم رحل عنها، ولا ندري طريق رحلته. ♦ لكننا علمنا أنه كان في القرن التاسع في القاهرة. ♦ ثم آلَ إلى مكتبة الدولة في برلين بألمانيا. وقد ذكر د. عبد الحكيم الأنيس أنه قد كانت هناك محاولات سابقة لتحقيق ذلك المخطوط على يد الشيخ رياض الطائي، إلى جانب أنه قد تم دراسة وتحقيق جزء من الكتاب - ( من باب الجبيلي والحنبلي إلى باب شباك وشباك ) - على يد الأستاذ خالد بن محمد السليم؛ لنيل درجة الدكتوراه بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ويعد هذا التحقيق الجديد هو التحقيق الأول الذي يطبع لنسخة المخطوط كاملة مع مقابلتها على النسخ الأخرى. والخطيب البغدادي (392 - 463 هـ = 1002 - 1072 م) هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي المعروف بالخطيب البغدادي أحد الحفاظ المؤرخين المقدمين. مولده في ( غُزية ) - بصيغة التصغير - منتصف الطريق بين الكوفة ومكة، ومنشأه ووفاته ببغداد. رحل إلى مكة وسمع بالبصرة والدينور والكوفة وغيرها، وعاد إلى بغداد فقربه رئيس الرؤساء ابن مسلمة ( وزير القائم العباسي ) وعرف قدره. ثم حدثت شؤون خرج على أثرها مستترًا إلى الشام فأقام مدة في دمشق وصُور وطرابلس وحلب، سنة 462 هـ. ولما مرض مرضه الأخير وقف كتبه وفرق جميع ماله في وجوه البر وعلى أهل العلم والحديث. وذكر ياقوت الحموي أسماء 56 كتابًا من مصنفاته، من أفضلها " تاريخ بغداد " في أربعة عشر مجلدًا. وليوسف العش الدمشقي كتاب " الخطيب البغدادي، مؤرخ بغداد ومحدثها " أورد فيه أسماء 79 كتابًا من مصنفاته. ومصنفاته كان يشار إليها بالبنان، وأثنى عليها كثير من العلماء، وقال فيها الحافظ أبو طاهر السلفي: تصانيف ابن ثابتٍ الخطيبِ ألذّ من الصبا الغضّ الرطيبِ يراها إذ حواها مَن رواها رياضًا رأسها ترْكُ الذنوبِ ويأخذ حُسن ما قد صاغ منها بقلبِ الحافظ الفطنِ الأريبِ فأيَّةَ راحةٍ ونعيم عيشٍ يوازي كتبه؟ أم أيُّ طِيْبِ؟ وروى مُحبُّ الدين ابن النجار بسنده عن أبي الوليد الباجي قال: رأيتُ الْحُفَّاظَ في ديار الإسلام أربعة: أبا ذر عبد بن أحمد، والصوري، والأرموي، وأبا بكر الخطيب، وأما الفقهاء فكثير. قال أبو الخطاب ابن الجراح يمدح الخطيب البغدادي: فاقَ الخطيبُ الورى صِدقًا ومعرفةً وأعجزَ الناسَ في تصنيفِهِ الكُتُبا حمى الشريعة من غاوٍ يُدنِّسُها بوضعه، ونفى التدليسَ والكَذِبا جلَّى محاسنَ بغدادٍ فأودَعَها تاريْخَهُ مُخْلِصًا لله مُحْتَسِبا وقال في الناس بالقسطاس منحرفًا عن الهوى وأزال الشكَّ والرِّيبا سَقى ثراكَ أبا بكرٍ على ظَمَأٍ جونٌ ركامٌ يَسحُّ الواكِفَ السّربا ونِلتَ فوزًا ورضوانًا ومغفرةً إذا تحقَّقَ وعدُ اللهِ واقترَبا [1] قصة مخطوط (1): المؤتنف : رابط: https://www.alukah.net/culture/0/117591
نظرات في كتاب (الفعل المبني للمجهول) للأستاذ الدكتور أيمن عبد الرزاق الشوا
د. خليل خلف سويحل
03-10-2019
9,767
https://www.alukah.net//culture/0/136539/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b9%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%87%d9%88%d9%84-%d9%84%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d8%b0-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%a3%d9%8a%d9%85%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b2%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%88%d8%a7/
نظرات في كتاب (الفعل المبني للمجهول) للأستاذ الدكتور أيمن عبد الرزاق الشوَّا تميَّز الدكتور أيمن الشوا بنشاطه العلمي الغزير الذي ميزه من أقرانه، فله ما يربو على عشرين مؤلفًا في النحو واللغة، عدا عشرات الدراسات والمقالات المنشورة في المجلات المحكمة، والدروس والندوات التلفزيونية. ولعل أهم خصيصة في بحوثه هي الموضوعية والأصالة والجدة ودقة الاقتباس والأمانة في النقل، وهذا ما امتاز به كتابه (الفعل المبني للمجهول) . فهو باحث جادٌّ يبحث في عمق اللغة ويسبر أغوار النحو والبلاغة من نافذة الفعل المبني للمجهول، وهو موسوعة نحوية في موضوع المبني للمجهول، فقد درسه من خلال ثمانية فصول، درس فيها الفعل المبني للمجهول عند اللغويين وعلماء الصرف والقراءات، وأهمية الفاعل، وصور النائب عن الفاعل، والأغراض البلاغية لحذف الفاعل، وأثر الفعل المبني للمجهول في التفسير وفي ظاهرة الإعجاز، واختتمت الفصول بشواهد وتطبيقات. وفي كتابه فوائد علمية ومعلومات قيمة لم يكن الحصول عليها بالأمر الميسور إلا بعد طول بحث وتنقيب، ومن ذلك: 1- أساليب نادرة في حذف الفاعل، نحو: أولى لك، كذب عليكم الحجَّ... ص151 وما بعد. 2- أنواع الفاعل في اللغة: الفاعل الحقيقي والفاعل المجازي والفاعل النحوي ص88 وما بعد. 3- البحث في الأسرار البلاغية للمبني للمجهول، نحو قراءة الحسن ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ﴾ [البقرة: 281]. بياء مضمومة "إنما عدل عن الخطاب إلى الغيبة فقال: (يُرجعون) بالياء رفقاً من الله سبحانه بصالح عباده المطيعين لأمره..." ص176 وما بعد، وربما تطول القائمة في ذكر فوائد الكتاب وموضوعاته. وقد استطاع رصد أقوال النحويين وجمع آرائهم في أحوال الفعل المبني للمجهول من وجوه مختلفة، فاستحق كتابه بذلك أن يكون أنموذجًا للبحث العلمي الرصين من دون حشو واستطراد.
ترجمة الإمام عبدالله بن المبارك
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
02-10-2019
31,364
https://www.alukah.net//culture/0/136507/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d9%83/
ترجمة الإمام عبدالله بن المبارك إن الإنسان قد يُعرف بين الناس بصفة حسنة من الصفات الحميدة، ويشتهر فيهم بتلك الخلة الفاضلة، حينما يكون حظه منها زائدًا على غيره، فمن الناس من يشار إليه بالعلم والفهم، ومنهم من يشار إليه بالزهد والعبادة، ومنهم من يشار إليه بالغزو والرباط، ومنهم من يعرف بالسخاء وكثرة الصدقات، ومنهم من يعرف بدرايته العربية، أو الشعر، أو الفروسية، أو التجارة، ونحو ذلك، لكن أن تجتمع هذه الخلال في شخصية واحدة، فهذا من الأمثلة القليلة في الناس، غير أن فضل الله تعالى على بعض عباده قد يُنيله هذا كله، فيجمع فيه ما تفرق في الناس من الفضائل، ومن الأمثلة على هذه الشخصية الجامعة لخصال الخير: الإمام عبدالله بن المبارك رحمه الله. اسمه ونسبه ومولده رحمه الله: هو: عبدالله بن المبارك بن واضح، أبو عبدالرحمن، الحنظلي مولاهم، التركي، ثم المروزي، الحافظ، الغازي، أحد الأعلام، الإمام، شيخ الإسلام، عالم زمانه، وأمير الأتقياء في وقته، كان أبوه تركيًّا مولى لرجل من التجار من بني حنظلة من أهل همذان، فكان ابن المبارك إذا قدمها أحسن إلى ولد مولاهم، وكانت أمه خوارزمية، ولد في إقليم خراسان في مرو [1] سنة: (118هـ) [2] . تتلمذه وطلبه للعلم رحمه الله: حرص الإمام ابن المبارك على العلم، فبدأ في طلبه وهو ابن عشرين سنة، ولا ندري ما سبب تأخُّره في ذلك، فلعل ذلك راجع إلى حال أسرته، ومع ذلك فقد حصَّل علمًا كثيرًا، وليست العبرة بالتبكير في طلب العلم ولا طول السنين فيه، ولكن بحصول البركة والتوفيق، فلما وضع ابن المبارك قدمه على طريق العلم اجتهدًا اجتهادًا عظيمًا في التحصيل حتى فاق غيره، قال أحمد بن حنبل: "لم يكن في زمانه أطلب للعلم منه، جمع أمرًا عظيمًا ما كان أحد أقل سقطًا منه، كان رجلًا صاحب حديث حافظ"؛ قال ابن المبارك عن نفسه: "حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف شيخ". وقد كان أقدم شيخ لقيه: هو الربيع بن أنس الخراساني، تحيل ودخل إليه إلى السجن، فسمع منه نحوًا من أربعين حديثًا، ثم ارتحل في سنة (141هـ)، وأخذ عن بقايا التابعين، وأكثر من الترحال والتطواف، فقد ارتحل إلى الحرمين، والشام، ومصر، والعراق، والجزيرة، وبعض الأماكن في خراسان، وكان من شيوخه الذين روى عنهم: سليمان التيمي، وحميد الطويل، وإسماعيل بن أبي خالد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبان بن تغلب، وغيرهم [3] . علمُه رحمه الله: كان الإمام ابن المبارك من كبار العلماء الذين عرف أهل العلم رسوخهم فيه، وشهدوا لهم بسمو الرتبة في تحصيله وتعليمه والعمل به، وأثنوا عليه بهذه الخصلة العظيمة التي هي واحدة من خصاله الكثيرة؛ قال أبو عمر بن عبدالبر: "أجمع العلماء على قبوله وجلالته وإمامته وعدله" [4] ، وقال ابن معين: "كان عبدالله رحمه الله كيِّسًا مستثبتًا ثقة، وكان عالِمًا، صحيح الحديث، وكانت كتبه التي يحدث بها عشرين ألفًا أو واحدًا وعشرين ألفًا" [5] . وقال محمد بن عبدالوهاب الفراء: "ما أخرجت خراسان مثل هؤلاء الثلاثة: ابن المبارك، والنضر بن شميل، ويحيى بن يحيى" [6] . وقال شعيب بن حرب: "ما لقي ابن المبارك رجلًا إلا وابن المبارك أفضل منه" [7] ، وقال أبو أسامة: "ابن المبارك في المحدثين مثل أمير المؤمنين في الناس" [8] ، وقال أبو إسحاق الفزاري: "ابن المبارك إمام المسلمين أجمعين" [9] ، ولَمَّا مات ابن المبارك قال هارون أمير المؤمنين: "مات سيد العلماء" [10] . لقد كان ابن المبارك يرى أن العلم أعظم المكرمات التي لا يحتاج معها إلى مكرمة سواه، فقال: "عجبت لمن لم يطلب العلم، كيف تدعوه نفسه إلى مكرمة؟!" [11] . وكان رحمه الله شغوفًا بالقراءة، محبًّا للكتب، يرى في الجلوس معها أنسه وراحته، ويجد في البقاء بينها نجاة من مجالس الغيبة ومقاعد ضياع الأوقات، قال شقيق البلخي: قيل لابن المبارك: إذا أنت صليتَ لِم لا تجلس معنا؟ قال: "أجلس مع الصحابة والتابعين، أنظر في كتبهم وآثارهم، فما أصنع معكم؟ أنتم تغتابون الناس؟!" [12] . وكان رحمه الله لا يقرأ العلم ولا يحفظه ليبزَّ به غيره، ويطلب به عرضًا من الدنيا، بل كان يطلبه للعمل، ولذلك أُثر عنه إقباله على العبادة والعمل بما تعلم، قال نعيم بن حماد: "ما رأيت أعقل من ابن المبارك، ولا أكثر اجتهادًا في العبادة" [13] ، ومن عمله بالعلم أنه رُئي بمكة أتى زمزم، فاستقى شربة، ثم استقبل القبلة، فقال: "اللهم إن ابن أبي الموال حدثنا عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ماء زمزم لما شُرب له)، وهذا أشربه لعطش القيامة، ثم شربه" [14] ، وكانت دعوته رحمه الله مستجابة، قال الحسن بن عيسى: "كان مجاب الدعوة" [15] ، ومن أدلة ذلك: ما جاء عن وهب أنه قال: مر ابن المبارك برجل أعمى، فقال له: "أسألك أن تدعو لي أن يرد الله عليَّ بصري، فدعا الله، فرد عليه بصره وأنا أنظر" [16] ، فلعله سينال ما دعا به رحمه الله، ومن أمثلة عمله بعلمه: ما قاله الحسن بن عرفة قال: قال لي ابن المبارك: "استعرت قلمًا بأرض الشام، فذهبت على أن أرده، فلما قدمت مرو، نظرت، فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه" [17] . وهذه غاية سامية في الأمانة! وكان غفر الله له حسن التعليم، فقد عطس رجل عنده، فقال له ابن المبارك: "أيش يقول الرجل إذا عطس؟ قال: الحمد لله، فقال له: يرحمك الله" [18] . ومع هذه المكانة العلمية السامقة إلا أنه كان متواضعًا لأهل العلم من أقرانه وغيرهم، حسن الأدب معهم، قال يحيى بن يحيى الأندلسي: "كنا في مجلس مالك، فاستُؤذن لابن المبارك فأذن، فرأينا مالكًا تزحزح له في مجلسه، ثم أقعده بلصقه ولم أره تزحزح لأحد في مجلسه غيره، فكان القارئ يقرأ على مالك فربما مر بشيء، فيسأله مالك: ما عندكم في هذا؟ فكان عبدالله يجيبه بالخفاء، ثم قام فخرج فأعجب مالك بأدبه، ثم قال لنا: هذا بن المبارك فقيه خراسان" [19] . وكان محبوبًا بين الناس لعلمه وعمله به، معروفًا بينهم إذا قدم مكانًا احتفل به أهله، فقد قدم الرشيد الرقة، فانجفل الناس خلف ابن المبارك، وتقطعت النعال، وارتفعت الغبرة، فأشرفت أم ولد لأمير المؤمنين من برج من قصر الخشب، فقالت: ما هذا؟ قالوا: عالم من أهل خراسان قدم، قالت: هذا والله المُلك، لا مُلك هارون الذي لا يجمع الناس إلا بشُرَط وأعوان" [20] . من أقواله رحمه الله: تناقل أهل السير أقوالًا كثيرة لابن المبارك، تشع منها أنوار الحكمة والهداية، فمن أقواله في العلم وأهله: قيل له: إلى متى تكتب العلم؟ قال: "لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد" [21] . جودُه رحمه الله: كان الجود والكرم من أظهر خصال الخير في ابن المبارك، حتى صدق فيه قول الشاعر: هو البحرُ من أيِّ النَّواحي أتيتهُ فَلُجَّتهُ المعروفُ والجودُ ساحلُهْ تعوَّدَ بسطَ الكفِّ حتَّى لوَ انَّهُ دعاها لقبضٍ لم تُجِبْهُ أناملُهْ ولو لم يكن في كفِّهِ غيرُ نفسهِ لجادَ بها فليتَّقِ الله سائلُهْ [22] وقد كان رحمه الله تاجرًا غنيًّا شاكرًا رأس ماله نحو الأربعمائة ألف [23] . عمل في التجارة لأسباب صالحة تتعلق به وبمن يحب؛ فقد "قال علي بن الفضيل: سمعت أبي يقول لابن المبارك: "أنت تأمرنا بالزهد والتقلل والبلغة، ونراك تأتي بالبضائع، كيف ذا؟! قال: "يا أبا علي، إنما أفعل ذا لأصون وجهي، وأكرم عرضي، وأستعين به على طاعة ربي" [24] . وكان على رأس من يحب: العلماءُ وطلبةُ العلم؛ فقد كان يكرمهم فينفق عليهم نفقات كثيرة، ويحسن صِلاتهم، ويتفقد أحوالهم؛ حتى يعينهم على الاستمرار في التعلم والتعليم، فقد قال للفضيل بن عياض: "لولا أنت وأصحابك ما اتجرت، قال: وكان ينفق على الفقراء في كل سنة مائة ألف درهم" [25] . وقال الحسن بن حماد: دخل أبو أسامة على ابن المبارك، فوجد في وجهه عبد الله أثر الضر، فلما خرج، بعث إليه أربعة آلاف درهم، وكتب إليه: وفتىً خلا من ماله ومن المروءة غير خالِ أعطاك قبل سؤاله وكفاك مكروهَ السؤالِ [26] "وقال المسيب بن واضح: أرسل ابن المبارك إلى أبي بكر بن عياش أربعة آلاف درهم، فقال: سدَّ بها فتنة القوم عنك" [27] . وقد "عوتب ابن المبارك فيما يفرق من المال في البلدان دون بلده، قال: إني أعرف مكان قوم لهم فضل وصدق، طلبوا الحديث، فأحسنوا طلبه لحاجة الناس إليهم، احتاجوا، فإن تركناهم، ضاع علمهم، وإن أعناهم، بثوا العلم لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا أعلم بعد النبوة أفضل من بث العلم" [28] . ومن جهات جوده التي عرف بها: إكرامه لإخوانه وجيرانه في نفقات الحج، فكان رحمه الله إذا كان وقت الحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم، فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم، ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم، ويطعمهم أطيب الطعام، وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي، وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرفها؟ فيقول: كذا وكذا، ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق، ففتحه، ودفع إلى كل رجل منهم صرته عليها اسمه" [29] . وفي مرة من المرات "خرج إلى الحج، فاجتاز ببعض البلاد، فمات طائر معهم، فأمر بإلقائه على مزبلة، وسار أصحابه أمامه وتخلف هو وراءهم، فلما مر بالمزبلة إذا جارية قد خرجت من دار قريبة منها، فأخذت ذلك الطائر الميت، فكشف عن أمرها وفحص، حتى سألها، فقالت: أنا وأختي ها هنا، ليس لنا شيء إلا هذا الإزار، وقد حلت لنا الميتة، وكان أبونا له مال عظيم، فظُلم وأخذ ماله وقُتل، فأمر ابن المبارك برد الأحمال، وقال لوكيله: كم معك من النفقة؟ فقال: ألف دينار، فقال: عد منها عشرين دينارًا تكفينا إلى مرو، وأعطها الباقي، فهذا أفضل من حجنا في هذا العام، ثم رجع" [30] . وهذا هو الفقه، فما أجمل المال إذا انضم إليه الفقه، ومعرفة مقاصد الشريعة وغاياتها، والعلم بكيفية الموازنة بين شعائرها! وقال إسماعيل بن عياش: "ولقد حدثني أصحابي أنهم صحبوه من مصر إلى مكة، فكان يطعمهم الخبيص [31] ، وهو الدهرَ صائمٌ" [32] . ومن جهات جوده: قضاء ديون المدينين، وما أعظمه من عمل يفرج به كرب مكروب، وينفس به هم مهموم، فقد "كان ابن المبارك كثير الاختلاف إلى طرسوس، وكان ينزل الرقة في خان، فكان شابًّا يختلف إليه، ويقوم بحوائجه، ويسمع منه الحديث، فقدم عبدالله مرةً فلم يره، فخرج في النفير مستعجلًا، فلما رجع سأل عن الشاب، فقيل: محبوس على عشرة آلاف درهم. فاستدل على الغريم، ووزن له عشرة آلاف، وحلَّفه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأخرج الرجل، وسرى ابن المبارك، فلحقه الفتى على مرحلتين من الرقة، فقال لي: يا فتى أين كنت؟ لم أرك! قال: يا أبا عبدالرحمن، كنت محبوسًا بدَين، قال: وكيف خلصت؟ قال: جاء رجل فقضى ديني، ولم أدر، قال: فاحمد الله، ولم يعلم الرجل إلا بعد موت عبدالله" [33] . وهذا فيه من دلائل الإخلاص، وسمو المروءة ما فيه، بل بلغ به الكرم في هذه الجهة ما تضمنته هذه القصة العجيبة: "جاء رجل إلى ابن المبارك، فسأله أن يقضي دينًا عليه، فكتب له إلى وكيل له، فلما ورد عليه الكتاب، قال له الوكيل: كم الدين الذي سألته قضاءه؟ قال: سبعمائة درهم، وإذا عبدالله قد كتب له أن يعطيه سبعة آلاف درهم، فراجعه الوكيل، وقال: إن الغلات قد فنيت، فكتب إليه عبدالله: إن كانت الغلات قد فنيت، فإن العمر أيضًا قد فني، فأجز له ما سبق به قلمي" [34] . كأنه أراد ألا يكسر قلب ذلك المدين، ولا يبعد عنه الفرح بهذا المبلغ الكبير. جهادُه رحمه الله: الجهاد باب عظيم من أبواب الخير التي حث عليها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وامتثله نبي الله وصحابته الكرام والصالحون من بعدهم؛ فلذلك على منوالهم سار الإمام ابن المبارك رحمه الله، وبقي على هذه الشعيرة إلى آخر أيام حياته، فقد مات بمدينة هيت [35] ، وهو عائد من غزوة من الغزوات، وقد اشتهر رحمه الله بالمبارزة والإثخان في العدو بذلك. شِعره رحمه الله: حتى الشعر كان لابن المبارك مشاركة فيه، ولكن شعره كان دائرًا في مجالات الخير، فصار بذلك من حسن الكلام، وقد ذكر الذين ترجموا له أبياتًا ومقطوعات وقصائدَ [36] ، فمن ذلك قوله رحمه الله: "فكيف قرت لأهل العلم أعينهمْ أو استلذوا لذيذ النوم أو هجعوا والنار ضاحية لا بد موردها وليس يدرون من ينجو ومن يقع وطارت الصحْف في الأيدي منشرة فيها السرائر والجبار مطّلع إما نعيم وعيش لا انقضاء له أو الجحيم فلا تبقي ولا تدع تهوي بساكنها طورًا وترفعه إذا رجوا مخرجًا من غمها قُمعوا لينفعِ العلمُ قبل الموت عالمَه قد ساْلَ قوم بها الرجعى فما رجعوا" [37] وقوله أيضًا: "يا عائب الفقر ألا تزدجرْ عيبُ الغنى أكثر لو تعتبرْ مِن شرف الفقر ومن فضله على الغنى لو صح منك النظرْ أنك تعصي لتنال الغنى وليس تعصي الله كي تفتقر" [38] وقوله وهي أبيات مؤلِمة جدًّا: "كيف القرار وكيف يهدأ مسلمٌ والمسلماتُ مع العدو المعتدي؟ الضاربات خدودهن برنَّةٍ يَبكين بالحسرات دينَ محمد القائلات إذا خشين فضيحةً جهد المقالة: ليتنا لم نولَد ما تستطيع وما لها من حيلةٍ إلا التستر من أخيها باليد" [39] . تصانيفه رحمه الله: أدرك ابن المبارك رحمه الله أن العلم يبقى بالتصنيف، ويخلد ذكر المرء بالتأليف؛ فلذلك صنف مؤلفات عديدة، فمنها: 1) الأربعون، وهو أول من صنف في الأربعينات [40] . 2) الاستئذان [41] . 3) البر والصلة [42] . 4) التاريخ [43] . 5) التفسير [44] . 6) الجهاد [45] ، وهو أول من صنف في الجهاد. 7) ديوان شعر [46] . 8) الزهد والرقائق [47] ، وهو أول من صنف في الرقائق. 9) السنن في الفقه [48] . 10) المسند [49] . جمعُه لخصال الخير التي تفرقت في غيره، رحمه الله: وبعد استعراض بعض خصال الخير في الإمام ابن المبارك، يتبيَّن لنا أن الرجل قد جمع خلالًا حميدة قل أن تجتمع في غيره؛ فلذلك ذكر بعض أهل العلم السابقين بعض العبارات الدالة على هذا الأمر: قال إسماعيل بن عياش: "ما على وجه الأرض مثل ابن المبارك، ولا أعلم أن الله خلق خصلة من خصال الخير، إلا وقد جعلها في عبدالله بن المبارك" [50] . وقال الحسن بن عيسى بن ماسرجس مولى ابن المبارك: "اجتمع جماعة مثل: الفضل بن موسى، ومخلد بن الحسين، فقالوا: تعالوا نعد خصال ابن المبارك من أبواب الخير، فقالوا: العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه" [51] . وقال ابن حبان: "وكان ابن المبارك رحمه الله فيه خصال مجتمعة لم يجتمع في أحد من أهل العلم في زمانه في الدنيا كلها، كان فقيهًا ورعًا عالِمًا بالاختلاف، حافظًا يعرف السنن، رحالًا في جمع العلم، شجاعًا ينازل الأقران، ويكابد الأبطال، أديبًا يقول الشعر فيجيد، سخيًّا بما ملك من الدنيا" [52] . وقال العباس بن مصعب: "جمع عبدالله الحديث، والفقه، والعربية، وأيام الناس، والشجاعة، والسخاء، والتجارة، والمحبة عند الفرق" [53] . "وقال الحاكم: هو إمام عصره في الآفاق، وأولاهم بذلك علمًا وزهدًا وشجاعة وسخاءً" [54] . وتمنَّى بعض العلماء أن يعيش بعض خصاله الحسنة مدة قليلة من الزمن، ولكنه ما استطاع؛ قال سفيان: "إني لأشتهي من عمري كله أن أكون سَنةً مثل ابن المبارك، فما أقدر أن أكون ولا ثلاثة أيام" [55] . وبهذا الخير المجتمع قرت به عيون الناظرين إليه، والمجالسين له، قال عبدالرحمن بن زيد الجهضمي: "قال الأوزاعي: رأيتَ ابن المبارك؟ قلت: لا، قال: لو رأيته لقرَّت عينك" [56] . وشخص بهذا الخير العميم، والجمع الكريم لهذه الخصال الحسنة هو نور لآفاقه، وأنسٌ لأهله ورفاقه، فصدق من قال فيه: "إذا سار عبدُ الله من مروَ ليلةً فقد سار منها نورها وجمالُها وإن ذُكر الأحبارُ في كل بلدة فهمْ أنجمٌ فيها وأنت هلالُها" [57] وفاته رحمه الله: وبعد حياة حميدة قضاها في كل خير وهبه الله إياه، وأعانه عليه يسلم أبو عبدالرحمن نفسه لباريها، ويغادر الدنيا، ويترك الله له في الآخرين لسان صدق يلهج بالثناء، ويذكره بالدعاء. فمات رحمه الله في " هيت " ( على الفرات ) منصرفًا من غزو الروم، في رمضان سنة: (181هـ) وله ثلاث وستون سنة. ولما احتضر ابن المبارك، جعل رجل يلقِّنه، قل: لا إله إلا الله، فأكثر عليه، فقال له: "لست تحسن، وأخاف أن تؤذي مسلمًا بعدي، إذا لقنتني فقلت: لا إله إلا الله، ثم لم أحدث كلامًا بعدها، فدعني، فإذا أحدثت كلامًا، فلقني حتى تكون آخر كلامي" [58] . وهذه النصيحة الغالية هي آخر ما نصح بها أمة محمد، فما أعظمها من نصيحة في مثل تلك الحال! فرحمه الله رحمة واسعة. دروس من حياة عبدالله بن المبارك: 1- نعمَ المال الصالح للعبد الصالح، وما أجمل العلم حينما يجتمع معه مال حلال يكف به صاحبه وجهه عن الناس، ويستعين به على طاعة الله تعالى. 2- لا خير في العلم إذا لم يكن به عمل. 3- تفقُّد أهل العلم وقضاء حوائجهم من خير الأعمال. 4- الإخلاص في الأعمال الصالحة هو الذي يرفع قدر صاحبها عند الله وعند الناس. 5- ليكن للمؤمن مشاركة صالحة في مجالات متعددة في الخير ما استطاع لذلك، ولا يقتصر على جانب من الجوانب وهو يقدر على تجاوزه إلى غيره من ميادين الفضائل. [1] خراسان الكبرى: منطقة جغرافية واسعة، قال ياقوت: "بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمهات من البلاد؛ منها: نيسابور وهراة ومرو - وهي كانت قصبتها - وبلخ وطالقان ونسا وأبيورد وسرخس"؛ معجم البلدان، لياقوت الحموي (2/ 350)، وهي الآن تشمل شمال غرب أفغانستان، وأجزاءً من جنوب تركمانستان، إضافة إلى مقاطعة خراسان الحالية في إيران، وأما (مرو) فهي الآن عاصمة منطقة ماري في تركمانستان - وماري تحريف لمرو - وتقع مرو على ضفاف نهر المرغاب، وتعد المدينة حاليًّا وفقًا لليونسكو من مواقع التراث العالمي، ويقال: إنها كانت أكبر مدن العالم في القرن الثاني عشر الميلادي؛ ينظر: موسوعة ويكيبيديا على الشبكة العنكبوتية. [2] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 378)، البداية والنهاية، لابن كثير(13/ 610)، تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 351). [3] تهذيب التهذيب، لابن حجر (5/ 384)، تهذيب الكمال، للمزي (16/6)، سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 379) (8/ 381) (8/ 397). [4] البداية والنهاية، لابن كثير (13/ 613). [5] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 391). [6] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 383). [7] المرجع السابق (8/ 384). [8] المرجع السابق. [9] المرجع السابق (8/ 390). [10] المرجع السابق. [11] المرجع السابق (8/ 398). [12] المرجع السابق. [13] المرجع السابق (8/ 405). [14] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 393). [15] تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 355). [16] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 395). [17] المرجع السابق. [18] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 383). [19] تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 355). [20] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 384)، البداية والنهاية، لابن كثير (13/ 611). [21] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 407). [22] الأبيات لأبي تمام؛ الحماسة المغربية (ص: 25). [23] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 409). [24] المرجع السابق (8/ 387). [25] تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 355). [26] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 409). [27] المرجع السابق (8/ 410). [28] المرجع السابق (8/ 387). [29] المرجع السابق (8/ 385). [30] البداية والنهاية، لابن كثير (13/ 611). [31] الخبيص: الحلواء المخبوصة من التمر والسمن. [32] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 384). [33] المرجع السابق (8/ 386). [34] المرجع السابق. [35] تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 355). [36] ثم جمعت مؤخرًا في ديوان سيأتي ذكره في مصنفاته. [37] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 413). [38] المرجع السابق (8/ 416). [39] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 416). [40] الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المصنفة، لمحمد بن جعفر الكتاني (ص: 102). [41] الرسالة المستطرفة (ص: 45). [42] الفهرست، لابن النديم (ص: 319). [43] معجم المؤلفين، لكحالة (6/ 106). [44] الفهرست (ص: 319). [45] حققه وقدم له وعلق عليه د. نزيه حماد، طبع بالدار التونسية بتونس سنة 1972م، ثم أعيد طبعه بدار المطبوعات الحديثة بجدة بدون تاريخ. [46] طبعته: دار اليقين للنشر والتوزيع، مصر المنصورة؛ تحقيق: سعد كريم الفقي. [47] طبعته: دار الكتب العلمية – بيروت؛ تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي. [48] الفهرست، لابن النديم (ص: 319). [49] مطبوع باسم: مسند الإمام عبدالله بن المبارك، ط: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الأولى ، 1407هـ؛ تحقيق صبحي البدري السامرائي. [50] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 384). [51] المرجع السابق (8/ 397). [52] الثقات، لابن حبان (7/ 7). [53] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 381). [54] تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 355). [55] تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 353). [56] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 384). [57] المرجع السابق (8/ 391). [58] سير أعلام النبلاء، للذهبي (8/ 418)، البداية والنهاية، لابن كثير (13/ 613)، تهذيب التهذيب، لابن حجر (20/ 355).
النوم واليقظة
د. أحمد زكي
01-10-2019
13,080
https://www.alukah.net//culture/0/136486/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%82%d8%b8%d8%a9/
النوم واليقظة « النوم، ما أحلاه! » ، أو هكذا يقول المجهود اللاغب قد استنفد النهار طَوْقه واستفرغ قواه. « النوم، ما أعزه وأغلاه! » ، أو هكذا يقول المريض تعذّر عليه القيام وسرى السقام في عظامه بصنوف الآلام. فلا هو بالصحيح الصاحي فتحمله كالناس رجلان، ولا بالغافل العافي فتغمض له عينان!. إمساؤه كإصباحه ونجوم ليله كشمس نهاره!. « النوم، ما أروحه! » ، أو هكذا يقول المكروب أفعم الهّم صدره حتى كاد يصدّعه، وثار الفكر الملحّ برأسه حتى كاد يطير به، يطلب النوم فيتأبى عليه، والنوم كالسائمة الهائمة تشرد عن طالبها، فيحتال عليه بالفكر اقتناصًا، فيفكر ثم يفكر، ولكن في دائرة لا مبدأ لها ولا منتهى!. النوم كالهواء والماء غلا حتى عز أن يكون له ثمن، منحة الله العظمى، وعطيته الكبرى، لا يستأثر بها غنيٌّ ولا توصد الخزائن دونها عن فقير. وعَّمت فلم يختص بها الإنسان، فكان للخلائق أجمعين أنصبة منها، حتى النبات له من ذلك نصيب!. نعم حتى النبات فهو في النهار يعمل كالإنسان سعيًا وراء القوت، فيأخذ من الهواء أكسيد الفحم فيهضمه فأما الفحم فيستبقيه غذاءً صالحًا يزداد به في الجسم بسطة وفي الأفرع انبساقًا، وأما الأوكسجين فيطلقه في الجو فضلة لا حاجة به إليها حتى إذا جاء الليل كف عن العمل وهجع إلى الصباح ليعود إلى ما كان عليه في أمسه!. غريب فعل هذه الشمس في الخلائق، تغيب فتنام الأرض ومن عليها، وتطلع فتنشر أشعتها اليقظة والحياة، أو الأصح أن نقول: « إن نصف الأرض ينام حيث الشمس غائبة بينما نصفها الآخر صاح حيث الشمس طالعة»، فالنوم واليقظة دوّاران كالشمس يدوران على الناس من المشرق الى المغرب. وعلاقة الشمس بالنوم ليست مصادفة وليست عادة ابتدعها الإنسان ثم ألفها، ولكنها علاقة اقتضتها طبيعة الحياة وطبيعة الأجسام الحية وطبيعة النوم كذلك. ومن أجل هذا عمت حتى شملت كل ذي حياة. حتى السمك يقل حسه في الليل ويهدأ حيث هو من الماء. ومن أطرف ما رأيت أنهم أعلنوا في لندن منذ أعوام خلت أن الشمس ستكسف بعد طلوع الشمس بقليل. وكنا نسكن بظاهر المدينة فقمنا مبكرين نشهد هذا المشهد الجليل. فذَّر قرن الشمس وخرجت الطيور على العادة من أوكارها تسعى الى الرزق. ولكن ما هي إلا أن احتجبت الشمس وجلل الأرض ما يشبه الغسق حتى وجدنا هذه الطيور تعود الى أوكارها زرافات ووحدانا مخدوعة عن صباحها، ولم يكن بعد قد جف نداه. وهذا نظام كما ذكرنا عام اقتضته ضرورة الحياة، وله شواذ إلا أنها لا تكون إلا لضرورة من ضرورات الحياة كذلك. فكما نرى بين الناس من يضطره العيش إلى القيام والناس هجوع، والى الهجوع والناس قيام نرى من الحيوانات كالمفترسة ما يلبس رداء الظلام يتحسس فريسة نائمة، ومنها الضعيف الهياب كالحشرات والجرذان يتخذ من الليل نهارًا يطلب القوت تحت ستاره في أمان واطمئنان. ومن النباتات أجناس رخصت لها الطبيعة بمثل هذا الشذوذ. فبينما نرى الكثير من الشجر تتهدل أغصانه بعض الشيء وتغمض أزهاره وتنحبس عطورها بمغيب الشمس، نرى القليل كنبات التبغ يسير على النقيض فتتفتح أزهاره في الليل ويفوح طيبه وما كان للطبيعة أن تأذن [1] لهذا النبات في رخصة كهذه لولا أن فيها حياته وبها ضمان إنساله، فإن فَراش الليل ينجذب إلى الزهرة الذكر بشذاها، فيحط عليها طلبًا لجناها، ثم يشيل عنها متحملا بلقاحها، فيحط به على زهرة أنثى فيتم إثمارها. أما جوهر النوم وكنهه فقد حار فيهما العلماء كما حاروا في كل شيء يتصل بالمخ وتوابعه من حيث الصحة والمرض ومن حيث الإدراك والتفكير. ولا غرابة في ذلك، فالإنسان امتاز من الكائنات بخلقه، والمخ أعقد ما في هذا الخلق، وبه ساد الخلائق، وبه تحكم فيها وورث الأرض، وبه سيرث أجرام السماوات. غير أنه مما لا شك فيه أن النوم يعطل في الإنسان التعقل والتفكير، وكذلك الإحساس، وتلك جميعها من مظاهر اليقظة. ولا تدوم فترة ما بين اليقظة والنوم أكثر من دقيقة أو دقيقتين، وعندئذ يدخل الرجل الصحيح المعافى في النوم كما يجب أن يكون، وتنقطع الصلة بينه وبين هذا العالم ساعة أو ساعتين، تكون فيها صحيفة ذهنه بيضاء من كل شر أو خير، فهو كالميت وليس ميتًا، ثم تقرب الصلة بعد ذلك بينه وبين العالم الحي، وهنا تتدخل الأحلام. وليس النوم ذو الأحلام بالنوم العميق، ولا أدل على ذلك من أن أحلام النائم تتأثر بما يحدث حوله، فقد يقع كتاب في الغرفة فيتمثل للحالم كأن بيتًا ينهد، أو جبلًا ينقض. كذلك تتشكل أحلام النائم وفقًا لما يحدث في جسمه، كأن تتوعك أمعاؤه أو تتخم معدته فتضيق أنفاسه فيرى أن لصًا مجرمًا أخذ بتلابيبه وضيق عليه الخناق، أو أنه أُلقي به في اليم فسد عليه الماء منافس الهواء. فالرؤى على هذا نوع من الكرى بين الوسن الخالص واليقظة الخالصة، ولا تكون راحة الجسم فيها تامة، ولو جمعته بالحور الحسان على أرائك من خز وجمان. وكما كان الدخول في النوم تدرجًا كان الخروج منه تدرجًا ولا يستغرق هذا التحول أكثر من دقيقتين. ومع أن الإنسان يتعطل تعقله وحركته إذا هو نام إلا أن أعمال جسمه الأخرى التي لا تتصل بمراكز المخ الرئيسية لا تتعطل ولا تكاد تتأثر إلا قليلًا، فالقلب يدق ولا تقل دقاته إلا يسيرًا، والمعدة تفرز العصارات الهضمية، والأمعاء تتحرك حركاتها الدودية، ويجري امتصاص الطعام فيها بمقدار ما يجري في الصحو. والدورة الدموية تجري كعادتها، إلا أن مخ النائم يقل دمه، بينما يكثر الدم مقابل ذلك في الأعضاء والأطراف لاتساع أوعيتها. ففقر الدم في المخ نتيجة من نتائج النوم، وكثيرًا ما يكون سببًا من مسبباته. ألا ترى أنك إذا أكلت فأثقلت جاءك النعاس فلم تستطع لسلطانه دفعًا؟ وسبب هذا أن المعدة تجذب إلى نفسها أكثر الدم ليعينها على الهضم فيقل نصيب المخ منه. كذلك تقل حرارة الجسم في النوم تبعًا لنقص نشاطه، فإن كل عمل من أعماله نتيجة تفاعل كيميائي يصحبه احتراق بعض مادته. فإذا قل نشاط الجسم قل احتراقه فقلت حرارته. وإذا نحن قدّرنا نتاج احتراق الجسم في الأربع والعشرين ساعة بنحو 3000 سعر حراري وجدنا أنه ينتج من ذلك القدر 600 من الأسعار في ثماني الساعات التي ينامها، وينتج 750 منها في ثماني الساعات التي يستريح فيه غير نائم، والباقي وقدره 1650 ينتجه في ثماني الساعات التي يكد فيها ويعمل. ولقلة دخل الجسم من الحرارة أثناء النوم يتغطى المرء حين ينام بكل موصل رديء للحرارة كالألحفة ونحوها ليقلل خروج الحرارة منه فيتم بذلك توازنه الاقتصادي. ومن أجل ذلك أيضًا يختل هذا التوازن على الأغلب والناس نيام، فيصابون بأزمة داخلية يعبرون عنها بالبرد. وقد وضع العلماء نظريات عديدة في أسباب النوم لا داعي للإلمام بها لأنهم لم يجمعوا على إحداها. وقد حاول قوم في عصر المحاولات الغربية (الذي نحن فيه) أن يستغنوا عن النوم بالمران، فكانوا كمن يحاول أن يستغني عن الشراب والطعام. ويختلف القدر اللازم منه للإنسان باختلاف عمله وحركته وخموده، كذلك يختلف على ما هو معروف باختلاف الأعمار، فالطفل الرضيع ينام أغلب يومه، ثم تقل حاجته منه حتى تبلغ في الشباب ثماني ساعات، ثم تزيد في القلة. فقد تنزل في الشيخوخة إلى ثلاث ثم تنعدم بالطبع عند نفاد الزيت واحتراق الفتيل. [1] إسناد الإذن إلى الطبيعة هنا من باب المجاز، وإلا فالطبيعة كلهّا من خلق الله تعالى، له – سبحانه - الخلق والأمر. [ تعليق أسرة تحرير الألوكة ].
افتتاح العدد الأول من مجلة الرسالة للزيات
أحمد حسن الزيات
30-09-2019
5,241
https://www.alukah.net//culture/0/136460/%d8%a7%d9%81%d8%aa%d8%aa%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%aa/
افتتاح العدد الأول من مجلة الرسالة للزيات .. وأخيرًا تغلّب العزم المصمم على التردد الخوّار فصدرت « الرسالة »، وما سلط على نفوسنا هذا التردد إلا نُذُر تشاع وأمثال تروى .. وكلها تصور الصحافة الأدبية في مصر سبيلًا ضلت صواها، وكثرت صرعاها، فلم يوفِ أحد منها على الغاية. والعلة أن السياسة طغت على الفن الرفيع، والأزمة مكنت للأدب الرخيص، والأمة من خداع الباطل في لَبْس من الأمر لا تمَّيز ما تأخذ مما تدع! فلما تناصرت على هذه الوساوس حجج العقل، ونوازع الواجب، وعِدَات الأمل، أصبحت الأسباب التي كانت تدفع إلى النكول بواعث على الإقدام وحوافز للعمل؛ لأن غاية « الرسالة » أن تقاوم طغيان السياسة بصقل الطبع، وبهْرجَ الأدب بتثقيف الذوق، وحيرة الأمة بتوضيح الطريق. أجل هذه غاية « الرسالة »! وما يَصْدِفنا عن سبيلها ما نتوقع من صعاب وأذى، فإن أكثر الناهضين بها قد طووا مراحل الشباب على منصة التعليم، فلا يعييهم أن يُخلقوا بُرْد الكهولة على مكتب الصحافة، والعملان في الطبيعة والتبعة سواء، ومن قضى ربيع الحياة في مجادب ذلك، لا يشق عليه أن يقضي خريفها في مجاهل هذا! أما مبدأ « الرسالة » فربط القديم بالحديث، ووصل الشرق بالغرب. فبربطها القديم بالحديث تضع الأساس لمن هار بناؤه على الرمل، وتقيم الدَّرَج لمن استحال رقيه بالطفور! وبوصلها الشرق بالغرب تساعد على وجدان الحلقة التي ينشدها صديقنا الأستاذ أحمد أمين في مقاله القيم بهذا العدد. والرسالة تستغفر الله مما يخامرها من زهو الواثق حينما تَعِد وتتعهد. فإن اعتمادها على الأدباء البارعين والكتاب النابهين في مصر والشرق العربي، واعتصامها بخلصانها الأدنين من أعضاء لجنة التأليف والترجمة والنشر، وهم صفوة من خرَّجت مصر الحديثة في مناحي الثقافة، إذا اجتمعا في نفسها مع ما انطوت عليه من صدق العزم وقوة الإيمان أحدثا هذه الثقة التي تشيع في الحديث عن غير قصد. على أن لـ« الرسالة » من روح الشباب سندًا له خطره وأثرهُ، فإنّهم أحرص الناس على أن يكون لثقافتهم الصحيحة مظهر صحيح. وما دامت وجهة الرسالة « الإحياء والتجديد »، وطبيعة الشباب الحيوية والتجدد، فلا بد أن يتوافيا على مشروع واحد! فإلى أبناء النيل وبَردى والرافدين نتقدم بهذه « الرسالة »، راجين أن تضطلع بحظها من الجهد المشترك في تقوية النهضة الفكرية، وتوثيق الروابط الأدبية، وتوحيد الثقافة العربية، وهي على خير ما يكون المخلص من شدة الثقة بالمستقبل، وقوة الرجاء بالله.
خواطر وصور
محمد عبدالواحد خلاف
29-09-2019
3,905
https://www.alukah.net//culture/0/136441/%d8%ae%d9%88%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d9%88%d8%b5%d9%88%d8%b1/
خواطر وصور ( 1) بعض الناس عرفت فيمن عرفت من الناس رجلًا اجتمع له كل ما يشتهي من جمال في المظهر، كان مديد القامة في غير شذوذ، مكتنز العضلات في غير ترهل، حسن قسمات الوجه في غير تخنث، أشرب لونه حمرة تنطق بما حباه الله من عافية في بدنه، محمود الملبس لا تنقصه فيه أناقة ولا حسن انسجام. وكان يغشى ناديًا أختلفُ إليه مع جماعة من الإخوان، فاستشعرت له أول الأمر هيبةً وتوسمتُ فيه خطرًا، وكان أحد الرفاق يتحدث في أمر شديد الاتصال بذاته فرأيت لهذا الرجل نظرة ساخرة. أدركت معها أنه يعلم عن هذا الحديث ما لا يعلم قائله، ولم يطل بي الانتظار حتى رأيته قد استولى على الحديث وأخذ يذكر عن نفسه وتجاربه المتصلة به كثيرًا، وتشعب الحديث، وأثار الاستطراد ذكر مسائل مختلفة، وكان هو فارس كل ميدان والحجة في كل موضوع، وكان إذا ما اشتد الجدل علا صوته حتى غلب على كل صوت، وإذا أعوزه في دعوى أن يقيم الدليل، أفحم مناظريه بالضجيج والتهويل. وتكرر التقائي به حتى هان عليّ أمره، وصرت لا أحفل لقول يقوله. ولكني كنت أجد في دعواه العريضة شيئًا من الفكاهة يروح عن النفس بعض ما تلقاه من جد الحياة. وقرأ خبيث من الرفاق في إحدى الصحف خبر اعتصاب الحمالين لخلاف بينهم وبين رؤسائهم، فبيَّت في نفسه أمرًا يهتك به ستر هذا الدعي، وأقبل صاحبنا يتهادى في مشية بطيئة وقورة وقد تدلى من بين شفتيه سيكار فاخر، وأشرق وجهه بتلك الابتسامة الساخرة التي توحي إلى الرائي هوان الناس عليه، وعلمه من حقائق الأمور ما لا يعلمون. فتلقاه المداعب الخبيث بتهليل المعجب الذي وقف على ما أخفاه من فعال، وبدا عليه ما يشبه الخجل والحياء لافتضاح مكرمة يأبى عليه تواضعه أن تنشر وتذاع. وقال له الصديق المداعب: « لك الله من بطل! لقد لمست في الأمر أصبعك، وشممت منه ريحك، وقلت منذ قرأت الخبر أنها لا شك إحدى أياديك في نصرة الضعفاء. ولكن نبئني كيف وفقت في جمع كلمة أولئك الحمالين مع انقطاع كل صلة بينك وبينهم، وكيف تم لك تدبير أمرهم؟». وأشفقت من وقع تلك السخرية اللاذعة المكشوفة على نفس صاحبنا، ووجدت فيها قسوة شديدة على هذا الغر، ولكني عجبت حين وجدته يهز رأسه في أناة هزة الواثق، ويذكر أنها بداية حملات يقوم بها في رد حقوق المهضومين، وأن هذا شيء لا يستحق الذكر إلى جانب ما ستظهره الأيام من جهوده العظيمة في هذا السبيل. وانطلقت من الأفواه ضحكات طويلة عددتها سخرية وعدها هو طرب إعجاب وتقدير، وبدأت بعد هذا أرثي للرجل وأشفق عليه مما سيحيق به من السخرية والازدراء في كل مجتمع يغشاه، حتى كانت بعض الحركات العامة فوجدت الرجل يتصدر مجالسها مسموع الكلمة عالي المنزلة! أدركت عند ذلك أن أولى الناس في هذا البلد بالرثاء، هم ذوو الفضل والحياء. ( 2) أقيلوا عثرات الناس نشأت نشأة محافظة جعلتني أغلو في استنكار زلات الشباب، واشتد بالنقمة على كل عاثر، ولا يتسع صدري لتلمس عذر لخاطئ، وكنت أجافي من أعرف عنهم ذلك واشتط في الحكم عليهم، فلا أرجو منهم خيرا أبدًا. وكان لي صديق ألف الله قلبينا برباط من الود الصادق أنزله من نفسي أكرم منزل، وباعد بيننا طلب الرزق حينًا، فلما التقينا بعد طول غياب وجدتُ على وجهه غمامة من الاكتئاب دلتني على أنه يعاني بين جنبيه همًا مبرحًا ثقل عليه حمله. وكان كلما هم أن يفضي إلي بوجيعته ساوره شيء من الخوف فطواه في صدره. وما زلت أترفق به، حتى قص علي قصته، وعلمت أنه في إحدى ثورات العواطف جمحت به نفسه، وأفلت منه قيادها فزلت قدمه، وأتى ما يأتيه كثير من الناس. ولم يجد فيما روى به حسه من متع غناء عما فقده من رضى نفسه وطمأنينة وجدانه، فهو لهذا بائس حزين. وسكت الصديق ونظر إلي نظرة جازعة لما يعلمه عني من القسوة في الحكم على مثل تلك العثرات. والعجيب من أمري أني وجدتني أكثر محبة لهذا الصديق بعد أن قص علي قصته، وأشد فهما لظروفه ووجدتني أرى عثرته مقالة، وزلته مخفورة ورحت أهون عليه الخطب وأتلمس السبيل لتهدئة أعصابه. وخلوت لنفسي بعد ذلك وفكرت كيف يتغير حكمنا على الأشياء بتغير فاعليها، ليس منا من أمن العثار. وإذا وقانا الله شرها في أنفسنا فقد يعثر حميم نعزه. فلم نقبل عثرات الأولياء ونتلمس العذر لأخطاء أنفسنا ومن نحبهم ثم نقسو في الحكم على من بعدت بيننا وبينهم الصلات؟ علمتني هذه الحادثة أن أقيل كل عاثر وارحم كل خاطئ. وانظر إلى كل زلات الناس على أنها أمراض تعالج بالرفق والعطف والرحمة. ( 3) اللذائذ والآلام أوهام ليست اللذائذ الا بعض خدع الطبيعة تغرينا بها على أداء وظائفنا الحيوية، ألست ترى أحدنا إذا مر وهو جائع بمقربة من طعام وفاحت رائحته فمست خياشيمه، أو لاحت صور فرأتها عيناه سال له لعابه وتحرق شوقًا إلى التهامه حتى إذا ما ملأ منه معدته وأدى ما تتطلبه الطبيعة لحفظ الذات صد عنه كارها ولم تثر فيه رائحته ومرآه شهوة. كذلك الحال في كل لذائذ الحس لا تبهر إلا جائعًا ولا تثير غير صادئ فإذا ارتوى منها زهد فيها. ومثل اللذائذ الآلام فهي إحساس خادع ينبه المحروم من أداء وظائفه الحيوية إلى أدائها. وأحسبنا نستطيع بشيء من رياضة النفس والمران على حكم الأعصاب، أن نصل إلى منزلة نغالب بها إلى حد كبير خداع الطبيعة فلا تثيرنا كثيرًا لذائذ الحس وآلامه. المصدر: مجلة الرسالة، العدد 4 ، بتاريخ: 01 - 03 – 1933م
البيروني
قدري حافظ طوقان
28-09-2019
12,391
https://www.alukah.net//culture/0/136425/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%86%d9%8a/
البيروني « إنه أكبر عقلية عرفها التاريخ في كل عصوره » ... سخاو تمهيد: قرأت في العدد الأول من " الرسالة " في مقالة " حلقة مفقودة " للأستاذ أحمد أمين ما يلي: «وبالأمس كنت أتحدث إلى طائفة من المتعلمين عن البيروني العالم الإسلامي الرياضي المتوفى سنة 440هـ وما كشف من نظريات رياضية وفلكية، وأن المستشرق الألماني "سخاو" يقرر أنه أكبر عقلية عرفها التاريخ في كل عصوره، وأنه يدعو إلى تأليف جمعية لتمجيده وإحياء ذكره تسمى جمعية البيروني، فحدثني أكثرهم أنه لم يسمع بهذا الاسم ولم يصادفه في جميع قراءاته، وهو يعرف عن "ديكارت" و"بيكون" و"هيوم" و"جون ستوارت مل" كثيرًا، ولكنه لا يعرف شيئًا عن فلاسفة الإسلام ». عند قراءة هذه القطعة تبادر إلى ذهني أمران: أولًا: روح الإنصاف عند بعض علماء الفرنج. ثانيًا: جهل المتعلمين منا بفلاسفة الإسلام والعرب وفحول علمائهم. أما الأمر الأول فليس بغريب على رجل سيطرت عليه روح العلم الصحيحة التي لا تعرف غير توخي الحقيقة أن يجاهر بما يعتقد حتى ولو كان ما يجاهر به مما لا يسر أبناء وطنه، على حين أننا نجد بعض علماء الغرب قد أغار على الكتب العربية وادعى ما فيها لنفسه، وبعضهم لم يذكر المصادر العربية التي اعتمد عليها أو نقل عنها، وقد أتينا بأمثلة على ذلك وعلى أن العرب سبقوا الفرنج إلى اكتشاف بعض النظريات والأبحاث الرياضية في مقالات نشرناها في مجلة المقتطف الغراء. وأما الأمر الثاني: فقد يكون لدى هؤلاء المتعلمين مبرر ولا سيما أن تاريخ بعض رجالنا السالفين قد أحيط بسحب كثيفة من الإبهام، وفقد البعض الآخر منه، وكان لكسلنا وخمولنا الأثر الأكبر في إهمال نوابغ العرب وتبيان مآثرهم في مختلف فروع المعرفة، ولكن مما لا شك فيه أن هذا التبرير حجة علينا ومن واجبنا بل من دعائم نهضتنا القومية أن نتولى أمر الكشف عن حقيقة رجالنا ومآثرهم بأنفسنا، وبذلك « وعلى الأقل » نضع حدًّا لادعاءات بعض المتعصبين وبعض المتفرنجين منا الذين يزعمون أن العرب لم يكونوا مخترعين مستنبطين، وأنهم لم يكونوا إلا نقلة عن غيرهم. وقد عنيت بوضع كتاب يبحث في " أثر العرب على العلوم الرياضية " وما أخذه الغربيون من هذه العلوم، وتأثير ذلك في تقدمها. والمقالة التالية مجمل من ترجمة نابغة من نوابغ العلماء المسلمين قال عنه سخاو: « إنه أكبر عقلية عرفها التاريخ في كل عصوره». مولده ومنشؤه: هو محمد بن أحمد، أبو الريحان، البيروني الخوارزمي، أحد مشاهير رياضيي القرن الرابع للهجرة، ومن الذين جابوا الأقطار ابتغاء البحث والتنقيب. ولد أبو الريحان في خوارزم عام 362هـ - 873م ويقال: إنه اضطر أن يغادر مدينة خوارزم على أثر حادث عظيم إلى محل في شمالها اسمه ( كوركانج )، وبعد مدة تركه وذهب إلى مقاطعة جرجان حيث التحق بشمس المعاني قابوس أحد أحفاد بني زياد وملوك وشمكير، ثم عاد إلى كوركانج وتمكن بدهائه أن يصبح ذا مقام عظيم لدى بني مأمون ملوك خوارزم. وبعد أن استولى سبكتكين على جميع خوارزم ترك أبو الريحان كوركانج وذهب إلى الهند فبقي مدة طويلة (ويقال: إنه سافر فيها أربعين سنة) يجوب البلدان ويقوم بأبحاث علمية كان لها تأثير في تقدم بعض العلوم. وقد استفاد البيروني من فتوح الغزنوبين في الهند وتمكن من القيام بأعمال جليلة؛ فإنه استطاع أن يجمع معلومات صحيحة عن الهند، ويلم شتات كثير من علومها ومعارفها القديمة. وأخيرا رجع إلى غزنة ومنها إلى خوارزم ولم يعرف بالضبط تاريخ وفاته. وإنما الراجح أنه توفي سنة 440 هجرية - 1048 ميلادية. تنقلاته العلمية ومآثره: كان البيروني رياضيًّا وفلكيًّا وطبيبًا ومؤرخًا وجغرافيًّا، وهو أبرز شخصية بين علماء عصره الذين بفضلهم كان للعرب عصر ذهبي تقدمت فيه العلوم تقدمها المعروف. قرأ فلسفة الهند وله فيها وفي الرياضيات والفلك مؤلفات كثيرة، وهو من أوسع علماء الإسلام اطلاعًا على آداب الهند وعلومها ويقال إنه ضرب بسهم وافر في الجغرافيا حتى أن أبا الفداء كان يعتمد أحيانًا في أبحاثه الجغرافية على كتب أبي الريحان. قال سيديو: إن أبا الريحان « اكتسب معلوماته المدرسية البغدادية ثم نزل بين الهنود حين أحضره الغزنوي فأخذ يستفيد منهم الروايات الهندية المحفوظة لديهم قديمة أو حديثة، ويفيدهم استكشاف أبناء وطنه ويبثها لهم في كل جهة مر بها، وألف لهم ملخصات من كتب هندية وعربية، وكان مشيرًا وصديقًا للغزنوي استعد حين أحضره بديوانه لإصلاح الغلطات الباقية في حساب بلاد الروم والسند وما وراء النهر. وعمل قانونًا جغرافيًّا كان أساسًا لأكثر القسموغرافيات المشرقية؛ نفذ كلامه مدة في البلاد المشرقية ولذا استند إلى قوله سائر المشرقيين في الفلكيات، واستمد منه أبو الفداء الجغرافيا في جداول الأطوال والعروض وكذا أبو الحسن المراكشي.. ». ويعترف ( سمث ) في الجزء الأول من كتابه " تاريخ الرياضيات " أن البيروني كان ألمع علماء زمانه في الرياضيات، وأن الغربيين مدينون لكتبه في معلوماتهم عن الهند وعلومها الرياضية، والبيروني ذو مواهب جديرة بالاعتبار، فقد كان يحسن السريانية والسنسكريتية والفارسية والعبرية عدا العربية، وفي أثناء إقامته بالهند كان يعلم الفلسفة اليونانية ويتعلم هو بدوره الهندية، ويقال إنه كان بينه وبين ابن سينا مكاتبات في أبحاث مختلفة وَرَد أكثرها في كتب ابن سينا. وكان يكتب كتبه مختصرة منقحة بأسلوب مقنع وبراهين مادية. لكنه لم يتعد أن يوضح القوانين الحسابية بأمثلة ما، قال البيروني عن الترقيم في الهند أن صور الحروف وأرقام الحساب تختلف باختلاف المحلات، وأن العرب أخذوا أحسن ما عندهم (أي عند الهنود) والقطعة التي قالها في ذلك هي لدينا ولا مجال لذكرها الآن. وهو من الذين بحثوا في تقسيم الزاوية إلى ثلاثة أقسام متساوية، وكان ملما بعلم المثلثات، وكتبه فيه تدل على أنه عرف قانون تناسب الجيوب. ويقال إنه وبعض معاصريه عملوا الجداول الرياضية (للجيب والظل ) وقد اعتمدوا في ذلك على جداول أبي الوفاء البوزجاني. وعمل اليبروني تجربة لحساب الوزن النوعي، واستعمل في ذلك وعاء مصبه متجه إلى أسفل، ومن وزن الجسم بالهواء والماء تمكن من معرفة مقدار الماء المزاح، ومن هذا الأخير ووزن الجسم بالهواء حسب الوزن النوعي، واستطاع أن يجد الوزن النوعي لثمانية عشر عنصراً ومركباً بعضها من الأحجار الكريمة، وله أيضا كتاب في خواص عدد كبير من العناصر والجواهر وفوائدها التجارية والطبية، وهو وابن سينا من الذين شاركوا ابن الهيثم في رأيه القائل بأن شعاع النور يأتي من الجسم المرئي إلى العين. مؤلفاته: من أشهر مؤلفات البيروني التي وصلت إلى أيدي العلماء كتاب " الآثار الباقية عن القرون الخالية " وهذا الكتاب يبحث فيما هو الشهر واليوم والسنة عند مختلف الأمم القديمة من آشوريين ويونانيين إلى وقت البيروني، وكذلك في التقاويم وما أصاب ذلك من التعديل والتغيير وفيه جداول تفصيلية للأشهر الفارسية والعبرية والرومية والهندية والتركية تبين كيفية استخراج التواريخ بعضها من بعض، وتجد فيه أيضا جداول لملوك آشور وبابل والكلدان والقبط واليونان قبل النصرانية وبعدها، ولملوك الفرس قبل الإسلام على اختلاف طبقاتهم. ولم يقتصر الكتاب على ذلك بل بحث في المتنبئين وأممهم من أهل الأوثان وأهل البدع في الإسلام، وغير ذلك من الموضوعات التي تتعلق بالأقباط وأعيادهم، وأعياد النصارى على اختلاف طوائفهم... يقول " كشف الظنون " عن هذا الكتاب: « إنه كتاب مفيد، ألفه لشمس المعالي قابوس، وبيّن فيه التواريخ التي يستعملها الأمم». ومنه أيضا يستدل على أن البيروني أول من استنبط تسطيح الكرة. وقد فصّل ذلك في كتابه المذكور الذي يدل أيضا على أن له استنباطات جليلة في الفلك والرياضيات. وقد ترجم ( سخاو ) " الآثار الباقية " المذكور إلى الإنكليزية، وطبع عام 1879م في لندن. وله كتاب " تاريخ الهند "، وقد ترجمه أيضا سخاو إلى الإنكليزية وطبع الأصل في لندن سنة 1887م والترجمة فيها سنة 1888م، وفيه تناول البيروني لغة أهل الهند وعاداتهم وعلومهم. واعتمد عليه ( سمث ) وغيره من المؤلفين عند بحثهم في رياضيات الهند والعرب. وله كتاب " تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة " وقد ترجم إلى الإنكليزية عام 1887م. وكتاب " مقاليد علم الهيئة وما يحدث في بسيط الكرة "، وفي هذا الكتاب بحثٌ في شكل الظل اعترف فيه بأن: « الفضل في استنباط الشكل الظلي لأبي الوفاء بلا تنازع من غيره »، وقد كنا نشرنا هذا في مقالنا عن البوزجاني في مجلة " المقتطف ". وجاء أبو الريحاني في بعض كتبه على ذكر قسم من الكتب القيمة التي دخلت في زمن العباسيين والتي كان لها أثر كبير في تقدم علوم الفلك والرياضيات، فقد أتى على ذكر المقالتين اللتين حملهما أحد الهنود إلى بغداد في منتصف القرن الثاني للهجرة، فالمقالة الأولى في الرياضيات والثانية في الفلك، وبواسطة الأولى دخلت الأرقام الهندية إلى العربية واتخذت أساسا للعدد، والثانية اسمها ( سدها نتا ) التي عرفت فيما بعد باسم كتاب "السند هند" ترجمها إبراهيم الفزاري وكان نقلها بداءة عصر جديد في دراسة هذا العلم عند العرب. مما مر نستنتج أن البيروني كتب في تاريخ الرياضيات عند الهنود والعرب، ولولاه لكان هذا الموضوع أكثر غموضا مما هو عليه الآن، كما أن أكثر الكتب الحديثة التي تبحث فيه ( في الرياضيات عند الهنود والعرب ) تعتمد في الأغلب على كتبه كما يتضح لمن يتصفح كتب تاريخ العلوم الرياضية. وله مؤلفات أخرى يربى عددها على المائة والعشرين، منها: كتاب " القانون المسعودي " في الهيئة والنجوم، وقد ألفه لمسعود بن محمود الغزنوي، وكتاب " استيعاب الوجوه الممكنة " في صنعة الإسطرلاب، وكتاب " استخراج الأوتار في الدائرة " بخواص الخط المنحني فيها، وهو مسائل هندسية أدخل فيها طريقته التي ابتكرها في حل بعض الأعمال، وكتاب " العمل بالإسطرلاب " ، و" مقالة التحليل والتقطيع للتعديل "، وكتاب " جمع الطرق السائرة في معرفة أوتار الدائرة "، وكتاب " جلاء الأذهان في زيج البتاني " ، وكتاب " التطبيق إلى تحقيق حركة الشمس " ، وكتاب في " تحقيق منازل القمر " ، و" تمهيد المستقر لتحقيق معنى الممر "، وكتاب " ترجمة ما في براهم سدهانه من طرق الحساب "، وكتاب " كيفية رسوم الهند في تعلم الحساب "، وكتاب " استشهاد باختلاف الأرصاد "، وقد ألفه البيروني لأن أهل الرصد عجزوا عن ضبط أجزاء الدائرة العظمى بأجزاء الدائرة الصغرى، وكتاب " الصيدلة " في الطب (استقصى فيه معرفة ماهيات الأدوية ومعرفة أسمائها واختلاف آراء المتقدمين فيها وما تكلم كل واحد من الأطباء وغيرهم فيه، وقد رتبه على حروف المعجم)، وكتاب " الإرشاد في أحكام النجوم " ، وكتاب في " إفراد المقال في أمر الظلام "، وكتاب " تكميل زيج حبش بالعلل وتهذيب أعماله من الزلل " ، وكتاب " الجماهر في معرفة الجواه ر " ، و" مقالة في نقل ضواحي الشكل القطاع إلى ما يغني عنه "، وكتاب " تكميل صناعة التسطيح "، وله كتاب " التفهيم لأوائل صناعة التنجيم "، وهذا الكتاب لم يطبع بعد ولابد أن تكون بعض نسخ خطية منه موجودة في المكاتب الأوربية والمصرية، وهو لدينا في نسخة خطية نسخت منذ تسعين سنة عن نسخة قديمة، وهو يبحث في الهندسة والحساب والعدد ثم هيئة العالم ثم أحكام النجوم وذلك (لأن الإنسان لا يستحق سمة التنجيم الا باستيفاء هذه الفنون الأربعة )، وقد ألفه على طريقة السؤال والجواب ولغته سهلة سلسلة، ونترك التفصيل عنه الآن لكتابنا الذي نؤلفه. مجلة الرسالة، العدد 4 - بتاريخ: 01 - 03 – 1933 م
ترجمة الإمام الزهري
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
25-09-2019
71,892
https://www.alukah.net//culture/0/136388/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%87%d8%b1%d9%8a/
ترجمة الإمام الزُّهري إن موت العلماء الراسخين العاملين المخلصين يعد في الأمة مصيبةً كبيرة، ورزية عظيمة؛ لأن هؤلاء الأخيار هم نجوم المهتدين، وأنوار السائرين، وهم كالشمس للدنيا، وكالعافية للبدن؛ قال عبدالله بن أحمد: قلت لأبي: أي رجل كان الشافعي؛ فإني سمعتك تكثر من الدعاء له؟! قال: يا بني، كان كالشمس للدنيا، وكالعافية للناس، فهل لهذين من خلف، أو منهما عوض؟" [1] . وكيف لا يكون مصيبة وفي الحياة إشكالات علمية كثيرة، ومسائل وأحكام عديدة، وشبهات ومعضلات متنوعة، وكلها تحتاج إلى علماء راسخين، وهم في الناس قليل، فكيف إذا ذهب من هذا القليل بعضه؟! إن الناس بخير إذا بقي فيهم العلماء الصادقون، فإذا تولوا عنهم كثُر الجهل والجهَّال، فكثر الشر وقلَّ الخير، وساد الناسَ جهَّالُها فضلُّوا وأضلوا، عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالِمًا اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) [2] . قال عمر رضي الله عنه: "موت ألف عابد صائم النهار قائم الليل، أهون من موت عالم بصير بحلال الله وحرامه" [3] . وقال علي رضي الله عنه: "إنما مثل الفقهاء كمثل الأكف إذا قطعت كف لم تعد"، وقال أيضًا: "إن مات العالم ثلم ثُلمة في الإسلام، ولا يسدها إلا خلف منه" [4] . وقال عبدالله بن مسعود: "موت العالم ثُلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار"، وقال أيضًا: "عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبضه ذَهابُ أهله" [5] . وقال سلمان الفارسي: "لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر، هلك الناس" [6] . وقيل لسعيد بن جبير: ما علامة هلاك الناس؟ قال: "هلاك علمائهم"، وقال علي بن موسى: "أعظم الرزايا موت العلماء" [7] . وقد عبَّر بعض الشعراء عن عِظم البلية بموت العلماء، فقال أحمد بن غزال: الأرض تحيا إذا ما عاش عالِمُها متى يَمتْ عالم منها يَمُت طرفُ كالأرض تحيا إذا ما الغيث حلَّ بها وإن أبى عاد في أكنافها التلفُ [8] وقال شاعر: لعمرُك ما الرَّزيَّةُ فقدُ مالٍ ولا شاةٌ تموتُ ولا بعيرُ ولكن الرَّزيَّة فقدُ حيٍّ يموت لموته بشر كثيرُ [9] وقال الدميري: إِذا مَا مَاتَ ذُو علم وتقوى فقد ثلمتْ من الْإِسْلَام ثُلمهْ وَمَوْتُ الْعَادِل الْملك المرجى حَكِيمِ الْحق منقصةٌ ووصمه وَمَوْتُ الصَّالح المَرْضِي نقص فَفِي مرآه لِلْإِسْلَامِ نسمه وَمَوْت الْفَارِس الضرغام ضعفٌ فكم شهِدت لَهُ فِي النَّصْر عزمه وَمَوْت فَتى كثيرِ الْجُود مَحْلٌ فَإِن بَقَاءَهُ خِصب ونعمه فحسبك خَمْسَةٌ تبْكي عَلَيْهِمْ وَمَوْت الْغَيْر تَخْفيف ورحمه [10] اسمه ونسبه ومولده رحمه الله: هو التابعي الجليل: محمد بن عبدالله بن شهاب بن عبدالله بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، العَلَم، حافظ زمانه، أبو بكر القرشي الحافظ الفقيه، الزهري، المدني، نزيل الشام، أحد الأئمة الأعلام، كان ثقة كثير الحديث والعلم والرواية فقيهًا جامعًا. ولد في المدينة النبوية سنة: ( 58هـ) [11] . صفته الخِلقية: كان الزهري قصيرًا، قليل اللحية، له شعرات طوال خفيف العارضين، كما كان أحمر الرأس واللحية، في حمرتها انكفاء، كأنه يجعل فيها كتمًا، وكان رجلًا أعيمش، وله جُمة [12] ، [13] . تتلمُذه وطلبه للعلم رحمه الله: لقد ولد الإمام الزهري في مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ونشأ والعلماء فيها متوافرون ممن بقي من الصحابة، ومن التابعين الكبار، فكانت تلك البيئة محفزًا مهمًّا لترغيبه في طلب العلم، فراح ينهل من منابعه، ويستقي من موارده، وساعده على حمل العلم ما وهبه الله تعالى من قوة حافظة وذهن مُتقد؛ فقد ذكر عنه أنه حفظ القرآن في نحو من ثمانية وثمانين يومًا [14] . وكان من توفيق الله له أن الْتَقى ببعض الصحابة وسمع منهم على قلة، ومنهم: ابن عمر، وجابر بن عبدالله، والمسور بن مخرمة، وعبدالله بن جعفر رضي الله عنهم [15] . غير أن طول طلبه كان بين يدي كبار التابعين كسعيد بن المسيب، فقد جالسه ثمان سنين تمس ركبته ركبته [16] ، ولقد كابد ابن شهاب المشقة من أجل نيله العلمَ، وصبر حتى بلغ ما يرجو، وكان على أدب جم مع شيوخه، صابرًا على شدة بعضهم، فقد قال الليث بن سعد للزهري: "لو وضعت من علمك عند من ترجو أن يكون خلفًا، قال: والله، ما نشر أحد العلم نشري، ولا صبر عليه صبري، ولقد كنا نجلس إلى ابن المسيب، فما يستطيع أحد منا أن يسأله عن شيء إلا أن يبتدئ الحديث، أو يأتي رجل يسأله عن شيء قد نزل به" [17] . ومن مظاهر عنايته بالعلم في أيام طلبه: أنه كان حريصًا على تدوين العلم وكتابته مع قوة حفظه كما سنوضح قريبًا، وذلك أن الكتابة للعلم يقين، وأما الحفظ فخوَّان؛ إذ قد يعروه النسيان، فلذلك كان لتدوينه ذلك أثرٌ كبير في مستقبله العلمي؛ يقول معمر عن صالح بن كيسان: "كنت أطلب العلم أنا والزهري، فقال: تعال نكتب السُّنن، قال: فكتبنا ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال: تعال نكتب ما جاء عن الصحابة، قال: فكتب ولم نكتب، فأنجح وضيَّعت" [18] . وكان "يدور على مشايخ الحديث ومعه ألواح يكتب عنهم فيها الحديث، ويكتب عنهم كل ما سمع منهم، حتى صار من أعلم الناس في زمانه، وقد احتاج أهل عصره إليه" [19] . ولم يكن الإمام الزهري يكتب فقط، بل كان يكتب ويحفظ، ويكثر من تَكرار المحفوظ، وذلك وسيلة من وسائل تثبيت المحفوظات، وكان له هذا الموقف مع جاريته، فقد كان يرجع من عند عروة فيقول لجارية عنده فيها لُكنة: ثنا عروة ثنا فلان، ويسرد عليها ما سمعه منه، فتقول له الجارية: والله ما أدري ما تقول، فيقول لها: اسكتي لكاعِ، فإني لا أريدك إنما أريد نفسي" [20] . حفظُه رحمه الله: كان الإمام الزهري رحمه الله آية من آيات الله في الحفظ، وموهبة نادرة في استظهار المعلومات، ولقد كان نعمة من نِعم الله على هذه الأمة في حفظ حديث رسولها صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه قد عرف بالحفظ والإتقان وحُسن سَوق النصوص؛ فلذلك كثُر طلابه والآخذون عنه، ومن قرأ ترجمته في كتب الرجال رأى العدد الكبير من الرواة الذين أخذوا عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن الزهري حافظًا للحديث ومسائل العلم حفظًا مجردًا، وإنما كان يجمع بين الحفظ والفهم وجودة الاستنباط، ومن باب التحدث بنعمة الله كان يحكي عن نفسه ما وهبه الله من قوة الحفظ، فيقول: "ما استودعت قلبي شيئًا قط فنسيته" [21] ، ويقول أيضًا: "ما استعدت حديثًا قط، وما شككت في حديث إلا حديثًا واحدًا، فسألت صاحبي، فإذا هو كما حفظت" [22] . ويبدو أن قوة حفظ الزهري قد شهرت عنه حتى أثنى عليه معاصروه من الأئمة بذلك، قال عمر بن عبدالعزيز: "ما ساق الحديث أحد مثل الزهري" [23] ، وقال عمرو بن دينار: "ما رأيت أحدًا أنص للحديث من الزهري" [24] . وحينما ساورت الشكوكُ بعضَهم في إتقانه وحفظه أجرى له اختبارًا حتى يتأكد من قوة حفظه التي شهر بها بين الناس، كما جرى للإمام البخاري مع أهل بغداد، فيذكر أن هشام بن عبدالملك سأل الزهري أن يكتب لبنيه شيئًا من حديثه، فأملى على كاتبه أربعمائة حديث، ثم خرج على أهل الحديث فحدَّثهم بها، ثم إن هشامًا قال للزهري: إن ذلك الكتاب ضاع، فقال: لا عليك، فأملي عليهم تلك الأحاديث، فأخرج هشام الكتاب الأول، فإذا هو لم يغادر حرفًا واحدًا، وإنما أراد هشام امتحان حفظه [25] . ولمعرفته بسر المهنة - كما يقال - أوصى من أراد الحفظ بنصيحتين: الأولى: مذاكرة المحفوظ خشية نسيانه، فقال: "إنما يذهب العلم النسيان، وترك المذاكرة" [26] . الثانية: أكل الزبيب، وشرب العسل، والبعد عن أكل التفاح، قال الذهبي: وعن إسماعيل المكي: سمعت الزهري يقول: من سره أن يحفظ الحديث، فليأكل الزبيب. قال الحاكم: لأن زبيب الحجاز حار، حلو، رقيق، فيه يبس مقطع للبلغم [27] . ولما كان الإمام الزهري بهذه الرتبة العالية من الحفظ، كلَّفه أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز رحمه الله بتدوين الحديث، قال الزهري: "أمرنا عمر بن عبدالعزيز بجمع السنن، فكتبناها دفترًا دفترًا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترًا" [28] ؛ قال العراقي: "وأول من دوَّن الحديث ابن شهاب الزهري على رأس المائة الثانية بأمر عمر بن عبدالعزيز، وبعث به إلى كل أرض له عليها سلطان" [29] ، ولذلك يقول السيوطي في ألفيته: أَوَّلُ جامِعِ الحديثِ والأَثَرْ *** اِبْنُ شِهابٍ آمِرًا لَهُ عُمَرْ [30] علْمُه رحمه الله: نال ابن شهاب رحمه الله علمًا كثيرًا؛ لِما وهَبه الله من حافظة قوية، وفَهمٍ وقَّاد، وحرص كبير على سماع الشيوخ ومجالستهم، والأخذ عنهم، فصار بذلك واسع الاطلاع غزير المادة متعدد المعارف، وقد عرَف ذلك عنه مَن سأله أو جالسه، أو طلب العلم لديه، ولم يكن علمه مقصورًا على جانب واحد من جوانب المعرفة، بل كان متنوع العلوم، قال الليث: "ما رأيت عالِمًا قط أجمع من ابن شهاب، ولو سمعتَه يحدث في الترغيب والترهيب، لقلت: ما يحسن غير هذا، وإن حدث عن الأنبياء وأهل الكتاب، قلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدث عن الأعراب والأنساب، قلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدَّث عن القرآن والسنة، كان حديثه بدعًا جامعًا" [31] . و"عن جعفر بن ربيعة قال: قلت لعراك بن مالك: من أفقه أهل المدينة؟ قال: أما أعلمهم بقضايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضايا أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأفقههم فقهًا، وأعلمهم بما مضى من أمر الناس، فسعيد بن المسيب، وأما أغزرهم حديثًا فعروة، ولا تشاء أن تفجر من عبيدالله بن عبدالله بحرًا إلا فجَّرته، وأعلمهم عندي جميعًا ابن شهاب؛ فإنه جمع علمهم جميعًا إلى علمه" [32] . وقال سعيد بن عبدالعزيز عنه: "ما كان إلا بحرًا" [33] ، وقال سفيان: "كان الزهري أعلم أهل المدينة" [34] ، وقيل لمكحول: "مِن أعلم مَن لَقيت؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل: ثم من؟ قال: ابن شهاب" [35] . ومع هذه العلم الواسع فإنه كان متواضعًا يعرف لغيره قدره، فلذلك قال: "كنتُ أحسَب أني قد أصبتُ من العلم، حتى جالست عبيدالله بن عبدالله بن عتبة، فكأنما كنت في شعب من الشعاب" [36] . وقد كان الزهري رحمه الله خبيرًا بالعلوم يعلم متى تصل إلى النفس فتبقى، ومتى تنفر عنها؛ فلهذا أوصى أهل العلم بوصية، فعن حماد بن زيد قال: كان الزهري يحدث، ثم يقول: "هاتوا من أشعاركم وأحاديثكم، فإن الأذن مَجاجة، وإن للنفس حَمْضة، وعن معمر عن الزهري، قال: "إذا طال المجلس كان للشيطان فيه نصيبٌ" [37] . ولهذا التبحر المعرفي لدى ابن شهاب حث عمر بن عبدالعزيز الناس على الأخذ منه، فقال: "عليكم بابن شهاب هذا، فإنكم لا تلقون أحدًا أعلم بالسنة الماضية منه" [38] . جودُه رحمه الله: كان الإمام الزهري رحمه الله بحرًا في علمه وبحرًا في سخائه وكرمه أيضًا، فالأعطيات التي كان ينالها من الأمراء كان ينفقها في جهات جوده ومعروفه، وفيه يقول فايد بن أقرم: زُرْ ذَا وَأَثْنِ عَلَى الْكَرِيمِ مُحَمَّدٍ وَاذْكُرْ فَوَاضِلَهُ عَلَى الْأَصْحَابِ وَإِذَا يُقَالُ مَنِ الْجَوَادُ بِمَالِهِ قِيلَ الْجَوَادُ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابِ أَهْلُ الْمَدَائِنِ يَعْرِفُونَ مَكَانَهُ وَرَبِيعُ نَادِيهِ عَلَى الْأَعْرَابِ يَشْرِي وفاء جفانه ويمدها بكسور انتاج وَفَتْقِ لُبَابِ [39] وكانت تمر به أوقات حاجة، فيذكره بعضهم بها حينما ييسر ويجد، من أجل أن يدخر له شيئًا لسد أمثال تلك الحاجة، ويخفف من بذله المال للناس، فيَعتذر لهم عن ذلك الكرم بأنه قد غدا فيه شيمة وطبعًا لا يقدر على فِراقه، قال مالك: "كان ابن شهاب من أسخى الناس، فلما أصاب تلك الأموال، قال له مولى له وهو يعظه: قد رأيت ما مرَّ عليك من الضيق، فانظر كيف تكون، أمسك عليك مالك، قال: إن الكريم لا تحنكه التجارب" [40] . بل قد وصل به الكرم أنه كان إذا فني ما عنده، استسلف من غيره ليستمر سخاؤه بين الناس، فقد نزل يومًا بماء من المياه، فالتمس سلفًا فلم يجد، فأمر براحلته فنُحرت، ودعا إليها أهل الماء، فمر به عمُّه فدعاه إلى الغداء، فقال: يا بن أخي، إن مروءة سنة تذهب بذل الوجه ساعة، قال: يا عم، انزل فأطعم، وإلا فامض راشدًا، ونزل مرة بماء، فشكا إليه أهل الماء أن لنا ثماني عشرة امرأة عمرية - أي: لهن أعمار - ليس لهن خادم، فاستسلف ابن شهاب ثمانية عشر ألفًا، وأخدم كل واحدة خادمًا بألف" [41] . يقول الليث بن سعد عن جوده: "كان ابن شهاب يختم حديثه بدعاء جامع، يقول: اللهم إني أسألك من كل خير أحاط به علمُك في الدنيا والآخرة، وأعوذ بك من كل شرٍّ أحاط به علمُك في الدنيا والآخرة، وكان من أسخى مَن رأيت.." [42] . ولم يكن المال عند ابن شهاب محبوبًا يحب وصاله والبقاء معه، بل كان يراه شيئًا هينًا يتخلص منه في وجوه الخير، قال عمرو بن دينار: "ما رأيت أحدًا أهون عنده الدراهم منه.." [43] . وفاتُه رحمه الله: توفي الإمام الزهري ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة (124هـ)، وكان له أرض في شَغْب - وهي آخر حد الحجاز وأول حد فلسطين - ذهب إليها، فمرض بها أيامًا فمات فيها، وفيها قبره، وقد أوصى أن يدفن هناك على قارعة الطريق ليدعو له المارة. [1] سير أعلام النبلاء للذهبي (10/ 45). [2] رواه البخاري (1/ 50) ( 100)، ومسلم (4/ 2058) (2673). [3] شرح البخاري للسفيري (المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية) (2/ 152). [4] المرجع السابق. [5] تفسير البغوي (3/ 28). [6] شرح البخاري للسفيري = (المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية) (2/ 152). [7] المرجع السابق. [8] تفسير ابن كثير (4/ 472). [9] معجز أحمد للمعري (ص: 111). [10] طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/ 201). [11] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 326)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341) (9/ 344)، تهذيب التهذيب لابن حجر (30/ 445). [12] العمش: ضعف البصر، والجمة: ترامى من شعر الرأس على المنكبين. [13] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 332)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341). [14] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341). [15] تهذيب التهذيب لابن حجر (30/ 445)، سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 326). [16] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341). [17] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 335). [18] تهذيب التهذيب لابن حجر (30/ 448). [19] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 341). [20] المرجع السابق (9/ 341). [21] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 332). [22] المرجع السابق (5/ 344). [23] المرجع السابق. [24] المرجع السابق. [25] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 342). [26] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 337). [27] المرجع السابق (5/ 346). [28] جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر (1/ 76). [29] فتح المغيث للسخاوي (2/ 164). [30] ألفية السيوطي في علم الحديث (ص: 4). [31] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 342). [32] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 337). [33] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 336). [34] المرجع السابق. [35] المرجع السابق. [36] المرجع السابق (5/ 344). [37] المرجع السابق (5/ 341). [38] المرجع السابق (5/ 336). [39] البداية والنهاية لابن كثير (9/ 342). [40] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 338). [41] المرجع السابق (5/ 340). [42] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 335)، البداية والنهاية لابن كثير (9/ 343). [43] سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 334).
من الدرر البازية: تراجم مختصرة لبعض الأعلام
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
23-09-2019
2,925
https://www.alukah.net//culture/0/136357/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b1%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85/
من الدرر البازية تراجم مختصرة لبعض الأعلام الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد: فقد صنف أهل العلم كتبًا في سير أعلام هذه الأمة؛ من: مفسرين ومحدثين، وفقهاء وزهاد، وخلفاء وأطباء، وأدباء وشعراء ونحاة، وغيرهم، من أفضلها من مصنفات المتقدمين: الكتاب الجيد النافع (سير أعلام النبلاء) للإمام الذهبي رحمه الله، ومن أجمعها من مصنفات المتقدمين: كتاب (الأعلام) للزركلي. والعلامة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله له عناية بالتراجم؛ حيث كان يملي تراجم متفرقة بين الحين والآخر، أفردها في سجل خاص سماه: "تحفة الإخوان بتراجم بعض الأعيان"، قال في مقدمته: "يُكتب في هذا الدفتر والأجزاء التي بعده تراجم بعض الأعيان؛ من: علماء، وملوك وخلفاء، وعُبَّاد وشعراء، وما يلحق بهم من الأعيان، على سبيل الإيجاز..."، وقد طُبع هذا الكتاب بهذا الاسم، بعناية فضيلة الشيخ: عبدالعزيز بن إبراهيم بن قاسم. والشيخ رحمه الله كان له في بعض دروسه وكتبه كلام عن بعض الأعلام، من المتقدمين والمتأخرين، يسَّر الله الكريم جمع ما تيسر منه، أسأل الله أن ينفع به، ويبارك فيه، وأن يغفر ويرحم لسماحة الشيخ، وأن يجمعنا وأحبابنا به في دار كرامته، إنه سميع مجيب. مالك بن أنس (ت: 179 هـ): مالك: هو ابن أنس الأصبحي، إمام دار الهجرة المعروف، أحد الأئمة الأربعة، وهو المعروف بعلمه وفضله وجلالته وتقدُّمه في الإسلام، وكانت وفاته سنة تسع وسبعين ومائة رحمه الله؛ أي: من المائة الثانية. الليث (ت: 204 هـ): الليث بن سعد، إمام أهل مصر، وفقيه أهل مصر في المائة الثانية. الشافعي (ت: 205 هـ): الشافعي رحمه الله، فقيه العراق، وفقيه مصر في آخر المائة الثانية. الواقدي (ت: 207 هـ): الواقدي ضعيف في الرواية، لكنه في الأخبار جيد. البرقاني (ت: 425 هـ): الإمام أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني رحمه الله، وهو إمام شهير من المحدثين الفقهاء، وهو من تلاميذ أبي الحسن الإمام المشهور علي بن عمر الدارقُطني رحمه الله، وهو من شيوخ الخطيب البغدادي المعروف، صاحب "تاريخ بغداد"، وهو إمام عند أهل العلم ثقة حافظ، له "مستخرج على الصحيحين". البيهقي (ت: 458 هـ): البيهقي رحمه الله، له علم وله حفظ، وله دراية عظيمة، ولكنه وقعت له أغلاط في التأويل؛ بسبب توليه الأشعريين من أصحاب أبي الحسن الأشعري، والله المستعان. الخطيب البغدادي (ت: 463 هـ): قال الشيخ في شرح اختصار علوم الحديث: الخطيب البغدادي من أحسن الناس دراية بهذا الفن، ومن أكثرهم رأيًا فيه، ومن أكملهم علمًا بهذا الشأن، وكان من أعيان الناس رحمه الله، وقد كانت وفاته سنة ثلاث وستين وأربع مائة، وهو أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، أبو بكر الخطيب، كان إمامًا كبيرًا في هذا الشأن، ويقال: إن الناس بعده عيال عليه في هذا الفن، وأقسامه وأنواعه، وهو بغدادي، وله تاريخ كبير، يسمى " تاريخ بغداد ". عبدالقادر الجيلاني (ت: 561 هـ): فقيه من العلماء الحنابلة، حنبلي العقيدة من الطبقة السادسة، متأخر، له تصوف، وله أعمال اجتهادية وزهد وورع، غلط بعض الجهلة من المساكين الذين ليس لهم علم ولا بصيرة... ونذروا له، واستغاثوا به، وزعموا أنه يتصرف في الكون. ابن عربي (ت: 638 هـ): رئيس وحدة الوجود... من الضُّلَّال، ممن كفره جمعٌ من أهل العلم؛ لضلاله وتلبيسه، ودعوته إلى وحدة الوجود، وأشياء في كتبه خبيثة لا ينبغي ذكرها، نسأل الله العافية. شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728 هـ): أبو العباس، أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني المعروف، صاحب التصانيف السائرة، وصاحب الأقوال السائدة، المجتهد المطلق، رحمة الله عليه، المتوفى سنة ثمانٍ وعشرين وسبع مائة، فهو من أعيان المائة السابعة والثامنة جميعًا، ومن مجتهدي القرنين السابع والثامن... يُلقَّب بتقي الدين، ويلقب بشيخ الإسلام، وهو كذلك؛ فقد دعا إلى الله، ونصر الحق، وجاهد الشرك وأهله، وله مقامات عظيمة في جهاد الشرك وأهله، ونصر الحق بلسانه وقلمه رحمه الله. من أبرز العلماء وأفضلهم، ولا أعلم على حسب ما اطلعت عليه - لا أعلم في زمانه ولا بعد زمانه أعلم بالله ودينه وأتقى لله منه، فيما ظهر لي من كتبه ونشاطه وغيرته لله رضي الله عنه ورحمه الله. معروف بسعة علمه، وإطلاعه، وبصيرته، وهو رحمه الله من أعلم الناس بمسائل الإجماع والخلاف. ابن القيم (ت: 751 هـ): شيخ الإسلام ابن تيمية، من أبرز العلماء وأفضلهم، يليه في المنزلة تلميذه البار، تلميذه الصادق، العلامة ابن القيم رحمه الله، فهو من أكمل الناس علمًا وفضلًا وتقوى، فهو أشرف وأفضل وأشهر تلاميذ أبي العباس شيخ الإسلام، وهو الذي عُنيَ غاية العناية بنشر كلمات شيخه وإمامه أبي العباس، ونشر كتبه، والعناية بما في كتبه من الخير، وكذلك نشرها بين الناس، والدعوة إلى ما فيها من التحقيق. الإمام محمد بن عبدالوهاب (ت: 1206 هـ): الشيخ المجدد للإسلام في الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر من الهجرة النبوية... رجل عظيم، ومصلح كبير، وداعية غيور... وصفه المنصفون بأنه مصلح عظيم، وبأنه مجدد للإسلام، وبأنه على هدًى ونورٍ من ربه. ملحوظة: للشيخ رحمه الله محاضرة بعنوان: " الإمام محمد بن عبدالوهاب: دعوته وسيرته " موجودة في كتابه: "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة"، الجزء الأول: 354. المراجع: ♦ فوائد من شرح كتاب التوحيد. ♦ فوائد من شرح تيسير العزيز الحميد. ♦ تعليقات على الرسالة الحموية الكبرى. ♦ التعليقات البازية على شرح الطحاوية. ♦ فوائد من شرح اختصار علوم الحديث. ♦ الحلل الإبريزية في التعليقات البازية على صحيح البخاري. ♦ مجموع فتاوى ومقالات متنوعة. ♦ فتاوى نور على الدرب. ♦ الفوائد الجلية من دروس الشيخ ابن باز العلمية، لعليِّ بن مفرح الزهراني. ♦ مسائل الإمام ابن باز رحمه الله، المجموعة الثانية، لعبدالله بن مانع الروقي.
سلمان رشدي .. والشيطان
الشاعر: أحمد يسري
16-09-2019
3,096
https://www.alukah.net//culture/0/136241/%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%b1%d8%b4%d8%af%d9%8a-..-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%b7%d8%a7%d9%86/
« سلمان رشدي .. والشيطان » تَبَّتْ يَداكَ أبا لَهَبْ قُتِل الكِتابُ ومَن كتَبْ يُوحِي لك الشيطانُ بالأفكارِ في صُوَرِ الأدبْ يَضَعُ الكمامةَ فوقَ عَينيك يا لَسُوءِ المُنقَلَبْ ويَقودُ خَطوَكَ باعوجاجٍ كي تُشارِكَه اللَّهَبْ قَدَحَ الشَّرارَ بعينِهِ ورَمَى خيالَك بالشُّهُبْ طافَ البلادَ فلمْ يَجِدْ إلَّاك مُخْتَلَّ العَصَبْ لا شكَّ أنك عندَه في الخَلقِ أدنى الرُّتَبْ سلمانُ، لا سَلِمَتْ يَداك ولا سَلِمْتَ منَ العَطَبْ وَخلَعْتَ دينَكَ ضَلَّةً وخَنِسْتَ تَرْقُبُ عن كثَبْ وهَجَرْتَ أًرْضَكَ مُفلِسًا تسعى فيُبلِيكَ الجَرَبْ أيقَنْتَ أنَّ محمدًا يُفدَى بأُمٍّ أو بأبْ ورأيتَ فيه نَموذجًا للخيرِ في كلِّ الحِقَبْ وإلى ديانةِ أحمدٍ قد كنتَ يومًا تَنتسبْ فتَمكَّنَ الشيطاَنُ منكَ مِنَ الدِّماغ إلى الذَّنَبْ وتَطاوَلَ القَلَمُ اللعينُ وراح يَسْكُبُ ما سَكَبْ أتُراكَ تَعلُو بالسِّبابِ إذنْ فإبليسُ السَّبَبْ قد خاض قَلبَكَ عُصبةٌ وعليهمُ حَقٌّ وَجَبْ مُتْ كلَّ يومٍ مرةً وذُقِ العذابَ المُرتَقَبْ فكتابُكَ المنشورُ يُبعَثُ يومَ نَشْرِكَ بالغَضَبْ ويَسوءُ وجهَك لا الصُّراخُ يَقِيكَ منهُ ولا النَّصَبْ لا تَشترِي حَرَسًا هنالِكَ أو تُساوِمْ بالذَّهَبْ فبكلِّ حرفٍ في الكتابِ عذابُ دَهرٍ تَكتَسِبْ وبقَدْرِ ما انتسَخوه يُسلَخُ جِلدُ وَجهِكَ باللَّهَبْ ورفيقُك الشيطانُ يَرمي تحت رِجْلِكَ بالحطبْ يَتبرَّأُ الشيطانُ مِنك ومِن عذابك لَم تُجَبْ ذُقْ ما جَنَتْ كفَّاكَ، لا تجني من الشوكِ العِنَبْ سلمانُ والشيطانُ ضلَّا واستشاطا في الغضبْ تَعِسَ الرِّفاقُ ومَن يناصِرُهم ويُجْمِلُ في الطلبْ المصدر: « صفحات مطوية من التاريخ »
وكانت النهاية من فوق المنبر!
د. محمد عاطف التراس
14-09-2019
4,423
https://www.alukah.net//culture/0/136195/%d9%88%d9%83%d8%a7%d9%86%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%81%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a8%d8%b1/
وكانت النهاية من فوق المنبر! [1] لا أدري من أين أبدأ! ولا كيف أبدأ! لكني سأرسل لقلمي عِنانه؛ ليجود بما بقِي فيه من عقل، لعله يكون أرشدَ عقلًا الآن مني، ودعوني أَقُصُّ عليكم طرَفًا من حياة الشيخ السيد محمد أحمد الشيخة الذي رحل إلى ربِّه من فوق المنبر خطيبًا، وكان الشيخ رحمه الله إمامَ مسجد « التوحيد » وخطيبَه بقريتنا ( نكلا العنب )، إحدى قرى مركز إيتاي البارود بمحافظة البحيرة، تلك القرية الواقعة على شاطئ النيل، ويُنسَب إليها أعلام؛ منهم: الشيخ محمد حامد الفقي، وغيره. في هذا المكان وُلِدَ شيخنا السيد الشيخة سنة 1951م، ونشأ بين أهلها في أسرة ريفية متوسطة الحال، تزوَّجَ ورزَقه الله ولدين وبنتين، والتحَق الشيخ بالجيش تقريبًا سنة 1972م، ثم أُحيل إلى التقاعد بدرجة ضابط على المعاش سنة 1988م، فبدَأ مرحلة جديدة من حياته، فقد عمِل محفِّظًا للقرآن الكريم بالمعهد الديني الأزهري بقرية نكلا العنب، مع عمله بتجارة الذهب سنين عددًا، ثم تفرَّغ في نهاية حياته لمسجده الذي بناه لله، وسماه مسجد «التوحيد»؛ ليقيم فيه السُّنة، ويحارب البدعة، وينشر العقيدة الصحيحة، وليكون أول مسجد تُقام فيه صلاة التراويح بجزء كامل في شهر رمضان من كلِّ عام. رأيتُه أول ما رأيتُه في مسجد عمر بن الخطاب، وكان يجلس في صلاة الجمعة بجانبي غالبًا، لا أرى إلا رجلًا كثير الصمت، قليل الحركة، حادَّ البصر، تبدو عليه أمارات الصرامة، وعلامات الجِدَّة، وكنت أرى فيه ما لا أراه في الشباب أمثالنا من الفُتوَّة، يقف في المحراب إمامًا لا يتململ، وإذا وقف بيننا في الصف - وهو الشيخ العجوز - تراه صُلبًا لا يتعَب من الصلاة مهما طالت، ولعل هذا كان من أثر حياته في الجيش! وأذكُر ذات يوم بعد أن ألقيتُ عليه وِردي من القرآن، وكنتُ أحفَظ معه، لمح بيدي كتابَ أبي فهر محمود محمد شاكر عن المتنبي، فسألني: هل تقرأ لمحمود شاكر؟! قلتُ: وهل تعرف شاكرًا يا شيخنا؟! وما كنت أظنُّ أن شيخي وصل إلى شاكر، فقال لي: بل زرتُه في بيته، فجلستُ من فَوري، وقلتُ له: احكِ لي، قال شيخنا: كنتُ أنا وزميل لي بالجيش يعمل محقِّقًا قد ذهبنا لزيارة الشيخ محمود شاكر يومًا، ودخلنا بيته، ويومها لم نجد مكانًا من كثرة الكتب، فأزحنا بعضها وجلسنا، وجاءنا الشيخ في أُبَّهته، وقدَّم لنا مشروبًا، وأهداني كتابينِ: الأول: كتاب المتنبي له، والثاني: كتاب الرسالة للإمام الشافعي بتحقيق أخيه أحمد شاكر. ثم نصحني نصيحة غالية قال: عليك بحواشي الكتب التي يُحيل عليها المؤلِّف أو المحقِّق، وارجِع إليها لتتحققَ من استدلال المؤلف أو المحقق، ومدى صحة إحالته على هذا الكتاب، ولتستزيد من معلومات هذا الكتاب المحال عليه. وكانت خيرَ نصيحة تعلَّمتُها من شيخي، يُحدِّث بها عن علامة العربية محمود محمد شاكر! فكنت أعيش الكتاب الذي أقرأه بمتنه وحاشيته، فكنتُ أقف على فوائدَ كانت نواةً لحبِّ فنِّ التحقيق. وكان رحمه الله ذا عزيمة حذَّاءَ ماضيةٍ، لا تَلين لها قناةٌ، وهبَه الله نفسًا أبيَّةً، وجَنانًا لا تحوم حوله الأوهامُ، ولا تنال منه نَكباتُ الأيام، كنَّا نصلي معًا التراويح في رمضان ذات سنة، وجاءت العشر الأواخر منه، فعزَمنا على الاعتكاف في مسجده مع قضاء حوائجنا في بيوتنا، وكنا لا نأكل بالمسجد إلا وجبةَ السحور، ونتركه في المسجد ونمضي، حتى جاء يومٌ علِمنا فيه أنه لا يذهب إلى بيته ليُفطر، وإنما هو معتكف كليًّا لا يخرُج من المسجد، وكان بيته قُبالةَ المسجد مباشرة، وكان أهله يظنون أنه يفطر بالمسجد، فنحن نظنه يُفطر مع أهله، وأهله يظنونه يفطر معنا! فسألته: أين تفطر؟! قال لي: لقد تعودتُ من موسم الحج أن أُفطر على الماء وبضع تمرات! يا له من رجل صدقَ فيه قولُ البارودي: لا يُدْرِكُ الغايةَ القُصوى سِوَى رَجُلٍ *** ثَبْتِ العزيمةِ ماضٍ حيثُ يَنْخَرِطُ ترجَّل الفارس عن جَواده ليخلف وراءَه ذكرياتٍ جميلةً لا تَبلى جِدَّتُها على مَرِّ الأيام، فقد انطلقت ألسنُ الناس وأقلامهم تزكِّيه وتترحَّم عليه، وتذكُره بالذكر الحسن والثناء الجميل، وما المرء منا إلا ذكرى، رحَل عن دنيانا، وكلما استعدتُ شريط الذكريات الذي لا ينتهي، تغلبني عيني، وتَذرِف الدمع، وأتجرَّع الغَصَص، وتتملكني الحسرات، وتتصاعد الزَّفَرات، ولا أملِك إلا أن أتمثل قولَ البارودي: أستنجدُ الزَّفَراتِ وهي لوافحٌ وأُسفِّهُ العَبراتِ وهْي بوادِي لا لوعتي تدَعُ الفؤادَ ولا يدي تَقوى على ردِّ الحبيبِ الغادِي وعلى اختلاف الكثيرين مع الشيخ، وانتقادهم له بحقٍّ أو بغير حق، فإنهم كانوا يوقِّرونه أيَّما توقير، ويُجلُّونه الإجلال اللائقَ به، ومن ذلك أنك لا تجد أحدًا من الناس يذكر اسمَه مجرَّدًا من لقب « الشيخ »، فتراه ينتقده ويُعرِّض به، ثم يقول: « الشيخ السيد... »، بل أشد من هذا تراهم لا يعرفون اسم مسجده الذي سماه « التوحيد »، وإنما يسمونه « مسجد الشيخ السيد الشيخة »! مضى الشيخ بعد رحلة كفاح طويلة مليئة بالخيرات والبركات والحسنات، رحلَ إلى ربه بعد 68 عامًا، تَحدوه حُسن الخاتمة التي يتساءل الكثيرون: كيف نال هذا الرجل هذه الخاتمة العظيمة؟! هل ما زال بيننا مَن يُختَم له بمثل هذا؟! ما الذي بينه وبين الله؟! فإذا كان لحسن الخاتمة فرسان وأعلام، فإن شيخنا يُعدُّ من الأفراد القلائل الذين يُذكَرون في صدارة صفحات التاريخ بين أولئك الفرسان والأعلام، فلقد مات شيخنا في أيام هي أفضل أيام الدنيا، في أول يوم من العشر الأُول من ذي الحجة لسنة 1440هـ، الموافق 2 /8 /2019م، وكان صائمًا، مات واقفًا يخطُب الجمعة، وعليها يُبعث بإذن الله، ولقد تحرَّيتُ عن آخر كلماته في خطبته الأخيرة، فذكر لي أحد الذين حضروا خطبته أن الشيخ كان يتحدث عن مناسك الحج، وبعد مرور عشر دقائق تقريبًا من الخطبة إذا به يقول: «لبيك اللهم لبَّيك، إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا...»، ويَميل بالسماعة حتى وقع من فوق المنبر، فجُرِحَ جُرْحًا خفيفًا لم ينزِف، فذهبوا به إلى الطبيب، فأخبرهم أنه تُوفي قبل وقوعه مِن على المنبر، رحمه الله وأجزَل له المثوبة، فاللهم اربط على قلوبنا، وارزُقنا الصبر والسُّلوان، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبُنا ونعم الوكيل. [1] كتبه الدكتور: محمد عاطف الترَّاس.
بطن الشاعر
د. إبراهيم علي أبو الخشب
14-09-2019
3,758
https://www.alukah.net//culture/0/136185/%d8%a8%d8%b7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%b1/
بطن الشاعر «بطن الشاعر».. هذه كلمة أشبه بالألغاز والأحاجي، ظللتُ أستوضحها - بيني وبين نفسي - وأستلهم الله تفسيرها، فلم أجد ما يشفي الغُلة، اللهم إلا ما يتخبط فيه الفكر ويتعثر معه الخيال.. وربما قلت - في بعض الأحايين، إذا أردتُ التأريخ لها -: إنها ظهرت يوم كانت الفلسفة مبغضة محاربة. فلما خاف الفتى من الفلاسفة أن يموت من عثرة لسانه، أغمض وأغرب، وعمَّى وألغز، وأغلق وأبهم، لِيَنْجُوَ بجلده، ويخلص نفسَه إن اشتد عليه النكير، أو تجهّمت له أعين الجلاّد. وأغلب الظن أن هذه الكلمة يوم ( ماتت ) لم تشأ إلا أن تترك لها ذَنبًا يلعب فيما يسمى بغرابة اللفظ وغموض المعنى. وقد كان المتنبي يلذ له أن ينام ملء جفونه عن أوابد شعره، في الوقت الذي يسهر معاصروه في شرحه، ويختصمون في بيان منزلته. وهكذا يُحكي عن بعض المؤلفين القدامى، أصحاب الشروح والحواشي والتقارير... فقد كان الواحد منهم يروقه أن يتخبط الناس في كلامه، ويقلبوه على وجوهه المختلفة، ويزيدوا على عبارته، أو ينقصوا منها، ليستقيم المعنى ويظهر المراد، فإن لم تتطاحن فيه الأفهام، وتختلف العقول، وتتضارب الآراء، فهو كتاب ميت، أو مؤلف لا قيمة له. وكان أخوف ما يخافه الإمام الشيخ ( محمد عبده ) أن يتصَّدى أحد بالكتابة على مؤلفاته، نراه يستعيذ بالله من هذا ويتبرأ منه، وقد حدا به إلى ذلك أنه رأى الكتب - في عهده - لا ترمي إلى المعنى الخالص، والبيان الصراح، ولكنها تتلوى وتتخبط، وترمي إلى التعقيد والإبهام... وربما كان فينا من أدرك هذا - في الأزهر - حين كان الأستاذ أو التلميذ في الدرس، يمر بالعبارة من العلم، أو الجملة من الكتاب، فإذا رأى أنه مر بها مرور الكرام، وعبرها عبورًا سهلًا، اتهم فهمه، وأساء الظن بعقله، واستكبر على نفسه أن يعلق المعنى بخاطره - عفوًا - دون تكلف أو معاناة، فعاد يرجع الضمير إلى مرجع آخر، أو يورد الشبه والاعتراضات، ليرى هل يسلم له الفهم، ويخلص المعنى، أم تحيط به الأشواك والعقابيل.. لأنه يعلم - حق العلم - أن صاحب الكتاب كدح فيه ذهنه، وأتعب نفسه، وأضاع من وقته الجم الكثير وأن تأليفًا كهذا لا يمر به قارئ إلا على جسر من التعب، وطريق أدق من الصراط... وبعض الناس يحيط الإغلاق ببيانه ولسانه.. فهو كاتبًا أشبه به محدِّثًا، بطنه كظهره، وظهره كبطنه... لا يضيرك أن تقول المعنى في بطنه أو ظهره... كأنما هم عالة على البيان، أو زائدة في بني الإنسان!!! المصدر: مجلة الرسالة: العدد 414 يوم 9- 6- 1941م
لمن القرار: للعقل أم العاطفة؟
د. جمال يوسف الهميلي
12-09-2019
7,693
https://www.alukah.net//culture/0/136176/%d9%84%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d9%84%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84-%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81%d8%a9%d8%9f/
مجالسُ الحُكماءِ (4) لِمن القرار: للعقل أم العاطفة؟ الجحود يعني النكران، واليقين عكسه تماماً، فهما متضادان، وبمعنى آخر ربما لا نتوقع أن يجتمعا في القضية الواحدة، فهل يُتصور أن تكون متقيناً من قضية وأنت تجحدها؟ الآن شاركني القراءة: قال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 14]، والحديث عن فرعون وقومه بعد معاينة معجزات موسى عليه السلام، فكيف جمعوا بين الجحود واليقين؟ ملاحظة أخرى في حياتنا، البعض يعلم يقيناً بضرر عمل ما ويصرح بذلك (كالتدخين مثلاً)، ثم تجده يمارسه بكل سهولة وبدون حياء ومثال إضافي: البعض متيقن من حرمة فعلٍ ما ( كمشاهدة المحرمات ) وربما يمارس دور الناصح الأمين للتحذير من ذلك الفعل، وتلتفت فتجده يفعله بلا تحرج، والأمثلة قد تطول في ذلك. تلك الأمثلة اعطتني الجواب لسؤالي الأول وهو الجمع بين الجحود واليقين، فقد يتيقن العبد من قضية لقوة الأدلة وكثرتها بما لا يدع مجالاً للشك، لكنه يمارس عملياً دور الجاحد لها ويحاول أن يظهر جحوده لها، فهو بهذا جمع بين اليقين الداخلي والجحود الفعلي. وهذا بالطبع يجر إلى سؤال أهم: لماذا يمارس الجحود عملياً مع ما يناقضه من يقينٍ داخلي؟ مفتاح الإجابة هو معرفة صاحب القرار في سلوكيات الإنسان، فالعبد يتجاذبه طرفان: 1- العقل وهو الجزء المفكر والناقد الفاعل والذي يتعامل بمنطقية ويبحث عن الأدلة لتبني تصور معين عن القضية قبل إخراجها إلى التطبيق العملي. 2- العاطفة والتي تميل إلى التراخي والكسل والنظر من خلال زاوية الشهوات الإنسانية والرغبات الشخصية. فالعقل قد يصل إلى نتيجة حقيقية لها ما يؤيدها، لكن تأتي العاطفة لتضع العقبات والأبجديات المرتبطة بنتيجة تلك القناعة العقلية وما يترتب عليها من متطلبات وخسائر وتضحيات. وهنا يأتي الحسم: لمن القرار النهائي في السلوك الانساني؟ من الصعب تحديد الإجابة بشكل قاطع لكل الناس وفي كل الظروف، لكن المتأمل لنفسه ولغيره وعلى مختلف المستويات وفي كل المجتمعات البشرية، سيقطع بلا شك أن الغلبة تكون للعاطفة غالباً (ربما تتجاوز 70%) حتى على المستوى الجماعي، ولعل هذا يضاف إلى أسباب رفض فئات من الأقوام لدعوات رسلهم وأنبيائهم، مع قوة أدلتهم العقيلة، بل ومعجزاتهم الربانية – والله أعلم-. وحتى في زمننا هذا: فالشخص الذي يُحسن دغدغة العواطف وتحريكها يكون حظه أفضل من الشخص الذي يعتمد على العقل فقط، ومن لاحظ بعض الفعاليات في مختلف المجتمعات سيوافقني على ذلك. والآن كن صريحاً مع نفسك واجتهد في تعريتها بين يديك، وأجب بصراحة عن اسلوبك في اتخاذ قراراتك، وسل نفسك: لمن كان القرار، لعقلك أم لعاطفتك؟ والسلام عليكم ورحمة الله
من سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
11-09-2019
8,820
https://www.alukah.net//culture/0/136153/%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%af-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/
من سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يوم فتح مكة يومًا عظيمًا من أيام الإسلام، وزمنًا مشرقًا في أفق الزمان، ففي هذا اليوم المجيد هُدمت الأوثان والأصنام، ومُزقت عقيدة الاستسقام بالأزلام من البيت الحرام، وطهرت مكة وما حولها مِن دنس الشرك والوثنية، وأعلنتْ أم القرى مدينة خالية من معبودات الجاهلية، وعُمِّرت بتوحيد الله رب البرية. ومن نظر في القرآن الكريم وجَد كثرة الحديث عن بطلان عبادة الأصنام، وتتابُع الدعوة إلى توحيد الله تعالى، ونبذ كل معتقد يباين ذلك، وكان من ضمن تلك الآلهة المعبودة من دون الله تعالى عند أهل مكة: العزى؛ يقول ربُّنا تبارك وتعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى * إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ﴾ [النجم: 19-23]؛ قال ابن كثير: العُزَّى من العزيز، وكانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة، وهي بين مكة والطائف، كانت قريش يعظمونها، كما قال أبو سفيان يوم أحد: لنا العزى ولا عزَّى لكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (قولوا: الله مولانا، ولا مولى لكم)، وروى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من حلف، فقال في حلفه: واللات والعزى، فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقَامرْك، فليتصدَّق)، وهذا محمول على مَن سبق لسانه في ذلك، كما كانت ألسنتهم قد اعتادته في زمن الجاهلية، هذه الثلاثة التي نص عليها في كتابه العزيز، وإنما أفرد هذه بالذكر - يعني العزى - لأنها أشهر من غيرها؛ قال ابن إسحاق في السيرة: وقد كانت العرب اتخذت مع الكعبة طواغيتَ، وهي بيوت تُعظمها كتعظيم الكعبة، بها سدنة وحجَّاب، وتُهدي لها كما يهدى للكعبة، وتطوف بها كطَوْفَاتِها بها، وتنحر عندها، وهي تعرف فضل الكعبة عليها؛ لأنها كانت قد عرفت أنها بيت إبراهيم عليه السلام، ومسجده، فكانت لقريش وبني كنانة العُزَّى بنخلة، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من سليم حلفاء بني هاشم [1] . ولخمس بقين من رمضان من السنة الثامنة عقب فتح مكة، بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه لهدم العزى فهدَمها [2] . وقال ابن الكلبي: كان الذي اتخذ العزى ظالم بن أسعد، وكانت بوادٍ من نخلة، وكانت أعظم الأصنام عند قريش، وكانوا يزورونها، ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح، وكانت قريش قد حمت لها شعبًا من وادي حراض يقال له: سقام، يضاهون به حرم الكعبة، وكانت قريش تخصها بالإعظام؛ فلذلك يقول زيد بن عمرو بن نفيل - وكان قد تألَّه في الجاهلية وترك عبادتها وعبادة غيرها من الأصنام -: تركتُ اللاتَ والعزى جميعًا كذلك يفعل الجلد الصبورُ فلا العزى أدينُ ولا ابنتيها ولا صنمي بني غنمٍ أزور.. فلما كان عام الفتح دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد، فقال: انطلق إلى شجرةٍ ببطن نخلة، فاعضدها، فانطلق خالد فلما رآه سادنها دبية قال دبية للعزى: أعزاء شدي شدةً لا تكذبي على خالدٍ ألقي الخمار وشمري فإنك إلا تقتلي اليوم خالدًا تبوئي بذلٍّ عاجلًا وتنصري فقال خالد: يا عز كفرانك لا سبحانك إني رأيت الله قد أهانك ثم ضربها ففلق رأسها، فإذا هي حممة، ثم عضد الشجرة، وقتل دبية السادن. ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبره، فقال: تلك العزى، ولا عزى بعدها للعرب، أما إنها لن تعبد بعد اليوم [3] . وفي الوقت نفسه من رمضان من ذلك العام بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام عمرو بن العاص لهدم سواع برهاط من بلاد هذيل، وبعث سعد بن زيد الأشهلي لهدم مناة، وكانت بالمشلل للأوس والخزرج وغسان [4] . شذرات من سيرة خالد بن الوليد رضي الله عنه: إن خالد بن الوليد نموذج فريد من الرجال النبلاء الذين نقشوا بأفعالهم الجليلة أسماءهم في جدار الزمان، وأبقوا الثناء عليهم مشرقًا في ذاكرة الخلود، سنوات قليلة من حياة العظمة أدخلت خالدًا رضي الله عنه خالدًا كاسمه في تاريخ العظماء؛ ليبقى مدرسة متقدمة تتخرج من عبقريتها عقول كبيرة، وتنهل من آثار أعمالها العسكرية الفذة الأجيال تلو الأجيال. لقد كان أبو سليمان رضي الله عنه مثالًا للقائد المحنك الذي يتقن فن القيادة، ويجيد رسم خطط الحرب، ويعرف كيف يديرها، وكان قدوة حسنة للرجل الكبير الذي يتواضع للحق وينحني له، ويدع صلف الكبرياء، ويستجيب لداعي العقل الحصيف، ودعوة الدين الحنيف. وكان نموذجًا مضيئًا للقائد المؤمن الذي يطلب أجره من الله فحسب، ويحتسب عمله عنده، ولا يبحث عن الرتب العسكرية وترقياتها، ويحرص على التمسك بالمرتبة التي وصل إليها، ولم يكن يستغل مركزه للوصول إلى طاعة أهوائه، وتلبية حاجات شهواته. وكان سيفًا صقيلًا على هامات الباطل، رفع الله به راية الحق، وأزاح عن امتداد نور الإسلام حجبًا كثيفة من الظلم والظلمات كانت تقف أمامه، حتى وصل بسنابك خيل الإسلام إلى بلاد الروم والفرس. دعونا نقترب من حياته قليلًا؛ لنعرف هذا الرجل العظيم الذي أطلَّ على الدنيا مولودًا في مكة، واحتضنت جسده الطاهر ميتًا بقعةٌ من بقاع الشام. اسمه ونسبه رضي الله عنه: هو القائد العظيم والصحابي الجليل: خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبدلله بن عمرو بن محزوم القرشي المخزومي سيف الله أبو سليمان، أحد الشجعان المشهورين، لم يقهر في جاهلية ولا إسلام، كان أحد أشراف قريش في الجاهلية [5] . إسلامه رضي الله عنه: اختلف في وقت إسلامه وهجرته؛ فقيل: في سنة سبع بعد خيبر، وقيل: قبلها، وقيل: في أول يوم من صفر سنة ثمان [6] ، ورجَّح ابن حجر أنه أسلم بين الحديبية والفتح [7] . تخصصه رضي الله عنه: كان قائدًا عسكريًّا من الطراز الأول في الجاهلية والإسلام، وكانت خططه الحربية وتكتيكاته العسكرية سببًا من أسباب النصر في معاركه. ففي الجاهلية كانت إليه القبة وأعنَّة الخيل، فأما القبة فإنهم كانوا يضربونها ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحروب [8] . شهد مع كفار قريش الحروب إلى عمرة الحديبية، وموقفه في قلب دفة المعركة في أُحد معلوم، وفي الإسلام كان له القدح المعلَّى في فتوحاته ومعاركه، كما سيأتي. ولانشغاله بهذا التخصص لم يروِ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث إلا القليل؛ كحديث أكله الضب في بيت خالته ميمونة رضي الله عنها على سفرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [9] ، وحديثه القائل فيه: "ندقَّ في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما صبرت معي إلا صفيحة يمانية" [10] . حتى لقد قال: "لقد شغلني الجهاد عن تعلُّم كثير من القرآن" [11] . بعض مهماته العسكرية الإسلامية رضي الله عنه: لقد كان لسيف الله خالد جهد عظيم في الحروب والبعثات العسكرية التي أرسله بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أبو بكر رضي الله عنه من بعده، فكان سهمهما الذي لا يخيب، وسيفهما الذي لا يفل، ورمحهما النافذ إلى أكباد الباطل. ومن تلك المهمات: *قيادة المسلمين في غزوة مؤتة بعد القادة الثلاثة: زيد وجعفر وابن رواحة، وكان ذلك اليوم هو يوم خالد على الحقيقة، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب)، وعيناه تذرفان (حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم) [12] . وعن قيس بن أبي حازم قال: سمعت خالد بن الوليد يقول: "لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صفيحة يمانية" [13] . ♦ شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة وحنين والطائف، فأبلى فيها بلاءً حسنًا، وجُرح في حنين، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رحْله بعدما هُزمت هوازن ليعرف خبره ويعوده، فنفث في جرحه فانطلق. ♦ بعثه رسول الله لهدم العزى، كما تقدم. ♦ بعثه رسول الله إلى أكيدر دومة، فأخذوه فأتوا به فحقن له دمه، وصالحه على الجزية. ♦ أرسله أبو بكر إلى قتال أهل الردة، فأبلى في قتالهم بلاءً عظيمًا، وقتل على يده أكثر أهل الردة، ثم ولَّاه حرب فارس والروم، فأثر فيهم تأثيرًا شديدًا، وفتح دمشق؛ قال ابن كثير: "وقد استعمله الصِّديق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على قتال أهل الردة ومانعي الزكاة، فشفى واستشفى، ثم وجهه إلى العراق، ثم أتى الشام فكانت له من المقامات ما ذكرناها مما تقر بها القلوب والعيون، وتتشنف بها الأسماع". ♦ وبعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة عشر إلى بلحارث بن كعب، فقدم معه رجال منهم، فأسلموا ورجعوا إلى قومهم بنجران. ♦ بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن قبل عليٍّ رضي الله عنه، وهي مهمة دعوية [14] . مناقبه رضي الله عنه: أولًا: تلقيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بسيف من سيوف الله: عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نعى زيدًا وجعفرًا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال: (أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها ابن رواحة فأصيب)، وعيناه تذرفان (حتى أخذها سيف من سيوف الله، حتى فتح الله عليهم) [15] ، ومن ذلك اليوم عرف بهذا اللقب الشريف. وعن أبي هريرة قال: (نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلًا، فجعل الناس يمرون، فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من هذا يا أبا هريرة؟ فأقول: فلان، فيقول: نعم عبد الله هذا، ويقول: من هذا؟ فأقول: فلان فيقول: نعم عبد الله هذا، حتى مر خالد بن الوليد فقال: من هذا؟ فقلت: هذا خالد بن الوليد، فقال: نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله) [16] . ثانيًا: دفاع رسول الله عنه حينما قيل عنه: إنه منع الزكاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد وعباس بن عبدالمطلب، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا؛ قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله...) [17] . قال النووي: "قال أهل اللغة: الأعتاد: آلات الحرب من السلاح والدواب وغيرها، والواحد عتاد - بفتح العين - ويجمع أعتادًا وأعتدة، ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم عليَّ، فقالوا للنبي صلى الله عليه و سلم: إن خالدًا منع الزكاة، فقال لهم: إنكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها، فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى متبرعًا، فكيف يشح بواجب عليه؟" [18] . وعلى كلا الاحتمالين، ففي هذا ثناء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خالد رضي الله عنه. ثالثًا: ثناء رسول الله عليه بكونه فتى العشيرة: قال أبو عبيدة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (خالد سيف من سيوف الله عز وجل، ونعم فتى العشيرة) [19] . رابعًا: دعاء رسول الله له بالنصر: عن أبي قتادة الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (اللهم هو سيف من سيوفك فانصُره) [20] . خامسًا: ثناء كبار الصحابة عليه: عن هشام بن عروة عن أبيه قال: حرق خالد بن الوليد ناسًا من أهل الردة، فقال عمر لأبي بكر: أتدع هذا الذي يعذب بعذاب الله؟! فقال أبو بكر: لا أشيم - لا أغمد - سيفًا سله الله على المشركين) [21] . وقال فيه عمر رضي الله عنه - وكان ابن خاله -: وهل قامت النساء عن مثل خالد، وقال فيه أيضًا لَما علم أن نسوة بني المغيرة اجتمعن يبكين عليه: "وما عليهنَّ أن ينزفنَ مِن دموعهنَّ على أبي سليمان، ما لم يكن نقعًا أو لقلقة"، والنقع: التراب على الرأس، واللقلقة: الصوت. ولما مات استرجع عمر وقال: "كان والله سدادًا لنحور العدو، ميمون النقيبة"، وقال كذلك: "رحم الله أبا سليمان، ما عند الله خير له مما كان فيه، ولقد مات سعيدًا، وعاش حميدًا" [22] . وفاته رضي الله عنه: مات على فراشه سنة إحدى وعشرين بحمص، ودفن في قرية على ميل من حمص، وما زال قبره معلومًا إلى اليوم هناك، وغلط من قال: إنه مات بالمدينة، ولما مات لم يوجد له إلا فرسه وغلامه وسلاحه، وقال: إذا أنا مت فانظروا في سلاحي وفرسي، فاجعلوه عدة في سبيل الله. ومن أقواله في مرض موته: "لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنا ذا أموت على فراشي كما يموت العير، فلا نامت أعين الجبناء"، وقال أيضًا: "ما ليلة يهدى إليَّ فيها عروس، أو أبشر فيها بغلام بأحب إليَّ من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبح بهم العدو" [23] . فرحمة الله على أبي سليمان، ورزق الأمة بأمثاله. [1] تفسير ابن كثير (7/ 455) بتصرف. [2] تاريخ الأمم والرسل والملوك، الطبري (2/ 163)، مغازي الواقدي (ص: 7)، السيرة النبوية، لابن كثير (3/ 711). [3] الأصنام، لابن الكلبي (ص: 3-4). [4] مغازي الواقدي (ص: 7)، السيرة النبوية، لابن كثير (3/ 711)، عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير؛ لابن سيد الناس (2/ 208). [5] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر (2/ 427)، البداية والنهاية، لابن كثير (7/ 113)، الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (2/ 251). [6] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر (2/ 427)، البداية والنهاية، لابن كثير (7/ 113)، الإصابة في تمييز الصحابة، لابن ح جر(2/ 251). [7] فتح الباري، لابن حجر (7/ 101). [8] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر (2/ 427). [9] صحيح البخاري (5/ 2060) (5076)، صحيح مسلم (3/ 1543) (1945). [10] صحيح البخاري (4/ 1555)(4017). [11] الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (2/ 255). [12] رواه البخاري (3/ 1372) ( 3547 ). [13] تقدم تخريجه. [14] الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (2/ 252-253)، البداية والنهاية، لابن كثير (7/ 114) (5/ 105)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر (2/ 428-229). [15] رواه البخاري (3/ 1372) ( 3547 ). [16] رواه الترمذي (5/ 688) (3846)، وقال ابن حجر: رجاله ثقات، الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (2/ 252). [17] رواه البخاري (2/ 534) ( 1399 )، ومسلم (2/ 676) (983). [18] شرح النووي على مسلم (7/ 56). [19] رواه أحمد (28/ 27) (16823)، وهو حسن. [20] رواه أحمد (37/ 258)(22566 )، وهو صحيح. [21] مصنف عبدالرزاق (5/ 212) ( 9412 ). [22] البداية والنهاية، لابن كثير (7/ 116-118). [23] فتح الباري، لابن حجر (7/ 101)، البداية والنهاية، لابن كثير (7/ 114- 117)، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبدالبر (2/ 430)، الإصابة في تمييز الصحابة، لابن حجر (2/ 254- 255).
العبقرية والقريحة أو شوقي وحافظ
أحمد حسن الزيات
11-09-2019
6,208
https://www.alukah.net//culture/0/136149/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%ad%d8%a9-%d8%a3%d9%88-%d8%b4%d9%88%d9%82%d9%8a-%d9%88%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8/
«العبقرية والقريحة» أو «شوقي وحافظ» فجيعة الشعر العربي في حافظ وشوقي يعز عليها الصبر، ويُعْوز منها العوض، ويصرف أساها الناقدين عن تقويم الميراث العزيز إلى تعظيم الموروث الأعز. وليس مما يزكو بالمنصف أن يجشم نظره رؤية الحق من خلال الدموع، فإن في ذلك اعتداء على العقل أو إساءة إلى العاطفة. وهذه الكلمة إنما نستجيز ذكرها اليوم لأنها إلى الهتاف بالعظيمَينِ أقرب منها إلى النقد، ولأن ما يكتب عنهما الساعة إنما هو تقييد لعفو الرأي وتمهيد لأسباب الحكم الصحيح. شوقي شاعر العبقرية وحافظ شاعر القريحة، وتقرير الفرق بين الموهبتين هو تقرير الفرق بين الرجلين. فالقريحة ملكة يملك بها صاحبها الإبانة عن نفسه بأسلوب يقره الفن ويرضاه الذوق. ومن خصائصها الوضوح والاتساق والأناقة والسهولة والطبيعية والدقة. أما العبقرية فضرب من الإلهام يستمر استمرارًا تجدديًا فتلازم أحيانًا وتنفك حينًا. ومن أخص صفاتها الأصالة والإبداع والخلق، فالرجل العبقري إذن يعلو ثم يسفل تبعا لقيام العبقرية به أو انفكاكها عنه، وهو يَشخُب الشعر غالبًا فيرسله من فيض الخاطر كما يجئ دون تنقيح له ولا تأنق فيه، ثم هو في عظام الأمور سباق وفي محاقرها متخلف، لأن الجليل يوقظ خاطره ويحفز طبعه والتافه الوضيع ينخزل عن مكانه فلا يبلغ موضع التأثير فيه، وقد يعني لسبب من الأسباب بعامي الأشياء أو سوقي الآراء فيبعث فيه من روحه ما يحييه، ومن حرارته ما يقويه، ومن أشعته ما يظهر فيه الطرافة والجدة كما تظهر الشمس كرات التبر في عروق الصخور! فالقريحة كما ترى توجد الصورة والعبقرية تبدع المخلوق. ومزية الأولى في الصنعة وتقديرها في التفصيل، ومزية الأخرى في الابتكار وتقديرها في الجملة. فإذا قرأت قصيدة لذي القريحة راقك منها جرس الحروف ونغم الكلمات واتساق الجمل وبراعة البيت، ولكنك تفرغ منها وليس لها أثر في نفسك ولا صورة في ذهنك. أما العبقريات فحسبك أن تذكر عنوانها لتشعر بها، وتتصور موضوعها لتتأثر منها. ذو القريحة يقول ما يقول الناس، ولكنه يصوره بقوة ويؤديه بدقة وينسقه بذوق ويهذبه بفن، وذوو العبقرية على نقيضه؛ ينظر ويشعر ويفكر ويقدر على طريقته الخاصة، فإذا وضع خطة أو رسم صورة أو بحث فكرة أخرجها على طراز فَذ فتحسبها مبتكرة وقد تكون مسبوقة، لأنه استطاع بقوة لحظه ولقانة طبعه أن يريك فروقًا لم ترها، ويقفك على تفاصيل لم تتصورها، ويفجر لك النهر من حيث لم يستطع غيره أن يفجر الجدول.. والرجل العادي ينظر بالعين فكأنه لسطحيته لم ير! والعبقري يرى باللمح فكأنه لزكاته لم ينظر! على أن هناك فرصًا للكمال تجتمع فيها على الوئام العبقرية والقريحة، فيسلم الفنان حينئذ من التفاوت القبيح بين إصعاده وإسفافه، أو بين جيده ورديئه؛ لأن العبقرية إذا غفت خلفتها القريحة، والقريحة إذا كبت سندتها العبقرية. على ذلك تستطيع أن تقول: إن أبا نواس وأبا فراس والشريف من رجال القريحة، وإن أبا تمام وأبا العتاهية والمتنبي من رجال العبقرية، وإن البحتري وابن الرومي ممن جمع في الكثير الغالب بين الموهبتين، وتستطيع كذلك أن تعلل أمثال قول البحتري في أبي تمام: « جيده خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه »؛ وقول الأصمعي في أبي العتاهية: « أن شعره كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والخزف والنوى »، وقول الثعالبي في المتنبي: « كان كثير التفاوت في شعره فيجمع بين الدرة والآجُرَّة، ويتبع الفقرة الغراء بالكلمة العوراء »، وقولهم في ابن الرومي: « إنه امتاز بتوليد المعنى واستقصائه وسلامة شعره على الطول ». أخطرْ ببالك بعد ذلك حافظًا، تجد أول ما يبهرك منه لفظه المؤنق وأسلوبه المشرق وقافيته المروضة وصوره الأخاذة، فأما الروح والموضوع فأصداء منبعثة من الماضي في فردياته وآراء مقتبسة من الحاضر في اجتماعياته، فحافظ لم يستطع لضيق مضطربه وقصور خياله وضعف ثقافته أن يعنى بغير الشكل والصورة، وكانت هذه العناية من اليقظة والحرص بحيث لم تغفل عن خلل ولم تعي بصقال. فإذا تهيأ للشعر أو للنثر عمد إلى الآراء التي تختلج حينئذ في النفوس وتستفيض في المجامع وتتردد في الصحف فيجمعها في باله ويديرها في خاطره ثم يكون همه بعد ذلك أن يصوغها فيحسن الصوغ ويسبكها فيجيد السبك، وتقرأ بعد ذلك أو تسمع فإذا نسق مطرد وأسلوب سائغ وشيء كأنك سمعته من قبل ولكن عليه طابع حافظ ووسمه. وحافظ يتحمل من بناء القصيدة رهقًا شديدًا، لأنه يلدها فكرة فكرة، ويبض بها قطرة قطرة، ويتصيد المعاني فيقيدها في مفردات أو مقطوعات، فربما وقع له ختام القصيدة قبل مطلعها، وعثر على عجز البيت قبل صدره، ثم يعود فيرتب هذه الأبيات لأدنى ملابسة وأوهى صلة! وتجيء الصنعة البارعة فتخدعك عن الخلل بالطلاء، وعن التفكك بارتباط الأسلوب. ثم أخطر ببالك بعد ذلك شوقي تجده غير محدود بالصنعة ولا مقيد بالشكل، وإنما هو فيض يسخر بالحدود، ونور ينفذ من الستور، وإلهام يتصل باللانهاية، وشاعر كالمتنبي أو كهوجو يفتح مطلع القصيدة فكأنما يفتح لك باب السماء! فأنت من شوقي حيال شاعر روحه أقوى من فنه، وشعره أوسع من علمه، وحكمته أمتن من خلقه، وقدرته أكبر من استعداده، فلا تشك في أنه وسيط لروح خفية تقوده، ورسول لقوة إلهية تلهمه، ثم تفارقه حينًا تلك الروح وتفرق عنه هذه القوة فيعود رجلًا أقل من الرجال، وشاعرًا أضعف من الشعراء، فينظم في افتتاح الجامعة ومشروع القرش وما إلى ذلك، فيأتي بما لا وزن له في النقد ولا مساغ له في الذوق! وشوقي تحت وحي العبقرية يتنزل عليه الموضوع جملة، ثم يشغله عن تفاصيله التفكير في الغاية والتحديق في الغرض فيرسله من فيض الخاطر شعرًا متسلسلًا متصلًا تضيق عن معانيه ألفاظه كما تضيق شطآن الرمل عن الفيضان الجائش المزبد.. ومن ثَمَّ كان التجديد والتعقيد والتدفق والعُمق من أقوى خصائص شوقي، كما كان التقليد والبساطة والكزازة والسطحية، من أبين خصائص حافظ. وهنا نحجز القلم عن وجهه فلا نمعن في تحليل شاعرينا اليوم، فإن لذلك إبانه ومكانه، ثم نرسل العين هتانة المسارب أسى على ماض طويل انقطع، ونغم جميل تبدد، وحلم لذيذ تقضَّى، وكاهنين من كهان عطارد طواهما الخلود، ثم ترك بعدهما رسالة الشعر عرضة للشعوذة والجمود. المصدر مجلة الرسالة، العدد 1 - بتاريخ: 15 - 01 - 1933
أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (3)
أحمد حسن الزيات
10-09-2019
3,480
https://www.alukah.net//culture/0/136128/%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-3/
أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (3) لم يشهد الشرق فاتحًا قبل العرب، يفتح البلدان والأذهان، ويستعمر الألسنة والأفئدة في وقت معًا. فاليونان والرومان غزوه بالسيف والحضارة والعلم، ولبثوا الحقب الطوال يمكنون لأنفسهم فيه، ويطبعون آثارهم في أكثر نواحيه، حتى إذا وهنت اليد القوية، وأمكن من يده السلطان الغريب، تنكرت المعارف وعفت الآثار. وَكان ما كان مِنْ مُلْكٍ ومِنْ مَلِكٍ *** ثُمَّ انقَضَى فَكأنَّ القومَ ما كانوا! ولكن العرب تدول دولتهم وتزول صولتهم ويعمل الفاتح الغشوم في رجالهم السيف، وفي آثارهم النار، حتى إذا ظن أنه ملك، وأن عدوه هلك، إذا بالعرب يقولون له في كل مكان وفي كل إنسان: « أنا هنا! »، وإذا بالمغير المزهو يستسلم لهذه القوة الخفية فتحتل خواطره ومشاعره وكيانه، ثم ينقلب على الرغم منه داعيًا لخلافتها ناشرًا لثقافتها! فهل رأى التاريخ مثيلًا لهذه الأمة التي حكمت الناس ظاهرة ومضمرة؟ وهل رأى التاريخ ضريبًا لهذا الشعب الذي طبع قسمًا كبيرًا من الدنيا بطابعه منذ ثلاثة عشر قرنًا، ثم لا يزال هذا الطابع على رغم العوادي جلي السمات واضح الدلالة؟ فسلطان العرب على العالم قد زال منذ قرون، ولكن ثقافتهم ما تنفك قائمةً في الشرق الإسلامي حتى اليوم!. ومن الشبيه باللغو أن نفصل أثر هذه الثقافة في أفريقيا وآسيا، فإن من خضع للعرب من شعوب هاتين القارتين قد انقطع ما بينهم وبين أسلافهم من صلات اللغة والأدب والعقائد والتقاليد، فأصبحوا لا يتكلمون ولا يفكرون ولا يعتقدون ولا يعيشون إلا بما للعرب من جميع ذلك. وذو الحيوية القوية منهم كالفرس استطاع بعد حين أن يجمع فلول لغته من يد البلى فأعادها إلى الحياة بعد ما اقتبس لها من الألفاظ العربية ما يشارف الستين في كل مائة، فضلًا عن استمداده من العربية الروح والحرارة والبلاغة والخط. ومع ذلك ظل الفرس ومن فعل فعلهم يستعملون العربية إلى وقت قريب في التأليف والتعليم والأدب، كما كان الأوربيون في القرون الوسطى يستعملون اللاتينية لمثل ذلك. على أن الثقافة العربية لم تقف في الشرق عند حدود الفتوح وإنما تجاوزتها إلى حدود الهند والصين على يد التجار من العرب، والمهاجرين من الفرس، والغازين من الترك والمغول، فالعرب نقلوا في رحلاتهم التجارية طائفة كبيرة من المعارف إلى تلك البلاد ظنها الأوربيون فيما بعد أصيلة فيها. وقد ألح العلامة سديو الفرنسي صاحب كتاب " تاريخ العرب " في التدليل على هذا الرأي. والرياضي النابغ محمد بن أحمد البيروني المتوفى سنة 430 نقل إلى الهند أثناء اتصاله الطويل بمحمود الغزنوي خلاصات قيمة من العلوم العربية نقلها الهنود إلى السنسكريتية في مثنويات من النظم. وكوبلاي خان المغولي أدخل في الصين طب العرب وبعض ما ألف من الكتب في بغداد والقاهرة. ثم أخذ الفلكي الصيني ( كوشيوكنج ) أزياج ابن يونس المصري من جمال الدين الفارسي ونشرها في بلاده. وبينما كان الشرق من أدناه إلى أقصاه مغمورًا بما تشعه منائر بغداد والقاهرة من أضواء المدينة والعلم، كان الغرب من بحره إلى محيطه يعمه في غياهب من الجهل الكثيف والبربرية الجموحة، وكان حظه من الثقافة يومئذ ما تضمه حصون الأمراء المتوحشين من بعض الكتب، وما يعلمه الرهبان المساكين من قشور العلم. وانقضى القرن التاسع والقرن العاشر للميلاد وأولئك الأمراء في قصورهم يتبجحون بالأمية ويرتعون في الدماء، وهؤلاء الرهبان في ديورهم يمحون الكتابة من روائع الكتب القديمة لينسخوا على صفحاتها الممحوة كتب الدين، حتى أزال الله الغشاوة عن بعض العيون فرأوا من وراء هذا الظلام الداجي بقعة من المغرب تسطع فيها شمس المشرق، فلما تبينوا أن البقعة هي جزء من أسبانيا، وأن النور قبس من نور بغداد، استيقظ في نفوسهم طموح الكمال الإنساني فطلبوا العلم فلم يجدوه إلا عند العرب. ففي سنة 1130 أنشئت في طليطلة مدرسة للترجمة تولاها الأسقف ( ريموند ) وأخذت تنقل جلائل الأسفار العربية إلى اللاتينية، وأعانهم على ذلك إليهود، فبعثت هذه الترجمة في أوربا الخامدة شعورًا لطيفًا وروحًا طيبة، وتضافرت على هذا المجهود النبيل قواعد أخرى للترجمة طوال القرون الثاني عشر والثالث عشر والرابع عشر حتى بلغ ما ترجموه من العربية يومئذ ثلاثمائة كتاب أحصاها الدكتور ( لكلارك ) في كتابه " تاريخ الطب العربي " وأحصاها غيره أربعمائة. وكان أكثر ما ترجم في هذه العهود كتب الرازي، وأبي القاسم الزهراوي، وابن رشد، وابن سينا، وما نقل إلى العربية من اليونانية لجالينوس، وأبقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وإقليدس .. الخ. وظلت هذه الكتب المنقولة منهاجًا للتعليم في جامعات أوربا خمسة قرون أو ستة، واحتفظ بعضها بقوته وقيمته حتى القرن التاسع عشر ككتب ابن سينا في الطب مثلا، وكان ابن رشد هو المهيمن المطلق على الفلسفة في جامعات فرنسا وإيطاليا وبادو على الأخص ابتداء من القرن الثالث عشر. ولما أراد لويس الحادي عشر تنظيم التعليم سنة 1473 أدخل في المنهج فلسفة ابن رشد وأرسطو. فلولا وجود العرب في الأندلس وترجمة علومهم في صقلية والبندقية لما تهيأ للقرون الوسطى أن تظفر بكتاب من كتب اليونان ولا أثارة من علم العرب، ولما تيسر لطلاب العلم من الأوربيين أن يردوا مناهله الصافية في جامعات إشبيلية وقرطبة وطليطلة. قال المؤرخ الإنجليزي جورج ملر في كتابه " فلسفة التاريخ ": إن مدارس العرب في أسبانيا كانت هي مصادر العلوم، وكان الطلاب الأوربيون يهرعون إليها من كل قطر يتلقون فيها العلوم الطبيعية والرياضية وما وراء الطبيعة. وكذلك أصبح جنوب إيطاليا منذ احتله العرب واسطة لنقل الثقافة إلى أوربا. وممن ورد تلك المناهل الراهب جربرت الفرنسي؛ فإنه بعد أن ثقف علوم اللاهوت في ( أورياق ) مسقط رأسه جاب عقاب ( ألبيرانس ) والوادي الكبير حتى ورد إشبيلية. فدرس فيها وفي قرطبة الرياضيات والفلك ثلاث سنين. ثم ارتد إلى قومه ينشر فيهم نور الشرق وثقافة العرب فرموه بالسحر والكفر، ولكنه ارتقى إلى سدة البابوية سنة 999 باسم سلفستر الثاني. كذلك تخرج على علماء قرطبة ( شانجة ) ملك ليون واستوريا، وأولع بعض أمراء إيطاليا بالعربية وعدوها لغة الأدب العالي، وأوصى قومه الراهب ( روجر بيكون ) الإنجليزي في كتبه بتعلم اللغة العربية وقال: "إن الله يؤتي الحكمة من يشاء، ولم يشأ أن يؤتيها اللاتين، وإنما آتاها اليهود والإغريق والعرب". وروى فولتير أن جميع ملوك الفرنج كانوا يتخذون أطباءهم من العرب واليهود، وذكر مثل ذلك ( جيبون ) في الفصل الثاني والخمسين من كتابه " تاريخ اضمحلال الدولة الرومانية وسقوطها "، وزاد عليه أن مدرسة ( سالرنو ) التي نشرت الطب في إيطاليا وسائر أوربا كانت غرس العبقرية العربية. وقال المسيو ليبري: ( امحُ العرب من التاريخ تتأخر نهضة الآداب في أوربا قرونا طويلة )، وتلك حقيقة لا ريب فيها. فإن العرب كانوا الحلقة التي لابد منها لصلة المدنية القديمة بالمدنية الحديثة، فهم الذين وقفوا أوربا على مخلفات اليونان وغير اليونان، وهم الذين عالجوا هذه العلوم بالتجربة والاختبار لا بالحفظ والتكرار، حتى جلوا غامضها ونقدوا زائفها ورفعوا مباحثها على أساس من النظر الصحيح. ومالنا نحمل تبعة الكلام ونتعرض للنقض والإبرام وقد كفانا الأمر ثقاتهم ومنصفوهم؟ قال المؤرخ الإنجليزي (ولز) في كتابه "ملخص التاريخ": (هب العرب يظهرون ما خفي من مواهبهم فبهروا العالم بما أتوه من معجزات العلم وأصبح لهم السبق بعد اليونان فبعثوا كتبهم من مراقدها. ونفخوا فيها من روحهم الحياة والقوة، فجعلوا بذلك سلسلة العلوم متصلة الحلقات محكمة السرد لا يمسها انقطاع ولا وهن. فإذا كان اليونان آباء الأبحاث العلمية المبنية على الصراحة والأمانة والوضوح والنقد، فإن العرب مربوها؛ وما جاءنا العلم والمدنية إلا عن طريقهم لا عن طريق اللاتين). وأنكر كاتب من الإنجليز فضل اليونان على العلم الحديث وعزاه كله إلى العرب قال: إن العلم الحقيقي إنما دخل أوربا عن طريق العرب لا عن طريق اليونان، فإن الرومان أمة حربية، واليونان أمة ذهنية، وأما العرب فكانوا أمة علمية. لبث الفرنج يا سادتي في طور التخرج والنقل حين أخذوا عن العرب، أكثر مما لبث العرب في هذا الطور حينما أخذوا عن اليونان. فإن من اليسير أن نعد كثيرًا من العرب قد بذوا أساتذتهم من اليونان قبل انقضاء قرن على الترجمة، ولكن من المستحيل أن نعد من الفرنج مؤلفًا واحدًا قبل القرن الخامس عشر كان يعمل شيئًا غير النقل عن العرب أو الجري على أسلوب العرب، فروجر بيكون، وليونارد دبيز، وأرمان دفيلنوف، وريمون لول، وهرمان الدلماشي، وميخائيل سكوت، ويوحنا الإشبيلي، وسان توما، وألبيرلجراند، وألفونس العاشر أمير قشتاله، لم يكونوا غير تلاميذ للعرب أو نقلةٍ عنهم. قال مسيو رنان: إن ألبير لجراند مدين بعلمه كله لابن سينا، وسان توما مدين بفلسفته لابن رشد. اسمعوا يا سادتي ما يقول ( بترارك ) شاعر إيطاليا العظيم ينعى على قومه تخلفهم في مضمار العلم وقعودهم عن مجاراة العرب، والشاعر من رجال القرن الرابع عشر فلا جرم أن شهادته حجة؛ قال في لهجة مرة من الإنكار والتعجب: (ماذا! ماذا! أبعد ديموستين يستطيع شيشرون أن يكون خطيبًا، وبعد هوميروس يستطيع فرجيل أن يكون شاعرًا، وبعد العرب لا يستطع أحد أن يكتب؟ لقد ساوينا الإغريق غالبًا وشأوناهم حينًا. وإذا شأونا الإغريق فقل شأونا جميع الأمم ولكن ما عدا العرب! يا للجنون! يا للضلال! يا لعبقرية إيطاليا الراقدة أو الخامدة!!). هذه يا سادتي صفحة واحدة من صفحات الثقافة العربية تعب فيها الإيجاز وضاق عنها الوقت، ظهر فيها أثرها العلمي العالمي على عموميته وإجماله ناصع البيان مشرق الدلالة. وتراءى من خلالها الذهن العربي ساطع العبقرية باهر الجلالة، فهل من الإخلاص للإنسانية والمدنية أن نترك هذا التراث الفكري العجيب يذهب ضحية لخطأ الحكم في الماضي وسوء الفهم في الحاضر؟ إن الثقافة اليونانية وهي أقدم من العربية لا تزال تستغل، وإن الأدب الأوربي ليستمد من روحها قوة ومن قديمها جدة، وإن ثقافة العرب وهي عصارة أذهان الشعوب وخلاصة أديان الشرق لحرية أن تبعث في آدابنا القوة وفي أخلاقنا الفتوة وفي نهضتنا الطموح والحركة على أن هناك صفحات ناصعات من هذه الثقافة في الخلق والأدب والفن سنجعلها موضوع محاضرة أخرى في فرصة أخرى... المصدر مجلة الرسالة، العدد 3 - بتاريخ: 15 - 02 – 1933 م.
أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (2)
أحمد حسن الزيات
08-09-2019
3,726
https://www.alukah.net//culture/0/136084/%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-2/
أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (2) فرغ العرب من رسالتهم الدينية بانقضاء الفتوح، ولم يكد الأمر يستوثق لهم، والنظام يستقر بهم، وظلال الأمن ترف عليهم، حتى أخذوا يُبلّغون العالم رسالتهم العلمية بذلك العزم الذي لا ينكِل عن خطة، ولا يقف دون غاية. وكان مهبط الوحي بتلك الرسالة "بغداد"؛ لأنها البلد الأول الذي رفرف عليها السلام، وتدفق فيه الغنى، واشتد به الخلاط، وتجمعت لديه شتى الوسائل. ومن خير هذه الوسائل التي حققت هذا الشرف للعراق أن علماء النساطرة الذين نُفوا إليه من الممالك الرومانية الشرقية لأسباب دينية، كانوا قد أنشأوا في "إديسة" من بين النهرين مدرسة تنشر علوم اليونان والرومان، ولما أغلقها الأمبراطور زينون الأوزريالي لأسباب دينية أيضًا لاذوا بأكناف بني ساسان فلقوهم لقاء جميلًا، وأقام لهم أنوشروان في "جنديسابور" مدرسة وصلت ما انقطع من تلك الحركة. وكان الأمبراطور جستنيان يومئذ قد فتح باب الجور على أساتذة المدارس الأفلاطونية في "أثينا" و"الإسكندرية" فألجأهم للجلاء والشراد فما اعتصموا منه إلا بفارس. وأخذ هؤلاء وأولئك ينقلون إلى السريانية والكلدانية كتب أرسطو وسقراط وجالينوس وأقليدس وأرخميدس وبطليموس، فكان ما ترجموه من العلوم ومن خرجوه من العلماء نواة صالحة لهذه النهضة المباركة التي نهد لها الخلائف الأولون من بني العباس. كان أول من تلقّى وحي هذه الرسالة الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور فأنشأ المدارس للطب والشريعة واستقدم جرجيس بن بختيشوع رأس أطباء جنديسابور ونفرًا من السريان والفرس والهنود فترجموا له كتبًا في الطب والنجوم والأدب والمنطق. ثم حملها من بعده الرشيد فنفخ فيها من رُوحه ونشرها في العالم برَوْحه وترجم في زمنه ما وجد من كتب الطب والكيمياء والفلك والجبر والنبات والحيوان. فلما تلقاها المأمون لم يبق من كتب العلوم والفنون والصناعة شيء في العبرانية واليونانية والسريانية والفارسية والهندية إلا نقل إلى العربية. ولم يقف العرب عند الدرس في هذه المترجمات وإنما أقبل بعضهم على تحصيل اليونانية واللاتينية ليرجعوا بهما إلى بعض تلك الأصول. وفي "مكتبة الاسكوريال" ما يثبت ذلك من قواميس عربية يونانية وأخرى عربية لاتينية قد ألفها العرب للعرب. ثم أقبل الناس في الشرق والغرب على هذه العلوم يعالجونها بالشرح والتحليل حتى اجتازوا سراعًا دور التلمذة والتقليد إلى دور الابتكار والتجديد، فهبوا ينشئون المدارس ويقيمون المراصد ويمحصون المسائل ويؤلفون الرسائل ويؤسسون المكاتب، وقد جروا في ذلك إلى أبعد الغايات. ذكر " بنيامين دتودليه " أنه رأى في الاسكندرية عام 1173 عشرين مدرسة، فما ظنكم ببغداد ودمشق والقاهرة وقرطبة وأشبيلية وطليطلة وغرناطة وقد كان فيهنَّ عدا العدد الوفر من مدارس الثقافة العامة جامعات للثقافة الخاصة وما يتبعها من وسائل البحث كالمعامل والمراصد والمكاتب؟ وإنكم لتكبرون ما بذله العرب من الجهود الجبارة في سبيل المدنية والعلم إذا قستموه بما خلفوه من البحوث وما ألفوه من الكتب. فقد تناولوا أصول المعارف الإنسانية بالتقصي الدقيق والغوص العميق حتى فرعوها إلى ثلاثمائة علم أحصاها طاشكبرى زاده في كتابه " مفتاح السعادة ". ثم استنزفوا الأيام في معاناة التأليف على صعوبة النسخ وكثرة المؤونة وقلة الجدوى، فتركوا للعالم ذلك التراث الضخم الذي اشتملت عليه مكاتبهم في الشرق والغرب. فقد ذكر " جيبون " في كتابه عن الدولة الرومانية أنه كان في طرابلس على عهد الفاطميين مكتبة تحوي ثلاثة ملايين مجلد أحرقها الفرنج سنة 502هـ، وقال المقريزي: «إنه كان في خزانة العزيز بالله الفاطمي مليون وستمائة ألف مجلد، نزل بها ما نزل بمصر من الأحداث، فأغرقت في النيل أو ألقيت في الصحراء تسفي عليها الريح حتى صارت تلالًا عرفت بـ "تلال الكتب"! ». وروى المقري أنه كان بخزانة الحَكَم الثاني بقرطبة أربعمائة ألف مجلد فيها أربعة وأربعون للفهرس، وأبلغها الأستاذ جوستاف لوبون إلى ستمائة ألف، ولاحظ بهذه المناسبة أن شارل الحكيم الذي اعتلى عرش فرنسا سنة 1364 أي بعد خلافة الحَكَم بأربعمائة سنة، لم يستطع أن يجمع في المكتبة الأهلية بباريس حين أسسها إلا تسعمائة مجلد، كُتِب ثلثها في علوم الدين. ناهيكم بالثمانين ألف مجلد التي دمرها ( كيمينيس ) في ساحات غرناطة وبما أحرقه التتار في بخارى وسمرقند وأغرقه هلاكو ببغداد عاصمة العلم والعالم في ذلك العهد!. ويلوح لي أنه ليس في ذلك كثير من المبالغة، فإن في المؤلفين من تبلغ تصانيفه بضع مئات، وإن في المؤلفات ما يقع في عشرات المجلدات، فلأبي عبيدة مائتا كتاب، وللكندي واحد وثلاثون ومائتان، وللرازي مائتان، ولابن حزم أربعمائة، وللقاضي الفاضل مائة. وجاء في "نفح الطيب" أن مؤلفات عبد الملك بن حبيب عالم الأندلس قد بلغت الألف. على أن توالي الفتن والمحن على العالم الإسلامي لم يبق للعصر الحديث من هذا الكنز المذخور والمجد المسطور إلا ثلاثين ألفًا وزعت على مكاتب العالم!. يزعم بعض المتعصبين من العلماء الأوربيين أن العرب إنما كانوا في العلم حميلة على اليونان ونقلة عنهم، فليس لهم أصالة فكرية ولا عقلية فلسفية، ولو لم يكن للعرب على زعمهم من الأثر إلا أنهم أنقذوا هذه الكتب من عدوان الأرضة، وحفظوا تلك العلوم من طغيان الجهالة، حتى أدوها صحيحة نقية إلى العصور الحديثة لكان لهم بذلك وحده الفخر على الدهر والفضل على الحضارة. فكيف والواقع غير ما يدَّعون بشهادة المنصفين منهم؟ فإن ملايين الكتب التي دمرتها بربرية أسلافهم في الغرب، وأشباه أسلافهم في الشرق، لم يكن ما نقل منها عن خوالي الأمم إلا بضع مئات كانت أساسًا لبناء باذخ ضخم شاده العرب، ونواةً لدوحة باسقة ظليلة رواها وغناها الإسلام. فالطب قد أخذوا أصوله عن أبقراط وجالينوس وبعض السريان والهنود، ولكنهم نقوا هذه الأصول من الشعوذة، ورقوها بالترتيب، ونموها بالتجربة، وانتقدوا مذاهب القدماء في تعليل بعض الدواء، استحدثوا في التشخيص والعلاج نظريات وعمليات ووسائل أطبق الباحثون على أنها لم تعرف من قبلهم، ولم تنسب إلى غيرهم، ككشفهم علاج " اليرقان " و" الهيضة "، وأخذ المرضى بـ" الصفْد " و" التبريد " و" الترطيب " في " الفالج " و" الحمَّى " و" اللقوة " على غير ما ألف الأقدمون. فعل ذلك صاعد بن بشر ببغداد، فنجح تدبيره فأقتدي به سائر الأطباء بعده. وهم أول من استعمل المُرْقد في الطب، والكاويات في الجراحة، وصب الماء البارد لقطع النزيف. وقد فطنوا إلى عملية تفتيت الحصاة. وعين أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي المعروف عند الفرنج ( بالبوكاريس ) موضع البضع لإخراجها، وهو ما عينه متأخرو الجراحين من الفرنج؛ وأبو القاسم هذا هو الذي قال فيه الأستاذ هالير: « إن كتبه كانت المنهل العام الذي نهل منه جميع الجراحين بعد القرن الرابع عشر». وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي أول من كتب في أمراض الأطفال، وألف في الجدري والحصبة، واستعمل الكحول والحجامة في الفالج. والرئيس أبو علي بن سينا " أمير الأطباء " و " جالينوس العرب " كما يلقبه الفرنج وضع كتابه " القانون " فكان شريعة الطب في العالم زهاء ستة قرون. وكان عمدة التدريس في جامعات فرنسا وإيطاليا ولم ينقطع تدريسه في جامعة مونبلييه إلا أواسط القرن التاسع عشر. وقد تعرض فيه بالتفصيل الدقيق إلى علم الصحة وقرر نظرية " الهجيين " الرياضي وهي نظرية كان المظنون أنها من ثمرات العلم الحديث. ومن الأقوال المأثورة: «أن الطب كان معدومًا فأحياه جالينوس، وكان متفرقًا فجمعه الرازي، وكان ناقصًا فأكمله ابن سينا». وإذا مضينا نذكر أمثلة مما جدد سائر الأطباء العرب كابن زهر وابن رشد وابن باجة وابن طفيل استبحر القول والتاث علينا تحديده وحصره. وفي كتاب " طبقات الأطباء " لأبن أبي أصيبعة و" تراجم الحكماء " لابن القفطي و" تاريخ الطب العربي " لـ" لُكْلِرك " ما ينقع غلة المستزيد. وللعرب القدم الأولى واليد الطولى في الصيدلة والكيمياء والنبات، وهي في رأيهم شعب من علم الطب أو لواحق به، فهم واضعوا أصول الصيدلة، وأول من مارس تحضير العقاقير واستنباط الأدوية. وكذلك هم أول من ألف في " الأقرباذين " على هذا النمط، وأقام حوانيت الصيدلة على هذا الوضع. وظل العرب معتمدين في المارستانات والصيدليات. على أقرباذين وضعه سابور بن سهل في منتصف القرن الثالث من الهجرة حتى نَسَخَه أقرباذين ابن التلميذ المتوفي سنة 560 ببغداد. ولا تزال أسماء العقاقير التي أخذها الفرنج عن الشرق في كتبهم على وضعها العربي المرتجل أو المنقول. ولا نزاع اليوم في أن علم الكيمياء الصحيح إنما يؤرخ وجوده بجهود العرب فيه. فإنه في سبيل العثور على الإكسير أو إنكاره هدوا إلى عمليات أساسية ومركبات كيميائية كان لها الأثر الظاهر في تأسيس هذا العلم. والإفرنج يعترفون للعرب بأنهم عرفوا التقطير والترشيح والتصعيد والتذويب والتبلور والتكليس، وأن جابر بن حيان وأخلافه قد استنبطوا طائفة من الأحماض التي تستعمل اليوم. كذلك برع العرب في علم النبات وبخاصة ما يتصل منه بالطب، فقد استفادوا مما كتبه دسقوريدس وزادوا عليه ما وفقوا إليه من شتى الأنواع ومختلف الشكول. والعلماء لسان واحد في أنه لم يأت بين دِسقوريدس اليوناني ولِنييه السويدي المتوفي سنة 1707م أطول باعًا ولا أوسع اطلاعًا في هذا العلم من ابن البيطار المالقي؛ فإنه درس كتاب دسقوريدس ثم رحل إلى بلاد اليونان وأقصى ديار الروم فحقق أنواع النبات بنفسه، واتصل ببعض من يعانون ذلك فاستعان بفهمهم على فهمه، وأضاف علمهم على علمه، ثم عبر إلى المغرب فقام بمثل ذلك، وطلب منابت العشب في مصر والشام فدرسها حق الدراسة ثم وضع بعد طول الدرس وسعة الخبرة كتابه الموسوم بـ"جامع مفردات الأدوية والأغذية"، فكان أجمع الكتب في فنه، ومرجع الأوربيين في موضوعه. ولا يقل عن ابن البيطار في التفوق والفضل معاصره ومآزره رشيد الدين بن الصوري المتوفى سنة 639هـ فقد بلغ من إتقانه أنه كان يخرج إلى الأودية والفلوات في درس النبات ومعه مصور قد استكمل آلته وأصباغه، فيشاهد النبات ويحققه ويريه المصور في إبان نباته وفي وقت كماله ثم في حال ذراه ويبسه، فيعتبر لونه ومقدار ورقه وأغصانه وأصوله ثم يصوره في كل طور من أطواره بالدقة. وذلك غاية ما بذلته الأمانة العلمية اليوم من الكمال. أما أثر العرب في العلوم الرياضية والطبيعية والفلكية فبحسبنا أن نشير إلى أنهم أول من نقل الأرقام الهندية إلى أوربا، وأول من استعمل الصفر في معناه المعروف، وأن كلمة " الجورتمي " اللاتينية مشتقة من اسم الخوارزمي محمد ابن موسى المتوفي سنة 220هـ وأن الجبر باسمه العربي يكاد يكون علمًا عربيًا بعد أن وضع الخوارزمي كتابه في " الجبر والمقابلة ". وقد قال كاجوري في كتابه " تاريخ الرياضيات ": « إن العقل ليملكه الدهش حينما يقف على أعمال العرب في الجبر». وفي مادة المثلثات من " دائرة المعارف البريطانية " أن العرب أول من أدخل المماس في عداد النسب المثلثية. وهم الذين استبدلوا الجيوب بالأوتار وطبقوا الجبر على الهندسة وحلوا المعادلات التكعيبية. وفي الفيزياء أو علم الطبيعة كشفوا قوانين لثقل الأجسام جامدها ومائعها، وبحثوا في الجاذبية وقالوا بها. وكان أبو الحسن علي بن إسماعيل الجوهري أول من وضع مبادئ الضوء وأوضح أسباب انعكاسه عن النجوم، وأصلح الخطأ الشائع يومئذ من أن الأشعة تنشأ في العين ثم تمتد إلى المرئيات. وتشهد "دائرة المعارف البريطانية" في مادة الضوء أن بحوث العرب فيه هدت العلماء إلى اختراع المنظار. وفضل العرب على الفلك من البينات المسلمة، فقد رصدوا الأفلاك، وألفوا الأزياج، وابتكروا آلات الرصد، وصححوا أغلاط اليونان والهند، وحسبوا الكسوف والخسوف، ورصدوا الاعتدالين الربيعي والخريفي، وقالوا باستدارة الأرض ودورانها على محورها. وذكر سكوت في كتابه " المملكة الأندلسية " أن عالمًا من طليطلة رصد أربعمائة رصد ونيفًا ليحقق أبعد نقطة في الشمس عن الأرض، ولم يختلف حسابه في ذلك عن أدق المباحث الحديثة إلا بجزء من الثانية. ويقول ( كاجوري ): « إن اكتشاف بعض الخلل في حركة القمر يرجع إلى أبي الوفاء الفلكي الزرجاني لا إلى تيخوبراهي». وقد عدَّ ( لالاند الفلكي الفرنسي ) البتَّاني في العشرين فلكيًا المشهورين في العالم كله. ولا تزال طائفة الاصطلاحات العربية في الفلك مستعملة في كتب الفرنج كالسمت، والنظير، والمناخ، والمقنطر، والسموت.. فضلًا عن أسماء النجوم، والعربي منها لا يقل عن النصف. وأما أثرهم في الفلسفة المدرسية فإن الكندي والفارابي وابن سينا في الشرق، وابن باجة وابن طفيل وابن رشد في الغرب، قد توفروا على فلسفة اليونان بالدرس والشرح والتمحيص حتى جددوا دارسها، وجلوا طامسها، وكملوا ناقصها، ووسموها بسمة الحرية والعبقرية والنضوج. وقد أثار ابن سينا بتفكيره الحر المنظم، وعقله القوي المنطقي، مسائل من العلم تشغل أذهان الباحثين اليوم. ووضع ابن طفيل قصته الفلسفية " حي بن يقظان " فأبان عن قوة نادرة في التفكير، وموهبة عجيبة في التصوير، واستيعاب موجز للأفلاطونية الحديثة. وقد نقل هذه القصة إلى اللاتينية ( إدوار بوكوك ) سنة 1671 فظهر أثرها سريعًا في قصة روبنسون كروزويه، وشهد رينان لابن رشد في كتابه عنه: « أنه أعظم فلاسفة القرون الوسطى ممن تبع أرسطو ونهج سبيل الحرية في الفكر والقول»، ودخلت العالم المسيحي فلسفة ابن رشد وفلسفة أرسطو فكان الاعتراض عليهما شديدًا والإعجاب بهما أشد. وكان اللاهوتيون في القرون الوسطى يعجبون بابن رشد وسعة علمه ودقة فهمه ونفاذ بصيرته، ولكنهم كانوا يخشون أثر رأيه الجريء في العقائد. وتجدون ( دانتي ) في الملهاة القدسية قد جعل ابن رشد وابن سينا في المقام الذي جعل فيه عباقرة الرجال من جهنم. تلك يا سادتي إشارات مبهمة مجملة إلى جهود العرب في العلم وآثارهم في الفكر تجدون بيانها وتفصيلها في تاريخ هذه العلوم، عرضتها بهذا الإجمال على سبيل المثال لنقول لأصحاب ذلك الرأي الظنين الأفين أن التجديد في العلم يستلزم الاستقصاء البالغ والتمثيل التام والفكر المستقل، وأن العرب كما قال البارون ( كارادفو ) لم يكونوا نقلة للعلوم فحسب، ولكنهم بذلوا الجهد في إصلاحها وتحقيقها، وأفرغوا الوسع في بسطها وتطبيقها، حتى أدوا أمانتها إلى العصر الحديث. المصدر مجلة الرسالة، العدد 3 - بتاريخ: 15 - 02 – 1933 م.
العوامل المؤثرة في الأدب العربي (1)
محمد عبدالله عنان
07-09-2019
50,047
https://www.alukah.net//culture/0/136081/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%a7%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%ab%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-1/
العوامل المؤثرة في الأدب العربي (1) للأستاذ محمد عبد الله عنان[*] ليس الأدب إلا التعبير القوي الصادق عن مشاعر المرء وخواطره وأخيلته، وهذه تتأثر بأحوال العيش وأنواع العقائد وأطوار المجتمع وأنظمة الملك وتقلبات السياسة، ومن المفيد الإلمام بهذه العوامل المؤثرة في الأدب لتكون دستور المؤرخ وشريعة الأديب ونبراس الباحث فيما يصدر عن الإنسان من كدِّ الأذهان وفيض القرائح. فمن هذه العوامل: طبيعة الإقليم ومناخ البلد: وأثرهما في حياة الناس وسلائل الأجناس معلوم في بدائه العقول؛ فأحوال الإقليم هي التي تنهج لساكنيه سنن معاشهم ونظام اجتماعهم، وتكون الكثير الغالب من أخلاقهم وطباعهم، ومناظره هي التي تربي ذوق أبنائه، وتغذي كُتّابه وشعراءه، فالشعر الجاهلي مثلًا صورة صادقة لطبيعة البادية وحياة البدو: فألفاظه خشنة كالجبل، ومعانيه وحشية كالأوابد، وأساليبه متشابهة كالصخر، وأخيلته مجدبة كالقفر، ولن تجد في غير الجزيرة العربية أمثال الشنفرى وتأبط شرًّا والسُّلَيك بن السُّلَكة من هؤلاء الشعراء الصعاليك الذين تغنوا بحياة البادية ومناظرها وأباعرها وغزلانها وكثبانها وأطلالها وجبالها بشعر متين الحبك صادق الوصف جاف اللفظ عنجهي الخيال. وقد اختلف الشعر في شبه الجزيرة نفسها باختلاف الأماكن؛ فهو في نجد غيره في الحجاز، وهو في أهل الوبر غيره في أهل المدر. ولهذا العامل وحده نعزو انقراض الأراجيز وهي أقدم الأطوار لشعر البادية حين ارتحل ناظموها من الصحارى المجدبة إلى سواد العراق وريفه. وفي حواشي العراق وظلاله، وخمائل نجد وجباله، أخضر عود الشعر واستقام وزن القصيد ومن ثم قال القدماء أن امرأ القيس ومهلهل بن ربيعة وعمرو بن قميئة هم أول من قال الشعر وأطال القصائد، وما كانوا في الواقع إلا زعماء النهضة الأدبية في هذه البلاد. وظل عامل الطبيعة يفعل فعله في الأدب خلال القرون، فخالف بين الشعر في عواصم الشرق وبينه في الأندلس فقد وجد الشعراء العرب في أوربا ما لم يجدوه في آسيا من الأجواء المتغيرة والمناظر المختلفة والأمطار المتصلة والجبال المؤزرة بعميم النبت، والمروج المطرزة بألوان النور، فهذبوا الشعر وتأنقوا في ألفاظه ومعانيه، ونوعوا في أوزانه وقوافيه، ودبجوه تدبيج الزهر، وسلسلوه سلسلة النهر، وسلكوا به مسلك التنوع والتجديد. وهذا العامل هو الذي يخالف اليوم بين الأدب في مصر وبينه في الشام والعراق، فالطبيعة المصرية تكاد أن تكون نائمة؛ فالجو معتدل في جميع الفصول لا يكاد يختلف، وحقول الوادي الحبيب لا تعرى من الزهور والزروع، والسماء السافرة والصحراوان الوسيعتان لا تكاد مناظرهما تتغير. فإذا لم تكن طبيعة بلادنا نائمة فهي على الأقل مسالمة، لأنها لا تزعجنا بالزلازل العنيفة، ولا تهزنا بالعواصف الرُّعن، ولا تخزنا بالبرد القارس والحر اللافح، فطبعت أهلها على الوداعة والفكاهة والبشاشة والكسل والمحافظة على القديم من العادات والأخلاق والآداب فلا تتطور هذه الأمور في مصر إلا بمقدار. ولذلك تجد شعرنا منضد اللفظ جيد السبك بطيء التجدد هادئ الأسلوب لين العطف لا يأخذ الأمور إلا بالملاينة والرفق. بينما تجد الشعر في الشام شديد الحركة كثير التنوع سريع التجدد قلق الأساليب لتعدد المناظر واختلاف الصور وتقلب الطبيعة ونشاط الحياة. وهو في العراق قوي أَبي ثائر ساخط متوثب منتشر على ألسنة الخاصة والعامة لالتهاب المخيلة وتوقد الشعور وصفاء الحس من إفراط الطبيعة في الحر والبرد وغلبة الحياة البدوية على كثرة السكان. على أن هذا العامل قد أخذ يضعف منذ أواسط القرن الماضي لسهولة المواصلات وكثرة المخترعات وانتشار المدنية، فيستطيع الإنسان أن يعيش في آسيا وأفريقيا كما يعيش في أوربا، وسيزداد ضعفًا في المستقبل دون أن يمحي ويبيد. ومنها: خصائص الجنس؛ فشعر العرب يختلف عن شعر اليونان في المذهب والخيال والغرض، وشعر ابن الرومي يختلف عن شعر ابن المعتز وقد نشآ في بلد واحد وعصر واحد، لأن الجنس الآري أميل إلى الاستقصاء والتفصيل والتحليل والتعمق، والجنس السامي لذكاء قلبه وحدة خاطره يفهم الشيء في لحظة، ثم يلخصه في لفظة، فهو أميل إلى التعميم والإجمال والبساطة. ومنها: دوام الحرب بين جنسين أو أمتين لفتح بلاد أو صد عاد أو تحرير وطن؛ فإن هذه الحروب تتمخض عادة عن أبطال ينمون في الخيال، ويعظمون في الصدور، ويكبرون في الزمن، حتى تنسب إليهم الخوارق، وتخلع عليهم المحامد، فتسير بذكرهم الرواة، وتتحدث بأفعالهم القصاص، وتنتقل شهرتهم من فم إلى فم ومن جيل إلى جيل، وهي في خلال ذلك تتسع وتفيض حتى تصبح سيرهم لدى الشعب حديثًا وطنيًا يجب أن ينشر، وتراثًا قوميًا يحرص على أن يزيد، فيقيض الله لهذه السير المتجمعة على طول الدهور شاعرًا سمح القريحة فينظمها بأسلوب شائق ونمط جميل، كذلك دارت الإلياذة الإغريقية على حروب اليونان لأهل طروادة، ومهابهاراته الهندية على الحرب التي نشبت بين نيدهو وبني كرو، والشاهنامة الفارسية على تاريخ الأكاسرة ووصف الحرب التي اشتعلت بين أهل إيران وأهل طوران، وقد كانت تلك الحروب مفخرة الفرس الأولين ورمزًا للخلاف الدائم بين إلهي الخير والشر، وكذلك دارت أغاني رولان الفرنسية على حروب الفرنج لعرب الأندلس. وهذا هو الشعر القصصي ( Epique ) أو الملاحم ( Epoupe ) الذي خلا منه الشعر العربي لأسباب لا يتصل ذكرها بموضوع اليوم. على أن عامل الحروب قد أثر في النثر العربي والشعر العامي وإن لم يؤثر في الشعر الفصيح. فإن نشوب الحروب الصليبية قد اقتضى تدوين بعض القصص الحماسية كقصة عنترة وسيرة بني هلال والأميرة ذات الهمة إثارة للنفوس وتحميسًا للشعب وتفريجًا من الهم. ومنها: طبيعة العمران وتوزع الثروة وما يتصل من ذلك من حال الاجتماع؛ فإن تقدم الحضارة ورخاء العيش ونماء الثروة تؤثر في الذوق، وتزيد في الصور؛ وتساعد على نشر العلوم، وتنوع في معاني الشعر وأساليب الكتابة. وشاهد ذلك أن مدن الحجاز حينما زخرت بالمال ونعمت بالفراغ منذ خلافة عثمان إلى أواخر القرن الأول للهجرة، تدفق أهلها في اللهو وعكفوا على الغناء، وألقوا أزمتهم في يد الصبابة، وانقطع شعراؤها إلى الغزل فافتنوا فيه وتصرفوا في معانيه وأغفلوا سائر أنواع الشعر الأخرى كعمر بن أبي ربيعة وجميل بن معمر وكثير عزة. وشاهد آخر على تأثير الأحوال الاجتماعية في الفنون الأدبية هو شيوع البذاء والفحش في شعر بعض البغداديين على عهد الرشيد والمأمون؛ فقد حدث شيء من ذلك في الجاهلية وفي العصر الأموي حين كان الفرزدق وجرير ومن لفَّ لفهما يتجاوبون بالفحش ويتهاجون بالبذاء، إلا أن ذلك لم يكن مقصودًا لذاته، وإنما كان يقال هجاءً للعدو وسبابًا للخصم. أما الفحش في شعر أبي نواس ومطيع بن إياس وحسين الضحاك وابن سكرة الهاشمي وابن الحجاج فقد كان صادرًا عن خُلق وناقلًا عن طبع ومعبرًا عن حالة، فالشعراء يقولونه ويفعلونه، وأهل البيوتات وذوو المثالة يسمعونه ولا ينكرونه، فيما ذا نعلل ذلك الفساد الذي نال الطباع العربية الحرة فجعلها تمتهن الكرامة وتلقي شعار الحشمة؟ إذا عللناه بمفاسد الترف حين تطغى الحضارة ويثور البطر، كان هذا التعليل وحده غير فاصل ولا مقنع. فإن أكثر أمم التمدن الحديث اليوم قد غرقوا في اللهو وشرقوا بالنعيم وأمعنوا في الخلاعة، ثم لا تجد النوابغ من شعرائهم وكتابهم يجرؤون على أن ينعوا على أنفسهم بالفواحش أو يجهروا في كتبهم بالفضائح، وناهيك بما حدث لفكتور مرجريت حين نشر قصة لاجرسون. إنما الأشبه بالحق أن هناك سببًا آخر يساعد هذا السبب وهو كثرة الرقيق، وتأثير الرقيق إنما حدث من جهتين: أولاهما قيام العبيد على تربية الأحداث في كرائم الأسر، وفي كثرة العبيد دناءة في الطباع ووقاحة في القول فأفسدوا النشء وعودوهم هُجر القول وفحش الحديث، وأخراهما إقحام الجواري والسراري خدور العقائل فأعدينهنَّ من أخلاقهنَّ بالمجانة، فسقطت المرأة من عين الرجل فأخذها بالعنف وضرب عليها الحجاب وأقام عليها الخصية على عادة الفرس وأقصاها عن تربية الولد وتدبير البيت وأتخذها للمتاع واللذة، فكان من ذلك أن فشت في الخاصة أخلاق العبيد والإماء فتنادروا بالفحش وأكثروا الشعر في الأحماض والمجون [1] . وإليك شاهدًا آخر على تأثير الأحوال الاجتماعية والأمور المادية في فنون الآداب: ظهر أدب العامة أو الشعر باللغة العامية في بغداد والأندلس في عصر واحد، ففي بغداد ظهر المواليا على لسان صنائع البرامكة من العامة، وظهر نوع آخر ذكره ابن الأثير صاحب " المثل السائر "، قال: "بلغني أن قومًا ببغداد من رعاع العامة يطوفون بالليل في شهر رمضان على الحارات، وينادون بالسحور، ويخرجون ذلك في كلام موزون على هيئة الشعر، وإن لم يكن من بحار الشعر المنقولة من العرب، وسمعت شيئًا منه فوجدت فيه معاني حسنة مليحة وإن لم تكن الألفاظ التي صيغت بها صحيحة. ولكن الشعراء والأدباء استخفوا به واحتقروه فلم يقلدوه ولم يدونوه ولم يأبهوا لأربابه. وحاول أحد الأطباء الأدباء وهو محمد بن دانيال الموصلي أن يبتكر نوعًا جديدًا من الأدب أقتبسه من ألعاب خيال الظل فألف كتابًا سماه "طيف خيال" فحبط عمله. وأما في الأندلس فابتدع عبادة بن ماء السماء القزار " الموشح "، وابتكر أبو بكر بن قزمان " الزجل "، فطرب الناس لهما وأعجبوا بهما وأقبل أمراء القريض وزعماء الأدب على نظمهما وجمعهما فنبغ فيهما النوابغ واشتملت على روائعهما الكتب. فما السبب إذن في استهجان البغداديين لأدب العامة وعزوفهم عنه، واستحسان الأندلسيين له ونبوغهم فيه؟ السبب يعرفه المؤرخ الباحث في بغداد وهو أن بغداد كانت شديدة الأرستقراطية لأنها موطن الأشراف وذوي الأحساب والمثالة والثروة، فكانوا يترفعون عن الشعب ويستخفون بأدبه وذوقه وذكائه. ويجدون من الغضاضة أن يتحلوا بحليته ويجروا على أسلوبه؛ ولكن الأندلس كانت ديمقراطية غنية كأمريكا اليوم، فلم يعتز أحد فيها بالنسب لتساويهم فيه، ولا بالثروة لعموم الرخاء فيهم، وحسن توزيع الثروة بينهم، فكانت منازل الخاصة والعامة متصاقبة، وأذواقهم وآدابهم متقاربة؛ لذلك لم يتأبه الشعراء والأدباء عن تقليد الأدب العامي وتدوينه. المصدر مجلة الرسالة، العدد 3 - بتاريخ: 15 - 02 – 1933 م. [*] ننشر هذه المقالات لتميزها من الناحية الأدبية والتاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إعادة إظهارها على شبكة الإنترنت، مع التنبيه على أن كاتبها المؤرخ (محمد عبدالله عنان) باحث ومؤرخ شيوعي، بل هو أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري، فليتنبه القارئ إذا رأى له ما يخالف منهج المسلم الصحيح . [1] وهناك سبب ثالث لكثرة الشعر المجوني في هذا العصر هو أن الشعراء ما كانوا يعدون أشعارهم للنشر كدأبنا اليوم، وإنما كانوا يقولونه في مجالسهم الخاصة فتذيعه الألسنة، ويدونه المؤلفون، فلو أنهم كانوا يكتبون للجمهور لتحرجوا من أكثر المنشور.
من قال فيهم الحافظ الذهبي في الكاشف: صاحب سنة أو سني
بكر البعداني
05-09-2019
3,612
https://www.alukah.net//culture/0/136060/%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a7%d8%b4%d9%81-%d8%b5%d8%a7%d8%ad%d8%a8-%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a3%d9%88-%d8%b3%d9%86%d9%8a/
من قال فيهم الحافظ الذهبي في الكاشف: (صاحب سنة) أو (سني) هؤلاء جملة من الرواة الذين نقل أو قال فيهم الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه: "الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة" - عبارات دالة على السنة؛ نحو: صاحب سنة، أو سني، أو نحوها، وهاك هم: ١ - أسد بن موسى بن إبراهيم بن الوليد بن عبدالملك الأموي المرواني: "أسد السنة". ٢ - إسماعيل بن إبراهيم أبو معمر الهذلي: "ثبت سني"؛ الكاشف (١/ ٢٤٣). ٣ - الحسن بن حماد بن كسيب أبو علي الحضرمي سجادة: "ثقة صاحب سنة". ٤ - الحسن بن الصباح الواسطي ثم البغدادي البزار: "قال أحمد: ثقة صاحب سنة". ٥ - الحكم بن أبان العدني: "ثقة صاحب سنة". ٦ - الحكم بن عتيبة الكندي مولاهم: "عابد قانت ثقة صاحب سنة". ٧ - زائدة بن قدامة أبو الصلت الثقفي: "ثقة حجة صاحب سنة". ٨ - سلام بن أبي مطيع أبو سعيد: "قال أحمد: ثقة صاحب سنة". ٩ - عثمان بن عاصم أبو حصين الأسدي: "ثقة ثبت صاحب سنة". ١٠ - علي بن معبد بن نوح: "قال العجلي: ثقة صاحب سنة". ١١ - معلى بن منصور الرازي: "قال العجلي: ثقة نبيل صاحب سنة". ١٢ - النضر بن حماد العتكي الكوفي: "ثقة إمام صاحب سنة". ١٣ - نوح بن حبيب القومسي: "ثقة صاحب سنة". ١٤ - هاشم بن القاسم أبو النضر: "ثقة صاحب سنة". ١٥ - يعقوب بن كعب الحلبي الأنطاكي: "ثقة صالح سني".
اللغة العربية كأداة علمية
د. علي مصطفى مشرفة
04-09-2019
4,974
https://www.alukah.net//culture/0/136048/%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d8%a3%d8%af%d8%a7%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9/
اللغة العربية كأداة علمية تجتاز اللغة العربية في عصرنا الحالي مرحلة من مراحل تطورها سيكون لها أثر واضح في مستقبلها؛ فاللغة التي كان عرب البادية يتكلمونها بسليقتهم، فيصفون بها حياتهم ويعبرون بها عن مشاعرهم في صحرائهم وبين إبلهم وآرامهم، والتي صارت بعد ذلك لغة الكتاب والفلاسفة في عصور المدنية الإسلامية؛ يتناولون بها سائر المعاني الأدبية والفلسفية. تلك اللغة قد كتب عليها أن يصيبها الخمول فتبقى مئات السنين بعيدة عن مجهودات البشر الأدبية والفلسفية والعلمية ثم ها نحن نراها اليوم وقد بُعثت من مرقدها في ثوب جديد فصارت لغة الكتابة والتأليف، لغة الخطابة والتعليم في عصر انتشرت فيه مدنية جديدة وعمَّته حضارة مستحدثة؛ تختلف في مظهرها الخارجي وفي المحمل العقلي المرتبط بها اختلافًا بينًا عن حضارات القرون الوسطى. فاللغة العربية تبعث اليوم كما بعث الفتية بعد أن ضرب على آذانهم في الكهف سنين عددا، فتجد نفسها في عالم جديد موحش لا تأنس إليه ولا يأنس إليها وهو لعمري موقف نادر تقفه لغتنا لعله فريد في بابه. لذلك كان لزامًا على الأدباء والمفكرين من أهل اللغة العربية من عصرنا الحالي أن يحوطوها بعنايتهم وأن يهيئوا لها أسباب الحياة الطيبة في بيئتها الجديدة حتى تتكيف بالبيئة وتجنح إليها كما تتوتر لها البيئة وتحتويها. فاللغة كالكائن الحي في تفاعل مستمر مع البيئة التي تحيط به فإما تلاءما فاشتد الكائن وتكاثر ونما وإما تنافرا فاضمحل وتضاءل وهلك. وإذا نحن قارنا البيئة الفكرية الحديثة بما كانت عليه في أيام ازدهار الحضارة العربية فلعل أول ما يسترعي نظرنا من الفوارق تغلب الروح العلمية على تفكيرنا الحديث. فالمدنية الحالية كما يدل عليه تاريخها مدنية علمية، مدنية كشف واختراع، مدنية استنباط وتحليل، ولذا كان مظهرها الخارجي غاصا بالآلات والعدد تكتنف الناظر إليها عن اليمين وعن الشمال. فلا عجب أن تشعر لغة العيس والسهام بوحشة بين الطيارات والمدافع الرشاشة. ومما لا شك فيه أن التقدم الذي حدث بمصر وفي سائر البلاد العربية في العصر الحالي قد كان من شأنه العمل على المقاربة بين اللغة العربية الحديثة وبين بيئتها. فمن ناحية قد تطورت اللغة بأن دخلت عليها كلمات وعبارات مستحدثة نشأت الحاجة إليها كما تغيرت معاني الألفاظ ومدلولات التراكيب بما يتفق والتفكير الحديث، وهجرت الألفاظ الغربية علينا أو التي لا لزوم لها، فنشأ عن ذلك تهذيب في اللغة قربها إلى عقولنا وساعد على حسن استخدامها. ومن ناحية أخرى بانتشار التعليم بين طبقات الأمة وبزيادة تبحر متعلميها في مختلف العلوم والفنون قد انتشرت الألفاظ والتراكيب العربية وشاع استعمالها في طول البلاد وعرضها كما تكونت طوائف من العلماء والمفكرين بيننا يكتبون ويخطبون ويؤلفون في سائر العلوم والفنون فنشأت ثروة من الأدب العلمي والأدب الفني الحديثين يصح أن تتخذ مرجعاً لعلماء اللغة في دراستهم للغة العربية الحديثة. إلا أننا مع ذلك لا نستطيع أن نزعم أن الشُّقة بين اللغة وبيئتها قد تلاشت تمامًا. فلا تزال هناك مدلولات عديدة لم تتسع اللغة للتعبير عنها بحيث يشعر المتعلم منا بنقص في لغته عندما يحاول الكلام في كثير من المواضيع العلمية والفنية. كما أنه من ناحية أخرى يوجد نقص كبير في عدد المتعلمين الذين يحسنون الكتابة أو الخطابة بلغة متفق على صحتها. وبعبارة أخرى كل ما يمكن أن يقال أن اللغة العربية الحديثة لا تزال في دور التكوين. لو أتتيح لنا أن ننظر إلى مستقبل اللغة العربية فترى ماذا نجد؟ هل نجد لغة واحدة يكتبها ويتكلمها المتعلمون من أهل مصر وأهل العراق وأهل الشام وغيرهم من الأمم العربية بفروق ضئيلة؛ لا تزيد على الفروق بين لغة أهل استراليا ولغة أهل إنجلترا. وهل تكون هذه اللغة قريبة من اللغة العربية التي أكتبها الآن قرب لغة الإنجليزي المتعلم الآن من لغة شكسبير؟ أم هل نجد لغات مختلفة لغة في مصر وأخرى في العراق وأخرى في لبنان، مثلها كمثل اللغة الألمانية واللغة السويدية واللغة الهولندية في تقاربها وتباعدها، كل لغة متأقلمة بلهجة أهلها ولا صلة بين أيها وبين لغة هذا المقال الا كالصلة بين اللغة الألمانية واللغة اللاتينية. وبعبارة أخرى هل ستحيا اللغة العربية وتنتشر أو ستموت وتندثر وتحل محلها لغات أخرى! إن مآل اللغة العربية في مستقبلها متوقف علينا نحن اليوم. فاللغة كما قدمت في دور التكوين ولذا ففي يدنا قتلها وفي يدنا أحياؤها. أما قتلها فيكون بالجمود بها عن تطورها الطبيعي كما يكون بعدم التعاون بين الأمم المختلفة من أهلها على توحيدها والمحافظة على وحدتها. وأما إحياؤها فيكون بالتبصر والحكمة وحسن الرعاية والتمشي بها في السبيل الطبيعي لرقيها كلغة حية واحدة. ومن حسن الحظ أن لدينا اليوم من الوسائل ما نستطيع به المحافظة على لغتنا في مصر وفي سائر البلاد العربية، فانتشار المطبوعات وسهولة الانتقال من بلد إلى أخرى والإذاعة اللاسلكية كل هذه عوامل قوية على توحيد اللغة وتعميمها إذا نحن أحسنا استخدامها وتنظيمها. ولست أتعرض في هذا المقال للغة الأدبية بل أترك ذلك لأدبائنا وكتابنا وإنما أريد أن أشير إلى بعض الصعوبات التي تصادف لغتنا اليوم كأداة للتعبير العلمي. فمن جهة لا تزال كمية التأليف العلمي في مصر وفي الأقطار العربية ضئيلة بحيث لا يمكن بحال ما أن تعتبر ممثلة لحالة العلم في العالم اليوم، ومن ناحية أخرى يعوز المؤلفات العلمية الموجودة التهذيب كما يعوزها التجانس في المصطلحات، فكثير من المدلولات العلمية لا توجد الصيغ اللفظية لها، وبعض المدلولات توجد لها صيغ أما ضعيفة أو غير صالحة، كما أنه توجد في بعض الأحايين صيغ متعددة للمدلول الواحد مما يؤدي إلى نوع من الفوضى في أدبنا العلمي يجب علينا تلافيها. والطريقة المثلى للتقدم تكون بتأليف لجان من الأخصائيين لمراجعة المؤلفات الموجودة وتهذيبها والعمل على تجانسها كما تكون بتكليف القادرين منا وتشجيعهم فرادى ومجتمعين على وضع المؤلفات في مختلف الفروع العلمية حتى تتألف لنا ثروة من الأدب العلمي يصح أن يعتمد عليها علماء اللغة في استخلاص المصطلحات والعبارات العلمية في لغتنا الحديثة وتحديد معانيها ومدلولاتها بمعاونة العلماء الأخصائيين في ذلك. ويجب أن أذكر بهذه المناسبة أن من العبث أن يحاول علماء اللغة وضع المصطلحات العلمية وضعًا قبل ورودها في المؤلفات العلمية وشيوع استعمالها فإن ذلك يكون من باب التسرع وقلب النظام الطبيعي لتطور اللغة وهو في الغالب مجهود أكثره ضائع إذ لا يمكن التنبؤ بما إذا كان مصطلح من المصطلحات سيبقى ويدخل في صلب اللغة أو سيموت ويحل غيره محله. بقيت نقطة أريد أن أتعرض لها وهي العلاقة بين المصطلحات العربية ومصطلحات اللغات الحية الأخرى. ففي رأيي أنه من الجائز استعمال مصطلح أجنبي في لغتنا ( بعد تحويره ليتفق مع ذوق اللغة وأوزانها ) بشروط أن يكون هذا اللفظ مستعملا في جميع اللغات العلمية الأخرى أو في معظمها. ومثل هذه الألفاظ تكون في الغالب مشتقة من أصل إغريقي أو لاتيني لا جناح علينا نحن إذا اشتققنا منه كما اشتق غيرنا. أما الألفاظ الأجنبية المقصورة على لغة واحدة أو لغتين فرأيي أن يكون له عندنا لفظ عربي مرتبط بأدبنا وتفكيرنا. ولا يتسع المجال لزيادة التفصيل فليس المراد من هذا المقال أن أدخل القارئ في مسائل فنية هو في غنى عن بحثها وإنما أرجو أن أكون قد أثرت من نفسه الاهتمام بهذا الموضوع الذي هو من أهم المواضيع المرتبطة بحياتنا وتقدمنا. المصدر: مجلة الرسالة، العدد 1 - بتاريخ: 15 - 01 – 1933م.
عرض كتاب: ابن زيدون
محمود ثروت أبو الفضل
04-09-2019
19,828
https://www.alukah.net//culture/0/136045/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b2%d9%8a%d8%af%d9%88%d9%86/
عرض كتاب: ابن زيدون ♦ اسم الكتاب: ابن زيدون. ♦ المؤلف: د. شوقي ضيف. ♦ سنة النشر: 1981 م. ♦ دار النشر: دار المعارف- مصر. ♦ الطبعة : الحادية عشرة. ♦ صفحات الكتاب: 126. مَا عَلى ظَنّيَ بَاسُ يَجْرَحُ الدّهْرُ وَيَاسُو رُبّما أشْرَفَ بِالمَرْ ء، عَلَى الآمَالِ، يَاسُ وَلَقَدْ يُنْجِيكَ إغْفَا لٌ وَيُرْديكَ احْتِرَاسُ والمحاذيرُ سهامٌ والمقاديرُ قياسُ ولكمْ أجدَى قعودٌ ولكمْ أكدى التماسُ وَكذَا الدّهْرُ إذَا مَا عزّ ناسٌ، ذُلّ ناسُ صوت الأندلس المطرب، وشاعرها بديع الوصف والرصف، واسطة عقد شعراء الأندلس الرطيب، أحمد بن عبد الله بن زيدون الذي يقول عنه ابن بسام في مؤلفه " الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة " (1/ 336): "أحد من جرَّ الأيام جرًّا، وفات الأنام طرًّا، وصرف السلطان نفعًا وضرًّا، ووسع البيان نظمًا ونثرًا؛ إلى أدب ليس للبحر تدفقه، ولا للبدر تألقه. وشعر ليس للسحر بيانه، وللنجوم الزهر اقترانه. وحظٍ من النثر غريب المباني، شعري الألفاظ والمعاني"... يعرض لنا د. شوقي ضيف في كتابه "ابن زيدون" جوانب من أدب وعبقرية " ابن زيدون " الشعرية مع ترجمة مختصرة ماتعة تبرز لنا جوانب من شخصية ابن زيدون الاجتماعية، وسيرة حياته، مضطربة الأحداث مضطرمة الإبداع. وهذا الكتاب يعد من أدب "السير والتراجم" الصادر ضمن سلسلة "نوابغ الفكر العربي" عن دار المعارف، وهي سلسلة تهتم بتقديم صورة حية لأهم الجوانب الفكرية والتاريخية الحياتية للمفكر المترجَم له، وإبراز جوانب من مواطن عبقريته وتفرده بين أبناء عصره، وريادته الفكرية في عهده .. وفي هذه الدراسة يقدم المؤلف ترجمة تاريخية صادقة لسيرة "ابن زيدون" ، وعصره، وجوانب من تميز "ابن زيدون" في قصائده شديدة العذوبة والشاعرية؛ يقول د. شوقي ضيف واصفًا ابن زيدون وأثره الأدبي: "وأكبر الظن أننا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن ابن زيدون هو أهم شاعر وجداني ظهر في الأندلس، فهو أستاذ هذا الفن هناك، إذ كان أول من اعتصر فؤاده شعرًا عذبًا فيه جوىً وحرقةً وهوىً ولوعة، وتبعه أصحاب الموشحات والأزجال يصوغون على هديه ويحتذون بمثاله"؛ صـ43. ولعل هذه الشهادة من جانب د. "شوقي ضيف" تبرز لنا ريادة "ابن زيدون" شديدة التميز في ذروة تألق الشعر الأندلسي وتطوره في الفنون البديعية كالموشح والزجل والدوبيت والمواليا التي صارت علامات مميزة تفرد بها الشعر العربي الأندلسي وأثرَّ بعدها في نشأة الشعر الأوروبي الحديث في إسبانيا وفرنسا. ومؤلف الكتاب د. "شوقي ضيف" هو أديب وعالم لغوي مصري والرئيس الأسبق لمجمع اللغة العربية المصري. ولد شوقي ضيف في يوم 13 يناير 1910 م بمحافظة دمياط شماليّ مصر. ويُعدُّ علامة من علامات الثقافة العربية، وكان الدكتور " شوقي ضيف " عضوًا في مجمع اللغة العربية في سوريا، وعضو شرفٍ في مجمع الأردن والمجمع العراقي. ونال أكثر من جائزة، منها: جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1979، وجائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1983. وجائزة مبارك للآداب عام 2003، وكذلك مُنحَ دروعًا من عدة جامعات كالقاهرة والأردن وصنعاء. وقد ألَّفَ الدكتور شوقي ضيف حوالي خمسين مؤلفًا في مجالات الأدب العربي، وناقش قضاياها بشكل موضوعي، منها: • سلسلة تاريخ الأدب العربي، وهي من أشهر ما كتب. استغرقت منه ثلاثين عامًا شملت مراحل الأدب العربي منذ خمسة عشر قرنًا من الزمان، من شعر ونثر منذ الجاهلية وحتى عصرنا الحديث، سردها بأسلوب سلس، وبأمانة علمية، وبنظرة موضوعية. وتعتبر هذه السلسلة هي مشروع حياته بحق. • نشر وحقق كتاب " الرد على النحاة " لابن مضاء، وأخرجه من بين المخطوطات القديمة، ودرسه وأعاد نشره. وهو كتاب ألفه ابن مضاء في النحو، يلغي فيها أمورًا رأى أنها عقَّدت النحو العربي وجعلته صعب الفهم. • كتاب تجديد النحو. • كتاب تيسيرات لغوية. • كتاب الفصحى المعاصرة. وله مؤلفات في النقد الأدبي، منها: • من النقد والأدب - مكتبة نهضة مصر بالفجالة - القاهرة. • ومن بلاغة القرآن - مكتبة نهضة مصر بالفجالة - القاهرة. • أسس النقد الأدبي عند العرب - مكتبة نهضة مصر بالفجالة - القاهرة. • شعر الثورة في الميزان - مكتبة نهضة مصر بالفجالة - القاهرة. • الحياة الأدبية في عصر الحروب الصليبية بمصر والشام. وله عدد من التراجم، منها: • رفاعة رافع الطهطاوي - لجنة البيان العربي - القاهرة 1950. • مع الصحفي المكافح أحمد حلمي - مكتبة نهضة مصر - القاهرة 1957. • صلاح الدين الأيوبي بين شعراء عصره وكتابه - دار القلم - القاهرة. • حياة البحتري وفنه - مطبعة لجنة البيان العربي - القاهرة 1956. • ديوان المتنبي في العالم العربي وعند المستشرقين - مكتبة نهضة مصر بالفجالة. وصف الدراسة: وضع الكاتب دراسته في أربعة فصول، تناول فيهم سيرة مختصرة لحياة "ابن زيدون" وأثره في عصره، وعرض بعضًا من أدب وقصائد "ابن زيدون" جماليًا، مع تحليل لأثر هذه القصائد وعلاقتها بحياته السياسية، ونظراته النقدية في تميز هذه القصائد ومدى تفردها ومواطن الابتكار فيها، بالإضافة إلى أنه ضمَّن ترجمته مختارات كاملة من بديعيات قصائده، ومقتبسات من أدبه النثري المتمثل في رسائله؛ للإشارة إلى نتاجه الأدبي الرائد في وقته وتأثر كثير من أدباء عصره بأسلوبه الشعري، إلى جانب تأثره بكثير من أدباء المشرق في قصائده وعلى رأسهم البحتري وأبو تمام والمتنبي وغيرهم.. وجاءت عناوين تلك الفصول على النحو التالي: الفصل الأول: عصر ابن زيدون. الفصل الثاني: ابن زيدون في عصره. الفصل الثالث: جوانب ابن زيدون. الفصل الرابع: منتخبات من آثار ابن زيدون. تناول الفصل الأول بعنوان: " عصر ابن زيدون " وصفًا للعصر الذي ظهر فيه " ابن زيدون "؛ تمهيدًا لسيرة المترجَم له، حيث تناول الحياة السياسية في القرن الخامس الهجري في بلاد الأندلس – حيث عاش ابن زيدون- والتي شهدت أفول الخلافة الأموية التي فتحت الأندلس، وتولىَ الحكم من بعدهم مجموعة من الملوك الضعاف سُمَّوا بـ" ملوك الطوائف " تقاسموا مدن الأندلس فيما بينهم وكثرت بينهم المشاحة والفتن والاضطرابات، فصارت الأندلس "أندلسات كثيرة ودويلات صغيرة يناهض بعضها بعضًا، كما كانوا يناهضون أعداءهم من المسيحيين في الشمال، وغُلبَ كثير من هذه الدويلات الإسلامية على أمره، فنزل عنه أصحابه لفرناند ملك قشتالة وليون، أو دفعوا الجزية عن يدٍ وهم خاضعون، وتبعَ "فرناند" " ألفونس السادس " فسعر الأندلس بحروبه وأشعلها بجيوشه، فاستغاث " المعتمد بن عباد " زعيم ملوك الطوائف بـ " يوسف بن تاشفين " ملك المرابطين في المغرب، فأغاثه بجيش جرار هزم المسيحيين هزيمة منكرة في موقعة " الزلاقة " المشهورة، ولم يلبث أن ضم الأندلس كلها تحت جناحي دولته، إذ رآها لقمة هينة سائغة، وبذلك قضي على هذا النظام المعروف باسم ملوك الطوائف" صـ6. بذلك نلمح ملامح من تلك الفوضى السياسية التي انتظمت الأندلس طيلة فترة حياة ابن زيدون، حيث يمكن تفسير سر تقلبات "ابن زيدون" واضطراب نوازعه السياسية التي تماشت مع تلك الفترة الحرجة من تاريخ الأندلس، وقد أدت الفوضى السياسية إلى تنوع وحراك اجتماعي حيث نجد أنه في خلال تلك الفترة لم يكن في العالم العربي إقليم اختلطت به الدماء والأجناس كما اختلطت بالأندلس، يقول شوقي ضيف "وكأن الأندلس بلد المتناقضات، فهي بلد الثورة المستمرة، وهي بلد التقاليد الدينية، ثم هي بلد الترف إلى أوسع ما يكون الترف" صـ9. وفي ظل ملوك الطوائف تنوعت الحياة الفكرية وازدهرت فنون الأدب وحدثت نهضة علمية وفكرية كبيرة، ربما كان تأثرها ببلاد المشرق، حيث ارتبطت الأندلس في تاريخها الأدبي ببلاد المشرق وحاول أدباؤها محاكاة شعراء وأدباء العراق والشام والجزيرة، غير أنه ما سرعان ما نرى تميز هؤلاء المغاربة عن نظرائهم من المشارقة، وجمعَ كل ملك من ملوك الطوائف حوله أكبر عدد ممكن من الأدباء والشعراء ليباهي بهم وينافس فيهم من حوله من الملوك والسلاطين، وفي هذه البيئة ظهر شاعرنا " ابن زيدون ". تناول الفصل الثاني ترجمة سريعة خاطفة لابن زيدون، وحياته، حيث وُلدَ بقرطبة سنة 394 هـ - في ظل سقوط دولة الأمويين وقيام حكم " أبو الحزم جَهْور " - في بيت من بيوت أعيانها وفقهائها، فأبوه فقيه من سلالة بني مخزوم القرشيين، وجده لأمه القاضي والمفتي الوزير " أبو بكر محمد بن محمد بن إبراهيم "، وقد اهتم أبوه بتربيته وكان له أكبر الأثر في نبوغه المبكر، وقد لزمَ "ابن زيدون" صديق أبيه " أبي العباس بن ذكوان " عالم قرطبة الأول في عصره، وأخذ عنه كثير من العلوم الأساسية في عهده، وقد بان أثر العلوم التي حازها في صغره في كثير من شعره، فقد أبرز د. " شوقي ضيف " مواطن هذا التأثر من أمثلة قوله: همامٌ أغرُّ رويتُ الفخار َ *** حديثًا إلى سَرْوِهِ مُسنَدا يبين الحديث المسند عند أهل الحديث والفقه. ودادي لك نَصٌ *** لم يخالفه قياسُ يشير إلى ما هو معروف عند علماء الأصول من تقديم نص الكتاب والسنة على القياس العقلي في الأحكام الفقهية. وقوله: عَرَضْتَ لشعري ولمْ تتّئبْ *** تُعَارِضُ جَوْهَرَهُ بِالعَرَضْ حيث يذكر الفساد والجوهر والعرض مما يدل على ثقافته الفلسفية. ويبدو أن شاعرنا سرعان ما انخرط في السياسة حيث كان في حاشية " جهور " حين تقلد مقاليد الحكم في قرطبة، ولا نعلم هل كان موظفًا كبيرًا أم شاعر بلاط، غير أن ما لدينا من أخبار يهتم بأخبار حبه وهيامه بولادة بنت الخليفة المستكفي الشاعرة الجميلة - بقية بيت الملك - ودلالها عليه، وكتابته الكثير من القصائد في وصفه هذه الفتاة اللعوب والتي خلدت قصائده اسمها في تاريخ الشعر الأندلسي، يقول ابن زيدون في هيامه بها: لحا اللَّهُ يومًا لستُ فيهِ بمُلْتَق مُحَيّاكِ من أجلِ النّوَى والتّفَرّقِ وكيفَ يطيبُ العيشُ دونَ مسرّة ٍ وأيّ سُرورٍ للكَئيبِ المُؤَرَّقِ؟ وسرعان ما نافسه في حبها وزير خطير هو "أبو عامر بن عبدوس "، وتولع ابن زيدون بولادة التي مالت عنه إلى خصمه، فكتب يتهدده وألف في هجوه والتندر عليه " الرسالة الهزلية "؛ فألَّبَ عليه " ابن عبدوس " السلطانَ فحاكمه وحبسه. وفي سجنه نراه يبدع العديد من قصائد الاسترجاء والاستعطاف يناشد فيها أبا الحزم "جهورًا" أن يعفو عنه: ومثليَ قدْ تهفو بهِ نشوة ُ الصِّبَا وَمثلُكَ قد يعفو، وما لكَ من مثلِ وإنّي لتنهَاني نهايَ عنِ الّتي أشادَ بها الواشي، ويعقلُني عقلي ولم يكتف ابن زيدون بأشعاره وقصائده الطنانة، بل واتبعها برسالة نثرية بديعة تشتهر باسم " الرسالة الجِدِّية " يستعطفه فيها، وذهبت شكاويه سدى فانقلب إلى ابنه "أبي الوليد بن أبي الحزم" يمدحه ويتخذه وسيلة لأبيه للعفو عنه، ولم يجد مناصًا في النهاية سوى الهرب من سجنه والاختفاء لبعض الوقت حتى توسط أصدقاؤه ومنهم " أبو الوليد " في الصلح بينه وبين " جهور " من جديد. وعندما توفى " جهور " وتولى ابنه " أبو الوليد " الحكم، لزمه " ابن زيدون " ومدحه، "وتفيض أشعاره في أبي الوليد بالإخلاص، وقابل أبو الوليد هذه الأشعار باتخاذه سفيرًا له بينه وبين ملوك الطوائف" صـ25. غير أن هيام ابن زيدون بحبه القديم " ولادة " لم ينقطع، وظل يدبج قصائده الشهيرة في هواها، ولكن سرعان ما وقعت جفوة بينه وبين " أبي الوليد " على إثر ثورة ومحاولة انقلاب على حكمه، واتهام الملك " ابن زيدون " بالمشاركة فيها؛ فرحل عنه إلى " المعتضد بن عباد " صاحب إشبيلية. وفي بلاط " بني عباد " التزم الشاعر مدح "المعتضد" حتى توفي سنة 461 هـ، وخلفه ابنه " المعتمد " الأمير الأديب رقيق الحاشية؛ الذي قربه وحفظ وداده وعرف قدره، وعاش "ابن زيدون " حياةً لاهيةً بان أثرها في موشحاته وأشعاره الرقيقة حتى كانت سنة 463 هـ حينما ثارت ثورة العامة على اليهود في إشبيلية فأشار منافسوه على المعتمد أن يرسل " ابن زيدون " لتهدئة الثورة وكانت السن تقدمت به وبه أثر من مرض، فما إن وصل إشبيلية حتى ثقل عليه مرضه وقضى " ابن زيدون " نحبه. وجاء الفصل الثالث بعنوان "جوانب ابن زيدون" حيث تناول الكاتب آثار ومؤلفات ابن زيدون؛ وعلى رأسها ديوان شعره، وهو ديوان كبير، نشره الأستاذان " كامل كيلاني " و" عبد الرحمن خليفة "، ويبرز د. " شوقي ضيف " أوجه النقص فيه وعدم الترتيب الزمني لقصائده وإغفال أوجه تطور المراحل التاريخية لشعر ابن زيدون، "ومن يرجع إلى ديوانه يستطيع أن يلاحظ في وضوح أن الموضوعات الأساسية التي تتوزع في شعره هي الغزل والمديح ويدخل فيه ضرب من الاستعطاف" صـ31. وشعر المديح متأخر عن شعر الغزل، حيث أن ما ألفه من مديح كان بعد سجنه وهيامه بولادة، وشعر الحب عند ابن زيدون هو أقدم ضروب الشعر في ديوانه، ومنه قوله: أنّى أضيّعُ عهدكْ؟ أمْ كيفَ أخلِفُ وعدَكْ وقدْ رأتْكَ الأماني رِضى ً، فَلَمْ تَتَعَدّكْ يا ليتَ ما لكَ عنْدي منَ الهوى ، ليَ عندَكْ فَطَالَ لَيْلُكَ بَعْدِي كطولِ ليْليَ بعدَكْ سَلْني حَيَاتي أهَبْها فلسْتُ أملكُ ردّكْ الدّهْرُ عَبْدِيَ، لَمّا أصْبَحتُ، في الحبّ، عَبدَكْ ومنه قوله أيضًا في هيامه بـ"ولادة": هَلْ لِداعِيكَ مُجِيبُ؟ أمْ لشاكيكَ طَبيبُ؟ يا قَرِيبًا، حِينَ يَنْأى حاضِرًا، حِينَ يَغِيبُ! كَيْفَ يَسْلُوكَ مُحِبٌّ زَانَهُ مِنْكَ حَبيبُ! إنّمَا أنتَ نسيمٌ تَتَلَقّاهُ القُلُوبُ قَدْ عَلِمْنَا عِلْمَ ظَنٍّ هِوَ، لا شَكّ، مُصِيبُ أنّ سِرّ الحُسْنِ مِمّا أضمرَتْ تلكَ الجيوبُ ونلاحظ في قصائد ابن زيدون مدى عذوبة ألفاظه وسلاستها، ومقابلاته البديعية المبتكرة من مثل قوله: أيُوحِشُني الزّمانُ، وَأنْتَ أُنْسِي، وَيُظْلِمُ لي النّهارُ وَأنتَ شَمْسي؟ وَأغرِسُ في مَحَبّتِكَ الأماني، فأجْني الموتَ منْ ثمرَاتِ غرسِي لَقَدْ جَازَيْتَ غَدْراً عن وَفَائي؛ وَبِعْتَ مَوَدّتي، ظُلْماً، ببَخْسِ ولوْ أنّ الزّمانَ أطاعَ حكْمِي فديْتُكَ، مِنْ مكارهِهِ، بنَفسي أما شعر المدح فأبرزها ما قاله بعد اعتلاء " أبي الوليد " عرش قرطبة بعد أبيه، حيث عينه " أبو الوليد " على أهل الذمة، وهنا نجد أن " ابن زيدون " يلتمس منه وزارةً ويستعطفه في شعره أن ينيله إياها مما حدا بابن جهور أن يلقبه بـ" ذي الوزارتين " وندبه للسفارة بينه وبين ملوك الطوائف، ومنها: فديتُكَ، إنّي قائلٌ، فمعرِّضٌ بأوطارِ نفسٍ، منك، لم تقضِها بعدُ منى ً كالشَّجا دونَ اللّهاة ِ تعرّضتْ فلمْ يكُ للمَصْدُودِ، من نَفثِها، بُدّ أمثليَ غفلٌ، خاملُ الذّكرِ ضائعٌ ضَياعَ الحُسامِ العَضْبِ، أصْدأه الغِمدُ أنا السّيفُ لا يَنْبو معَ الهَزّ غَرْبُهُ إذا ما نبا السّيفُ، الذي تطبعُ الهندُ لَعَمْركَ! ما للمَالِ أسعى ، فإنّما يَرى المالَ أسنى حظّهِ، الطَّبِعُ الوَغْدُ ولكنْ لحالٍ، إنْ لبستُ جمالَها كسوْتُكَ ثوبَ النُّصحِ، أعلامه الحمدُ أما شاعرية ابن زيدون فقد شهد بها القاصي والداني من معاصريه "فقد تعاقب الكتاب والمؤرخون يثنون على جمال ديباجته ورونق أساليبه، فالجميع مشدوه لروعة نظمه وشدة أسره" صـ37. وكان الأدباء يسمونه " بحتريَّ المغرب " حيث يشبهونه بالشاعر الكبير "البحتري" رقيق الحاشية جميل الموسيقى في أشعاره. وقد أشار د. " شوقي ضيف " في دراسته إلى تأثر " ابن زيدون " بكبار الشعراء الذين قرأ لهم أمثال أبي تمام وأبي نواس وابن المعتز والبحتري والمتنبي حيث احتذى أمثلتهم، واقتبس منهم كثير من المعاني، وقد نبه المؤرخ "ابن بسام" لهذه المواطن المشتركة في كثير من أشعاره؛ صـ39. ويقول " شوقي ضيف " أنه "على كل حال يصور لنا ابن زيدون في شعره هذه الروح العربية العامة التي تتمسك بالماضي والتقاليد الموروثة، وفي الوقت نفسه ينبض شعره بحياة عصره وما كان فيه من حضارة وترف باذخ وإغراق في الحس والخمر واللذة، فاتصاله بالماضي لم يحُل بينه وبين تصوير الحاضر الذي عاش فيه" صـ41. يقول ابن زيدون في قصيدته الشهيرة التي مطلعها: أضْحَى التّنائي بَديلًا منْ تَدانِينَا *** وَنَابَ عَنْ طيبِ لُقْيانَا تجافينَا يقول: حَالَتْ لِفقدِكُمُ أيّامُنا، فغَدَتْ سُودًا، وكانتْ بكُمْ بِيضًا لَيَالِينَا إذْ جانِبُ العَيشِ طَلْقٌ من تألُّفِنا؛ وَمَرْبَعُ اللّهْوِ صَافٍ مِنْ تَصَافِينَا وَإذْ هَصَرْنَا فُنُونَ الوَصْلِ دانية ً قِطَافُها، فَجَنَيْنَا مِنْهُ ما شِينَا ليُسقَ عَهدُكُمُ عَهدُ السّرُورِ فَما كُنْتُمْ لأروَاحِنَ‍ا إلاّ رَياحينَ‍ا لا تَحْسَبُوا نَأيَكُمْ عَنّا يغيّرُنا؛ أنْ طالَما غَيّرَ النّأيُ المُحِبّينَا! وَاللهِ مَا طَلَبَتْ أهْواؤنَا بَدَلًا مِنْكُمْ، وَلا انصرَفتْ عنكمْ أمانينَا يا جنّة َ الخلدِ أُبدِلنا، بسدرَتِها والكوثرِ العذبِ، زقّومًا وغسلينَا وهذا الشعر العذب الذي فيه جوى وحرقة صادقة وهوى ولوعة جعل قصائده من الأهمية بمكان "حتى جعل كبار شعراء العربية من همهم أن يعارضوا بعض قصيده، كي يظفروا ببعض أنغامه، فعارضه صفي الدين الحلي والصفدي وأخيرًا شوقي في نونيته الأندلسية على نمط نونيته " أضحى التنائي "" صـ43. أما أسلوبه في قصائده النثرية فهو جانب أدبي آخر ممتع من شخصية "ابن زيدون" الثرية، فـ" الرسالة الهزلية " التي أجراها على لسان " ولاَّدة " في بيان مثالب "ابن عبدوس " منافسه في حبها، رسالة طريفة من حيث الأسلوب الذي اتبعه فيها، ويرى د. " شوقي ضيف " أن ابن زيدون ساقها على نمط رسالة الجاحظ " التربيع والتدوير " وعلى نفس منهاجها، وتخلط التهكم بضرب الأمثال والأبيات التي تجري مجراها والتي تستمد معينها من باب الهجاء. أما " رسالته الجدية " التي كتبها في السجن فنلمح فيها جانب من الضعف الإنساني لابن زيدون في استرحامه " أبي الحزم جهور " مع اعتزازه بوطنه قرطبة وإعلانه أنه لا يؤثر عليه وطنًا غيره، "وتمتلئ كسابقتها بذكر الأمثال، تتخلل ذلك عبارات نُزعت من الشعر والنثر القديم، من أجل ذلك كانت هي الأخرى تشبه متنًا من المتون، ولا ينفي ذلك أنها رائعة من الوجهة البلاغية"؛ صـ47. وتناول الفصل الرابع الأخير نماذجًا ومنتخبات من آثار " ابن زيدون " مع شروح ما غمض من ألفاظها، فذكرَ نماذج من قصائده الشعرية الشهيرة، ومختارات من فرائد أشعاره المتفرقة الخاطفة قصيرة النفس، مع نصِّ الرسالتين الشهيرتين لابن زيدون " الهزلية " و" الجدية " الذي تخلى فيهما عن السجع، وهو أسلوب الرسائل في ذلك الوقت، واستخدم فيهما الأسلوب المرسل في نثره.
أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (1)
أحمد حسن الزيات
02-09-2019
5,489
https://www.alukah.net//culture/0/135992/%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-1/
أثر الثقافة العربية في العلم والعالم (1) الشعوب كالأفراد، فيها من يولدون على حكم الطبيعة، ويعيشون على هامش الحياة، ثم يغوصون في ظلال العدم، لا ينعم بهم وجود، ولا يغنم منهم إنسان، ولا يعبأ بهم تاريخ. وفيها من يقبلون إقبال الربيع ينضرون الحياة بالجمال، ويمرعون الأرض بالخصب، ويفيضون على الدنيا سلامًا ووئامًا وغبطة! أولئك الذين يصطفيهم الله من خلقه لإعلاء حقه، فيُودعهم سره ويحمِّلهم رسالته فيعيشون لأجلها، ثم يموتون في سبيلها، بعد أن يخلِّدوا في صدر الزمان وعلى وجه الأرض آثار جهادهم في الله، وجهودهم للناس، وفضلهم على المجتمع. وهؤلاء هم أدلاء ركب الحياة، وحمال ألوية الخليقة، يَقلُّون قلّةَ الصفوة، ويبطئون إبطاء الخير، ولكن آثارهم تشغل ذهن العالم، وأخبارهم تملأ سمع الزمن!!. هذا التاريخ على طوله وفضوله لم يسجل من الأمم التي بلَّغت رسالات الله بالخير والجمال والحق إلا أربعًا: العبران في الدين والسلم، واليونان في الفن والعلم، والرومان في النظام والحكم، والعرب في كل أولئك جميعا! (والعرب في كل أولئك جميعا) فقرة أقولها وأنا أعلم أن الشك فيها سيحك الآن في بعض الصدور؛ لأن ما أقرته التعاليم المريضة في الأذهان من أن اليونان والرومان هم مصادر الثقافة العالمية، وأن العرب أعجز بفطرتهم عن العلم، وأبعد بطبيعتهم عن التمدن، يجعل هذه القضية على إطلاقها سخيفة! لقد آن للنظر الصحيح أن يرى، وللعقل المجرد أن يحكم!. أما الأحكام التي صدرت عن موتوري الشعوب وتجار العقائد وورّاث الأحقاد فلا وزن لها في نظر المنطق ولا شأن لها في رأي العلم. كان العرب في الشرق فاتحين وحاكمين فلا بدع أن تعصف ثورة العصبية، وتقوم دعوة الشعوبية، وتظهر فكرة الإسماعيلية والإسحاقية. ويبقى من آثار ذلك ما نشاهده اليوم وقبل اليوم في سياسة الترك والفرس من ازورار عن العربية واضطغان على العروبة. وكان العرب في الغرب فوق ذلك شرقيين ومسلمين فلم يكن بد من تصادم العقائد وتعارض الطبائع وتحكم الجهالة. فتنشأ محاكم التحقيق، وتصدر عقوبة التحريق والتمزيق، ويشاب التعليم بالتضليل والتلفيق. ويبقى من آثار ذلك أن تظل كنيسة الحمراء تقرع نواقيسها أربعًا وعشرين ساعة قرعًا متداركًا في ثاني يناير من كل عام ابتهاجًا بجلاء العرب عن الأندلس! فكيف يرجى من هؤلاء وأولئك الإقرار بفضل العرب على الثقافة. والاعتراف بجميلهم على الحضارة. وفي النفوس من غلبة الفاتح وتر، ومن عظمة الحاكم حقد، ومن دين المجاهد إحنة، ومن سلطان الدخيل نفور؟ والنهضة الحديثة لم تستطع بفلسفة ديكارت وحرية الفكر ونزاهة التعليم أن تصفي العقول من شوائب هذه المذهبية القديمة، فلا يزال نفر من العلماء يكابدون ازدواج الشخصية فيهم. فهم يجمعون في أهاب واحد بين رجلين مختلفين: حديث يتأثر بالدراسة الشخصية والبيئة الخلقية والفكرية. وقديم يتكون على بطء من تراث الأجداد ومخلفات القرون. وهذا الرجل العتيق هو الذي يتكلم في أكثر الناس، فيملي عليهم الآراء، ويلبس عليهم وجوه الحق. فإذا تنبه الرجل الحديث وتكلم وقع صاحبهما في التناقض وتعسف من جرائهما في الحكم. وأصدق الأمثلة على هذا الصنف من الباحثين العالم المؤرخ ( ارنست رنان ) خالق فكرة السامية والآرية، وأعدى الكتّاب للأمة العربية. فإن ازدواج الشخصية فيه جعل آراءه في العرب متناقضة يدفع آخرها أولها. له محاضرة معروفة عن الإسلام ألقاها في السربون؛ وقد جهد أن يدلل فيها على وضاعة شأن العرب في التاريخ وقلة غنائهم عن العلم؛ ولكن الرجلين القديم والحديث كانا يتعاوران الكلام على لسانه فينقض أحدهما ما أبرمه الآخر. فبينما هو يقول مثلا: (إن العلوم والآداب والحضارة مدينة بازدهارها وانتشارها للعرب وحدهم طوال ستة قرون؛ وإن التعصب الديني لم يعرفه المسلمون إلا بعد أن دالت دولة العرب وخلفهم على ولاية الإسلام الترك والمغول) إذا به يقول بعد ذلك: ( إن الإسلام كان لا ينفك مضطهدًا الفلسفةَ والعلم وأنه جعل من دون الحرية الفكرية سدًا في كل بلد احتله ). ثم يعود فيفيض القول في فضل العرب على القرون الوسطى وفيما كانت عليه إسبانيا من الرخاء والارتقاء في عهدهم. فإذا فرغ من ذلك سارع الرجل القديم فيه إلى القول بأن الذين نهضوا بالعلم من المسلمين لم يكونوا من العرب وإنما كانوا من سمرقند وقرطبة وإشبيلية؛ وأنساه شيطانه أن هذه البلاد عربية وأن الدم العربي والعلم العربي قد تغلغلا في أصولها منذ طويل؛ وأن تقسيم العرب إلى عرب وعرابوفون سلاح لا تفلت منه أمته نفسها إذا حلل هذا التحليل نسبَها وأدبَها. ثم تنتهي المعركة بين الرجلين في ( رينان ) بقوله في صراحة مفاجئة: (ما دخلت مسجدًا قط إلا تملكني انفعال شديد هو - لو أفصحت عنه - نوع من الأسف على أني لم أكن مسلمًا!). على أن هناك فريقًا من صفوة العلماء الأوربيين تحرروا من حكم الهوى، وتحللوا من قيد الغرض، فأقروا الحق في نصابه، وأرجعوا الفضل إلى أهله سنجعلهم شهودنا في إثبات ما نقول. فإن أشد ما شهد امرؤ على نفسه وأقرب الآراء إلى الحق رأي الفرد في جنسه. كان العالم شرقه وغربه في أوائل القرن السابع للميلاد قد استحال كونه إلى فساد . فحضارته تتحطم بالترف والرخاوة. وسياسته تتحكم بالغلول والأثرة؛ وأخلاقه تتفكك بالسرف والشهوة، وعقائده تتنزى بالجدل والتعصب ودماؤه تهدر بين الروم والفرس لغير غرض أسمى ولا مبدأ مقدس. وكانت شعوبه منذ طويل قد فقدت مثلها العليا فهي تعيش عيش الهمل السوائم: فلا عظمة روما تحفز الرومان، ولا مجد السلف يهز الفرس، ولا سمو الغاية يسدد وثبة البربر. على هذه الحال خرجت أمة العرب برسالتها الدينية والخلقية إلى هذا العالم المنقض والهيكل البالي فجددت أخلاقه على الرجولة؛ وطبعت عقيدته على التسامح، ورفعت مجتمعه على المحبة؛ وصمدت للجهاد والفتح في سبيل هذا المثل الأعلى لا تطمح من دونه إلى سلطان ولا تطمع من ورائه في غرض حتى أنشأت فيما دون القرنين مُلكًا طبَّق الأرض. وحضارة هذبت العالم وثقافة حررت العقل، ولم يكن ذلك مستطاعًا لغير الأمم الموهوبة التي هيأها الانتخاب الطبيعي لتبليغ رسالة أو تجديد دعوة أو تحقيق (اديال Ideal) . وكأين من أمة قوضت سلطان أمة أو أمم، ولكنها لم تَعدُ ما يفعل مَنْسرٌ من اللصوص سطا على قافلة، أو قطيع من الوحوش عدا على قرية، فالشعوب الجرمانية والهونية والسلافية تعاقبت غاراتها على الرومان في الشرق والغرب فاجتاحوا ملكهم؛ والقبائل التركية والمغولية قد دهموا العرب فثلوا عرشهم. ولكن شعباً من هذه الشعوب لم يصغ قلبه للمدنية؛ ولم يُجد فتحُه على الإنسانية، فظلوا بعداء عن الحضارة غرباء عن العلم إلا ما كان من ترويجهم بعدُ لحضارة المغلوب وثقافته. أما القبائل العربية فلم يكادوا يضعون عن كواهلهم عتاد الحرب وينفضون عن وجوههم غبار الصحراء؛ حتى صعدوا في مراقي الحضارة بسرعتهم في طريق الفتوح. واستطاعوا أن يرفعوا على أنقاض اليونان والرومان والفرس حضارة ثابتة الأصول باسقة الفروع لا يظهر في عناصرها المختلفة الا روح الإسلام وفكر العرب، ثم كانت من القوة بحيث طاولت الدهر، وصاولت المغير، وأخضعت لسلطانها حضارات لم تخضع لفاتح من قبل. وسخرت لدعايتها خصومًا لم يتحرروا من آثارها بعد. ولو رحنا نتلمس أسرار هذه القوة وأسباب تلك العظمة وجدناها أولًا في إلهام الطبع وسلامة الفطرة وجاذبية المثل الأعلى، وثانيًا في القابلية الطبيعية لفقه الحضارة، وهي صفة لا تكتسب عفو الحاضر ولا طوع التقليد. وإنما تتأصل في الشعب بتقادم عهده في الثقافة، وطول رياضته على التمدن. فالعرب لم يكونوا جميعًا كما يصورهم الأدب القديم جفاة الطباع بداة الاجتماع. وإنما كان منهم في اليمن والحجاز والشام والعراق متحضرون لابسوا أرقى أمم العالم بالتجارة منذ ألفي سنة، وكان لهم قبل الإسلام ثقافة أدبية ومدنية لغوية لم يكن من المعقول أن تظهرا في التاريخ فجأة. فإن تطور الأفراد والشعوب والأنظمة والعقائد تدريجي بطيء لا يبلغ كماله إلا حالًا على حالٍ ودرجة بعد درجة. والحق أن الأخبار والآثار والعقل تتناصر كلها على إثبات حضارة عربية في المدن الجاهلية. وإذا كان بدو الجزيرة هم الذين أنتجوا الشعر وفتحوا الفتوح فإن حضر الحجاز هم الذين حكموا الناس ونشروا المعرفة وأقاموا الحضارة. المصدر: مجلة الرسالة، العدد (1)  بتاريخ: 15 - 01 – 1933م
ترجمة العلامة السيوطي من تاريخ الروض العاطر فيما تيسر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر
محمد آل رحاب
04-07-2019
11,523
https://www.alukah.net//culture/0/135126/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%88%d8%b7%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d9%81%d9%8a%d9%85%d8%a7-%d8%aa%d9%8a%d8%b3%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%a8%d8%b9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b4%d8%b1/
ترجمة العلامة السيوطي من تاريخ (الروض العاطر فيما تيسر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر) للأيوبي النعماني الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد: فهذه ترجمة نادرة للعلامة السيوطي (ت 911هـ) رحمه الله، وجدتُها ضمن هذا التاريخ النادر المسمى: ((الروض العاطر فيما تيسَّر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر))؛ تأليف المؤرخ القاضي شرف الدين أبي أيوب موسى بن يوسف بن أحمد الأيوبي الأنصاري النعماني الشافعي، (ت 1000هـ) رحمه الله، وهو لا يزال مخطوطًا، فأحببت أن أنشر نص ترجمته للعلامة السيوطي لينتفع بها الباحثون، مع التعليق على ما تيسَّر منها، والتنبيه على بعض أوهام وقعت للمؤلف رحمه الله، وهذه الترجمة جزء من كتابي الكبير الذي سميته: (الجامع لسيرة الحافظ جلال الدين السيوطي خلال سبعة قرون)، والله الموفق والمستعان. ♦  ♦  ♦ ترجمة موجزة لصاحب التاريخ: قال الزركلي في ((الأعلام)): الأَيُّوبي (946 - 1000 هـ = 1539 - 1592 م) موسى بن يوسف بن أحمد الأَيُّوبي الأنصاري النعماني الشافعي، أبو أيوب، شرف الدين: مؤرخ، من القضاة، من أهل دمشق؛ من كتبه: (الروض العاطر فيما تيسر من أخبار القرن السابع إلى ختام القرن العاشر - خ)، و(خلاصة نزهة الخاطر - خ) في تراجم قضاة دمشق، و(نزهة الخاطر وبهجة الناظر - خ) يوميات لعام 999 هـ لعلها نسخة من (التذكرة الأيوبية - خ)، وقد رأيت الجزء الأخير من هذه (بخطه) في دار الكتب الظاهرية بدمشق [1] . نص الترجمة: عبدالرحمن بن أبي بكر المصري، الشهير بـالسيوطي [2] ، ويقال: الأسيوطي: الشيخ الإمام العلامة المفنن المصنف شيخ الإسلام، جلال الدين بن الإمام كمال الدين بن محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن محمد بن خليل بن الهمام. مولده في رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة، وتوفي في تاسع جمادى الآخرة، سنة عشر وتسعمائة [3] ، وصُليَ عليه غائبة بـ((الجامع الأموي)) عقبَ الجمعة سنة: إحدى عشرة وتسعمائة. توفي والده سنة: خمس وخمسين وثمانمائة، وهو صغير، فنشأ وحفظ: ((القرآن))، ثم ((منهاج النووي))، و((ألفية ابن مالك))، و((عمدة الحديث))، وبعضَ ((منهاج البيضاوي))، وعَرَضَ الثلاثةَ الأُوَلَ في صفر، سنة أربع وستين وثمانمائة [4] ، ثم جدَّ في الاشتغال، فقرأ: ((الألفية)) كلَّها على الشيخ شمس الدين [5] إمام ((الخانقاه [6] ))، وأجازه في سنة ست وستين وثمانمائة بـإقراء الكتب المتوسطة في العربية؛ كـ((شرح الشذور)) لابن هشام الأنصاري، المُقدم ذِكره [7] ، و((شرح الألفية)) لابن عقيل. وشرعَ في التأليف، فكتب كُتبه لِطافًا؛ منها: ((شرح الاستعاذة والبسملة)) [8] ، وقرَّظ له عليه: قاضي القضاة علم الدين البلقيني، فلازمه من أول هذه السنة إلى حين وفاته. وتصدَّر في شوال سنة سبع وستين بـ((الجامع الشيخوني)) في وظيفة كانت لوالده، ثم أجازه بالتدريس. وحضر عند الإمام سيف الدين الحنفي دروسًا عديدة في النحو التفسير وغيرهما، ولم يحصل له عليه قراءة. وحضر عند التقي الشمني مدةً طويلةً، سمع فيها غالبَ ((المطول))، و((التوضيح)). وسمع على الشرف المناوي الكثير في الفقه، ثم غالب ((المنهاج)) في تقسيم. وأما الفرائض، فما له فيه إلا المشاركة. وأما الحساب والعروض، فمعرفته فيهما نزرة جدًّا. وأما المنطق وعلوم الفلسفة، فلم يشتغل بهما؛ لأنهما حرامٌ، كما ذكره النوويُّ وغيره، ولو كانت مباحة لم يوقرها [9] على علوم الدين. ثم اشتغل بسماع الحديث، فسمع بـ((مصر)) على جماعة، وبـ((مكة))، و((منى)) [10] ، و((المدينة))، و((الفيوم))، و((دمياط))، و((إسكندرية)). وأجاز له خلقٌ كثير، وجمٌّ غفيرٌ، حتى وصل معجم شيوخه، المسمى بـ((المنجم)) لنحو: ثلاثمائة [11] . ومن أكابر شيوخه: شيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري المُقَدم ذِكره في حرف الزاي [12] . وتصانيفُه كثيرة، وقال بعضُهم: أنها بلغت الألف، منها: ((تخريج أحاديث صحاح الجوهري)) [13] ، و((تفسير القرآن الكريم بالحديث)) [14] ، وتفسير ثانٍ [15] من الفاتحة إلى الكهف، كمَّل به ((تفسير الشيخ جلال الدين المحلي، الآتي ذِكرُه في حرم الميم إن شاء الله تعالى، فقال: نُطلق عليه في التسمية: ((تفسير الجلالين)) مشيًا فيه طريقَ الإيجاز، ولا [16] يجوز مسُّه للمُحْدِثِ، لغلبةِ القرآن على التفسيرِ [17] . ولقد رأيتُ منه ((نسخةً)) [18] برسم الملك الأشرف قايتباي في ورقِ حريرٍ، مكتوب بين الجلد واللسانِ باللازوردِ وماءِ الذهبِ: قوله تعالى: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، وهذا في غاية اللطفِ ومحاسنِ الإشارات اللطيفة [19] . وله كتاب: ((حصول الرفق بأصول الرزق)) [20] ، و((تخريج أحاديث المواقف [21] ))، و((العَرف الوردي في أخبار المهدي))، و((إحياءِ المَيْت بفضائل أهل البيت))، و((الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف))، و((البدور السافرة في كشف علوم الآخرة)) [22] يقعُ في مجلدٍ ضخمٍ، كتبْتُه لنفسي [23] ، وأورد فيه ما يزيد على أربعين حديثًا [24] في إثباتِ حوضِ النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الكوثر [25] ، واستفدت منه فوائد جليلة. وكلُّ مصنفاته مليحةٌ مشهورةٌ بين الناسِ، فلا يحتاج إلى تَعدادها لشهرتها ووجودها [26] ، وفضائلُه كثيرة رحمه الله تعالى. صورة عنوان المخطوط: صورة بداية الترجمة من الأصل الخطي: صورة النهاية: [1] مصادره: 2: 373 (289) 2: 401 ، وفيه: (توفي سنة 999 / 1590) وعنه زيدان، في تاريخ آداب اللغة 3: 293، ومثله ما أوردته في طبعة الأعلام الأولى 3: 1087 مع زيادة (الأيوبي)، وليست فيهما، ولم يترجم له صاحب الشذرات، وهو ينتهي بسنة 1000 ولا المحبي في أعيان القرن الحادي عشر، واطلعت على الجزء الأخير من (التذكرة الأيوبية)، وهي بخطه كاملة في مخطوطات الظاهرية، فوجدت في نهاية الجزء ما يأتي: (وفي هذا اليوم، وهو يوم السبت عاشر ربيع الثاني، سنة ألف من الهجرة، وجدت في نفسي خفة ونشاطًا، وربما أبللت من المرض الذي أنا فيه..) وبعده: (وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر ربيع الثاني من السنة المذكورة: نقلت من الوافي بالوفيات)، وبعده وكله بخطه: (وفي يوم) هنا بياض بعد كلمة يوم، ثم بخط آخر: (هذا آخر ما انتهى إليه خط المصنف رحمه الله)، فوفاته إذًا (سنة 1000 هـ بعد 13 ربيع الثاني، لا سنة (999) كما تقدمت الإشارة إليه هنا في (الأيوبي)، وليصحح في المصادر الآنف ذكرها، وانظر مجلة معهد المخطوطات - الأول. [2] في الهامش: جلال الدين السيوطي، ورقم الترجمة في الكتاب، وهو: ((176)). [3] والمشهور أنه توفي سنة: 911 هـ. [4] أي: عرض محفوظاته على شيوخه وأكابر مسندي عصره، وهذه العادة انتشرت بكثرة في القرنين الثامن والتاسع، وقد نص على عرضه الألفية خصوصًا في ثبته الكبير: ((أنشاب الكثب)) على شيخه البلقيني، وذكر أنه قرأها كاملة على شيخته هاجر؛ ينظر ((أنشاب الكثب)) لوح: 129. [5] يقصد: الشيخ السيرامي، وقد نشرت نص إجازته له على شبكة الألوكة. [6] يقصد: الخانقاه الشيخونية. [7] أي: أنه ترجم له في تاريخه: ((الروض العاطر)) قبل ترجمته للعلامة السيوطي. [8] المسمى: ((رياض الطالبين)). [9] هكذا في الأصل. [10] لي مقال عن مقروءات العلامة السيوطي على شيخه ابن فهد بمنى، منشور على الألوكة. [11] لي جزء في تجريد أسماء شيوخ العلامة السيوطي وشيخاته من ((المنجم))، وبلغ عددهم إجمالًا ((195))، ((153)) شيخًا، و((42)) شيخة، وليس كما ذكر المؤلف هنا أن عددهم فيه 300، فليتنبه. [12] بل من أكابر شيوخه العلامة محيي الدين الكافيجي تـ879 رحمه الله الذي لازمه الحافظ السيوطي 14 سنة، وفي الرواية شيخته أم الفضل هاجر بنت القدسي، فقد لازمها، وقرأ عليها أشياءَ كثيرة جدًّا أفردت مقالًا لبعضها، وهو منشور على الألوكة أيضًا. [13] واسمه: ((فلق الصباح))، وله كتاب آخر بعنوان: ((الإفصاح في زوائد القاموس على الصحاح)) كما بيَّنته في مقال بعنوان: ((عناية العلامة السيوطي بالصحاح))، منشور أيضًا على الألوكة، وقد وصلتنا نسخة من ((الصحاح)) كانت في حوزة العلامة السيوطي وعليها تملُّك بخطه، وسياق سنده له. [14] يقصد الدر المنثور في التفسير بالمأثور. [15] في الأصل: ثاني. [16] في الأصل: فلا. [17] هكذا قال المؤلف رحمه الله، والذي في ((كشف الظنون)) لحاجي خليفة تـ1067هـ رحمه الله: قال بعض علماء اليمن: عددت حروف القرآن، وتفسيره للجلالين، فوجدتهما متساويين إلى سورة المزمل، ومن سورة المدثر: التفسير زائد على القرآن، فعلى هذا يجوز حمله بغير الوضوء؛ انتهى؛ ((كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون)): (1/ 445). [18] ولا أدري شيئًا من خبر هذه النسخة، وأين مآلها؟ والنسخ الخطية للجلالين وحواشيه بالآلاف في خزائن الدنيا شرقها وغربها، وعند عربها وعجمها، وعامها وخاصها، ولكن يسَّر الله تعالى الوقوف على نسخة نفيسة كتب عنوانها العلامة السيوطي بخطه. [19] يعني: الإشارة أنه يأخذ حكم القرآن في اشتراط الطهارة من الحدث الأصغر كما هو مذهب الجمهور، لا حكم أي كتاب تفسير أو كتاب علم آخر. [20] نشرته على الألوكة، ونظمت خلاصته في أرجوزة بعنوان: ((نصح الخلق)) منشورة أيضًا ولله الحمد. [21] هكذا في الأصل، والصحيح: ((تخريج أحاديث شرح المواقف)). [22] هكذا في الأصل، والصحيح: ((البدور السافرة في أمور الآخرة))، اختلط على المؤلف هذا العنوان بعنوان كتاب الإمام أبي حامد الغزالي، واسمه ((الدرة الفاخرة لكشف علوم الآخرة))، وللعلامة السيوطي أمالي في تخريج أحاديث هذا الكتاب، وصلتنا عليها خطه ولله الحمد، وخط العلامة مرتضى الزبيدي شارح ((القاموس)). [23] ولا أعلم خبرًا عن هذه النسخة، وفي هذا النص حرص أهل العلم على نسخ كتب العلامة السيوطي بأنفسهم لنفاستها، وكثرة فوائدها، ولي بحث متعلق بهذا يسر الله نشره. [24] في الأصل: حديث. [25] وأحاديث الحوض والكوثر متواترة كما لا يخفى، وأثبت ذلك المصنف في كتابه: ((قطف الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة))، وأورده من حديث ((50)) صحابي وصحابية. [26] وهذا نص أيضًا نفيس جدًّا في بيان مكانة مؤلفات العلامة السيوطي، وبيان ما وضع الله لها من القبول. وإذا الفتى لله أخلص سرهُ فعليه منه رداء طيبٍ يظهرُ وإذا الفتى جعل الإله مراده فلذِكْرِه عَرف ذكي ينشرُ نحسبه كذلك، ولا نزكي على الله أحدًا.
العلامة الزاهد صاحب (روضة المحبين)
الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط
29-06-2019
6,847
https://www.alukah.net//culture/0/135025/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%a7%d9%87%d8%af-%d8%b5%d8%a7%d8%ad%d8%a8-%d8%b1%d9%88%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a8%d9%8a%d9%86/
العلَّامة الزَّاهد صاحبُ «رَوْضة المحبين» لئن كانت الأممُ تفخَرُ وتعتزُّ برجالٍ لها، وقادَةٍ تذكرهم بالخير على الدَّوام وتُسَجِّل أعمالهم في صحائف الخالدين؛ فإنَّ من حقِّنا - ونحن الأمة التي أنجبت أرضُها رجالًا عظماءَ يفتخر بهم المفتخرون ويعتزُّ بهم المعتزُّون - أنْ نذكُرَ عظماءَ الرِّجال فينا ولا سيَّما العلماءُ، ونسجِّل لهم أسمى آيات التَّقدير، وأدنى درجات هذا التقدير: حديثٌ فاحِصٌ عنهم، عن حياتهم، عن خلائقهم، وأحوالهم. واليوم نَعرِض لذكر رجل عظيم، رجلٍ شَرُفَتْ به أيَّامُه، وازْدَان به عصرُه وأوانُه، ذلكم هو العلَّامةُ الفَقِيهُ شمس الدِّين محمدُ ابنُ أبي بكرٍ المعروفُ بابن قيِّم الجوزيَّة. ولعَمْرُ اللهِ أيُّ رجلٍ هذا الذي نذكر وأيُّ انسانٍ هو، ومن أيِّ نوعٍ من الرِّجال كانَ؟ كلُّ هذه التَّساؤلاتِ وغيرُها سنُحاوِل الإجابةَ عليها في هذه العُجَالة. لقد كان شمسُ الدِّين ابن القَيِّم - في الحقِّ - نادرةً في الرِّجال وفذًّا بين أقرانه من العلماء، وإنني لأعتقد - جازمًا - بأنَّه ما من أحد لم يقرأ شيئًا عن هذا العلَّامة في صحف الآثار أو لم يسمع به على أقل تقدير. ♦ ♦ ♦ ♦ مَولِدُه وتلقِّيه العِلمَ: وُلِد ابنُ القَيِّم - كما تذكر كتب التراجم والسِّيَر - سنةَ إحدى وتسعين وستِّ مئة من الهجرة النبوية الشريفة، وكإنسانٍ أراد له الله -جلَّتْ قُدرتُه- أن يبلغ ما بلغ من مركز عال بين طبقات العلماء، فإنَّه انصراف إلى التَّعَلُّم بنفسٍ شغوفةٍ، ونَهَمٍ ما بَعْدَهُ نَهَمٌ، وأقبل على العلم يغترف منه ما وَسِعَه، يتفقَّه في دين الله ويتعمَّق في شرع الله، ويحفظُ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتدبَّرُ المعاني السَّامِية التي توافَرَتْ في الكتاب العزيز والسُّنَّة النَّبَويَّة. ♦ مجالستُه العُلَماءَ: ووَفْقًا للعادة المتَّبعة لدى طُلَّاب العِلْم في تلك الأزمان؛ فإنَّه رافقَ الكثيرَ من الشُّيُوخ الأعلامِ، وأخذ عنهم، وأفاد من عِلْمِهم، وجلس في حَلَقاتهم: يستمعُ ويُدَوِّنُ، ويحفَظُ. وَجَلس حتَّى تجَمَّع لديه من ذلك شيءٌ كثيرٌ، قال العلامة الشوكاني: «قرأ على المجد الحرَّاني وابن تيميَّة ودرَّس بالصَّدْريَّة وأمَّ بالجوزِيَّة وأخذ الأصول عن الصَّفِيِّ الهندي وابن تيميَّة أيضًا، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتُهِر في الآفاق، وتبحَّر في معرفة مذاهب السلف، وغَلَب عليه حُبُّ ابن تيميَّة، وهو الذي نشر علمَه بما صنَّفه من التَّصانيفِ الحَسَنةِ المقبولة، واعتُقِل مع ابن تيميَّةَ وأُهِينَ وطِيفَ به على جَمَلٍ مضروبًا بالدِّرَّة!» انتهى ما قاله الشوكاني. ♦ تعبُّدُه وزُهدُه وتَقواهُ: إلى جانب العلم الذي هو خيرٌ عظيمٌ؛ فقد كان هذا العلامة معروفًا بالعبادة الكثيرة المتواصلة والتَّهَجُّد وطول الصَّلاة إلى الحَدِّ الذي قد لا يصدِّقه أحدٌ، وما ذاك إلا لدوام مُرَاقَبَته لرَبِّه وخوفه من عقابه، وتباعده عن مَعصِيتِه. قال ابن رجب الحنبلي في «الطَّبَقَات»: «وكان ذا عبادةٍ وتهجُّدٍ وطولِ صلاةٍ إلى الغاية القُصْوى، وتألُّهٍ، ولَهَجٍ بذكر الله وشَغَفٍ بالمحبَّةِ والإِنَابةِ والافتِقَارِ إلى اللهِ تعالى والانكسارِ له والانْطراحِ بَيْنَ يَدَيْهِ على عَتَبَةِ عُبُودِيَّتِه، لَمْ أُشاهِدْ مثلَهُ في ذلك، ولا رأيتُ أوسعَ منه علمًا، ولا أَعْرَفَ بمعاني القُرآنِ والسُّنَّةِ وحقائقِ الإيمانِ منه، وليس هو بالمعصوم ولكنْ لَمْ أَرَ في معناه مثلَه». ♦ امتحانه واضطهاده: على هذه الصِّفاتِ كانت معيشتُه وحياتُه، ومع ذلك فإنَّها لم تكُنْ لتخلُوَ من المُكَدِّراتِ والمُنَغِّصاتِ التي واجهتْهُ في رِحْلة الحياة، فقد امتُحِنَ في دِينه، وأُوذِيَ واضْطُهِدَ، فصبر وصابر، وجابَهَ كُلَّ ذلكَ بصَدْرٍ رَحْبٍ ونَفْسٍ مُسْتبشِرَةٍ بالفرج القريب. وسببُ ذلك: أنَّه كان-كما هو معروفٌ- التِّلْميذَ المقرَّبَ من شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وقد تعرَّض شيخُ الإسلام لفِتَنٍ كثيرةٍ ومتعدِّدةٍ كان سبَبَها خصومٌ ألِدَّاءُ له سَعَوا في الوِشَاية به إلى الأمراء ووُلاةِ الأَمْرِ؛ فنُفِيَ واضْطُهِدَ وأُهِينَ. فلمَّا وقع للأستاذ ما وقع كانَ أنْ أصابَ تِلْميذَهُ المقرَّبَ شيءٌ غيرُ قليلٍ من الرَّذاذ فسُجِنَ معه واضْطُهِد وأُهِينَ، ومع ذلك فإنه اشتغل في سجنه -مع شيخه- بتلاوة القُرآنِ والذِّكْر والصَّلاةِ والسَّماع؛ فأفاد من ذلك فائدةً عظيمةً، وانتفع به انتفاعًا لا يُعَدُّ ولا يُحْصَى. ولقد أحبَّه كلُّ من رآه أو سمع به، وامتدحته الخاصَّةُ والعامَّةُ، وأَثْنَتْ عليه النَّاسُ واعترفَتْ له بالفَضْلِ. ♦ أقوال بعض المؤرِّخينَ ومُعاصِريه فيه: نعرِضُ هنا لأقوالِ بعض المؤرِّخين والمعاصرين له. وقد كُنَّا عَرَضْنا لبعضها في مُقَدِّمَة هذه العُجَالة. • قال القاضي برهان الدين الزَّرْعي: «ما تحت أديم السماء أوسع علمًا منه في أنواع العلم». • وقال عنه السَّخَاوي: «العلامة الحجة المتقدم في سعة العلم ومعرفة الخلاف وقوة الجنان ورئيس أصحاب ابن تيمية، الإمام صاحب التصانيف السائرة والمحاسن الجمَّة، انتفع به الأئمة ودرَّس بأماكن». • وقال فيه العلامة الشوكاني: «تَعشَقُ الأفهامُ كلامَه، وتميل إليه الأذهان، وتحبه القلوب، وليس له غيرَ الدليل مُعَوَّلٌ في الغالب». أي: أنَّه لا يُعَوِّل ولا يعتمد على شيء غير الدليل في غالب آرائه. • وقال عنه الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: «وُلد سنة إحدى وتِسعين وستِّ مئة (691هـ)، وسمع الحديث، واشتغل بالعلم، فبرع في علوم متعددة، لا سيَّما علم التفسير والحديث والأصْلَيْنِ، ولما عاد شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية من الدِّيار المصرية سنة (712هـ) لازمه إلى أن مات الشيخ، فأخذ عنه علمًا جمًّا، مع ما سلف له من الاشتغال، فصار فريدًا في بابه في فنون كثيرة، مع كثرة الطلب ليلًا ونهارًا، وكثرة الصلاة والابتهال، وكان حَسَن القراءة والخُلُق، كثيرَ التَّوَدُّدِ، لا يحسُد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يَسْتَعِيبُه، ولا يحقد على أحد، وكنتُ من أصْحَبِ النَّاس له، وأحبِّ الناس إليه، ولا أعرف من أهل العلم في زماننا أكثرَ عبادةً منه، وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير، وكتب بخطه الحسن شيئًا كثيرًا، واقتنى من الكتب ما لا يتهيَّأُ لغيره تحصيل عُشْره من كتب السَّلَف والخلف. وبالجملة؛ كان قليلَ النَّظير بل عديم النَّظير في مجموعِ أمورِهِ وأحوالِه، والغالبُ عليه الخيرُ والأخلاقُ الصَّالحة. سامحه الله ورحمه. وقد كانت جِنازتُه حافلةً رحمه الله، شهدها القُضاةُ والأعيانُ والصَّالحون من الخاصَّة والعامَّة وتزاحم الناس على حَمْل نَعْشِه، وكمُل له من العُمُر سِتُّون سنةً، رحمه الله». لقد كان العلامة ابن القَيِّم بحق عَلَمًا نادرًا في زمانه، ومن الأعلام الشَّهيرة المعروفة في كل زمان، يُعجِبُك فيه عِلْمُه الواسع، وصلاحه وتُقاه، وإعراضه عما في أيدي الناس، وملازمتُه العلماءَ على ما له من العلم الغزير، واعترافه بالفضل وصدقه مع نفسه ومع ربه والناس جميعًا، وصبره على الأذى وإعراضه عن الجاهلين والمستهزئين، إلى غير ذلك من الصفات الكبيرة، والشمائل الخُلُقيَّة الرَّفيعة، التي أحَلَّتْهُ من القلوب مكانًا عاليًا رفيعًا. ♦ آثارُه ومؤلَّفاتُه: أما عن كُتُبِه فما أكثرَها وما أعجبها في تنوُّع موضوعاتها، وحسن العرض فيها، وعظيم الانتفاع بها! نذكر منها: 1) كتابه العظيم: «زاد المعاد في هدي خير العباد». 2) وكتابـه: «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» الذي يتحدث فيه عن دار الكرامة وما فيها. وهو -أيضًا- من كتبه العظيمة. 3) وكتاب: «مدارج السالكين في شرح منازل السائرين». 4) وكتاب: «أعلام الموقعين». 5) وكتابـه اللَّطيف: «نُزْهة المشتاقين وروضة المحبين» الذي يتحدث فيه عن الحبِّ والمحبِّين! 6) وكتاب: «تفضيل مكة على المدينة». 7) وكتاب: «مفتاح دار السعادة». 8) وكتاب: «الصراط المستقيم». 9) وكتاب: «نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والقبول». 10) والكتاب النافع: «الفوائد» الذي هو زادُ العالم والطالب. 11) وكتاب: «الداء والدواء». 12) وكتاب: «تحفة المودود بأحكام المولود». 13) وكتاب: «عدة الصابرين». 14) وكتاب: «أمثال القرآن». 15) وكتاب: «الفرق بين الخُلَّة والمَحَبَّة». 16) وكتاب: «بطلان الكيمياء من أربعين وجهًا». 17) وكتاب: «التُّحفةُ المكِّيَّة». 18) وكتاب: «طريق الهجرتين وباب السعادتين». 19) وكتاب: «تهذيب سنن أبي داود». 20) وكتاب: «جلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام». وغيرها كثير. ♦ فاتُه: حُكِي عنه قبل وفاته بفترة قصيرة أنه رأى شيخه ابن تيمية في المنام، وأنه سأله عن منزلته - أي في الجنة - فقال إنَّه أنزل فوق فلان وفلان، وسمى بعض الأكابر، وقال له: أنت تلحق به. ثم ما لبث أن مات بعد ذلك فارتجَّتْ قلوبُ النَّاس، وأصابهم حُزْنٌ شديدٌ على فقدانه، وكان أكثرَهم حُزْنًا تلامذتُه ومحبُّوه الذين فقدوا فيه الشَّيْخَ والمعلِّمَ والأستاذ المسَدِّدَ؛ فعلموا أنهم لن يروا مثله أبدًا. وقد كانت وفاته في شهر رجب سنة إحدى وخمسين وسبع مئة (751هـ) للهجرة النبوية، أي أنه عاش ستين سنة قضاها في تعلُّم العِلْم وتعليمه للنَّاس، وأمضاها في جهاد متواصل في كافة الدُّروب حتَّى وافاه الأجلُ، فترك هذه الدنيا إلى لقاء ربه بعد طول الشَّوْقِ وازدياد الحنين. رحمه الله رحمة واسعةً، ورفع درجاته في رفيع الجنان [1] . [1] البداية والنهاية (18 /523، 524)، ذيل طبقات الحنابلة (2/ 447)، الدرر الكامنة (4/ 21)، الوافي بالوفيات (2/ 270)، النجوم الزاهرة (10/ 249)، شذرات الذهب (6/ 168)، البدر الطالع (2/ 143).
وفيات أشهر مفسري الصحابة والتابعين وأتباعهم
د. محمد بن علي بن جميل المطري
24-06-2019
8,819
https://www.alukah.net//culture/0/134948/%d9%88%d9%81%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d9%85%d9%81%d8%b3%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a3%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d9%87%d9%85/
وفيات أشهر مفسري الصحابة والتابعين وأتباعهم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه. أما بعد: فهذا بيان وفيات أشهر المفسرين من الصحابة والتابعين وأتباعهم، الذين يكثر في كتب التفسير المسندة ذكر أقوالهم. أسأل الله أن ينفع به طلاب العلم، والله الموفق. وفيات أشهر مفسري الصحابة والتابعين وأتباعهم 1 أبو بكر الصديق 13 هـ 2 أبي بن كعب 22 هـ 3 عمر بن الخطاب 23 هـ 4 عبد الله بن مسعود 33 هـ 5 عثمان بن عفان 35 هـ 6 سلمان الفارسي 36 هـ 7 حذيفة بن اليمان 36 هـ 8 علي بن أبي طالب 40 هـ 9 زيد بن ثابت 45 هـ 10 أبو هريرة الدوسي 57 هـ 11 عائشة أم المؤمنين 58 هـ 12 عبد الله بن عمرو بن العاص 65 هـ تقريبًا 13 عبد الله بن عباس 68 هـ 14 عبد الله بن الزبير بن العوام 73 هـ 15 عبد الله بن عمر بن الخطاب 74 هـ 16 أبو العالية رفيع بن مهران 93 هـ 17 سعيد بن المسيب 94 هـ 18 عروة بن الزبير بن العوام 94 هـ 19 سعيد بن جبير 95 هـ 20 أبو مالك غزوان الغفاري ما بين 91 هـ - 100 هــ 21 الضحاك بن مزاحم الخراساني 102 هـ 22 عامر بن شراحيل الشعبي 103 هـ تقريبًا 23 مجاهد بن جبر 104 هـ تقريبًا 24 عكرمة مولى ابن عباس 105 هـ 25 طاووس بن كيسان اليماني 106 هـ 26 الحسن البصري 110 هـ 27 محمد بن سيرين 110 هـ 28 عطاء بن أبي رباح 114 هـ 29 قتادة بن دعامة 117 هـ 30 محمد بن كعب القرظي 120 هـ تقريبًا 31 إسماعيل بن عبد الرحمن السدي الكبير 127 هـ 32 عطاء بن أبي مسلم الخراساني 135 هـ 33 زيد بن أسلم 136 هـ 34 الربيع بن أنس 139 هـ 35 محمد بن السائب الكلبي 146 هـ 36 مقاتل بن حيان البلخي 149 هـ تقريبًا 37 مقاتل بن سليمان البلخي 150 هـ 38 عبد الملك بن عبد العزيز بن جُرَيج 150 هـ 39 عبد الرحمن بن زيد بن أسلم 182 هـ 40 محمد بن مروان السدي الصغير 186 هـ
هل يعرف موضع قبور شهداء اليمامة رضي الله عنهم؟
الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري
16-06-2019
20,367
https://www.alukah.net//culture/0/134811/%d9%87%d9%84-%d9%8a%d8%b9%d8%b1%d9%81-%d9%85%d9%88%d8%b6%d8%b9-%d9%82%d8%a8%d9%88%d8%b1-%d8%b4%d9%87%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87%d9%85%d8%9f/
هل يُعرف موضع قبور شهداء اليمامة رضي الله عنهم؟ قال الشيخ سليمان بن سحمان رَحِمَهُ اللهُ: (والذي جرى من الشيخ رحمه الله - أي الإمام محمد بن عبد الوهاب - وأتباعه هدم البناء الذي على القبور، والمسجد المجعول في المقبرة على القبر الذي يزعمون أنه قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه [1] ، وذلك كذبٌ ظاهرٌ، فإن قبرَ زيد رضي الله عنه ومَن مَعَهُ من الشُّهداءِ لا يُعرفُ أينَ موضعه، بل المعروف أنَّ الشهداء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتلوا في أيام مسيلمة في هذا الوادي [2] ، ولا يُعرف أين موضع قبورهم من قبور غيرهم، ولا يُعرف قبر زيد من قبر غيره، وإنما كَذبَ ذلك بعض الشياطين، وقال للناس: هذا قبر زيد، فافتُتنوا به، وصاروا يأتون إليه من جميع البلاد بالزيارة، ويجتمع عنده جمعٌ كثير، ويسألونه قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، فلأجل ذلك هَدَمَ الشيخُ - أي الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله - ذلك البناء الذي على قبره، وذلك المسجد الذي على المقبرة، اتباعاً لِما أمرَ اللهُ به ورسولُه صلى الله عليه وسلم من تسوية القبور في النهي، والتغليظ في بناء المساجد عليها، كما يعرف ذلك مَن له أدنى مُسكة من المعرفة والعلم [3] . ولقد اختلفَ المؤرِّخون في تحديد البلدة التي قُتلَ فيها زيد بن الخطاب رضي الله عنه. قال أبو العباس البلاذري: (حدثني محمد بْن ثُمال اليمامي عن أشياخهم، قال: سُمِّيت الحديقة حديقة الموت لكثرة مَن قُتلَ بها. قال: وقد بنى إسحاق ابن أبي خَميصَة مولى قيس فيها أيَّام المأمون مسجداً جامعاً، وكانت الحديقةُ تُسمَّى: أُباض [4] ) [5] . وقال الطبري: (فلَمَّا فَرَغ خالدُ بنُ الوليدِ منَ اليَمَامةِ، وكان مَنزلُه الذي بهِ التقَى الناس: أُباضَ، وادٍ من أوديةِ اليمامةِ، ثمَّ تحوَّلَ إلى وادٍ من أوديتها يُقال له الوبر كان مَنزلُه بهَا) [6] . وقال أبو محمد الهمداني: (وفوق ذلك قرية يُقال لها: أُباض، بها كانت وقعة خالد بن الوليد رضي الله عنه ومُسيلمة لبني عدي بن حنيفة) [7] . وقال أبو الحسن الرقام البصري: (ومضى خالدٌ حتى ضرَبَ عَسكَرهُ بقريةٍ من اليمامة يُقال لها: أُباضُ) [8] . وقال ابن سيده: (وأُباضٌ: عِرْضٌ باليَمامةِ [9] كثيرُ النخلِ والزَّرْعِ. حكاه أبو حنيفةَ، وأنشدَ: ألا يا جَارتا بأُباضَ إنِّي رأيتُ الرِّيحَ خَيراً مِنكِ جارا تُعَرِّينا إِذا هبَّتْ علينا وتَملأُ عَينَ ناظِركم غُبارا وقد قيلَ: به قُتلَ زيد بن الخطاب رضي الله عنه) [10] . وقال أبو عبيد البكري: (أُباضٌ: بضمِّ أوله وبالضاد المعجمة: وادٍ باليمامة، وبه قُتلَ زيدُ بن الخطاب رضي الله عنه، قال جرير: زالَ الجمالُ بنخلِ يثربَ بالضُّحى *** أو بالرَّواجح من أُباضَ العامرِ) [11] . وقال ابنُ منقذ: (ومن أصحابِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: البراءُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه، حَضَرَ القتالَ يومَ مسيلمةَ الكذابِ، وقد قُتل أكثرُ أصحابِ مسيلمةَ، والتجأ منهم نحوٌ من سبعة آلافٍ إلى حديقةِ الموتِ، وإنما سُمِّيت حديقةَ الموت لكثرة مَن قُتل بها، وكان اسمُها قبلَ ذلك: أُباض، فامتنعوا فيها...) [12] . وقال أبو عبد الله الحموي: (أُباضُ: بضم الهمزة وتخفيف الباء الموحدة وألف وضاد معجمة: اسم قرية بالعِرْضِ، عِرْض اليمامة، لها نخلٌ لم يُرَ نخلٌ أطولُ منها، وعندها كانت وقعة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع مسيلمة الكذاب، قال شبيب بن يزيد بن النعمان بن بشير يفتخر بمقامات أبيه: أتنسونَ يومَ النَّعْفِ نعفِ بُزاخَةٍ ويومَ أُباضٍ إذ عثا كلُّ مُجرم ويومَ حُنينٍ في مَواطن قتلة أفأنا لكم فيهنَّ أفضل مغنم وقال رجلٌ من بني حنيفة في يوم أُباض: فلله عَيْنا مَن رأى مثلَ مَعْشَر أحاطت بهم آجالُهم والبوائقُ فلم أرَ مثلَ الجيشِ جيش محمَّدٍ ولا مثلنا يومَ احتوتنا الحدائقُ أكَرَّ وأحْمى من فريقين جَمَّعوا وضاقت عليهم في أُباضَ البوارقُ وقال الراجز: يـوم أُبــاض إذ نَسُـــــنُّ اليــَزَنــا *** والْمشـرفيَّــاتُ تقُـــدُّ البـدَنـا) [13] وقال ابن منظور: (أُباضُ: عِرْضٌ باليمامة، كثير النخل والزرع، حكاه أبو حنيفة، وأنشد: ألا يا جارتا بأُباضَ إنِّي رأيتُ الرِّيحَ خَيراً مِنكِ جارا تُعَرِّينا إِذا هبَّتْ علينا وتَملأُ عَينَ ناظِركم غُبارا وقد قيلَ: به قُتلَ زيد بن الخطاب رضي الله عنه) [14] . وقال عبد المؤمن البغدادي: (أُباض: بضم الهمزة، وتخفيف الباء الموحَّدة، وألف وضاد معجمة: اسم قرية بالعِرض عرض اليمامة، بها كانت وقعة خالد رضي الله عنه بمسيلمة) [15] . وقال أبو عبد الله محمد الحميري: (أُباض: قرية من قرى اليمامة لبني حنيفة فيها، كانت وقعة خالد بن الوليد رضي الله عنه ومسيلمة) [16] . وقال الزبيدي: (قالَ ياقوت: «لَمْ يُرَ أَطْوَلُ من نَخِيلِها»، قالَ: «وعندَها كانت وَقعَةُ خالدِ بنِ الوليدِ بمسيلمةَ الكذَّابِ، وأنشد: كأنَّ نَخلاً من أُباضَ عُوجَا *** أَعناقُها إذ هَمَّتِ الخُرُوجا» زاد في اللسان: وقد قيلَ: بهِ قُتلَ زيدُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه [17] وقال ابن بليهد: (أُباض: قال ياقوت: «أُباض» اسم قرية بالعِرض، «عرض اليمامة، بها نخلٌ لم يُرَ نخل أطول منها، وعندها كانت موقعة خالد بن الوليد رضي الله عنه مع مسيلمة الكذاب» ... وزاد البكري في عبارته على «أُباض»: هو وادٍ باليمامة، وبه قُتلَ زيد بن الخطاب رضي الله عنه... إن «أُباض» باقية إلى هذا العهد بهذا الاسم، ولكنه حُرِّف تحريفاً قليلاً، وأصبح يُقال له الآن: «بُوْضَى»، والنخيل التي ذكرها صاحب المعجم والتي قال فيها: إنه لم يُرَ نخل أطول منها، فالنخل الآن لم يبقَ منه إلا أُصوله، وسيل هذا الوادي يَصبُّ في وادي «الْجُبَيلَة») [18] . وقال الأستاذ عبد الله بن محمد بن خميس مبيناً الاختلاف في معرفة موقع مقبرة شهداء الصحابة رضي الله عنهم: (الْجُبيْلَة: تصغير «جَبَلَة»، قرية صغيرة متأخرة الآن واقعةٌ في أنف «جبل» «سَدْحة» الجنوبي الشرقي، تُشرف على وادي حنيفة من الناحية الجنوبية، وتُشرف على «عَقْرَباء» [19] من الناحية الشرقية الجنوبية، ولا يبعد أن تكون تسميتها لتعلُّقها بأنف هذا الجبل، يجتازها طريقُ «العُيَيْنَة» و «سَدُوس» و «الْحَيْسيَّة»... ولا شكَّ أن اسمها الآن مُحدث، وإلا فهي جانب من عقرباء «حديقة مسيلمة»... والمشهور بين الناس أن قبور هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم تقع في الجبانة المقابلة للجبيلة، بينها وبينهما وادي حنيفة على عدوته الجنوبية طغت السيول في سنين متعاقبة فأكلت الجرف الذي فوقه الجبانة وذهب بعض القبور، وبعضها بقيت لُحودها بيِّنة تُرى العظام خلالها، المستفيض بين الناس أن هذه هي قبور الصحابة، ولكنَّ والدي حدَّثني وقد ذهبتُ معه في زيارة للجبيلة وأنا تقريباً في سن الثانية عشرة، قال: إن الناس يُخطئون حينما يقولون أن هذه القبور التي وصفتُ مكانها الآن: هي قبور الصحابة، تعال أُريك قبور الصحابة، فأخذني إلى تلعة شمال بلدة الجبيلة قريب منها تسيل على طرف عقرباء الجنوبي، فقال: إن هذه القبور هي قبور الصحابة وهي قبورٌ دارسة. إلا أنني أستبعد أن تكون مضت عليها هذه الأحقاب ولا تزال محتفظةً ببعض معالمها، رغم أنها مكشوفةٌ وتلح عليها عوامل التعرية، وهي أيضاً في مسيل تلعة؟!) [20] . وقال الدكتور إحسان العمد: («حديقة الموت» التي تحصَّن فيها بعض فلول بني حنيفة، بعد هزيمتهم في موقعة عقرباء، وكانت حديقة الموت بستاناً مُسوَّراً على مَقْرُبةٍ من مدينة حجر عاصمة اليمامة، وقد عُرفت باسم «أُباض»، ثمَّ آلت ملكية هذه الحديقة لمسيلمة الكذاب، الذي عُرفَ برحمان اليمامة، فكان بنو حنيفة يُسمُّون حديقته «حديقة الرحمان»، ثمَّ أُطلقَ عليها بعد ذلك اسم حديقة الموت «لكثرة مَنْ قُتلَ فيها» من بني حنيفة ومن المسلمين) [21] . فمن أينَ جاءَ الْخَلَفُ بتحديد موضع مقبرة شهداء اليمامة رضي الله عنهم، وتحديد قبر زيد رضي الله عنه؟!. [1] ( ونُسي اليوم والحمد لله - بفضل الله ثمَّ - بأسباب دعوة الشيخ محمد قدَّس اللهُ روحه، وجزاه عنَّا وعن المسلمين أفضل الجزاء ) مجموع فتاوى شيخنا ابن باز رَحِمَهُ اللهُ 8/ 19. [2] (وادي حنيفة من أهم أودية إقليم نجد، وينبع عند درجة عرض 25 ْ شمالاً تقريباً، ويتجه صوب الجنوب الشرقي حيث يلتقي بوادي السهباء عند درجة عرض 20 - 24 ْ شمالاً، ويصل طول وادي حنيفة إذا ما أُضيفت إليه أوديته الرئيسية إلى 600 كيلو متر تقريباً، ويمتد حوض هذا الوادي بحذاء الحافة الشرقية لجبال طويق وتُقدَّر مساحة حوضه بنحو 3450 كيلو متر تقريباً، وترجع أهمية وادي حنيفة إلى اتساع مساحة حوضه، وانتشار المزارع ومناطق العمران على طول امتداده منذ عدة قرون) أودية نجد وسدودها للدكتور محمد محمدين. مجلة كلية الآداب بجامعة الرياض م 5 ص 28 عام 1977 - 1978م. [3] الضياء الشارق في ردِّ شبهات الماذق المارق ص 126 للشيخ سليمان بن سحمان ت 1349 رَحِمَهُ اللهُ. تحقيق: عبد السلام بن برجس ت 1425. طبع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء ط 5 عام 1414. [4] (أباض: وادٍ يُعرف الآن باسم «بَوْضا» من روافد العِرض، في أعلاه، وبقربه وادٍ يُدعى «الهُدَيدير»، ويُعرف قديماً باسم الهَدَّار، فيه وُلد مسيلمة الكذاب) مدينة الرياض عبر أطوار التاريخ ص 41 هامش 2. للمؤرخ الأستاذ حمد الجاسر. دارة الملك عبد العزيز طبع سنة 1422. [5] فتوح البلدان 1/ 127 لأبي العباس أحمد بن يحيى البلاذري ت279. تحقيق: عبد الله الطباع وعمر الطباع. مؤسسة المعارف. طبعة عام 1407. [6] تاريخ الطبري المسمَّى (تاريخ الرسل والملوك) 3/ 300-301 تحقيق: محمد أبو الفضل. دار المعارف بمصر ط2. [7] كتاب صفة جزيرة العرب ص162 للحسن الهمداني ت 334. طبع بمطبعة بريل بمدينة ليدن سنة 1884م. وفي طبعة مكتبة الإرشاد بصنعاء ط1 عام 1410 ص 275. تحقيق: محمد الحوالي. [8] كتاب العفو والاعتذار ص 137 لأبي الحسن محمد بن عمران العبدي المعروف بالرَّقام البصري صاحب ابن دريد المتوفى سنة 321. تحقيق: عبد القدوس أبو صالح. دار البشير ط3 عام1414. [9] (العِرْض: وادي اليَمَامَة، ويُقال لكلِّ وادٍ فيه قُرىً ومياهٌ: عِرْض... وقال شِمر: أعراض اليَمامَة هيَ بطونُ سوادِها حيثُ الزرعُ والنخل) تهذيب اللغة 1/ 458 للأزهري ت370. تحقيق: عبد السلام هارون ت1408 وآخرين. الدار المصرية. طُبع الجزء الأول سنة 1384. [10] المحكم والمحيط الأعظم 8/ 226 لعلي بن إسماعيل ابن سيده ت458. تحقيق: عبد الحميد هنداوي. دار الكتب العلمية ط1 عام 1421. [11] مُعْجَم ما استَعْجَم من أسماء البلاد والمواضع 1/ 94. لأبي عبيد البكري الأندلسي ت487 . تحقيق: مصطفى السقا. عالم الكتب ط3 عام1403. [12] لباب الآداب ص178 للأمير أسامة بن منقذ ت584. تحقيق الشيخ: أحمد شاكر. مكتبة السنة طبع عام1407. [13] معجم البلدان 1/ 60 لأبي عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي ت626. دار صادر، ببيروت. طبعة عام 1397. [14] لسان العرب 7/ 111 (أبض). ل ابن منظور ت711. دار صادر ط3 عام 1414. [15] مراصد الاطِّلاع على أسماءِ الأمكنةِ والبقاع 1/ 8 لعبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي ت739. تحقيق: علي البجاوي. دار الجيل ط1 عام 1412. [16] الروضُ الْمِعْطار في خبر الأقطار ص22. مكتبة لبنان. [17] تاج العروس 18/ 220 لمحمد المرتضى الزبيدي ت1205. تحقيق: عبد الكريم العزباوي. مطبعة حكومة الكويت سنة 1399. [18] صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار 3/ 47. لمحمد بن عبد الله بن بليهد ت1377. دار عبد العزيز آل حسين ط3 عام 1418. [19] (عقرباء: سُمِّيت بهذا الاسم لأنها وادي يُشبه العقرب، وهي لا تزال تحمل هذا الاسم إلى الوقت الحاضر قُرب الجبيلة) قضاة نجد أثناء العهد السعودي (3) ص93 - 94 بقلم: منصور بن عبد العزيز الرشيد. دارة الملك عبد العزيز مج4 ع4 سنة 1978م. (وقال ضرارُ بنُ الأزوَرِ في يومِ اليمامةِ: ولو سُئلتْ عنَّا جَنُوبُ لأَخبَرَتْ *** عَشيَّةَ سالت عَقْرَباءُ ومَلْهَمُ) تاريخ الطبري المسمَّى (تاريخ الرسل والملوك) 3/ 297. تحقيق: محمد أبو الفضل. دار المعارف بمصر ط2. [20] معجم اليمامة 1/ 264 (الجبيلة) لعبد الله بن محمد بن خميس ت1432 رَحِمَهُ اللهُ ط1 عام 1398. طبع على نفقة الأمير سلطان بن عبد العزيز ت1432 رَحِمَهُ اللهُ. [21] حركة مسيلمة الحنفي ص63 لأستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الكويت عضو اتحاد المؤرخين العرب الدكتور إحسان صدقي العمد. حوليات كليات الآداب - الحولية العاشرة - 1409.
ممن قيل في ترجمته أُحرقت أو احترقت كتبه
بكر البعداني
01-06-2019
3,204
https://www.alukah.net//culture/0/134611/%d9%85%d9%85%d9%86-%d9%82%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%aa%d9%87-%d8%a3%d9%8f%d8%ad%d8%b1%d9%82%d8%aa-%d8%a3%d9%88-%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b1%d9%82%d8%aa-%d9%83%d8%aa%d8%a8%d9%87/
ممن قيل في ترجمته أُحرقت أو احترقت كتبه • أحمد بن عبدالوارث بن جرير بن عيسى، أبو بكر العسال المصري الأسواني : "وكان ثقة احترقت كتبه، وبقي منها أربعة أجزاء، وعاش بعد احتراقها نحو سنة واحدة" ؛ الأنساب (١/ ٢٥٢) ، وعنه إرشاد القاصي، رقم: (١٣٦) . • الحسن بن العدل، أبو البركات هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن صصرى: "وقد احترقت كتبه بالكلاسة، ثم إنه وقف خزانة أخرى.." ؛ سير أعلام النبلاء (١٥/ ٤٠٣) . • الفضل بن الحباب، أبو خليفة الجمحي : "قال أبو يعلى الخليلي: احترقت كتبه، منهم مَنْ وثَّقَه، ومنهم من تكلَّم فيه، وهو إلى التوثيق أقرب" ؛ لسان الميزان (٤/ ٤٣٨) ، وانظر: الإرشاد (٢/ ٥٢٦) . • حمزة بن علي بن حمزة بن فارس الإمام، شيخ القراء أبو يعلى ابن القبيطي الحراني : "وكتب وتعب وحصل الأصول؛ لكن احترقت كتبه، وكان مليح الكتابة.." ؛ سير أعلام النبلاء (١٦/ ٢٠) ، والوافي بالوفَيَات (١٣/ ١٠٨) . • عبدالله بن لهيعة بن عقبة بن قرعان، أبو عبدالرحمن الحضرمي المصري : "قال عمرو بن علي: عبدالله بن لهيعة احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك، وعبدالله بن يزيد المقري أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت الكتب" ؛ الجرح والتعديل (٥/ ١٤٧) ، وتاريخ الإسلام (١١/ ١١٨) ، والمجروحين (٢/ ١١) ، والكامل (٥/ ٢٣٩) . • عبدالرحمن بن عمرو بن أبي عمرو، واسمه: يحمد الشامي، أبو عمرو الأوزاعي الفقيه: "وقال الوليد بن مسلم - فيما رواه أبو عوانة في صحيحه-: احترقت كتبه زمن الرجفة.." ؛ تهذيب التهذيب . • عبدالعزيز بن عمران بن عبدالعزيز بن عمر بن عبدالرحمن بن عوف الزهري المدني الأعرج، يُعرَف بابن أبي ثابت : "وقال عمر بن شبة في أخبار المدينة: كان كثير الغلط في حديثه؛ لأنه احترقت كتبه، فكان يُحدِّث من حفظه" ؛ تهذيب التهذيب، وتقريب التهذيب . • عبدالوهاب بن جعفر بن علي، أبو الحسين بن الميداني، الدمشقي المحدث : "قال الكتاني: ذكر أنه كتب بمائة رطل حبر، احترقت كتبه وجدَّدَها" ؛ تاريخ الإسلام (٢٨/ ٢٦٢) ، وسير أعلام النبلاء (١٣/ ١٨١) ، ولسان الميزان (٤/ ٨٦) . • سراج الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبدالله الأنصاري الأندلسي الوادي آشي، ثم المصري، المعروف بابن الملقن : "وكان جمَّاعة للكتب جدًّا، ثم احترق غالبها قبل موته، وكان ذهنه مستقيمًا قبل أن تحترق كتبه، ثم تغيَّر حالُه بعد ذلك.." ؛ شذرات الذهب (٩/ ٧٢) . • أبو القاسم الخرقي عمر بن الحسين البغدادي الحنبلي، صاحب المختصر : " خرج من مدينة السلام لما ظهر فيها سبُّ الصحابة رضوان الله عليهم، وأودع كتبه في درب سليمان، فاحترقت الدار التي كانت فيها.." ؛ شذرات الذهب (٤/ ١٨٧) . • محمد بن أحمد بن محمد بن عبدالرحمن، أبو الفتح المصري: "واحترقت كتبه دفعات، وروى شيئًا يسيرًا.." ؛ الأنساب (١٢/ ٢٩٠) ، والمنتظم في تاريخ الملوك (١٤/ ٨٦) ، وتاريخ بغداد (٢/ ٢١٦) ، وميزان الاعتدال (٣/ ٤٦٣) ، ولسان الميزان (٥/ ٥٣) . • محمد بن عبدالله بن عتاب، أبو عبدالله، يعرف بابن المقري: "وكان بنو عبيد ضربوه، وردوه على السنة، وأحرقوا كتبه" ؛ ترتيب المدارك (٧/ ٩٠) . • محمد بن علي بن أحمد بن رستم، أبو بكر المادرائي الكاتب : "واحترقت كتبه في إحراق داره، وبقي له منها شيءٌ عند بعض الكتاب.." ؛ تاريخ بغداد (٤/ ١٣٦) ، والأنساب (١٢/ ١٤) ، والمنتظم في تاريخ الملوك (١٤/ ١٠٧) ، وتاريخ ابن يونس (٢/ ٢١٩) ، وسير أعلام النبلاء (١٢/ ٥٣) . • أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري: "وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسَّك فأحرقها؛ قاله في العبر. وقال ابن الأهدل: فاحترقت كتبه، فلما رجع إلى علمه الأول، لم يكن عنده إلا ما حفظه"؛ شذرات الذهب (٢/ ٢٤٩) .
وفاة فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد رحمه الله
خاص شبكة الألوكة
28-05-2019
4,305
https://www.alukah.net//culture/0/134558/%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a9-%d9%81%d8%b6%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%af%d8%b1-%d8%b4%d9%8a%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
وفاة فضيلة الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد - رحمه الله - انتقل إلى رحمة الله العلامةُ الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد ، أحد علماء المملكة وفقهائها البارزين. وذلك في هذا اليوم: الإثنين، الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك. ومن المقرر أن يُصلى عليه غدًا الثلاثاء، بعد العصر، بجامع الملك خالد بالرياض. وكان الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد إمامَ الحرم النبوي السابق، والأستاذ السابق بكلية الشريعة في الرياض، ومدرسًا في المسجد النبوي الشريف. وقد ترك الشيخ عددًا من المؤلفات، وتخرج على يده معظم مشايخ المملكة. فقد ولد في مصر يوم 20/ 6/ 1339هـ، ودرس في كلية الشريعة بالأزهر الشريف. وبعد مسيرة عمل في مصر انتقل إلى المملكة مكونًا مسيرةً حافلة بالإنجازات. رحمه الله رحمة واسعة، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا، وخلفَ على الأمة بخير.
من روى عن ألف شيخ
بكر البعداني
27-05-2019
5,413
https://www.alukah.net//culture/0/134543/%d9%85%d9%86-%d8%b1%d9%88%d9%89-%d8%b9%d9%86-%d8%a3%d9%84%d9%81-%d8%b4%d9%8a%d8%ae/
من روى عن ألف شيخ • أحمد بن الفرات بن خالد، أبو مسعود الرازي : قال إبراهيم بن محمد الطحان: "سمِعتُ أبا مسعود يقول: كتبتُ عن ألف وسبعمائة شيخ، أدخلت في تصنيفي ثلاثمائة وعشرة، وعطلت سائر ذلك"؛ تاريخ الإسلام (١٩/ ٣٣)، وتذكرة الحفَّاظ (٢/ ٩٧)، وتهذيب التهذيب (١/ ٦٦). وفي تاريخ ابن عساكر (٥/ ١٥٤): "كتبتُ عن ألف وسبعمائة وخمسين رجلًا، أدخلتُ في تصنيفي ثلاثمائة وعشرة، وعطلت سائر ذلك". • أحمد بن جعفر الأصبهاني الحافظ : قال: "كتبتُ عن أكثر من ألف شيخ"؛ تاريخ الإسلام (٢٧/ ٢٤٠). • أحمد بن عبدالملك بن علي بن أحمد، أبو صالح المؤذن النيسابوري : قال زاهر بن طاهر: "خرَّج أبو صالح المؤذن ألف حديث عن ألف شيخ"؛ المنتظم في تاريخ الملوك (١٦/ ١٩٣). وقال في العبر في خبر من غبر (٢/ ٣٢٧): "وله ألف حديث، عن ألف شيخ"، وشذرات الذهب (٥/ ٣٠١). وقال زاهر الشحامي: "خرَّج أبو صالح ألف حديث عن ألف شيخ له"؛ تاريخ الإسلام (٣١/ ١٧٨)، وفي البداية والنهاية (١٢/ ١١٨): "كتب عن ألف شيخ". • أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الأصبهاني الجرواني، أبو طاهر السلفي : في سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٨١_٢٨٢): "قرأتُ بخط عمر بن الحاجب أن "معجم السفر" للسلفي يشتمل على ألفي شيخ". • أحمد بن محمد بن تهيون: أبو بكر الفارسي، يُقال له: بلبل. قال: "كتبتُ عن ألف شيخ، وخرَّجْتُ عن كل شيخ حديثًا"؛ تاريخ الإسلام (٣٠/ ٢٦٣). • الحسن بن علي بن محمد البغدادي، أبو علي: "له معجم عن ألف شيخ"؛ الوفيات (٢/ ١٣٧)؛ لابن رافع. وفي الدرر الكامنة (٢/ ١٣٣): "وأكثر من المشايخ جدًّا حتى خرج له شمس الدين بن سعد مشيخة عن ألف شيخ". • إسماعيل بن إبراهيم بن سالم نجم الدين، أبو الفداء، ينتهي نسبُه إلى عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي الصالحي الحنبلي: في شذرات الذهب (٨/ ١٦): "وخرج لنفسه مشيخة في مائة جزء عن أكثر من ألفي شيخ". • إسماعيل بن علي الحافظ، أبو سعيد السمان : في لسان الميزان (١/ ٤٢٣): "وله تصانيف وحفظ واسع ورحلة كبيرة ومشائخ يجاوزون ثلاثة آلاف على ما قال"، وفيه عن بعضهم: "..وكان له ثلاثة آلاف وستمائة شيخ ولم يتأهل". وفي الوافي بالوفيات (٩/ ٩٤): "وقرأ على ألف وثلاثمائة شيخ، وقرأ عليه ثلاثة آلاف". وفي تذكرة الحفَّاظ (٣/ ٢١٣) ناقلًا: "وكان له ثلاثة آلاف وستمائة شيخ". • سليمان بن أحمد بن أيوب: أبو القاسم الطبراني، الحافظ الكبير، صاحب المعاجم الثلاثة : قال ابن خَلِّكَان في وفَيَات الأعيان (٢/ ٤٠٧): "وعدد شيوخه ألف شيخ"، وعنه صاحب شذرات الذهب (٤/ ٣١٠)، ونقله عنه في البداية والنهاية (١١/ ٢٧٠) بلفظ: "سمِعَ من ألف شيخ"، وفي تذكرة الحفاظ (٣/ ٨٥): "وحدَّث عن ألف شيخ أو يزيدون"، وفي سير أعلام النبلاء (١٢/ ٢٠٢): "وسمِعَ نحو ألف شيخ أو يزيدون"، وفي الأنساب (٩/ ٣٥): "وجمع شيوخه الذين سمِعَ منهم، وكانوا ألف شيخ". • سليمان بن داود البصري، أبو داود الطيالسي الحافظ صاحب المسند : قال: "كتبتُ عن ألف شيخ"؛ العبر في خبر من غبر (١/ ٢٧١)، وتاريخ الإسلام (١٤/ ٩١)، وتذكرة الحفاظ (١/ ٢٥٧). • سعيد بن محمد بن أحمد بن سعيد، أبو القاسم الأصبهاني البقَّال : قال في تاريخ الإسلام (٢٩/ ٢١٩): "معجمه ألف شيخ". • سيامرد النهاوندي : قال: "كتبت عن ألف شيخ"؛ تاريخ الإسلام (١٩/ ٢٢) • عثمان بن محمد بن عثمان بن أبي بكر التوزري، ثم المصري المالكي، فخر الدين أبو عمر المغربي: "أخذ عن ألف شيخ"؛ تذكرة الحفاظ (٤/ ١٩٧)، وقال في معجم الشيوخ (١/ ٤٣٧): "وذكر أن شيوخه نحو من ألف شيخ"، وفي البداية والنهاية (١٤/ ٦٩): "أجازه خَلْقٌ يزيدون على ألف شيخ". • عبدالله بن المبارك : قال: "كتبتُ عن ألف شيخ ومائة شيخ"؛ البداية والنهاية (١٠/ ١٣٤)، وشذرات الذهب (٢/ ٢٧٤)، والعبر في خبر من غبر (١/ ١٨١)، وتاريخ الإسلام (١٠/ ١٢٢). وفي سير أعلام النبلاء (٧/ ٣٧٦): "عن ابن المبارك، قال: حملت العلم عن أربعة آلاف شيخ، فرويت عن ألف شيخ". • عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور السعدي الصالحي المقدسي الحنبلي بن المحب محب الدين أبو محمد: في شذرات الذهب (٨/ ٢٠١): "وذكر أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحوٌ من ألف شيخ"؛ وانظر: ذيل طبقات الحنابلة (٥/ ٦٧)؛ للسلامي. • عبدالله بن عدي بن عبدالله بن محمد بن مبارك الجرجاني، أبو أحمد : "زاد معجمه على ألف شيخ"؛ تذكرة الحفاظ (٣/ ١٠٢)، وسير أعلام النبلاء (١٢/ ٢٢٥). • عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز بن المرزبان بن سابور، أبو القاسم البغوي الأصل البغدادي : قال أبو أحمد الحاكم: "سمِعتُ البغوي يقول: ورقت لألف شيخ"؛ تاريخ الإسلام (٢٣/ ٣٩٣)، وتذكرة الحفاظ (٢/ ٢١٨). • عبدالكريم بن عبدالنور بن منير الحلبي، قطب الدين : في الأعلام للزركلي: "ومشيخة في عدة أجزاء، اشتملت على ألف شيخ". • عبدالكريم بن محمد بن منصور بن محمد بن عبدالجبار بن الفضل بن الربيع بن مسلم بن عبدالله السمعاني، أبو سعد، تاج الإسلام، صاحب كتاب الأنساب: قال ابن النجار: "سمِعتُ مَنْ يذكر أن عدد شيوخه سبعة آلاف شيخ، وهذا شيء لم يبلغه أحد"؛ شذرات الذهب (٦/ ٣٤١)، وتذكرة الحفاظ (٤/ ٧٥)، وسير أعلام النبلاء (١٥/ ١٩٣)، وطبقات الشافعية الكبرى (٧/ ١٨٢). وفي تاريخ بغداد (٢١/ ١٢٩): "وجمع معجمًا لشيوخه في عشر مجلدات كبار، سمِعتُ مَنْ يذكر أن عددهم سبعة آلاف شيخ". • عبدالمهيمن بن محمد بن عبدالمهيمن، أبو محمد الحضرمي : في الأعلام للزركلي: "قال ابن القاضي: تقدَّم في علم الحديث، وضبط رجاله، يحمل عن ألف شيخ قد حلاهم وذكرهم في مشيخة ضاعت من يده، وذهب بضياعها علمٌ كثيرٌ". • عبدالمؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف الدمياطي، أبو أحمد، وأبو محمد شرف الدين: في الدرر الكامنة (٣/ ٢٢٢): "وبلغ عدد مشايخه ألف شيخ ومائتي شيخ وخمسين شيخًا". وفي البداية والنهاية (١٤/ ٤٠): "وجمع معجمًا لمشايخه الذين لقيهم بالشام والحجاز والجزيرة والعراق وديار مصر يزيدون على ألف وثلاثمائة شيخ، وهو مجلدان". • عبدالعزيز بن عمر بن محمد، الشهير كأبيه وسلفه بابن فهد، أبو الخير وأبو فارس، عز الدين الهاشمي: في الأعلام للزركلي: "ومعجم شيوخه نحو ألف شيخ". • علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، أبو القاسم الدمشقي الشافعي، صاحب: تاريخ دمشق: في شذرات الذهب (١/ ٤٤): "وذكر بعض المؤرخين بأن عدة الشيوخ الذين سمِعَ منهم ألف وثلاثمائة شيخ، وثمانون امرأة". وفي طبقات الشافعية الكبرى (٧/ ٢١٦): "وسمِعَ خلائقَ، وعدة شيوخه ألف وثلاثمائة شيخ، ومن النساء بضع وثمانون امرأة". وفي تذكرة الحفاظ (٤/ ٨٣): "وعدد شيوخه ألف وثلاثمائة شيخ، ونيف وثمانون امرأة". وقال الحافظ الذهبي رحمه الله أيضًا في سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٤٨): "وعدد شيوخه الذي في معجمه ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخًا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخًا بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن "معجم" صغير سمِعْناه". • علي بن محمود بن إبراهيم بن ماخرة، أبو الحسن الزوزني : كان يقول: "صحبتُ ألف شيخ"؛ المنتظم في تاريخ الملوك (١٦/ ٥٩)، والبداية والنهاية (١٢/ ٨٤)، والوافي بالوفَيَات، والأنساب (٤/ ١٧٣). • عمر بن أبي الحسن عبدالكريم بن سعدويه الدهستاني، أبو الفتيان الرواسي : قال ابن نقطة في كتابه الاستدراك: "سمِعتُ غير واحد من أهل العلم، أن أبا الفتيان سمِعَ من ثلاثة آلاف وستمائة شيخ"؛ تاريخ الإسلام (٣٥/ ٥٦)، وتذكرة الحفاظ (٤/ ٢٥). • عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي ابن الحاجب عز الدين، أبو الفتح : قال في العبر في خبر من غبر (٣/ ٢٠٧): "وخرج لنفسه معجمًا حافلًا في بضعة وستين جزءًا"، وشذرات الذهب (٧/ ٢٤٣). وفي تذكرة الحفاظ (٤/ ١٦٤): "وعمل المعجم عن ألف ومائة وثمانين شيخًا". • القاسم بن محمد بن البرزالي مُؤرِّخ الشام الشافعي علم الدين، أبو محمد: قال في البداية والنهاية (١٤/ ١٨٥): "وسمِعَ الكثير أزيد من ألف شيخ". • محمد بن أبي يعقوب إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، واسم منده: إبراهيم بن الوليد بن سنده بن بطة بن استندار الحافظ الكبير، أبو عبدالله العبدي الأصبهاني: كان يقول: "كتبتُ عن ألف شيخ"؛ المنتظم في تاريخ الملوك (١٤/ ١٣٠)، والعبر في خبر من غبر(٢/ ٨٢)، وتاريخ الإسلام (٢٥/ ٢٣٦)، والبداية والنهاية (١١/ ٢٣٧). وفي طبقات الحنابلة (٢/ ١٦٧)؛ لأبي يعلى: "وبلغني عنه أنه قال:" كتبت عن ألف شيخ وسبعمائة شيخ". • محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن مرزوق التلمساني المالكي، أبو عبد الله العجيسي : وفي شذرات الذهب (٨/ ٤٦٨): "واعتنى بذلك، فبلغت شيوخه ألفي شيخ". • محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري : قال: "كتبت عن ألف شيخ"؛ المنتظم في تاريخ الملوك (١٢/ ١١٥). وفي البداية والنهاية (١١/ ٢٥): "وكتب عن أكثر من ألف شيخ". وفي تاريخ الإسلام (١٩/ ١٧٦): عن مهيب بن سليم أنه سمِعَ محمد بن إسماعيل يقول: "كتبتُ عن ألف شيخ أو أكثر"، وفيه (١٩/ ١٧٨): "فأمليتُ ألف حديث عن ألف شيخ". وقال رحمه الله في العبر في خبر من غبر (١/ ٣٦٨): "..فسمع مكيَّ بن إبراهيم، وأبا عاصم النبيل، وخلائقَ عدتهم ألف شيخ". • محمد بن جمال الدين رافع بن هجرس بن محمد بن شافع السلَّامي - بتشديد اللام- العميدي، تقي الدين أبو المعالي: في الدرر الكامنة (٥/ ١٨٠): "وجمع معجمه في أربع مجلدات، وهو في غاية الإتقان والضبط، مشحون بالفوائد، ويشتمل على أزيد من ألف شيخ". وفي شذرات الذهب (٨/ ٤٠٣): "وعمل لنفسه معجمًا في أربع مجلدات، وهو في غاية الإتقان والضبط، مشحون بالفضائل والفوائد، مشتمل على أكثر من ألف شيخ"، وانظر: طبقات الشافعية (٣/ ١٢٤)؛ لابن قاضي شهبة. • محمد بن حبان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدبة بن مرة، أبو حاتم التميمي البستي: قال في كتابه التقاسيم والأنواع: "لعلَّنا كتبنا عن ألف شيخ ما بين الشاش والإسكندرية"؛ طبقات الشافعية الكبرى (٣/ ١٣١). وفي الوافي بالوفيات (٢/ ٢٣٦): "قال ابن حبان في كتاب الأنواع والتقاسيم: "ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألف شيخ". وفي طبقات الشافعية (١/ ١٣١)؛ لابن قاضي شهبه: "رحل الكثير، وسمِعَ من أكثر من ألفي شيخ". • محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه بن نعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري، الحافظ أبو عبدالله الحاكم، المعروف بابن البيع: قال في تاريخ الإسلام (٢٨/ ٧٧): "وشيوخه الذين سمِعَ منهم بنيسابور وحدها نحو ألف شيخ، وسمِعَ بالعراق وغيرها من البلدان من نحو ألف شيخ". وفي سير أعلام النبلاء (١٢/ ٥٧١): "وسمِعَ من نحو ألفي شيخ، ينقصون أو يزيدون، فإنه سمِعَ بنيسابور وحدها من ألف نفس". وفي طبقات الشافعية الكبرى (٤/ ١٥٦): "وشيوخه الذين سمِعَ منهم بنيسابور وحدها نحو ألف شيخ، وسمِعَ بغيرها من نحو ألف شيخ أيضًا". وفي العبر في خبر من غبر (٢/ ٢١١): "وكتب عن نحو ألفي شيخ". • محمد بن عبدالواحد بن محمد الأصبهاني، أبو عبدالله الدقَّاق المفيد الرحال : قال: "فأما الذين كتبتُ عنهم بأصبهان فأكثر من ألف شيخ، وكتبتُ في الرحلة عن أكثر من ألف أخرى، فقد سمِعْتُ بهراة ونيسابور من ستمائة"؛ سير أعلام النبلاء (١٤/ ٣٤٥). • محمد بن علي بن عثمان بن لسنان الغزنوي : قال الحافظ الذهبي رحمه الله في ميزان الاعتدال (٣/ ٦٥٢): "فاضل، وعظ بخوارزم، وزعم - بقلة حياء- أنه سمِعَ من ألف وسبعمائة شيخ!". • مسلم بن إبراهيم، أبو عمر البصري الأزدي الفراهيدي مولاهم : قال أبو داود: "كتب عن قريب من ألف شيخ"؛ تاريخ الإسلام (١٦/ ٢٤٢)، وسير أعلام النبلاء (٨/ ٣٩٧)، وتهذيب الكمال (٢٧/ ٤٩١). • موسى بن إسماعيل المنقري مولاهم، أبو سلمة التبوذكي البصري : قال أبو جعفر محمد بن محمد: "سمِعْتُ أبا سلمة يقول: كتبت عن نحو ألف شيخ"؛ إكمال تهذيب الكمال (١٢/ ٨). • هشام بن عبيدالله الرازي : في ميزان الاعتدال (٤/ ٣٠٠)، ولسان الميزان (٦/ ١٩٥): "قال: لقيت ألفًا وسبعمائة شيخ"، وتذكرة الحفاظ (١/ ٢٨٤). • الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي دياز، أبو العباس العمري الأندلسي السرقسطي : لقي في رحلته فيما ذكر: "أزيد من ألف شيخ"؛ العبر في خبر من غبر (٢/ ١٨٤)، وتاريخ الإسلام (٢٧/ ٢٠٥)، وتذكرة الحفاظ (٣/ ١٨٧)، وبنحوه في شذرات الذهب (٤/ ٤٩٥). • يعقوب بن سفيان بن حران، أبو يوسف بن أبي معاوية الفارسي الفسوي : قال: "كتبتُ عن ألف شيخ"؛ المنتظم في تاريخ الملوك (١٢/ ٩)، والعبر في خبر من غبر (١/ ٣٥٤)، وتاريخ الإسلام(١٨/ ٢٦)، وشذرات الذهب (٣/ ٢٢٢). وفي تهذيب الكمال (٣٢/ ٣٣٣): "قال أبو عبدالرحمن النهاوندي الحافظ: سمِعتُ يعقوب بن سفيان يقول: كتبتُ عن ألف شيخ وكسر، كلهم ثقات". وقال في البداية والنهاية (١١/ ٥٩): "وروى عن أكثر من ألف شيخ من الثقات". • يوسف بن الزكي عبدالرحمن بن يوسف بن عبدالملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر، الحلبي الأصل، المزي، أبو الحجاج جمال الدين الحافظ: قال في الدرر الكامنة (٦/ ٢٢٩): "ومشيخته نحو ألف شيخ"، ونحوه في البدر الطالع (٢/ ٣٥٣).
من الكتب المؤلفة في سورة الفرقان
عبدالعزيز سالم شامان الرويلي
20-05-2019
12,078
https://www.alukah.net//culture/0/134403/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%82%d8%a7%d9%86/
من الكتب المؤلفة في سورة الفرقان ١- تفسير سورة الفرقان: دراسة تحليلية/ حصة حسين العريني. ٢- تفسير سورة الفرقان: دراسة أسلوبية/ عزيز عدمان. ٣- سورة الفرقان وموقفها من الألوهية والنبوة وعباد الرحمن/ منيع عبدالحليم محمود. ٤- أضواء على سورة الفرقان/ للشريف محمود الإسكندري. ٥- الدعوة والداعية في ضوء سورة الفرقان/ لمحمد سعيد البارودي. ٦- سورة الفرقان وهداياتها الرفيعة/ منى عبدالحميد أبو زيد. ٧- تفسير سورة الفرقان/ لمحمد العثيمين. 8- القضايا النحوية والصرفية في سورتي "الفرقان والشعراء" من تفسير روح المعاني/ للعلامة الألوسي عبدالصبور إبراهيم أبو طالب. 9- منهجيات الإصلاح والتغيير في سورتي الفرقان والشعراء دراسة موضوعية/ هاني الجلب. 10- المعجزة والرسول من خلال سورة الفرقان/ مصطفى مسلم. 11- بلاغة النظم القرآني في سورة الفرقان/ فاطمة شحاته. 12- وصف عباد الرحمن في سورة الفرقان/ نور الهدى الأمين الحاج. 13- تفسير سورة الفرقان/ محمد البهي. 14- تفسير سورة الفرقان/ علي عثمان عبدالقوي. 15- لآلي البيان في تفسير سورة الفرقان/ عبدالظاهر عبدالباري عبيد. 16- سورة الفرقان عبر وعظات، وآيات وبراهين، صفات أولياء الله الصالحين/ أحمد محمد طاحون. 17- صفات عباد الرحمن في ضوء سورة الفرقان/ ربيع العشري. 18- فيض الرحمن في تفسير سورة الفرقان عرض وتحليل/ محمد محمد قاسم. 19- مع البيان القرآني في سورة الفرقان/ محسوب محمد سليمان فايد. 20- نظم الجمان في تفسير سورة الفرقان/ رشاد حسن علي. 21- أساليب الإقناع في القرآن الكريم مع دراسة تطبيقية لسورة الفرقان/ ابن عيسى عبدالقادر باطاهر. 22- أوصاف عباد الرحمن كما تحدثت عنها سورة الفرقان/ هناء عبدالعال الرفاعي. 23- الأسرار البلاغية في سورة الفرقان والشعراء/ زينب حسن محمد. 24- الخطاب الإلهي في سورة الفرقان/ زينب بشير الغصني. 25- القيم التربوية في ضوء سورة الفرقان/ طارق سيف ثابت. 26- المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها دراسة تطبيقية لسورة الفرقان، الشعراء، والنمل/ عدلي أحمد عطية البرش. 27- دور الأسرة المسلمة في تربية أولادها على صفات عباد الرحمن كما وردت بسورة الفرقان/ مسفر المالكي. 28- سورتا النور والفرقان دراسة صوتية ودلالية/ وفاء إبراهيم المتولي. 29- صفات عباد الرحمن كما تصورها سورة الفرقان/ رفعة أحمد الغامدي. 30- في تفسير سورة الفرقان/ محمد محمد أحمد عامر. 31- من بلاغة القرآن الكريم في سورة الفرقان/ هند القاضي. 32- منهج الدعوة إلى الله تعالى من خلال "سورة الفرقان"/ رفاعي سعد عبدالستار. 33- تفسير سورة الفرقان/ أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي (مخطوط). 34- حاشية على تفسير سورة الفرقان/ تاج الدين الحموي (مخطوط).
تاريخ الطب العربي
عبدالسلام تنبكجي
15-05-2019
11,026
https://www.alukah.net//culture/0/134295/%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a/
تاريخ الطب العربي إن علم التاريخ من أجل العلوم نفعًا، وأرفعها شأنًا، فهو المرآة لحوادث الزمان، والمشكاة لاستنارة الأذهان، والمنهاج لاهتداء الخلف بهدي السلف. وأما علم الطب فيقول عنه حاجي باشا: به تحصل حياة النفوس والأرواح، وصحة الأبدان والأشباح، وبه يكون الخلاص من الأمراض والأسقام، والمناص من الأعراض والآلام، ومحصوله لا يختلف باختلاف الأمكنة والأزمان، ويقول الدكتور محمود صدقي: وكان العرب قبل الإسلام يضعون مرضاهم في الأزقة، ومعابر الطرق حتى إذا مرَّ بهم أحد ممن أُصيب بنفس الداء، وشُفي منه، فيُعلمهم بالدواء الذي استعمله ضد هذا المرض، ويقول أبو القاسم صاعد الأندلسي: وكان العرب في صدر الإسلام لا يهتمون بشيء من العلم إلا بلغتهم، ومعرفة أحكام شريعتهم، عدا علم الطب، فإنه كان موجودًا عند أفراد منهم، غير منكر عند جماهيرهم، لحاجة الناس جميعًا إليه، ولما كان عندهم من الأثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث عليها؛ حيث يقول: (تداوَوْا عبادَ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لم يضعْ داءً إلا وضع له دواءً؛ غيرَ داءٍ واحدٍ، الهَرَمُ)، ويقول الدكتور أبو زيد شلبي: ولما انتشر الإسلام، واطمأن المسلمون إلى مدائن الأرض التي فتحوها، اتجهوا إلى العلوم والمعارف، فعُنوا بالطب عنايةً فائقة، واستوحوا كُتب مَن سبقهم من اليونان وغيرهم، ثم عدَّلوها وصحَّحوها، وأضافوا إليها أبوابًا جديدة لم يسبقهم إليها أحدٌ، فتقدم الطب على أيديهم تقدمًا ظاهرًا، وفرَّقوا بين الجدري والحصبة، وهما مرضان كان يُظن أنهما مرض واحد، ووصفوا الالتهاب السحائي؛ أي: البرسام الحاد، وميَّزوه عن سائر الأمراض المصحوبة بالهذيان، وجعلوا من الجراحة علمًا حقيقيًّا وفنًّا له أصول وقواعد، وعرَفوا طب الأسنان وخلْعها وحشوها، ونبغوا في علم التشريح، وهم أول من استعمل المرقد ( البنج ) في العمليات الجراحية، وأول من استخدم المرقاة لمنع النزيف الشرياني، وأول مَن ألَّف في الأقراباذين أو فن تحضير الأدوية، وأول من وصف الغرغرينا التي تصيب مرضى البول السكري، وأول من رأى بأن حدقة العين تكبر وتصغر تبعًا لنسبة دخول الضوء فيها، وعرَفوا الجهاز العصبي، وأدركوا منذ القرن الرابع الهجري ( العاشر الميلادي ) أن للحواس الظاهرة كالسمع والبصر واللمس والذوق - مغارزَ في الدماغ. ويخبرنا بعض الأطباء أنهم كانوا يعالجون الرشوحات المائية أو الاستسقاء بحفر حفرة في الأرض عمقها ثلاث أقدام، وطولها عشر، وعرضها قدمان، ويوقدون في تلك الحفرة نارًا من الصباح إلى المساء، وفي المساء يخرجون النار منها، ويجعلون فيها ترابًا، ثم يجردون المريض من ملابسه، ويرقدونه بتلك الحفرة ويغطون جسمه بالتراب إلا رأسه، ويبقى كذلك إلى الصباح، فيخرجونه وقد خرج الماء منه، وأصبح صحيحًا، والفحص الطبي عندهم لا يختلف كثيرًا عما هو عليه الآن. ويقول الدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور: والعلم الحديث مدين لهم باستعمال عقاقير وأدوية كثيرة؛ كالرواند، والكافور، والصندل، والكحول، والقرنفل، وجوز الطيب، والمر، والعنبر، وغيرها من الأشربة والمراهم. وفاقوا غيرهم في إقامة المشافي وترتيبها، والإنفاق والإشراف عليها، وكانت متاحة للجميع، ويعامل فيها الجميع أحسن معاملة. وكانت مقسمة إلى أقسام كثيرة: قسم للطب، وقسم للأمراض العفنة، وقسم للجراحة، وقسم للعيون. وكان بدمشق في ذلك العهد خمسة مشافٍ؛ منها: المشفى الذي أنشأه سيف الدين أبو الحسن علي بن يوسف بن أبي الفوارس بن موسك سنة 643 للهجرة، وكان مشهورًا بجمال موقعه، وحسن إدارته. ويخبرنا بعض المؤرخين قائلًا: إن الأمير المذكور طلب من طبيبه الخاص أن يختار أجمل بقعة وأجودها مناخًا ليقيم عليها المشفى، فاحتال الطبيب لها حيلة يُحبذها، ولا شك كل طبيب صحي في هذا الزمن، فقد عمَد إلى غلمانه وأمرهم أن يعلقوا في كل حي من أحياء دمشق قطعًا من اللحم، وقال: خير بقعة هي ما لبث اللحم فيها أكثر من غيرها دون فساد، وعمل في المشفى من الأطباء إبراهيم بن إسماعيل بن أبي القاسم، وابن مقداد القيسي. والمشفى الذي شيَّده نور الدين محمود أبو الثنا بن زنكي آق سنقر، ويقول الدكتور بشارة زلزل: إن نور الدين أسر بعض ملوك الإفرنج، وقصد قتله، ففدى نفسه بتسليم خمس قلاع وخمسمائة ألف دينار أنفقها نور الدين كلها على عمار مارستانه في دمشق، وقد امتدحه ابن بطوطة وابن جبير اللذان اعتبروه أحد مفاخر الإسلام، ولا تزال أبنيته قائمة إلى يومنا هذا. ويقول الدكتور سامي حداد: وعقد إدارته إلى أبي المجد بن أبي الحكم عبيدالله بن المظفر بن عبدالله الباهلي، وأطلق له جامكية وجراية. وكان أبو المجد يدور على المرضى ويتفقد أحوالهم، ويكتب لكل مريض ما يلزمه من الدواء والتدبير، فينفذ كل ذلك بلا تأخير، وكان يفرض عليهم منذ زمن المأمون والمعتصم اجتياز امتحان خاص يحدد كفاءاتهم. نعم لقد عُني المسلمون والعرب بالطب عناية فائقة، ونبغ منهم علماء كبار، وجهابذة أفذاذ أنسوا من كان قبلهم، ومهَّدوا السبيل لمن جاء بعدهم، وعلى أساس نظرياتهم وابتكاراتهم ومنجزاتهم، كانت النهضة الكبرى في القرن العشرين؛ أي الرابع عشر الهجري، فهم وحدَهم آباء هذا العلم، كما كانوا آباء غيره من العلوم في العصر الحديث، ونذكر منهم على سبيل المثال: ثياذوق الذي اصطفاه الحجاج بن يوسف لصحبته، وكان يثق بمداواته، وكان كريم الخلق، لطيف العشرة، سريع الخاطر والجواب، ويبدو أنه كان متأثرًا بالطب النبوي، ويُذكر أن الحجاج سأل جلساءه يومًا وكان من ضمن الحاضرين ثياذوق: أي الأشياء تُذهب الإعياء؟ فقال بعضهم: أكل التمر، وقال آخرون: التمريخ أو التدليك بالمصطلح الحديث، وقال: ثياذوق قضاء الحاجة، فقال الحجاج: صدقتَ. وسأله الحجاج: أي شيء دواء آكل الطين وقد اعتاد به؟ فقال: عزيمة مثلك أيها الأمير، فرمى الحجاج الطين ولم يعد إليه أبدًا، وله كتاب إبدال الأدوية؛ أي مزجُها. ويروي الرواة أنه نظم في علم الصحة قصيدة ظل الناس يتناقلونها، ومنها: توق إذا أُطعمت إدخال مطعم على مطعم من قبل فعل الهواضم وكل طعام يُعجز السن مضغه فلا تطعمنه فهو شر المطاعم ووفر على الجسم الدماء فإنها لأس بناء الجسم أقوى الدعائم ولا تتعرض للدواء وشربه مدى الدهر إلا عند إحدى العظائم وأقبل على الحمام في اليوم مرة وحافظ على هذا العلاج وداوم وأبو الحسن ثابت بن قرة بن مروان بن ثابت بن كرايا بن إبراهيم الحراني، ولم يكن في زمنه من يماثله في الطب، وكان جيد النقل إلى العربي، حسن العبارة. وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي دبر مشفى الري، ثم مشفى بغداد زمانًا، وكان يوصف بالبيمارستاني، ومن كلامه: الأطباء الأحداث الذين لا تجربة لهم قتالون، مهما قدرت أن تعالج بالأغذية، فلا تعالج بالأدوية، ومهما قدرت أن تعالج بدواء مفرد فلا تعالج بدواء مركب. ينبغي للطبيب أن يوهم المريض بالصحة، ويرجيه بها وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس. يجب على المريض أن يقتصر على طبيب يثق به، فخطؤه في جنب صوابه يسير؛ لأن من استعمل أطباء كثيرين وقع في خطأ الجميع. ويعتبر كتابه الحاوي في الطب من أوائل الكتب التي عُنيت بالملاحظات الإكلينيكية أكثر من عنايتها بالباثولوجيا والفيزيولوجيا. وذكر فيه المصادر التي نقل عنها بكل دقة وأمانة، ويقول الدكتور سامي حداد: الحاوي وهو أكبر مؤلفاته، قال أبو الفداء: إنه يقع في ثلاثين مجلدًا، لم يذكر ابن النديم منها سوى اثنى عشر فقط، وله أيضًا رسالة في الجدري والحصبة هي الأولى من نوعها. وأبو مروان عبدالملك بن أبي العلاء بن زهر ولد في إشبيلية، وعاش في عهد المرابطين ثم الموحدين مشتغلًا بالطب، ومن مؤلفاته كتاب الأغذية وهو أهمها. وأبو الحجاج يوسف بن حيدرة بن الحسن نزيل دمشق من أهل الرحبة، لازَم صلاح الدين أيام ملكه، ثم أخيه من بعده، ثم الملك المعظم، وقرأ عليه خلقٌ كثير اشتَهروا بالطب، وتميَّزوا به وكان كبير النفس، عالي الهمة، كثير التحقيق، محبًّا للخير. وأبو محمد عبدالله بن أحمد بن البيطار المالقي، رحل إلى المغرب وسوريا واليونان؛ ليرى النبات في موضعه، ويتحقق صفاته بالعيان، منكبًّا عن خطة التحدي والتقليد. ومن طالع كتابه الجامع لمفردات الأدوية والأغذية، تبيَّن ما كان عليه من ذكاء النفس وكثرة الحفظ، وصحة النقد وسعة المعرفة، وقد وصف فيه 1400 دواء؛ منها 300 عقار جديد، لم يكن للإغريق أي معرفة بها. وأبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم بن النفيس، وكان في الطب إمامًا لا يُضاهى ولا يُدانى استحضارًا واستنباطًا، اكتشف الدورة الدموية التي لم يوفق جالينوس إلى إثباتها، وقال: إن الدم يصل من تجويف القلب الأيمن إلى الرئة؛ حيث يمتزج بالهواء، ومن الرئة يصل إلى تجويف القلب الأيسر. وأبو محمد مهذب الدين عبدالرحيم بن علي الدخوار، خدم الملك العادل أبا بكر بن أيوب، فولَّاه رياسة الطب في مصر والشام، وفوَّض إليه النظر في أمر الكحالين، واعتبارهم، وامتحانهم، وكان يكتب لكل كحال منهم خطًّا بما يُحسنه من صناعة الكحل، فلا يجوز له أن يتجاوزه إلى عمل آخر، وكان له مجلس عام لتدريس الطب يجتمع إليه خلقٌ كُثُر من أعيان الأطباء يقرؤون عليه. وموفق الدين أبو العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن أبي أصيبعة، صاحب كتاب عيون الأنباء في طبقات الأطباء الذي لولاه لما بقِي من تاريخ الطب والأطباء أثر يذكر. لم يقتصر النبوغ في الطب على الرجال فقط، فقد نبغ من النساء عددٌ غير قليل؛ كأخت الحفيد بن زهر الأندلسي، وابنتيها اللتين نبغتا في الطب، وبخاصة في أمراض النساء. وينبغي للطبيب الذي يستحق التقديم أن يكون معتدلًا في مزاجه، طاهرًا في نفسه، متمسكًا بدينه، ملازمًا لشرعته، وافر العقل قوي الذكاء حسن التصور، معروفًا بصدق اللهجة وأداء الأمانة، مهتمًّا بما يعنيه، محبًّا لاصطناع المعروف، يساوي ظاهره باطنه في أفعال الجميل، حسن الخلق غير شَرِهٍ في كسب الحطام، ليس عنده حقد ولا حسد، صحيح الخط والعبارة، مواظبًا على درسه ومطالعته، ناظرًا في كتب المتقدمين، شفوقًا بالضعفاء والفقراء والمساكين، سابقًا إلى معالجتهم قبل معالجته الأغنياء، معروف الأستاذين والشيوخ، أخذ العلم عمَّن دونه ومَن فوقه، ويكون عفيف الفرج والبطن والنظر، كتومًا للأسرار، حُلو اللسان قليل المزح والكلام؛ أي: لا يتكلم إلا بحسب الحاجة؛ خوفًا من سقوط الحرمة، وأن يلبس ثيابًا نظافًا، وأجملها البياض، وليخاطب كلُّ إنسان بما يليق بمقامه من غير إلحاح، أما المريض فمن واجباته أن يكرم الطبيب ويتلقاه بالبشاشة وحسن القبول؛ ليجتهد في علاجه بالرغبة وإخلاص النية. وأن يكون حريصًا على استعمال كل ما أمره به، واجتناب كل ما نهاه عنه، فقد قال بعضهم: إذا كان الطبيب حاذقًا والصيدلاني صادقًا، والمريض موافقًا، فما أقل لبث العلة، وقيل: إن الفاضل جالينوس قال يومًا لمريض كان يعالجه: اعلم أنني أنا وأنت والمرض ثلاثة، فإن طاوعتني كنت أنا وأنت اثنين والمرض واحدًا فنغلبه، وإن خالفتني كنت أنت والمرض اثنين وأنا واحدًا فتغلباني. وألا يعاف شرب الدواء الكريه الطعم، بل يُقدم عليه ويتناوله غير نافرٍ منه؛ لأن ما تنفر منه الطبيعة لا ينجع فيها، وأن يعتقد فيه المنفعة، فترتاح نفسه إليه، وتنتعش طبيعته بواسطته، وألا تشره نفسه إلى ما يضره من الأطعمة اللذيذة، فإنها تكون مضرة بعد ذلك، وألا يكتم عن الطبيب شيئًا من أمره، فربما كان ما لا يُعتبر عنده معتبرًا عند الطبيب، وأن يُحسن ظنه بالسلامة، ويشدد قلبه مطمئنًّا، فإن ذلك يكون من أنفع العلاجات له؛ لأنه يقوي الطبيعة أمام المرض، فلا يدعه يقهرها ويستولي عليها، بخلاف الخوف فإنه يحل الطبيعة، فيتغلب المرض عليها ويغلب الطبيب والدواء، وعلى ذلك تكون الطمأنينة دواءً والخوف مرضًا ثانيًا. ويجب على أهل المريض أن يبذلوا الجهد في ملاحظة كل ما يؤول إلى راحته، ويهتموا في قضاء حوائجه العلاجية وغيرها، ويجتنبوا إزعاجه جسمًا وفكرًا، ولا يفتروا عن تسليته وتطمينه، ولا يظهروا له خوفًا ولا جزعًا، ولا يحدثوا بعضهم سرًّا بحضرته، ولا يشير بعضهم إلى بعض، وإذا رأوه في ضنك وانتهاك يكلفون أنفسهم البشاشة، ويسهلوا الأمر عليه، ولا يمكنوا من الدخول عليه إلا من يستأنس به وترتاح نفسه إلى معاشرته، فإن ذلك مما يفيده؛ لأن خلوة المريض بنفسه دائمًا تجلب عليه الضجر، فيضيق صدره وتتردد في قلبه الهواجس والأفكار المزعجة. ويجب على الذين يزورونه ألا يدخلوا عليه إلا بإذنه، ومتى جلسوا عنده، عليهم ألا يكثروا عليه المسائل، ولا يتحدثوا إلا بما تطيب نفسُه بسماعه، ولا يسر بعضهم إلى بعض كلامًا خفيًّا، ولا يطيلوا الجلوس عنده؛ لأن ذلك يمسكه عن قضاء بعض حوائجه، ويشغل أهل بيته عن تدبير ما يحتاج إليه. للتوسع في هذا الموضوع انظر الآتي: ♦ أبو زيد شلبي تاريخ الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، مكتبة وهبة القاهرة 1964. ♦ أحمد عيسى المأثور من كلام الأطباء، مطبعة جامعة فؤاد الأول القاهرة 1951. ♦ أحمد عيسى تاريخ البيمارستانات في الإسلام، المطبعة الهاشمية دمشق 1939. ♦ أسعد داغر حضارة العرب، مطبعة المقتطف القاهرة 1919. ♦ أمين خير الله الطب العربي تعريب مصطفى أبو عز الدين، المطبعة الأميركانية بيروت 1946. ♦ برهان العابد مختارات من تاريخ الطب، منشورات جامعة دمشق ط 4 1999. ♦ جون بادو عبقرية الحضارة العربية؛ ترجمة عبدالكريم محفوظ، دار الكتب الوطنية بنغازي ط 1 1990. ♦ حسن إبراهيم حسن؛ تاريخ الإسلام، دار الجيل بيروت ومكتبة النهضة المصرية القاهرة ط 14 1996. ♦ حسن الشرقاوي؛ المسلمون علماء وحكماء، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع القاهرة ط 1 1987. ♦ حنيفة الخطيب الطب عند العرب، دار الأهلية بيروت 1988. ♦ رمضان الصباغ العلم عند العرب وأثره على الحضارة الأوربية، دار الوفاء الإسكندرية ط 1 1998. ♦ سامي حداد مآثر العرب في العلوم الطبية، مطبعة الريحاني بيروت 1926. ♦ سامي حداد المارستانات العربية، مجلة المقتطف يناير سنة 1937. ♦ سعيد عبدالفتاح عاشور المدنية الإسلامية وأثرها في الحضارة الأوروبية، دار النهضة العربية القاهرة ط 1 1963. ♦ سيجريد هونكه شمس الله تشرق على الغرب؛ ترجمة فؤاد حسنين علي، دار العالم العربي القاهرة ط 1 2008. ♦ عباس محمود العقاد حضارة الإسلام دار الكتاب اللبناني بيروت ط 1 1978. ♦ عبدالحليم منتصر في تاريخ الطب عند العرب، مجلة رسالة العلم ديسمبر سنة 1970. ♦ عبدالرزاق نوفل المسلمون والعلم الحديث، دار الشروق القاهرة ط 3 1988. ♦ عبدالسلام تنبكجي الطب في الشعر العربي (مخطوط). ♦ علي حسني الخربوطلي الحضارة العربية الإسلامية، مكتبة الخانجي القاهرة ط 2 1994. ♦ عمر فروخ عبقرية العرب في العلم والفلسفة منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها بيروت ط 2 1952. ♦ عمر فروخ تاريخ العلوم عند العرب، دار العلم للملايين بيروت 1970. ♦ فيصل السامر العرب والحضارة الأوروبية، منشورات وزارة الإعلام العراقية بغداد 1977. ♦ فيليب حتي أعلام الطب العربي، مجلة المقتطف فبراير سنة 1935. ♦ كامل حمود تاريخ العلوم عند العرب، دار الفكر اللبناني بيروت 1993. ♦ كرنيليوس فانديك أطباء الشرق، مجلة المقتطف مايو سنة 1936. ♦ محمد أمين أبو جوهر الطب عند العرب، مجلة المعرفة ديسمبر سنة 2001. ♦ محمد رجائي صفحات من تاريخ الطب، الزهراء للإعلام العربي القاهرة ط 1 1988. ♦ محمد رشدي مدنية العرب في الجاهلية والإسلام، مطبعة السعادة القاهرة 1911. ♦ ناجي معروف أصالة الحضارة العربية، مطبعة التضامن بغداد ط 2 1969. ♦ يوسف حريز تاريخ الطب عند العرب، مجلة المقتطف مايو سنة 1929. تم بعونه تعالى
نثر الورود بأسماء الصحابة الذين أسلموا من اليهود (PDF)
د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان
15-05-2019
11,243
https://www.alukah.net//culture/0/134288/%d9%86%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%af-%d8%a8%d8%a3%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af-PDF/
♦ عنوان الكتاب: نثر الورود بأسماء الصحابة الذين أسلموا من اليهود. ♦ المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان. ♦ عدد الصفحات: 52. هذا كتاب أسميته " نثر الورود بأسماء الصحابة الذين أسلموا من اليهود" والكتاب محاولة متواضعة مني لجمع كل من ذكر من الصحابة أنه كان يهوديًا ثم أسلم، وأحاول قدر استطاعتي أن أذكر منهم من كان منصوصًا عليه في كتب التراجم.
التأليف في الغريب
صباح علي السليمان
09-05-2019
14,376
https://www.alukah.net//culture/0/134197/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%84%d9%8a%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d9%8a%d8%a8/
التأليف في الغريب [1] دأبَ علماءُ الشريعة واللُّغة في التأليف في كتب غريب الحديث الشريف؛ للحفاظ على السُّنَّة النَّبويَّة المطهَّرة، وبيان غرابة اللفظة التي جاءَتْ في كتب غريب الحديث. وقد اختلف العلماء في بداية التأليف في غريب الحديث، ومن ذلك قول الحاكم في علوم الحديث (ت 411 هـ): "أول مَنْ صنَّفَ الغريب في الإسلام النضر بن شميل (ت 203 هـ)، ثم صنَّف فيه أبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224 هـ) كتابه الكبير، وقيل غير ذلك" [2] ، وذهب ابن الأثير إلى أنَّ أوَّلَ من ألَّف في غريب الحديث النضر بن شميل (ت 203هـ)، ومحمد بن المستنير المعروف بقُطْرب (ت 211 هـ)، وأبو عبيدة مَعْمَر بن المثنَّى التيمي (ت 210 هـ)، وعبدالملك بن قُريب الأصمعي (ت 216 هـ) [3] . وقد ذكر ابن النديم وابن الأثير قائمةً من العلماء الذين ألَّفُوا في كتب غريب الحديث [4] ، وقد أوصلتها الباحثة فاطمة حمزة الراضي إلى خمسين كتابًا [5] ، وفي أثناء تتبُّعي لكتب التراجم والأعلام جرَّدْتُ كثيرًا من العلماء الذين ألَّفُوا في كتب غريب الحديث، ورتَّبْتها إلى مطبوعة ومخطوطة ومفقودة بحسب سِني وفَيَاتهم؛ وهي: أ- الكتب المطبوعة: 1- غريب الحديث؛ لعبدالملك بن قريب الأصمعي (ت 216 هـ) [6] . 2- غريب الحديث؛ لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (ت 224 هـ) [7] . 3- تفسير غريب الموطأ؛ لأبي مروان عبدالملك بن حبيب السلمي العباسي المالكي (ت 238 هـ) [8] . 4- غريب الحديث؛ لابْن قُتَيْبَةَ أَبي مُحَمَّدٍ عَبْداللهِ بنُ مُسْلِمٍ الدِّينَوَرِي (ت 276 هـ) [9] . 5- مشكل غريب الحديث؛ لابْن قُتَيْبَةَ أَبي مُحَمَّدٍ عَبْد اللهِ بن مُسْلِمٍ الدِّينَوَرِي [10] . 6- تفسير غريب الموطأ؛ لأبي مروان عبدالملك بن حبيب السلمي العباسي القرطبي المالكي (ت 238 هـ) [11] . 7- غريب الحديث؛ لأبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق بن بشير بن عبدالله البغدادي الحربي (ت 285 هـ) [12] . 8- غريب الحديث؛ لأبي العباس أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني بالولاء، المعروف بثعلب (ت 291هـ) [13] . 9- الدلائل في غريب الحديث؛ لأبي محمد القاسم بن ثابت السرقسطي (ت 302 ) [14] . 10- شرح مشكل الآثار؛ لأبي جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمة الأزدي الطحاوي (ت 321 هـ) [15] . 11- تصحيفات المحدثين في غريب الحديث؛ لأبي أحمد بن عبدالله بن سعيد العسكري (ت 382 هـ) [16] . 12- مختصر غريب الحديث؛ إسماعيل بن عباد بن العباس، أبو القاسم الطالقاني (ت 385 هـ) [17] . 13- غريب الحديث؛ لأبي سُلَيْمَانَ حَمْد بن مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الخَطَّابِي (ت 388 هـ) [18] . 14- كتاب الغريبين؛ لأبي عبيد أحمد بن محمد بن عبدالرحمن الهروي (ت 401 هـ) [19] . 15- مشكل الحديث وغريبه؛ لأبي بكر حمد بن الحسن بن فورك (ت 406 هـ) [20] . 16- تفسير غريب ما في الصحيحين؛ لأبي عبدالله بن أبي نصر محمد بن فتوح بن عبدالله بن فتوح بن حميد الأزدي الميورقي الحميدي (ت 488 هـ) [21] . 17- مشكلات موطأ مالك بن أنس؛ لأبي محمد عبدالله بن محمد بن السيد البطليوسي (ت 521هـ) [22] . 18- مشارق الأنوار؛ عياض بن موسى بن عياض بن عمرون السبتي (ت 544 هـ) [23] . 19- الفائق في غريب الحديث؛ لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشري (ت 538 هـ) [24] . 20- المجموع المغيث في غريب القرآن والحديث؛ لأبي موسى محمد بن أبي بكر المديني الأصبهاني (ت 581 هـ) [25] . 21- غريب الحديث؛ لأبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن محمد الجوزي القرشي البغدادي (ت 597 هـ) [26] . 22- النهاية في غريب الحديث والأثر؛ لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد بن محمد بن محمد بن عبدالكريم المعروف بابن الأثير (ت606 هـ) [27] . 23- المفصح المفهم والموضح الملهم لمعاني صحيح مسلم؛ تأليف: الإمام أبي عبدالله محمد بن يحيى بن هشام الأنصاري (ت 761هـ) [28] . 24- المعتصر من المختصر مشكل الآثار؛ للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي (ت 803هـ) [29] . 25- الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير؛ لجلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق الدين الخضيري السيوطي (ت 911هـ) [30] . 26- مجمع بحار الأنوار في شرح مشكل الآثار؛ محمد طاهر الهندي (ت 986 هـ) [31] . ب- الكتب المخطوطة: 1- مطالع الأنوار على صحاح الآثار؛ لابن قرقول إبراهيم بن يوسف (ت569 هـ) [32] . 2- شرح غريب البخاري؛ لمحمد بن أحمد اليفرني الفاسي المالكي (ت 818هـ ) [33] . ت- الكتب المفقودة: 1- غريب الحديث؛ لأبي الحسن النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد التميمي (ت 203 هـ) [34] . 2- غريب الآثار؛ الحسين بن عياش أبو بكر السلمي (ت 204 هـ) [35] . 3- غريب الحديث؛ لأبي علي محمد بن المستنير، المعروف بقطرب (ت206 هـ) [36] . 4- غريب الحديث؛ لأبي عمرو إسحاق بن مرار الشيباني (ت 206 هـ) [37] . 5- غريب الحديث؛ لأبي عبيدة معمر بن المثنى التيمي (ت 210 هـ) [38] . 6- غريب الحديث [39] ؛ أحمد بن خالد أبو سعيد الضرير البغدادي اللغوي (ت 214 هـ) [40] . 7- غريب الحديث؛ لأبي زَيْدٍ سَعِيْد بن أَوْسِ بنِ ثَابِتِ بنِ بَشِيْرِ بْنِ صَاحِبِ رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأَنْصَارِي، البَصْرِي، النَّحْوِي (ت 215 هـ) [41] . 8- (تفسير غريب الموطأ)؛ لأصبغ بن الفرج الأندلسي المالكي (ت225هـ) [42] . 9- غريب الحديث؛ لأبي الحسن علي بن المغيرة الملقب بالأثرم (ت232هـ) [43] . 10- غريب الحديث؛ لأبي جعفر محمد بن حبيب (ت 245 هـ) [44] . 11- تفسير غريب الموطأ؛ لأحمد بن عمران بن سلامة المعروف بالالهاني (ت قبل 250 هـ) [45] . 12- غريب الحديث؛ لأبي جعفر محمد بن عبدالله بن قادم (ت251 هـ) [46] . 13- غريب الحديث؛ لأبي عمرو شمر بن حمدويه (ت 255 هـ) [47] . 14- غريب الحديث؛ لأبي عبدالرحمن الترمذي (ت279 هـ) [48] . 15- غريب الحديث؛ محمد بن عبدالسلام الخشني (ت 286هـ) [49] . 16- غريب الحديث؛ لأبي الحسن محمد بن أحمد بن إبراهيم، المعروف بابن كيسان (ت 299 هـ) [50] . 17- غريب الحديث؛ لأبي موسى سليمان بن محمد بن أحمد الحامض (ت 305 هـ) [51] . 18- غريب الحديث [52] ، للحسن بن عبدالله أبي علي الأصبهاني، المعروف بلُكْذَة (ت 310 هـ) [53] . 19- غريب الحديث؛ لأبي محمد سلمة بن عاصم (ت 310 هـ) [54] . 20- غريب الحديث؛ لأبي حفص عمر بن محمد بن بجير بن حازم الهمداني السمرقندي البجيري (ت311هـ) [55] . 21- غريب الحديث؛ لأبي الحسن عمر بن محمد بن يوسف الأزدي (ت 328 هـ) [56] . 22- غريب الحديث؛ لأبي الحسين عمر بن محمد بن يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم القاضي (ت 328 هـ) [57] . 23- غريب الحديث؛ لأبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري (ت 328 هـ) [58] . 24- زيادات غريب الحديث؛ لأبي الفضل المنذري (ت329 هـ) [59] . 25- غريب الحديث؛ لأبي سعيد حمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم، المعروف بابن الأعرابي (ت340هـ) [60] . 26- غريب الحديث؛ لأبي عمر الزاهد المطرز الباوردي محمد بن عبدالواحد بن أبي هاشم،   المعروف بغلام ثعلب (ت 345 هـ) [61] . 27- كتاب غريب الحديث؛ عبدالله بن جعفر بن محمد بن درستويه ابن المرزبان (ت347 هـ) [62] . 28- غريب الحديث؛ لأبي أحمد الغسال محمد بن أحمد بن إبراهيم بن سليمان بن عبدالله العبدي الحافظ (ت 349 هـ) [63] . 29- غريب الحديث؛ لأبي محمد القاسم بن محمد الديمرتي (ت 355 هـ) [64] . 30- البارع في غريب الحديث؛ لأبي علي إسماعيل بن القاسم اللغوي القالي (ت 356 هـ) [65] . 31- سمط الثريا في معاني غريب الحديث؛ لأبي القاسم إسماعيل بن الحسن بن علي الغازي البيهقي (ت 402 هـ) [66] . 32- شرح غريب كتاب البخاري؛ لأبي الوليد هشام بن عبدالرحمن الصابوني (ت 423هـ) [67] . 33- غريب الحديث؛ لأبي حاتم الطبري القزويني (ت 440 هـ) [68] . 34- غريب الحديث؛ لأبي الفتح سليم بن أيوب بن سليم الرازي (ت447هـ) [69] . 35- تهذيب غريب الحديث؛ لأبي زكريا يحيى بن علي بن محمد بن الحسن بن بسطام الشيباني التبريزي، المعروف بالخطيب (ت 502 هـ) [70] . 36- غريب الحديث؛ لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم النسوي الشيخ العميدي اللغوي (ت 519 هـ) [71] . 37- المفهم لشرح غريب مسلم؛ لعبدالغافر بن إسماعيل بن عبدالغافر بن محمد الفارسي (ت 529 هـ) [72] . 38- شرح غريب البخاري؛ لأبي الحسن محمد بن أحمد الجياني النحوي (ت540هـ) [73] . 39- جمل الغرائب في غريب الحديث؛ لأبي القاسم، محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري (ت 550 هـ) [74] . 40- غريب الحديث؛ محمد بن علي بن شعيب، المعروف بابن الدهان فخر الدين أبو شجاع الحاسب الفرضي البغدادي (ت 592 هـ) [75] . 41- غريب الحديث؛ لأبي عبدالله محمد بن الفضل أبي المكارم ابن بختيار اليعقوبي، بهاء الدين، ويعرف بالحجة (ت617 هـ) [76] . 42- مشكلات موطأ مالك بن أنس؛ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم، أبو إسحاق البطليوسي، الملقب بالأعلم (ت637 هـ) [77] . 43- شرح غريب الحديث؛ لمحب الدين أبي جعفر أحمد بن محمد الطبري الشافعي (ت 694هـ) [78] . 44- ذيل النهاية؛ لابن الأثير في غريب الحديث؛ لأبي بكر محمود بن محمد بن حامد، أبي الثناء، صفي الدين الأرموي القرافي (ت 723هـ) [79] . 45- ضبط غريب الحديث؛ لهبة الله بن عبدالرحيم بن إبراهيم أبي القاسم، شرف الدين بن البارزي الجهني الحموي (ت 738هـ) [80] . 46- تحفة الناظر في غريب الحديث؛ لأبي عبدالله محمد بن سعيد بن محمد بن عثمان الأندلسي، الفاسي الرعيني (ت 778هـ) [81] . 47- الإغفال في غريب الحديث؛ لأبي بكر تقي الدين بن داود الصالحي أبي الصفا القادري الحنبلي (ت 806 هـ) [82] . 48- التقريب في علم الغريب؛ لأبي الثناء محمود بن أحمد بن محمد الهمذاني الفيومي الأصل، الحموي، المعروف بابن خطيب الدهشة (ت 834 هـ) [83] . 49- البدر المنير في غريب الحديث؛ لعبدالوهاب بن أحمد بن علي الشعراني (ت 973 هـ) [84] . 50- منتخب الزهر والثمر في غريب الحديث والأثر؛ لأبي المواهب عقيل بن عمر بن عبدالله، المعروف بابن عمران الظفاري المتوفى (ت1062هـ) [85] . 51- فتح الباري في شرح غريب البخاري؛ أحمد بن قاسم البوني الجزائري المالكي (ت 1139هـ) [86] . 52- لطائف الحكم في شرح غريب الحديث؛ إبراهيم بن السيد يعقوب العارفي الكومشخانه وي، المدرس الحنفي (ت1207هـ) [87] . 53- غريب الحديث لفستقة صاحب الكراسي (ت؟) [88] . 54- غريب الحديث؛ لأحمد بن الحسن الكندي (ت؟) [89] . 55- غريب الحديث؛ عبدالرحمن بن عبدالأعلى بن سمعون (ت؟) [90] . 56- غريب الحديث؛ لأبي عبدالأعلى (ت؟) [91] . 57- غريب الحديث؛ للجعد (ت؟). [1] نص مقتبس من كتاب (اللهجات العربية في كتب غريب الحديث المطبوعة حتى نهاية القرن الرابع الهجري) للدكتور/ صباح علي سليمان). [2] توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار: 2/ 235، نقلًا من كتاب علوم الحديث؛ للحاكم. [3] النهاية في غريب الحديث 1/ 5-6، وعلوم الحديث ومصطلحه: 111. [4] الفهرست 1/ 129، والنهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 1-7. [5] ينظر: حركة التأليف في غريب الحديث (بحث) 66-70. [6] (مطبوع في رسالة ماجستير)، وكشف الظنون 2/ 1203، وهدية العارفين 1/ 330. [7] (مطبوع )، كشف الظنون 2/ 1203، وهدية العارفين 1/ 37. [8] (مطبوع بمكتبة العبيكان، بتحقيق: عبدالرحمن بن سليمان العثيمين، الرياض/1421هــ)؛ الرسالة المستطرفة مُحقَّقة ومعها التعليقات المستظرفة 1/ 162. [9] (مطبوع)؛ سير أعلام النبلاء 13/ 296، وهدية العارفين 1/ 230 . [10] (مطبوع)؛ سير أعلام النبلاء 13/ 296، وهدية العارفين 1/ 230. [11] (مطبوع بمكتبة العبيكان، بتحقيق: عبدالرحمن بن سليمان العثيمين، الرياض/1421هــ)، الرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 1/ 162. [12] (مطبوع )؛ كشف الظنون 2/ 1324، وهدية العارفين 1/ 2. [13] (مطبوع)؛ البلغة في تراجم أهل النحو واللغة 1/ 9، والأعلام 1/ 267، وهديةالعارفين 1/ 454. [14] (مطبوع). [15] (مطبوع)؛ سير أعلام النبلاء 15 / 27، والأعلام 1/ 206. [16] (مطبوع بهامش النهاية في غريب الحديث؛ لابن الأثير الجزري)؛ وفيات الأعيان 2 / 84 . [17] (مطبوع في رسالة ماجستير)؛ سير أعلام النبلاء 16 / 511 ، والأعلام 1/ 316. [18] (مطبوع )؛ سير أعلام النبلاء 17/ 23، وكشف الظنون 2/ 1005. [19] (مطبوع بعنوان كتاب الغريبين: غريبي القرآن والحديث، بتحقيق: محمود محمد الطناحي، القاهرة ، 1390 هـ)، سير أعلام النبلاء 17 /147، والأعلام 1/ 210. [20] (مطبوع بتحقيق: موسى محمد علي، عالم الكتب - بيروت ، 1985 م)؛ سير أعلام النبلاء 17 / 214، والأعلام 6 / 83. [21] (مطبوع بتحقيق: محمد سعيد عبدالعزيز، القاهرة، 1415 هـ)؛ سير أعلام النبلاء 19 / 120، والأعلام 6 / 327. [22] (مطبوع، بتحقيق: طه بن علي بن سريح التونسي، بيروت، 1420 هـ)، البلغة في تراجم أئمة النحو واللغة 1/ 31 ، والأعلام 4 / 23. [23] (مطبوع في المطبعة التوفيقية، دار التراث)؛ الأعلام 5 / 99، ووفيات الأعيان 3 / 483. [24] (مطبوع)؛ سير أعلام النبلاء 20 / 151، والأعلام 7 / 178. [25] (مطبوع ، بتحقيق عبدالكريم الغرباوي، في معهد البحوث العلمية، وإحياء التراث الإسلامي 1956م). الرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 8 / 46، 2/ 1606. [26] (مطبوع)؛ الأعلام 3/ 316 ، ووفيات الأعيان 3/ 140. [27] (مطبوع)؛ الأعلام 5 / 272 ، وهدية العارفين 1/ 445. [28] (مطبوع بتحقيق: وليد أحمد حسين، دار الفاروق الحديثة، مصر، 1423 هــ)، الرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 8/ 51. [29] (مطبوع في عالم الكتب، مكتبة المتنبي، بيروت، بجزأين)؛ جامع المقدمات العلمية لمهمات المصنفات والكتب الشرعية 4/ 94 ، طبع باسم مختلف الحديث. [30] (مطبوع بهامش النهاية، مشكول، طبع بتصحيح: عبدالعزيز بن إسماعيل الأنصاري الطهطاوي، جزء 4، المطبعة العثمانية، 1311 هـ)؛ الأعلام 3/ 301، وكشف الظنون 2/ 1989. [31] (مطبوع في لكنار، جزءان، 1283 هـ، وهو تفسير للغرائب الوارد في القرآن الكريم والحديث الشريف، مرتب على حروف المعجم)، إيضاح المكنون 2/ 433. [32] (مخطوط، لم يذكر مكان المخطوطة)،كشف الظنون 2/ 1715، والأعلام 7 / 40. [33] (مخطوط في مكتبة القرويين، فاس، عدد 145، في الخزانة الحسينية رقم 3255، والخزانة الناصرية، ورزازات، رقم 3 / 709)، الرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 8/ 51. [34] (مفقود)؛ الأعلام 8/ 33. [35] (مفقود)؛ الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة 8/ 40. [36] (مفقود)؛ أبجد العلوم 3/ 41، وهدية العارفين 1/ 488. [37] (مفقود )؛ إيضاح المكنون 2/ 146، وكشف الظنون 2/ 1209. [38] (مفقود )؛ كشف الظنون 2/ 1203، وهداية القاري إلى تجويد كلام الباري 2/ 730. [39] (مفقود)؛ وهو كتاب ردَّ فيه على أبي عبيد. [40] (مفقود)؛ بغية الوعاة 1/ 305، وهدية العارفين 1 / 24. [41] (مفقود)؛ سير أعلام النبلاء 9 / 494، والأعلام 2/ 93. [42] (مفقود)؛ الرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 8/ 51، ومعجم المؤلفين 2/ 302. [43] (مفقود)؛ الأعلام 5/ 23، ومعجم المؤلفين 7/ 244. [44] (مفقود)؛ بغية الوعاة 1/ 73. [45] (مفقود)؛ الأعلام 1/ 189. [46] (مفقود)؛ بغية الوعاة 1 /377، والأعلام 6/ 222. [47] (مفقود)؛ الأعلام 2/ 175، وكشف الظنون 2/ 1410. [48] (مفقود)؛ المعجم المفهرس 1/ 164، والرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 8 /51. [49] (مفقود)؛ الأعلام 2/ 306، ومعجم المؤلفين 10 /168. [50] (مفقود)؛ الأعلام 5/ 308، ومعجم المؤلفين 8 /311. [51] (مفقود)؛ الأعلام 3 /132. [52] (مفقود)، وهو كتاب ردَّ فيه على غريب الحديث لابن قتيبة. [53] (مفقود )؛ بغية الوعاة 1 /509، وهدية العارفين 1 /143. [54] (مفقود)؛ كشف الظنون 2/1203، ولسان العرب 3 /113. [55] (مفقود )؛ الأعلام 5 /60. [56] (مفقود)؛ الأعلام 5/ 59، ومعجم المؤلفين 7 /319. [57] (مفقود)؛ بغية الوعاة 2 /226. [58] (مفقود)؛ الأعلام 6/ 334، وفيات الأعيان 4 /341. [59] (مفقود)؛ ينظر: معجم الأدباء 2/ 378. [60] (مفقود)؛ الأعلام 1 /208. [61] (مفقود)؛ الأعلام 6 /254. [62] (مفقود )؛ الأعلام 4 /76، ووفيات الأعيان 3 /44. [63] (مفقود)؛ هدية العارفين 1 /466. [64] (مفقود)؛ بغية الوعاة 2/ 263، ومعجم المؤلفين 8 /119. [65] (مفقود)؛ كشف الظنون 1 /216، وهدية العارفين 1 /112. [66] (مفقود)؛ بغية الوعاة 1 /445، ومعجم المؤلفين 2 /264. [67] (مفقود)؛ الرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 3/ 13، فهرسة ابن خير الإشبيلي 1 /167. [68] (مفقود)؛ الأعلام7 /167. [69] (مفقود)؛ طبقات الشافعية 1/ 225، والأعلام 3 /116. [70] (مفقود)؛ هدية العارفين 2 /217، وأبجد العلوم 3 /61. [71] (مفقود)؛ بغية الوعاة 1 /425، ومعجم المؤلفين 1 /83. [72] (مفقود)؛ سير أعلام النبلاء 18 /19، والأعلام 4/31. [73] (مفقود)؛ بغية الوعاة 1/41، والرسالة المستطرفة محققة ومعها التعليقات المستظرفة 8/51. [74] (مفقود)؛ بغية الوعاة 2/277، والأعلام 7 /167. [75] (مفقود)؛ إيضاح المكنون 1 /315، وهدية العارفين 1 /498. [76] (مفقود)؛ الأعلام 6 /330. [77] (مفقود)؛ سير أعلام النبلاء 19 /532، والأعلام 1/62. [78] (مفقود)؛ كشف الظنون 1/ 93. [79] (مفقود)؛ الأعلام 7/182، ومعجم المؤلفين 12 /156. [80] (مفقود)؛ معجم المحدثين 1 /291، والأعلام 8 /73. [81] (مفقود)؛ الأعلام 6 /139. [82] (مفقود)؛ هدية العارفين 1 /126. [83] (مفقود)؛ البدر الطالع من بعد القرن التاسع 2 /285، والأعلام 7 /162. ( [84] ) (مفقود)؛ الأعلام 4 /180. [85] (مفقود)؛ الأعلام 4/ 242، وهدية العارفين 1 /352. [86] (مفقود)؛ الأعلام 1 /199، وفهرس الفهارس والإثبات 352. [86] (مفقود)؛ الأعلام 5 /138، ومعجم المؤلفين 8 /55، ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات 1 /236. [87] (مفقود)؛ إيضاح المكنون 2 /404، وهدية العارفين 1 /129. [88] (مفقود)؛ لم أقف على وفاته، الفهرست 1 /129. [89] (مفقود)؛ لم أقف على وفاته، الفهرست 1 /129. [90] (مفقود)؛ لم أقف على وفاته؛ بغية الوعاة 2/80. [91] (مفقود )؛ لم أقف على وفاته، إيضاح المكنون 2/ 316، والفهرست 1/129.
دراسة عن كتاب التمهيد للإسنوي
أ. د. عبدالرحمن بن علي الحطاب
08-05-2019
33,532
https://www.alukah.net//culture/0/134181/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d9%87%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%86%d9%88%d9%8a/
دراسة عن كتاب التمهيد للإسنوي أ.د. عبدالرحمن بن علي الحطَّاب أستاذ أصول الفقه بالجامعة الإسلامية الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قلتُ في مقال سابق بعنوان ( المدخل إلى علم تخريج الفروع على الأصول ) [1] : إن كتاب التمهيد للإسنوي يُمثِّل النموذج الصحيح لعملية تخريج الفروع على الأصول، وقد دعا أرباب المذاهب في مقدمة كتابه أن يحذوا حذوه، فقال: "فلتستحضر أربابُ المذاهب قواعدَها الأصولية وتفاريعها، ثمَّ تسلك ما سلكتُه، فيحصل به - إن شاء الله تعالى - لجميعهم التمرُّن على تحرير الأدلة وتهذيبها، والتبيُّن لمأخذ تضعيفها وتصويبها" [2] . وفي هذا المقال دراسة عن هذا الكتاب، كتبتُها بعد أنْ عِشْتُ معه تحقيقًا لجزء من نصِّه [3] ، وتدريسًا لشيء من فروعه، وهي دراسة مختصرة تلمست أمثلتها من القسم الذي حققته، طلبه مني عددٌ من الإخوة الأفاضل، فها هو في نُسْخته الأولى، عسى أن ينفع الله به، وتصل حاجته لمبتغيه. أولًا: اسم الكتاب: سمَّى المؤلفُ كتابَه ( التمهيد )، فقال: «سميتُه بالتمهيد» [4] ، واقتصر البعض على هذه التسمية، وزاد آخرون من المترجمين ونُسَّاخ الكتاب زياداتٍ بعد ذلك، وقبل التعرُّض لها يحسُن التنبيه إلى أن الكتاب في علم التخريج، ولم أجد أحدًا من المتأخِّرين خالفَ في ذلك. وبيَّن المؤلفُ أنه أراد أن يكون كتابه هذا تمهيدًا للتخريج، فقال: «وقد مهدتُ بكتابي هذا طريق التخريج لكل ذي مذهب، وفتحت به باب التفريع لكل ذي مطلب... وهو تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول والتعريج إلى ارتقاء مقام ذوي التخريج، حقَّق الله تعالى ذلك بمنِّه وكرمه؛ فلذلك سميْتُه بالتمهيد» [5] . وقال في كتابه الكوكب الدُّري أنه استخار الله في تأليف كتابين ممتزجين من الفنين - أصول الفقه، وأصول النحو - ومن الفقه، فقال: «أحدهما: في كيفية تخريج الفقه على المسائل الأصولية...» [6] . إذا تبين ما سبق، وبسببه حصل اختلافُ تنوُّعٍ في تسمية الكتاب بعد الاتفاق على كونه (التمهيد) والموقوف عليه التسميات التالية: 1- التمهيد، أو التمهيد في أصول الفقه الشافعي، أو التمهيد في الأصول الفقهية: وهذه الثلاث وردت في طُرَّة بعض النُّسَخ الخطيَّة للكتاب، وورد عند ابن حجر في الدُّرر الكامنة قوله: «وفرغ من التمهيد سنة 68ه» [7] . وغالب نقولات الشافعية في كتبهم يقتصرون على هذه التسمية؛ كقولهم: "قال الإسنوي في التمهيد، أو في التمهيد للإسنوي ونحو ذلك" [8] . ولابن جماعة حاشية سمَّاها (نكت التمهيد) [9] ، ولابن أقبرس حاشية سماها (تجويد التمهيد)، تُحقَّق حاليًّا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية [10] . 2- تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول: وهذا العنوان وُجِد على غلاف أكثر من نسخة من نُسَخ الكتاب الخطيَّة، وهو مأخوذ من مقدمة الإسنوي حال بيانه لغرضه من تأليف الكتاب، ولم يقصد به المؤلف تسمية كتابه، يبينه المقصد الآخر المذكور بعده مباشرة؛ وهو قوله: «والتعريج إلى ارتقاء مقام ذوي التخريج»، ولم يذكر المقصد الآخر أحدٌ ممَّن تعرَّض لتسمية الكتاب، ثم إن الإسنوي قال بعدها: «فلذلك»؛ أي: لأجل تلك الأغراض «سميتُه بالتمهيد» [11] . 3- التمهيد في تخريج الفروع على قواعد الأصول: وهذه التسمية واردةٌ في بعض النُّسَخ الخطيَّة، وعلى طُرَّتها إجازةٌ من زين الدين العراقي بالكتاب، قلت ذلك لما سيأتي عن العراقي في تسمية الكتاب. ومن التسميات المقاربة والواردة في بعض نُسَخ الكتاب: «التمهيد في تخريج الفروع على الأصول»، وهي التي اعتمد عليها الدكتور محمد حسن هيتو. 4- التمهيد في تنزيل الفروع على الأصول، أو التمهيد في تنزيل الفروع على القواعد الأصولية:. هكذا ورد العنوان في بعض نُسَخ الكتاب، والعنوان الأوَّل ذكره السيوطي في بغية الوعاة [12] ، ورضا كحَّالة في معجم المؤلِّفين [13] . 5- التمهيد فيما ينبني من المسائل الفقهية على القواعد الأصولية: هكذا ورد عن تلميذ المؤلف، زين الدين العراقي، عند تعداده لمؤلفات شيخه [14] . والذي يظهر لي وهو المنصوص عن المؤلف أن اسم الكتاب ( التمهيد )، وما زاد عليه فهو وصف للكتاب من قبل طلاب الإسنوي ومن بعده، حيث إن النُّسَخ الخطيَّة السابقة بعضها بخطِّ طُلَّابه، وبعضها قُرئ على المصنِّف، وأجازهم عليها، وهي متنوِّعة في وصف الكتاب مُتَّفِقة في مسمَّاه، والله أعلم. ثانيًا: نسبة الكتاب للمؤلف: لا شك ولا ريب في نسبة كتاب (التمهيد) للإسنوي، ولم يُنازعه أحدٌ في هذا، ومما يدلُّ على نسبة الكتاب إليه أمور، منها: أولًا: ما وُجِد في غلاف جميع نُسَخ المخطوط من نسبة الكتاب إليه. ثانيًا: إحالة الإسنوي إلى بعض كتبه من خلال هذا الكتاب؛ كالإحالة إلى كتابيه: نهاية السول شرح منهاج الوصول [15] ، وكتاب المهمات [16] ، وكذا الإحالة إلى كتابه (التمهيد) من بعض كتبه؛ كالمهمات [17] ، والكوكب الدُّري [18] . ثالثًا: ما ذكر في كتب التراجم، ومنها ما أُفرد فيها بالتأليف، كما فعل تلميذه زين الدين العراقي، وفيه يقول: وقرأت عليه من مُصنفاته: «ومنها التمهيد فيما ينبني من المسائل الفقهية على القواعد الأصولية» [19] . رابعًا: نقولات علماء الشافعية عن الكتاب، ونسبته إليه؛ كقولهم: قال الإسنوي في التمهيد، أو في التمهيد للإسنوي، ونحو ذلك، مع تطابق النقولات في الكتابين [20] . ثالثًا: أهمية الكتاب: ترجع أهمية الكتاب إلى أمور: أولًا: كونه يتعلق بعلمين جليلين؛ وهما: الفقه وأصوله، وأهميته من أهميتهما، وموضوعه موضوعهما: الأدلة وأفعال المكلفين. ثانيًا: كونه يتعلق بفن التخريج، وأهمية هذا الكتاب من أهمية فنِّه وعلمه، واستجلاب تلك الأهمية مما يطول، ومما قاله الإسنوي في مقدمة الكتاب: "ثمَّ إني استخرت الله تعالى في تأليف كتاب يشتمل على غالب مسائله، وعلى المقصود منه، وهو كيفية استخراج الفروع منها. .. وحينئذٍ يعرف الناظر في ذلك مأخذ ما نصَّ عليه أصحابُنا وأصَّلوه، وأجملوه أو فصلوه، ويتنبَّه به على استخراج ما أهملوه، ويكون سلاحًا وعدة للمفتين، وعمدة للمدرسين" [21] . ثالثًا: قلَّة ما كتب حول موضوع الكتاب - التخريج - إن لم يكن هو الكتاب الوحيد في فنِّه، وقد ادَّعى المؤلف السَّبْق في تأليفه [22] ، ومدح صنيعه بقوله: "وقد مهَّدْتُ بكتابي هذا طريق التخريج لكل ذي مذهب، وفتحت به باب التفريع لكل ذي مطلب، فلتستحضر أربابُ المذاهب قواعدها الأصولية وتفاريعها، ثمَّ تسلك ما سلكته، فيحصل به - إن شاء الله تعالى - لجميعهم التمرُّن على تحرير الأدلة وتهذيبها، والتبيُّن لمأخذ تضعيفها وتصويبها، ويتهيَّأ لأكثر المستعدِّين الملازمين للنظر فيه نهاية الأرب وغاية الطلب، وهو تمهيد الوصول إلى مقام استخراج الفروع من قواعد الأصول، والتعريج إلى ارتقاء مقام ذوي التخريج... " [23] . رابعًا: كونه من مؤلِّف خبير بأصول المذهب وفروعه، وممن تأهَّل، أو يرى نفسه أنه قد تأهَّل لهذا المنصب، وقد انتهت إليه رئاسة الشافعية في عصره [24] . خامسًا: استفادة العلماء من صنعيه، واستجابة لندائه بأن يحذوا حذوه، وممن تابَعَه ابنُ اللحام الحنبلي في كتابه القواعد، والتمرتاشي الحنفي في كتابه الوصول إل قواعد الأصول [25] ، وهناك مَنْ حشَّى عليه [26] . رابعًا: منهج الإمام الإسنوي: تحدَّث الإمام الإسنوي في مقدمة كتابه عن منهجه على سبيل الإجمال، وذكر أنه سيذكر المسألة الأصولية بجميع أطرافها منقَّحة مُهذَّبة ملخَّصة، ثم يتبعها بذكر شيء مما يتفرَّع عليها [27] . وأراد بالأصولية، أصول الفقه، ومهَّد لذلك بذكر اعتنائه بهذا العلم، وكونه راجع غالب مصنفاته المبسوطة والمتوسطة والمختصرة من زمن الإمام الشافعي إلى زمانه، وألَّف فيه مصنفًا قاصدًا بذلك كتابه نهاية السول، ثم قال: «ثم إنِّي استخرتُ الله تعالى في تأليف كتاب يشتمل على غالب مسائله وعلى المقصود منه، وهو كيفية استخراج الفروع منها» [28] . وذكر (205) أصلًا وقاعدة أصولية، مصدرًا له بقوله: مسألة، وهي مدرجة تحت أحد عشر بابًا، وسبعة كتب، وهو سائر فيه على ترتيب منهاج الوصول للبيضاوي، والله أعلم. وأجمل رحمه الله منهجه في الفروع المذكورة في الكتاب، وقال: «والذي أذكره على أقسام: فمنه ما يكون جواب أصحابنا فيه موافقًا للقاعدة، ومنه ما يكون مخالفًا لها، ومنه ما لم أقف فيه على نقل بالكلية، فأذكر فيه ما تقتضيه قاعدتنا الأصولية ملاحظًا أيضًا للقاعدة المذهبية والنظائر الفروعية» [29] . وقد سار رحمه الله على منهجه الذي رَسمَه لنفسه، ولمزيد إيضاح وتفصيل أقول: أولًا: بخصوص المسائل الأصولية المذكورة فيمكن إضافة ما يلي حول منهجه الذي سار عليه من خلال القسم المحقق: 1- لم يخرج رحمه الله عن أصول الإمام الشافعي، وكُتُب ونقولات أصحابه، إلَّا في القليل الذي لا بدَّ منه، وعدم الخروج هو الصحيح، وهو الواجب على المخرِّج؛ أي: ألَّا يتعدَّى قواعد وأصول إمامه. قال ابن الصلاح في صفته: "أن يكون في مذهب إمامه مجتهدًا مقيَّدًا، فيستقل بتقرير مذهبه بالدليل غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده" [30] . ونقل الرافعي عن إمام الحرمين قوله: "أرى كل اختيار للمزني تخريجًا؛ فإنه لا يخالف أصول الشافعي، لا كأبي يوسف ومحمد فإنهما يخالفان أصول صاحبهما كثيرًا" [31] . ومعلوم أن المزني وأبا يوسف ومحمدًا كانوا في رتبة وطبقة المجتهدين المطلقين المنتسبين، وفي حال اختيارهم وانفرادهم اختلفوا في عد اختياراتهم وجوهًا. 2- أتى بالأصل -كما ذكر في منهجه - مُنقَّحًا مُهذَّبًا مُلخَّصًا، وهو ما جرى عليه في غالب مسائل الكتاب؛ إذ إن دراسة هذه الأصول إنَّما تكون في كتب أصول الفقه؛ لذا كان يحيل إلى كتابه الأصولي لئلا يستطرد في تقرير الأصل. قال رحمه الله عند حديثه عن تعريف الفقه: "وما ذكرناه حدًّا وشرحًا هو أقرب إلى الصواب من غيره، وإن كان فيه أمور ذكرتها في الشرح" [32] ، ويقصد بذلك شرح منهاج الوصول للبيضاوي، وشرحه المسمى بنهاية السول. وقوله: "...وستأتي هذه المسألة مع فروع تتعلق بها في آخر الكتاب، قبيل الكتاب السابع " [33] . والناظر في كتابه يدرك تمامًا صغر حجم المسائل الأصولية بالنسبة للفروع المخرَّجة؛ إذ الأخيرة هي المقصودة بالتأليف. 3- رتَّب الإسنوي كتابه (التمهيد) حسب ترتيب الأبواب الأصولية، فبدأ بباب الحكم الشرعي وأقسامه، ثم أركانه، ثمَّ بالأدلة وما يتعلق بها، ثمَّ التعارض والترجيح، ثمَّ مباحث الاجتهاد والفتوى، وقد تناول أمهات المسائل والقواعد الأصولية. 4- بيَّن سبب الخلاف في بعض المسائل؛ كقوله في مسألة فرض العين والكفائي: "وسببه: أن الفرض يتعلق بالجميع، كما أوضحناه" [34] . وقوله في مسألة المباح هل هو حسن؟ فقال: "وذهب الجمهور إلى أن المباح حسن، وقال بعض المعتزلة: ليس بحسن ولا قبيح، والخلاف نشأ من تفسيرهم للأفعال" [35] . 5- يشير إلى اصطلاح الفقهاء والأصوليين في ترجمة المسألة الأصولية. قال في "مسألة: الأمر بالشيء هل يكون أمرًا بما لا يتم ذلك الشيء إلا به - وهو المسمَّى بالمقدمة أم لا يكون أمرًا به؟"، ثم قال: "ويعبِّر عنه الفقهاء بقولهم: ما لا يَتَأتَّى الواجب إلا به، فهو واجب" [36] . وقوله في "مسألة إذا أوجب الشارع شيئًا ثم نسخ وجوبه" قال: "وهذا الخلاف كثيرًا ما يعبِّر عنه الفقهاء بقولهم: إذا بطل الخصوص هل يبطل العموم؟" [37] . ثانيًا: بخصوص الفروع الفقهية المذكورة، فإنه يمكن بيان وإضافة الأمور التالية: 1- الفروع المذكورة هي من أقوال الأصحاب، وقد نصَّ على ذلك بقوله: «والذي أذكره على أقسام، فمنه ما يكون جواب أصحابنا...» [38] ، ومن القليل ذكر شيء من منصوصات الإمام؛ لذا عندما أتى بفروع من منصوصات الإمام في حجية قول الصحابي، قال كالمعتذر عن ذكرها بدلًا من تخريجات الأصحاب: "وفروع المسألة كثيرة، منها المسائل التي ذكرتها عن الشافعي لأجل بيان مذهبه في أصل المسألة" [39] . وكونها من أقوال الأصحاب وتخريجاتهم هو حقيقة التخريج، وتسمى الفروع المخرَّجة بالأوجه. قال النووي: "والأوجه لأصحابه المنتسبين إلى مذهبه، يخرجونها على أصوله، ويستنبطونها من قواعده" [40] . 2- قسَّم تخريجات الأصحاب إلى ثلاثة أقسام: «فمنه: ما يكون جواب أصحابنا فيه موافقًا للقاعدة. ومنه: ما يكون مخالفًا لها. ومنه: ما لم أقف فيه على نقل بالكلية، فأذكر فيه ما تقتضيه قاعدتنا الأصولية ملاحظًا أيضًا للقاعدة المذهبية والنظائر الفروعية» [41] . فالقسم الأول: أن تكون الفروع موافقة للقاعدة، ويتعامل مع فروع مخرَّجة؛ أي: سبق تخريجها من قبل علماء الشافعية. والقسم الثاني: لم يسبقه أحدٌ فيقوم هو بالتخريج على وفق القاعدة. والقسم الثالث: ما أجاب به أصحابه الشافعيُّون بخلاف القاعدة الأصولية. وأمثلة القسم الأول: وهي الأصل في الكتاب كثيرة، والكتاب شاهد عليها. وأمثلة القسم الثاني كذلك كثيرة وظاهرة، وهو ينصُّ عليها؛ كقوله: "ومن الفروع المخالفة...إلخ " [42] . 3- الفروع المخرَّجة غالبها مأخوذ من كتاب الشرح الكبير للرافعي، والروضة للنووي، وكذا كفاية النبيه لابن الرفعة. أمَّا الأولان: فقد نصَّ الإسنوي على أنهما مادة فروع كتابه الكوكب الدُّري؛ حيث أطلق فقال: «... إذا أطلقت شيئًا من الأحكام الفقهية، فهو من الشرح الكبير للرافعي، أو الروضة للنووي...» [43] . والناظر في الكتابين - التمهيد والكوكب الدُّري - يجد التطابق في الفروع عند تتطابق الأصول. يقول محقق كتاب الكوكب الدُّري محمد حسن عواد: "وجدير بالذكر أن كثيرًا من النصوص الواردة في الكوكب، ضمنها المؤلف في كتابه " التمهيد "، فقمت بالمقابلة بين النصوص في الكتابين، ولقد أفدتُ من "التمهيد" فائدة كثيرة، تجعله إلى حد ما نسخة خامسة للكتاب غير كاملة، كما يلاحظ أثناء التحقيق في الحواشي" [44] . ويجدر التنبيه هنا أن غالب تخريجها على الأصول هو من صنيع الإسنوي، حيث إنَّ الرافعي والنووي في الغالب يذكرون الأوجه في المذهب، ولا ينصُّون على القواعد الأصولية، وقد يذكرون لها تخريجًا على فرع، فيخرجها الإسنوي على أصول الإمام، ويذكر أحيانًا أن للمسألة مدركًا آخر. نعم وقفت على بعض التخريجات قد سبق إليها من قبل العلائي في المجموع المذهب، ولم أرَهُ نبَّه على ذلك. 4- شملت الفروع المخرَّجة في الكتاب عمومًا معظم أبواب الفقه، وقد ذكر أنها مقصودة بذاتها، وغالبها كان في الأيمان والأوقاف والوصايا والعتق والطلاق. ولعل كونها مقصودة بذاتها أن كثيرًا من تلك المسائل مما تمسُّ حاجة الناس إليها، ويكثُر فيها السؤال والتنازع. 5- لم يلتزم في الفروع المندرجة تحت القاعدة بترتيب معين، فأحيانًا يقدم المعاملات على العبادات أو العكس. 6- يُكثِر الإمام الإسنوي من الاعتراضات والتعقيبات على من سبقه، فيعترض على الإمام الجويني، ومن دونه في الطبقة، ويكثر التعقيبات على الشيخين الرافعي والنووي، ولا يكاد يُفوِّت لهما شيئًا، وله عناية خاصة بهما عبر مؤلفات خاصة؛ كالمهمات في الكلام على مواضع في شرح الرافعي الكبير والروضة، وكتابه جواهر البحرين في تناقض الحبرين [45] . 7- كثيرًا ما يرجح بين الأوجه، ويُبيِّن الوجه الذي خرَّج على القاعدة، واندرج تحتها؛ كقوله: "فيه ثلاثة أوجه: أصحها الثالث" [46] ، وقوله في مسألة الواجب المخيَّر: "إذا علمت ذلك فمن فروع القول الصحيح، وهو كون الواجب أحدها..." [47] . 8- يبين سبب التخريج في الفروع أحيانًا؛ كقوله في مسألة الأداء والقضاء: "ما إذا أحرم بالحج ثم أفسده، فإن المأتي به بعد ذلك يكون قضاء، كما صرح به الأصحاب، وسببه: أنه بمجرد إحرامه يضيق عليه الإتيان به في ذلك العام اتفاقًا، ولهذا لا يجوز له إبقاؤه على إحرامه إلى عام آخر" [48] ، وقوله في مسألة أخرى: "...وسببه أن وقت الإحرام بها قد فات..." [49] . 9- يحيل إلى المسألة إلى مواضع أخرى أحيانًا؛ سواء إلى نفس الكتاب أو إلى كتاب آخر. ومن ذلك قوله في الرد على النووي: "...رددنا عليه في كتاب المهمات فليطلب منه" [50] . وقوله: "...فجوابه يُعلم مما أذكره إن شاء الله تعالى في أول الاشتراك، فراجعه" [51] . وقوله: "...وقد تقدم في الكلام في فرض الكفاية كلام يتعلق بالمسألة، فراجعه" [52] . 10- غالب تخريجاته في هذا الكتاب كانت على أقوال المكلفين، وقد سلَّط عليها القواعد الأصولية في استخراج الأحكام منها، وقد نصَّ أهل العلم أن المخرِّج يتعامل مع نصوص إمامه لا نصوص الشرع، ويستنبط منها كما يستنبط المجتهد المطلق من نصوص الشارع، وإذا جاز ذلك عند كثير منهم، فإنَّهم اختلفوا في جوازه في أقوال الناس، وسيأتي الحديث عنه في المؤاخذات على الكتاب. 11- وأخيرًا ومما يشدُّ الانتباه - في منهج عرضه للمسائل الأصولية الفرعية - سعة اطِّلاعه، وأمانته ودقته في النقل؛ حيث يُبيِّن ما نقله بالواسطة، وما نقله من مصدره مباشرة، والأخير هو الغالب، وقد أشار في كتابه المهمات إلى أن غالب مصادره قد كانت في ملكه، وقد جمع من مصنفات الأصحاب مالم يجتمع لغيره [53] . كما أن اللافت للنظر دقَّته في بيان موضع المسألة بذكر القائل وكتابه، أو يذكر ما سبق مع بيان موضع المسألة من ذلك الكتاب، وهذا ظاهر في صنيعه وكثير جدًّا. كقوله: "...كذا قاله في باب مواقيت الحج قبيل الكلام على الميقات المكاني..." [54] . وقوله: "وقد تعرَّض له النووي في البيع من شرح المهذب في باب ما يفسد البيع من الشرط" [55] . خامسًا: من المؤاخذات على الكتاب: هي مؤاخذات اجتهادية مهدرة أمام إيجابيات الكتاب، ومن تلك المؤاخذات: 1- يبدو لي أن الإسنوي نظر إلى كتاب العلائي المجموع المذهب وأفاد منه ولم يُشِرْ إلى ذلك، كما أنَّه ادَّعى عدم السبق إلى التأليف على هذا النمط [56] ، فإن كان المقصود بإفراد المؤلف للقواعد الأصولية فلا بأس، وينازعه من قال بكتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجاني. وإن قصد بإلحاق أو استنباط ما لم ينص عليه الإمام إلى أصوله، فقد كان هذا من صنيع العلائي، إلَّا أن قواعد الفقه غلبت على قواعد الأصول عند العلائي، وقد أحسن ابن قاضي شهبة في الجمع بينهما في كتابه (مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي) [57] ملاحظًا هذه العلة بين الكتابين في تأليفه. 2- قد يبدو للقارئ أن الإسنوي لا يريد أن يُمرِّر مسألة ظفر بها على خطأ - في نظره - على الشيخين، وقد أوقعه ذلك أحيانًا في الاستعجال. ومن أمثلة الاستعجال قوله في حق النووي في مسألة الفرق بين الفاسد والباطل: «إذا علمت ذلك فقد ذكر أصحابنا فروعًا مخالفة لهذه القاعدة فرَّقُوا فيها بين الفاسد والباطل، وقد حصرها النووي في تصنيفه المسمى بالدقائق في أربعة، وهي: الحج والعارية والكتابة والخلع ولم يذكر صورها.... وما ذكره النووي من حصر التفرقة في الأربعة ممنوع؛ بل يتصور أيضًا الفرق في كل عقد صحيح غير مضمون؛ كالإجارة والهبة وغيرهما» [58] . وعبارة النووي في دقائق المنهاج لا تدل على الحصر؛ حيث قال: « واعلم أن الفاسد والباطل من العقود عندنا سواء في الحكم إلا في مواضع منها: الحج والعارية والخلع والكتابة » [59] . ومن ذلك أيضًا قوله: "إذا علمت ذلك فقد وقع هنا للرافعي شيء عجيب [60] ، تبعه عليه في الروضة، ونقله عنه أيضًا ابن الرفعة ساكتًا عليه، فقال - في باب الوقف -: ويصح الوقف على المتفقهة وهم المشتغلون بتحصيل الفقه مبتديهم ومنتهيهم، وعلى الفقهاء، ويدخل فيه من حصَّل منه شيئًا وإن قلَّ؛ هذا كلامه، وما ذكره في دخول محصِّل الشيء وإن قلَّ في مسمى الفقيه حتى يستحق من حصَّل المسألة الواحدة، مخالف لجميع ما سبق، ولا أعلم أحدًا ذكره، وكما أنه مخالف للمنقول في المذهب، فهو مخالف للقاعدة النحوية" [61] . وقد ورد في حاشية المخطوط: "قيل المراد بقوله: من حصَّل شيئًا؛ أي: صالحًا يهتدي به إلى الباقي، وإن قلَّ، فعلى هذا لا مخالفة في كلامه، لا نقلًا ولا نحوًا "، قلت: لأن النحو مبني على المعنى. وقوله: "...حتى بالغ الرافعي وقال: إنه يكفي في علم السنة أن يكون عنده سنن أبي داود، والذي قاله مُتجه؛ فإن ظنَّ العدم يحصل بعدم وجوده فيه، والظن هو المكلف به في الفروع، وبالغ النووي في الردِّ عليه في تمثيله بسنن أبي داود، لتوهمه من كلامه خلاف مراده " [62] . ولم يتوهم المراد، وكان محقًّا فيما قاله وذلك بعد الرجوع للمقصود من مراد الرافعي، والذي بيَّنه الإسنوي في المهمات [63] ، وما ذكره الإسنوي لا يدفع الاعتراض الوارد من النووي [64] . 3- يستطرد الإسنوي أحيانًا في المسألة الفقهية، وأحيانًا يحيل إليها في كتبه الأخرى، ولا مزيد في كتابه الآخر على ما ذكره هنا [65] . 4- أكثر الفروع إلَّا ما ندر هي مخرَّجة على كلام المكلفين، وقد خُرِّجت على أصول الإمام، وتخريج كلام الناس على القواعد الأصولية مشكل. قال الزركشي في تشنيف المسامع: "...فقد حكى الكيا الطبري خلافًا في أن قواعد أصول الفقه المتعلقة بالألفاظ؛ كالعموم والخصوص وغير ذلك، هل يختص بكلام الشارع أو تجري في كلام الآدمي، وسيأتي في باب العموم حكاية القاضي حسين أيضًا، والراجح الاختصاص...." [66] ، أي الاختصاص بكلام الشارع؛ وذلك لأن الناس في الغالب لا يرعون دلالات ألفاظهم، ويغفلون عن مدلولاتها، كما أن العرف، والقصد والنية، لها أثر في أحكام نطقهم. 5- وقع الإسنوي في الخلل من حيث النسبة، وأحيانًا قد لا أجد الفرع في المكان الذي أحال إليه [67] . 6- إدراج الفروع المخالفة للقاعدة تحت القاعدة منبهًا على ذلك بقوله: ومن الفروع المخالفة [68] ، أو يقول: فروع فيها نظر [69] ، أو فروع مشكلة [70] ، أو التخريج على ضابط مخالف للقاعدة [71] ، ولا أعلم وجهًا لإدراجها ضمن كتاب التخريج؛ لأن إلحاق المخرج يكون على أصول الإمام، وهنا الفروع لا تلحق بها! والله أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] نُشِر في موقع الألوكة بتاريخ 5/ 5/ 1440هـ. [2] التمهيد (47). [3] وقفتُ - بفضل الله - على نُسَخ خطية عديدة لكتاب التمهيد، ثمَّ شرعتُ مع بعض الإخوة في تحقيقه، كان نصيبي من بداية الكتاب إلى باب أركان الحكم، بواقع (19) قاعدة مع فروعها. [4] التمهيد (47). [5] التمهيد (46-47). [6] الكوكب الدري (189). [7] الدرر الكامنة (2/ 149-150). [8] انظر: الغيث الهامع لولي الدين أبي زرعة العراقي (1/ 333)، والأشباه والنظائر؛ للسيوطي (1/ 207)، وحاشية العطار على شرح المحلي (2/ 42، 430)، والغرر البهية؛ لزكريا الأنصاري (5/ 216)، وحاشية الرملي الكبير على أسنى المطالب (1/ 542) و(3/ 288)، وتحفة المحتاج؛ لابن حجر الهيتمي (10/ 96)، ومغني المحتاج؛ للشربيني (4/ 481)، ونهاية المحتاج للرملي (6/ 182) و(8/ 182)، وإعانة الطالبين؛ للبكري (4/ 251)، وحاشية البجيرمي (4/ 366). [9] انظر: شرح ابن جماعة على مقدمة التنبيه (8/ 168). [10] تُحقَّق الآن في جامعة الإمام من الباحث سلمان الهمامي، وقد أفادني بحقيقة اسم الكتاب، وكذا الحاشية السابقة، وأفادني بأن ابن أقبرس ينقل كثيرًا من كتاب شيخه ابن جماعة، وذكر السخاوي في الضوء اللامع هذا المؤلف (5/ 293)، وقال عن ابن أقبرس: "ولكن تصانيفه ليست بذاك". [11] التمهيد (46-47). [12] انظر: بغية الوعاة (2/ 93). [13] انظر: معجم المؤلفين (5/ 203). [14] انظر: ترجمة الإمام العلامة جمال الدين بن عبدالرحيم الإسنوي؛ لزين الدين العراقي (41). [15] انظر: التمهيد (47). [16] انظر: التمهيد (54)، (91)، (93) وغيرها كثير. [17] انظر: المهمات (1/ 230). [18] انظر: الكوكب الدري (186، 189، 289، 320، 398). [19] ترجمة الإمام العلامة جمال الدين بن عبدالرحيم الإسنوي؛ لزين الدين العراقي (41). [20] انظر: حاشية العطار (2/ 430)، ونهاية المحتاج للرملي (6/ 182) و(8/ 182)، وحاشية البجيرمي (4/ 366). [21] التمهيد (46). [22] انظر: الكوكب الدري (188-189). [23] التمهيد (46-47). [24] انظر: الذيل على العبر في خبر من غبر (2/ 315)، وبغية الوعاة (2/ 92)، وسبق في الدراسة بيان شيء من النقولات في ذلك. [25] انظر: الوصول إلى قواعد الأصول؛ للتمرتاشي (113). [26] سبق الحديث عنها عند الحديث عن اسم الكتاب. [27] التمهيد (46). [28] التمهيد (46). [29] التمهيد (46). [30] أدب المفتي (94-59)، وأدب الفتوى؛ للنووي (26)، والمجموع (1/ 43). [31] انظر: المهمات؛ للإسنوي (1/ 147-148)، والمجموع (1/ 72). [32] التمهيد (51). [33] التمهيد (86). [34] التمهيد (77). [35] التمهيد (61). [36] التمهيد (83). [37] التمهيد (101). [38] التمهيد (46). [39] التمهيد (502). [40] المجموع (1/ 65). [41] التمهيد (46). [42] التمهيد (55،58). [43] الكوكب الدري (190). [44] انظر: مقدمة كتاب الكوكب الدري، تحقيق الدكتور محمد حسن عواد (ص176). [45] انظر ما سبق في مؤلفاته. [46] التمهيد (49). [47] التمهيد (80). [48] التمهيد (63). [49] التمهيد (64). [50] التمهيد (54). [51] التمهيد (55-56). [52] التمهيد (92). [53] المهمات (1/ 131). [54] التمهيد (60). [55] التمهيد (61). [56] انظر: الكوكب الدُّري (188). [57] قال ابن خطيب الدهشة في مقدمة كتابه (1/ 63-64): "...أما بعد: فهذا مختصر من قواعد العلائي وكلام الإسنوي رحمهما الله تعالى...والترجمة بمسألة: علامة ، للإمام الإسنوي ". [58] انظر: التمهيد (60). [59] دقائق المنهاج (77). [60] انظر: العزيز شرح الوجيز(6/ 261). [61] انظر: التمهيد (54). [62] قال النووي في روضة الطالبين (11/ 95) عند حديثه عن صفات القاضي وشروطه: "قلت: لا يصح التمثيل بسنن أبي داود، فإنه لم يستوعب الصحيح من أحاديث الأحكام ولا معظمه، وذلك ظاهر؛ بل معرفته ضرورية لمن له أدنى اطِّلاع، وكم في صحيح البخاري ومسلم من حديث حكمي ليس في سنن أبي داود، وأما ما في كتابي الترمذي والنسائي وغيرهما من الكتب المعتمدة فكثرته وشهرته غنية عن التصريح بها، والله أعلم". [63] بيَّن الإسنوي في المهمات (9/ 214) مقصوده بتوهم النووي، فقال: "وهذا الذي ذكره لا يرد؛ فإنه لم يدع استيعاب الأحكام؛ بل ادَّعى الاعتناء فيه بالجمع، ولا شك أن السنن المذكورة كذلك، ونظيره أن تقول: إن الرافعي قد اعتنى في شرحه بجميع الأحكام وإن فاته مسائل كثيرة مذكورة في المطولات والمختصرات". قلت: والذي أوجب هذا الاعتراض القول بأن عبارة الغزالي في المستصفى هي بــ (بجميع) وذلك في قوله في المستصفى (2/ 348): " بل يكفي أن يكون له أصل مصحح وقعت العناية فيه بجميع أحاديث الأحكام كسنن أبي داود "، ونقل ذلك في بعض نسخ الرافعي، والذي قاله الغزالي ونقله الرافعي وغيره عنه هو قوله: (بجمع) من غير ياء بعد الميم. ولكن هذا التعليل لا يدفع السؤال والاعتراض؛ لأنه إذا علم إهماله لكثير من الأحاديث فلا يكفي في نفي الحديث عدم وجوده فيه، لاحتمال وجوده في غيره، فلا تقع الكفاية بسنن أبي داود إذًا. انظر: نقاش العلماء حول هذه المسألة في: البحر المحيط للزركشي (6/ 201)، وفتح المغيث للسخاوي (1/ 88)، وبذل المجهود للسخاوي (37-38). [64] بل ظهرت من الإسنوي – عفا الله عنا وعنه – شدة اتجاه النووي – رحمه الله - ومن ذلك قوله: "والذي قاله ذهول عجيب، وغفلة فاحشة "، وقوله: "والذي ذكره النووي غلط فاحش"، وينظر: التمهيد (115). [65] التمهيد (54). [66] تشنيف المسامع (1/ 368). [67] بينتها وأشرت إلى مواضعها أثناء التحقيق. [68] التمهيد (55، 58، 392، 440، 471). [69] التمهيد (116، 167). [70] التمهيد (208، 241، 300، 374). [71] التمهيد (386).
الشركات الوقفية نموذج رائد
محمد بن عبدالرحمن المشيلح
07-05-2019
12,968
https://www.alukah.net//culture/0/134169/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac-%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d8%af/
الشركات الوقفية نموذج رائد بسم الله، والحمد لله. حينما يريد الإنسان الحديث عن الوَقْف تخطر بباله تلك الأوقاف التي دامت مئات السنين، ريعها لم ينقطع عن المحتاج الحي، وأجرها لم ينقطع عن الموقِف في قبره، ومن تلك الأوقاف الخالدة وَقْف عثمان رضي الله عنه لتلك الدار بجوار الحرم المكي؛ حيث ثُمنت وأدخلت في مشروع جبل عمر، وأصبح الواقف من ضمن المؤسسين رسميًّا لهذا المشروع المبارك، فبارك الله وأدام. ومن تلك الأوقاف الخالدة وهي كثيرة وقف بني النجار؛ حيث وقفوا أرضهم لبناء مسجد قباء، فعندما قدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: ((يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي))، فَقَالُوا: "لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى الله"؛ رواه الشيخان. فالناظر إلى هذين المثالين سيأخذ لُبَّه عِظَمُ الأجر المستمر، وعِظَمُ الفضل المعطاء، فكم من المحتاجين والمعوزين، وكم من المصلين والتالين الذين استفادوا لأكثر من أربعةَ عشرَ قرنًا، ولا يزال كذلك إلى ما يشاء الله تعالى، لا يُحصي أجورَهم إلا اللهُ، وهذه من بركات الوَقْف. وقد زاد من اهتمام المسلمين بالأوقاف أثرها الدائم وأجرها المتواصل؛ فقد ورد الأثر عن زيد بن ثابت قال: "لم نر خيرًا لميت ولا لحي من هذه الحُبُس الموقوفة، أما الميت فيجري أجرها عليه، وأما الحي فتنحبس عليه ولا تذهب ولا تورث ولا يقدر على استهلاكها". وسِرُّ الوَقْف وميزته في استدامته، وهذا ما يجعل دراسة أوضاع الأوقاف مهمةً عظيمةً، فالمتأمِّل لحال الأوقاف وتعطُّل أو ضعف بعضها لا سيَّما بعد الجيل الأول للنَّظَّارة؛ يؤمن بأهمية التفكير في صيغ أخرى غير تلك الصيغ التقليديَّة. ومن هنا يأتي الحديث حول الشركات الوقفية، ما المقصود بها؟ وما هي أبرز مزاياها؟ وهل يمكن تسجيلها نظاميًّا؟ وما يندرج تحت هذا الموضوع من تساؤلات. فالمراد بالشركة الوقفية: هي أن تدار أصول الوقف بطريقة الشركات التجارية، ويكون ذلك بعد أن يستصدر الموقِف السجل التجاري بِناءً على صك الوقفية وفقًا للأنظمة التجارية. فالوقف المتمثِّل في شركة تجارية يزيد من فرص نماء الوقف؛ من حيث قابليَّته للتحريك والتداوُل، وسيزيد كذلك من فرص استثماره؛ وذلك بتمكينه من دخول المناقصات والمشاريع الكبيرة، والحصول على التمويلات، مما يعود في النهاية إلى نماء الغلة. والشركات الوقفية عامل قويٌّ في ديمومة الوقف وزيادة عمره الإنتاجي والاستثماري؛ وذلك لارتباطها بالتسجيل التجاري واشتهارها أمام الناس وتوسيع دائرة المستفيدين من أصولها، وكذلك ستعطي مجلس النَّظَّارة حريةً أوسع في التصرُّف في أصول الوقف بما يتوافق مع شرط الواقف وبما فيه مصلحة الوقف بعيدًا عن كثير من الإجراءات التي تتطلَّبها الأوقاف التقليدية، فمن خلال ممارسات الشركات الوقفية اللانهائية والإجرائية في القطاعات المختلفة سواء القضائية أو المالية أو التجارية، فإنه لا قيود تذكر كالتي تُفرَض على الأوقاف التقليدية، وذلك أن التعامل مع الشركات الوقفية تجاريًّا وقضائيًّا وماليًّا، يقوم في الأساس على أنها نوعٌ من الشركات المحكومة بنظام الشركات ولوائحها. إن من أبرز ما يُميِّز الشركات الوقفية كونها خاضعةً لنظام الشركات السعودي، وهذا مفيد من حيث وجود مظلَّة نظامية رصينة تراقب أعمال الوقف، ويتم الاحتكام إليها، وكذلك مفيدٌ في الشفافية وصلاحيات المدير، والحوكمة والإفصاحات المحاسبية، وهذا مما يعين في ضبط ممارسات المدير والنُّظَّار لتكون تحت متابعة النظام. ولن يضُرَّ الوقف تحويله إلى شركة، وذلك أن صك الوقفية هو النظام الحاكم على عقد تأسيس الشركة أو النظام الأساسي لها، فلا يصحُّ أن يُصاغ فيهما ما يخالف شرط الواقف، وسيكون النُّظَّار على الوَقْف هم أعضاء مجلس الإدارة بالنسبة لشركة المساهمة أو أعضاء الجمعية العمومية بالنسبة للشركة ذات المسئولية المحدودة، بالتالي هم من سيُراقب أداء الشركة وسيرسم خططها، ومما يجدر التنبيه إليه هنا أهمية فصل الجهة الإدارية عن الجهة التنفيذية فيكون دور النُّظَّار دورًا رقابيًّا إشرافيًّا وليس تنفيذيًّا، وهذا هو جوهر الحوكمة المرجوَّة في الشركات الوقفية وهو ما يُحقِّق القضاء على أي مصالح خاصة أو فردية تتعارض مع مصلحة الوقف أو مع شرط الواقف. ويوجد العديد من الأمثلة الرائدة والواقعية لهذا النوع من الأوقاف تُدار باحترافية عالية، وتُسهِم في إيجاد الوظائف لأبناء الوطن فضلًا عن مصرف الوقف الأساسي وما يُحقِّقه الوقف من مصارف تنمويَّة وما يُنجزه من مشروعات إستراتيجية تصبُّ في مصلحة الأفراد والمجتمع بشكل عام، ولا يلزم من إنشاء الشركات الوقفية أن تكون الشركة بكاملها وقفًا، فكما يحقُّ للمُوقِف أن يُوقِفَ جزءًا من عقاره على الشيوع أو التخصيص، فإنه بإمكان الموقِف أن يُوقِف جزءًا مُشاعًا من شركته يُحدِّد مصارفه واستغلاله، وهو إجراءٌ مُتاحٌ نظامًا ومتوافِقٌ مع أحكام الوَقْف في الشريعة الإسلامية، وقد ورد ما يُؤيِّد ذلك في المعيار الشرعي بشأن الوَقْف الصادر عن الهيئة الشرعية لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ونصُّه: "يجوز وَقْف المشاع سواء أكان قابلًا للقسمة أم غير قابل لها، ويمكن أن يؤجر المشاع كله من غير الأسهم والصكوك، ويكون للوَقْف حصَّته من الأجرة، أو أن تؤجر الحصَّة الموقوفة وتستغل المنافع بالمهايأة المكانية أو الزمانية، ويكون للمستحقين الريع الخاص بحصة الوقف"؛ ينظر: المعايير الشرعية، المعيار (33)، الفقرة 1/ 4/ 4/ 3. ويأتي التسجيل النظامي لهذا النوع من الأوقاف في المملكة العربية السعودية بشكل إجرائي سلس وفق خطوات أهمها ما يلي: 1- تحديد الأصل المراد وقفه، مع إثبات ملكيته، وتحديد مصارفه، وتسمية نُظَّاره، ولا يشترط في أصل الوَقْف أن يكون عقارًا، فقد يكون من المنقولات أو الأموال. 2- النص على حق الوَقْف في تأسيس كِيانات من مؤسسات وشركات تكون مملوكة للوَقْف بالكامل، أو الاشتراك مع الغير في تأسيس تلك الكِيانات، مبينًا أحكامه وشروطه. 3- إثبات ذلك شرعًا لدى محكمة الأحوال الشخصية، واستصدار صكٍّ للوَقْف. 4- إحضار صك الوقفية إلى مقرِّ وزارة التجارة، واستصدار سجل تجاري بمؤسسة وقفية تجارية. 5- يدوَّن اسم المدير للمؤسسة وهو الناظر، ويتمكَّن الناظر من خلال السجل من فتح حساب بنكي للمؤسسة الوقفية، والتسجيل لدى وزارة العمل لاستقدام العمالة وتوظيف ما تحتاجه المؤسسة من كوادر، وغيرها من إجراءات. 6- بعد ذلك تُودَع الأموال في حسابها، وتنقل بقية العقارات الموقوفة، وتشتري المؤسسة ما يخدم غرضها من عقارات ومنقولات، ويكون للنُّظَّار الحرية في حدود شرط الواقف في الاستثمار بما يُحقِّق المصلحة. 7- ويمكن تحويل تلك المؤسسة إلى شركة شخص واحد وفق نظام الشركات مادة (154)، ويصدر من وزارة التجارة والصناعة قرارٌ بالموافقة على تأسيس الشركة الوقفية، وهو الأفضل من حيث المحافظة على استمرار النشاط والمحافظة على الكادر الوظيفي وباعتبارها شركة لها ذمة مالية مستقلَّة عن مؤسسها، فلا تلحق ديونها الاستثمارية بمؤسسها الذي هو أصل الوقف المنصوص عليه في صك الوقفية. 8- تعتبر الشركة الوقفية حينها شركة ذات شخصية اعتبارية منفردة بذمَّة مالية مستقلة، ولها في ذلك أن تُنْشئ شركات متخصصة في الاستثمار في مجالات محددة أو أن تتملَّك حصصًا معينة في شركات تجارية قائمة، وكل ذلك وفق شرط الواقف وبما هو محدد في صك الوقفية، ولها أيضًا أن تنشئ شركات تكون أوعية لحفظ أموال الوقف من عقارات أو منقولات. محمد بن عبدالرحمن المشيلح محامٍ ومستشار قانوني
لماذا نقرأ؟
عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
07-05-2019
46,217
https://www.alukah.net//culture/0/134168/%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d9%86%d9%82%d8%b1%d8%a3%d8%9f/
لماذا نقرأ؟ القراءة، وأهميتها: أول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم، هي قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]، وذلك يدل على أهمية القراءة؛ فبالقراءة يُعرَف الحلال والحرام، وتُعرف السُّنَن وفضائل الأعمال، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، والجنة والنار، وأخبار الأُمَم السابقة، وما فيها من عِبَر. والملاحظ أن كثيرًا من الناس تركوا القراءة؛ بل حتى بعض طلاب العلم عزفوا عن القراءة، ويكتفي بعضُهم بحضوره الدرس فقط، ولا يُحدِّد وقتًا للقراءة، وقد ثبت أن تقدُّمَ الغرب في الصناعة والتجارة من أسبابه القراءة. أحوال الأشخاص الذين لا يقرؤون: طريقة مملة، وثقافة ضئيلة، زمنٌ مهدر لا قيمة له، وإذا قلت لأحدهم: لماذا لا تقرأ؟ قال: ليس عندي وقت! سبحان الله، عندما تذكر له القراءة يقول ذلك، وتجد وقتًا عنده لقراءة الصُّحُف والمجلَّات، وجلسات أمام الشاشات الفضائية الفاسدة! طرق وتوجيهات للقراءة النافعة: الاستعانة بالله عز وجل بالدعاء أن يفتح الله عليك بالقراءة، ثم العزيمة على ذلك، وهذه بعض الطرق التي تساعدك بإذن الله تعالى على القراءة؛ وهي: 1- قراءة الكُتيِّبات الصغيرة؛ مثل: (القصص الهادفة، القضايا الاجتماعية والتربوية، كيف تحافظ على صحتك؟، السعادة، النجاح في الحياة... إلخ من الكُتيِّبات التي تُرغِّبُ في قراءتها). 2- التعاون بين شخصين للقراءة معًا؛ كأن يقرأ أحدُهما كتابًا، ثم يناقش ذلك الموضوع بطريقة الحوار. 3- تحديد وقت للقراءة (ليلًا أو وقت الصباح الباكر). 4- الذي لا يتمكَّن من القراءة، يضع كتابًا في غرفته، ثم يقرأ فيه قبل النوم مدة عشر دقائق؛ فإن في ذلك خيرًا كثيرًا. 5- التدرُّج في القراءة، وعدم الاستعجال بقراءة المطوَّلات. 6- الإكثار من دعاء: اللهم يا معلِّم إبراهيم علمني، ويا مفهِّم سليمان فهمني. 7- التنويع في القراءة؛ مثل: (العقيدة، الحديث، التاريخ، القصص، المواعظ والرقائق، الثقافة العامة، الأدب..). 8- لن تستطيع أخذ الفائدة من الكتاب إلا بقراءته من أوَّلِه إلى آخره. 9- إذا شعرت بالملل، فأغلق الكتاب ولا تواصِل في القراءة، ولا يكن مُرادُك إنهاء الكتاب. 10- القراءة في مكان هادئ وإضاءة جيدة. 11- وضع خط بالقلم أو علامة تحت الكلمة أو الموضوع المهم. 12- زيارة بعض المكتبات العامة. 13- في بدايتك للقراءة حدِّد وقتًا يسيرًا لذلك. 14- حضور مجالس الذكر؛ ففيها نفع كبير إن تيسَّـر لك ذلك. 15- القراءة في كتب السلف الموثوقة بسلامة المعتقد والمنهج. 16- للفهم (قراءة صامتة)، وللحفظ (قراءة بصوت مرتفع). 17- كتابة وتقييد الفوائد والمعلومات المهمة، وتسجيلها في دفتر، وبعد فترة من الزمن تجد أنك حصلت كنزًا من المعلومات والفوائد. 18- لصحة العينين: القراءة في الكتب ذات الخط الكبير. 19- تنويع الجلسة في القراءة. 20- الحرص على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم؛ ففيها خيرٌ كثيرٌ. الهمة في القراءة: تنمو الهمَّة مع الشخص إذا كان عنده عزيمة وطموح وترقٍّ لمعالي الأمور، والبُعْد عن سفاسفها، والنظر إلى الدنيا وما يشوبها من نغص ومصائب مؤلمة، وأن نعيمها زائل، وأن الإنسان لم يخلق عبثًا، فلا بد له من استغلال الوقت بما يقرِّبه إلى ربِّه عز وجل. وإليك أخي الحبيب بعض أحوال العلماء والسلف مع القراءة: 1- كان عبدالحق الدهلوي دائمَ الاشتغال مُكِبًّا على المطالعة في دياجير الليالي حتى إنه قد احترقت عمامتُه غير مرَّة بالسـراج الذي كان يجلسه أمامه للمطالعة، فما كان ينتبه له حتى تتصل النار ببعض شعره. هكذا يكون الأنس والحب للقراءة بقطع الشواغل، أما واقعنا فهو انشغال بالجوال حتى عند قراءة القرآن، والله المستعان. 2- يقول ابن الجوزي: "من أنفق عصـر الشباب في العلم، فإنه في زمن الشيخوخة يحمدُ جنى ما غرس" [1] . 3- ذكر الإمام الذهبي رحمه الله: "أنه قرأ سيرة ابن هشام في ستة أيام". 4- من علامة كمال العقل: "علو الهمة، والراضي بالدون دني" [2] . 5- يقول أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: "إني لا يحل لي أن أُضيِّعَ ساعةً من عمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصـري عن مطالعة، وكان يختار سفَّ الكعكِ وتحسِّيه بالماء على الخبز؛ لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ؛ توفرًا على مطالعة، أو تسطير فائدة". 6- يقول الفيروز آبادي: "اشتريتُ بخمسين ألف مثقال ذهبًا كُتُبًا، وكان لا يسافر إلَّا وصحبته منها عدة أحمال، ويخرج أكثرها في كل منزلٍ فينظر فيها، ثم يُعيدها إذا ارتحل". 7- قيل لرجل: "مَنْ يُؤنسك؟ فضرب بيده إلى كتبه، وقال: هذه، فقيل: من الناس، فقال: الذين فيها". 8- أبو شامة المقدسي رحمه الله: "ضعف بصرهُ من كثر المطالعة والبكاء، وكان أوحد زمانه في علم الحديث". 9- قال ابن الأبنوسي: "كان الحافظ الخطيب يمشي وفي يده جزءٌ يطالعهُ". 10- الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: "كان يجلس في الليل ليقرأ، فإذا غلبه النعاس اتَّكأ برأسه على وسائد أُعِدَّت له، فأغفى ساعتين أو ثلاثًا من الليل متقطعات ومن النهار ساعة، يقول أُمضـي يومي أكثره في الدار أقرأ، وربما مرَّ عليَّ يوم أقرأ فيه (300) صفحة". 11- قال عبدالله بن المعتز: "الكتاب والجٌ للأبواب، جريء على الحجَّاب، مُفهِم لا يَفهم، وناطق لا يتكلم". أسباب العزوف عن القراءة: 1- عدم تنظيم الوقت. 2- عدم اعتياد شغل الفراغ بالقراءة. 3- تعدُّد الوسائل الإعلامية الجذَّابة التي تملأ فراغ الناس وتصـرفهم عن القراءة. 4- الانهماك في اللهو واللعب وضياع الوقت بما لا فائدة فيه. 5- قلة الوعي بأهمية القراءة لبناء الإنسان. 6- تقصير كثير من أصحاب التوجيه من المدرسين والمدارس في توعية الفرد بأهمية القراءة. [1] صيد الخاطر (329/2)، طبعة الأستاذ علي الطنطاوي. [2] المصدر السابق نفسه.
مع شيخنا المحدث المحقق محمود ميرة
أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
02-05-2019
23,791
https://www.alukah.net//culture/0/134091/%d9%85%d8%b9-%d8%b4%d9%8a%d8%ae%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%82%d9%82-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d9%85%d9%8a%d8%b1%d8%a9/
مع شيخنا المحدِّث المحقِّق محمود ميرة كتبها: أيمـن بن أحمد ذو الغـنى الشيخ الجليل أبو أحمد، محمود بن أحمد بن صالح ميرة، الحلبي الشافعي: محدِّث محقِّق، من أهل الصلاح والاستقامة، والعلم والعمل، فصيح اللسان حاضر البديهة. يعد اليوم بلا ريب من أبصر أهل الأرض بكتاب (المستدرك على الصحيحين) للحاكم النيسابوري (ت 405هـ) ، وأعلمهم بأحاديثه وموارده وأصوله الخطية وطبعاته القديمة والحديثة، وكل ما يتصل به. مجالس الشيخ ميرة: وقد أسعدني دهري بمعرفة الشيخ والجلوس بين يديه، والانتفاع بمجالسه الثرية بالعلم والنصح، ومن آخر مجالس شيخنا - حفظه الله - مجلسٌ فخم في داره بحيِّ الريَّان في الرياض، ليلة الجمعة 22 من رجب 1440هـ، أسعدنا فيه بفوائدَ علميةٍ وتاريخية وتربوية شريفة: ♦ حدثنا حديثًا مطوَّلًا عن رحلاته العلمية لتصوير المخطوطات. ♦ وعن قصته مع كتاب الحاكم النيسابوري (المستدرك) عنايةً ودراسة وتحقيقًا. ♦ وعن طلبه العلم في حلب ودمشق، وتدريسه في المدينة المنوَّرة والرياض. ♦ وعن صلته ببعض الأعلام من العلماء والدعاة. حضر المجلس ثلَّةٌ من طلاب العلم الأفاضل، وهم الإخوة: ♦ الشيخ عبد الأول ابن الشيخ المحدث حمَّاد الأنصاري رحمه الله (المدني) ♦ الشيخ خالد بن محمد المختار البَداوي السباعي (المغربي) ♦ الشيخ خالد بن عبد العزيز آل سليمان (من الخَرْج) ♦ الشيخ خالد بن ماجد العَمرو (من الرياض) ♦ وكاتب هذه السطور أبو أحمد أيمن بن أحمد ذو الغنى (الدمشقي الميداني) وقد سمعنا على الشيخ بارك الله في عمره الحديثَ المسلسل بالأوَّليَّة، وأوَّل صحيح البخاري وأوَّل مستدرك الحاكم، بقراءة أخينا الشيخ خالد السباعي. وأجازنا شيخنا الجليل محمود ميرة متفضِّلًا بما تصحُّ له روايته بالشرط المعتبَر عند أهل الحديث والأثر، وكتب الإجازةَ بخطِّه أخونا السباعي. (وهي الإجازة الخامسة لي من الشيخ، شكر الله له وجزاه عني خيرًا) . ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ وسأذكر نتفًا من فوائد المجلس، أقدِّم لها بسيرة موجَزة للشيخ: سيرة الشيخ محمود ميرة: ♦ ولد شيخنا في حلب، حيِّ الكلَّاسة زُقاق المبلِّط، في رمضان 1347هـ/ شُباط 1929م، وقد بلغ من عمره المبارك الثالثة والتسعين، أنسأ الله أجله في صحة وطاعة، ونفع بعلمه وعمله. ♦ تلقَّى تعليمه في المدرسة الشعبانية (معهد العلوم الشرعية) ، وتخرج فيها عام 1954م. ♦ درس في كلية الشريعة بالجامعة السورية (جامعة دمشق) وتخرَّج فيها عام 1960م. ♦ حصل على دبلوم التأهيل التربوي من الجامعة نفسها عام 1961م. ♦ تولَّى الخطابة في جامع سكَّر بحيِّ الكلَّاسة من نحو عام 1950 إلى 1965م. ♦ ارتحل إلى المملكة العربية السعودية عام 1385هـ/ 1965م، وأقام في المدينة المنوَّرة مدرِّسًا في المعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية من عام 1965 إلى 1973م. ♦ نال شهادة الماجستير من جامعة الأزهر بمصر عام 1968م، بعد دراسة سنتين، وتقديم بحث تكميلي بعنوان: دراسة حديث (يا أبا عُمَير، ما فعل النُّغَير؟) حديثيًّا وفقهيًّا، مع تحقيق رسالة أبي العباس ابن القاصِّ أحمد بن أبي أحمد الطبري (ت 335هـ) : (فوائد حديث أبي عُمير) استخرج منه ستين فائدة من وجوه الفقه وفنون الأدب. ♦ نال شهادة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى في علم الحديث من جامعة الأزهر عام 1972م، عن أطروحته (الحاكم النيسابوري وكتابه المستدرك على الصحيحين) . ♦ ثم عيِّن مدرِّسًا في الجامعة الإسلامية كليتي الدعوة والشريعة، من عام 1973 إلى 1406هـ/ 1986م. ♦ انتقل إلى الرياض مدرسًا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من عام 1406هـ/ 1986م إلى 1416هـ / 1996م. ♦ من الكتب التي درَّسها في الجامعة الإسلامية: (مقدمة ابن الصلاح) ، و (سبُل السلام) للصنعاني، و (فتح المغيث) للسَّخاوي، واعتنى عناية خاصة بتدريس مادة (دراسة الأسانيد) . ♦ ومن قبلُ درَّس في المعهد الثانوي بالمدينة: التفسير، واللغة العربية النحو والإنشاء، والتاريخ والجغرافيا. ♦ ولا يزال الشيخ مقيمًا في الرياض، ممتَّعًا بذاكرة حاضرة، وحافظة مسعفة واعية، حفظه الله وبارك في عمره وهمته. ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ فوائد من مجلس شيخنا محمود ميرة: ♦ قدِم شيخنا محمود ميرة إلى السعودية قبل 55 عامًا، (عام 1385هـ) قضى 21 عامًا منها في المدينة المنورة، و34 عامًا في الرياض، ولا يزال مقيمًا فيها منذ عام 1406هـ يحفظه الله. ♦ منذ غادر سوريا إلى السعودية لم يَزُر الشام ولا مرة واحدة؛ لانشغاله في الصيف بالتعليم (دورات صيفية) ، وانتدابه في أعمال جامعية علمية، وابتعاثه في رحلات خارجية لتصوير المخطوطات، ولأن والدَيه كانا معه في المملكة. ♦ أول حِجة حجها الشيخ ميرة كانت في شبابه وهو ابن 26 سنة، وذلك عام 1373هـ/ 1954م. ثم بلغت حِجَّات الشيخ اثنتين وعشرين (22) حِجَّة، جُّلُّها مع أخيه وصفيِّه الشيخ محمود الطحَّان وأسرتيهما. ♦ من أول ما اقتنى الشيخ ميرة من مخطوطات، نسخة خطية من مسند الإمام أحمد ابن حنبل رخيصة الثمن، ولكنه دفع فيها كل ما يملك، أو كما قال: (دفعت فيها ما فوقي وتحتي) ، أيام دراسته الجامعية بدمشق، ثم رآها معه الشيخ زهير الشاويش فأقنعه أن يشتريها منه؛ إذ يمكن أن يكون انتفاعه بها أكبر، وأرجع إليه ما كان دفعه. ♦ أول راتب ناله الشيخ من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مقداره 1350 ريال، وكان يبلغ يومئذ ثلاثة أضعاف راتبه في الشام، وكانت الليرة السورية حينذاك أعلى من الريال السعودي (كل 100 ليرة تساوي 113 ريال) . ♦ لم يحرص الشيخ على الإجازات، لأن مشايخه زهَّدوه بها، قال: (ولو اهتممتُ بها لحصَّلت منها الكثير، ولا سيما في رحلاتي العلمية إلى الهند واليمن ومصر وغيرها) . ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ في المدينة المنورة جاور شيخنا محمود ميرة فضيلةَ الشيخ المحدث حماد الأنصاري أربع سنين، في حي المصانع بيت بيت، وربطت بينهما صلة علمية وثيقة ومحبة في الله كبيرة. ♦ مما ذكره شيخنا ميرة عن الشيخ حماد أنه كان عظيم التوكل على الله فلا يكاد يمسك في يده مالًا، وكان محبًّا للكتب واقتنائها، وكانت مكتبته يومئذ صغيرة في غرفة واحدة. ♦ ثم جاور شيخنا سماحةَ الشيخ عبد العزيز ابن باز في شارع المطار، من عام 1387 إلى 1393هـ، وكان ابن باز يقطن دارًا تابعة للجامعة، ثم مُنحت له هدية، ولكنه أبى بشدة، فجُعلت وقفًا للجامعة. ♦ مما ذكره شيخنا ميرة عن الشيخ عبد العزيز ابن باز أنه رجل جمُّ الفضائل كثير المحاسن، نفاعة لا يبطئ عن فعل الخير، كان مكتبه في الجامعة مفتوحًا للجميع مدة إدارته لها من 1385 إلى 1393هـ، وكان للمعلمين والموظفين أبًا وأخًا وصديقًا، وكان تقيًّا ورعًا، سخيًّا كريمًا، هاضمًا للنفس، ومتواضعًا للكبير والصغير، مع جرأة وإقدام في نصرة الحق. [قلت: ومثل هذا الكلام سمعته من كل مشايخنا الذين عرفوا الشيخ ابن باز عن قرب في الجامعة الإسلامية، أو خارجها، ومنهم مشايخنا: مصطفى الخن وسعيد المولوي اللذان درَّسا في الجامعة الإسلامية، وعبد القادر الأرناؤوط وعبد الرحمن الباني ومحمد بن لطفي الصباغ الذين كانوا على صلة وثيقة بالشيخ] ♦ ومن شدة كرم الشيخ ابن باز أنه كان لا يكاد يأكل وحده، وكثيرًا ما يدعو شيخنا ميرة إلى مائدته، وأحيانًا يتصل به ليلًا يدعوه إلى العشاء، قائلًا: ليس لدي اليوم أحد يشاركني العَشاء فتفضل عليَّ بالحضور لنتعشى معًا. ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ابتُعث شيخنا محمود ميرة إلى عدد من الدول لتصوير المخطوطات للجامعة الإسلامية، وهي: اليمن، والهند (مرتين) ، ومصر، وتركيا، وألمانيا. في اليمن: ♦ كان ابتعاث شيخنا إلى اليمن عام 1967م لتصوير مخطوطات للجامعة، وبقي شهرًا كاملًا هناك، صوَّر الكثير منها. ثم علم أن جمًّا وفيرًا من المخطوطات أُخذ من قصر الإمام أحمد بن يحيى حَميد الدين آخر أئمَّة اليمن، وجُعل في أكياس خيش ورُمي في مكتبة الجامع الكبير بصنعاء، وقد فتش فيه الشيخ وصور منه نسخة آل الوزير من (المستدرك) للحاكم. ♦ كتب الشيخ عبد العزيز ابن باز مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة خطابًا إلى الشيخ العلامة القاضي إسماعيل الأكوع في اليمن يوصيه بمساعدة الشيخ ميرة في مهمته، فاعتنى الأكوع به عظيم العناية، وأوفى في إكرامه على الغاية، وأصر إصرارًا عليه أن يدعَ الفندق وينـزل في بيته، فقضى في بيته قرابة شهر معززًا مكرَّمًا، وكان الأكوع أمين المكتبة فيسر أموره وأتاح له كل ما يرغب في تصويره رحمه الله. في الهند: ♦ ثم ابتُعث الشيخ إلى الهند نحو عام 1976/ 1977م، وبقي فيها شهرين، ذرعَها ذَرعًا من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، بحثًا عن نفائس المخطوطات. ♦ وابتُعث معه العلامة د. ف. عبد الرحيم الهندي من مِدراس وهو يكاد يتقن جميع لغات الهند ولهجاتها، فكان خير عون له هناك. [قلت: شيخنا العلامة ف. عبد الرحيم هو اليوم رئيس قسم الترجمات في مجمَّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، ويتقن أكثر من 14 لغة عالمية، وهو عالم صالح عابد]. ♦ كان للعلامة الشيخ أبي الحسن النَّدْوي فضلٌ كبير في تيسير سبل تصوير المخطوطات في الهند، إذ كتب إلى جميع المكتباتهناك أن تبذل للشيخ ميرة كل ما تستطيع من عون. ♦ استعان الشيخ في الهند بفِرَق من المصوِّرين السنمائيين لتصوير المخطوطات بمصوِّراتهم (كاميراتهم) ورقة ورقة، كان كل فريق يعمل 8 ساعات، ويتناوبون في العمل على مدار اليوم والليلة. ♦ الخطوط الحديدية في الهند قديمة جدًّا، لكنها منظمة جدًّا ومجدية، وقد قضى الشيخ 3 أيام متواصلة في القطار منتقلًا من مِدراس إلى حيدر أباد. في مصر: ♦ ثم ابتُعث الشيخ إلى مصر بعد رحلة الهند لتصوير المخطوطات فيها، وبقي هناك شهرين يصور المخطوطات في الليل والنهار، وابتُعث معه الأستاذ المصري فتحي عبد رب النبي الموظف في الجامعة الإسلامية، وهو رجل فاضل خبير خدم الجامعة خدمات جليلة، وهو الذي أنشأ لهم المطبعة ومركز تصوير المخطوطات، صوروا فيه مخطوطات المكتبة المحمودية كلها وجُل مخطوطات مكتبة عارف حكمت. وكان اشتراها من لندن، وركبها بنفسه في الجامعة. ♦ التحق بالشيخ ميرة في مصر صديقُه الحلبي الأستاذ مصطفى الخطيب، وهو رجل داهية حاذق ساعدهم كثيرًا في تصوير المخطوطات هناك، وكان يعمل مع الشيخ مصطفى الزرقا في الكويت في الموسوعة الفقهية، فاستأذنه في السفر إلى القاهرة أيامًا لمساعدة الشيخ ميرة فأذن له، ولكنه بقي في مصر أسابيع، والشيخ الزرقا يكتب إليه يستعجله في الرجوع، وهو يماطل ويماطل. فكتب إليه الشيخ قصيدة ومما قال فيها: ووعدتَني تأتي الخميسَ، فلا الخميسَ ولا الأحَدْ = وإذا اعتمدتَّ على الخطيبِ فما اعتمدتَّ على أحَدْ في الهند (الرحلة الثانية) • ثم ابتُعث إلى الهند مرَّة أخرى، بقي هناك نحو شهر، كانت رحلةً طلابية من الجامعة، رافقهم فيها الشيخان أبو بكر الجزائري ومحمد الوائلي، ولكن كان للشيخ برنامجه الخاص مفرَّغًا لتصوير المخطوطات هناك. • صور من رامبور مكتبة عظيمة مديرها حسن العرشي، وقد ساعدهم ثَمَّ طبيب صالح مشهور اسمه هامْدَرد، كان ثريًّا سخيًّا وخادمًا للإسلام والمسلمين، لديه مشفى كبير 9 طوابق، قابلهم وقتًا قصيرًا في استراحة بين عمليتين جراحيتين، وتكفل مشكورًا بتصوير مكتبة رامبور كلها مجَّانًا على حسابه، جزاه الله خيرًا. • حاول الشيخ تصوير المكتبة المحمدية بمدينة مِدراس، وكان القيمون عليها نساءً من ورثة منشئها، فلم يستجيبوا له، ولم يتمكن من تصوير شيء من مقتنياتها. ثم بعد سنوات نجحت جامعة الإمام في الرياض بتصوير مخطوطات منها. • صورت المملكة العربية السعودية مخطوطات كثيرة جدًّا، منها دررٌ ونفائسُ ثمينة، من دول العالم المختلفة، وصار في المملكة قاعدة مخطوطات ثرية. • لفضيلة الشيخ عبد المحسن العبَّاد - نائب مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ثم مديرها - فضلٌ كبير في اجتلاب المخطوطات وتصويرها من شتى مكتبات العالم، وهو الذي ابتعث شيخنا ميرة لتصوير المخطوطات من الدول المذكورة آنفًا. • مما ذكره شيخنا ميرة عن الشيخ عبد المحسن العبَّاد أنه عالم فاضل سمح الخلق، نفع الله به الجامعة نفعًا عظيمًا، وكان يعمل لأجلها ليل نهار، وهو من خير الرجال. ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ ♦ الشيخ عبد الله سراج الدين درَّس شيخنا ميرة شرح البيقونية في علم الحديث في الصف الثاني الإعدادي بالمدرسة الشعبانية. ♦ قضى شيخنا ميرة عقودًا مديدة منقبًا عن مخطوطات (المستدرك) للحاكم، ووفقه الله لاكتشاف نسخ منه لم يُسبَق إليها، ولكن أقدم ما وقف عليه من نسخه ترجع إلى القرن السابع الهجري، أي بعد أكثر من 200 سنة من وفاة الحاكم (ت 405هـ) . ♦ من نسخ (المستدرك) للحاكم نسخة الدرعية، عليها تملكات وتعليقات بخطوط أئمة الدرعية، وأثبت عليها رقم المكتبة المحمودية في المدينة المنورة أي أنها صارت إليها، ولكنها محفوظة الآن في مكتبة أحمد الثالث بتركيا، وقد صورها الشيخ من هناك! ♦ المكتبة المحمودية في المدينة المنورة كان فيها نفائس ونوادر من المخطوطات، ولكن كثيرًا منها نُهب وبِيعَ وضاع! ♦ أفاد الشيخ في تقويم مواضع كثيرة في مستدرك الحاكم من كتاب (الخلافيات) للبيهقي. ♦ لدى الشيخ مصورات لغير نسخة من نسخ (تلخيص المستدرك) للإمام الذهبي، منها نسخة تامة بخط الذهبي نفسه، ونسخة نفيسة بخط سِبط ابن العجمي ولكنها ناقصة. ♦ خط الحافظ الذهبي جميل جدًّا وواضح، على خلاف خط الحافظ ابن حجر فلا يكاد يُقرأ. ♦ ذكر الشيخ نكتة عن الخطوط الرديئة، قال: إن امرأة سألت جحا أن يكتب لها رسالة إلى ولدها في المغترَب، فقال لها: ولكنني مشغول، ولا يمكنني السفر إلى هناك! فقالت له: ومن طلب منك السفر؟ اكتب الرسالة فقط وأنا أرسلها بالبريد إليه. فقال لها: المشكلة أنني إن كتبت لك الرسالة فلن يستطيع قراءة خطي أحدٌ غيري، فلا بد أن أسافر مع الرسالة لأقرأها لولدك هناك! ♦ (معرفة علوم الحديث) للحاكم صدر في طبعتين جيدتين، وطبعة أحمد بن فارس السلُّوم فيها خدمة حسنة للكتاب. ♦ أما (المدخل إلى الإكليل) للحاكم فطبعاته كلها لا تليق بقيمة الكتاب ، ولا يزال مفتقرًا إلى طبعة علمية وخدمة حسنة. ♦ نصح الشيخ بعدم العجلة في إخراج الكتب، وأن لا بد من إعادة النظر في الكتاب مرات وكرات، واستشهد بقول الشاعر: لا تَعرِضَنَّ على الأنام قصيدةً ما لم تكُن بالغتَ في تهذيبِها فإذا عرضتَ الشِّعرَ غيرَ مهذَّبٍ عَدُّوه منكَ وَساوسًا تَهْذي بها [قلت: هذان البيتان مما يستشهد به علماء البلاغة على الجِناس، وكذا روى شيخنا البيت عن مشايخه بلفظ: (على الأنام) ، والرواية في بعض كتب البلاغة: (على الرواة) ]. تمت بفضل الله تعالى ومنِّه اللهم بارك في عمر شيخنا وعلمه، وتقبل منا ومنه صالح القول والعمل والحمد لله تعالى الذي بنعمته تتم الصالحات كتبه: أبو أحمد الميداني أيمن بن أحمد ذو الغنى 22 من رجب 1440هـ
الإسلام وأثره في بناء الشخصية المستقلة للمسلم
د. أنس محمد الغنام
30-04-2019
20,990
https://www.alukah.net//culture/0/134048/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ae%d8%b5%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d9%84%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85/
الإسلام وأثره في بناء الشخصية المستقلة للمسلم من أهم ما حرص عليه الإسلام في تعاليمه وتشريعاته هو بناء الشخصية المستقلة للمسلم، وهذه الاستقلالية تُمكِّن المسلم من عدم ذوبان شخصيته في شخصيات المخالفين له في الدين؛ سواء في عقائدهم أو عباداتهم أو سلوكيَّاتهم. فالمسلم هو حامل أعظم رسالة، وأكمل دين، وقد اختاره الله عز وجل لكي يكون أمينًا على هذا الدين، الذي هو سبيل السعادة في الدنيا والآخرة، وهذا يتطلَّب من المسلم أن يكون ذا شخصية مستقلة متفرِّدة حتى يستطيع نشر الحق الذي معه، وتعليمه لكل مَنْ حادَ عن طريقه، وبعد عن سبيله. فالمسلم ينبغي له أن يكون هو رائد الطريق، وقائد السبيل، لا تذوب شخصيته في الآخرين؛ وإنما هم الذين يذوبون فيه، ينبغي له أن يكون متبوعًا لا تابِعًا، وقائدًا لا مقودًا؛ لأن معه الحق والهدى واليقين، معه الحق الذي تحتاج إليه البشرية في مسيرها، معه الهدى الذي ينقذها من ضلالات الأفكار ومتاهات العقول، معه اليقين الذي يُخلِّصها من شبهات الشكوك، وأوهام الظنون. وإذا ضاعت شخصية المسلم، وأصبح مقلِّدًا للآخرين، ضاع الحق الذي معه، وذهب الدين الصحيح الذي يحمله؛ لذلك كانت أعظم جناية على الدين هو أن ينسلخ المسلم من شخصيته الإسلامية، وهويته الإيمانية، ويصبح مقلدًا لمن يخالفه في الدين؛ سواء في العقائد أو العبادات أو السلوك؛ لذلك حرص الإسلام في كثير من تشريعاته على تحقيق الاستقلالية في شخصية المسلم، وترسيخها في عقله وفكره، وغرسها في قلبه وضميره، وهذه التشريعات يمكن تقسيمها إلى عدة محاور، ولنبدأ بأول محور منها، وهو: 1- الاستقلال في المسئولية: يعلمنا الإسلام أن كل إنسان مسئول عن أعماله، وأنه سيحاسب على ما اقترفته يداه، وجنَتْه جوارحه؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38] ، وأن كل إنسان سيحمل وِزْرَ نفسه، ولن يحمل أحدٌ عنه وزره، أو يُسأل عن عمله حتى ولو كان قريبًا له؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ [فاطر: 18]، وأن علاقات النسب وروابط القربى لا قيمة لها يوم القيامة، وأنها لا تغني عن صاحبها شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ﴾ [المؤمنون: 101]، وأن كل واحد سيقف أمام ربِّه وحده، وسيحاسب وحده، فلا حميم يشفع له، ولا صديق يُطاع من أجله؛ قال تعالى: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95] . إن ما سبق ذكره يُعَدُّ من صُلْب عقيدتنا وأساسيات ديننا، وهو له أكبر الأثر في تربية المؤمن على الاستقلال التام في شخصيته، والبُعْد عن التقليد الأعمى؛ لأن ترسيخ هذه المعاني في قلبه، وغرسها في نفسه يُنشئ منه إنسانًا معتدًّا بنفسه، مستقلًّا بذاته في كل توجُّهاته وأفكاره واعتقاداته، فلا يُقلِّد لمجرد التقليد؛ وإنما يزن كل ما يراه بميزان الشرع، فما وافقه قبله، وما خالفه رفضه، وهذا هو المأمول من كل مسلم. 2- الاستقلال في الاعتقاد: الإسلام لا يريد من المسلم أن يُلقي بزمام عقله لغيره، وأن يكون تابعًا له يقوده حيث يشاء؛ بل يريد منه أن يكون مستقلًّا برأيه، معتدًّا بفكره، لا يقول إلا ما يراه صحيحًا، ولا يعتقد إلا ما يظنُّه صوابًا؛ لذلك جاء كثيرٌ من آيات القرآن الكريم تذمُّ التقليد، وتنهى عنه؛ بل وتأمر بإعمال العقل والفكر، والإيمان بما يؤكِّده الدليل؛ قال تعالى في ذمِّ الذين يُقلِّدون آباءهم في الكُفْر على حساب الدين الصحيح: ﴿ بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22] ، كما نعى عليهم تقليد هؤلاء الآباء مع ضعف عقولهم، وظهور ضلالهم، فقال: ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 170] . والقرآن دائمًا ما يطالب بالتفكير الصحيح المدعوم بالدليل الواضح، والبرهان اللائح، فنراه يقول ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 46] ، كما أعلى من قيمة الدليل، وبيَّن أن صاحب العقل هو من يكون يسير وراء الدليل أينما سار؛ لذلك تكرَّر في القرآن قوله تعالى: ﴿ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 111]، كما تكرَّر كثيرًا قوله في الآيات القرآنية: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ﴾ ، ﴿ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ ، والعقيدة التي تنبع من عقلٍ مقتنع بها، قد ارتاح ضمير المسلم إليها، هي العقيدة التي يكون لها أثر في سلوكه وحياته، ويكون عنده الاستعداد للموت في سبيلها، والتضحية من أجلها. إن كل هذه التعاليم لها أثرٌ كبيرٌ في ترسيخ الاستقلالية في شخصية المسلم، وبناء عقله وضميره عليها، فلا يُقلِّد أي أحد، ولا يسلم عقله له؛ بل يكون رائده الدليل، وقائده البرهان، إن هذه رسالة للمسلم ألَّا يقلد أفكارًا واردة عليه من الشرق أو الغرب بسبب انهزاميَّته، أو انبهاره بما عندهم من تقدُّم وحضارة؛ بل عليه أن يقبل ما يتوافق مع ديننا، ويرفض ما يُعارضه، وكما قيل: "الحكمة ضالَّةُ المؤمن، فإذا وجدها، فهو أحَقُّ الناس بها"؛ لكن من المهم أن تكون هذه الحكمة متوافقة مع شرعنا غير مصادمة له. 3- الاستقلال في العبادة : حرص الإسلام أن يجعل المسلم مستقلًّا تمام الاستقلال في عبادته، فلا يُقلِّد غيره، وخاصة من أهل الكتاب والمشركين؛ سواء كان هذا في الصلاة أو الصوم أو الحج؛ لذلك وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها توجيه للمسلمين بأن يخالفوا غير المسلمين في هذه العبادات؛ حتى يُحقِّق لهم الشخصية المستقلة البعيدة عن التشبُّه بالآخرين وتقليدهم، حتى ولو كانت هذه المشابهة غير مقصودة، ولنبدأ أولًا بـ: أ – الصلاة: ففي الأذان للصلاة رفض النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون بالبوق؛ لأنه يُشبِه فعل اليهود، كما رفض الناقوس؛ لأنه يشبه فعل النصارى، إلى أن شرع الله عز وجل له الأذان عبر رؤيا رآها أحد أصحابه، فعَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: "اهْتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلَاةِ كَيْفَ يَجْمَعُ النَّاسَ لَهَا، فَقِيلَ لَهُ: انْصِبْ رَايَةً عِنْدَ حُضُورِ الصَّلَاةِ، فَإِذَا رَأَوْهَا آذَنَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ الْقُنْعُ (يعني: البوق)، فَلَمْ يُعْجِبْهُ ذَلِكَ، وَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ الْيَهُودِ، قَالَ: فَذُكِرَ لَهُ النَّاقُوسُ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى، فَانْصَرَفَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ وَهُوَ مُهْتَمٌّ لِهَمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأُرِيَ الْأَذَانَ فِي مَنَامِهِ" [1] . كما نهى عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها حتى لا نُشابه الكُفَّار في سجودهم للشمس في هذين الوقتين، ومع أن نيَّتنا مخالفة لنية الكافرين، فنحن نسجد لله، وهم يسجدون للشمس إلا أن مجرد هذه التشابُه الظاهري مرفوض حتى تتحقَّق الاستقلالية الكاملة لعبادة المسلم. فعن عَمْرو بْن عَبَسَةَ السُّلَمِي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلَاةِ، قَالَ: ((صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ، وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ)) [2] . كما نهى صلى الله عليه وسلم عن أن يضع الرجل يده على خاصرته في الصلاة؛ لأنه من فِعْل اليهود، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا» [3] ، وقد ذكرت عائشة رضي الله عنها عِلَّة هذا النهي وهو مخالفة اليهود، فعَنْ مَسْرُوقٍ عنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، " كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ: إِنَّ اليَهُودَ تَفْعَلُهُ" [4] . كما أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نصلي في النِّعَال والخفاف مخالفة لليهود، فقال: ((خالفوا اليهود؛ فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم)) [5] . ب - الصوم: أما في الصوم فقد أمرنا بالسحور حتى نخالف اليهود والنصارى ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أَكْلَةُ السَّحَر)) [6] . وعندما صام يوم عاشوراء؛ لأنه اليوم الذى نجَّى الله عز وجل فيه موسى عليه السلام من فرعون، فإنه شرع لنا أن نصوم يومًا قبله، أو بعده لكي نخالف اليهود في صيام هذا اليوم ، فعَبْدُاللهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ))، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [7] . ج – الحج: أما في الحج فقد خالف النبي صلى الله عليه وسلم المشركين، فقد كانوا يقفون بمزدلفة، أما هو فقد خالفهم فوقف بعرفة، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ العَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلامُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عَرَفَاتٍ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا، ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا»، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ﴾ [البقرة: 199] [8] . كما كان يفيض من المزدلفة إلى عرفة قبل طلوع الشمس، مخالفًا في ذلك المشركين؛ حيث كانوا يفيضون بعد طلوعها ، فعَمْرَو بْن مَيْمُونٍ، يَقُولُ: شَهِدْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى بِجَمْعٍ الصُّبْحَ، ثُمَّ وَقَفَ فَقَالَ: "إِنَّ المُشْرِكِينَ كَانُوا لا يُفِيضُونَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَقُولُونَ: أَشْرِقْ ثَبِيرُ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أَفَاضَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ" [9] . ومعنى (أشرق ثبير): من الإشراق؛ وهو طلوع الشمس، وثبير: جبل في المزدلفة، والمعنى لتطلع عليك الشمس حتى ندفع من مزدلفة [10] . وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم العمرة في شهر ذي الحجَّة مخالَفةً للمشركين ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "وَاللَّهِ، مَا أَعْمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ فِي ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا لِيَقْطَعَ بِذَلِكَ أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ، فَإِنَّ هَذَا الْحَيَّ مِنْ قُرَيْشٍ وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: "إِذَا عَفَا الْوَبَرْ وَبَرَأَ الدَّبَرْ وَدَخَلَ صَفَرْ، فَقَدْ حَلَّتِ الْعُمْرَةُ لِمَنِ اعْتَمَرْ"، فَكَانُوا يُحَرِّمُونَ الْعُمْرَةَ حَتَّى يَنْسَلِخَ ذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ " [11] . 4- الاستقلال في السلوك : حرص النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلم المسلمين الاستقلال في سلوكهم، وألَّا يكونوا مقلدين لغيرهم؛ بل ينبغي أن يكون سلوكهم نابعًا من دينهم، ملتزمًا بشرائعه، بعيدًا كل البُعْد عن التقليد للغير، والسير في ركابه، وقد وردت بعض الأحاديث التي تأمر المسلمين بمخالفة غير المسلمين في بعض سلوكهم؛ لكي يتعلم المسلمون الاستقلال وعدم التقليد. ففي السلام نهانا أن نسلم كتسليم اليهود والنصارى؛ وإنما لنا تسليمنا المميِّز لشخصيتنا الإسلامية، وهويتنا الإيمانية ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَا تُسَلِّمُوا تَسْلِيمَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَهُمْ بِالْأَكُفِّ وَالرُّؤوسِ وَالْإِشَارَةِ [12] . كما أمر المسلمين بمخالفة اليهود في تعامُلهم مع المرأة عندما تحيض ، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِيهِمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ﴾ [البقرة: 222] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ((اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ))، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، فَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا فَاسْتَقْبَلَهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا [13] . تأمَّل قول اليهود: "مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ" تجد الحرص الكامل من الرسول صلى الله عليه وسلم على مخالفة اليهود في كل أحوالهم إلى درجة أن هذا قد لفت أنظار اليهود أنفسهم، فقالوا هذه المقولة، كما تلحظ الغضب الشديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصحابيين: أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادِ بْنِ بِشْرٍ عندما أرادا تقليد اليهود في جماع النساء وقت الحيض، وهذا كله مما يؤكد حرص النبي صلى الله عليه وسلم الشديد على تحقيق الاستقلالية الكاملة لشخصية المسلم. ومن ضمن السلوكيَّات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابَه بمخالفة اليهود فيها، المحافظة على نظافة البيوت؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((طَهِّرُوا أَفْنِيَتَكُمْ، فَإِنَّ الْيَهُودَ لَا تُطَهِّرُ أَفْنِيَتَهَا)) [14] . وهذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم كان مُتعلِّقًا باليهود في وقته؛ حيث كانوا لا ينظفون أفنيتهم، وقد علَّلَ هذا الأمر بمخالفة اليهود في هذا السلوك. وتحقيق الاستقلال في السلوك لا يتعلَّق فقط بمخالفة غير المسلم؛ وإنما يتحقَّق أيضًا بمخالفة المسلم في سلوكيَّاته الخاطئة، وعدم اتِّباعه فيما تبيَّن له عدم صوابه، وفي هذا ورد قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ)) [15] . وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، فَغَضِبَ، فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا، فَقَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوهَا، فَقَالَ: ادْخُلُوهَا، فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا، وَيَقُولُونَ: فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ، فَسَكَنَ غَضَبُهُ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: ((لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، الطَّاعَةُ فِي المَعْرُوفِ)) [16] ، فلا عبودية إلا لله، وكل أمر يخالف أمر الله عز وجل يجب على المسلم رفضه، وهكذا يُحقِّق الاستقلالية في شخصيته وسلوكه بدل أن يكون عبدًا لبشر مثله لا يملك له ضرًّا ولا نفعًا . 5- الاستقلال في المظهر: لقد أراد الإسلام من المسلم أن يكون مستقلًّا في مظهره عن غير المسلم، فلا يقلده في ملبس، ولا يتبعه في هيئة، وبالطبع المقصود هنا هو مخالفة غير المسلم في الملبس والهيئة اللتين أصبحتا من خصائص غير المسلم، مثل لبس ملابس القساوسة والرهبان الخاصة بهم، أو يلبس طاقية اليهود ويضفر شعره ضفيرتين كما هو ظاهر من هيئتهم، وعلى هذا حمل كثيرٌ من العلماء حديث رسول الله ((مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ )) [17] . فالتشبُّه المحرَّم هو ما كان في خصائصهم المميزة لهم عن غيرهم، أما التشبُّه بهم في أشياء ليست من خصائصهم؛ وإنما يشترك فيها كل الناس، فليس محرمًا ولا يتناوله الحديث، وقد سئل الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: ما الضابط في مسألة التشبُّه بالكفار؟ فأجاب: " التشبُّه بالكُفَّار يكون في المظهر واللباس والمأكل وغير ذلك؛ لأنها كلمة عامة، ومعناها أن يقوم الإنسان بشيء يختصُّ به الكفَّار، بحيث يدل من رآه أنه من الكفَّار وهذا هو الضابط، أما إذا كان الشيء قد شاع بين المسلمين والكفار فإن التشبُّه يجوز، وإن كان أصله مأخوذًا من الكفَّار، ما لم يكن محرمًا لعينه كلباس الحرير " [18] . ومما يؤكد ما سبق ذكره الحديث الذي رواه عَبْدُاللهِ بْنُ عَمْرِو بْن الْعَاصِ، أنه قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ: ((إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا)) [19] . والثياب المعصفرة: هي المصبوغة بالعصفر وهو نوع من الصبغ لونه أصفر، ومن هنا ندرك مدى حرص النبي على تعليم أصحابه الاستقلالية الكاملة في المظهر. ومن أوامره أيضًا في مخالفة غير المسلم في المظهر قوله صلى الله عليه وسلم : ((خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَاحْفُوا الشَّوَارِبَ)) [20] ، وقوله: ((إِنَّ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ، فَخَالِفُوهُمْ)) [21] ، وقد تبعه في ذلك أصحابه؛ ومنهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كتب للمسلمين في أذربيجان : ((وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ، وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ)) [22] . فكل هذه الأوامر تدلنا بوضوح على أن من أهم جوانب استقلالية المسلم هي استقلاله في مظهره وهيئته؛ لأن التشبُّه بغير المسلمين في مظهرهم وهيئتهم سيجعل المسلم يميل إليهم ويتعلَّق بهم، وسرعان ما يتأثَّر بهم؛ لأن التشابُه في الظاهر سيولِّد تشابُهًا في الباطن، وعندها قد يخسر المسلم دينه وعقيدته. 6- الاستقلال في المال: من المعلوم أن الإنسان في الغالب أسيرٌ لمن يُحسِن إليه، وينفق عليه، وكلما أنفق عليه، طَوَّقَه بجميله، وجعله رهن إشارته وعند ذلك يفقد شخصيته، ويصبح طوع يديه؛ لذلك كان من أكثر ما يجعل للإنسان استقلالية في شخصيته ورأيه ومواقفه أن يكون مستقلًّا في ماله، فلا يتواكل على أحد، ولا يريق ماء وجهه في السؤال. لذلك أمرنا الله عز وجل بالسعي في الحياة حتى نحصل أرزاقنا، ونعِفَّ أنفسنا عن مهانة المسألة وذل الطلب؛ فقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15]، وقال أيضًا: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10] . وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم السعي في تحصيل الرِّزْق؛ لكي ينفق الإنسان على نفسه وأولاده من الجهاد في سبيل الله؛ وذلك ليحث المسلمين على طلب الرزق وعدم القعود عن تحصيله، فَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، قَالَ: مَرَّ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَرَأَى أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَلْدِه وَنَشَاطِه، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يَعُفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ)) [23] ، وقال أيضًا في ترغيب المسلم أن يأكل من عمل يده (( ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده )) [24] ، وقال أيضًا: (( لأن يأخذَ أحدكم حَبْلَه، فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ اللهُ بها وجهه: خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعوه )) [25] . وكما أمرنا بالسعي في الرزق، فإنه نهانا عن المسألة، فقال : " ما يزال الرجلُ يسأل الناسَ حتى يأتيَ يومَ القيامة وليس في وجهِه مُزعةُ لحمٍ " [26] ؛ أي: قطعة لحم كما حذَّر تحذيرًا شديدًا من عاقبة الذي يسأل الناس، ويتكثَّر من أموالهم، فقال : ( (مَنْ سأل الناسَ أموالهم تكثُّرًا؛ فإنما يسألُ جمرًا - أي: من جهنَّم - فليستقلَّ أو ليستكثِرْ)) [27] . إن هذه التوجيهات النبوية الشريفة تبني مسلمًا ذا استقلالية في ماله، وبالتالي يصبح ذا استقلالية في شخصيته، فلا يستعبده أحدٌ، ولا يملي عليه رأيًا؛ بل تكون مواقفه وتوجُّهاته نابعةً من عقله وضميره، وهذه هي قمَّة الاستقلالية في أسمى صورها وأجلى مظاهرها. من خلال كل ما سبق ذكره يتبيَّن لنا حرص الشريعة على تحقيق الاستقلالية الكاملة للمسلم، وتربيته على هذه الاستقلالية، وغرسها في قلبه وضميره، وعندها يكون هو القائد لا المقود، المتبوع لا التابع، وبذلك يحافظ على دينه وعقيدته من الذوبان في أديان الآخرين وعقائدهم، وبذلك يكون هو المسلم المنشود الذي به يُنصَر الدين، ويعلو الإسلام، ويُرفع به لواء الحق في كل زمان ومكان. والحمد لله رب العالمين [1] رواه أبو داود (498)، وصحَّحه الألباني في صحيح أبي داود [2] مسلم (832). [3] البخاري (1220). [4] البخاري (3458). [5] رواه أبو داود (652)، وصحَّحه الألباني. [6] رواه مسلم (1096). [7] رواه مسلم (1134). [8] رواه البخاري (4520). [9] رواه البخاري (1648). [10] فتح الباري 3/531. [11] أبو داود (1987)، وحسَّنه الألباني. [12] النسائي في الكبرى (10100)، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (1783). [13] مسلم (302). [14] الطبراني في "المعجم الأوسط" (4057)، وحسَّنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (236). [15] رواه أحمد (1095)، وقال محققو المسند: إسناده صحيح. [16] البخاري (4340). [17] أبو داود (4031)، وصحَّحه الألباني. [18] مجموع دروس وفتاوى الحرم المكي 3/367. [19] مسلم (2077). [20] البخاري (5892). [21] البخاري (5899). [22] رواه أحمد (92)، وإسناده صحيح. [23] مجمع الزوائد (7709)، وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة، ورجال الكبير رجال الصحيح. [24] البخاري (2072). [25] البخاري (1471). [26] البخاري (1474). [27] مسلم (1041).
نصائح في الكتابة (ألف كتابك)
سلس نجيب ياسين
29-04-2019
12,875
https://www.alukah.net//culture/0/134024/%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a3%d9%84%d9%81-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%83/
نصائح في الكتابة (ألِّف كتابَك) اكتُب فيما تُجيد: قبل التفكير في تأليف كتابك وإفادة الناس بالمعلومات، لا بد أن تحدد الميدان الذي بإمكانك أن تقدم فيه الإضافة اللازمة الفعالة. لا يهم اتساع الموضوع وكثرة التنميق أو التأليف بقدر الإصابة والوضوح. حدِّد جيدًا ما تتقن في مجالك، وما يحتاجه المجتمع مما تُتقنه. الأشياء البسيطة التي تعلمها وتُدركها قد تكون مخفية لدى الكثيرين. لا تحتقر معلومات وإضافاتك، واطرحها كما ترى وتحب. اكتُب أكثر، اقرأ أكثر، يَسهُل الأمر: تأليف كتابك ليس بتلك الصعوبة التي تتخيل، ولا بالسهولة المطلقة؛ حيث إن بعض العوامل تلعب دورًا في نجاحك في كتابته كما يلزم، ولا بأس من البداية بمقالات في مختلف المواقع الإلكترونية والثقافية، وكذا الجرائد المتاحة. حاول أن تقف على أهم النقاط السلبية وتعالجها، يومًا بعد يوم تزداد ثقتك بنفسك وتُصبح تُبدع أكثر وتكتُب كذلك، ورافق بالعملية مضاعفة عملية القراءة والاطلاع؛ فمن شأن الاطلاع والتعلم من مختلف وسائط التواصل الاجتماعي - زيادةُ حجم الوعي والنضج المعرفي والفكري والعلمي لديك. اقرأ قراءات متنوعة، واكتُب بطريقتك: جميل أن تقرأ لأكثر من كاتب ولكل الكتاب النافعين، فهذا يزيد من حجم اطلاعك، ويُضخِّم رصيدك العلمي واللغوي، وكذا المعرفي، ويجعلك ترتقي في سُلَّم ودرجات العلم تدريجيًّا؛ لتزداد حكمتك ومعرفتك لنفسك وحدودك، وشساعة عالمك الجميل وامتداده. القراءة للجميع تجعلك تعرف ما تقدر أن تبدع فيه وتكتب عنه. حين تقرأ للكثير ستكون أنت الذي يقطف من كل بستان زهرة، وأنت المحلق بالمروحية التي ترى من تحتها جمال الطبيعة حينًا، والبحر في أخرى، وكذا المدن والبنايات، والناس بعدها، ستكون سيد قلمك، فاكتُب ما رأيتَه من حقيقة وخلصت له من جمال. اكتُب بحب: تأليف كتابك أو الكتابة بشكل عام ليست مجرد كلمات وجب ربطُها وإحضارها من أجل أن يقرأها الآخر، الأمر أكبر من هذا بكثير. الكتابة تعلُّق وروح وحب، لإعطاء الآخر شيء مما نَملِك. اكتُب وكأنك تتحدث مع الآخرين أكثر مما تريد أن تقدم لهم في كثير من الأحيان. صدق وإخلاص المشاعر سرعان ما يتحول إلى تواتر الأفكار والعبارات. ما تريده وتشعر به، وتريد أن تقدِّمه، سرعان ما سيفهمه الجميع. اكتُب ببساطة: ماذا إن قلتُ لك: مهما كنت ذكيًّا عبقريًّا، ولك من الرصيد اللغوي الكثير، ففي الكتابة سيلجأ الجميع إلى قاعدة مفادها: بسِّط أكثر تُفهَم أكثر. الأفكار الكبيرة المعقدة سرعان ما تذوب تنصهر وتتلألأ في قالب البساطة والإصابة. تذكَّر أن القارئ يحتاج إلى أن يَفهم قبل كل شيء، فاذهب إليه ولامسه بالطريقة المناسبة. البساطة والإيجابية في الكتابة تجعل منها أكثر سطوعًا. فهم تلك الأفكار المتواترة المتسلسلة الواضحة المفيدة أو الجديدة، يرغم على إكمال الكتاب. كن موضوعيًّا، فأن تكون موضوعيًّا في الكتابة لا يعني بالضرورة أن تكون غير واقعي، أو غير متبع للمنهج العلمي، بل الأمر يتعدى ذلك ربما بقليل أو بكثير. كما توجد شعرة بين العبقرية والجنون، توجد أيضًا بين ما تقدِّمه للقارئ وما تفرضه عليه. كلما كنتَ موضوعيًّا في الطرح، سليمًا في الرؤية، واسعًا في الاستيعاب، مجيدًا لتقديمه - أحبَّك القارئ. إن خاطبت الإنسان أو القارئ بشكل مباشر، فسيكون الأمر مثيرًا لحماسه، جالبًا لانتباهه. انتمِ في كتابتك للعالم والمجتمع، ثم انزل تدريجيًّا، حتى تصل إلى بيتك لتلمس معظم القلوب. اكتُب وكأنك كاتب كبير: حتى لو كان كتابك الأول ولو كنتَ لا تملك اسمًا، ولا زلت في بداياتك، فانسَ الأمر، واكتُب وكأنك من الكبار، قد يبدو الأمر غريبًا، ولكننا سنشرح : اكتُب بطلاقة وحب ومصداقية، وزوِّدْهم بالثقة والقوة اللازمة. أظهِر ميزتك وشخصيتك في الكتابة. لا تكترث بمدى نجاح الكتاب بقدر اكتراثك بما تطرحه من أفكار. كلما كنت مقتنعًا متأكدًا من أفكارك، سهُل الأمر وتيسَّر أكثر. اعرف ما تقول واضبط كلماتك وعبارتك. كن عفويًّا في الكتابة حريصًا في أخرى، ووازِن بين الأمرين، وكن محيطًا جيدًا بما تكتب. اكتُب بقوة ولطف: الكتابة سلاح يُشبه سهم الحب الذي يرسل مباشرة إلى القلب؛ ليغذي العقل والفكر والروح، وعادةً ما يتحرك الجسد بعد ذلك، وإلا فكيف نبني الإنسان والمجتمع من دون قلم وحبر وكتاب؟! وضِّح الأفكار ونظِّمها، وابعثها متسلسلة. اكتُب وكأنك تحاور الآخرين في جلسة أصدقاء. حاول الموازنة في الطرح بين ما لا شك فيه وبين ما تتركه للقارئ والنقاد. اكتب وكأنك ترى الجميع والعالم أمامك دون استثناء. اكتب وكأنك بين عائلتك ومجتمعك، وكأنك صديق قرائك المحبوب. اكتُب بواقعية وجمال وتفنُّن: جميل أن يملِك الكاتب أفكارًا جديدة أو ذكاءً، ورصيدًا لغويًّا كبيرًا، جميل ورائع أن يكون عبقريًّا، أو كما يقال: " العبقرية شعرة بين الجنون والعقل "، ولكن هل هذا كاف لصياغة كتابه المأمول ؟! اكتُب مباشرة، أو لِنَقُل: من دون غموض شديد وفلسفة زائدة عن الحد. لا بأس من استعمال أفكارك التي تزيد المعنى وضوحًا. جمال عباراتك في بساطتها وسلاسة طرحها، فلا تُعقدها. تفنَّن وأبدع وأتقِن، واجعَل كل ذلك داخل إطار الفائدة والواقعية. راعِ خصوصيات العصر: لَمَّا كانت الكتابة مرهونة غالبًا بالمنهج العلمي، أو التسلسل في الطرح، وذِكر الحقائق اللازمة كما هي، فإن عصرنا اليوم اقترب فيه الإنسان برغبة نحو قراءة القليل المفيد، وبهذا قد تكون مطالبًا بـ: الاختصار والإصابة. الابتعاد عن التكرار قدر الإمكان. تركيز المعلومات في قوالب أو مقالات صغيرة. إحكام المعنى، وإتقان اللغة، وعدم الخروج عن الموضوع. لا تتسرع في النشر: من الطبيعي جدًّا أن تكون مملوءًا بالحماس، راغبًا في رؤية كتابك منشورًا في حُلَّته النهائية، فهو بمثابة الطفل الصغير الذي ربيتَه وتعبتَ من أجله، ولكن وجب ضبط الحماس بشيء من الرويَّة، فمن غير الممكن التعب على أفكار وكتابات، ثم تقديمها في قالب مشوش، فهنا وجب: تنظيم الكتاب أكثر. إعادة ترتيب الأفكار أو المقالات. تصحيح ما يجب تصحيحه. حذف وإضافة الأمور الواجبة، ويكون ذلك بتكرار القراءة. تلقائيًّا سيتبين الأنسب: عند إدمانك الكتابة بأنواعها، ولو على صفحتك الخاصة على الفيسبوك، ثم تطورك تدريجيًّا بمشاركة كتاباتك لمختلف المواقع الثقافية والجرائد والمجلات الورقية وغيرها، ستتجه مباشرةً للتفكير في تأليف كتاب تجمع فيه عصارة فكرك، واضعًا إياها في قالب رسمي بين يديك، ولتصل للأمر ستشعر : أن كتابك يستحق الخروج للضوء. أنه سيمثلك ويمثِّل قدراتك ومجهوداتك. أنه لا مجال للتراجع في إكماله، والبحث عن طريقٍ لنشره. أنك غلَّفت تاجك بالألماسات اللازمة لترصيعه بها. اكتُب باهتمام: أن تكتب بواقعية أو حتى لنقُل: واقعية مثالية، شيء جميل، وأن تخاطب عقول القراء مباشرة، وتعطيهم الدواء الذي يعالجهم، أمر مهم ومفيد، ولكن هل يكفي هذا الاتجاه والتوجه في الكتابة فقط؟ الحقيقة: إن أصناف الناس المخاطبة كثيرًا ما تختلف درجات الذكاء بينهم، وكذا أنماط الشخصيات، فمنهم العاطفية الحساسة، ومنهم الأكثر تعقُّلًا، فإن راعيت مخاطبة هذا وذاك، فسيكون نجاح كتابك أو ما تكتُب أكبر وأكثَرَ. وازن في الطرح بين المنهج والتعقل، وكذا العاطفة؛ لتلامس كتابتك قلوب الجميع. حافِظ على أسلوبك، وما تريد أن تطرحه من أفكار داخل الأسلوب الموضَّح. اكتُب باعتدال: إذا ما اعتبرنا أنك بوصفك كاتبًا تختلف عن الآخرين؛ كونك من النخبة المطالبة بإفادة الناس وتعليمهم؛ ذلك أن الكثيرين ينتظرون منك تلك الفكرة أو الرأي المرجَّح الذي سيعتمدونه في حياتهم، فسيكون لزامًا عليك: احترام عقول وعواطف قرائك بإعطائهم ما ينفعهم. تغليب مصلحتهم على ذاتيَّتك؛ لأنهما غالبًا ما يكونان وجهان لعملة واحدة. الجدية والصدق والتزام المنهج في سبيل إيصال الإفادة والحق. ضَعْ نفسك مكانهم، وإن استطعتَ تحقيق شيء من هذا، فستكون المهمة أسهل وأروع. خُذ النصيحة وابقَ أنت. ماذا لو قلتُ لك: إن في ميدان الكتابة من المهم أن تأخذ الكثير من النصائح، خاصة تلك المباشرة منها، وخاصة إن كنت قد قدمتَ كتابات لاقتْ إن لم نقل استحسانًا كبيرًا، فسنقول توافقًا مبدئيًّا، ولنشرح ذلك أكثر: اكتُب كما تحب أن ترى وتريد إن كنتَ مقتنعًا، ولا تؤذِ أحدًا. اقبَل النصيحة من المختصين في الميدان، فقد تكون مفيدة. احتفِظ بتلك النصيحة أو النصائح في إطارها الضيق لتستفيد. صحِّح الأخطاء، ركِّز على نقاط قوتك التي رأيتَ أنها تقدمك في المجال أو الميدان. واصِل بحذرٍ وجدٍّ، وتعلَّم، اقرأ أكثر، واكتُب أكثر، وازن بين المغامرة في الكتابة والحيطة. اكتُب برُوحك وشغفك. ربما أو الأكيد أننا لا نحتاج إلى الكثير لنكتب، فنحن نريد أن نتقاسم واقعنا وتجاربنا، أفراحنا وأحزاننا مع الناس. أن تكتب يكفي أن تكون حاضرًا، وينطق ضميرك متحديًا. اكتُب وكأن الجميع ينتظر أن تتكلم. اكتب واعلَم أن ما تريد قوله يوجد كثيرون بحاجة إليه. اكتُب لأن النور الساطع الذي بداخلك لا يمكن أن يغطي مساحتك الصغيرة فقط. اكتب باندفاع كبير وحماس شديد، لدرجة أنك لا تفكر فيما تكتب إن صح القول، أو المجاز. اكتُب ثم اكتُب: إن القاعدة في عالم الكتابة هي أن تكتب ثم تكتب، وبمجرد أن ترى أن الأمر لم يعُد مهمًّا، عليك أن تستعد لتكتب مجددًا، في الحقيقة لن نعقِّد من الأمر كثيرًا، ولنوضِّح أن: الكتابة بحر، وبالتالي فإن قلم حبرك لن ينفد ما دمتَ راغبًا في الكتابة به. عالم الفكر واسع ووعاء العلم لا يَمتلئ، فاستعد للتعلم أكثر، والتأليف بشكل أكبر. إن أدمنت الكتابة فلن تكون مضطرًّا للتخلي عنها؛ لأنها ستسبب إدمانًا أجمل؛ كالفضول والبحث والقراءة. كتبك كتاباتك مقالاتك، ستغدو أمامك مثل الأشجار التي تغرسها وتقطف ثمارها أنت والآخرين، فاكتُب. صدِّق ما تكتُب: أن تكتب بما تحس وعشته أو تعيشه، أمر رائع وجميل؛ ذلك أن ما لمسته سيكون مرسومًا ولو تجريديًّا أمام الجميع. أن تنصح الناس وترشدهم إلى الطريق الصحيح، فهذا أمر جميل. أن تفيدهم أو ترفِّه عنهم أمر يستحق. أن تكون مرشدهم الذي ينتظرون مقالة أو كتابه النافع، فقد حققت المراد. لن تَكسب القلوب والعقول إلا عندما تعي ما تكتب وتصدِّق ما تقدِّم. عشْ ما تكتب: إن أردت أن تكون في طلب عقول الآخرين ومساحة فؤادهم وخواطرهم، فقد تكون ملزمًا وأحيانًا مخيرًا بأن تكتب بمرونة وتلقائية، وربما بحرارة والتزام: تلك الكلمات الخارجة من صُلب روحك. تملِكك للعبارات التي لا يملكها غيرك. قذفك بالمحاور والأفكار كسهام الحب للقراء. حرصك على أن تحرص على إخراج كل ما ينفعهم ناسيًا نفسك. الصمت قوة: غالبًا ما يكون الصمت قوة، وفي كل حياتنا بشكل عام، خاصة إن عرَفنا متى نصمت ومتى نتكلم، وكيف والأمور التي لا تُحكى قد تُفهَم أكثر من تلك التي نتكلم بها، وهذا شيء رائع وعلامة فارقة تدل على أن الإنسان قريب من فطرته. نفس الشيء مع الكتابة فقد تكون الإشارة من بعيد للأمر، أو عدم الإشارة إليه، منبعًا لفَهْم معانٍ أكبر منه. لستَ مضطرًّا لكتابة كل شيء، فقط اكتُب ما تريد وما يفيد. لا تحاول المغامرة والمخاطرة بإضافة ما لست متقنًا له. ما يقرأ بين السطور عادة يكون أحسن مما يُقرأ في سطحها. لكل عبارة أو كلمة مدلول وسط عنوانها، جملتها، فصلها، أو ترتيبها. راعِ كل ما تستطيع مراعاته، ولو بلا تدقيق كبير؛ لكيلا تفقد المتعة.
معركة غرناطة عام 719 هـ
د. محمد منير الجنباز
22-04-2019
10,049
https://www.alukah.net//culture/0/133917/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%ba%d8%b1%d9%86%d8%a7%d8%b7%d8%a9-%d8%b9%d8%a7%d9%85-719-%d9%87%d9%80/
معركة غرناطة في 20 ربيع الأول، عام 719هـ قائد جيش المسلمين: الغالب بالله، أبو الوليد بن الأحمر، يساعده شيخ الغزاة عثمان بن أبي العلاء [1] . قائد النصارى: دون بطرة، ومعه خمسة وعشرون ملكًا من كافة مقاطعات النصارى. سببها: أن النصارى طمِعوا بالمسلمين الذين كانوا في غاية الضعف، وعزَموا على استئصالهم من الأندلس نهائيًّا، فزار دون بطرة البابا في روما، فقام بما يسميه النصارى بالمباركة من أجل ذلك. ثم حشد جمعًا عظيمًا من بلاد إسبانيا كلها، وعلم المسلمون الذين انحصروا في مقاطعة غرناطة بهذا الحشد الكبير فطلبوا المدد من المغرب من حاكم فاس المريني، فلم يُلَبِّ طلبَهم، فاعتصموا بالله وصمموا على المقاومة. وقدِم العدو بجحافله إلى غرناطة يحمل معه آلات الحصار، تُسانِد قواتِه البريةَ قواتٌ بحرية للسيطرة على ثغور غرناطة وقَطْع الإمدادات من طريق البحر، فخرج المسلمون إليهم بقيادة عثمان بن أبي العلاء، واختار خمسة آلاف فارس من الشجعان.. فلما شاهدهم الإفرنج عجِبوا من إقدامهم مع قلَّتهم لحرب تلك الجيوش، والتقى الفريقان ودارت معركة حامية.. لقد كتب الله النصر لهذه العصابة المؤمنة التي ألقت بنفسها في المعركة، متوكلة على الله، بعد أن انقطع مددُ الأرض، فلم يَخذُلْهم ربهم؛ لأنهم قدَّموا ما عندهم ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126]. لقد فرَّ هذا الجيش الجرار والمسلمون في إثره لمدة ثلاثة أيام، وخرج أهل غرناطة يساعدون جيشَهم ويحملون الغنائم ويُقيِّدون الأسرى. وكان من نتائج هذه المعركة مقتلُ قائد الإسبان دون بطرة، وأُسِرت زوجته وأولاده، أما عدد القتلى، فكان أكثر من خمسين ألفًا، كما فني مثل هذا العدد في الأودية والشِّعاب. وكان من نتيجة هذه المعركة أيضًا استرداد جبل الفتح وما حوله من المدن. [1] أما شيخ الغزاة عثمان بن أبي العلاء، فقد توفي سنة 730هـ عن عمر يناهز الثمانية والثمانين، رحمه الله. - المصدر نفح الطيب ص 450 ج1.
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (133)
أ. د. محمد بن تركي التركي
20-04-2019
4,842
https://www.alukah.net//culture/0/133872/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-133/
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (133) 1- ترتيب ثقات ابن حبان، للهيثمي، تحقيق د. شادي بن محمد النعمان، مركز النعمان للبحوث والدراسات، 12ج. 2- كتاب الفكاهة والمزاح، للزبير بن بكار، تحقيق جاسم الفهيد الدوسري، دار ابن الجوزي. 3- التتبع لأوهام يحيى بن يحيى الليثي في روايته لموطأ الإمام مالك، تأليف: أ.د. عبدالسلام بن محمد الشويعر، ركائز للنشر والتوزيع. 4- ضوابط منهجية للاستدلال بالسنة النبوية، تأليف أ.د. محمد بن عبدالله القناص، مركز تدوين للبحوث والدراسات الحديثية. 5- تحليل المتن الحديثي، دراسة تأصيلية، تأليف أ.د. محمد بن عبدالله القناص، مركز تدوين للبحوث والدراسات الحديثية. 6- الألفاظ الشاذة والمدرجة المنثورة داخل المتون الصحيحة المشهورة، تأليف محمد مرعي الشباسي، دار اللؤلؤة. 7- ارتياح الأكباد بأرباح فقد الأولاد، طبعة جديدة، بتحقيق إياد القيسي، مع مسرد بمؤلفات السخاوي المطبوعة والمخطوطة والمفقودة، مؤسسة الرسالة. 8- يونس بن بكير وأثره في رواية السيرة النبوية. تأليف د. أحمد عدنان الحمداني، دار المقتبس. 9- الجمع بين الصحيحين، لعبدالحق الإشبيلي، مهذباً للحفاظ، مطبوعات مركز حفاظ الوحيين، 5ج. 10- الإلمام بأخبار الليث بن سعد شيخ الإسلام فقيهاً ومحدثاً ومؤرخاً، تأليف أحمد إبراهيم أحمد، دار الصالح. 11- هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الأزمات، تأليف د. عبدالرحمن بن علي العسكر، دار الناشر المتميز، دار النصيحة. 12- إتحاف السالك برواة الموطأ عن الإمام مالك، لابن ناصر الدين الدمشقي، طبعة جديدة بتحقيق د. حمود إبراهيم حمود، دار المقتبس، 2 ج. 13- جامع الآثار القولية والفعلية الصحيحة للصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، إعداد عاطف بن عبدالوهاب حماد، دار الفضيلة، دار البلد. 14- منهج الإمام أبي عمرو الداني في جرح وتعديل رجال القراءات، تأليف حامد بن أحمد الغزالي، مكتبة الوراق العامة. 15- جامع أحاديث وآثار الشهداء، تأليف: محمد مرعي الشباسي، دار اللؤلؤة.
إثراء المعرفة بالقراءة
نايف عبوش
18-04-2019
7,297
https://www.alukah.net//culture/0/133850/%d8%a5%d8%ab%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9/
إثراء المعرفة بالقراءة يظل للقراءة أثرُها الواضحُ في تكوين الشخصية الإبداعية للقارئ؛ حيث تعمل على تحفيز قدرات الأفراد، وإثراء معارفهم، وزيادة معلوماتهم، وصقل مواهبهم، وتفجير طاقاتهم الكامنة، وبذلك تكون القراءة من بين أهم العوامل المؤثرة في تشكيل ملامح فكر القارئ، وتحديد اتجاهاته الثقافية التي من خلالها، يمكنه خدمة المجتمع والعمل على تطويره. كما تعتبر القراءة أيضًا وسيلة من الوسائل المهمة في الترويح عن النفس، وملء الفراغ بشيء مفيد، بالإضافة إلى كونها تمرينًا للقارئ على تعلُّم الكلام الفصيح، ودُربة له على التعبير البليغ، من خلال توسيع مداركه في الاطلاع على كلمات ومفردات ومعان جديدة عند كل قراءة. ومن هنا فإن القراءة بهذه الأسلوبية تُعد من أهم الوسائل في اكتساب العلوم، وتحصيل المعارف، وتشكيل الثقافة العامة، فالعلوم والمعارف المتنوعة مدونة في الكتب كما هو معروف، ومن ثم فإنه لكي يتمكن القارئ من معرفة تلك العلوم، واستجلاء تلك المعارف، فإنه لا بد له من قراءة تلك المدونات والمصادر. وتجدر الإشارة إلى أن العلم يتحقق بالقراءة ابتداءً على قاعدة: ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 3 - 5]، وأن التقدم والازدهار والرفعة تتحقق عن طريق التعلم بالقراءة على قاعدة: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]؛ حيث السبيل إلى التطور الحضاري، إنما يكون بالقراءة، وتتبُّع المعرفة، وبذلك تكون القراءة من بين أهم وسائل تحصيل المعرفة وتوظيفها للنهوض بالمجتمعات وتطويرها والارتقاء بها. ولذلك يلاحظ أن المجتمعات التي تنعدم فيها القراءة، ويضمحل فيها تلقي المعرفة من أمهات الكتب، يضمحل فيها الحسُّ العلمي، وينعدم في أوساطها التواصل الثقافي والمعرفي، فتنكمش على نفسها حضاريًّا، وينعزل أفرادها بعضهم عن بعض، ويتعذر عليهم عندئذ الاستفادة من أفكار ومعارف الآخرين؛ حيث يعاني المجتمع في مثل هذه الحالة من التخلف العلمي والركود الحضاري، فيجف عنده العطاء، ويتوقف عن الإبداع. واستنادًا لما تقدم من معطيات، يلاحظ أن القراءة الورقية ما زالت هي الأساس في تعميق المعرفة، وتوسيع نطاق قاعدة العلوم، وتراكم التقنيات في بيئة المجتمعات التي تهتم بالقراءة، وتعمل على إشاعة حسِّها بين الأفراد؛ لتكون جزءًا من مزاجهم الاجتماعي العام، وما يترتب على مثل ذلك النهج من منعكسات إيجابية تَصُب في مصلحة تنمية تلك المجتمعات وتطويرها، وذلك بالرغم من أن القراءة الورقية أخذت تفقد بريقها لصالح القراءة الرقمية التي هيمنت على المزاج العام للقراء بشيوع استخدام الإنترنت، وأدَّت أحيانًا إلى تسطيح تحصيل المعرفة برقمنتها التقنية.
علماء مشهورون بأكثر من اسم
د. محمد بن علي بن جميل المطري
18-04-2019
5,195
https://www.alukah.net//culture/0/133846/%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d8%b4%d9%87%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86-%d8%a8%d8%a3%d9%83%d8%ab%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d8%b3%d9%85/
علماء مشهورون بأكثر من اسم 1- الزهري، ويقال: ابن شهاب، ويقال: محمد بن شهاب، هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، المتوفى سنة 124 هجرية. 2- عاصم بن أبي النَّجود، ويقال: عاصم بن بَهْدَلة، أحد القراء السبعة المشهورين، المتوفى سنة 127 هجرية. 3- أبو جعفر المدني، ويقال: يزيد بن القعقاع، أحد القراء العشرة المشهورين، مشهور باسمه وكنيته، المتوفى سنة 130 هـ تقريبًا. 4- شعبة، ويقال: أبو بكر بن عياش، مشهور باسمه وكنيته، ويقال: اسمه كنيته، وهو المقرئ الكوفي المشهور، راوية عاصم بن أبي النَّجود، المتوفى سنة 193هـ. 5- أبو عُبيدة، ويقال: معمر بن المثنى البصري، مشهور باسمه وكنيته، اللغوي النحوي صاحب كتاب مجاز القرآن، المتوفى سنة 209 هجرية، وهو غير تلميذه أبي عُبيد القاسم بن سلَّام البغدادي المتوفى سنة 224 هجرية، صاحب كتاب غريب الحديث. 6- إسحاق بن رَاهوَيْه، ويقال: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، من أشهر شيوخ البخاري ومسلم، المتوفى سنة 238 هجرية. 7- الجوزجاني، ويقال عنه: السعدي، مشهور بالنسبتين، وهو إبراهيم بن يعقوب صاحب كتاب الجرح والتعديل المتوفى سنة 259 هجرية. 8- ابن قتيبة، ويقال: القتيبي، هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة، المؤلف المشهور، المتوفى سنة 276 هجرية. 9- الطبري، ويقال: ابن جرير، هو محمد بن جرير الطبري، شيخ المفسرين، المتوفى سنة 310 هجرية. 10- ابن عرفة، هو نفطويه النحوي، واسمه إبراهيم بن محمد بن عَرَفَة الواسطيّ النحوي، المتوفى سنة 323 هجرية، وهو غير ابن عرفة الفقيه المالكي المشهور، فالمتأخر اسمه محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي، المتوفى سنة 803 هجرية. 11- ابن حبان، ويقال: أبو حاتم البُستي، هو محمد بن حبان البُستي، المتوفى سنة 354 هجرية، صاحب الكتاب المشهور بصحيح ابن حبان، وهو غير أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي الإمام المحدث المشهور، المتوفى سنة 277 هجرية، وغير أبي حاتم سهل بن محمد السِّجستاني المقرئ اللغوي المشهور، المتوفى سنة 255 هجرية. 12- ابن حمَّويه أحد رواة صحيح البخاري عن محمد بن يوسف الفَرَبْرِي عن الإمام البخاري، ويقال عنه: الحَمُّوْي، ويقال: الحَمُّوْيي، نسبة إلى جده، ويقال: السرخسي، ويقال عنه أيضا: ابن أعين، وهو عبد اللَّه بن أحمد بن حَمَّوَيه بن يوسف بن أعين، السَّرْخسي، المتوفى سنة 381 هجرية. 13- الكُشْمِيهَني، ويقال عنه: محمد بن مكي، ويقال: أبو الهيثم، وهو أبو الهيثم محمد بن مكي الكشميهني المروزي، مشهور بنسبته واسمه وكنيته، ونسبته إلى قرية من قرى مرو، من رواة صحيح البخاري عن الفَرَبْرِي عن الإمام البخاري، المتوفى سنة 389 هجرية. 14- الحاكم النيسابوري، ويقال: ابن البيِّع، هو محمد بن عبد الله صاحب كتاب المستدرك على الصحيحين، المتوفى سنة 405 هجرية. 15- أبو المعالي الجويني، ويقال: إمام الحرمين، هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني، الفقيه الشافعي المشهور، المتوفى سنة 478 هجرية. 16- الراغب الأصفهاني، ويقال: الأصبهاني، صاحب كتاب مفردات القرآن، قال الذهبي: لم أظفر بتاريخ وفاته، والمشهور أنه توفي سنة 502 هـ، وفيه نظر، والأرجح أنه توفي سنة أربعمائة وبضعة عشر أو وبضعة وعشرون كما حققه صفوان الداودي في مقدمة كتاب المفردات للأصفهاني، والله أعلم. 17- عبد القادر الجيلاني، ويقال: الكيلاني، ويقال: الجيلي، المتوفى سنة 561 هجرية. 18- الفخر الرازي، ويقال: ابن خطيب الري, ويقال: ابن الخطيب، المفسر والأصولي المشهور، اسمه محمد بن عمر الرازي أبو عبد الله، المتوفى سنة 606 هجرية، وهو غير محمد بن زكريا الرازي الطبيب المشهور المتوفى سنة 311 هجرية، وغير محمد بن أبي بكر الرازي الحنفي مؤلف مختار الصحاح، المتوفى بعد سنة 666 هجرية. 19- العُكْبَري، ويقال: أبو البقاء، هو أبو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري البغدادي، النحوي المشهور، مؤلف كتاب إعراب القرآن، المتوفى سنة 616 هجرية. 20- ابن تيمية، ويقال: تقي الدين، هو أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام أبو العباس الحراني، المشهور بابن تيمية، شيخ الإسلام، المتوفى سنة 728 هجرية. 21- ابن قيم الجوزية، ويقال: ابن القيم، هو محمد بن أبي بكر الدمشقي، المتوفى سنة 751 هجرية، وهو غير ابن الجوزي، فابن الجوزي اسمه عبد الرحمن بن علي أبو الفرج البغدادي، المتوفى سنة 597 هجرية. 22- ابن حجر، ويقال: الهيتمي، الفقيه الشافعي المشهور، اسمه أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي المصري، المتوفى سنة 974 هجرية، وهو غير ابن حجر العسقلاني المحدث الحافظ المشهور، شارح صحيح البخاري، فاسم الحافظ ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر، المتوفى سنة 852 هجرية، والفقيه ابن حجر الهيتمي بالتاء، وهو غير الهيثمي بالثاء، فالهيثمي هو أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر، المحدث المشهور، المتوفى سنة 807 هجرية. 23- السعدي، ويقال: ابن سعدي، هو عبد الرحمن بن ناصر السعدي، صاحب التفسير المشهور، المتوفى سنة 1376 هجرية. 24- الألباني، ويقال: ناصر، هو محمد ناصر الدين بن نوح الألباني، محدث العصر، المتوفى سنة 1420 هجرية.
علاقات العرب الثقافية مع الشعوب الهوسوية وأثرها في موروثاتها السردية الهوسوية
حسين لون بللو
17-04-2019
13,918
https://www.alukah.net//culture/0/133835/%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d8%b3%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%ab%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d8%b3%d9%88%d9%8a%d8%a9/
علاقات العرب الثقافية مع الشعوب الهوسوية وأثرها في موروثاتها السردية الهوسوية Inter-cultural relation between Arab and Hausa and its effect in Hausa language and their inherited narratives المقدمة: إن هذه المقالة من سلسلة المقالات اللُّغوية والأدبية التي تتضمَّن في طيَّاتها تاريخَ بداية علاقات العرب الثقافية مع الهوسويِّين وأثر تلك العلاقات الاحتكاكية الثقافية في لغة الهوسا وموروثاتها السردية، وحمولاتها الثقافية واللُّغوية، وتسعى أيضًا إلى إبراز العلاقات القديمة والراهنة بين الهوسويِّين والعرب، مع إلماح سريع إلى دوافع هذه العلاقات، وأسبابها، وذكر نتائج تلك العلاقات الثقافية في لغة الهوسا وإبداعاتها السردية الهوسويَّة، وكما أنها تحاول وَضْعَ اللبنات الأساسية للبحث عن آثار التأثير والتأثُّر بين الهوسويِّين والأُمَم الأخرى في السرديَّات؛ لأنها من الجوانب العلمية التي لم تَحْظَ باهتمامٍ مطلوبٍ من الباحثين النيجيريين؛ فلذلك شَعر الباحث بالحاجة الماسَّة إلى نظرة بحثية في السرديَّات الهوسوية النيجيرية؛ لاكتشاف مدى تأثُّرها بالسرديَّات العربية؛ من حيث التقنية، والمنهجية، والبنية الفنية، والأسلوبية، نظرًا إلى أن مثل هذه العلاقات يترتَّب من ورائها وجودُ التأثير والتأثُّر، فتوصَّل الباحث من خلال تصفُّحِه لهذه العلاقات الثقافية الاحتكاكية ما لم يتوقَّعْه من ملامح التأثير الظاهرة والخفيَّة التي أنتجتها هذه العلاقات. ومما هو ملموس في الموروث السردي الهوسوي النيجيري؛ أنه مُتأثِّر منذ بداياته الأوليَّة بالموروث السردي العربي في بنياته الفنية، وتقنياته الإبداعية، ولا ينفي ذلك وجود بصمات محليَّاتها الاجتماعية والفنية نظرًا إلى ما تتضمَّنه هذه الإنتاجات الأدبية الفنية من الحوادث الواقعية؛ والحركات الهوسوية النيجيرية، إضافة إلى ذلك، هناك عددٌ كثيرٌ من الكلمات العربية التي تسرَّبَتْ إلى لغات شمال نيجيريا، وخاصة لغة الهوسا بسبب هذه العلاقات الثقافية التجارية والعلمية التي كان دافعُها الأول هو نشْر دين الإسلام الحنيف، واكتساب الأموال، والتجارة التي اشتهرت بها العرب في هذه الفترات الماضية. وقد اعتمد الباحثُ في جَمْعِ موادِّه البحثية على الكُتُب الأدبية واللُّغوية، والمواقِع الإلكترونية المتنوِّعة، ومقابلة الشخصيات العلمية، مستعينًا بمناهج البحوث المختلفة في ترتيب بحثه وتنسيقه ومناقشة القضايا المختلفة، وقد قسَّم هذه المقالة الوجيزة إلى محورين أساسيين على النمط الآتي: • المقدمة. • المحور الأول: علاقات العرب الثقافية مع الشعوب الهوسويَّة. • المحور الثاني: أثر اللُّغة العربية في لغة الهوسا وموروثاتها السردية. • خاتمة. • الهوامش والإحالات. ♦    ♦    ♦ المحور الأول: علاقات العرب الثقافية مع الشعوب الهوسوية: قبل الخوض الكلي في صميم الموضوع يحسُن للباحث أن يُلقي الضوء التعريفي على بعض مقاطع العنوان الرئيسي؛ لتُحيط الدراسة بجميع أبْعادِها وأطرافها؛ فلذلك يفتح الباحث كُلَّ المحاور بتعريفات لُغوية، ويردفها بالتعريف الاصطلاحي مباشرةً؛ ليُدرك بها القارئ التقارُبَ الدِّلالي الموجودَ بين المعنى اللُّغوي والاصطلاحي: العلاقة في اللغة: (الْعَلَاقَةُ) بِالْفَتْحِ عَلَاقَةُ الْخُصُومَةِ؛ و(الْعِلَاقَةُ) بِالْكَسْرِ عِلَاقَةُ الْقَوْسِ وَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِمَا، وَ(الْعُلَّيْقُ) بِوَزْنِ الْقُبَّيْطِ نَبْتٌ يَتَعَلَّقُ بِالشَّجَرِ، وَ(أَعْلَقَ) أَظْفَارَهُ فِي الشَّيْءِ: أَنْشَبَهَا، وَ(الْإِعْلَاقُ) أَيْضًا: إِرْسَالُ الْعَلَقِ عَلَى الْمَوْضِعِ؛ لِيَمَصَّ الدَّمَ، وَفِي الْحَدِيثِ: ((اللَّدُودُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْإِعْلَاقِ))، وَ(عَلَّقَ) الشَّيْءَ (تَعْلِيقًا) وَ(اعْتَلَقَهُ): أَحَبَّهُ، وَ(الْمُعَلَّقَةُ) مِنَ النِّسَاءِ: الَّتِي فُقِدَ زَوْجُهَا؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ ﴾ [النساء: 129]، وَ(تَعَلَّقَهُ) وَ(تَعَلَّقَ) بِهِ بِمَعْنًى، وَتَعَلَّقَهُ أَيْضًا بِمَعْنَى عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا [1] . وذكرت معاجم أخرى أنه يجوز في كلمة «علاقة» بالمعنى المستعمل هنا فتح العين وكسرها، والفتح أفصح؛ ففي القاموس: «العَلاقة، ويُكْسَر: الحبُّ اللازم للقلب»، وقد ميَّز الوسيط والأساسي والمنجد بين الكلمتين بالفتح والكسر [2] . في الاصطلاح: هي رابطة تربط بين شخصين أو شيئين، فمنها وجدت العلاقات المختلفة في الحقول العلمية المتنوعة منها: 1- العلاقات الثَّقافيَّة ؛ ويعنى بها: وجود تبادُل ثقافي أو تجاري بين الدولتين أو الشعبَينِ . 2- العلاقات الدبلوماسيَّة [3] . وغير ذلك من العلاقات الكثيرة التي لا يَسَع المجال لذكرها؛ لكون البحث في الحديث عن العلاقات الثقافية. ومما هو جديرٌ بالذكر في هذا الصدد أنه لا ي قصد بالعلاقة هنا "وحدة الأصل مثلما يجيء شقيقان من أبٍ واحد [4] " ؛ لأن الدكتور علي أبو بكر ينفي وجود الصلة القربى بين لغة الهوسا والعربية أثناء كلامه عن اللغة الهوسوية والفلاتية؛ حيث قال: "على الرغم من أن كلا (اللغتين) ... لا تمتُّ إلى العربية بصلة من حيث الأصل" [5] ، إلا أنه هناك علاقات ثقافية بين الشعبين في العصور الغابرة والراهنة، وقوله هذا لا يهدم حجج القائلين والمثبتين لوجود الصلة القربى بين اللغتين؛ لما جاءوا به من الحجج المعتمدة على المصادر الموثوقة، إلا أن البحث الحالي يحاول إثبات العلاقة الثقافية بغض النظر عن أسبابها وأنواعها. الثقافة في اللغة : ثقَّف القناة، وعض بها الثِّقاف، وطلبناه فثَقِفْناه في مكان كذا؛ أي: أدركناه، وثقفت العلم أو الصناعة في أوْحَى مدة: إذا أسرعت أخذَه، وغلام ثَقِف لَقِف، وثَقْف لَقْف، وقد ثقُف ثقافةً، وثاقفه مثاقفةً: لاعبه بالسلاح، وهي محاولة إصابة الغِرَّة في المسايفة ونحوها، وفلان من أهل المثاقفة، وهو مثاقف: حسن الثقافة بالسيف بالكسر، ولقد تثاقفوا، فكان فلان أثقفَهم، وخَلٌّ ثَقِيف وثِقِّيف، وفي كتاب العين: ثقِيف، وقد ثقُف ثقافة، ومن المجاز: أدَّبَه وثقفه، ولولا تثقيفك وتوقيفك لما كنت شيئًا، وهل تهذَّبْتُ وتثقَّفْتُ إلَّا على يدِك [6] . في الاصطلاح : هي التراث الفكري الذي تتميَّز به جميع الأُمَم عن بعضها، والتي تعبر عن الخصائص الحضارية والفكرية التي تتميَّز بها أُمَّة [7] ، والثقافة باللغة الإنجليزية تعني ( culture )، وقد استخدمت قديمًا للدلالة على الأمور الزراعية، ثم تطوَّر استخدامُها لتدل على المجتمع المدني، ولا يوجد مفهوم أو تعريف واحد للثقافة، إلا أنه يمكن تعريفها بأنها هي: مجموعة المفاهيم المعروفة حول شيء ما، وتختصُّ به، وتقوم على نقل كافة المعلومات والبيانات المرتبطة به؛ فلذلك يرتكز هذا البحث في النظر إلى الجوانب اللُّغوية والأدبية مع إلماح يسير عن كل ما تأثَّرْت به الهوسا من العربية. بدأت هذه العلاقات الثقافية بين شمال نيجيريا ودول عربية منذ العصور الغابرة؛ حيث دخل إليها عددٌ من العرب؛ لغرض التجارة، ونشر دين الإسلام قبل فتوحات الصحابي الجليل عقبة بن نافع رضي الله عنه [8] التي وصلت إلى طنجة، ومنها إلى بلاد التكرور وغانا، فبعد فتوحاته مباشرةً بدأت القوافل التجارية العربية تعبر جسور بحيرة تشاد، وتدخل في شمال نيجيريا، فحصل الاحتكاك والاختلاط بين الهوسويين والعرب، فأولَدَ ذلك الاحتكاكُ التثاقُفَ والتأثير والتأثُّر بين الشعبين المختلفين [9] ؛ فتأثَّرت بهم قبائل شمال نيجيريا المسلمة، ومن أكثر هذه القبائل تأثيرًا وتقليدًا بالعرب وأخذًا منهم الهوسويُّون، وفي ذلك يقول الدكتور علي أبو بكر: على الرغم من أن (اللغة) الهوسويَّة لا تمتُّ إلى العربية بصلة من حيث الأصل، إلا أنها قد استعارَتْ منها ما لا يقل عن خُمْس كلماتها، ولا شكَّ أن الخُمْس كثيرٌ؛ إذ يصعُب وجود لغة أخرى خارج نطاق اللغات السامية استعارت من اللغة العربية أكثر من هذا المقدار إلَّا اللُّغة الفارسية [10] ؛ بل العدد أكثر من هذه النسبة المقدرة عند الدكتور رحمه الله؛ لأنه قدَّم بحثه منذ 1962م- 1967م، والدراسات اللُّغوية المقارنة ما زالت تكشف في كل يوم كلمات هوسويَّة جديدة ذات أصول عربية، ولم يتوقَّف الأمر عند حدِّ استعارة الكلمات؛ بل تجاوز الأمر ذلك الحد إلى أن استعمل الهوسويُّون الحروفَ العربية في كتابة لغتهم مع إضافة طفيفة في بعض الحروف، وكذلك تأثَّروا بهم في بعض العادات النبيلة والتقاليد الطيبة، وغير ذلك من الأشياء التي تأثَّروا بها؛ نتيجة اطِّلاعاتهم في الكتب الأدبية العربية واحتكاكهم بهم. هكذا ظلت هذه العلاقة الاحتكاكية الثقافية مُؤثِّرة في طرف واحد دون الآخر حتى إلى أن بدأت بصماتُها تظهر في الإبداعات الهوسويَّة القصصية وغير ذلك، فوجد من كُتَّاب القصة الهوسويَّة من هم مُتأثِّرون بالقصص العربية؛ حيث بدأوا يُحاكون العرب في قصصهم، وتقنياتهم في السرد، ومن أمثلتهم أبو بكر إمام. المحور الثاني: أثر اللُّغة العربية في لغة الهوسا وموروثاتها السردية. أثر اللغة العربية في لغة الهوسا : الأثر: الأَثَرُ بالتحريك: ما بقي من رسْم الشيء وضربة السيف [11] ، وفي المقاييس لَهُ ثَلَاثَةُ أُصُولٍ: تَقْدِيمُ الشَّيْءِ، وَذِكْرُ الشَّيْءِ، وَرَسْمُ الشَّيْءِ الْبَاقِي؛ قَالَ الْخَلِيلُ: لَقَدْ أَثِرْتُ بِأَنْ أَفْعَلَ كَذَا، وَهُوَ هَمٌّ فِي عَزْمٍ. وَتَقُولُ: افْعَلْ يَا فُلَانُ هَذَا آثِرًا مَا، وَآثِرَ ذِي أَثِيرٍ؛ أَيْ: إِنِ اخْتَرْتَ ذَلِكَ الْفِعْلَ، فَافْعَلْ هَذَا إِمَّا لَا، قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: مَعْنَاهُ: افْعَلْهُ أَوَّلَ كُلِّ شَيْءٍ [12] . تعتبر اللغة "عبارة عن نظام معين من رموز صوتية ذات دلالة ومعنى بالنسبة إلى الأشياء والأحداث الموجودة في البيئة، علاوة على أنها الأداة الإنسانية الضرورية للتفكير والاتصال الاجتماعي، وتبادل الأفكار بين الأفراد والجماعات" [13] ، من هنا تبدو ضرورتها في الحياة الإنسانية؛ فلذلك إذا تجاورَ اللُّغتان أو ربط بينهما العلاقة الاحتكاكية تتأثَّر إحداهما بالأخرى، وهذا ما حدث بالفعل بين العربية ولغة الهوسا، وقد أثبتت المصادر أن اللغة العربية "من أكثر لُغات المجموعة السامية مُتحدِّثين؛ وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم؛ يتحدَّث بها أكثر من 422 مليون نسمة، ويتوزَّع مُتحدِّثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة؛ كالأحواز وتشاد، ومالي، والسنغال، وإرتيريا. ولغة الهوسا هي اللغة القومية في النيجر، كما تعتبر لغة رسمية في شمال نيجيريا، وتبثُّ الإذاعات العالمية؛ مثل: بي بي سي، وصوت أمريكا، وإذاعة فرنسا الدولية برامجَ لها بهذه اللغة، وهي لغة شهيرة، تعتبر من أهم اللغات الإفريقية، ويقدر الأستاذ محمد ثاني معاذ أستاذ لغة الهوسا، ورئيس قسم اللغات النيجيرية بجامعة بايرو عددَ المتحدِّثين بلغة الهوسا بأكثر من مائة مليون شخص [14] ، واللغة الهوسوية أيضًا من اللُّغات التحليلية؛ أي: تتغيَّر أبنيتُها فيتغيَّر المعنى، وأحيانًا تلجأ إلى اللصق في التعبير عن بعض المعاني، وهي من العشيرة الإفريقية الآسيوية [15] ، فقد ربطت العلاقات الثقافية الصلة بين الشعبين المختلفين في الزمان الماضي والحاضر، فتأثَّرَتِ الهوسا بالعربية في أشياء كثيرة ومتنوعة؛ لأسباب كثيرة، منها ما هو ديني واجتماعي وثقافي، ولم يتأثَّر الشعب الهوسوي بأُمَّة أكثر من تأثُّره بالعرب. إن نتيجة كل العلاقات الثقافية التأثير والتأثُّر، وهذا ما حدث بالفعل بين المجتمع الهوسوي والعربي في الحقبات الزمنية الغابرة والراهنة، فأنتجت تلك العلاقات الاحتكاكية الثقافية تسرُّب بعض المفردات العربية إلى اللغة الهوسويَّة، ويمكن تقسيم الكلمات العربية التي أصبحت اليوم جزءًا لا يتجزَّأ من لغة الهوسا إلى قسمين: قسم يرجع تاريخ تسرُّبه في لغة الهوسا إلى العصور الوسطى، عندما ابتدأ الاتصال الثقافي التجاري بين العرب وسكان السودان الغربي، فالتحريف في هذه الكلمات بارزٌ على الرغم من قِلَّتها نسبيًّا، نظرًا لأنها نقلت أولًا بالمشافهة، وثانيًا باللغة الدَّارِجة، أو لأن معظم الذين نقلت عنهم كانوا من أصل بربري لم يتقنوا العربية، ومن أمثلة هذه الكلمات: الرقم العربية الهوسوية التحريف 1 الزئبق زَيْبَا حذفت اللام المعرِّفة مع فتح الزين المكسورة، ثم قلبت الهمزة ياءً، وبُدِّلت القاف بالباء. 2 القمح أَلْكَمَا قلبت القاف كافًا، ثم بُدِّلت الحاء بالألف. 3 الدينار زِينَارِي حذفت اللام المعرِّفة، ثم قلبت الدال زايًا، مع زيادة الياء. 4 الربح رِيبَا حذفت اللام المعرِّفة مع قلب الباء ياءً؛ لتناسب الكسرة، ثم قلبت الحاء ألفًا. والقسم الآخر يرجع تاريخه إلى ظهور الإسلام في السودان الغربي؛ حيث أُسِّسَت المدارس الإسلامية والقرآنية؛ فقامت هذه المدارس بإدراج الاصطلاحات الثقافية العربية في لغة الهوسا، من خلال تخطيطاتهم الإدارية ومناهجهم التعليمية، ونشاطاتهم التدريسية، فالتحريف في هذه الكلمات المستعارة أقلُّ؛ لأنها نقلت من العربية الفصحى بطريقة مباشرة، وكل ما يحدث فيها من التحريف يرجع سببه إلى صعوبة النطق ببعض الحروف العربية التي يُعاني الأعاجم في نطقها، ومن أمثلة ذلك ما يأتي: الرقم العربية الهوسوية التحريف 1 الضرورة لَرُورَ يقلب الهوسويون الضاد لامًا؛ لخلو لغتهم منها. 2 الخراج حَرَاجِي قلبوا الخاء حاءً؛ لخلوِّ لغة الهوسا منها. 3 العورة الأَوْرَا قلبوا العين همزةً؛ لخلوِّ لغة الهوسا منها. وقد ازداد تأثُّر الهوسوية بالعربية إلى حد أن أسماء الأيام السبعة في الأسبوع هي التي تستعمل فيها، وكذلك عقود الأعداد من عشرين إلى تسعين، فالعربية هي المستعملة فيها، وكذلك أسماء الشهور الاثني عشر خليطٌ بين العربية والهوسا [16] ، ويمكن توضيح ذلك في الجدول الآتي: الأيام السبعة في العربية والهوسوية : الرقم العربية الهوسوية التحريف 1 الجمعة جُمعَا حذف فيها اللام المعرِّفة مع قلب التاء المربوطة ألفًا. 2 السبت أَسَبَرْ حذف اللام المعرِّفة مع قلب التاء راءً. 3 الأحد لَحَدِ حذف اللام المعرِّفة مع قلب الهمزة لامًا. 4 الاثنين لِتِنِنْ حذف اللام المعرفة مع قلب الألف لامًا، ثم قلب الثاء تاءً. 5 الثلاثاء تَلَاتَا حذف اللام المعرِّفة مع قلب الثاء الأولى والثانية تاءً. 6 الأربعاء لَارَبَا حدث فيها تحريفات كثيرة. 7 الخميس الحميس قلب الخاء حاءً. عقود الأعداد من عشرين إلى تسعين: الرقم العربية الهوسوية التحريف 1 عشرين عِشرِنْ حذف الياء. 2 ثلاثين تَلَاتِنْ قلب الثاء الأولى والثانية تاءً مع حذف الياء. 3 أربعين أَرْبَعِنْ حذف الياء. 4 خمسين حَمْسِنْ قلب الخاء حاءً مع حذف الياء. 5 ستين سِتِّنْ حذف الياء. 6 سبعين سَبعِنْ حذف الياء. 7 ثمانين تَمَانِنْ قلب الثاء تاءً مع حذف الياء. 8 تسعين تَسعِنْ حذف الياء. ومما يمكن ذكره في هذا الصدد أن الهوسويين إذا أردوا أن يستعيروا كلمة من اللغة العربية في غالب الأحايين يخضعونها لتواكب قواعدهم الصرفية والصوتية، كما يبرز ذلك جليًّا في قلبهم الثاء تاءً؛ طلبًا للخِفَّة، ومجانبة الثقل الصوتي، وغير ذلك كثيرٌ من العمليات التقليبية اللُّغوية التي يقومون بها في الكلمات قبل استعمالها في لغتهم الهوسوية؛ وأحيانًا ينطقون بعض الكلمات المستعارة من العربية كما تنطقها العرب؛ مثل: جامعة بالعربية وجامعة بالهوسوية وغير ذلك كثيرٌ مما لا يَسَع المجال لذِكْره. ويمكن استعمال الجدول لسرد بعض الكلمات التي استعارها الهوسويُّون؛ نتيجة هذه العلاقات الثقافية الماضية والحاضرة: الرقم الهوسوية العربية الرقم العربية الهوسوية 1 زَامَنِ الزمن 20 فقير فَقِيرِي 2 اَلتَّاجِرِ التاجر 21 فساد فَسَادِي 3 أَظَهَرْ الظهر 22 فلّس فَلّسَا 4 سَفَرَ السفر 23 فنجان فِنْجَانِي 5 وَقَفِ الوَقَف 24 قرية القَرْيَا 6 طَالِبِي طَالب 25 قصاص قِصَاصِي 7 طَاعَا طَاعة 26 كافر كَافِرِي 8 الظالمي ظالم 27 كامل كَامِلِي 9 ظَاهِرِي ظَاهِرٌ 28 كلام كَلَامِي 10 ظَرَفِي ظرف 29 لعل لَعَلَّ 11 عَاجِزِي عَاجِز 30 لفظ لَفَظِي 12 عِبَادا عِبَادَة 31 لقب لَقَبِي 13 عَاقِبَا عَاقِبَة 32 مثال مِسَالِي 14 غَايِطِي غَائط 33 مجرب مُجَرّبِي 15 غَافِلِي غَافل 34 مجلس مَجَلِسَا 16 غِيلاَ غِيلَة 35 مجنون مَجْنُونِي 17 فَائِدَا فَائِدَة 36 ناحية نَاحِيَا 18 فَاجِرِي فَاجِر 37 نائب نَائِبِي 19 الْفِجِرْ فجر 38 نشاط نِشَاطِي لم يذكر الباحث هذه الكلمات على سبيل الحصر والاستقصاء لعددها؛ وإنما هو من باب ضرب الأمثلة؛ بل هذه الكلمات تُمثِّل جزءًا قليلًا من هذه الكلمات التي لم يتمَّ جمعُها في مكانٍ واحدٍ. أثر اللغة العربية في الموروثات السردية الهوسوية: الموروث : ملفوظ لغوي من "تراث"، وأصله من الفعل "ورث" (يرث ميراثًا)؛ أي: انتقل إلى الشخص ما كان لأبويه من قبل، فصار ميراثًا له [17] ، ينشأ الموروث من التراث كمادة مُتعلِّقة بزمن ماضي. ويقصد بالموروثات السردية النيجيرية الهوسوية " كل ما هو حاضرٌ فينا من الماضي، أو تمَّ الاطِّلاع عليه من قريب أو بعيد"، فليس التراث ما ينتمي إلى الماضي البعيد فحسب" [18] . السرد: يعنى به في اللغة: الإتيان بالحديث على الولاء، قيل لأعرابي: أتعرف الأشهر الحرم؟ قال: ثلاثة سرد، وواحد فرد [19] ، وقيل: السَّرْدُ فِي اللُّغَةِ هو: تَقْدِمَةُ شَيْءٍ إِلى شَيْءٍ تأْتي بِهِ متَّسقًا بعضُه فِي أَثر بَعْضٍ مُتَتَابِعًا، سَرَد الْحَدِيثَ وَنَحْوَهُ يَسْرُدُه سَرْدًا: إِذا تَابَعَهُ، وَفُلَانٌ يَسْرُد الْحَدِيثَ سَرْدًا إِذا كَانَ جَيِّد السِّيَاقِ لَهُ، وَفِي صِفَةِ كَلَامِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ يَكُنْ يَسْرُد الْحَدِيثَ سَرْدًا؛ أي: يُتَابِعُهُ وَيَسْتَعْجِلُ فِيهِ، وسَرَد الْقُرْآنَ: تَابع قراءَته في حَدْر منه، والسَّرَد: المُتتابع، وَسَرَدَ فُلَانٌ الصَّوْمَ إِذا وَالَاهُ وَتَابَعَهُ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: كَانَ يَسْرُد الصَّوْمَ سَرْدًا؛ وَفِي الْحَدِيثِ: أَن رَجُلًا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِني أَسْرُد الصِّيَامَ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ: ((إِن شِئْتَ فصم، وإِن شئت فأَفطر)) [20] . وأما عند النقاد: هو فعل يقوم به الراوي الذي ينتج القصة، وهو فعل حقيقي أو خيالي ثمرته الخطاب. ويشمل السرد - على سبيل التوسُّع - مجمل الظروف المكانية والزمنية، الواقعية والخيالية، التي تحيط به، فالسرد عملية إنتاج يُمثِّل فيها الراوي دورَ المنتج، والمروي له دور المستهلك، والخطاب دور السلعة المنتجة، ويطلق السرد كذلك على صيغة من صيغ الخطاب وظيفتها وصف سير الحدث كفعل في زمن [21] . ويقصد بالموروثات السردية الهوسوية : القصص والروايات والمسرحيات المكتوبة باللغة الهوسوية التي ورثها الشعب الهوسوي في زمن ماضٍ بعيد أو قريب، يدخل في ذلك قصص هوسوية كثيرة لا يتيح الوقت فرصةَ ذكرِها هنا. تعتبر الأُمَّة الهوسوية أُمَّة عريقة، ومعروفة بعاداتها وتقاليدها الخاصة في الطعام واللباس والزراعة والأنكحة؛ ولكن كان لعلاقاتهم مع العرب آثارٌ في بعض أمورهم الحيوية؛ كالتحية، وأنواع خاصة من اللباس؛ كالجلابية، وقلانيس صغيرة، وشيء من الأطعمة؛ مثل: الخبز بأنواعه وغير ذلك [22] ؛ مثل النظام التعليمي والتصميم المعماري [23] ، فلم يتوقَّف الأمر عند هذا الحد اليسير حتى بدأ بعض الكُتَّاب النيجيريين يتأثَّرون بإبداعات العرب الفنية من شعر ونثر؛ حيث "استعملوا كثيرًا من البحور الشعر العربية؛ كالطويل، والبسيط، والرجز، والمديد، والوافر، والكامل وغيرها في أشعارهم (الهوسوية)" [24] ، هكذا دامت لغة الهوسا متأثرةً بالعربية حتى في سرديَّاتها القصصية، و يمكن امتصاص مظاهر هذا التأثُّر الفني في إبداعات هوسويَّة كثيرة، ومن أكثر الكُتَّاب الهوسويين تأثُّرًا بإبداعات العرب السردية الكاتبُ الشهير أبو بكر إمام، فملامح تأثُّر لغة الهوسا باللغة العربية وقصصها ظاهرة في إنتاجاته الفنية؛ حيث يشعُر القارئ حين يقرأ جُلَّ أعماله الفنيَّة كأنه يقرأ سطورًا من كليلة ودمنة أو المقامات، ولا يأتي ذلك إلَّا نتيجة لاطِّلاعاته المستمرَّة في القصص العربية، وعلاقة مجتمع شمال نيجيريا بالدول العربية، ويمكن وضْع قصة رون بغجا (نهر بغجا)كنموذج توضيحي لهذا التأثُّر الإبداعي الفني. الخاتمة: بهذا القدر اليسير تتوقَّف هذه الجولة العلمية المتواضعة التي بدأت بالمقدمة، ثم الحديث عن علاقات العرب الثقافية مع شمال نيجيريا، ثم الحديث عن أثر اللغة العربية في لغة الهوسا وموروثاتها السردية، وقد توصَّل الباحث من خلال هذه الجولة إلى النتائج التالية: • إن علاقة العرب مع الهوسويين كانت موجودةً قبل دخول الإسلام في نيجيريا؛ حيث يدخلون إليها وفودًا من العرب؛ لغرض التجارة. • إن اللغة الهوسوية قد استعارت من العربية ما يجاوز خُمْس مفرداتها. • يبدو أن الهوسويين لهم مناهج عند أخذ الكلمات من لغة أخرى؛ حيث يخضعونها أولًا لعمليات لغوية مختلفة؛ لتخضع لقواعدهم الصرفية والصوتية. • تنقسم الكلمات المستعارة من اللغة العربية إلى لغة الهوسا إلى قسمين: قسم يكثر فيها التحريف، وقسم يقلُّ فيها التحريف. يوصي الباحث إخوانه الأفارقة عامَّةً والنيجيريين خاصةً على العكوف الجادِّ في نفض الغبار عن الإنتاجات الأهلية بغض النظر عن لغة النصِّ أو كاتبها، المهم ماذا يُضيف هذا الكتاب إلى الحقول العلمية. [1] الرازي؛ زين الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر بن عبدالقادر الحنفي، مختار الصحاح، تحقيق: يوسف الشيخ محمد، ط5، 1420هـ / 1999م، المكتبة العصرية، الدار النموذجية، بيروت – صيدا، ص 216. [2] عمر؛ أحمد مختار (الدكتور)، معجم الصواب اللغوي دليل المثقف العربي، ط1، 1429 هـ -2008م، عالم الكتب، القاهرة، ج1، ص 542. [3] عمر؛ أحمد مختار (الدكتور)، معجم اللغة العربية المعاصرة، ط1، 1429 هـ -2008 م، عالم الكتب، ج2، ص1538. [4] انظر: أحمد حسن الزيات، مجلة الرسالة، عدد الأعداد: 1025 عددًا (على مدار 21 عامًا)، ص23. [5] انظر: علي أبو بكر (الدكتور)، الثقافة العربية في نيجيريا من 1750إلى 1997 عام الاستقلال، ط2، 2014م، دار الأمة، نيجيريا، ص414. [6] الزمخشري؛ أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، أساس البلاغة، تحقيق: محمد باسل عيون السود، ط1، 1419هـ -1998م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان ، ج1، ص 110. [7] انظر: الأزهري؛ عبد الواحد، منجد الطلاب في اللغة والأعلام، د ط، 2007م، دار الطلائع – القاهرة، ص 50. [8] انظر: فودي؛ محمد بللو بن عثمان (الإمام)، إنفاق الميسور، د ط، د ت، ص33. [9] انظر: علي أبو بكر (الدكتور)، المصدر السابق، ص41-54. [10] انظر: المصدر السابق، ص 414. [11] الفارابي؛ أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبدالغفور عطار، ط4، 1407 هـ‍ -1987 م، دار العلم للملايين - بيروت، ج2، ص 575. [12] أبو الحسين؛ أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبدالسلام محمد هارون، ط د، 1399هـ -1979م، دار الفكر، ص 54. [13] عطية؛ نوال محمد، علم النفس اللغوي، ط1،1975م، مطبعة الأنجلو المصرية، ص21. [14] انظر: داود؛ طاهر محمد (الأستاذ الدكتور)، التمهيد لدراسة علم اللغة، د ط، 1322ه – 2001م، س ك أمدو للطباعة والنشر، كنو، ص50. [15] انظر: المصدر السابق، ص36، وص38. [16] انظر: علي أبو بكر (الدكتور)، المصدر السابق، ص414. [17] انظر: ابن منظور، لسان العرب، د ط، د ت، دار صادر بيروت، ج2، ص111-112. [18] الجابري؛ محمد عابد، التراث والحداثة، ط1، 1991م، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ص45. [19] المناوي القاهري؛ زين الدين محمد المدعو بعبدالرؤوف بن تاج العارفين، التوقيف على مهمات التعاريف، ط1، عالم الكتب 38 عبد الخالق ثروت، القاهرة، 1410هـ-1990م، ص 193. [20] ابن منظور الأنصاري؛ محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل جمال الدين، لسان العرب، ط3، دار صادر – بيروت، 1414 هـ، ج3، ص211. [21] زيتوني؛ لطيف (الدكتور)، معجم مصطلحات نقد الرواية، ط1، دار النهار للنشر، لبنان. [22] مقابلة شخصية، عبدالبصير رابع أستاذ اللغة العربية في الكلية الحكومية ماللي كدونا-نيجيريا، عبر الهاتف في التاريخ 2\3\2018م، الساعة 2:30 نهارًا. [23] مقابلة شخصية عثمان سليمان، أستاذ اللغة العربية في مدرسة الثانوية الحكومية بكوري، ولاية كنو - نيجيريا، في بيته، التاريخ3\3\2018م 8:30 ليلًا. [24] أبو بكر؛ علي (الدكتور)، المصدر السابق، 422.
أسباب ظهور التدوين الحر
عبدالرحمن الآنسي
16-04-2019
8,988
https://www.alukah.net//culture/0/133794/%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%b8%d9%87%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d9%88%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1/
أسباب ظهور التدوين الحر فقيرٌ يريدُ أن يقرأ، ولكن لا يجد قيمة ذلك الكتاب، كاتبٌ يريد أن ينشر ما يكتبه، ولكن ليس لديه المال الكافي لطبع ما كتبه، فجأة ظهرت فكرة المدونات والتدوين، فحلَّت مع مجيئها الكثير من مشاكل القُرَّاء والكُتَّاب التي تواجههم. أعرف أنه مع ظهور التكنولوجيا ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الكثير من الناس مُسيَّرين بشكلٍ ملحوظ في إدارة أوقاتهم، وهذا شيءٌ مؤسف جدًّا، فلم يعد الواحدُ منا يجد وقتًا لقراءة أسطر بسيطة من كتاب ورُقي ملموس، وأصبح جُلُّ وقتنا مع الأسف تائهًا بين أزرار أجهزتنا الإلكترونية ونوافذها. ألوم الكثير منا وأنا واحدٌ منهم على تقصيرنا وتجاهلنا للقراءة اليومية الملموسة، ويرجع هذا التجاهل إلى الكثير من الأشياء، أكثرها تأثيرًا هو ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، وانغماس العديد منا فيها بشكل كبير جدًّا؛ مما أثَّر بشكل واضح على معدل القراءة لدينا، ومما أدى إلى ظهور ما يسمى بعالم التدوين. لو تتبعنا تاريخ المدونات ومدى تأثيرها، للاحظنا أنها تجاوزت موضوعات الترفيه والاتصال والتواصل، فالمدونات أصبحت اليوم تؤثِّر بشكل ملحوظ في الحياة الاجتماعية الحديثة، وأنا أرى أنه لا بد أن يُنظر إليها على أنها نجاح عالمي لمحاربة الجهل ولجمع الثقافات والآراء، وليس مجرد تقدُّم وابتكار تكنولوجي، فأنا شخصيًّا أعرف العديد من الأفكار الرائعة والاكتشافات المذهلة التي بدأت من تحت عنوان يسمى بـ" التدوين ". التدوين يعتبر الطريق الأقصر لإيصال المواهب الأدبية والفكرية والعلمية التي لم يسمح لها المعوقات الشخصية بالظهور؛ كالفقر، وتحكُّم بعض دُور النشر، والصُّحف، فالتدوين يمتاز على غيره من الوسائل أنه فكرة معاصرة قابلة للتناول والتبادل؛ حيث تقوم المدونات بمناقشة القضايا مباشرةً قبل أن تهدأ جَذوتها وتَخمد نارها، فيعرف الجميع ما يدور حولهم. لو نظرت إلى التدوين بصورة عابرة، فلن تلاحظ فوائده، ولكن لو جئنا إلى الحقيقة لوجدنا أن التدوين يعود بالفائدة على القارئ والكاتب والباحث، ومن يبحث عن الشهرة، وحتى على الناس العاديين؛ فمن فوائد التدوين تطوير المهارات لدى الكُتَّاب المُبتدئين، وصقل مهاراتهم، وإيصال أفكارهم التي لم يستطيعوا إيصالها إلى الآخرين بأنفسهم، والتدوين أيضًا هو الطريق الأقصر للشهرة؛ فإذا أردت أن تكون كاتبًا مرموقًا يُشار إليه بالبنان، فيجب عليك أن تقرأ الكثير، وأن تكتُب الكثير أيضًا، فطالما أنك تكتب، فالناس ستعرفك، وستبدأ تبني شبكة قوية من العلاقات سواء على شبكة الإنترنت، أو على أرض الواقع. لو أنك باحث ومطالع لِما يكتبه الآخرون، فستكون وقتها مُتمرِّسًا للحصول على المعلومات المطلوبة بشكل أسرع، والوصول إلى هدفك بطرق أقصر. قد يتساءل عامة الناس: " ما الفائدةُ بالنسبة لي أنا ذلك القارئ العابر؟ سأقول لك: إنك أكثر من يستفيد هنا، فلو كنت قارئًا عابرًا، فستجد أنك تقرأ في دقائق بسيطة خبرة أُناس تعبوا كثيرًا حتى كتبوا ما أنت تقرأه، فمع القراءة المتواصلة ستجد أن ذاكرتك تتحسن وأفكارك ترقى، وستجد نفسك مع كثرة القراءة ومرور الزمن باستطاعتها أن تناقش قضايا كبيرة، وأن لديك القدرة على استخدام المفردات واستحضار الكلام المطلوب في الوقت المطلوب. أن تدوِّن بشكل دائم معناه أن تصبح خبيرًا في يومٍ ما، فمعرفتك لأفكار الآخرين وما يهتمون به، يجعلك تعرف الأشياء التي تؤثر فيهم، وتستهوي عقولهم، وهذه سياسة لا يجيدها إلا ذوو الأقلام الراقية التي تعرف متى تكتُب، وأي القضايا تتناول، فالأقلام التي تجفُّ يومًا وتخضرُّ يومًا آخر مصيرها إلى النسيان! الآن هو الوقت لتحقيق ذواتنا، فالتدوين ليس طريقًا للتعبير عن الذات فقط، بل إنه طريق لتحقيق الذات واكتشافها أيضًا، فلكي تُحدِث الفرق في حياتك لا بد أن تترك إرثًا من المعلومات المفيدة، ورصيدًا جيدًا لك؛ حتى يجعل الآخرين يذكرونك به يومًا ما، وستنبهر حتمًا بما سيحقِّقه لك من مفاجئات كثيرة في حياتك، فستجد أنك صرتَ شخصًا آخر لديك أصدقاء يحترمون وجودك، ويتمنون اللقاء بك دون أن تعلم، وهذا سببٌ كافٍ لكي تقرأ أكثرَ وتكتُب أكثر.
معركة المرية في الأندلس (بركة الصقر)
د. محمد منير الجنباز
15-04-2019
8,963
https://www.alukah.net//culture/0/133780/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b3-%d8%a8%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%82%d8%b1/
معركة المرية في الأندلس وتُسمَّى (بركة الصقر) سنة 709هـ قائد المسلمين: أبو مَدْين شعيب قائد الجيوش البري، وأبو الحسن الرنداحي قائد الأسطول. قائد النصارى: خايمي الثاني ملك أراجون. سببها: أن ملك أراجون خايمي الثاني أراد القضاء على ممالك المسلمين المتبقية بالأندلس، فقصد مدينة المرية - مدينة بحرية تقع إلى الجنوب الشرقي من غرناطة - وحشد أكثرَ من مائة ألف مقاتِل، إضافة إلى ثلاثمائة سفينة، ونزل عند بركة الصقر، ثم دار يتفحص الأسوار ليُحدِّد مكان الهجوم. وفي الحال أمر أبو مَدين بإزالة كلِّ المباني خارج الأسوار ليعد ساحة مكشوفة حول المدينة، ثم هُوجِمت المدينة فصمد أهلها، ودافعوا عنها واستماتوا في ذلك، وبالمقابل تَكالَب الإفرنجُ عليها فلم يُفلِحوا. وفي اليوم التالي وصل مددٌ إلى المرية في مائة وخمسين فارسًا، فاستطاعوا اختراق حصار الأعداء بعد معركة حامية، ودخلوا البلد سالمين لم يقتل منهم أحد، ثم أحدق النصارى بالبلد من كل جانب، وكان الرعب أولًا قد سيطر على أهل المرية، لكن بعد المناوشات ثبتت قلوبهم ووطَّنوها على القتال، فأصبحوا كالأسود الضواري ولم يعبؤوا بهذا الحشد، وصاروا هم المبادرين. وفي اليوم الثامن من نزول الجيش أقبل العدو براياته وجنوده من قبل باب بجاية، ودافع المسلمون هناك بأشد المدافعة، فانسحب، ثم أقبل جيش للمسلمين من جهة غرناطة لفكِّ الحصار فقاتلهم العدو فعادوا. وفي هذه الأثناء خرج أهل المرية إلى مستودعات النصارى وعادوا سالمين، ثم ركب الإفرنج فارسهم وراجلهم وأحدقوا بالبلد ودفعوا أبراجًا على عجلات ليصعدوا منها إلى أسوار المرية، فدافع المسلمون وثبَتوا فوق الأسوار وأحرقوا الأبراج، وكبدوا المهاجمين خسائرَ فادحة، وعاد جيش غرناطة لمهاجمة العدو وفكِّ الحصار، وشَنُّوا هجماتٍ على أطراف الجيش فأثَّرت فيه، كما أعدُّوا الكمائن لقوافل التموين والإمدادات، فكانوا يوقعون بها ويغنَمونها. ثم عاد جيش غرناطة بقيادة عثمان بن أبي العلاء، فالتقى مع جيش الطاغية، فكانت الدائرة على النصارى، لكنهم لم يَفُكوا الحصارَ، واحتال قائد النصارى فأرسل فِرْقة ليلًا لتعود نهارًا بلباس المسلمين فيفتح لها أهل المرية الأبواب ظنًّا منهم أنها مدد لهم، وركب جيش الإفرنج متظاهرًا بقتالهم تاركًا الخيام دون حراسة، وقد أعدَّ الكمائن اللازمة وعمل على استدراج أهل المرية، وفعلًا خرَجوا لكنهم قبل الوصول إلى الكمائن عدلوا إلى الخيام التي على الجبل من الناحية الأخرى دون شعور منهم، لكنها إرادة الله، فظن الإفرنج أن المسلمين اكتشفوا الكمائن وفطنوا للمكيدة فخرج الإفرنج من كمائنهم، فرآهم المسلمون ودخلوا البلدة وتصدَّى حَمَلة السهام لردِّ المعتدين وحماية المسلمين، واستنقذوا مَن تأخر منهم بالحبال والسلالم، وبطلت حيلة الإفرنج. ونوَّع الإفرنج في الأسباب ليملكوا البلد فأخفقوا، وقاتلوا من جهة البحر فأخفقوا أيضًا، وعاد جيش غرناطة لمواصلة هجومه على أطراف الجيش، وكلما التحم جيش غرناطة مع الإفرنج يخرج أهل المرية لنهب الخيام، وفي هذه المرة أحرَقوها، فترك النصارى القتال وعادوا لإطفاء الحرائق وحاول النصارى أخذَ البلد من جهة الجبل، ولم يكن على السور سوى رجل واحد فاستصرخ الناس فهبُّوا إليه وفي فترة وجيزة امتلأت الأسوار بالمدافعين، وخرجت طائفة من المسلمين فقلبوا السلالم وقتلوا مَن كان عليها ثم عادوا للبلدة، كما أحدثت المجانيق ثُلمة في السور ودار عليها صراع عنيف، لكن المسلمين لم يُمكِّنوهم من دخول البلدة، وبعد خمسة شهور رحل قائد النصارى بعد أن فقد تسعين ألفًا من جنوده، وكثيرًا من الخسائر المادية الأخرى. هذه صورة رائعة من استبسال المسلمين وتوطيد عزمهم على الشهادة، فقد بذلوا جهودهم في دفع العدو، وفي قطع خطوط إمداده ومناوشته، رغم قلة عدد المسلمين فلم يكن جيش غرناطة يتعدَّى خمسة الآلاف، ومع ذلك لم يَهِنوا ولم يستسلموا، وكلَّل الله جهودَهم بالنجاح، وهذا درس في الصبر والثبات.
النوم وهدي الإسلام فيه
أ. د. علي فؤاد مخيمر
12-04-2019
30,737
https://www.alukah.net//culture/0/133739/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d9%85-%d9%88%d9%87%d8%af%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%8a%d9%87/
النوم وهدي الإسلام فيه النوم عمليَّة فسيولوجية، وظاهرة ذات شأن في حياة الإنسان، لا تقلُّ أهميةً بأيِّ حال من الأحوال عن العمليَّات الفسيولوجية والظواهر الأخرى المهمَّة في حياة الإنسان؛ مثل: التنفُّس وضربات القلب والشهيَّة والإحساس بالعطش... إلخ. وكلُّ هذه العملياتِ والظواهر لها مراكزُ عصبيَّة موجودة في الدِّماغ تنظِّمُها وتسيطر عليها؛ فالنوم غشية عميقة تصيب الإنسان، فتمنعه من الإدراك والحركة الإرادية، ولهذا وَصَفَها الله عز وجل بالسُّبَات في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا ﴾ [النبأ: 9]. وخلال النوم لا يزول العقل، بل يتوقَّف عن العمل مؤقَّتًا، ولا تزول الحواس أيضًا، ولكن لا يُحسُّ النائم بالمنبِّهات العادية. والنوم يغشى المخلوقاتِ الحيَّة كلَّها، وهو ممتنع في حقِّ الله تعالى؛ كما أخبر سبحانه عن نفسه، فقال: ﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ﴾ [البقرة: 255]. عدد ساعات النوم: الإنسان يقضي حوالى ثُلث حياته نائمًا، إلا أنَّ هناك دورةً للنوم واليقظة ترتبط بالعمر؛ فالوليد قد ينام يوميًّا 20 ساعة، بينما لا يحتاج الإنسان البالغ سوى 6 - 8 ساعات نوم، وتتفاوت الحاجةُ للنوم بين الرجل والمرأة، فتحتاج المرأةُ ساعةَ نومٍ زيادةً عن الرجل، فعدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان تختلف مِن شخصٍ إلى آخَر؛ فالكثير يعتقدون أنهم يحتاجون إلى ثماني ساعات نوم يوميًّا، أو أنه كلما زادت ساعات النوم كان ذلك صحيًّا أكثر، وهذا اعتقاد خاطئ، فإذا كنتَ تنام لمدة خمس ساعات فقط بالليل، وتشعر بالنشاط في اليوم التالي، فإنك لن تعاني من مشاكلِ نقصِ النوم، وقد ثَبَتَ أنَّ النوم ليلًا يريح الجسمَ والنفس أكثرَ من النوم نهارًا؛ لأنَّ النوم ليلًا يتوافق مع الدورة اليومية لوظائف الأعضاء، فقد وجد مثلًا أنَّ درجة حرارة الإنسان ترتفع خلال النهار حتى تبلغَ أقصى درجاتِها قبيل المغرب، ثم تأخذُ بالانخفاض تدريجيًّا أثناء الليل حتى تبلغ أدنى درجاتِها قبيلَ الفجر، فسبحان الله الذي جعل النوم ليلًا يتوافق مع الفطرة التي فَطَر اللهُ تعالى عليها أجسامَنا، فالليل لِسَكَن وراحةِ الأجساد، والنهار للسعي والكسب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [القصص: 73]. ماذا يحدث خلال النوم؟ النوم ليس فِقدانًا للوعى أو غيبوبة، وإنما حالة خاصَّة يمرُّ بها الإنسانُ، وتتمُّ خلالها أنشطة معينة وإفرازات لهرمونات ومواد كيماوية، تعمل على نموِّ وتنظيم وإدارة حياة الإنسان، وعندما يكون الإنسان مستيقظًا، فإن المخَّ يكون لديه نشاط كهربيٌّ معين، ومع حلول النوم يبدأ هذا النشاط بالتغيُّر؛ فالنوم عملية حيوية إيجابيَّة يقوم المخ أثناءَها بإفراز مادة السيروتونين، فيفقد المخُّ نشاطَه، ويدخل الإنسان في النوم، وهناك مادة أخرى تفرز أثناء النوم تسمَّى بتيد الميوراميل تتراكم في سوائل الجسم - من دمٍ وبولٍ وسائلِ المخ الشوكي - وقد ثَبَت علميًّا أنَّ هذه المادة لو حقنت بها حيوانات التجارب، لدخلت في سُباتٍ عميق من النوم لعدة أيام. أثناء النوم هناك وظيفةٌ أساسية أخرى هي إفراز هرمون النموِّ الذي يحفِّز تجديد الخلايا، كما يزداد خلال النوم معدلُ استهلاك البروتينات في المخِّ والعين، وتحدث خلال النوم صيانةٌ ليلية لخلايا المخِّ وتجديدها، وقد ثبت عمليًّا أنَّ النوم يعمل على زيادة القدرة على التذكُّر، فقد لوحظ أنَّ الأطفالَ الذين يتعرَّضون كثيرًا للضوضاء أثناء النوم يصابون بقدرة أقلَّ في التحصيل الدراسيِّ. وهناك نواتجُ عن عمليات كيماوية وحيوية ناتجة عن النشاط العضليِّ والعصبيِّ في حالة اليقظة، فلا بد من التخلُّص منها من أجل استمرارية هذه العمليات؛ حيث إنَّها تزداد تدريجيًّا في الدم وفي السائل الدماغيِّ، فيشعر الإنسان بالخمول والنعاس، وتسمَّى هذه الفضلات بالسموم المنومة، فأثناء النوم وهدوئه يتخلَّص الجسم من هذه النواتج الضارَّة عن طريق انحلالها وتَأكْسُدها، فيستعيد الجهاز العصبيُّ نشاطَه عند الاستيقاظ. مرحلة النوم : يمرُّ النائمُ خلال نومه بعدة مراحل من النوم، لكلٍّ منها دورُها، فهناك المرحلة الأولى والثانية، ويكون النوم خلالهما خفيفًا، ويَبدآن مع بداية النوم، ثم تأتي المرحلة الثالثة والرابعة، وهما ما يعرف بالنوم العميق، وهاتان المرحلتان مهمَّتان لاستعادة الجسم نشاطَه، فأحياناً بعد حوالي ساعة ونصف الساعة من النوم العميق، تبدأ مرحلة الأحلام، أو ما يعرف بمرحلة حركة العينين السريعة، وهذه المرحلة مهمَّة لاستعادة المخ والذهن لنشاطهما. أمَّا الإنسان الذي ينام ساعاتٍ طويلةً على وتيرةٍ واحدةٍ، فيتعرَّض للإصابة بأمراض القلب، وتعليل هذه الظاهرة علميًّا أنَّ شحومَ الدم تترسَّب على جدران الشرايين الخاصة بالقلب بنسبة كبيرة إذا طالت ساعاتُ النوم؛ ممَّا يؤدِّي إلى إضعاف عمل هذه الشرايين وفقْدها مَرونتَها، ويحدث لها تصلُّب، فلا تصلح لضخِّ كميات الدم المناسبة لتغذية عضلة القلب، إضافة إلى أنَّ نبضَ القلب يَبْطُؤُ، ومع بُطء النبض يبطؤ تدفُّق الدم في العروق. وكلٌّ منا بداخله ساعة بيولوجية تُشعِره بالزمن، وتنظم إيقاعَ حياته، والساعة البيولوجية ليست في المخِّ فقط، بل في كلِّ خلية من خلايا أجسامنا، وقد اكتشف بجوار الغدَّة النخامية مجموعة من الخلايا لها خاصية عجيبة، وهي أنها تستشعر الضوءَ الذي يسقط على قاع الشبكية في أثناء النهار، فتشعر الإنسان أنَّ الوقت نهار، فإذا غابت هذه الأشعةُ، فإنها تشير إلى أنَّ الوقت وقتُ الليل، ولهذا إذا عاش الإنسان في ظلام مستمرٍّ تختلُّ وظائفَه الحيوية؛ لأن هذه الساعاتِ البيولوجيةَ تتعطَّل عن العمل لانعدام وصول الشمس إلى قاع العين، كذلك لوحظ علميًّا أنَّ كمياتِ الهرمونات في الدم تتبدَّل من النور إلى الظلام، فهذه الهرمونات لها نِسَب في الليل، وأخرى لها نِسَب بالنهار، وفي الليل يزداد هرمون النموِّ والإخصاب، ويقلُّ استهلاكُ السُّكَّر وتقلُّ فاعليةُ جهاز التنفُّس، والمعدة تكون إفرازاتها وقدراتها على هضم الطعام قليلةً في أثناء الليل، وهذا يتجلَّى في قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]. فهذه الساعة تشعر الأجهزة والأعضاء والأنسجة والخلايا والغُدَد - أنَّ الوقت وقتُ نهار، فافعلي كذا وكذا، وامتنعي عن كذا وكذا. فوائد طبية من اتِّباع سُنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم في النوم: القيلولة: هي النوم قبل الزوال أو في الظهيرة، وهي مستحبَّة لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((قيلوا؛ فإنَّ الشياطين لا تَقيل))، وقد وَرَد في القرآن ذكرُ القيلولة؛ قال عز وجل: ﴿ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ ﴾ [الأعراف: 4]. ونوم القيلولة يساعد على قيام الليل؛ فهو بمنزلة السحور للصائم، وقد ثَبَتَ علميًّا فائدة القيلولة في استعادة الجسم نشاطَه، وبناءً عليه فقد بدأت عدةُ شركات وهيئات عالميَّة تشجِّع العاملين فيها على نوم القيلولة لتقليل الإجهاد وزيادة الإنتاج، وأظهرت الأبحاث كذلك أنَّ أفضل علاجٍ للشعور بالنعاس هو الحصول على غفوة قصيرةٍ؛ حيث إنَّ تأثيرَ الغفوة يفوق تأثيرَ المنبِّهات مثل القهوة أو الأدوية المنبِّهة. النوم المبكِّر: المتأمِّل في القرآن الكريم وسنة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ ما يفيد أهمية الاستيقاظ مبكِّرًا؛ قال تعالى: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]. قال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم بارك لأُمَّتي في بُكورها))، وعن عائشة رضي الله عنها قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((ركعتا الفجر خيرٌ من الدنيا وما فيها)). وجاء العلم الحديث وأَثْبَت أنَّ أعلى نسبةٍ لغاز الأوزون تكون عند الفجر، وهذه النسبة تقلُّ وتنتهي عند طلوع الشمس؛ فهذا الغاز ينشِّط الجهاز العصبيَّ، فمن استيقظ بعد الشمس شعر طوال اليوم بانهيار القوى والكسل، وكذلك أَثْبَت العلم الحديث أنَّ نسبةَ الأشعة فوق البنفسجية تكون أكبرَ عند الشروق؛ فهي مفيدة للجِلْد وهشاشة العظام؛ فالاستيقاظ مبكِّرًا يمنع الأعراض السابقةَ الذِّكْرِ مِن بُطءٍ في دقَّات القلب، وسريان الدم بالشرايين، وترسيب المواد الدهنية على جدار الشرايين؛ ممَّا يسبِّب الذَّبحة الصدرية وغيرها. النوم على الجانب الأيمن: قبل 14 قرنًا من الزمان أوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم المسلمين بالنوم على الشِّقِّ الأيمن، وتجلَّت الحكمة النبويَّة في هذه النصيحة الغالية بعد مرور قرون من الزمن، فجاء الباحثون يؤكِّدون هذه الفوائدَ حول الوضع الصحيح لنوم الإنسان، وأكَّدوا أنَّ الوضع الصحيح للنوم على الجانب الأيمن؛ إذ إنَّ الرئة اليسرى أصغرُ من اليمنى، فحين ينام الإنسان على جنبه الأيمن يكون القلبُ أخفَّ حملًا، ويكون الكبد مستقرًّا وغير معلق، أمَّا المعدة فإنَّها تكون مستلقية فوق الكبد؛ مما يساعدها على سهولة الهضم والتفريغ التي تتراوح ما بين 2,5 إلى 4,5 ساعة. وكذلك اكتشف أنَّ القصبةَ الهوائية اليسرى بهذا الوضع تسهل وظيفتها في سرعة تخلُّصها من الإفرازات المخاطيَّة، أمَّا القصبةُ اليمنى فإنَّها تتدرَّج في الارتفاع إلى أعلى؛ نظرًا لأنها مائلةٌ قليلًا، كما يسهل تخلُّصها مِن إفرازاتها بواسطة الأهداب. أمَّا بالنسبة لبقية أوضاع النوم، وهي على البطن أو الظَّهر، أو الجانب الأيسر، فحدِّث ولا حَرَج عن أضرارها، فالذين ينامون على بطونهم يَشعُرون بضيقٍ في التنفُّس؛ لأنَّ ثقل الظَّهْر والهيكل العظمي يقع على الرئتين، إضافةً إلى أنَّ هذه النومةَ يبغضها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. أما الذين ينامون على ظهورهم، فإنَّهم يعطِّلون جهازًا من أدقِّ الأجهزة وهو جهاز التسخين والتصفية بالأنف، ويتنفس الإنسانُ مِن فمه بدلًا مِن أنفه؛ مما يجعله عُرضةً للإصابة بنزلات البرد والزكام، وجفاف اللثة والفم، فضلًا عن الشخير المزعج ورائحة الفم الكريهة. إضافة إلى أنَّه غيرُ مناسبٍ للعمود الفقريِّ؛ لأنه يفقد استقامتَه في تلك الحالة، ويصيب الأطفال بتفلطح الرأس. أمَّا النوم على الجانب الأيسر، فيرى الأطباءُ أنَّه غير آمِن؛ لأن القلبَ يقع تحت ضغط الرئة اليمنى، وهي كبيرة الحجم مما يؤثِّر على نشاطه، وكذلك الضغط على المعدة مِن قِبَل الكبد، فيؤخر مِن زمن إفراغِها ليصل إلى ساعات. وضع الكف الأيمن على الخدِّ الأيمن؛ كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينامَ وضع يده تحت خدِّه الأيمن، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((اللهم قِني عذابَك يوم تبعثُ عبادك))، وقد أَثْبَت العلماء أنَّ هناك نشاطًا يحدث بين الكفِّ الأيمن والجانب الأيمن من الدماغ عندما يتمُّ الالتقاء بينهما، فيؤدِّي إلى إحداثِ سلسلةٍ من الذبذبات يتم من خلالها تفريغُ الدماغ من الشحنات الزائدة والضارَّة؛ ممَّا يؤدِّي إلى الاسترخاء المناسب لنومٍ مثاليٍّ. نصائح لنوم سليم: • اتباع سنة النبيِّ صلى الله عليه وسلم من قول الأذكار الواردة عند النوم. • تعديل درجة حرارة الغرفة لتكون مناسبةً؛ بحيث لا تكون عالية ولا منخفضة. • الهدوء وتجنُّب الضوضاء يساعدان الجسم على استعادة نشاطه، ولا تساعد الضوضاء على الدخول في النوم العميق الذي يريح الجسم. • أن يكون ضوءُ غرفة النوم خافتًا وعدم النوم في الضوء القويِّ. • تجنُّب النظر المتكرِّر إلى ساعة المنبه؛ لأنَّ ذلك قد يزيد التوتُّر ومِن ثَمَّ الأَرَق. • تجنُّب تناول الوجبات الغذائيَّة الثقيلة قبل النوم بحوالي (3 – 4) ساعات. • تجنُّب جميع أنواع المشروبات التي تحتوي على كافيين؛ لأنها تؤثِّر سلبًا على النوم. • تجنُّب التدخين؛ إذ فيه النيكوتين وهو أحد أنواع المنبهات، فتدخين السيجارة يؤدِّي إلى اضطراب النوم والنوم المتقطِّع. تلك لمحة سريعة عن النوم، وإبراز للجوانب التي كشفها العلم الحديث بعد أنْ شرعها الإسلام من أربعة عشر قرنًا.
الكاتب.. وأزمة الثقة!
محمد عمر المصري
08-04-2019
4,166
https://www.alukah.net//culture/0/133676/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a7%d8%aa%d8%a8..-%d9%88%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a9/
الكاتب.. وأزمة الثقة! باتت الفجوةُ متسعة جدًّا بين ما يُقال، وبين ما يجب أن يُفعل! تلك حقيقةٌ مؤكدةٌ في عالمِ المعاملات، ربما منذ زمنٍ سحيق، لكنها أضحت اليومَ سمة مميزة تصف تلك الهوة السحيقة والفوارق بين الكلام والفعل، أو بالأحرى بين النظري والتطبيقي في أوساط المتعاملين في كافة مجالات الحياة. وفي مجال الكتابة والتأليف والنشر تتضح تلك الفجوة من خلال بعض المعالم التي يمكن الإشارة إليها إجمالاً من خلال النقاط الست التالية: [ الحماية الفكرية - الذوق العام - الأدوات الكتابية - الطباعة والنشر – النقد - الانسحاب أو التحسين ]. فالحماية الفكرية أو حقوق الملكية الفكرية أو حقوق المؤلف كلها تدور حول الحق الأصيل للمؤلف فيما يتعرض له من سرقاتٍ أدبية، وانتهاك لحقوقه الفكرية في أن يقاضي كاتباً آخر إن لم يَعزُ إليه صراحةً ما اقتبسه من مؤلفه حسب طرق التوثيق المشهورة. وتلك نقطة يجب أن يراعيها المؤلف جيداً أثناء بحثه وكتابته، حتى لو كان ما يكتبه عبارة عن مقالٍ قصير! فتقتضي الأمانة العلمية أن ينسب إلى صاحب الحق والمؤلف الأول ما يقتبس من كتبه ومؤلفاته ومقالاته! اللهم إلا إذا خرج علينا المؤلف بجديد لم يسبقه فيه أحد! أو كان السياق في إطار عام وأفكار متداولة. والكاتب الحذق من ينأى بنفسه عن تلك الشبهات والاتهامات. أما الذوق العام، فالناس فيه صنوف عديدة، لتعدد معياره، وسعة درجاته، كما أن الكاتب أضحى لا يكتب لنفسه فقط، حتى لو كانت كتاباته عبارة عن خواطر وأمور شخصية. ورغم تباين الناس في مسألة الذوق يظل هناك تشابهات لا يمكن الاختلاف عليها من أمور الذوقيات والجماليات، وعلى الكاتب أن يراعي هذا البعد جيداً. وبالنسبة للأدوات الكتابية فما من عمل أو فن أو مهارة وغير ذلك إلا وله أدواته، فالكاتب كغيره من الناس يُخرج منتوجاً يصير عرضة لآراء الناس وحكمهم ونقدهم، وكلما ضعفت أدوات الكاتب فيما يكتب زاد النقد السلبي تجاهه! وبطبيعة الحال فإن الكاتب ينشد حقًّا الوصول إلى أقصى حد من الجودة فيما يكتب، لكن ربما لا تسعفه أدواته، فعدم تمكنه من اللغة العربية وعلومها المختلفة من نحو وبلاغة، يضيع عليه إضفاء الجماليات التي كان بإمكانه صبغة عمله بها لو كان متقناً لتلك العلوم! وليس هناك أقوى من القراءة لثقل تلك الناحية لدى الكاتب، فبها، أي القراءة، ينقدح الذهن، وتتفتق القريحة، وتسلم اللغة، ويحلو البيان، وتشمر البلاغة عن ساقيها، فيخرج العمل معتصم البناء، جميل السرد والتسلسل، تزينه البلاغة بسجعها وكناياتها وإطنابها وإيجازها وتشبيهاتها. وتعد مسألة الطباعة والنشر نقطة التحول التي عندها يخرج العمل من مسودة الحرف المكتوب بخط اليد أو عن طريق الحاسب الآلي إلى دائرة الضوء والانتشار. وهنا تتعاظم مسؤولية الكاتب على الأقل تجاه القراء إن رأوا بطبعة الكتاب خللاً، أو أخطاءً نحوية وإملائية، أو عدم تنسيق جيد لصفحات الكتاب، أو إبدال أرقام الصفحات. لذا فإن الكاتب لا بد أن يتحرى دور النشر المشهود لها بالكفاءة والإتقان. يأتي دور النقد في هذه المرحلة محملاً بسياط التأديب المعنوي التي تنشد اكتمال العمل من مختلف جوانبه، حتى النقد الإيجابي في فكرته الأساسية يعد سوطاً آخر للتحفيز والحث على إظهار ما خفي من جعبة الكاتب من أفكار وجماليات وإبداعات! وفي هذه المرحلة يجب على الكاتب أن يتلقى بوادر النقد بصدر رحب، وعقل ذكي، فما فاته من حسن إبداعاته، يهديه إليه النقاد دون عناء منه. وفي مرحلة الانسحاب أو التحسين يجد الكاتب نفسه في مأزق حقيقي، فالانسحاب واعتزال الكتابة مأزق، والاستمرار فيها مع تحسينها مأزق آخر أشد وطأة! فالكتاب أصبح مسؤولاً عمَّا يكتب، ومحاسَباً عليه، وإن لم ترتق كتاباته إلى درجة معينة من الكمال والإبداع تُشبع نهم الذوق العام وتتجنب سهام النقاد، وأنى له ذلك! فإن الالتفات لعمل آخر ربما يكون أولى له! فعلى الكاتب أن يهتم بالفكرة الطارئة في خيالاته، ويمتلك أدوات إحيائها بالكتابة، وإظهارها بالنشر وتنقيحها بالنقد.
طرر المخطوطات العربية: نماذج من خوارج النص
أحمد إبراهيم اللقاني
08-04-2019
60,774
https://www.alukah.net//culture/0/133672/%d8%b7%d8%b1%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%ac-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5/
طُرَر المخطوطات العربية نماذج من خوارج النص إن المشتغل بالمخطوطات العربية، ليُفاجأ بالكمِّ الهائل من النصوص التي تنتشر على طُرَر هذه المخطوطات، وهي نصوص متنوعة الوظيفة والأهمية، وكذلك القيمة؛ فمنها ما يخصُّ صاحب النصِّ؛ كسماع، أو قراءة، أو مقابلة، أو تصحيح، أو ضبط، أو ما شابه، ومنها ما يخصُّ مالك المخطوط؛ كتملُّك أو وقف، ومنها ما يخصُّ المطالع العادي، فيكتب فائدة أو حاشية أو توضيحًا لمبهم أغفله المصنِّف أو نسيه الناسخ، وكل هذه الأمور ينشغل بها علمٌ حديثٌ تمَّ تأسيسه؛ وهو علم المخطوط، الذي يهتمُّ بالجوانب المادية للمخطوطات، هذا في وجهة نظر البعض [1] . فالكوديكولوجيا: «هي علم دراسة كل أثر لا يرتبط بالنصِّ الأساسي للكتاب الذي كتبه المؤلف؛ أي: إنه يعنى بدراسة العناصر المادية للكتاب المخطوط، متمثلة في الورق، والحبر، والمداد، والتذهيب، والتجليد، وأيضًا حجم الكراسة، والترقيم، والتعقيبات، وكل ما دُوِّن على صفحة الغلاف (الظهرية)، من سَمَاعات، وقراءات، وإجازات، ومناولات، ومقابلات، وبلاغات، ومعارضات، ومطالعات، وتملُّكات، وتقييدات، ووقفيات، وما يُسجَّل في آخر الكتاب فيما يعرف بـالكولوفون (قيد الفراغ من كتابة النسخة)، من اسم الناسخ، وتاريخ النسخ ومكانه، والنسخة المنقول عنها، وكذلك المصدر الذي جاءت منه النسخة، والجهة التي آلت إليها، وما على النسخة من أختام، وما شابه ذلك، وقد أطلق الأوربيون عليها اسم خوارج النص [2] . وسنتناول في هذه الوريقات بعض نماذج خوارج النص، وهي على الترتيب: 1- قيود النساخة، ويدخل فيها: اللحق، والتصحيح، والتضبيب، وعلامات الترقيم. 2- قيود الصناعة، ويدخل فيها: تجميع الكراسات، ولفظة "كبيكج". 3- قيود التوثيق، ويدخل فيها: الإجازات، والمطالعات، والسَّمَاعات. 4- قيود الفوائد، ويدخل فيها: الحواشي، والقراءات، والمطالعات. أولًا: قيود النساخة: يعرف آدم جاسك القيد بأنه: «قيد، ج قيود: مذكرة، بيان... تقييد: 1- انتقاء أشياء للكتابة، تأليف: تقييد بالكتاب: ما يُسجِّله، ما يحفظ بالكتابة، ومنه تدوين. 2- نسخ، نقل. 3- ربط، تجليد، حياكة ذيل الشريط (رأس الشريط). 4- تشكيل الحروف: نقطت الكتاب وأعجمته وشكلته وقيَّدته: مقيدة - معجمة. 5- ج تقاييد، تقييدات: ملاحظات هامشية، توضيحات» [3] . أما النساخة فيعرفها بأنها: «نَسْخ: 1- نَسْخة، تنسيخ، نَساخة، انتساخ، اسْتِنْساخ: نَسْخ، نَقْل... 3- انتساخ من الإملاء/ التلاوة: النسخ اكتتابك في كتاب عن مُعَارَضَة...النساخة: مهنة الكتابة (ناسخ)، حرفة نَسْخ الكتب» [4] . ويرى الدكتور أحمد شوقي بنبين، أن «مشاكل النساخة والنُّسَّاخ قديمة قدم هذا التراث، وقد شعر القدماء بخطورتها منذ بداية حركة التأليف؛ فقاوموها بقدر الوسائل والأدوات المتوفِّرة لديهم، وإن وجود إجازات النسخ المثبتة على ظهور المخطوطات على غرار إجازات الرواية والسماع، وكذا وجود عبارات في الوقفيات تمنع نسخ المخطوط لدليلٌ على الاحتياط الذي كان يتخذه القدماء إزاء النساخ» [5] . وهذا ما جعل برجشتراسر يُقرِّر أن «أقدار النُّسَخ الخطيَّة لكتاب ما متفاوتة جدًّا، فمنها ما لا قيمة له أصلًا في تصحيح نصِّ الكتاب، ومنها ما يعول عليه، ويوثق به» [6] . ولقد كان «لكل عالم مشهور طالب، نقل عنه سماعًا أو استملاء أو انتساخًا... فالمخطوط الذي نسخه عالم ثقة، أو كان في حوزة عالم أو أكثر من الثقات، فقد كان يعتبر أنه يشتمل على نص موثوق به، وكان كُتَّاب المسلمين يُشيرون غالبًا إلى وجود نُسَخ المخطوطات التي كُتبت بخط مشاهير المؤلفين في أماكن بعينها، وفي عصور بعينها، وقد بقي عددٌ لا بأس به من أمثال هذه المخطوطات التي كُتبت بخط مؤلفيها إلى يومنا هذا، والمرجَّح أن علماء العرب كانوا أكثر تقديرًا لقيمة المخطوطات التي كُتبت بخط مؤلفيها من علماء الغرب. هذه هي مرتبة العالم والطالب، ودونهما بكثير مرتبة النُّسَّاخ الذين كانوا يتكسَّبُون معاشهم من نَسْخ الكتب، فإن كثيرين منهم كان يهمهم سرعة الانتهاء من الكتاب، وحسن منظره، وكان النُّسَّاخ من جهلهم لا يفهمون شيئًا مما كانوا ينسخونه من الكتب في كثير من المواضع، وشرُّ ذلك في اللغة العربية أكثرُ منه في اللغات الأجنبية؛ لأن حروف اللغات اللاتينية مثلًا تكتب حرفًا حرفًا، أما الخط العربي فحروفه متصلٌ بعضُها ببعض؛ لذلك فإن الناسخ لا يكاد ينسخ نسخًا صحيحًا، إلا ما يفهم معناه» [7] . إلا أن هذا - للأسف - لم يمنعه من خطأ التصحيف والتحريف، وخاصة فيما لا قياس عليه؛ كأسماء الأعلام والأماكن... إلخ. ومن قيود النساخة التي نجدها على طُرَر المخطوطات ما يأتي: • قيود التصحيح والضبط: وهي تلك الإشارات الكتابية التي نجدها داخل النصوص؛ مثل: «علامة الإلحاق التي تُوضَع لإثبات بعض الأسقاط خارج سطور الكتاب، وهي في غالب الأمر خطٌّ رأسيٌّ يُرسم بين الكلمتين، يعطف بخط أفقي يتجه يمينًا أو يسارًا إلى الجهة التي دُوِّن فيها السقط هكذا ( ┐ )، أو هكذا ( ┌ )»، وبعضهم يمدُّ هذه العلامة حتى تصل إلى الكتابة الملحقة التي يكتب جوارها كلمة (صح)، أو (روجع)، أو (أصل)، وبعض النساخ يكتب ما يريد إلحاقه بين السطور في صلب الكتاب. وهناك علامة التمريض، وهي صاد ممدودة (صــ)، توضع فوق العبارة التي هي صحيحة في نقلها؛ ولكنها خطأ في ذاتها، وتُسمَّى هذه العلامة أيضًا علامة التضبيب، قال السيوطي في تدريب الراوي: "ويسمى ذلك ضبة؛ لكون الحرف مقفلًا بها، لا يتَّجِه لقراءة؛ كضبة الباب يقفل بها". وأحيانًا يوضع الحرف (ض) في وسط الكلام، إشارة إلى وجود بياض في الأصل المنقول عنه، وكذلك الحرف (عـــ) رأس العين، إشارة إلى (لعله كذا)، وقد يكتب الحرف (ظ) في الهامش أيضًا، إشارة إلى كلمة (الظاهر)، وتوضع (كـــ) في بعض الهوامش إلى أنه (كذا في الأصل)، وإذا كان هناك خطأ ناشئ من زيادة بعض الكلمات، فإنهم يُشيرون إلى الزيادة بخطٍّ يُوضَع فوق الكلام منعطفًا عليه من جانبيه وبهذا الوضع ( ┐┌ ) وأحيانًا تُوضَع الزيادة بين دائرتين صغيرتين (5 5) أو بين نصفي دائرة ( ( ) )، وأحيانًا توضع كلمة (لا)، أو (من)، أو (زائدة) فوق أول كلمة من الزيادة، ثم كلمة (إلى) فوق آخر كلمة منها، وفي التقديم والتأخير توضع فوق الكلمتين أو العبارتين ( | ) و( | )، أو يوضع الحرفان (خ) و (ق)، أو (خ) و (م)؛ أي: تأخير وتقديم، أو (م) (م)، أي: مقدم ومؤخر» [8] . وكل ما سبق من علامات وإشارات واختصارات ورموز وتعبيرات هي من قيود النساخة، وتنضم إليها علامات الترقيم، وهي عبارة عن «وضع رموز اصطلاحية معينة بين الجمل أو الكلمات لتحقيق أغراض تتصل بتيسير عملية الإفهام من جانب الكاتب، وعملية الفهم على القارئ» [9] . وكان العلامة أحمد زكي باشا رحمه الله أوَّلَ من وضع كتابًا في هذا الباب، وسمَّاه "الترقيم وعلاماته في اللغة العربية"، طبع لأول مرة عام 1330هـ، وهذه العلامات هي ما نستعمله يومنا هذا، إلا أن العلامة أحمد شاكر رحمه الله يرى أنها أقدم من ذلك، وإن لم تكن بهذا الرسم الحديث، فيقول: «ويوجد في بعض أصول الحديث القديمة، في الإسناد الذي يجتمع فيه جماعة معطوفة أسماؤهم بعضها على بعض، علامة تشبه الضبة فيما بين أسمائهم، فيتوهم من لا خبرة له أنها ضبة، وليست بضبة، وكأنها علامة وصل فيما بينها، أثبتت تأكيدًا للعطف خوفًا من أن تجعل (عن) مكان (الواو)» [10] . يقول الأستاذ عبدالسلام هارون [11] : «وإذا استرجعنا التاريخ وجدنا أن لها أصلًا في الكتابة العربية، فالنقطة قديمًا عند العرب كانت ترسم مجوفة هكذا (5)، وكان يضعها الناسخ قديمًا لتفصل بين الأحاديث النبوية، وكان قارئ النسخة على الشيخ أو معارضها على النسخ يضع نقطة أخرى مصمتة داخل هذه الدائرة ليدل بذلك على أنه انتهى في مراجعته إلى هذا الموضع، قال ابن الصلاح: وينبغي أن يجعل بين كل حديثين دائرة، وممن بلغنا منه ذلك أبو الزناد، وأحمد بن حنبل، وإبراهيم الحربي، وابن جرير الطبري، قال ابن كثير: قد رأيته في خط الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله. قال الخطيب البغدادي: وينبغي أن يترك الدائرة غفلًا، فإذا قابلها، نقط فيها نقطة». وقد تكلم ابن الصلاح عن عناية العلماء بالتصحيح والتضبيب والتمريض والمحو والكشط، إلى غير ذلك من صور عنايتهم بالكتب، وذلك في كلامه عن النوع الخامس والعشرين: في كتابة الحديث، وكيفية ضبط الكتاب، وتقييده [12] . وكل هذه النصوص التي سقناها تدل على كبير عناية المسلمين بضبط النص من كل جوانبه تجنُّبًا للخطأ والالتباس. «وأسماء العلامات وصورتها كما أقرَّها مجمع اللغة العربية سنة 1932م، الفاصلة ( ، )، والفاصلة المنقوطة ( ؛ )، والوقفة ( . )، والنقطتان ( : )، والاستفهام ( ؟ )، والتأثُّر ( ! )، والقوسان ( () )، وعلامة التنصيص( «» )، والشرطة أو الوصلة ( - )، والنقط الثلاث المتجاورة ( ... )» [13] . ويجب التنبُّه إلى أن كل ما أسلفنا من قيود سواء ما يخص اللَّحق والتضبيب والتصحيح وعلامات الترقيم نجده داخل النص؛ أي: بين ثنايا الكلام، وهي كما أسلفنا تكون في الغالب على شكل علامات. • حرد المتن: ومما يخصُّ قيود النساخة أيضًا، ما يتعلق ببيان النسخ نفسه، وأقصد مكان النسخ، واسم الناسخ، وتاريخ النسخ، وغالبًا ما تأتي هذه البيانات في نهاية الكتاب فيما يُسمَّى بحرد المتن، ونادرًا ما تأتي في المقدمة، ويشمل قيد الختام أو حرد المتن أو الكولوفون (وكلها مُترادفات لشيء واحد) ، الآتي: • مكان النسخ: «وإذا أنعمنا النظر في حرود المتن، مكننا من معرفة المحيط الذي عمل فيه الناسخ، فنادرًا ما نجد اسم المدينة التي نسخ فيها المخطوط، وأكثر منه ندرة أن نجد تحديدًا للمكان الذي أنجز فيه العمل، فإذا علمنا ذلك تصوَّرنا الظروف التي باشر النُّسَّاخ نشاطهم فيها، وعلى كل حال فإن عملية النَّسْخ غالبًا ما تتمُّ في السكن الشخصي أو الحانوت الصغير في سوق الوراقة، وتُعَدُّ كذلك المكتبات من الأماكن المفضَّلة في النَّسْخ، وأيضًا زاول العديد من النُّسَّاخ عملهم داخل المدارس العلمية النظامية، كما تردَّد اسم المسجد كمكان للنسخ، أيضًا كان النَّسْخ يتمُّ في أماكن العبادة الأخرى؛ كالزاوية، والتكايا، والخوانق، كما كانت القلاع والحصون العسكرية بها مراكز للنسخ» [14] . • اسم الناسخ: وربما أتى في المقدمة؛ ولكنه في الغالب يأتي في حرد المتن، وقد تأتي هذه الألفاظ قبل اسم الناسخ: " كتبه لنفسه "، " فرغ من كتبه لنفسه "، " نسخه لنفسه "، " وقع الفراغ من إتمامه... "، " على يد صاحبه... "، " فرغ من تحريره... "، " لنفسه... "، " وكتب...لنفسه بيده اليسرى "، وغير ذلك من الألفاظ [15] . • تاريخ النسخ: ولتأريخ المخطوطات صور عديدة [16] ، فقد تكتب واضحة، وقد تكتب بصورة يصعب معرفتها -كأن تكتب بصورة ملغزة - إلا بالمران، والصورة الأولى، كأن يقول: " وكان الفراغ منه في يوم كذا، لشهر كذا، لسنة كذا "، وهي الصيغة الأكثر شيوعًا. والصورة الثانية أن يستخدم في التأريخ الصور الملغزة، وله أنواع منها: حساب الجُمَّل [17] ، والتأريخ بالكسور [18] . ثانيًا: قيود الصناعة ، وتشمل نوعين: • تجميع الكراسات : يعرفها آدم جاسك بأنها: «كُرَّاس (ة)، (سرياني)، كَراريس: 1- الكتاب المُكرَّس أيضًا: مخطوط في شكل كتاب. 2- كُرَّاس ( ملزمة )، ويشار إليها اختصارًا بـ ( ك )، سميت بذلك لتكرُّسها؛ أي: انضمام بعضها إلى بعض. الكُرَّاسة لأنها طبقة على طبقة، تم استخدامها حصرًا في المخطوطات القرآنية المبكرة، وهي جزء من الصحيفة» [19] . و«قيد التجميع هو قيد بيانات عدد الأوراق أو الملازم في المخطوط؛ حيث يكتب الرقم كاملًا؛ إما باستخدام الأرقام، أو باستخدام نظام حساب الجُمَّل ( أبجد )، وتكتب هذه البيانات عادة في بداية النص أو في نهايته» [20] ، والذي يقوم بجمعها في الغالب هم العاملون في المخطوط، سواء المؤلف أو الناسخ أو الورَّاق، فالورَّاق قد يستعين بالنُّسَّاخ الذين يعملون لديه لتجميع هذه الملازم أو الكُرَّاسات، حيث يتكوَّن الكتاب من عدة ملازم أو كُرَّاسات، والتي تنقسم بدورها إلى عدة أنواع من حيث عدد الأوراق؛ فمنها الكُرَّاس الثنائي، ومنها الرباعي والخماسي، وكان النُّسَّاخ يستخدمون الكُرَّاس الرباعي والخماسي، ولا يلجؤون إلى الكَرَاريس الثنائية إلا للضرورة، كأن يتبقَّى للناسخ صفحة أو صفحتان في الكتاب؛ فيستعمل الكُرَّاس الثنائي. ومن النماذج التي نجدها على أطراف الكراريس، تلك الألفاظ: «عدد أوراقه 102، عدد أوراقه قسح (ولفظة " قسح " بحساب الجُمَّل تُقابل العدد 168)، وعدة كراريسه 25، وغير ذلك من النماذج» [21] . «ويظهر أن قيود التجميع قد ارتبطت بأسعار المخطوط ( أسعار الكتب )، ذلك أنها وُضِعت من أجل مساعدة بائع الكتب في حساب السعر المحتمل» [22] . • لفظة "كبيكج" [23] : اختلف العلماء في تحديد معنى الكلمة؛ فمنهم من ذكر أنها: «اسم نبات (باليونانية Batrakhion ، "ضفدع" باللاتينية: Ranunculus Asiaticus - " ضفدع أسيوي صغي ر")، يُشار إليه شعبيًّا باسم الحوذان الفارسي أو رِجْل الغراب، وكان أيضًا يعرف عند العرب باسم " كف الضبع "، و " كف السَّبُع "، و " شجرة الضفادع "» [24] ، أو هو نوع من البقدونس البري، أو ورد شقائق النعمان، ومنهم من ذكر أنها اسم ملَك، ومنهم من ذكر أنها مكونة من مقطعين: كابي، وتعني: القرد، وكج، وتعني: الملتوي أو المنحني. وقد استخدمت هذه اللفظة المختلف على كنهها كتعويذة أو دعاء الهدف منه حفظ المخطوط من الأرضة، فقد كان هناك اعتقاد بأنه يكفي إدراج اسمها في المخطوطات حتى تؤمن لها الحماية، ومن ثَمَّ تعددت صيغ الدعاء، فمنها: " يا حفيظ يا كبيكج "، و " يا كبيكج يا حفيظ "، أو " احفظ يا كبيكج "، " يا كبيكج احفظ الورقة "، قد تُكَرَّر الكلمة، يا " كبيكج يا كبيكج "، أكثر من مرة، كذلك قد يكرر الدعاء أكثر من مرة، وقد رصد له آدم جاسك [25] العديد من الصور، مثل: « كَبيشَك، كَيْكَتَج، كَبْكَج، كَيْكَج، أَكيكَنْج، كنينْكَج ». وكان هذا بالطبع له دور في تحديد قيمة المخطوط؛ إذ المعالج بهذا النبات يكون أعلى قيمة من غيره، ومثاله اليوم ما نقوم به من شراء سلعة بالضمان أو دونه. ثالثًا: قيود التوثيق: قيود التوثيق: هي تلك القيود التي تساعد على توثيق النسخة، وتصحيح نسبتها إلى صاحبها، كما تساعد على رفع قيمتها التاريخية ومن ثَّمَّ المادية، وتتعدَّد هذه القيود ما بين قيود المقابلة والمعارضة والمطالعة، وكذلك تدخل إجازات السماع والقراءة والمناولة، وسنتناول هذه القيود بشيء يسير من التفصيل. • قيود التصحيح والمقابلة والمعارضة: «من القيود الهامة التي نجدها كذلك على صفحات المخطوطات العربية ( الظهرية ) أو على الغاشية، قيود التصحيح والمقابلة والمعارضة، وكلها تؤكد صحة النسخة وأصالتها، فلا شك أن أسلم طريقة - بل الطريقة الوحيدة - للتثبُّت من صحة مخطوطة ما، هي معارضة المخطوطة المراد التحقُّق من صحَّتِها ومقابلتها بمخطوطة أو مخطوطات أخرى من نوعها معارضة دقيقة» [26] . وبلغ من اهتمام العلماء بضرورة المقابلة والمعارضة أن اعتبر بعضهم عدم المقابلة مسوغاً لعدم جواز الرواية من الكتب التي لم تقابل؛ يقول ابن الصلاح [27] : «فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك - إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث، أو الاحتجاج به لذي مذهب - أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيرُه بأصول صحيحة متعددة، مروية بروايات متنوعة، ليحصل له بذلك - مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف- الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول». كما نقل بعض الآراء المتشدِّدة في ذلك، ورفضها لتشدُّدها؛ فنقل عن البعض أنه قال: «لا تصح مقابلته مع أحد غير نفسه، ولا يُقلِّد غيره، ولا يكون بينه وبين كتاب الشيخ واسطة، وليقابل نسخته بالأصل بنفسه حرفًا حرفًا؛ حتى يكون على ثقة ويقين من مطابقتها له» [28] . وروي عن عروة بن الزبير «أنه قال لابنه هشام: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ قال: لا، قال: لم تكتب» [29] . أما عن كيفية المقابلة، فيوضح ذلك الشيخ أحمد شاكر رحمه الله [30] ؛ فيقول: «ويقابل الكاتب نسخته على الأصل مع شيخه الذي يروي عنه الكتاب - إن أمكن - وهو أحسن، أو مع شخص آخر أو يقابل بنفسه وحده كلمة كلمة، ورجحه أبو الفضل الجاروديُّ، فقال: أصدق المعارضة مع نفسك، بل ذهب بعضهم إلى وجوبه». ومن كل ما سبق يتضح مدى عناية علماء السلف بتوثيق وضبط الكتاب، ومن الألفاظ المستخدمة في عملية المقابلة ما يأتي: 1- قوبل هذا المجلد. 2- عارض به نسخته. 3- بلغ العراض بالأصل. 4- ونقلها الكاتب من نسخة مكتوب على... 5- بلغ مقابلة على الأصل، وغير ذلك من الصيغ. وفيما يأتي أحد هذه النماذج: «قوبل هذا المجلد - وهو الرابع - من المبسوط؛ لشمس الأئمة السَّرَخْسِيِّ رحمه الله مع الشيخ الإمام العلم زين الدين عثمان بن أبي بكر الحنفيِّ، بمدرسته الطَّرَخانِيَّة، بنسخته التي سمعها على الشيخ الإمام العلَّامة شيخ الإسلام جمال الدين الخُضَريّ - قدس الله روحه ونوَّر ضريحه- وذلك في مجالس آخرها الرابع من ذي القعدة من سنة إحدى وأربعين وستمائة، وصحح بحسب الإمكان، وقابله صاحبه الفقيه الإمام العالم قطب الدين أبو الربيع سليمان الحبشي شرفه الله تعالى...» [31] . وبدراسة وتحليل هذا النص، يمكن استخراج عناصر المقابلة، وهي: • لفظ المقابلة أو المعارضة: قوبل. • النص (تحديد) على الجزء المقابل: هذا المجلد وهو الرابع من المبسوط. • اسم الطرف الثاني (الشيخ، مثلًا أو مؤلف الكتاب) في المقابلة: مع الشيخ زين الدين عثمان. • مكان المقابلة: بمدرسته الطَّرَخانِيَّة. • وصف النسخة التي تمت المقابلة عليها: بنسخته التي سمعها على الشيخ جمال الدين الخُضَرِي. • عدد مجالس المقابلة: في مجالس ( ولم يحدد عددها، وقد يحددها ). • تاريخ الانتهاء من المقابلة: الرابع من ذي القعدة من سنة إحدى وأربعين وستمائة. • درجة المقابلة: وصُحِّحَ بحسب الإمكان. • الطرف الأول للمقابلة ( صاحب النسخة ): قابله صاحبه... قطب الدين أبو الربيع وكل هذا يوضح مدى الدقة في إثبات كل هذه البيانات والتي تفيد في توثيق النص والوثوق فيه لأبعد الحدود. • قيود السماع أو إجازات السماع: السماع هو أحد طرق تلقي العلم الثمانية [32] «فكثيرًا ما نصادف في صدور المخطوطات القديمة أو ذيولها إجازات تنصُّ على أن الكتاب قد سمِعَه على مُصنِّفه أو على شيخ عالم ثقة، واحد أو كثيرين، وقد تكثر هذه الإجازات أحيانًا، فتبلغ العشرة والعشرين، يكون بعضها مردفًا ببعض، يفصل بين الواحدة ورديفتها خطٌّ فاصلٌ، وقد تقلُّ أحيانًا، فلا تكون إلا إجازة واحدة» [33] ، وخير مثال على هذا العدد الكثير [34] كتاب الرسالة للإمام الشافعي بخط تلميذ الربيع والذي أخرجه الشيخ أحمد شاكر، ونشر هذه السماعات في مقدمة تحقيقه، وكذلك النماذج التي نشرها فايدا Vajda ، عام 1957 «عن إجازات الإقراء والسماع المثبتة في المخطوطات العربية بدار الكتب الوطنية بباريس» [35] . «وهذه الإجازات تُسمَّى إجازات السماع، وكثيرًا تُسمَّى السماعات...وهذه السماعات هي في الحقيقة صورة من الصور التي عرفها العلماء القدامى عن الشهادات العلمية التي تمنح اليوم، والفرق بين السماعات والشهادات، أن الأولى شهادات فردية تثبت عند سماع كتاب واحد، وأن الثانية تمنح لمجموع من الدروس يقرؤها الطالب بصرف النظر عن شروط منح السماعات أو الشهادات» [36] . وباستقراء هذه السماعات «نجد أنها على ثلاثة أضرب: الضرب الأول: إقرار مصنف ما بخطِّه أن طالبًا سمِعَ عليه كتابه. الضرب الثاني: إقرار طالب بسماع كتاب على مُصنِّفه. الضرب الثالث: إخبار بالسماع على شيخ غير المصنِّف. وأوسع هذه الأضْرُب، هو الضرب الثالث، وإجازة هذا الضرب أتم أشكال الإجازات، كما سنرى. أما الشروط التي يجب أن يتضمنها نصُّ إجازة السماع، فهي كما يأتي: • اسم المسمع؛ سواء المصنِّف أو غيره، فإذا لم يكن المصنِّف ذكر المسمع سنده الذي قرأ الكتاب به. • أسماء السامعين، من الرجال والنساء والصغار، وتحديد سني الصغار، وذكر أسماء الرقيق. • النص على ما سمِعه الحاضرون، وما فاتهم سماعه. • ذكر اسم القارئ. • ذكر اسم النسخة التي قُرئت، فسمِعَها الحاضرون. • اسم مُثْبِت السماع. • ورود لفظ "صح وثبت"، بعد سماع الحاضرين. • اسم المكان الذي سُمِع الكتاب فيه. • تاريخ السماع ومدته. • إقرار المُسْمِع بصحة ما تقدم ذكره بخطه» [37] . وبعد فهذه عشرة عناصر لهذا النوع من القيود، قد تتوافر كلها، وقد يتوافر بعضها؛ لكنها بهذه الصورة أتم وأكمل. • قيود القراءة: «أما القراءة، فهي أن يقرأ التلميذ على الشيخ من كتاب، والشيخ منصت، يقارن ما يلقى عليه بما في نسخته أو بما وعته حافظتُه، ويقدم لها بعبارة: " قرأت على فلان "؛ فقد كان مجرد قراءة كتاب ما لا تعتبر كافية لاستيعاب محتوياته؛ لهذا كان الكتاب يقرأ بمعاونة معلم، ويستحسن أن يكون هو مؤلف الكتاب نفسه، فإن لم يكن فعلى يد عالم متخصص يحظى باحترام، ويعد حجة في موضوعه، وتفوق إجازات القراءة الموجودة على المخطوطات العربية في عددها إجازات السماع، وهي تشمل جميع فنون القراءة. وعادة ما كان الشيخ الذي يقرأ عليه الكتاب يُسجِّل في إجازة القراءة كيفية تلقِّي الطالب لها، فكان ينصُّ على أنها "قراءة مقابلة بأصله"، أو "قراءة حفظ وإتقان"، أو "قراءة استفسار ومراجعة"، أو "قراءة مرضية"، أو "قراءة تفهم"، أو "قراءة تصحيح وتهذيب"...إلخ» [38] . رابعًا: قيود الفوائد : ومن القيود الهامة التي نجدها على صفحات المخطوطات، قيود الفوائد، التي تضم الحواشي والقراءات [39] والمطالعات، ونعرف أولًا بمعنى وبهدف هذه القيود، ثم نثني بذكر أحد نماذجها. الفائدة: «ما أفاد الله تعالى العبد من خير يستفيده ويستحدثه، وجمعها الفوائد... والناس يقولون: هما يتفاودان العلم؛ أي: يفيد كلُّ واحدٍ منهما الآخر، [ويقول] الجوهري: الفائدة: ما استفدت من علم أو مال، تقول منه: فادت له فائدة» [40] . وقد قام العلماء بتقييد فوائدهم على حواشي [41] هذه المخطوطات، ومن هذه الفوائد: • قيود المطالعة والنظر والانتقاء: ولهذه القيود دورٌ كبيرٌ في إعلاء قيمة المخطوط؛ فهذه القيود تفيد بأن أحد العلماء الثقات قد طالع هذه النسخة واستفاد منها؛ بل وانتقى من مادتها ما ضمنه في أحد كتبه، «بالإضافة إلى أن لقيود النظر أهميةً كبرى فيما يخصُّ تاريخ النسخة المخطوطة، بما توفره من معلومات ثمينة - في كثير من الأحيان - عن العلماء وأساتذتهم، والكتب التي كانوا يدرسونها» [42] . وكثيرة هي صيغ هذا القيد، فمنها: «"طالعه وعلق منه ما اختاره، مالكه خليل بن أيبك الصفدي"... و"استفاد منه داعيًا لمالكه، أحمد بن علي المقريزي"» [43] . ومنها أيضًا: «"نظر في"، "تأمله (تأمل معانيه، فرغ من تأمله)"، و"استوعبه واستنار منه"» [44] . «"طالعه وعلق منه ما اختاره"، و"استفاد منه"، و"طالعه وكتب منه ما احتاج إليه"، و"طالعه وانتقى منه لشرح..."، وكانوا أحيانًا ما يؤرخون وقت الاطِّلاع؛ مثل: "طالع فيه العبد الفقير...أحمد الحلبي...وذلك بتاريخ سابع عشر من ذي الحجة..."» [45] . وقد يكون المطالع هو صاحب النسخة، وقد يكون شخصًا آخَرَ، وهو الأكثر انتشارًا بين هذه النماذج، فقد «ارتبطت قيود النظر والمطالعة ارتباطًا وثيقًا بقيود التملُّك؛ ذلك أنه عادة ما تشير (بأطوال متفاوتة) إلى ما مفاده أن هذا الشخص أو ذاك طالع/ نظر في كتاب معين أو جزء منه» [46] . والمشتغل بالمخطوطات العربية يصادف العديد من هذه التقيدات المختلفة، وهي ما بين استدراك على مصنف النص الأصلي، أو تحقيق مسألة معينة لم يعطها المصنِّف حقَّها من الدرس، أو ذكر مسألة مشابهة لهذه التي في النص، أو ترجمة لأحد الأعلام الواردة أسماؤهم في النص، أو تحديد لمكان ما أهمله المصنف، أو يقوم بكتابة بيت شعر، أو كلمة مأثورة، أو فائدة لغوية، أو تصحيح لخطأ ما. وبعد فقد كانت هذه إطلالة سريعة على بعض القيود التي نصادفها على طُرَر المخطوطات العربية، وهي ميزة تكاد تنفرد بها هذه المخطوطات، وهي تحتاج إلى مزيد عناية وتَتَبُّع، ومما يفيد في ذلك أن تقوم المؤسسات المعنية بالمخطوط العربي بمشروع فهرسة كوديكولوجية؛ حتى تضع أمام الباحثين مثل هذه القيود؛ حتى يستفاد منها بأقصى صورة ممكنة. ملحق الصور 1- حرد المتن: ويحتوي اسم الناسخ وتاريخ النسخ. 2- نموذج آخر لحرد المتن. 3- تجميع الكراسات. 4- دعاء كبيكج 5- دعاء كبيكج مع قيد الفراغ. 6- نموذج لأحد السماعات. 7- قيود المقابلة والاطلاع. 8- قيود الإفادة والتعليقات. المراجع: 1- أدب الإملاء والاستملاء؛ السمعاني، تحقيق: أحمد محمد عبدالرحمن، ط1، جدة، د. ت، 1414 هـ -1993م. 2- أصول نقد النصوص ونشر الكتب؛ برجشتراسر، ط3، القاهرة، دار الكتب والوثائق القومية، 1431 هـ -2010 م. 3- الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع؛ القاضي عياض، تحقيق أحمد صقر، ط1، القاهرة، دار التراث، 1379هـ -1970م. 4- الإملاء والترقيم؛ عبدالعليم إبراهيم، د. ط، القاهرة، دار غريب، د. ت. 5- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث؛ أحمد شاكر، د. ط، القاهرة، مكتبة دار التراث، 1423 هـ - 2003 م. 6- تحقيق النصوص ونشرها؛ عبدالسلام هارون، ط7، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1418 هـ/ 1998 م. 7- التذكرة في علوم الحديث؛ لابن الملقن، ط1، عَمَّان، دار عمَّار، 1408 هـ -1988م. 8- تصحيح الكتب وصنع الفهارس؛ أحمد شاكر، ط3، بيروت، مكتب المطبوعات الإسلامية، 1428 هـ - 2007م. 9- تقاليد المخطوط العربي (معجم المصطلحات)؛ آدم جاسك، ترجمة: مراد تدغوت، ط1، القاهرة، معهد المخطوطات العربية، 1431 هـ/ 2010 م. 10- دراسات في علم المخطوطات والبحث الببليوغرافي؛ أحمد شوقي بنبين، ط2، مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية، 2004 م. 11- الرسالة؛ الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، ط3، القاهرة، مكتبة دار التراث، 1426 ه -2005 م. 12- السماع والقراءة والمناولة وقيود المقابلة والمعارضة، بحث، أيمن فؤاد سيد (ندوة قضايا المخطوطات 2، «27، 28 سبتمبر 1998م»)، فن فهرسة المخطوطات؛ تحرير فيصل الحفيان، ط1، القاهرة معهد المخطوطات العربية، 1999م. 13- علم المخطوط العربي، بحوث ودراسات، ط1، الكويت، الوعي الإسلامي، 1435 هـ - 2014م. 14- قواعد الإملاء؛ عبدالسلام هارون، د. ط، القاهرة، دار الطلائع، د. ت. 15- كبيكج في المخطوطات العربية، مقالة، آدم جاسك؛ ترجمة: عصام الشنطي، مجلة تراثيات، ط: القاهرة (1427 هـ -2006م)، عدد 8، (ص: 87-93). 16- الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات، أيمن فؤاد سيد، ط1، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1418هـ -1997 م (1/ 2). 17- لسان العرب؛ ابن منظور، القاهرة، دار المعارف، د.ت. 18- محاضرات في علم المخطوط، ألقاها د. أيمن فؤاد سيد بمعهد المخطوطات (2015- 2016م). 19- معجم مصطلحات المخطوط العربي؛ أحمد شوقي بنبين، ومصطفى طوبي، ط3، الرباط، الخزانة الحسنية، 2005م. 20- معرفة أنواع علوم الحديث (المقدمة)؛ ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، ط1، سوريا، دار الفكر، 1406هـ -1986م. 21- من أجل دراسة حفرية للمخطوط العربي؛ مصطفى طوبي، د. ط، الرباط، مركز نجيبويه، د. ت. [1] للمزيد حول رؤية العلماء لعلم المخطوط، يُنظَر: من أجل دراسة حفرية للمخطوط العربي؛ مصطفى طوبي، د. ط، الرباط، مركز نجيبويه، د. ت، (15-22). [2] الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات؛ أيمن فؤاد سيد، ط1، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1418 هـ-1997م، (1 / 2)، ويُنظَر: معجم مصطلحات المخطوط العربي؛ أحمد شوقي بنبين ومصطفى طوبي، ط3، الرباط، الخزانة الحسنية، 2005 م، (ص: 302). [3] تقاليد المخطوط العربي (معجم المصطلحات)؛ آدم جاسك، ترجمة: مراد تدغوت، ط1، القاهرة، معهد المخطوطات العربية، 1431 هـ/ 2010 م، (259)، (ملاحظة: قمت بحذف مصادر آدم جاسك من داخل المتن). [4] المرجع السابق (ص: 296-298) بتصرف. [5] دراسات في علم المخطوطات والبحث الببليوغرافي؛ أحمد شوقي بنبين، ط2، مراكش، المطبعة والوراقة الوطنية، 2004 م، (ص: 40). [6] أصول نقد النصوص ونشر الكتب، برجشتراسر، ط3، القاهرة، دار الكتب والوثائق القومية، 1431 هـ-2010 م. (ص: 14). [7] المرجع السابق (16، 17)، بتصرف كبير. [8] تحقيق النصوص ونشرها، عبدالسلام هارون، ط7، القاهرة، مكتبة الخانجي، 1418 هـ/ 1998 م. (ص: 55-57). [9] الإملاء والترقيم؛ عبدالعليم إبراهيم، د. ط، القاهرة، دار غريب، د. ت، (ص: 87). [10] تصحيح الكتب وصنع الفهارس؛ أحمد شاكر، ط3، بيروت، مكتب المطبوعات الإسلامية، 1428هـ-2007 م، (ص: 30). [11] تحقيق النصوص (ص: 85، 86). [12] معرفة أنواع علوم الحديث (ص: 181). [13] قواعد الإملاء؛ عبدالسلام هارون، د. ط، القاهرة، دار الطلائع، د. ت، (ص: 71). [14] محاضرات في علم المخطوط، ألقاها د. أيمن فؤاد سيد، بمعهد المخطوطات (2015-2016 م). [15] للمزيد يرجع إلى كتاب: الكتاب العربي المخطوط وعلم المخطوطات (2/ 454). [16] للمزيد يرجع إلى: نموذج من التأريخ بالكسور في المخطوط العربي، مقالة، جعفر هادي حسن، مجلة معهد المخطوطات العربية، ط: القاهرة (1988 م)، مجلد 32/ 2، ص (293- 402)، وحل تعمية التأريخ بالكسور، مقالة، مصطفى موالدي، مجلة معهد المخطوطات العربية، ط: القاهرة (1416 هـ)، مجلد 39/ 2، ص (213- 255)، وتأريخ النسخ في المخطوطات العربية، مقالة، عصام الشنطي، مجلة عالم المخطوطات والنوادر، ط: الرياض (1422 هـ)، مجلد 6/ 2، ص: (526- 537)، وطرق تأريخ النسخ في المخطوطات: النشأة والحل، مقالة، عصام الشنطي، مجلة تراثيات، ط: القاهرة (2004 م)، العدد الرابع، ص (9- 23) التأريخ بالكسور في الكتاب العربي المخطوط، مقالة، محمد حميد العوفي، مجلة الجامعة الإسلامية، ط: المدينة المنورة، مجلد 144. (مركز ودود للمخطوطات). [17] حساب الجُمَّل: وقال بعضهم بتخفيف الميم، وقيل: حروف الجمل هي الحروف المقطعة على أبجد هَوَّز، وهو ضرب من التأريخ استعمله المؤلفون العرب قديمًا، ويعتمد على العبارة عوض الأرقام... ينظر: معجم مصطلحات المخطوط العربي (ص: 132). [18] التأريخ بالكسور: هو صورة من صور تأريخ المخطوط، ظهر في القرن العاشر الهجري، وهي طريقة تحتاج إلى جهد وإعمال فكر للوصول إليها، سميت بالتأريخ الكنائي كأن ناسخها يذكر معنى قريبًا، ويقصد المعنى الأبعد كما هي الكناية البلاغية، يُنظَر: معجم مصطلحات المخطوط العربي (ص: 66). [19] تقاليد المخطوط (ص: 267). [20] المرجع في علم المخطوط العربي؛ آدم جاسك، ترجمة: مراد تدغوت، ط1، القاهرة، معهد المخطوطات العربية، 1437 هـ-2016 م، (ص: 336). [21] للمزيد يرجع إلى: المرجع في علم المخطوط (ص: 337). [22] المرجع السابق (ص: 337). [23] ينظر: كبيكج في المخطوطات العربية؛ مقالة، آدم جاسك، ترجمة: عصام الشنطي، مجلة تراثيات، ط: القاهرة (1427 هـ-2006 م)، عدد 8 (ص: 87-93)، وتقاليد المخطوط العربي (ص: 263)، والمرجع في علم المخطوط العربي (ص: 351، 352). [24] المرجع في علم المخطوط العربي (ص: 351). [25] المرجع في علم المخطوط العربي (ص: 351). [26] السماع والقراءة والمناولة وقيود المقابلة والمعارضة، (بحث لأيمن فؤاد سيد)، فن فهرسة المخطوطات، تحرير فيصل الحفيان، ط1، القاهرة، معهد المخطوطات العربية، 1999 م. (ص: 98). [27] معرفة أنواع علوم الحديث (المقدمة)؛ ابن الصلاح، تحقيق: نور الدين عتر، ط1، سوريا، دار الفكر، 1406هـ -1986م (ص: 29). [28] المرجع السابق (ص: 192). [29] أدب الإملاء والاستملاء؛ السمعاني، تحقيق: أحمد محمد عبدالرحمن، ط1، جده، د. ت، 1414 هـ - 1993م، (365، 366)، ومعرفة علوم الحديث (ص: 190). [30] الباعث الحثيث (ص: 112)، حاشية 3. [31] فن فهرسة المخطوطات (ص: 99، 100). [32] يُنظَر: الإلماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع؛ القاضي عياض، ط1، القاهرة، دار التراث، 1379هـ -1970م (ص: 68)، والتذكرة في علوم الحديث؛ لابن الملقن، ط1، عَمَّان، دار عمَّار، 1408 هـ -1988م ، (ص: 21). [33] علم المخطوط العربي: بحوث ودراسات، ط1، الكويت، الوعي الإسلامي، 1435 هـ -2014 م. (485). [34] فقد بلغت السماعات التي نشرها الشيخ شاكر 68 سماعًا، يُنظَر: الرسالة؛ الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، ط3، القاهرة، مكتبة دار التراث، 1426 هـ -2005 م، (27-70). [35] علم المخطوط العربي (518). [36] علم المخطوط العربي (485). [37] علم المخطوط العربي (488-496) بتصرف كبير. [38] فن فهرسة المخطوطات (ص: 91). [39] القراءة هنا تختلف عن سابقتها - القراءة على الشيخ - فهي تعني: مطالعة الكتاب. [40] لسان العرب؛ ابن منظور، القاهرة، دار المعارف، د.ت. (5/ 3498). [41] الحاشية: حافة المحيط بالنص... الحدود على غلاف الكتاب، وهي أيضًا هامش توضيحي، وتعليق، وملاحظة هامشية؛ يُنظَر: تقاليد المخطوط العربي (ص: 81). [42] المرجع في علم المخطوط العربي (ص: 349). [43] الكتاب العربي المخطوط (2/ 505). [44] المرجع في علم المخطوط العربي (ص: 349). [45] الكتاب العربي المخطوط (2/ 505). [46] المرجع في علم المخطوط العربي (ص: 349).
معركة شقحب (2 رمضان سنة 702 هـ)
د. محمد منير الجنباز
08-04-2019
10,732
https://www.alukah.net//culture/0/133670/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%b4%d9%82%d8%ad%d8%a8-2-%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86-%d8%b3%d9%86%d8%a9-702-%d9%87%d9%80/
معركة شَقحب (2 رمضان سنة 702هـ) قائد المعركة من المسلمين: السلطان الناصر محمد بن قلاوون. قائد التتار : قطلو شاه نائب الملك قازان، ومعه جوبان. سببها: الطمع المستمرُّ للتتار في بلاد الشام، وكان الناس في الشام في خوف منهم ورعب، فقد سمِعوا أنهم عبَروا الفرات وتوجَّهوا للشام في سنة 701هـ، فانقلبَت المدن بعضُها على بعض، والناس يَبغون الفرارَ، ومنهم مَن أرسل أهله إلى مصر، وغَلَت الأرزاق، ونودي للالتحاق بالجيش واقتراب وصول التتار. وقد قام شيخ الإسلام ابنُ تيميَّة بدورٍ كبير في الحشد لهذه المعركة، وبث روح الحماس في الجند والناس، فقد اجتمع بالنائب في دمشق، وشجَّعه على الصمود ولقاء العدو، وأن الشعب كله من ورائه، كما اجتمع بابنِ مهنا أمير العرب الذي أبلى في موقعة حمص بلاءً حسنًا، وشجَّعه على الانضمام لجيش المسلمين والوقوف إلى جانبهم، وكان قبل ذلك في مصر فاجتمع بالسلطان والأمراء، وطلب منهم القدومَ إلى الشام لدفع التتار. وأصبَحَت مِنْطَقةُ دمشق مِنْطَقةَ تجمُّعٍ للأجناد، فكل حاكم مدينة رحل بجنده إليها؛ كأمير حلب، وحماة، وحمص، والتقى بهم أيضًا ابنُ تيميَّة، وأرسل سلطان مصر قِسمًا من الجيش مع القائد بيبرس الجاشنكير، واجتمع مع جيوش الشام بظاهر دمشق. واقترب جيش التتار، والناس في ترقُّب وغليان، وكلهم لهفة لوصول السلطان ببقية الجيش، ثم تكامَل جيش المسلمين، وعسكر في جنوب شرقي دمشق، ووصل جيش التتار يزحف نحو دمشق، لا يُرى أوَّله من آخره، فطاف بدمشق التي غلَّقت الأبواب فلم يقف لأخذها؛ وإنما اتجه نحو الجيش الإسلامي، فإذا ربح المعركة فلن تستعصي عليه دمشق. والتقى الجمعان عصرَ السبت في الثاني من رمضان سنة 702هـ قُرب شَقْحَب [1] ، ودارت معركة رهيبة، وركَّز التتار على ميمنة المسلمين فحطَّموها، واستشهد أناس كثيرون بينهم قادة، وصمدت الميسرة والقلب، ثم اندفعوا نحو التتار فوقعت الهزيمة في صفوفهم، وهم لا يَلْوُون على شيء. وحال الليل بين الفريقين، وارتفع التتار تحت جنح الظلام مع " جوبان " إلى تل هناك، وعندما أسفر الصبحُ شاهد التتار كثرةَ المسلمين فانحدروا من التل يبتدرون الهروب، فأخذتهم سيوف المسلمين، وكانت مقتلة عظيمة منهم، وتشردوا في كل اتجاه، وتَبِعهم جندُ المسلمين إلى الصحراء حتى " القريتين "، ومَن شرد منهم وصل إلى الفرات، وكان النهر في ازدياد؛ لأن الفصل ربيع، فغرِق مَن أراد العبور.. وهكذا تفرَّقوا بين مقتول في المعركة، وهالك غرقًا أو في الصحراء، ولم تَقُم لهم بعدها قائمة، فقد مات ملكهم " قازان " ألَمًا وحسرة عند سماعه بهذه الهزيمة المُنكَرة. وقد كان لمشاركة الإمام ابن تيميَّة رحمه الله في هذه المعركة أثرٌ كبير في النصر، ومعه تلاميذه وأنصاره، وقد أرسل نائب السلطان في دمشق جمال الدين أقوشي رسالةً من أرض المعركة بعد تمام النصر، يُطمئن فيها أهلَ دمشق الذين كانوا في وجلٍ وخوف، لكنهم ما انقطعوا طيلة هذه الأيام من الدعاء والابتهال إلى الله بنصر المسلمين خصوصًا في يوم الجمعة أول رمضان، إلى أن وردتهم رسالة تنبئهم بالنصر، فاستقرَّت أحوال الناس في دمشق بعد سماعهم هذه الرسالة، وحمدوا الله على هذا النصر المبين. [1] شقحب: قرب بلدة الكسوة اليوم.
إستراتيجيات وضوابط الرموز الرياضية الأساسية والتخصصات العلمية والجامعية للمعاقين بصريا (PDF)
خالد فايز السليمان
08-04-2019
5,985
https://www.alukah.net//culture/0/133669/%d8%a5%d8%b3%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%ac%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%b6%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%85%d9%88%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ae%d8%b5%d8%b5%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%82%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a7-PDF/
عنوان الكتاب : إستراتيجيات وضوابط الرموز الرياضية الأساسية والتخصصات العلمية والجامعية للمعاقين بصريًّا. المؤلف: خالد فايز السليمان. عدد الصفحات: 92. إستراتيجيات وضوابط الرموز الرياضية الأساسية والتخصصات العلمية والجامعية للمعاقين بصريًّا يهدف هذا الكتاب إلى إعطاء المختصين والمهتمين معلومات وأمثلة كافية للرموز وضوابطها وإستراتيجية كتابتها للمناهج والموضوعات جميعًا.
عمر بن الخطاب رجل أعز الله به الإسلام
د. عبدالجبار فتحي زيدان
06-04-2019
28,477
https://www.alukah.net//culture/0/133637/%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8-%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d8%a3%d8%b9%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلٌ أعزَّ اللهُ بهِ الإسلام بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت. عمر رضي الله عنه يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسبه مع كعب بن لؤي، فهو: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزَّى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي العدوي القرشي بن معد بن عدنان. تميز عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بين الصحابة بميزتين: الأولى: شدته في دين الله، ولشدته وقوته أن جميع المسلمين هاجروا سرًّا إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هاجر علنًا، وفي وضَح النهار، وأمام مرأى ومسمع من المشركين. أخرج ابن عساكر عن علي رضي الله عنه قال: ما علمت أحدًا هاجر إلا مختفيًا، إلا عمر بن الخطاب فإنه لَمَّا همَّ بالهجرة تقلَّد سيفه وتنكَّب قوسه ( فوضعه في منكبه )، وانتضى ( وأخرج من كنانته ) أسهمًا، وأتى الكعبة وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعًا ثم صلى ركعتين عند المقام، ثم أتى حلقهم واحدة واحدة، فقال شاهت ( وقبحت الوجوه )، مَن أراد أن تثكله ( وتفقده ) أمُّه، ويُيتم ولده، وتُرمل زوجته، فلْيَلْقني وراء هذا الوادي، فما تبعه أحدٌ. وشهد المشاهد والغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ممن ثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ويوم حنين حين انهزم المسلمون. أخرج الترمذي عن ابن عمر والطبراني من حديث ابن مسعود وأنس (رضي الله عنهما): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللهم أعزَّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك، بعمر بن الخطاب، أو بأبي جهل بن هشام، فكان أحبهما إلى الله عمر. فاستجاب الله دعاء الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يزال سبحانه يعزُّ الإسلام بعمر حتى وفاته رضي الله عنه. وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أول من جهر بالإسلام عمر بن الخطاب؛ إسناده صحيح حسن. وأخرج ابن سعد والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان إسلام عمر فتحًا وكانت هجرته نصرًا، وكانت إمامته رحمة، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي إلى البيت حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلَّينا. وأخرج ابن سعد عن صهيب قال: لما أسلم عمر رضي الله عنه أظهر الإسلام ودعا إليه علانيةً، وجلسنا حول البيت وطفنا بالبيت، وانتصفنا ممن غلظ علينا، (وأخذنا حقنا ممن ظلمنا)، ورددنا عليه بعض ما يأتي به. وأخرج البزار والحاكم وصححه عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: لما أسلم عمر قال المشركون: قد انتصف القوم اليوم منَّا، وأنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنفال: 64]. وأخرج البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر. وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة. والميزة الثانية التي امتاز بها: أن الله سبحانه جعل الحق على لسانه، فقد أخرج الشيخان (البخاري ومسلم) صاحبا الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينا أنا نائم شربت - يعني اللبن - حتى أنظُر الريَّ يجري في أظفاري، ثم ناولته عمر قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العلم. وأخرج الشيخان أيضًا عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بينا أنا نائم، رأيت الناس عرضوا عليَّ وعليهم قمص، فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما يبلغ دون ذلك، وعرض عليَّ عمر وعليه قميص يجرُّه، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: الدين. وأخرج الشيخان عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط إلا سلك فجًّا غير فجِّك. (والفج: الطريق). وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد كان فيما قبلكم من الأمم ناس محدثون (أي: ملهمون)، فإن يكن في أمتي أحد منهم فإنه عمر، وأخرج ابن ماجه والحاكم عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله جعل الحق على لسان عمر يقول به، وفي رواية: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. وأخرج الترمذي والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر، قال: قال رسول الله، لو كان بعدي نبي لكان عمر بن الخطاب، وأخرجه الطبراني عن أبي سعيد الخدري وعمه ابن مالك، وأخرجه ابن عساكر من حديث ابن عمر. وأخرج الشيخان عن عمر قال: وافقت ربي في ثلاث: قلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت (الآية): ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله، يدخل على نسائك البرُّ والفاجر، فلو أمرتهنَّ يَحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة، فقلت: عسى ربه إن طلقكنَّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن، فنزلت كذلك؛ أي: نزل قوله تعالى موافقًا لقول عمر رضي الله عنه باللفظ نفسه، قال الله تعالى: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5]. وقال ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: لما توفي عبدالله بن أُبَي (رأس المنافقين) طلب ابنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي عليه، فلما وقف عليه يريد الصلاة تحولتُ حتى قمتُ في صدره، فقلتُ يا رسول الله، أَعَلى عدو الله عبدالله بن أُبَي تصلي؟ القائل يوم كذا: كذا وكذا، يعدد أيامه، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرتُ عليه، قال: أخِّر (أي: ابتعد عني) يا عمر، إني خيِّرت فاخترت، فقد قيل لي: ﴿ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ [المنافقون: 6]، لو أعلم أني لو زدتُ على السبعين غُفِر له لزدتُ، قال: ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره حتى فرغ منه؛ يقول عمر رضي الله عنه: فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فو الله ما كان إلا يسيرًا حتى نزلت هاتان الآيتان: ﴿ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق، ولا قام على قبره حتى قبضه الله عز وجل.
حياة الإمام مالك بن أنس رحمه الله (93 - 179هـ)
د. محمود مقاط
03-04-2019
159,096
https://www.alukah.net//culture/0/133602/%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83-%d8%a8%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%b3-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-93-179%d9%87%d9%80/
حياة الإمام مالك بن أنس رحمه الله (93 - 179هـ) أ- اسمه: "هو الإمام أبو عبدالله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث، ينتهي نسبه إلى يعرب بن يشجب بن قحطان الأصبحي، جده أبو عامر صحابي جليل" [1] . ب- مولده: "الإمام مالك بن أنس، أحد أعلام الإسلام، إمام دار الهجرة، ولادته بالمدينة، ولا تتفق الروايات على سنة ولادته، فتذكرها ما بين سنتي (90 - 97هـ)" [2] . " ولكن الصحيح في ميلاد الإمام مالك كان في سنة ثلاث وتسعين للهجرة (93هـ) بالمدينة النبوية، عام موت أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم" [3] . ت- نشأته: "نشأ الإمام مالك في بيت اشتغل بعلم الأثر، وفي بيئة سخرت جُلَّ وقتها للحديث والأثر، فجدُّهُ مالك بن أبي عامر من كبار التابعين، روى عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وطلحة بن عبيد الله، وعائشة أم المؤمنين، وقد روى عنه بنوه أنس أبو مالك الإمام، وربيع، ونافع المكنى بأبي سهيل؛ ولكن يبدو أن أباه أنسًا لم يكن مشتغلًا بالحديث كثيرًا، ومهما يكن حاله من العلم ففي أعمامه وجدِّه غَناء، ويكفي مقامهم في العلم لتكون الأسرة من الأسر المشهورة بالعلم، ولقد اتَّجه من قبل مالك من إخوته أخوه النضر، فقد كان ملازمًا للعلماء يتلقَّى عليهم، فنشأ الإمام مالك وترعرع في المدينة، في صونٍ ورفاهيةٍ وتجمُّلٍ، وطلبٍ للعلم، فلم يَعْرف عملًا ولا تجارةً ولا سعى لسفرٍ أو صناعةٍ؛ إنما كان همُّهُ الأوحد طلب العلم ورواية الحديث" [4] . ث- أبناؤه: "كان للإمام مالك رحمه الله ابنان: يحيى ومحمد، وابنة اسمها فاطمة، قال ابن شعبان: ويحيى بن مالك يروي عن أبيه نسخة من الموطأ، وذُكر أنَّه روى عنه باليمن، وروى عنه محمد بن مسلمة، وابنه محمد الذي قدم مصر، وكتب عنه وحدَّث عنه الحرث بن مسكين" [5] . ج- فضائله [6] : "مالك جمُّ المناقب والفضائل، يمُّ المواهب والفواضل، اتَّسع في الفضل مجالُه، وفاض في الأفضال سِجَالُه، واتَّسق في التقوى قوله وفعاله، وأصبح قريعَ عصره [7] ، وفريدَ دهره ومِصره، وعلمًا سار بذكره الركبان، وتعطر بنشره الزمان، جمع بين فصاحة البيان وسماحة البنان. نظم من جواهر الكلام عِقدًا يُزان بمثله نحر الإسلام، وصاغ من تبر [8] الشريعة تاجًا، وفتح للسنة البيضاء رتاجًا [9] ، وقسَّم ميراث النبوة بين الأمة الهادية، وبَرَّد بماء الحياة عليل الأنفس الصادية، خص بالمناقب الشريفة المبينة، والمراتبِ المنيفة المتينة، كما قال فيه عبدالله بن المبارك إمام خُراسان رحمه الله: يَدَعُ الْجَوابَ فَلَا يُرَاجَعُ هَيْبَةً وَالسَّائِلُونَ نَوَاكِسُ الْأَذْقَانِ أَدَبُ الْوَقَارِ وَعِزُّ سُلْطَانِ التُّقَى فَهُوَ الْمُطَاعُ وَلَيْسَ ذَا سُلْطَانِ [10] ح- صفاته: "كان مالك طويلًا جسيمًا، عظيم الهامة، أبيض الرأس واللحية، وقيل: تبلغ لحيته صدره، وقيل: كان أشقرَ أزرقَ العينين، يلبس الثياب العدنية الرفيعة البيض، وقال أشهب: "كان مالك إذا أعتم جعل منها تحت ذقنه، ويسدل طرفيها بين كتفيه"، وقال خالد بن خداش: "رأيت على مالك طيلسانًا [11] وثيابًا مروية جيادًا، قيل: وكان يكره خلق الثياب، يعيبه ويراه من المثلة ولا يغير شيبه" [12] . خ- وفاته: قال محمد بن سعد: " اشتكى مالك أيامًا يسيرة، فسألت بعضَ أهلنا عما قال عند الموت، فقالوا: تشهَّد، ثم قال: لله الأمر من قبل، ومن بعد، وتوفي صبيحة أربع عشرة من ربيع الأول، سنة تسع وسبعين ومائة (179ه، 795م)، في خلافة هارون الرشيد، وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وهو يومئذٍ والٍ على المدينة، ودفن بالبقيع، وكان ابن خمس وثمانين سنة" [13] . د- مسيرته التعليمية: "وقد عكف على موائد العلم في أول سنة عشر ومائة، وفيها تُوفِّي الحسن البصري، فأخذ عن: نافع ولازمه، وعن: سعيد المقبُري، ونعيم المجمر، ووهب بن كيسان، والزهري، وابن المنكدر، وعامر بن عبدالله بن الزبير، وعبدالله بن دينار، وزيد بن أسلم، وصفوان بن سليم، وإسحاق بن أبي طلحة، ومحمد بن يحيى بن حبان، ويحيى بن سعيد، وأيوب السختياني، وأبي الزناد، وربيعة بن أبي عبدالرحمن، وخلق سواهم من علماء المدينة، فقل ما روى عن غير أهل بلده" [14] . وهذه المرحلة من حياة الإمام مالك بن أنس رحمه الله كانت كالتالي: 1- شيوخه: "فأخذ الإمام مالك رحمه الله عن عدد كبير من العلماء؛ منهم: نافع، وسعيد المقبري، وعامر بن عبدالله بن الزبير، وربيعة بن أبي عبدالرحمن، وابن المنكدر، والزهري، وعبدالله بن دينار" [15] . 2- تلاميذه [16] : "كان له عدد كبير من التلاميذ والأصحاب لا يحصيهم عددٌ، انتشَروا في شتى بلاد العالَم الإِسلامي في مصر وإفريقيا والأندلس والعراق. • ففي مصر : ابن القاسم (ت191 هـ)، وأشهب (ت204 هـ). • وفي إفريقيا: أسد بن الفرات (ت214 هـ). • وفي الأندلس: يحيى بن يحيى الليثي (ت224 هـ). • وأما في العراق : فقد نشر مذهبه من أتباعه: عبدالرحمن بن مهدي بن حسان العنبري (ت186هـ)، وعبدالله بن مسلمة بن قعنب التميمي الحارثي (ت220 هـ)؛ فعن هؤلاء العلماء، وغيرهم بدأ انتشار المذهب المالكي". ذ- جهوده العلمية: قال خلف: "ودخلت على مالكٍ، فقال: ما ترى؟ فإذا رؤيا بعثها بعض إخوانه، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، في مسجد قد اجتمع الناس عليه، فقال لهم: إنِّي قد خبأت تحت منبري طيبًا أو علمًا، وأمرت مالكًا أنْ يُفرِّقه على الناس، فانصرف الناس وهم يقولون: إذًا ينفِّذ مالك ما أمره به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثم بكى، فقمتُ عنه" [17] . وهذه المرحلة من حياته تشمل مؤلفاتهِ، ومنها [18] : 1- رسالة في القدر، كتبها إلى ابن وهب، وهي موجودة. 2- له مؤلف: في النجوم ومنازل القمر، رواه سحنون، ولم أجد هذا الكتاب على حدِّ اطِّلاعي؛ لكنه كان مشهورًا في زمانه، معتمدًا عليه. 3- رسالة في الأقضية، رواية محمد بن يوسف بن مطروح، عن عبدالله بن عبدالجليل. 4- رسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف. 5- له جزء في التفسير يرويه خالد بن عبدالرحمن المخزومي، ويرويه القاضي عياض، عن أبي جعفر أحمد بن سعيد، عن أبي عبدالله محمد بن الحسن المقرئ، عن محمد بن علي المصيصي، عن أبيه، بإسناده. 6- رسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة، معروفة. 7- فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل، والفتاوى، والفوائد، فشيءٌ كثير، ومن كنوز ذلك "المدونة"، و"الواضحة"، وأشياء . 8- وله الكتاب الأشهر؛ كتاب الموطأ. ر- أقوال أهل العلم في الإمام مالك بن أنس. "قال أبو حنيفة : والله ما رأيتُ أسرع منه بجواب صادقٍ وزُهْدٍ تامٍّ. وقال الشافعي : إذا جاءك الأثر عن مالك فشد به يدك، وقال : إذا جاء الخبر، فمالك النجم، وقال: من أراد الحديث فهو عيال على مالك. وقال : إذا ذكر العلماء فمالك النجم، ولم يبلغ أحد في العلم مبلغ مالك لحفظه وإتقانه وصيانته. ومن أراد الحديث الصحيح فعليه بمالك. وقال أحمد : مالك سيد من سادات أهل العلم، وهو إمام في الحديث والفقه، ومَن مثلُ مالك متبع لآثار مَنْ مضى؟ مع عقل وأدب" [19] . قال ابن مهدي: " مالك أفقه من الحكم وحماد، ما رأيت أحدًا أعقل من مالك بن أنس " [20] . "قال البخاري: أصح الأسانيد مالك عن نافع عن ابن عمر. وقال يحيى بن معين : كل مَنْ روى عنه مالك فهو ثقة، إلا أبا أمية [21] . وقال غير واحد : هو أثبت أصحاب نافع والزهري. ومناقبه كثيرة جدًّا، وثناء الأئمة عليه أكثر من أن يحصر في هذا المكان" [22] . [1] شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 53)، والفهرست؛ لابن النديم (280-284)، والكامل؛ لابن الأثير (6/ 147)، تهذيب الأسماء واللغات؛ للنووي (2/ 75-79). [2] الثقات؛ للعجلي (ص 417)، وتاريخ خليفة بن خياط (ص 451)، ومشاهير علماء الأمصار؛ للبُستي: (ص 223). [3] سير أعلام النبلاء؛ للذهبي: (7/ 150)، والكاشف؛ للذهبي: (2/ 234)، ومن أعلام السلف؛ لأحمد فريد: (10/ 3). [4] انظر: ترتيب المدارك وتقريب المسالك؛ للقاضي عياض (1/ 110)، والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب؛ لابن فرحون (1/ 98). [5] الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب؛ لابن فرحون (1/ 86). [6] منازل الأئمة الأربعة: أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد؛ للسلماسي (ص 181). [7] قريع عصره؛ أَي: رئيسُهم، ومُختارُهم، ومُقَدَّمُهم؛ تاج العروس للزَّبيدي (21/ 540). [8] التبر: ما كان من الذهب غير مضروب؛ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية؛ للجوهري (2/ 600). [9] الرتاج: هو البابُ الْعَظِيمُ؛ انظر: لسان العرب؛ لابن منظور (2/ 279). [10] حلية الأولياء وطبقات الأصفياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني (6/ 318). [11] طلس: الطاء واللام والسين أصل صحيح، كأنه يدل على ملاسة، يقال لفخذ البعير إذا تساقط عنه شعره: طلس، ومنه طلست الكتاب: إذا محوته، كأنك قد ملسته؛ مقاييس اللغة؛ لابن فارس (3/ 418). [12] مرآة الجنان وعبرة اليقظان؛ لعفيف اليافعي: (1/ 290)، والديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب؛ لابن فرحون (1/ 90). [13] انظر: ديوان الإسلام ؛ شمس الدين أبو المعالي محمد بن عبدالرحمن بن الغزي (4/ 105)، وتاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس؛ خليل إبراهيم السامرائي - د عبدالواحد ذنون طه – د. ناطق صالح مصلوب (ص111)؛ الموسوعة التاريخية - الدرر السنية مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ علوي بن عبدالقادر السقاف (2/ 25). [14] تاريخ الإسلام؛ للذهبي (11/ 175)، وانظر: طبقات الفقهاء؛ للشيرازي (ص 68). [15] سير أعلام النبلاء؛ للذهبي (7/ 150)، وقال الذهبي في هذا المرجع: وخلق سنذكرهم على المعجم، وإلى جانب كل واحد منهم ما روى عنه في "الموطأ"، كم عدده. [16] المعونة على مذهب عالم المدينة؛ للثعلبي (1/ 58). [17] سير أعلام النبلاء؛ للذهبي (8/ 62)، وانظر: التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد؛ لابن نقطة (ص 437). [18] انظر: سير أعلام النبلاء؛ للذهبي (7/ 159-176)، ولم يذكر الموطأ. [19] ترتيب المدارك وتقريب المسالك؛ للقاضي عياض (1/ 152). [20] تاريخ الإسلام؛ للذهبي (11/ 321)، وانظر: سير السلف الصالحين؛ للأصبهاني (ص 1044) . [21] أبو أمية: هو عبدالكريم البصري بن المخارق، ليس حديثه بشيء؛ انظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال؛ للمزي (18/ 264)، وتاريخ أسماء الضعفاء والكذَّابين؛ لابن شاهين (ص 134). [22] البداية والنهاية؛ لابن كثير (10/ 174)، وترتيب المدارك وتقريب المسالك؛ للقاضي عياض (2/ 70).
تجديد الإيمان وتحديات العصر
نايف عبوش
03-04-2019
8,629
https://www.alukah.net//culture/0/133597/%d8%aa%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b5%d8%b1/
تجديد الإيمان وتحديات العصر في ضجيج عصرنة صاخبة، تتسارع فيها منجزات العلوم والتقنية بشكل مذهل؛ حيث تراجع مع ما هو سلبي من تداعياتها حسُّ الإيمان عند كثير من الناس، وتبلَّدت عندهم مشاعر اليقين، بعد أن هيمنت عليهم بتلك التداعيات النزعات المادية في أغلب جوانب الحياة المعاصرة، وقست بذلك قلوبُهم، فلم تعد تخشع لوعظٍ، ولا تكترث لتذكير، أو تعتد بنصيحة. ومن هنا أصبحت الحاجة ماسة اليوم إلى تجديد الإيمان بالله في نفوس الكثير من الناس، سواء من خلال عودتهم إلى التعمق في تدبُّر كتاب الله تعالى المسطور، أو من خلال التفكر، والتطلع المتعمق في آفاق هذا الكون المنظور، والتواصل الحي مع ظواهره المحسوسة، والتأمل بعناية في سيرورتها العجيبة بإرادة خالق الكون، وما يمكن أن يبعثه مثل هذا التبصر الرشيد في النفوس من نفحات إيمانية ترسخ يقينها بالله، وتُنقذها من مخاطر تبلُّد الحس، وجفاف الوجدان، بعد أن أصبحت فريسة للقلق والضياع والاكتئاب. ولا شك أن التدبر العميق يُسهل تلمُّسَ سبيل الإيمان بالله، ويعين على سلوك طريق الرشاد الذي ينقذ الإنسان من متاهات الضلال والاستلاب، فحينما يتفكر الإنسان في خلق السماوات والأرض، وما سواهما من الظواهر الكونية الأخرى، ويستلهم عظمة الله تعالى في صنعها، وتدبيرها قيامًا وقعودًا وعلى جنبه - فإنه سيجد نفسه تتوهَّج بنفحات هذا اليقين، فيتذوق حلاوة الإيمان الراسخ، بعد أن يستشعر حكمة الخالق في النواميس الدقيقة التي تتحكم في خلْق وتسخير الظواهر الكونية، وتَضبط سيرورتها الدائمة بدقة متناهية، تتجاوز بصرامتها كلَّ العبثيات السقيمة. وهكذا تطمئن النفس للإيمان، بتدبر تلك الحقائق القرآنية والكونية، باعتبارها من آيات الله الحسية التي لا يعقلها إلا أولو الألباب: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]؛ حيث يتمكن الإنسان في ضوء التحلي بمثل هذا الوعي المسؤول من تجديد إيمانه بيقين راسخ، كلما شوهت تداعيات صخب العصرنة نقاءه، ولذلك فإن التواصل مع آفاق هذا الكون، والاعتبار بآياته خلقًا وتسخيرًا، والتواشج مع تدبُّر آي القرآن الكريم بعُمق، والوقوف على ما تزخَر به رياضه الفيَّاضة من هدي مضاف، ولا سيما في مجال ربطها المحكم بين الظواهر الكونية، وبين الحقائق الإيمانية القرآنية في الكثير من آياته، سيمنح النفوس ومضات طاقة إيمانية متجددة على الدوام، ويحصنها من مخاطر تحديات زعزعة اليقين بتداعيات العصرنة في جوانبها السلبية، فيترسخ إيمانها بالله، وتكل كل مقاديرها إليه، رغم غواية كل ما اكتشفته التقنيات الحديثة من أسباب مبتكرة للتمكين المادي: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2]، وذلك حقًّا هو الايمان اليقيني الراسخ الذي لا يتزعزع أبدًا، مهما عصفت به التحديات.
رموز الرياضيات الأساسية: نظام برايل العربي المطور - نظام كود نميث CODE NEMETH (PDF)
خالد فايز السليمان
02-04-2019
9,735
https://www.alukah.net//culture/0/133571/%d8%b1%d9%85%d9%88%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a9-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b7%d9%88%d8%b1-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d9%83%d9%88%d8%af-%d9%86%d9%85%d9%8a%d8%ab-CODE-NEMETH-PDF/
♦ عنوان الكتاب: رموز الرياضيات الأساسية: نظام برايل العربي المطور - نظام كود نميث . ♦ المؤلف: خالد فايز السليمان. ♦ عدد الصفحات: 10. الفصل الثاني رموز الرياضيات الأساسية (نظام برايل العربي المطور نظام كود نميث) Code nemeth كتابة الرموز الرياضية بطريقة برايل للرياضيات والعلوم. إستراتيجيات وتطبيقات رياضية.
جذور عطرة يجب استنباتها
أ. منى مصطفى
01-04-2019
8,793
https://www.alukah.net//culture/0/133556/%d8%ac%d8%b0%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d9%8a%d8%ac%d8%a8-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%86%d8%a8%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7/
جذور عطرة يجب استنباتها قراءة في كتاب ( الرميصاء في ظلال التربية النبوية )؛ لمحمد حشمت. الكتاب قد تعدُّه رواية وربما كتاب سيرة أو تاريخ، ثم تُقرِّر أنه كتاب تربية عميق الفائدة، وبين كل هذه التصوُّرات لا تملك إلا أن تنخرط في قراءته منتفعًا مستمتعًا؛ بل مشتاقًا لذلك المجتمع الرباني الذي يسير كل شيء فيه باتِّساق عجيب رغم بساطة البيئة وعموم الحاجة، مجتمع ترى في أهله كل شيء في كماله وتمامه؛ فإن بحثت عن العقل وجدْتَه قائدًا، وإن أردْتَ العاطفة وجدتها ثائرةً، وإن أردت القيم وجدتها بكرًا فتية، إنه مجتمع المدينة والأنصار رضي الله عنهم، وصلى الله وسلم وبارك على مَنْ يسكن أرضهم سيدي رسولُ الله. يتخذ محمد حشمت من حياة أُمِّ سليم أم أنس بن مالك رضي الله عنه مظلة لوضع أسس مهمة تعتبر ركيزة من ركائز توعية النساء، بدءًا من طريقة اختيار الزوج، ثم تربية الولد وصنع أهداف له تطاول الجبال، ثم الشروع فيما يُحقِّق هذه الأهداف، وكل ذلك بيقينٍ وعزمٍ لا يلين. فمن خلال ذكاء هذه المرأة النابهة التي تُعَدُّ عَلَمًا في مجتمعها يتناول الكاتب قضية مهمة جدًّا؛ وهي أن المرأة النابهة تحرص على إعطاء كل مرحلة من عمرها أولويَّتَها الكاملة، فإن كانت ظروفها تُوجب أن تأوي إلى الظل، فذلك قمة العقل، وإن كانت ظروفها تستدعي الظهور، فهي قوية الكلمة والحجة، وسديدة الرأي ومقدامة كأشجع الفُرسان. كذب من قال إن الإسلام يُحجِّم دور المرأة أو يُقلِّصه؛ إنما يقع الخلط من تجاهنا نحن؛ مما يجعل ظهور المرأة دومًا ناقصًا! كأنْ تهمل صغارَها؛ لتُثبت دورَها الوظيفي، أو تذوب في صغارها، وتنسى نفسَها وزوجَها، ولو أنها رتَّبَت الأولويَّات في حياتها، لكانت عَلَمًا في كل مجال تتَّجه إليه. ( وقد عبَّر الكاتب عن ذلك بقوله: كل بناء يحتاج لتأسيس، وكلما كان الحفر أعمق، كان الأساس أثبت )، ثم يُعرِّج الكاتب على حرص هذه الصحابية العاقلة على بناء سكنها النفسي لزوجها أبي طلحة - الذي جعلت مهرَها منه أن يدخل الإسلام - وسكنه إليها، ويستغرق ذلك فترة من الزمن، فلا تكاد تظهر أو تتصدَّر الرميصاء أي مشهد بُطُولي، إلَّا بعد أن تطمئنَّ إلى أن بنيانها قويٌّ من جهتين: • جهة ابنها أنس الذي دفعت به لرسول الله ليخدمه، ويتربَّى على عينه، فهو خير له من زوج أُمِّه. • وجهة قوة علاقتها بزوجها. يُنوِّه الكاتب إلى أن حياة المرأة الحديثة أجبرتها على أن تقوم بالعمل والكسب وغير ذلك، ويُوضِّح أن من ابتُليت بذلك، عليها ألَّا تذوب في عملها تاركة بيتها وحبَّها لأولادها ورعايتهم؛ لتكون الأولى في عملها! بل عليها أن تضع نصب عينيها أن حياتها الاجتماعية من زوج وولد هي الأصل، وأن الكسب هو المؤقت، ومتى استطاعت تركه بأن أغناها الله، فهو ما يجب فعله؛ لا من أجل أحد إلا من أجلها هي أولًا. ثم يربط الكاتب ربطًا لطيفًا خفيًّا بين فترة بناء دولة الإسلام بالمدينة وبين بناء الرميصاء لبيتها ( حياتها الاجتماعية )، فكما أجَّل الرسول صلى الله عليه وسلم الغارات الخارجية حتى ضمن أمان الاستقرار في المدينة بأن آخى بين المهاجرين والأنصار، وأقام المعاهدات مع اليهود لضمان الأمان، ثم بعد أن استوفى أسباب الأمان في السكن بدأ ينشط خارجيًّا، كذلك أم سليم قد أسست حياتها في فهم زوجها، ومعرفة كل شأنه، ومتابعة مواضع حبِّه وكرهه، وأشبعت حاجتها إلى الاستقرار وحاجته، ثم بدأت تُقدِّم ما تسطيعه مجتمعيًّا. وبعد ذلك تشتدُّ حاجة الإسلام إلى أبنائه، فتأتي غزوة بدر الكبرى وأم سليم بذاتها كانت في حالة وضع مولودها (أبي عمير) من زوجها الجديد أبي طلحة؛ ولكنها أدَّتْ كأروع ما يمكن أن يُؤدِّيه مسلم لدينه دون أن تتجرَّد من كونها أمًّا، فكانت قائدة مُدبِّرة، خادمة لدينها، وهي في فراش النفاس ترعى وليدَها! حيث دفعت بأنس ابنها، ودعمت زوجها للجهاد، وصبرت على خروج أخويها كذلك في سبيل الله دون خوفٍ أو تردُّدٍ، رغم أنها في أشدِّ حالات احتياج الأنثى للابن والزوج الأخ. يجعل الكاتب الاستقرار الأسري وقيام كل فرد بدوره المنوط به وقودًا لنضج ونماء المجتمع، فضرب مثالًا ببيت الرميصاء: • فابنها خادم للرسول، يتبعه كظلِّه خادمًا ومُتعلِّمًا. • زوجها يضرب بسيفه في سبيل الله، ويضرب بفأسه في أرض الله ليعمرها ويتكسَّب. • هي ترعى وليدَها، وتراقب بعقل يَقِظ كلَّ ما يدور. فإن لم تجد بديلًا لخروجها، تلقَّتْ دورَها بكل قوة وإخلاص كما حدث يوم أحد، فقد كانت ممَّن يحملن القِرَب للجرحى بعد انهزام الرجال، وتغيُّر كِفَّة القتال، ولم تعتذر بصغيرها أو ظروفها كامرأة؛ لكنها أيضًا لم تتقدَّم في وقت لا حاجة ماسة لخروجها فيه. فالاستقرار هنا ووحدة الهدف للأسرة جعلت كل بيت هو نفسه ذلك المجتمع الكبير باهتماماته وأولويَّاته، جعلت البيت وطنًا صغيرًا يحمل كل قضايا الوطن الكبير، ويدعمها بما أوتي، وقد جعلت هذه المرأة من زوجها مقاتلًا مغوارًا حتى يأمر الرسول بنثر النبل لأبي طلحة؛ لقوَّته في الرمي وكأنه كتيبة وحدَه لا مقاتل فرد، وجعلته محبًّا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد استغلت في ذلك نضج عقله وسداده، وأشعرته أن كل بلاء يبليه في الصفوف هو قلادة حُبٍّ تتقلَّدها منه. فكأن كل رمية للعدوِّ كانت تفتح له نافذتي سعادة: إحداهما أن زوجته ستضاعف حبَّها له، والثانية نافذة لسعادة الآخرة بالأجر أو الشهادة. يلتقط الكاتب صورة للسكينة والطمأنينة التي تسكن هذا البيت، وصورة لقيادة الزوج في غير غلظة واحترام الزوجة في غير تقصير منه، فيرسم لنا صورة هذه الأرواح الطاهرة في إدارة المواقف، فعندما استضاف ضيف رسول الله، فأطعموه طعام الصغار، انظر إلى لين جانب أبي طلحة في تعامُله؛ فيسألها: أعندنا طعام؟ ثم يقترح عليها: علِّلي الصغار بشيء حتى نُقدِّم طعامَهم للضيف، فتُسارع دون جدال أو سخط بفعل ما اقترحه عليها، باذلةً ما تستطيع، فما أروعه من أسلوب! أن تسير الحياة هكذا ببساطة دون تعنُّت أو ضيق فهم من طرفٍ لطرف، وقد عجب الله سبحانه من فعلهما أو ضحك جلَّ شأنُه، كما أخبر بذلك حبيبُنا صلى الله عليه وسلم. ينتقل الكاتب من خلال الرميصاء لحرص المسلمة على العلم بدينها بكل تفاصيله، فتسأل رسول الله في كل ما تجهله كبيرًا أو صغيرًا، مخجلًا أم غير مخجل، فالمهم هو صحة العقيدة والعبادة، فباب العلم بالدين هو أهم وأول أبواب العلم الذي يجب على المرأة الاهتمام به؛ لأنها هي من ستنتج رجل الغد، ثم تنطلق بعد ذلك لما تراه مناسبًا من علوم الدنيا، وعجبًا لبعض نساء اليوم يحصلن على الدكتوراه في علوم الدنيا، وهن لا يعلمن أحكام وكيفية الطهارة أو أحكام الصلاة! يتَّخِذ الكاتب حادثة الإفك نافذةً؛ ليوضح كيف يمكر المنافقون بالمجتمعات، وأنهم يستهدفون المرأة؛ لأنها إن سقطت سقط معها كل قيم الشرف والنُّبْل والقيم التي لا يعلو مجتمع بدونها، فيصور كيف ترهَّل المجتمع أثناء هذه الحادثة، وساده الحزن والشك حتى يأتي خبر السماء، فيُطهِّر أُمَّنا عائشةَ كما يُطهِّر المجتمع المدني من المنافقين، فتقوى الشوكة، وينطلقون إلى خيبر، فيفتحونها، فلا يجوع مسلم بعد ذلك. ثم يشير الكاتب إلى أهمية التودُّد للآخر، وإلى أن العلاقات الإنسانية لا بد أن تسير في مسارين: أخذ، وعطاء، خاصة بعد أن ساد اليُسْر حياة المدينة، فقد أكرم الرسول صلى الله عليه وسلم الرميصاء بأن أعاد لها نخلة كانت قد أعطتها له، وكذلك أكرمَها بأنْ ولَّاها مهمة إعداد صفية بنت حيي لتكون من زوجاته، وأن هذا الإعداد مهمة عظيمة، لا يمكن لغير أمِّ سليم أن يقوم بها؛ حيث إن صفية ابنة الأسياد غدت أسيرةً وكسيرةً، ولا بد من إقامة ميزان الدين في نفسها، وأن الله لا يظلم ولا يرضى بالظلم، فكانت الرميصاء خيرَ مَنْ يتصدَّر لهذه المهمة، كيف لا وهي الحريصة على دينها، اليقظة لما ينفع نفسها وأهلها، المتفقِّهة في كل ما دقَّ وجلَّ مما يعرض لها من أمور حياتها، التي ترفَّعَتْ عن مهر الذهب والفضة، وما قبلت غير الإسلام مهرًا، التي خطَّطَتْ لسعادة ابنها قبل أن يدخل عليها زوج آخر غير أبيه، فكانت هي خير من تدعو صفية الأميرة الأسيرة للإيمان بالله وعدله في قضائه، ثم تزوَّجت نبي الله. سارت حياة أُمِّ سليم كما خططت لها، وكما رأينا، ثم يأبى الله إلا أن يختبر قلبها وثباتها على الدين في البلاء، كما في الرخاء، فيختار إلى جواره ابنها عميرًا، وكان أبوه في عمله، فلمَّا عاد مساءً، وجد منها عشاءً شهيًّا، ثم تزيَّنَتْ له كأفضل ما يكون من زوجة لزوجها، وفي نهاية المطاف تُخبره بموت ابنه بمقدمة تقطر حكمة: ترى إن أعطاك أحد أمانة ثم استردَّها، أيُغضبك هذا؟ فيقول: لا، فتُخبره أن الله استردَّ روح عمير، فيغضب ويثور، ثم يشكوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيدعو لهما (القصة معروفة) ، ويُسمِّي الكاتب هذا الإيثار مسؤوليةَ الحبِّ، فقد أشبعت حاجات زوجها أولًا، وأخفت عنه ما يمكن أن يمنعه الطعام والراحة حتى إذا جاء الوقت المناسب غلَّفَت له الخبر بما يُثلِج صدرَه من الإيمان بالقَدَر، ثم أخبرته بما يمكن أن يحزنه حرصًا عليه ووفاء. ويستمرُّ الكاتب في بسط مسؤولية الحب، فيذكر موقف السيدة سودة بنت زمعة التي تنازلت عن ليلتها لعائشة رضي الله عنهما؛ لتسر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرر أن هذا دَأْبُ المؤمن إذا أحبَّ، فيعرض موقف السيدة سارة بتزويجها سيدنا إبراهيم من السيدة هاجر لتسر خاطره بطفل عاش عمره يتمنَّاه وهي عقيم، فيقهر إيمانُها غيرتَها وتُزوِّجه، فعمق الإيمان بالله وبأوامره هو الدافع الأول لهؤلاء النسوة المكرمات أن يتحلين بهذا الإيثار غير المسبوق، ويحملن مسؤولية الحب كأكمل ما يكون، وجاء ختام الكتاب بالحديث عن البركة في حياة الرميصاء: فحازت بركة كونها من أولات من أسلمن، ثم بركة الدعوة؛ حيث تدعو زوجها للإسلام، وتجعله مهرها، ثم بركة الزواج؛ حيث لم تطلب ذهبًا ولا فضة كقيد أساسي للزواج، فكان زواجها مباركًا، وبركة الولد حيث وهبت أنس لخدمة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم حثت الرسول على الدعاء له، فكان أنس هو أنس! وهكذا تحل البركة - ذلك الرزق الخفي - في حياة أم سليم من كل جانب، وكيف لا وهي لم تَعِشْ لحظة واحدة إلا بقلب يملؤه الله ورسوله، وبعقل ينافس الجسد في العبادة وموجبات الصلاح، وبروح تأبى إلَّا التميُّز في الدنيا أيضًا، فصنعت أنسًا وأبا طلحة. جزى الله الكاتب خيرًا، فالكتاب نافع جدًّا يعرض صورة حياة الصحابة، ويسقطها على واقعنا في جوانب كثيرة، ويُوجِّه النساء والفتيات لكيفية التعامل مع القضايا بعقل راجح وقياس واعٍ. الكتاب رائع يُثير في ذهن القارئ حياة الرسول والصحابة والغزوات، ويجعلك تتوق لهذه الأنفس، وتلك المبادئ، وتشعر أن قمة الثراء والسعادة أن تعيش كما كانوا يعيشون وفي أفياء هذا المجتمع، وبالطبع وسط هؤلاء الأطهار لا تملك دموعك كما حدث معي، وأتوقَّع حدوثه مع كل قارئ. وأخيرًا قد يُلاحظ القارئ بعض الإسهاب في الكتاب بسبب رغبة الكاتب في تحقيق وعزو كل ما استعان به من قول أو حدث، وهو نفسه فطن لهذا؛ لكنه استمرَّ على رؤيته، وقد يكون من المناسب اختصارها. ملاحظة: ( أسميتها في تعليقي هذا أُمَّ سليم أو الرميصاء، وهذه كنيتها، أما اسمها فقيل: سهيلة أو مليكة أو رميثة ).
فتح عكا والسلطان خليل بن قلاوون
د. محمد منير الجنباز
01-04-2019
9,406
https://www.alukah.net//culture/0/133552/%d9%81%d8%aa%d8%ad-%d8%b9%d9%83%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%86-%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a8%d9%86-%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%88%d9%88%d9%86/
فتح عكا والسلطان خليل بن قلاوون قائد المسلمين: السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون. سببها: أن المسلمين دأبوا في جهاد الصليبيين لإخراجهم من الشام؛ فقد جمع السلطان الأشرف خليل جيشَه، وتوجَّه نحو عكا من مصر والشام، وأحضر معه أدوات الحصار من المجانيق العظيمة، وجعل حول عكا من آلات الحصار ما لم يجمَعه على مدينةٍ أخرى، فقد كان هذا السلطان مُغرَمًا بفتح الحصون والقِلاع. فكانت بداية الحصار في أوائل جُمادى الأولى، وحاول الإفرنج فك الحصار من جهة البحر، فمراكبهم كانت ما تزال تجوبُ في البحر وترمي الأحجار والنشاب على المسلمين، وكذلك فَعَل أهل عكا من فوق الأسوار. وكان أقوى ما شاهده الجيش الإسلامي سفينةٌ عظيمة ترمي عليهم بالمنجنيق من بعيد، فكانوا في شدةٍ منها كبيرةٍ، فكفاهم الله شرَّها بالرياح العاتية، فكسرت المنجنيق ولم يَعُد يعمل. وخرج الإفرنج ليلًا بغارات على عسكر المسلمين، ووصلوا في بعض غاراتهم إلى خيام المسلمين، لكن المسلمين صدوهم وقتلوا كثيرًا منهم. وشدَّد المسلمون في الحصار والرمي على عكا، وكان الزحف العظيم في 17 جمادى الأولى، وطلع المسلمون على الأسوار مع طلوع الشمس، وركَزوا الأعلام عليها، وقاتَلوا الفرنج من مكان إلى مكان حتى قتلوا أعدادًا كبيرة منهم، ولما رأَوا أن مقاومتهم انهارت ولم تَعُد تُجدي، ركِبوا سفن التجار وهرَبوا، فدخل المسلمون عكا وحازوا ما فيها، وكان نصرًا عظيمًا؛ لأنها آخر أكبر مَعقِل للصليبيين بالشام. يقول "أبو الفداء" صاحب "المختصر في تاريخ البشر" - وكان حاضرًا المعركة مع جيش حماة -: "ومن عجائب الاتفاق أن الإفرنج استولوا على عكا وأخذوها من صلاح الدين ظهر يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وثمانين وخمسمائة (587هـ)، واستولوا على من بها من المسلمين وقتلوهم، فقدَّر الله عز وجل في سابق علمِه أنها تفتح في هذه السنة في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخرة (690هـ). بينما مرَّ معنا رواية ابن كثير في البداية والنهاية أنها فُتِحت في سابع عشر جمادى الأولى، فرواية صاحب المختصر أثبت؛ لحضورِه الموقعة والمشاركة فيها، أما ابن كثير، فكانت ولادته بعد الموقعة. قال: "فاستوثق الساحل للمسلمين، وتنظَّف من الكافرين، وقطع الله دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين". وبعد فتح عكا، هرب الصليبيون من صيدا وبيروت وصور وطرطوس، وتسلَّمها السلطان بغير قتال، وهكذا أُسدِل الستار على الحروب الصليبية على يد هذا السلطان سنة 690هـ.
مشكلة استمرار حالة الجوع
د. زيد بن محمد الرماني
01-04-2019
6,227
https://www.alukah.net//culture/0/133549/%d9%85%d8%b4%d9%83%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%ad%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%b9/
مشكلة استمرار حالة الجوع في العصر الراهن، يعدُّ استمرار حالة الجوع واسعة النطاق، في عالم يتوافر فيه قدر غير مسبوق من الرخاء، من أبرز تلك الأحداث المقلقة. فالمجاعات تدهم الكثير من الأماكن بشكل ملحوظ، زد على هذا أن الجوع الشامل يتسبب في بؤس عظيم يصيب بالوهن الملايين، ويؤدي إلى نقص أعداد غفيرة منهم بانتظام تثبته الإحصاءات. وإن هذا الجوع المستشري أكثرَ من مأساة، قد يؤدي إلى نسيانه من قبل البعض، وكأنه جزء من طبيعة العالم الحديث، ومن ثم، فهل المنتج الغذائي العالمي يتناقص قياساً إلى تعداد السكان في العالم، وكأننا نرى ( سباقاً ) بين الاثنين؟ إن الخوف من أن هذا بالتحديد هو ما يحدث، أو وشيك الوقوع، بدا راسخاً على الرغم من عدم توافر دليل قوي نسبيًّا يؤكده. إذ واضح أنه لا توجد أزمة كبرى في إنتاج الغذاء العالمي في وقتنا الراهن، وطبعي أن معدل التوسع في إنتاج الغذاء يتغير ويتفاوت مع الزمن، ولكن الاتجاه العام اتجاه صاعد. ومن المهم أيضاً الإشارة إلى أن تلك الزيادة في إنتاج الغذاء العالمي حدثت على الرغم من الاتجاه الحاد في هبوط الأسعار العالمية للغذاء من حيث القيمة الحقيقية. ونحن لا نستطيع، في سياق تحليل اقتصادي للوضع الراهن، أن نغفل الأثر السلبي لانخفاض الأسعار العالمية للغذاء على إنتاج الغذاء. والمثير حقًّا أن المنتج العالمي من الغذاء استمر على الرغم من هذا في الزيادة متقدماً على النمو السكاني، والحقيقة أنه تم إنتاج غذاء أكثر. يقول أمارتيا صن: إن الإنتاج التجاري للغذاء، شأن الأنشطة الاقتصادية الأخرى، يتأثر بالأسواق وبالأسعار. والملاحظ في وقتنا هذا أن نقص الطلب وهبوط أسعار الغذاء أديا إلى كبح إنتاج العالم للغذاء، ويعكس هذا بدوره فقر بعض من هم في حاجة ماسة إليه. ولكن بعض الدراسات عن فرص إنتاج مزيد من الغذاء تكشف عن إمكان توافر فرص مهمة وموضوعية جدًّا تحقق زيادة في إنتاج الغذاء للفرد بوتيرة أسرع كثيراً من نصيب الفرد. كل هذا لا ينفي الحاجة إلى الحد من الزيادة السكانية. حقًّا إن التحدي البيئي ليس مجرد تحدي الإنتاج الغذائي. إذ ثمة قضايا أخرى كثيرة متعلقة بالنمو والاكتظاظ السكاني. ولكن هذا يشير إلى ضعف مبررات التشاؤم الشديد والظن بأن المنتج الغذائي سيبدأ عاجلاً في التناقص ليتخلف عن النمو السكاني. إن الميل إلى التركيز على إنتاج الغذاء فقط، مغفلين استحقاقات الغذاء، يمكن أن يكون معوقاً للغاية، ويمكن أن يخطئهم التوفيق إذا انعزلوا عن الحالة الحقيقية للجوع - بل وخطر المجاعات - بسبب أوضاع مواتية للمنتج الغذائي. وإذا استمر الوضع على هذه الحال، فإن العالم يقيناً سوف يكتظ بسكانه على نحو مهول قبل نهاية القرن 21. ومع هذا فهناك مؤشرات كثيرة واضحة تفيد بأن معدل نمو السكان في العالم بادئ في الانخفاض، ولكن السؤال هو: هل ستقوى الأسباب الكامنة وراء هذا الانخفاض؟ وإذا كان كذلك، فبأي معدل؟ وليس دون هذا أهمية أن نسأل عما إذا كان هناك ما يتعين أن نعمله عن طريق التوجهات العامة لمساعدة عملية الإبطاء.. هذا موضوع اختلفت وانقسمت الآراء بشأنه بشدة.
رثاء العلامة الجليل الشيخ محمد السبيل
الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط
31-03-2019
12,697
https://www.alukah.net//culture/0/133532/%d8%b1%d8%ab%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a8%d9%8a%d9%84/
رثاء العلامة الجليل الشيخ محمد السبيل إذا تنوَّعتْ أكدارُ الحياةِ، وتعددتْ أسبابُها؛ فإنَّ فقدَ أهلِ العلمِ، وغِيابَ ذوي الفضلِ والمكانةِ، لَهُوَ منْ أشدِّ هذهِ الأكدارِ، وأعظمِها وقعًا، وأبلغِها أثرًا. وإنَّ منْ أشدِّ الأنباءِ تكديرًا، وأعظمِهَا إيلامًا وتأثيرًا: نبأَ وفاةِ سماحةِ الوالدِ العلامةِ الجليلِ الـمُحدِّثِ الفقيهِ الشيخِ: محمدِ بنِ عبدِاللهِ السُّبَيِّلِ، إمامِ وخطيبِ المسجدِ الحرامِ، عضوِ هيئةِ كبارِ العُلماءِ، الرئيسِ العامِّ لشؤونِ المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النبويِّ - سابقًا - رحمهُ اللهُ رحمةً واسعةً. فلقدْ كانَ لسماحتِهِ الأيادي البيضاءُ التي لا تُنسى، والفضائلُ الجَمَّةُ، والمناقبُ العظيمةُ، التي يذكرُها لهُ كلُّ منْ ائتَمَّ بهِ في صلاةٍ، أو استمعَ إليهِ في خُطبةٍ، أو جلسَ إليهِ في درسٍ من دروسِهِ في المسجدِ الحرامِ طَوَالَ مدةٍ جاوَزَت الأربعينَ عامًا من عُمُر الزمَنِ، كانَ فيها - رحمه اللهُ - الإمامَ القُدْوَةَ، والخطيبَ الـمُؤَثِّـرَ، والدَّاعيةَ الصادقَ، والعالمَ المتمكنَ، والناصحَ الـمُخلصَ، والإداريَّ الناجحَ. أحسبُهُ كذلك، ولا أزكِّيه على الله. وكان رحمه الله تُقبلُ عليه، فيلقاكَ هاشًّا باشًّا بأحسنِ لقاءٍ، وأجملِ عِبارةٍ، وتُصغي إليهِ، فتجدُ في كلامِهِ نُصحًا رفيقًا، وإرشادًا وتوجيهًا حكيمًا مسدَّدًا مُستلهمًا منْ هديِ خيرِ الورى - صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ - القائلِ: «عَلَيكُمْ بِالرِّفْقِ في الأمْرِ كُلِّهِ؛ فَإِنَّ الرِّفْقَ مَا كانَ في أَمْرٍ إلا زَانَهُ، ولا نُزِعَ منْ شيءٍ إلا شَانَهُ». ومِثلُ هذا النُّصحِ الـمُسدَّدِ الكريمِ، لا ريبَ في طيبِ وحُسنِ موقعِهِ من النَّفسِ، ولا ريبَ - أيضًا - في دوامِ وبقاءِ أثرِهِ كذلكَ. وكانَ - رحمَهُ اللهُ - مُتَّصِفًا بأحسنِ الصِّفاتِ وأجملِها: مِنْ سلامةِ الصدر، وحُسنِ الخُلُق، ولينِ الجانب، وحُبِّ الإحسانِ إلى عِبادِ اللهِ: ببذلِ المَعروفِ، والسعي إلى الإصلاحِ، والإكرامِ لهم، وكثرةِ التودُّدِ إليهِمْ. وقدْ كانَ والدي - رحمَهُ اللهُ - وهو الذي كانَ وثيقَ الصلةِ به رحمهُ اللهُ؛ لاشتراكِهِما في الخطابةِ في المسجدِ الحرامِ ردحًا من الزمنِ - كانَ كثيرَ الثناءِ عليهِ، عظيمَ المحبةِ لهُ، موصولَ الدعاءِ له، رحمَهُمَا اللهُ. وأحسَبُ أنَّ سماحتَهُ - رحمَهُ اللهُ - ممَّنْ جَمَعَ اللهُ لهُ الخِصالَ الواردةَ في الحديثِ: «إذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ، انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ». فرَحِمَ اللهُ سماحةَ شيخِنَا رَحمةً واسعةً، وغَفَر لهُ في المهديينَ، ورفعَ درجاتِهِ في عِلِّيِّينَ، وألحَقَهُ بصالحِ سلفِ المُؤمِنينَ، آمينَ، آمينَ.
رافقتكم السلامة!
د. علي زين العابدين الأزهري
31-03-2019
10,311
https://www.alukah.net//culture/0/133530/%d8%b1%d8%a7%d9%81%d9%82%d8%aa%d9%83%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9/
رافقتكم السلامة! إن كثرة الجلوس مع الأشخاص السلبيين وأهل الحوارات غير المجدية، تستهلك وقتك وطاقتك العقلية، وتؤثر بلا شك على قدراتك الجسدية، وتشوِّش تفكيرك، وقد تجد هذه النوعيات في محل دراستك أو عملك، وربما بين أصحابك وأقاربك، فحينها تعلَّم فنَّ الانسحاب منهم بهدوءٍ؛ لأن حياتك يجب أن تكون مليئة بالنجاحات، وكل ما هو جديد ونافع، كما أنها يجب أن تشتمل على الفرص التي يمكن أن تقضي بها أجمل الأوقات وأثمرها وأعلاها عائدًا وأكثرها نفعًا، وأشملها أثرًا، وإن كان ولا بد من الجلوس مع هؤلاء الأشخاص الموصوفين بما سبق لطبيعة عملك، أو لحفاظك على ما تبقَّى من علاقات اجتماعية، فيمكن أن تجعل ذهنك شاردًا عنهم، وترحل بفكرك وخيالك لطموحاتك ومشاريعك، وكما قلت مرارًا لمن حولي من طلابي وأصحابي: عيشوا معهم بأجسادكم، وحلِّقوا بعقولكم في العلو والتميز، وردِّدوا دومًا لهم: رافقتكم السلامة! وكلمة (رافقتكم السلامة ) تريح النفس من الأوجاع والأحزان، فقولوا لمن يجرحون مشاعركم ويتتبَّعون زلاتكم، ويحرصون على إذاعة عيوبكم: رافقتكم السلامة! ومن المعلوم أنه ليس هناك ضررٌ أكثر من ضرر شخص يحاول الاندماج في بيئة مرضيَّة لا تلائمه، وتنتشر هذه الظاهرة المَرَضِيَّة في أماكن العمل الضعيفة، وخير شاهد على ذلك كثرة الاستغناء فيها عن العاملين، وربما عن النابهين لأسباب شخصية دون تحقيق العدالة الإدارية في الاستغناء عنهم، وفي الاستغناء عن هؤلاء النابهين والمتميزين من حولك رسالةٌ هادفة وهادئة لك مفادها أنه لا مكان بيننا للناجحين والمتميزين، فكُنْ على أتم استعدادك، وقل لهم: رافقتكم السلامة! وينبغي أن تتنبه أنه في مثل هذه البيئات، تكون على أتم الاستعداد لاحتمال استبدالك في أي وقت، ولكن كن واثقًا بنفسك وإمكانياتك؛ حيث لا يمكن تعويضك. ونصيحتي لمن كان هذا حاله: لا تَرْكَنْ إلى بيئة مريضة أو مكان غير منضبط للتعريف بنفسك أمام الناس ولو كنت عاملًا فيها؛ لأن اهتزازها اهتزازٌ لشخصيتك، وضَعفها ضعف لك، وطريقة تفكيرها قد تُنسَب إليك، فربما تؤثر عليك مستقبلًا، ولكن كُنْ بنفسك، وارْكَنْ إلى مهارة تُتقنها أو صنعة تُحسنها لتُعرَف بها، وأفضل مهارة وصنعة للتعريف بنفسك هي صناعة العلم والمعرفة، فالعلم أشرف وأنفس مُعَرف لشخصيتك، وكم يتمنى اللحاق بركب المعرفة الكثيرون، لكن هيهات هيهات! وفي حقيقة الأمر ليس هناك شرف أو وجاهة أو سيادة أفضل من سيادة العلم والمعرفة، وهي سيادة عزيزة لن يصل إليها إلا مَن كان مِن جُملة حَمَلَةِ العلم وأهله، والعلم يستحق أن تَستثمر عمرَك فيه. وأخيرًا، ما دمتَ في بيئة متوترة، فسينكسر قلبك، وتصيبك أوجاعٌ، ويُلتَفت لزلاتك، وإني أدعو المولى أن يأتي عليك اليوم الذي تَستنشق فيه هواء نقيًّا بعيدًا عن توتُّر العلاقات؛ فإن أتاك وأنا حي فاذْكُر مقالي هذا، واعْلَمْ أني كتبتُه لك ولكل ناجح متميز خرج منكسرًا من مجال عمله.
رثاء العلامة الجليل الشيخ محمد العثيمين
الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط
30-03-2019
12,598
https://www.alukah.net//culture/0/133507/%d8%b1%d8%ab%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ab%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86/
رثاء العلامة الجليل الشيخ محمد العثيمين لقد هزّني، وآلمني، وكف عَبْرتي، وعقد لساني، نبأُ وفاة شيخنا العلامة الجليل الإمام القدوة العابد القانت الزاهد الأواب صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ محمد بن صالح العثيمين، عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، وإمام وخطيب الجامع الكبير في عنيزة "حرسها الله"، والأستاذ في كلية الشريعة بالقصيم. وإنها لثُلمة كبرى، ومصيبة عظمى نزلت بالبلاد والعباد، بوفاة هذا الشيخ الإمام القدوة، ويا لها من مصيبة، ويا لها من ثُلمة، كيف لها أن تُسد، وأنى لها أن تُعالَج؟ إن موت العلماء هو من أعظم ما تُمنى به الأمة من بلايا، ومن أشد ما ينزل بها من رزايا، وحسبكم في بيان مقدار عظم هذه النازلة، وتبين فداحة هذا الخطب: قول رسول الهدى صلوات الله عليه وسلامه في الحديث الصحيح الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ، حتَّى إذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فأفْتَوْا بغيرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا). ولذا كان وجود العلماء في الأمة بمثابة المصابيح التي يهتدي بها السالكون في الدياجي، ويستضيء بها المدلجون في الظلمات، فإذا انطفأ المصباح فما عسى أن يصنع السالك؟! وإذا فُقد الضياء فمن أين يجيء النور؟! ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40] إنه نور العلم والإيمان والتقى الذي حَبا الله تعالى به فقيد الأمة والبلاد: الشيخ محمد بن صالح العثيمين. لقد عاش حياةً مضيئةً رائعةً، ومات ميتةً عظيمةً شامخةً، ومضى إلى ربه راضيًا مرضيًّا إن شاء الله. درَّس، وعلَّم، وأفتى، ونصح، وأرشد، وحذَّر، وأنذر، وألَّف بين قلوب طال تنافرها، وجمع بين نفوس اشتد تنائيها وتباعدها، جمعها على موائد القرآن والإيمان، وأظلها في ظلال السنة والعقيدة والفقه والأصول والتفسير والفرائض والمصطلح، والمناسك وغيرها وغيرها. فكم من مواعظ وخطب ألقى، وكم من محاضرات ودروس وندوات أقام ورعى، وكم من جولات الخير والإرشاد أشاد وأعلى! وكم من تصانيف ورسائل عديدة مفيدة، مذكورة مشهورة، انتشرت له بين الناس، فاستقبلتها قلوبهم قبل أعينهم، وأصاخت لما فيها من الحق والهدى أسماعهم قبل أن تصلها أيديهم، وأقبلت على موائدها العوامر عقولهم، وصبَت إليها نفوسهم وأرواحهم، ولهجت بالدعاء له ألسنتهم وألبابهم. ولقد كان مما منَّ الله به على كاتب هذه السطور أن كان من أكثر من المنتفعين بعلم الشيخ يرحمه الله، ذلك العلم المبثوث في أرجاء هذه الأرض عبر قنوات لا تكاد تعد ولا تحصى. كما كان لي بحمد الله انتفاعات خاصة أخرى تتعلق بالإمامة في الحرم الشريف، إذ أكرمني الله وبقية إخواني الأئمة حفظهم الله بصلاة هذا الشيخ الإمام مؤتمًا بي وبهم في حشد من الصلوات في أوقات مختلفة، فكان له من الإفادات والتوجيهات والتذكيرات في هذا الباب - باب الإمامة والخطابة – ما لا منتهى له، ولا حد يحده. كيف وهو الإمام المتمرس، والخطيب الخبير؟ الذي أفنى زهرة عمره، ونضارة شبابه في هذا المقام الشريف. فكيف بعد ذلك لا أستشعر فداحة الخطب، وشدة النازلة، وعِظم المصيبة، وكيف -بربكم- تُعالج هذه الرزية، وأنى يجبرُ هذا الكسر؟! لكن العزاء في إخوان الشيخ - يرحمه الله - وزملائه من العلماء الأعلام، الذين صحبوه في رحلة عمره المباركة: شابًا نضيرًّا ثم رجلًا مُحنكًا خبيرًا، ثم شيخًا قدوة إمامًا مفتيًا كبيرًا. والعزاءُ أيضًا في أبناء الشيخ - يرحمه الله - " الصلبيين " و " العلميين " أن يواصلوا دربه، ويمضوا على طريقه في الزهادة، والعلم، والعمل، وأن يجعلوا من سيرة هذا الراحل الكبير منهج حياة، وطريق هدى، ومسلك رشد، وجادة صلاح وإصلاح. جبر الله مصاب الأمة كلها في هذا الفقيد العظيم والعزاء مبذول لجميع محبي الشيخ وعارفي فضله يرحمه الله، وفي الطليعة: خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، وجميع أفراد الأسرة المالكة الكريمة، وأصحاب السماحة والفضيلة رئيس وأعضاء هيئة كبار العلماء، والدعاة والأئمة، ورجال الحسبة، وأهل الخير والصلاح، وطلاب العلم جميعًا، وكافة أفراد الشعب والأمة والعالم الإسلامي. ورحمك الله أيها الشيخ الراحل الكبير. . فلقد هزَّنا المصاب، وهدَّنا الألم، وأبكانا ولوَّعنا الفراق، وأدمى قلوبنا هذا الرحيل. فسلام عليك في الآخرين، وسلام عليك في الصالحين، وسلام عليك وعلى أسلافك الراحلين إلى جنات النعيم إن شاء الله رب العالمين.
رثاء العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز
الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط
28-03-2019
10,734
https://www.alukah.net//culture/0/133488/%d8%b1%d8%ab%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a8%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d8%b2/
رثاء العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن باز لقد فجعت الأمة الإسلامية قاطبةً بوفاة سماحة العلامة الجليل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، المفتي العام للمملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء فيها. وإن القلم ليعجز عن إعطاء هذا الحدث الجلل حقَّه من الحديث، فقد خسرت الأمة علمًا من أكابر أعلام الإسلام، وإمامًا من أعظم أئمة الدعوة والإصلاح، وفقيهًا من أعظم فقهاء الملة، وداعيةً من أكثر الدعاة أثرًا. لقد وُضِعَ له القبول في علمه ودعوته، فترى ما يُفتي به قد سار مسيرة الشمس، ووجد له من الأثر البارز والاستجابة القوية ما يشهد به كل منصفٍ، ويقرُّ به كل عاقل، ولا ريب أنَّ مرد ذلك هو كمال الإخلاص لله تعالى، وتمام الإقبال عليه. ولا ريب أيضًا أن مبعث ذلك هو تلك الخصال الحميدة والخلال الجليلة التي طُبع عليها الفقيد - رحمه الله - والتي من أظهرها ما امتاز به من سلامة الصدر، ولين الجانب، وحُسن الخلق مع الناس أجمعين، بمن في ذلك مَن خالفه منهم، أو نازعه في بعض القضايا الأصولية أو الفرعية. وقد أكثر الكاتبون والمتحدثون في الحديث عن هذه السجية الجميلة ( سلامة الصدر ) حتى لا يجد من يكتب عن سماحته ما يُضيفه. ومما امتاز به - رحمه الله - أيضًا: اهتمامه الشامل بأحوال الأمة الإسلامية في شتى أصقاع الأرض، وتألمه البالغ لكل نازلةٍ تنزل بها، ومسارعته إلى الدعوة إلى المعونة والإغاثة والمساندة في رسائل وفتاوى وكلمات عامرة بالصدق والصراحة، حافلة بالحث على البذل واستنهاض الهمم، وكل أولئك مما يعظم به رصيده من الحب في قلوب المسلمين. وكم لسماحته - رحمه الله - من آثار، وكم له من مزايا يعجز القلم عن إيفائها حقَّها من البيان، فرحمه الله رحمةً واسعةً، وجبر الأمة في مصابها، وأحسن عزاء الجميع فيه، وألهمهم تمام الصبر وحسن السلوان، ووفقهم إلى المضي على دربه ومتابعة السير على نهجه.
بين العقل والعاطفة
د. أسماء جابر العبد
28-03-2019
15,554
https://www.alukah.net//culture/0/133484/%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81%d8%a9/
بين العقل والعاطفة قد يبدوان في ظاهرهما متضادَّين؛ لكن الحقيقة أن كلًّا منهما يكمل الآخر، تُهذِّب حكمةُ العقل طيشَ العاطفة، وتحِدُّ رقةُ العاطفة من صلابة العقل. لقد اهتم الإسلام بالحياة الإنسانية المتوازنة عقلًا وعاطفةً لينطلق الإنسان في درب الحياة بحماسٍ وتعقُّل، فأمر بتدخُّل العقل في الوقت المناسب حين تطغى العاطفة، فتحيد به عن مساره الصحيح؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، فلا تحملنَّكم عاطفة البغض على البغي والظلم. أمر بعقاب الظالم نعم؛ لكن على ألَّا يظلم ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ﴾ [النحل: 126]، ثم خاطب الوجدان بضبط انفعاله وبرغبته في الانتقام لنفسه والثأر لكرامته ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]. توازنٌ دقيق منضبط بضوابط الشرع بين العقل والمشاعر، والأفكار والأعمال، والحركات والسكنات، دينٌ لا يصطدم مع العاطفة الرقيقة، ولا يتحدَّى العقل الحكيم. ولقد عرف الإسلام سمات العاطفة البشرية، وسبر أغوار النفس الإنسانية؛ فنهى عن كل ما يكبتها ويحارب فطرتها السوية ومشاعرها النقية، فنهى عن الرهبانية، كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) )؛ [متفق عليه]. وشرع الزواج حتى لا تقود العاطفة الشباب نحو الانحراف، وإن منعنا الله عز وجل من بعض الشهوات وقيدها بضوابط الشرع، فلمصلحتنا ولا شك، ليسلس قيادنا، ويلين جماحنا، فنثوب إلى الحق، ونذعن له. فقد علم أن الأنفس قد أحضرت الشح، فرد عاطفتها تلك إلى حكمة العقل، وأمرها بالإنفاق لحماية الأنفس أولًا من شرور الفقراء والجياع حين يلجؤون إلى الجريمة ليسدوا جوعهم. ولما كانت المرأة تغلب عليها العاطفة في معظم الأحوال جعل المسؤولية والولاية على الرجل، وأوكل إليها رعاية أبنائها واحتواء زوجها والأمور التي لا تتعارض مع طبيعتها الأنثوية الرقيقة، فالمرأة بعاطفتها تكمل الرجل بحكمته. نريد أمةً متوازنة، وشبابًا عاقلًا مُتَّزِنًا، لا يغلب لهيب المشاعر على نور العقل، ولا يسير وراء أهوائه، ولا يندفع وراء تقلُّبات مزاجه، فيكون سريع التأثُّر، سهل الاستثارة، متقلب المزاج، سريع الانفعال؛ بل يمتلك عاطفة نعم؛ لكنها تنصاع لنداء العقل، وتحد بحدود الشرع بعيدًا عن الانفعالات غير المحسوبة، والنتائج غير المدروسة. نريد أن نربِّي أبناءنا بالعقل قبل العاطفة، فلا نترك تعويدهم على العبادات بحجة الشفقة عليهم، ولا نُلبي كل رغباتهم بحجة أنا نحبُّهم؛ فنُنْشئ جيلًا مدلَّلًا، لا يتحمَّل المسؤولية، نعم نقسو عليهم قليلًا لتقر عيوننا بهم كثيرًا: فقسا ليزدجروا ومن يك حازمًا *** فليقسُ أحيانًا على من يرحم فلا نُحكِّم العقل حدَّ القسوة، ولا نُحكِّم العاطفة حدَّ السذاجة، بل نوظِّف العاطفة، ونضعها في إطار العقل، وعلى أسس منطقية يعصمها من أن تنقلب إلى ضدها أو تنمحي آثارها. نعم نحبُّ في الله، ونبغض في الله، ونوالي في الله، ونُعادي في الله وفي الوقت نفسه لا تأخذنا المعصية والحمية، فنضبط عواطفنا ضبطًا قويًّا محكمًا، محتكمًا إلى سلطان العقل، متعظًا بتجارب السابقين، مستفيدًا من خبرات الآخرين نُغيِّر الرديء، ونصنع المستقبل المشرق، حينها فقط تساغ الفضائل والأخلاق على نحو رائعٍ منقطع النظير.
رثاء العلامة الجليل الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة
الشيخ د. أسامة بن عبدالله خياط
27-03-2019
9,786
https://www.alukah.net//culture/0/133459/%d8%b1%d8%ab%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b2%d8%a7%d9%82-%d8%ad%d9%85%d8%b2%d8%a9/
رثاء العلامة الجليل الشيخ محمد عبدالرزاق حمزة تُوفي فضيلة المحدِّث الكبير الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، إمام الحرم المكي الشريف السابق، ومدير مدرسة دار الحديث المكية، وذلك يوم الخميس الموافق 22-2-1392هـ. وقد شُيِّعتْ جنازته من داره بالمسفلة إلى المسجد الحرام حيث صُلِّيَ عليه بعد صلاة المغرب ثمَّ نُقل إلى مقبرة المعلاة، وسار في جنازته كبار علماء البلد الحرام، والأعيان، وتلامذته - رحمه الله - وأساتذة دار الحديث وطلابها وجمع من محبيه، وكلهم يذكرون محاسنَ أستاذهم الذي وقف نفسه وأوقاته للتعليم. وفضيلته - رحمه الله - ممَّنْ استقدمهم جلالة الملك عبد العزيز آل سعود - غفر الله له - من علماء الأزهر لشغل مناصب الإمامة والتدريس في الحرمين الشريفين. وقد شغل - رحمه الله - منصب الإمامة والخطابة في الحرم النبوي مدة عامين، ثم ارتحل بعدها إلى مكة المكرمة حيث ألقى فيها عصى الترحال، وعُيِّن إمامًا من أئمة الحرم الشريف، وظلَّ ينوب عن فضيلة الخطيب الشيخ عبد الظاهر أبو السمح - رحمه الله - طوال أشهر الصيف، وفي أيام مرض الخطيب. وفي الوقت نفسه كان يقوم بالتدريس في المسجد الحرام وكان من فحول علماء الحديث داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وكان - رحمه الله - من الشخصيات النادرة في هذا الفن، وتخرج على يده كثير من الشخصيات التي تعتبر الآن من العلماء. وقد أصيب - رحمه الله - منذ عشر سنوات بمرض أقعده عن الحركة، ومع ذلك لم ينقطع عن إفادة من يسأله أو يراجعه في علم الحديث أو العلوم الأخرى التي كان له فيها الباع الطويل: كعلم الفلك، والرياضيات، وهو - رحمه الله - والدُ كلٍّ من عبد المنعم، وعبد الحليم، وعبد الرزاق، وعبد الله، كما أنه والدُ حرم كل من فضيلة الأستاذ الشيخ: عبد الله خياط، وفضيلة الشيخ: محمد بن أحمد بن سعيد، وفضيلة الشيخ: عبد الله المسعري رئيس ديوان المظالم، وفضيلة الشيخ: أحمد علي. وله - رحمه الله - عدة مؤلفاتٍ، في مقدمتها: كتابه: (ظلمات أبي رية أمام أضواء السنة المحمدية) الذي رد فيه على العالم الأزهري محمود أبي رية، وعلى شبهاته التي يطعن بها أبا هريرة الصحابي الجليل - رضي الله عنه -. ونسأل الله للفقيد المغفرة والرضوان، وروضات الجنان، وأن يجزيه خير الجزاء على ما قام به من خدمة علم الحديث والسنة النبوية الطاهرة عن طريق التدريس والخطب في المسجد الحرام، والتأليف والنصح، وليس لنا في النهاية إلا أن نقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
هناك خلط بين الوسائل والغايات: الفقر أنموذجا
د. زيد بن محمد الرماني
27-03-2019
8,592
https://www.alukah.net//culture/0/133458/%d9%87%d9%86%d8%a7%d9%83-%d8%ae%d9%84%d8%b7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d8%b1-%d8%a3%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac%d8%a7/
هناك خلط بين الوسائل والغايات الفقر أنموذجًا إذا كان من المهم التمييز من حيث المفهوم بين فكرة الفقر كنقص في القدرة، والفقر كنقص في الدَّخْل، فإنه ليس في الإمكان ربط المنظورين بعضهما ببعض ما دام الدخلُ وسيلةً مهمةً للحصول على القدرات، والقدرات المعززة من أجل بناء الحياة تنزع طبعيًّا إلى توسيع قدرة المرء ليكون أكثر إنتاجية، وأقدر على الحصول على دَخْل أكبر. إن الأمر - كمثال- لا يقتصر على أن توافر تعليم أساس أفضل، ورعاية صحية أفضل، من شأنهما أن يُؤديا إلى تحسُّن نوعية الحياة مباشرة؛ بل إنهما أيضًا يزيدان من قدرة الشخص على الحصول على الدَّخْل والتحرُّر من فقر الدخل أيضًا. وكلما زاد المدى الذي يتحقق بفضل التعليم الأساس والرعاية الصحية، أصبح من المرجح أكثر أن تتوافر لمن يتوقع حالة من الفقر فرصةٌ أفضل للتغلب على ما يعانيه من عوز. وإذا كان من المهم تأكيد هذه الروابط بين فقر الدخل وفقر القدرة، فإنه من المهم أيضًا ألا تغيب عن نظرنا حقيقة أساسية؛ وهي: أن خفض فقر الدخل وحده ربما لا يكون الحافز النهائي للتوجُّهات المناهضة للفقر. وثمة خطر من النظر إلى الفقر بمعنى ضيق ومحدود؛ وهو الحرمان من الدخل، ثم تبرير الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وغير ذلك على أساس أنها وسائل جيدة لبلوغ الغاية؛ وهي خفض دخل الفقر؛ إذ إن هذا خلط بين الوسائل والغايات. إن القضايا التأسيسية الرئيسة تلزمنا بأن نفهم الفقر والحرمان في ضوء الحياة التي يمكن للناس عمليًّا أن يحيوها، والامتيازات التي يمكن فعليًّا أن يحظوا بها. فالفقر المدقع يتركَّز الآن - بكثافة شديدة الوطأة - في إقليمين محددين في العالم؛ هما: جنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء؛ إذ إن بها من بين جميع مناطق العالم أدنى المستويات من حيث دخل الفرد. بيد أن هذا المنظور لا يعطينا فكرة واضحة وكاملة عن طبيعة ومحتوى حالات الحرمان في كل منهما، ولا عن فقرهما النسبي. إننا بدلًا من هذا، إذا نظرنا إلى الفقر باعتباره حرمانًا من القدرات الأساسية، فسوف نحصل على صورة أكثر وضوحًا ودلالة من المعلومات عن مظاهر الحياة في هذه الأجزاء من العالم. إنَّ هناك من ينتقد الاقتصاديين أحيانًا؛ لإفراطهم في التركيز على الفعالية دون المساواة، وقد نجد بعض العذر لهذه الشكوى؛ ولكن يجب ملاحظة أن ظاهرة عدم المساواة حظيت باهتمام الاقتصاديين أيضًا على مدى تاريخ البحث العلمي. إن آدم سميث - الذي غالبًا ما يراه البعض أبًا للاقتصاد الحديث -كان معنيًّا للغاية بالهوة بين الغني والفقير، كذلك فإن بعض العلماء الاجتماعيين كانوا جميعًا من المعنيين موضوعيًّا بهذه الظاهرة، وهم اقتصاديُّون نذروا جهدهم لدراستها. والملاحظ في السنوات الأخيرة ازدهار الدراسة الاقتصادية لظاهرة عدم المساواة كموضوع دراسي، وذلك على أيدي روَّاد كِبار، وليس معنى هذا إنكار أن تركيز الاهتمام على الفعالية، واستبعاد الاعتبارات الأخرى مسألة شديدة الوضوح في بعض المؤلفات الاقتصادية؛ ولكنَّ الاقتصاديين كمجموعة لا يمكن اتهامهم بإغفال ظاهرة اللامساواة كموضوع للدراسة. ختامًا: أقول: وإذا كان ثمة سببٌ للامتعاض، فإنه ينصب على الأهمية النسبية التي توليها أغلب الدراسات الاقتصادية لحالة عدم المساواة داخل نطاق محدود؛ أعني: اقتصاد اللامساواة.
المنصور قلاوون وموقعة حمص سنة 680هـ
د. محمد منير الجنباز
25-03-2019
7,710
https://www.alukah.net//culture/0/133420/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%88%d9%88%d9%86-%d9%88%d9%85%d9%88%d9%82%d8%b9%d8%a9-%d8%ad%d9%85%d8%b5-%d8%b3%d9%86%d8%a9-680%d9%87%d9%80/
المنصور قلاوون وموقعة حمص سنة 680هـ قائد جيش المسلمين: السلطان المنصور قلاون، وعدد جيشه ما بين 50 - 60 ألف جندي. قائد جيش المغول: منكوتمر بن هولاكو، وعدد جيشه أكثر من مائة ألف. تُعَد هذه المعركة من المعارك الحاسمة، وتُبيِّن طمع التتار المستمر ببلاد الشام، خصوصًا بعد وفاة الظاهر بيبرس، فقد تفرَّقت كلمة المسلمين إلى حد ظاهر، ولم تعد الصلة القوية قائمة بين مصر والشام، كما كانت منذ صلاح الدين. والسبب المباشر لهذه المعركة: أن الأمير سنقر الأشقر، وكان من المقدمين في عهد بيبرس، قام بالاستيلاء على دمشق ومعظم بلاد الشام وفصلها عن مصر، فأرسل السلطان المنصور قلاون جيشًا لحربه واستردادها، وبعد معارك دامية هرب سنقر الأشقر والتجأ إلى إحدى القلاع عند الساحل، ويقال: إنه كاتب ملك المغول وأطمعه في بلاد الشام، فجهَّز " منكوتمر " هذا الجيش الضخم، وأتى به لاحتلال بلاد الشام، وانضمَّ إليه أخوه " أبغا "، وتقدَّموا إلى حلب فقتلوا ونهبوا ما شاء لهم فعله، ثم تقدَّم نحو حماة ثم حمص. وفي هذه الأثناء جمع السلطان قلاون جيشًا وكاتب أمراءه أن يوافوه، كما كاتب سنقر الأشقر ورغَّبه في الجهاد والتوبة، وتوافت الجيوش فاجتمعت في حمص، والتقى الجمعان شمال حمص ما بين قبر خالد بن الوليد وقرية الرستن، وقد يكون الموقع بالضبط قرية " تلبيسة ". وعند طلوع الشمس دارت معركة حامية بين الجيشين، وحمي الوطيس في معركة لم تشهد الشام مثلها من عصور، وتغلب التتار أول النهار وكسروا ميسرة المسلمين، كما اضطربت الميمنة، لكن القلب الذي فيه السلطان كان ثابتًا؛ وذلك أنه وطَّد نفسه على الشهادة فثبت كالجبال غير وَجِلٍ ولا هيَّابٍ، وقد انهزم كثير من عساكر المسلمين، فتبعهم التتار حتى بحيرة حمص - قطينة - وكاد الجيش يفر، ومع ذلك فالسلطان ثابت وحوله الرايات تبدي صموده، والأعلام مرتفعة لم تهوِ بعد، ولما رأى مَن في الميسرة والميمنة ثبات السلطان، جدوا في القتال وبذلوا أقوى طاقتهم، فتقدَّموا وحملوا على التتار حملات صادقة حملة إثر حملة، حتى كسر الله التتار، وتقدَّم أحد الأمراء نحو " منكوتمر "، فطعنه وقُتل دونه فجرح منكوتمر، وشارك عيسى بن مهنا أمير البدو في القتال وقصد بمن معه جيش التتار فزعزعوه، ثم كانت الدائرة آخر النهار على التتار، فولَّوا الأدبار وقُتِل منهم خَلْق عظيم، وتابعتهم الجيوش الإسلامية، فافترقوا في طريقين: الأول شرقًا في البادية، وقد أنهكهم وقضى عليهم التيه والعطش؛ والثاني نحو حلب. لقد كان نصرًا عظيمًا، مات لمَرآه " أبغا " مهمومًا، كما خرج منكوتمر بجراح بليغة.
في الماء بركة وشفاء
عبدالستار المرسومي
19-03-2019
15,560
https://www.alukah.net//culture/0/133319/%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d9%88%d8%b4%d9%81%d8%a7%d8%a1/
في الماءِ بركةٌ وشفاءٌ الماء خلقٌ من خلق الله تعالى، فيه إعجاز وبركة وشفاء، وضعَ الله تعالى فيه من الأسرار الكثيرة ما يُثير العجب، ولعل من أهم تلك الأسرار أنَّ الله تعالى جعله الأساس في خلق كل المخلوقات الحية؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30]، وقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ﴾ [النور: 45]. جاء في أضواء البيان للشنقيطي رحمه الله قوله: "وقال بعض العلماء: هو الماء المعروف؛ لأن الحيوانات إما مخلوقة منه مباشرة؛ كبعض الحيوانات التي تتخلَّق من الماء، وإما غير مباشرة؛ لأن النُّطَف من الأغذية، والأغذية كُلُّها ناشئة عن الماء، وذلك في الحبوب والثمار ونحوها ظاهر، وكذلك هو في اللحوم والألبان والأسماك ونحوها؛ لأنه كله ناشئ بسبب الماء" [1] . والماء طاهر مبارك، ففي طهارته قال تعالى: • ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ﴾ [الفرقان: 48]. • ﴿ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11]. • وأما بركته فقد جاءت في قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9]. وعموم الماء سواء كان مطرًا أو مياه أنهار أو مياه عيون هو ماء واحد، يتكوَّن من نفس المركبات، وله نفس الصفات والبركة بشكل عامٍّ، ما عدا أنه قد يحصل اختلاف يسير في نقاوته ونسب بعض العناصـر والأملاح فيه، باستثناء ماء زمزم فله خصوصية استثنائية معروفة، وأن مياه العيون تبقى لها خصوصية أيضًا؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ﴾ [يس: 34]؛ لذلك عندما يصف الله تعالى الماء الذي يتلذَّذ به أهل الجنة، فيذكره إنه من العيون؛ قال تعالى: ﴿ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ ﴾ [الرحمن: 66]، وقال تعالى: ﴿ عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [المطففين: 28]، وقال تعالى: ﴿ عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا ﴾ [الإنسان: 18]. والماء سائل، شديد السيلان، فمن المستحيل الحفاظ على الماء في كفِّ اليد مدة طويلة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ ﴾ [الرعد: 14]، وفسَّـرَ العلماء ﴿ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ﴾ [الرعد: 14] بالقابض الماء باليد، فإنه لا يحكم منه على شيء لكثرة سيولته، والعرب تضـرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلًا بالقابض الماء باليد؛ كقول الشاعر : فأصْبَحْتُ مما كانَ بَيْني وبينَها *** مِنَ الوُّدِّ مثلَ قابضِ الماءِ باليدِ وخلافًا للقاعدة العامة أيضًا، فإنه كلما ضغطت على الماء ازدادت سيولته؛ لهذا لا يمكن إنتاج الثلج بالضغط على الماء، ومن خصوصية الماء أنَّ ذِكرَ الماء كشفاء في القرآن الكريم جاء مع ماء العيون، وتحديدًا في شفاء نبي الله أيوب عليه السلام من مرضه، فقد دعا أيوب عليه السلام الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84]، قال البيضاوي في تفسيره: ((والضُّـرُّ بالضمِّ خاصٌّ بما في النفس كمرض وهزال)) [2] . فكان ضرُّ أيوب عليه السلام هو المرض بالدرجة الأساس، فلما شعر أيوب عليه السلام بتفاقُم حالته الصحيَّة، وتردِّيها دعا ربَّه تعالى؛ قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ [ص: 41]، فجاءه الجواب من ربِّه تعالى بقوله تعالى: ﴿ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42]، واركض؛ يعني: اضـرب الأرض برِجْلِك فنبعت عين ماء، فاغتسل منها أيوب عليه السلام، فبرئ ما بجسده وشرب، فبرئ ما بداخله وشفي، وهذا دليل على الشفاء بالماء. قال ابن عاشور رحمه الله في تفسيره: "وجملة ﴿ اركض برِجلِك ﴾... إلخ مقولة لقول محذوف؛ أي: قلنا له: اركض برِجْلك، وذلك إيذان بأن هذا استجابة لدعائه. والرَّكْض: الضرب في الأرض بالرِّجْل، فقوله: "بِرِجْلِكَ " زيادة في بيان معنى الفعل؛ مثل: ﴿ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ ﴾ [الأنعام: 38]، وقد سمَّى الله تعالى ذلك استجابة في سورة الأنبياء؛ إذ قال تعالى: ﴿ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ﴾ [الأنبياء: 84]، وجملة ﴿ هَذَا مُغْتَسَلٌ ﴾ مقولة لقول محذوف دَلَّ عليه المقول الأول، وفي الكلام حَذْفٌ دلَّتْ عليه الإشارة، فالتقدير: فركض الأرض فنبع ماء، فقلنا له: ﴿ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴾ [ص: 42]، فالإشارة إلى الماء؛ لأنه الذي يغتسل به ويشرب. ووصْفُ الماء بذلك في سياق الثناء عليه مشيرًا إلى أن ذلك الماء فيه شفاؤه إذا اغتسل به، وشَرب منه؛ ليتناسب قول الله له مع ندائه ربَّه لظهور أن القول عقب النداء؛ هو قول استجابة الدعاء من المدعو، و"مغتسل" اسم مفعول من الفعل اغتسل؛ أي: مغتسل به، فهو على حذف حرف الجر وإيصال المغتسل القاصـر إلى المفعول؛ مثل قوله: تَمرُّون الديارَ ولم تعُوجوا ووصفه بـ "بارِد"؛ إيماء إلى أن به زوال ما بأيوب من الحُمَّى من القروح؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحُمَّى من فَيْح جهنَّمَ فأطفئوها بالماء))؛ أي: نافع شافٍ، وبالتنوين استُغني عن وصف "شـراب"؛ إذ من المعلوم أنَّ الماء شراب، فلولا إرادة التعظيم بالتنوين، لكان الإِخبار عن الماء بأنه شراب إخبارًا بأمر معلوم، ومرجع تعظيم "شـراب" إلى كونه عظيمًا لأيوب وهو شفاء ما به من مرض [3] . وقد أثبتت التجارب الحديثة أن الماء هو المكون المهم في تركيب مادة الخليَّة، وهي وحدة البناء في كلِّ كائن حي نباتًا كان أم حيوانًا، وأثبت علماء الكيمياء الحيوية أن الماء لازم لحدوث جميع التفاعُلات والتحوُّلات التي تتم داخل الأجسام الحية، فهو إما وسط أو عامل مساعد أو داخل في التفاعل أو ناتج عنه، وأثبت علم وظائف الأعضاء أن الماء ضروري لقيام كل عضو بوظائفه التي بدونها لا تتوافر له مظاهر الحياة ومقوماتها [4] . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مَطَرٌ، قال: فحسـَر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبَه حتى أصابَه مِن المطر، فقلنا: يا رسول الله، لمَ صنعتَ هذا؟ قال: "لأنَّه حديثُ عَهْدٍ بِربِّه تعالى" [5] . قال الإمام النووي رحمه الله: "معناه: أن المطر رحمةٌ، وهي قريبة العهد بخلق الله تعالى؛ فيتبركُ بها". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الناس باستخدام الماء لعلاج الارتفاع في درجة حرارة الجسم (السخونة)، فهو يقول صلى الله عليه وسلم: ((الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَأَبْرِدُوها بِالْمَاءِ)) [6] ، فارتفاع درجة حرارة الجسم مُؤشِّر على وجود المرض، ولا بُدَّ من خفض حرارة الجسم ليستمر الجسم بمقاومة الأمراض سواء كان سببها الفيروسات أو البكتيريا، وأفضل طريقة هي الكمادات الباردة أو استعمال الماء البارد، كما أن للماء فوائد علاجية لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وحديثًا أصدرت جمعية مكافحة الأمراض اليابانية قائمة بتجارب أجرتها باستخدام نظرية العلاج بالماء، وأكدت نتائجها العلاج الشافي لعلاج العديد من الأمراض. قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه الطب النبوي: "الماء مادة الحياة وسيد الشراب، وأحد أركان العالم؛ بل ركنه الأصلي... وهو بارد رطب، يقمع الحرارة، ويحفظ على البدن رطوباته، ويرد عليه بدل ما تحلل منه، ويُرقِّق الغذاء وينفذه في العروق... والماء وإن كان في الأصل باردًا رطبًا، فإن قوته تنتقل وتتغيَّر لأسباب عارضة توجب انفعالها، فإن الماء المكشوف للشمال المستور عن الجهات الأُخَر يكون باردًا، وفيه يبس مكتسب من ريح الشمال، وكذلك الحكم على سائر الجهات الأُخَر، والماء الذي ينبع من المعادن يكون على طبيعة ذلك المعدن، ويُؤثِّر في البَدَن تأثيره. إنَّ "نقص كمية الماء في الجسم عن المستوى المطلوب يُؤدِّي إلى الصداع والأرق، وعُسْـر الهضم والإمساك، وإذا كان النقص كبيرًا، فإن عمل الجسم يختلُّ، ويضطرب نظامُه، ثم يبدأ الجسم بالجفاف حيث تجِفُّ خلاياه، وتظهر التجاعيد على الجلد نتيجة ذلك" [7] . الوضوء: وقد جاء ذكر الوضوء في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ﴾ [المائدة: 6]، وتبدو أهمية الوضوء بارتباطه بالصلاة التي هي عماد الدين ونور اليقين، والوضوء تطهُّر مادي ومعنوي؛ لذلك أثنى الله على المتطهرين المتوضِّئين دائمًا بقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: 222]. ولقد اهتمَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء، وحث المؤمنين عليه بقوَّة، وجعله نصف الإيمان بقوله صلى الله عليه وسلم: ((الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ الْمِيزَانَ)) [8] ، وعظَّم صلى الله عليه وسلم منزلة وسَمْت المستمر والمواظب على الوضوء، فقال: ((إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الْوُضُوءِ، فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ)) [9] ، وكان صلى الله عليه وسلم يومًا قد توضَّأ وضوءه المعهود، فقال لمن حوله تشجيعًا لهم وتعظيمًا في أجر المتوضئ: ((مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) [10] ، كل هذه الخصوصية والاهتمام بالوضوء هي من أجل دفع الفرد على الوضوء المستمر لما له من أهمية من المناحي كافة كما أسلفنا، وخاصة الصحيَّة. ماء زمزم: وماء بئر زمزم خير ماء على وجه الأرض بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُ ماءٍ على وجه الأرض، ماءُ زمزم فيه طعامٌ من الطُّعم، وشفاءٌ من السقم)) [11] ، وقد كان اعتماد ماء زمزم كشفاء ضمن شفاءات القرآن الكريم في هذا البحث لسببين: الأول: أنه ماء؛ ولكنه ماءٌ خاصٌّ، له خصوصيته وبركته وتركيبته. الثاني: أنه ذكر ضمنًا في القرآن الكريم وليس تصريحًا، وذلك في قصة إبراهيم عليه السلام وزوجه هاجر وولده إسماعيل عليهم السلام جميعًا؛ إذ قال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام: ﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴾ [إبراهيم: 37]. فلقد جعل الله تعالى أفئدةً من الناس وهم قبيلة جُرْهم العربية تهوي إلى هاجر وإسماعيل عليهما السلام بسبب أن الله تعالى قد أنعم عليهما بعين ماء؛ هي زمزم، "فعن ابْن عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُما، فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا، فَقَالَتْ: صَهٍ؛ تُرِيدُ نَفْسَها، ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ، فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ، فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ، أَوْ قَالَ: بِجَناحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ، فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ، وَتَقُولُ بِيَدِها هَكَذَا، وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِن الْمَاءِ فِي سِقَائِها وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ)) [12] . وبماء زمزم غُسِل صدرُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما كان يُهيَّأ لرحلة المعراج إلى السماء بمعية جبريل عليه السلام، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((فُرِجَ عَنْ سَقْفِ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عليه السلام، فَفَرَجَ صَدْرِي، ثُمَّ غَسَلَهُ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا، فَأَفْرَغَهُ فِي صَدْرِي، ثُمَّ أَطْبَقَهُ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَعَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَلَمَّا جِئْتُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ جِبْرِيلُ لِخَازِنِ السَّمَاءِ: افْتَحْ، قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا جِبْرِيلُ، قَالَ: هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، مَعِي مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم)) [13] . وماء زمزم ماءٌ مباركٌ، فقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ)) [14] ، وهي إضافة لبركتها فإنها شفاء، وقال بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زَمْزَمُ طَعَامُ طُعْمٍ وَشِفَاءُ سَقَمٍ)) [15] . وزيادة على كل ذلك من كون ماء زمزم مباركًا، وشفاءً من الأمراض، وطعامًا من الجوع، وأنه خير ماء على وجه الأرض؛ فإنه لما يُشـرب له، بمعنى أن الله تعالى يُحقِّق للعبد نيَّتَه التي يشرب من أجلها العبد ماء زمزم من غير الأشياء التي ذُكرتْ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ماءُ زمزم لما شُـرِبَ له)) [16] ، وقال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في حق ماء زمزم: ((ماء زمزم: سيِّدُ المياه، وأشرفُها وأجلُّهَا قدرًا، وأحبُّها إلى النفوس، وأغلاها ثمنًا، وأنَفَسُها عند الناس، وهو هَزْمَةُ [17] جبريلَ عليه السلام، وسُقْيَا الله إسماعيلَ عليه السلام، وثبت في "الصحيح" عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أنه قال لأبي ذَرٍّ، وقد أقام بين الكعبة وأستارِها أربعينَ ما بين يومٍ وليلةٍ، ليس له طعامٌ غيرُه؛ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((إنها طَعَامُ طُعْمٍ))، وزاد غيرُ مسلم بإسناده: ((وشفاءُ سُقْمٍ)) [18] . [1] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن؛ محمد الأمين الشنقيطي، ج4، ص 142. [2] تفسير البيضاوي؛ البيضاوي، ج4، ص104. [3] التحرير والتنوير المعروف بتفسير ابن عاشور؛ ابن عاشور التونسي، ج23، ص165. [4] العلاج بالماء قديمًا وحديثًا؛ ماهر حسن محمود، ص6. [5] صحيح مسلم 2120. [6] صحيح البخاري 3261. [7] معجزة الماء والرقية الشرعية (بحث)، د. دسوقي أحمد محمد عبدالحليم، ص6. [8] صحيح مسلم 556. [9] صحيح البخاري 136. [10] صحيح البخاري 159. [11] المعجم الأوسط؛ للطبراني 3912. [12] صحيح البخاري 3364. [13] صحيح البخاري 349. [14] صحيح مسلم 6513. [15] مسند البزار 3929. [16] سنن ابن ماجه 3062. [17] جاء في فيض القدير شرح الجامع الصغير؛ للمناوي: "هَزْمة جبريل: بفتح الهاء، وسكون الزاي؛ أي: غمزته بعقب رجله؛ قال الزمخشري: من هزم في الأرض هزمة إذا شق شقة، والهزم بلغة اليمن باطن الأرض". [18] الطب النبوي؛ ابن قيم الجوزية، ص 132-133.
ركن الدين بيبرس وسهل البالستين
د. محمد منير الجنباز
18-03-2019
7,586
https://www.alukah.net//culture/0/133299/%d8%b1%d9%83%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%8a%d8%a8%d8%b1%d8%b3-%d9%88%d8%b3%d9%87%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%aa%d9%8a%d9%86/
ركن الدين بيبرس وسهل البالستين قائد جيش المسلمين: ركن الدين بيبرس (الملك الظاهر). ومن التتار: تناون. التاريخ : الجمعة 10 ذو القعدة 675هـ. حاول التتار مرارًا العودة إلى بلاد الشام من الشمال، فأصيبوا في البيرة. ثم عاودوا مرة ثانية ومعهم عدد كبير من جيش الروم، يقوده الرواناه - الوزير الأكبر - وعدد التتار فيه - سوى الروم - أحدَ عشرَ ألف مقاتل. وكان بيبرس في حلب يَرقُب تحركاته فتوجَّه نحوهم، وكانوا قريبًا من قيسارية - قيصرية - ولما أطلَّ جيش بيبرس وجدهم يَجتمِعون في سهل البالستين. وتراءى الجيشان، فهجم التتار على حملة سناجق السلطان - حملة الأعلام - وشقوا الجيش نصفين، فتقدَّم السلطان بنفسه ودعَم حملة السناجق، وقاتل التتارَ. ثم أطبق بقية الجيش عليهم وعلى أعوانهم، ودارت معركة عنيفة، ولما يئس التتار من النصر ترجَّلوا وتثبتوا بالأرض، واستمر نصر المسلمين. كما لاذ الرواناه بالفرار متوجِّهًا إلى قيسارية، فتَبِعه بيبرس، فأخلى المدينة وهرب باتجاه الروم، ودخل السلطان قيسارية وغَنِم ما فيها، ثم عاد إلى حلب. وقد أثَّرت هذه الموقعة على التتار، وجاء مَلِكهم "أبغا" إلى مكان المعركة، فهاله المنظر، وعلِم أنه أمام خصم شديد، فما عاد يجسر على الاقتراب من الشام. لقد كان السلطان الظاهر بيبرس كثيرَ الغزوات والفتوحات، ويعمل على جبهتين: الأولى ضد الصليبيين، فيفتتح الحصون والقلاع والمدن؛ مثل أنطاكية وحصن الأكراد، كما يقاتل أيضًا التتار.
نصائح للتاجر المبتدئ
الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
17-03-2019
9,006
https://www.alukah.net//culture/0/133273/%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ad-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%ac%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%aa%d8%af%d8%a6/
نصائح للتاجر المبتدئ الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد: فبمناسبة دخول بعض الإخوة والأخوات لطلب الرزق الحلال بالتجارة عن طريق وسائل التواصل وغيرها، كانت هذه التوجيهات، لعلَّها تكون عونًا لهم على شقِّ طريقهم التجاري بالتوفيق والنجاح. • أحسِنْ نيَّتَك في عملك بالرغبة في طلب رزق حلال تستعين به على أمور دينك ودنياك. • أكثر من سؤال اللهِ التوفيقَ؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [هود: 88]. • أكثر من الاستغفار، فهو سبب عظيم للرزق؛ قال سبحانه: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ [نوح: 10،11]، واجتنب الحرام والمشتبهات من غشٍّ وربا وغيرها مهما كانت المغريات فيها، فلا بركة فيها. • احرص على دفع زكاة تجارتك في وقتها؛ فهي طاعة وسبب للبركة، ولا تستعجل الربح الوفير فتُصاب بالإحباط، فلكل بداية أخطاء، فاستفد من أخطائك وصحِّحها. • احمد الله واشكره على التوفيق بقلبك ولسانك، ومن شكرك لله سبحانه أن تجعل مبلغًا مُعيَّنًا من الربح للأعمال الخيرية، وهو أيضًا سببٌ لمزيدٍ من البركة. • استفِدْ من تجارب غيرك وأخطائهم، وانصح للناس في بيعك، وكأنك تبيع لنفسك، وتذكَّر قول الصحابي عبدالله بن جرير البجلي رضي الله عنه: "بايعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنُّصْح لكل مسلم"- متفق عليه - وكيف حرص رضي الله عنه على تطبيقه عندما اشترى فرسًا من أعرابي يجهل الأسعار، فأخبره بسعرٍ مُضاعف لفرسه، واشتراه به. حفظك الله، ورزقك الإخلاص والصدق والأمانة، وفتح لك أبواب الرزق الحلال، وصلِّ اللهمَّ على نبيِّنا محمد.
الدروس المهمة لعامة الأمة
الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
14-03-2019
5,912
https://www.alukah.net//culture/0/133229/%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b1%d9%88%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d9%85%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9/
الدروس المهمة لعامة الأمة الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد، أما بعد: عنوان هذا المقال هو اسمٌ لكتاب صغير وعظيم القدر والفائدة لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وأقترح على مكاتب الدعوة وأئمة المساجد والدعاة العناية بتدريسه على مدار السنة؛ للأسباب التالية: أولًا: لأنه احتوى على معظم ما يحتاج إليه العامة في أصول دينهم وفروعه؛ من توحيد، وفقه، وتفسير، وأخلاق. الثاني: أن العامة في الغالب لا يسمعون إلا المواعظ، وهي طيبة؛ لكن الأطيب منها التفقُّه في أحكام الضروريَّات من دينهم. الثالث: أن إهمال تفقيه العامة يجعلهم فريسةً سهلةً للشكوك والشُّبُهات وأباطيل الخرافيِّين، وربما أدَّى بهم لأخطاء جسيمة. الرابع: أنه قد أُثني على هذا الكتاب كثيرًا، وشروحه متوافرة في مؤلفات وصوتيَّات، فطالب العلم لن يتعب كثيرًا في التحضير لتدريسه، وممَّن أثنى على الكتاب معالي الدكتور عبدالكريم الخضير، فقد قال: "لم أر في القديم، ولا في الحديث كتابًا أُلِّف للعامَّة مثله". طريقة تدريس الكتاب: أ- يتم تدريسه على حلقات أسبوعية قصيرة، مدة الدرس الواحد لا تتجاوز ربع الساعة، لماذا؟ لأن كثيرًا من العامة لا يتحمَّل الجلوس الطويل للسماع. ب- وأيضًا يكون شرحه مُيسًّرًا غير متوسع في ذكر الأدلة والاختلافات؛ وإنما يذكر فيه أرجح الأقوال مدعمًا بالدليل. ج- وقد يكون الدرس قبل صلاة العشاء بالنسبة للمساجد ذات الكثافة الحضورية قبل الصلاة؛ مثل مساجد الأسواق، وفي غيرها بعد الصلاة. د- حبَّذا نقله في الإنترنت؛ لتعُمَّ الفائدة، ويعظُم الأجر. من الصوتيات الشارحة لهذا الكتاب الموجودة في الإنترنت والأشرطة، شروح لكلٍّ من الدكتور عبدالكريم الخضير، والدكتور عمر العيد، وغيرهما، وقد لمست الأثر العظيم لهذا الكتاب عندما درَّسْتُه في عدد من مساجد الرياض، وأذكر أن رجلًا قال لي: ننتظر موعد الدرس في عشاء الأحد بفارغ الصبر، وقال لي آخر: إن النساء في البيوت القريبة من المسجد يخرجْنَ لساحات البيوت؛ لاستماع الدرس، وذلك كله ليس له سبب فيما يظهر لي إلا الآتي: أولًا: جودة الكتاب واختصاره. ثانيًا: لعل أيضًا من الأسباب ما نرجوه من إخلاص الشيخ في تأليفه، ونحسبه كذلك، والله حسيبه. ثالثًا: لعل من الأسباب حاجة الناس الملحَّة لمحتوى هذا الكتاب؛ من توحيد وفقه مُيسَّر، وتفسير قصار السور والأخلاق. حفظكم الله، ورزقكم الفقه في الدين، وصَلِّ اللهمَّ على نبينا.
وقل اعملوا
نايف عبوش
13-03-2019
5,822
https://www.alukah.net//culture/0/133216/%d9%88%d9%82%d9%84-%d8%a7%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%88%d8%a7/
وقُل اعملوا احتل موضوعُ العمل في الإسلام أهمية كبيرة، حتى إنه رادَف مبدأ الاستخلاف في الأرض: ﴿ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]، وبذلك يكون العمل أحد مرادات مناطات استخلاف الإنسان في الأرض لغرض العبادة والإعمار والعيش الرغيد. وقد جاءت الدعوة إلى العمل صريحةً ومباشرة في القرآن الكريم، وكذلك الحال في السنة النبوية الشريفة، وفي هذا السياق نجد أن القرآن الكريم يدفع نحو العمل: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 105]، بينما نلحظ في السنَّة: (ما أكَلَ أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يدِه). ومن العجيب أن نلاحظ ارتباطَ الإيمان بالعمل الصالح: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾ [البقرة: 277]، في جدلية لا تنفصم عُراها، وذلك لكي يكون الإيمان بما فيه من حس معنوي، حافزًا للعمل المشروع، وإطارًا لصلاحه؛ ليضمنَ فوزَ الإنسان في الآخرة: ﴿ أَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ﴾ [الكهف: 88]. ولذلك كان الاستحقاق قانونَ جزاء الأعمال على قاعدة: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وبهذا يكون الإنسان مسؤولًا بذاته عن عمله: ﴿ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 134]؛ حيث تظل المسؤولية في هذا المجال شخصيةً بحتة على الدوام، ولا تنصرف إلى جريرة مطلقًا. وهكذا يكون العمل الإنساني الصالح - بدنيًّا أو معنويًّا - مصدرَ وسائل إعمار الأرض في الحياة الدنيا، تحقيقًا لرسالة استخلاف الإنسان فيها للعبادة والإعمار، وللظفر برضا الله تعالى في الآخرة: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ [النجم: 39 - 41].
معركة عين جالوت (25 رمضان 658هـ)
د. محمد منير الجنباز
11-03-2019
13,005
https://www.alukah.net//culture/0/133181/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%aa-25-%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86-658%d9%87%d9%80/
معركة عين جالوت 25 رمضان 658هـ قائد جيش المسلمين: السلطان المُظفَّر قُطُز، يساعده بِيبَرس البندقداري. قائد جيش المغول: كتبغانوين، وهو من أشهر قادة هولاكو. لَمَّا فرغ التتار من بغداد سنة 656هـ، وقتلوا من أهلها ما يُقارِب المليون نسمة، وخرَّبوا وأحرقوا ما شاء لهم أن يفعلوا، توجَّهوا إلى بلاد الشام عن طريق الفُرات، ودخلوا حلب وغدروا بأهلها، كما دخلوا دمشق دون مقاومة، ثم أرسلوا إلى حكام مصر يطلبون منهم تسليم البلاد، ووصَلوا حتى غزَّة، فكان ردُّ الملك المظفر عليهم أن جمع جندَه، وتوجَّهوا للشام لقتال التتار. وعلِم " كتبغا "، وكان في البقاع - بلبنان - فسار بجنده لقتال قطز، ولم يستشِرْ هولاكو الموجود في حلب آنذاك، والتقى الجمعان في " عَيْن جالوت " بفلسطين في الخامس والعشرين من رمضان بعد ظهر يوم الجمعة، فقال المظفر: " في هذا الوقت بعد الزوال تهبُّ رياح النصر، ويدعو لنا الخطباء على المنابر "، ثم أمر بالهجوم وباشر بيبرس - قائدُ الفرسان - القتالَ بنفسه فنكَّل بالعدو. ولَمَّا هزمهم الله تابَع فلولَهم قريبًا من حلب حتى قطع دابرهم، وبرز في هذا القتال أيضًا مَلِك حماة المنصور، الذي كان مع جيشه في طليعة جيش قطز، فقاتل قتال الأبطال، وتحرَّرت بلاد الشام من التتار بعد هذه الموقعة، وهي أول هزيمة قاسية لهم بعد أن دخلوا بلاد الإسلام وشرعوا يُخرِّبونها كيف شاؤوا، وقُدِّر عددُ قتلاهم بأكثر من عشرين ألف قتيل؛ منهم كتبغا نفسه، وهرب التتار من المدن التي احتلوها إثر سماع الخبر، فتَبِعهم السكان. ويُروى أن الدائرة كادت أول الأمر أن تكون على المسلمين، ولَمَّا رأى ذلك السلطان قطز صعِد على صخرة، وخلع خوذته، وصاح: " واإسلاماه! "، ثم ركِب جواده وهجَم على الأعداء كالأسد الضاري، يضرب بهم ذات اليمين وذات الشمال، وخلفه جندُه يقتحمون مثله ويفلقون هامات المغول، ثم قُتل جواده، فأسرع إليه أحد الأمراء ونزل عن فرسه وقدَّمها له، فأبى السلطان أن يفعل ذلك، وقال له: اركب وقاتل، فما كنتُ لأحرِمَ المسلمين في هذا الموقف من نفعك، ولم يزل صامدًا يقاتل حتى جاءه أحد غلمانه بفرس فركِبها، فقال له أحد الأمراء: أيها السلطان، لِمَ لَمْ تركب فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رأَوك لقتلوك وهلك الإسلام بسببك؟ فقال السلطان: أما أنا، فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام، فله ربٌّ لا يُضيِّعه، لقد قتل فلان وفلان وفلان حتى ذكر خلقًا كثيرًا من الملوك، فأقام الله للإسلام مَن يحفظه غيرهم، ولم يَضِع الإسلام، فمَن أنا حتى يضيع الإسلام بقتلي؟! وكان هذا ضربًا من قوة الإيمان والتواضع أيضًا الذي كان يتحلَّى به السلطان المظفر، رحمه الله.
آخر من مات من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين
د. محمد بن علي بن جميل المطري
11-03-2019
61,173
https://www.alukah.net//culture/0/133170/%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a3%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86/
آخر مَن مات مِن الصحابة والتابعين وأتباع التابعين روى البخاري (2897) ومسلم (2532) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتي على الناس زمان يغزو فئامٌ [أي: جماعة] من الناس، فيُقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم، ثم يغزو فئامٌ من الناس، فيُقال لهم: فيكم من رأى من صَحِب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيُفتح لهم، ثم يغزو فئامٌ من الناس، فيُقال لهم: هل فيكم من رأى من صَحِب من صَحِب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم فيُفتح لهم)). آخر الصحابة موتاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي رضي الله عنه، توفي في مكة سنة 110 هجرية، وعمره مائة وسبع سنوات. آخر التابعين موتاً: خَلَفُ بن خَلِيفَةَ الكوفي المعمَّر، توفي في بغداد سنة 181 هجرية وقد جاوز عمره المائة، وأخبر عن نفسه أنه رأى الصحابي عمرو بن حُريث وعمره سبع سنوات، فهو آخر التابعين موتاً. آخر أتباع التابعين موتاً: الحسن بن عرفة العبدي البغدادي، توفي في سامراء سنة 257 هجرية، عن مائة وعشر سنين، وهو آخر من روى عن آخر التابعين خلف بن خليفة، والله تعالى أعلم. المراجع: التاريخ الكبير للإمام البخاري (3/ 194) و(6/ 446)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي (14/ 81)، تاريخ الإسلام لمؤرخ الإسلام الذهبي (4/ 845، 846) و(6/ 66، 67)، الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني (7/ 193).
قرار التقاعد عن العمل بين دافعين: العاطفة الحالمة والعقل المتزن
هشام محمد سعيد قربان
09-03-2019
5,094
https://www.alukah.net//culture/0/133138/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%af%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b2%d9%86/
قرار التقاعد عن العمل بين دافعين: العاطفة الحالمة والعقل المتزن تحية عطرة للإخوة والأخوات المتأملين والمفكرين في قرار التقاعد، كما أدعوهم هنا مخلصًا أن ينتبهوا مبكرًا لمجموعة مختلفة من الدوافع خلف قرار البعض - بل الكثير ممن يعرفون - حول التقاعد، وقد نغتر بما يظهر لنا من هذه الدوافع، ولكن ما يختفي منها أكثر، ويَصدُق هذا الاستنتاج خصوصًا في ظل غياب الأبحاث العلمية والإحصاءات والتجارب الصريحة عن هذا الجانب المهم في بلادنا العربية. إن البعض - بل الكثير من العقلاء والأذكياء حولنا وفي العالم - قد يدفعهم الى التقاعد مشاعر آنية عدة من أهمها: الهروب مِن ألَمٍ مِن نوعٍ ما يرتبط بالعمل النظامي، هروب نحو حلم أو وجهة أفضل يتخيلونها، ويحلمون بها، ولكنهم في الواقع لم يصلوها، ولم يُجربوها بعدُ. ولهم نوع من الحق في ذلك الهروب، ولكن عليهم أن يدركوا رجحان الشحن العاطفي المؤقت الذي يُسبِّبه الألَمُ على جانب التعقل، وهذا يُخل بتوازن هذا الدافع، ولعله يطعن في صحة بعض ما يَبني عليه من قرارات وتوقعات! لماذا؟ لأن الألم شعور آني غالبًا ما يخف ويزول بزوال مصدر الألم بالتحديد، وإذا زال الألم الدافع للقرار تغيَّرت الحال، وهذا قد يُبرز جوانب ودوافع أخرى مهمة غطَّاها الألم سابقًا، فتتغير المعادلة كما يقولون مجازًا. كما أن النقلة من مرحلة إلى مرحلة أخرى من حياتنا ليستْ سهلة دائمًا كما نتمنى، أو نحلم، ونتخيل في قرارة أنفسنا، ونُخيِّل لغيرنا حماسًا وبلا دليلٍ. فالنقلة من حياة العمل إلى حياة التقاعد عن العمل ليست خالية من الألم؛ ولا تقترن بها سعادة معجلة ومضمونة، وتشهد لهذا تجارب القلة ممن صرَّحوا بحقيقة تجاربهم وجوانبها ومراحلها، ويُعضده الكثير من الأبحاث العلمية العالمية عن أحوال وتقلُّبات الصحة النفسية والجسدية في مرحلة التقاعد. فالفطام مثلًا مؤلِم جدًّا للرضيع؛ ولكن عوده سيصلب، وبدنه سيصح لو تكيَّف وصبر وقبِله، فمن يظن أنه بمجرد تقاعده عن عمله النظامي قد ودَّع كلَّ تعب الحياة، وتخلَّص من إرهاق المسؤولية، وابتعد عن كل الآلام، فهو - مع تقديرنا لشخصه الكريم - واهم ومجانب للصواب والاتزان. فالحياة بعد التقاعد - كما يُخبرنا من ذاق وعرَف وجرُؤَ على الصراحة - لم تزل ملأى بالتحديات والمسؤوليات، وأنواع مختلفة من الألم، لذا فنحن نحتاج إلى الحكمة والتكيف، والعمل على إعطاء حياتنا بعد التقاعد معنى جديدًا مَرضيًّا ومقنعًا، كيف؟ 1- عن طريق مواصلة اكتشاف المتقاعدين والمتقاعدات لأنفسهم بعد التقاعد بطرق علمية ومنهجية، فمثلهم كوردة تأبى الذبول، بل تتفتق أكمامها، وتتفتح عن مزيد من الجمال والشذا. 2- العمل الجاد على إعادة تعريف ذواتهم عمليًّا، من خلال تفعيل قنوات جديدة من العمل والعطاء الأصيل، الذي يوافق شخصياتهم ومواهبهم الفطرية والمكتسبة، ويترفع عن مزالق التقليد الأعمى. 3- تحقيق التوازن في حياتنا بإعطاء كلِّ جانبٍ حقَّه، متأسين بنصيحة الصحابي الجليل سلمان الفارسي - الذي صدقها رسولنا صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ"؛ رواه البخاري، وعدم تغليب جانب من حياتنا على حساب إغفال وتجفيف جوانب أخرى مهمة. نذكر في هذا السياق ما في العطاء المخلص لله سبحانه وتعالى، وإشغال النفس في نفع الخلق من أجر وراحة وبركة في العمر. فما بالكم بالعطاء إذا كان مع كونه خالصًا لله ونافعًا أصيلًا، وينطلق من دواخلنا ومواهبنا الدفينة، وإبداعنا الشخصي الفريد؟ إن هذا النوع من العطاء يعني شيئًا أكبرَ وأعظم بكثير، وأننا نعمل ما نحب حقًّا، ونقضي أعمارنا فيما نرغب ونهوى، فهو ليس أجرًا وبركة وراحةً فقط؛ بل هو - فوق كل ذلك - سعادة ماتعة وغامرة ومحررة، نعلو بها على ألم هذه النقلة، بل كثير من آلام الحياة، لعلنا ننسى أو ننشغل في رياضها الوارفة عن آلامنا كلِّها بعون الله تعالى وتوفيقه ورضاه.
حسن الظن بالناس
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
04-03-2019
20,294
https://www.alukah.net//culture/0/133048/%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b3/
حسن الظن بالناس أوَّل حديث درسناه، في السنة الخامسة الابتدائية هو أوَّل أحاديث الأربعين النووية ، وهو ذلك الحديث الذي رواه أبو حفصٍ عمرُ بنُ الخطَّاب رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نَوى؛ فمَن كانت هِجرته إلى الله ورسوله فهجرتُه إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يَنكحها فهجرتُه إلى ما هاجر إليه)) [1] ، من خلال جعْلِ هذا الحديث الشريف منطلقًا لحياة الإنسان، فإنه يمضي في طريقه، لا سِيَّما إذا قصد في مشيه وجهَ الله تعالى، وهو سبحانه الذي سيحاسِب الإنسان في النِّهاية، وهو سبحانه وحده الذي يعلم النوايا. لا يحقُّ لامرئٍ من الناس أن يعبث في مقاصد الناس ويفسِّر أعمالهم بموجب تصوُّره هو عن مقاصدهم؛ لأنه يبني - حينئذ - نتيجةً على مقدَّمةٍ خاطئة، وترى بعض الناس يقفزون إلى النتائج، دون أنْ يعلموا النوايا، فيتَّهمون الآخرين الذين يمارسون عملًا من الأعمال، عامًّا كان أم خاصًّا، فينطلقون في حكمهم عليه من سوء الظنِّ، قبل أنْ يحسنوا الظنَّ بالمرء وبأفعاله، وما يكاد يظهر خبرٌ إلَّا ويبحثون من ورائه عن دوافعه المبنية - عندهم - على سوء الظنِّ. الأصل عند الإنسان أنَّ الناس جميعًا تسير على حسن الظن بالآخرين، وأنَّنا نحسن الظنَّ بالناس وبأعمالهم - أقوالًا وأفعالًا - ذلك إلى الحدِّ الذي لا يجعل منَّا سُذَّجًا، بحجَّة تغليب حسن الظن؛ لأنَّنا مُطالبون - كذلك - بأنْ يكون كلُّ واحد منَّا كيِّسًا فطِنًا، وأنْ يجمع بين الأمرين. لدينا أناس نقول عنهم: إنَّهم على نيَّاتهم، وأظن أنَّ هؤلاء من أسعد الناس؛ ذلك أنَّهم لا يلجؤون إلى تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، على أنَّ لدينا أُناسًا ليسوا على نيَّاتهم، بل إنَّهم يلجؤون إلى تأويلاتٍ وتحليلات وتفسيرات، ما أنزل الله بها من سلطان، لا سِيَّما إذا كانوا قد أساؤوا الظنَّ في الشَّخص، فتراهم يرون أنَّ كلَّ ما يقوم به باطل، ولو كان حقًّا، ويرجِعون هذا كله إلى قدراتهم - زعموا - على الغوص في الأحداث، لا النظر في ظاهرها، وهذا عند هؤلاء مؤشِّرٌ للحصافة والفطنة! وهو - عند غيرهم - ضرب من ضروب العبث بالمقاصد. يتحمَّل هؤلاء وزرًا عظيمًا، هم في غنًى عنه، لو أراحوا أنفسَهم، وأراحوا غيرَهم من هذا العناء المتعب لنفسيَّاتهم، على أنَّ هذا - في الوقت نفسه - إنَّما ينزِع منهم حسنات، ويكسبهم سيئات، ويكسب من أساؤوا الظنَّ فيهم كثيرًا من الحسنات، وقد يصل الأمر أنْ يؤخذ من سيئات من أُسيءَ الظن بهم، فتُطرح على أولئك الذين أساؤوا الظنَّ بهم، مع أنَّ هذه الفئة قد أحالَت كثيرًا من حسناتها لغيرها. ما دام الأمر كذلك فما الذي يمنعنا من أنْ نريح غيرنا، ونرتاح نحن، ونغلِّب في الوقت نفسه حسنَ الظنِّ في الناس، وننظر إلى أعمالهم على أنَّها صادرة بحسن نيَّة، وإنْ جانبَت الصواب؛ فالكلُّ يخطئ ويصيب، والخطأ والصواب ليس مؤشِّرًا على النيَّة، حسنةً كانت أم سيِّئة. لعلَّ في هذه الوقفة ردًّا مباشرًا على أناس غلَّبوا سوء الظن، وصدروا عن سوء نيَّة، دون الإفصاح المباشر بأيِّ سلوك أو تصرُّف، وإنَّما هي مواقف يواجهها العاملون أعمالًا عامَّة، أو خاصَّة، وقد يلجأ بعضُ الناس إلى الدخول في مقاصد الآخرين، التي لا يعلمها إلا الله تعالى، ثم صاحبُها الذي قد يفصح عنها، وربَّما لا يفصح عنها، فكذب على غيره، وأظهر أنَّه يقصد غير القصد الذي قام بالفعل من أجله، وإنَّ المرء منا ليواجه فئة من الناس أحبَّت الدخول في المقاصد، وقام تفكيرُها على النظرة السوداوية للآخرين، وأضحى هذا مرضًا نفسيًّا، يعاقَب عليه صاحبه؛ لأنه يملك التخلُّص منه. ليس من الحكمة الإفصاح عن بعض الحالات التي نواجهها، ويسعى أصحابها إلى أنْ يمْلوا علينا سوءَ ظنِّهم بالآخرين، ويحذِّرونا من التعامُل معهم، بحجَّة أنَّ نواياهم خبيثة، فإذا بحثتَ في هذا الأمر وتحقَّقت منه، وجدت أنَّ هذا المريض إنَّما يبطن شرًّا لصاحبه، فأراد الوقيعةَ بينك وبينه، أو أنَّه يبطن الشرَّ لك أنت، فلا يريد أنْ يُبقي لك زميلًا أو صاحبًا، أو أنَّه قد وصل من الناس إلى درجة اليأس والقنوط، بسبب مروره بحالات فرديَّة، وصل فيها إلى التعميم على كلِّ الناس. مهما حاولتَ تغيير هذا النَّمط من السلوك فإنَّك تواجَه باتِّهامك أنت بالسَّذاجة، وعدم الإحاطة بأحوال الناس وعاداتهم السيِّئة، فأحالت هذه الفئةُ من سيِّئي الظن الجوَّ الذي تعيش فيه إلى غابة من الصِّراع على حُطام الدنيا، رغبة في الانتصار أو الحصول على الحظوة، أو أيِّ منفعة لا تلبثُ أنْ تزول. لست - هنا - أعمِّم هذا السلوك، فأقع فيما أحذِّر منه هنا؛ فإن هناك أشخاصًا مستقيمين في تفكيرهم، واقعيِّين في نظرتهم للآخرين، عمليِّين في تعامُلهم مع من حولهم - يزِنون الناسَ بميزانٍ واحد غير متقلِّب، آتاهم الله الحكمةَ في النظر إلى الأمور، وهم ناصحون إذا استُنصِحوا، مشيرون إذا استُشِيروا، مبادرون إذا استُجيب لهم، ينتقدون الأفعالَ الظاهرة، ولا يدخلون في النوايا، يقوِّمون الأداء، ولا عليهم من المقاصد، هؤلاء حكماء مُطِّلعون ممارسون، فيهم تقوًى، وعليهم سيماء الخوف من الله تعالى أنْ يصيبوا قومًا بجهالة فيصبحوا على ما فعلوا نادمين؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]. الذي لا شك فيه - هنا - أنَّ المقياس في هذا كله هو الإيمان بالله تعالى؛ فكلَّما قوي الإيمانُ بالله ضعُف سوء الظن بعباده، وبالتالي ارتاح الناس، وأراحوا غيرَهم مِن تتبُّع مقاصدهم، وبناء أفعالهم على سوء الظن، مهما كانت قريبةً من الصواب، وإذا ضعُف الإيمان بالله تعالى كان للشيطان نصيبٌ وافِر من الإنسان في تصدِّيه لأخيه الإنسان، وفي إيجاد بيئة مريضة، قائمة على الشحناء والبغضاء. مهما اتَّهم الناسُ الشخصَ المتَّسمَ بحسن الظن، أو تغليب حسن النوايا، وعدم الولوج في المقاصد، مهما اتَّهموه بـ" السذاجة "، و" الطيبة "، و" الحبابة "، و" بياض القلب "؛ فإنه هو المرتاح أوَّلًا، وهو الـمُريح لغيره ثانيًا، ينام قريرَ العين، ويصحو وقد شبع نومًا هادئًا، يبدأ يومَه بتفاؤل وإقبال، وينهيه بحمد الله والثناء عليه، على أنْ يسَّر له حسن التعامُل مع الآخرين، هذا التعامُل المبني على أنَّ الأصل فيهم جميعًا حسن المقاصد، دون أنْ يؤتى من قِبَلِه، بسبب الإفراط في هذا المنحى. نحن مُطالبون - دائمًا - في نظرتنا للأشياء، أنْ نكون وسطًا، دون إفراط ولا تفريط [2] . [1] الحديث رواه البخاري في كتاب بدء الوحي، باب الوحي، حديث رقم: 1، ورواه مسلم بلفظ ((بالنية))، في كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنية))، حديث رقم: (3530). [2] انظر: الإنسان والقيم في التصوُّر الإسلامي - القاهرة: دار الرشاد، 2004م - 270 ص؛ (سلسلة مكتبة الأسرة، الأعمال الدينية؛ 10).
العاقل من يسلك سبيل الاقتصاد
د. زيد بن محمد الرماني
04-03-2019
7,813
https://www.alukah.net//culture/0/133045/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%82%d9%84-%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%b3%d9%84%d9%83-%d8%b3%d8%a8%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af/
العاقل من يسلك سبيل الاقتصاد الاقتصادُ هو فضيلةٌ بين نقيصتَينِ، وهو الحدُّ بين الإسراف وبين التقتير أو البُخْل أو الشُّحِّ؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]. الفضيلة أمرٌ محبوبٌ يريده كلُّ إنسان؛ ولكنَّ كثيرًا من الناس ضلَّ الطريق الموصل إليها، فهم يلتمسونها على غير هُدًى، فمنهم مَنْ يظنُّ أنها في المبالغة في الأمر، ومنهم مَنْ يظنُّ أنها في التهاوُن فيه، فهم على طرفي نقيض و"كلا طرفي قصد الأمور ذميم"، وقليلٌ مَنْ يسلك قصد السبيل، ويلتمسها في أوسط الأمور، وقد قيل: "حُبُّ التناهي غلطٌ، خيرُ الأمور الوَسَط"، والوسط هو الاقتصاد؛ لأنه يحمل المرء على ألَّا يُضيِّق على نفسه، ولا على عياله، ولا على أُمَّتِه التي يكسب من خَيْرِها، ويجني من ثمرات أعمالها، ويُحْسِن إليه أن لا ينفق أمواله فيما لا فائدة حقيقية فيه، تعود إليه وعلى أُمَّتِه. يقول الشيخ الأديب مصطفى الغلاييني في كتابه ( أريج الزهر) : العاقل مَنْ يسلك سبيل الاقتصاد، وينظر إلى أمواله نَظَرَ المستغني عنها المحتاج إليها، فإن فعل ذلك كان سعيدًا في ماله، وعاش عيش الأغنياء. إن الاقتصاد هو تدبيرٌ من شخص يقصد به زيادة ثروته، ليتمكَّن من أن يعيش عيشةً راضيةً، وليدفع بذلك عن نفسه، وعن أسرته غائلة الفقر والحاجة، في الحال والاستقبال، بشرط أن ينفق أقلَّ مما يكسب، ثم يعمد إلى الباقي، فيجعله بحيث يأمن عليه، ولا فرق بين أن يكون الشيء الذي اكتسبه قليلًا أو كثيرًا، فإن القليل يكثُر متى ضُمَّ إليه قليلٌ مثلُه، حتى يتألَّف منه مع الثبات على اقتصاده ثروة عظيمة يستعين بها المقتصد على نوائب وحادثات الزمان. فإن المرء لا يدري ما يأتيه به المستقبل؛ لأنه يجهل الغيب، فالزمان أبو العجائب، وصروف الأيام أمُّها، وحالة المرء بينهما، يدفعها الأول فتتلقَّاها الثانية، فتبقى حاملًا بها إلى أن تتمخَّض، ثم هو لا يعرف ماذا تلد له، فإن كان المرء عاقلًا، فإنه يتقي صروف الدهر بما يحتفظ به من المال ليدفع عنه عواديها. إن كثيرًا من الناس استغنوا بعد الفقر حتى صاروا من كبار الأغنياء، وما سبب غناهم إلا الاقتصاد في المعيشة، فقد كانوا يقتصدون جزءًا قليلًا مما يكسبون، وبعد مدة توفَّر لديهم مالٌ كافٍ، فتاجروا به وربحوا، وصاروا من أعاظم الأغنياء، ومن هؤلاء جمهور عظيم من المثرين في أمريكا وأوروبا، وفي بلادنا منهم أيضًا قسم ليس بالقليل. غير أن كثيرًا من الشبَّان عندنا لا يلتفتون إلى هذا الأمر المهم! فهم ينفقون كل ما يكسبونه، ولا يدَّخِرون للأيام القابلة شيئًا، ومن الغريب الذي يبكي العاقل أنهم ينفقون تلك الأموال على ما يجلب لهم الأمراض وسوء السمعة في الحياة الدنيا، ويُسبِّب لهم المقت في الدار الآخرة. وجدير بالذكر القول إن للاقتصاد ونماء الثروة طرقًا كثيرةً، أهمها ألَّا ينفق على شيء إلا بِقَدْر ما ينتفع منه، وألَّا يقتني من المأكل والملبس إلا ما يلزمه، وأن يعيش عيشة أمثاله، وحسب المكان الذي هو فيه، وأن ينفق أقل مما يكسب، وأن يبتعد عن الاستدانة بقدر الإمكان، فإن كان لا بدَّ من ذلك، فعليه أن يبذل الجهد؛ لإيفاء الدين في موعده.
هل تنصحني بالتقاعد عن العمل؟
هشام محمد سعيد قربان
28-02-2019
8,611
https://www.alukah.net//culture/0/132990/%d9%87%d9%84-%d8%aa%d9%86%d8%b5%d8%ad%d9%86%d9%8a-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84%d8%9f/
هل تنصحني بالتقاعد عن العمل؟ هل تنصحني بالتقاعد عن العمل؟ هذا سؤال كثيرًا ما يُوجِّهه الذين لم يزالوا مستمرِّين في عملهم النظامي، ولم يتقاعدوا، ويُفاجئون به أصدقاءهم ومعارفَهم وبعضَ مَنْ يلقونهم من الذين أنهوا عملَهم النظاميَّ، وأُحيلُوا على نظام التقاعُد. يطلُّ علينا هذا السؤال مِرارًا في لقاءاتنا ومنتدياتنا المختلفة، وينطلق عادة من دوافع نفسية ومستويات متفاوتة بين الجدية والهزل، والالتزام والعفوية، والفائدة والهذر، وكما يطرح في سياقات اجتماعية وثقافية وإعلامية مختلفة؛ لذلك نُقرِّر ابتداءً أن مبحثنا في هذا المقام جادٌّ ومنهجيٌّ وعلميٌّ ومنضبطٌ بتعاليم الإسلام، ومعنيٌّ بالنَّفْعِ في الدارين، هذا يعني أننا غير معنيين بهذا السؤال إذا كان نمطه أو سياقه حديثًا عامًّا، أو نقاشًا غير متخصِّص، أو نُصْحًا عامًّا وغير فاحصٍ ولا مُتمهِّلٍ، أو مجاملة شخصية، أو مقالًا حالِمًا غير منضبط بالمنهجية العلمية، ولا ملتزم بالجدية المقرونة بأمانة القول، وصدق التوجُّه، وصحَّة المسلك من المتحدِّث أو الكاتب أو العالم والسامع أو المتلقِّي أو المتعلِّم. فلا بد أن نتروَّى طويلًا قبل الجواب عن السؤال المعروض في عنوان مقالنا: هل تنصحني بالتقاعُد عن العمل؟ ومرجع هذا التروِّي معرفتنا - في أنفسنا - وتذكيرنا لغيرنا بعِظَمِ معنى النصيحة، وكونها أمانةً ثقيلةً وواجبة الأداء في ديننا؛ فالنصيحة عبادةٌ عظيمةٌ مثلها؛ كأركان الإسلام العِظام؛ مثل: الصلاة، والزكاة، وما كنت أحسبني في هذا المقال مُضطرًّا للحديث المفصَّل عن عظم النصيحة في ديننا؛ ولكن دفعني إليه دفعًا صِنْفٌ شائعٌ وغير موفَّق من المقالات الحالمة المتعجلة والمغالطة وغير العلمية التي تدعو الناس كافة بلا تمييز، وتنصحهم نُصْحًا غير مخلص- بلا علم ولا برهان ولا مراعاة للفروق بين البشر- إلى التعجيل ِفي التقاعُد عن العمل! ألا فليتَّقِ الله العظيم الجليل الناصحُ في نصيحته، ومَنْ ينصحهم، فليس كل ناصح بمأجورٍ، فشروط النُّصْح المأجور الإخلاص والفهم والعلم والحكمة، ومَنْ نصح مستهينًا وغير مُبالٍ ولا مستوفٍ لشروط النُّصْح، فهو إلى الوِزْر والإثم أقرب منه إلى الأجر والمثوبة، فالعلم في شريعتنا السمحة مقدَّم على القول والعمل! لقد ورد في الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة: ((الدين النصيحة))؛ رواه مسلم، ((حقُّ المسلم على المسلم ستٌّ .... وإذا استنصحك فانصح له...))؛ رواه مسلم، "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"؛ رواه البخاري ومسلم. نقل شارح صحيح البخاري في عمدة القاري: الإمام بدر الدين العيني الحنفي (من أعلام القرن التاسع الهجري والمعاصر للإمام ابن حجر العسقلاني) عن الخطابي في شرح هذا الحديث: "جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة للمسلمين شرطًا في الذي يُبايِع عليه؛ كالصلاة، والزكاة؛ فلذلك تراه قرنها بهما". أما أصل النصيحة في اللغة: الخُلوص كما ذُكرَ في موسوعة الأخلاق، الصادرة من موقع الدرر السنية، فيُقالُ: نَصَحَ الشيء أو العسلُ؛ أي: خَلصَ من الشوائب وصفا، والنُّصْحُ نقيضُ الغِشِّ، ونُقِل عن الجرجاني: "النصيحةُ: هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عمَّا فيه الفساد". كما نبني جوابنا للسائل المستنصح على أُسس قويَّة من فهم الحقائق الكونية القدرية والعلمية والنفسية المثبتة، ومن هذه الحقائق التي تُمهِّد وتُؤسِّس لجواب منهجي لمبحثنا: 1) أن البشر في كل زمان ومكان مختلفون في الخَلْق والخُلُقِ والقُدْرات والطاقات والقابليات، ولا نُبالغ إن قلنا جازمين أن كلَّ إنسان منا نسخةٌ فريدةٌ وتجربة لا نظير لها فكرًا وطباعًا ومشاعرَ ومسلكًا وتكيُّفًا ونتائجَ. الجانب الأول من الإجابة: تضيء هذه الحقيقة أول جانب من إجابة سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعُد عن العمل؟ فاختلاف الناس المشهود والمتفق عليه في الحياة يعني: تفاوتهم في التجارب الحياتية، واختلاف ردود أفعالهم وأنماط تكيُّفهم مع نفس الحَدَث وذات المؤثِّر. يعني ما سبق ذكره تحديدًا في سياق مبحثنا: أن التقاعُد عن العمل النظامي تجربة حياتية ذات طابع شخصي فردي؛ ولذا تتفاوت أبعاد تجربة التقاعُد بين البشر منظورًا وتجربة ومعاناة وتكيُّفًا ونتائجَ ونجاحًا أو فشلًا، وهذا يعني أن تجربة من يُوجَّهُ إليه هذا السؤال مع التقاعُد شخصية وفريدة، وخاصة به، ولا تنسحب على غيره من السائلين والمهتمين، والسبب واضح وبيِّن: فشخصية السائل المستَنصِح وفكره ومشاعره وقدراته وطاقاته وماليته وسابق خبرته وحاله ومسؤولياته تختلف تمامًا ومن أوجه عديدة عن شخصية المسؤول الناصح. إن نُصْحَ المسؤولِ عن التقاعُد لا يفيد السائلَ فائدةً حقيقيةً ومنهجيةً إذا انطلق فقط من منظور وسياق تجربته الخاصة والفريدة، ولم يراع الناصحُ الفروقَ العديدةَ بين شخصه وشخص السائل المختلف عنه؛ لذلك نُحذِّر الأفاضل من المتحدِّثين والكُتَّاب من خطر الجواب والنُّصْح المتسرِّع لهذا السائل دعوة للتقاعُد عن العمل أو تنفيرًا منه منطلقين من المنظور المحدود والضيق لتجربتهم الخاصة مع التقاعُد، ويكمن الخطأ والخطر في هذا المسلك المحذور في مخالفته أهم شروط صحة النصيحة وأمانة الناصح؛ وهو ملاءمة النصيحة وموافقتها لشخص المنصوح وقدراته وطاقاته ومشاعره وحدود تجربته وحاله ومسؤولياته وقدرته على الفهم والتكيُّف. دعونا نترجم فهمنا لما سبق شرحه عمليًّا بتنبيه السائل وإخباره في وضوح أن تجربتنا مع التقاعُد شخصية وفردية، وأن تجارب البشر مع التقاعد متفاوتة ومختلفة، وأن تجربتنا الخاصة بنا لا تنسحب على حاله أبدًا؛ لأنه مختلف عنا من جوانب كثيرة، وإذا كان السائل صديقًا أو قريبًا، ولدينا معرفة علمية عميقة وممنهجة عن شخصيته وقدراته وقابليته وقدرته على التكيُّف، فلعلنا - تحت هذه الشروط فقط - ننتقي دروسًا ونصائحَ من تجربتنا مع التقاعُد ونُكيِّفها، وبعد ذلك نُسقِطُها لتُناسِب شخصية المنصوح وقدراته وحاله. تنقض وتنسف هذه الإجابة الدقيقة - مع بساطتها - الكثير من المقالات المهيِّجة للمشاعر والمشحونة بالنصح العام والمتعجل، أو تلك الحالمة واللا منهجية التي تدعو الناس كافة للتقاعُد بلا ضوابطٍ أو شروطٍ؛ لأنها - كما يزعمون ويتوهمون بلا دليل أو بينة – الغنيمة الباردة لكل متقاعد ومتقاعدة، وغاية السعادة المضمونة لكل من يجربه، ومنتهى الآمال، والحرية الخالصة، والراحة الحقيقية! الجانب الثاني من الإجابة: ذكرنا في عجالة فيما سبق عرضه: 2) القدرة الشخصية على التكيُّف مع تقلُّبات الحياة وتغيُّراتها، وهذه كسابقتها حقيقة في حياتنا، نراها ونشهدها كل وقت وحين، وتضيء هذه الحقيقة جانبًا آخر يعين في إجابة سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعُد عن العمل؟ إن التقاعُد نقلة من مرحلة حياتية إلى مرحلة أخرى مختلفة تمامًا، ويتخلَّل هذه النقلة تغيُّرٌ كبيرٌ وقويٌّ ومفاجئ في صورتنا الذاتية يرجع إلى الغياب والانسحاب المفاجئ لجزء العمل من هذه الصورة، فصورتنا الذاتية ونظرتنا لذواتنا بعد التقاعُد تختلف جذريًّا اختلافًا كبيرًا ومفاجئًا عن صورتنا قبل التقاعُد، ويؤدي الاختلاف في الصورة الذاتية والفجوة التي تنتج على أثره بين صورتنا وبين توقُّعاتنا إلى تغيُّرٍ واضطراب في نظرتنا لأنفسنا وتوقُّعاتنا منها وتقييمها لها ورضانا عنها، وهنا يأتي الحديث عن قدرتنا الفردية على التكيُّف مع التغيُّر الكبير والمفاجئ في صورتنا الذاتية الناتج من غياب جزء كبير ومعتاد منها يتعلَّق بعملنا النظامي سنين طويلة وآثاره في معيشتنا ونظرتنا لأنفسنا وتوقُّعاتنا وأنماط حياتنا (راجع مقال المؤلف: أيها المتقاعد، هل اختلفت صورتك الذاتية بعد التقاعد عن العمل؟). هيا نترجم فهمنا لما سبق الحديث عنه عمليًّا في سياق إجابتنا للسائل، فنُنبِّه السائل أن تجربة المرء مع التقاعُد شخصية وفردية، ولا تنسحب على غيره مباشرة، ويرجع هذا الاختلاف بين الناس خصوصًا إلى تفاوُت قدراتهم الوهبية والمكتسبة على التكيُّف مع التقاعُد بوصفه تغيُّرًا حياتيًّا جديدًا ومفاجئًا، كما نُحذِّر السائل في نصيحتنا له أن تجربتنا الخاصة مع التقاعُد تختلف عن غيرنا، وتجربتنا تعتمد على أمرٍ خاصٍّ بنا؛ هو نمط ومدى قُدرتنا ومرونتنا الخاصة على التكيُّف الفاعل مع التقاعُد بوصفه تغيُّرًا حياتيًّا كبيرًا ومُؤثِّرًا في صورتنا الذاتية ونظرتنا لأنفسنا وتوقُّعاتنا من ذواتنا في مرحلة مختلفة تمامًا عمَّا سبق من مراحل حياتنا. الجانب الثالث من الإجابة: كما نفيد عمليًّا في بلورة وإضاءة جانب ثالث يعين على جواب السائل عن طريق استنباط فائدة أخرى من ثنايا حديثنا السابق عن: 3) موقف المتقاعد حيال تغيُّر صورته الذاتية والقدرة الشخصية على التكيُّف مع التغيُّرات. لذلك علينا أن نخبر السائل أن نصحنا له بالإقدام المبكر على التقاعُد أو تأخيره ليس مرتبطًا بتجربتنا الخاصة؛ ولكن نصحنا له مرتبط بقدرته هو - أي: السائل المستنصح نفسه - على التكيُّف ومدى مرونته ومنهجيته في التعامل مع النقص والاضطراب الذي يُحدثه التقاعُد في صورته الذاتية. نُقرِّر في هذه السياق أن نصحنا للسائل بالإقبال على التقاعُد أو تأخيره وما يتعلَّق بنجاحه أو فشله في هذه النقلة الحياتية المهمة مرهون بقدرته - هو وليس نحن - وعمله المنهجي والجاد على سدِّ وملْء الفجوة في صورته الذاتية التي أحدثها غياب جزء العمل النظامي نتيجة للتقاعُد. يعتمد نجاح النقلة من حياة العمل النظامي إلى حياة التقاعُد عن العمل على عدة مقومات من أهمها: عمل المتقاعد الممنهج والدؤوب على تخطيط وتنفيذ ومتابعة مشروع حياتي بديل وطويل وممرحل وأصيل وذي معنى مقنع، مشروع يعوض من خلاله المتقاعد ويسدُّ النقص والفجوة التي أحدثها غياب العمل النظامي عن صورته الذاتية، فلسانُ حالنا حين ننصح مَنْ يسألنا: إن نصحنا لك أيها السائل مرهون بقدرتك - أنت وليس نحن - على التكيُّف ومرونتك وإبداعك وعملك الجاد والمستمر على مشروع: 1- إعادة تشكيل صورتك الذاتية بعد التقاعُد عن العمل. 2- تعويض النقص في صورتك الذاتية الذي أحدثه غياب العمل النظامي. 3- إثراء صورتك الذاتية من خلال إعادة تعريفك لنفسك من خلال قنوات جديدة من العمل والعطاء للبشرية. 4- معرفتك المبكرة بضرورة وأهمية إعادة تشكيل صورتك الذاتية وإثرائها بهوية جديدة وعطاء ذي معنى يستعيد رضاك عن نفسك وحياتك بعد التقاعُد ويُعزِّزه. 5- وهذه المعرفة هي بمثابة نصيحة مشروطة تنطلق من شخصيتك - أنت أيها السائل - وتلائم قدراتك وتُحدِّد هدفك وتقوِّي رضاك عن ذاتك من خلال التجديد والعمل واستعادة معنى حياتك وإثرائه باستدامة العطاء. الجانب الرابع من الإجابة: هنالك حقيقة رابعة نستعين بها في إضاءة جانب آخر من سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعُد عن العمل؟ وهذه الحقيقة تنبثق من القاعدة التى تقول: 4) أن الحكم على الشيء فرع عن تصوُّره، فالحكم على التقاعُد تحديدًا - من لدن السائل وليس المسؤول - نتيجة لتصوُّر السائل وفهمه للتقاعُد. ونترجم عمليًّا هذه الحقيقة في الفكر والتصوُّر في سياق جوابنا للسائل تحديدًا، فنُخبره حين نصحنا له بوجود تصوُّرات ومفاهيم عدة في المجتمع عن التقاعُد وأثره في الحياة والمتقاعدين والمتقاعدات، وأن كثيرًا من هذه التصوُّرات الشائعة عن التقاعُد حالمة ومغالطة وغير صحيحة ولا منهجية، وبعضها يُسرِف في التشاؤم من التقاعُد والكثير منها - في المقابل - مسرف في التفاؤل المفرط، والثناء المبالغ في التقاعُد، والدعوة غير المنضبطة إليه، وأن صحَّة حكم السائل على التقاعُد مرهونة ومشروطة بصحة تصوُّره وفهمه هو له. فنُركِّز في نصيحتنا على أهمية تمييز السائل وتفريقه بين الغثِّ والسمين، والصحيح والخطأ من التصوُّرات الشائعة في مجتمعاتنا حول التقاعُد، وعدم الثقة في كل هذه التصوُّرات ثقة عمياء بلا نَقْدٍ وتمحيصٍ، وأهمية بناء السائل تصوُّرًا وفهمًا مستقلًّا صحيحًا وعلميًّا ومنهجيًّا عن التقاعُد؛ كأساس فكري وأرضية صُلْبة يبني عليها السائل بنفسه حكمًا صحيحًا ومُتَّزنًا على التقاعُد. فيا أيها المتقاعد، صحِّح تصوُّرك الخاصَّ وفهمك المستقلَّ للتقاعُد؛ لكي يصحَّ حكمُك عليه، ويصحَّ ما تبنيه على هذا الحكم من توجُّهات وقرارات حياتية مهمة وكبيرة، وفي هذا الجانب أحيل القارئ المهتم إلى بحثين سابقين لي هما: 1) هل أنت جاهز للتقاعُد عن العمل؟ 2) الدعوة إلى التقاعُد من منطلق النصح العام المتعجل والمنطلق العلمي المنهجي. ولعلَّه كذلك يجد المزيد مما يعينه في تصويب وتصحيح فهمه وتصوُّره الخاص والمستقل عن التقاعُد في عدة فصول من كتابي العلمي المنهجي الحديث: "دليل المتقاعد السعيد"، والمعروض في المكتبات الكبرى بالمملكة العربية السعودية. الجانب الخامس من الإجابة : هنالك حقيقة أخرى تضيء جانبًا من إجابة سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعد عن العمل؟ 5) وهي الاختلاف والتبايُن الكبير في المخصصات المالية التقاعُدية بين المتقاعدين الذي يرجع لدرجاتهم الوظيفية والعلمية ومكان وزمن الخدمة الوظيفية، ويقابل هذا التبايُن الشاسع بين المخصَّصات التقاعُدية للمتقاعدين اختلاف آخر في تفاصيل ومقدار التزاماتهم المالية الفردية والحياتية لأهليهم ووالديهم وأولادهم، فكيف لمتقاعد أن ينصح آخر بالتقاعُد، وهو غير عالم بمسؤوليات المنصوح ودخله والتزاماته المالية قبل وبعد التقاعد؟! ولا ننسى هنا أن المخصَّصات التقاعُدية المالية عادة ما تكون أقل بكثير من مُخصَّصات ورواتب وبدلات الموظفين قبل تقاعُدهم، وهذا سببٌ آخر - فوق ما أسلفنا - للتروِّي في إجابة سؤال مبحثنا. إن التفاوت المشهود في المخصَّصات التقاعُدية والتبايُن بين طبقات المتقاعدين من جهة الملاءة والالتزامات المالية الحياتية سببٌ قويٌّ يمنع انطباق وإسقاط تجربة المسؤول مع التقاعُد من الجوانب المالية مع تجربة السائل الذي تختلف أحواله المالية عن المسؤول، وهذا يذكر المسؤول بأهمية النظر إلى التزامات وملاءة السائل قبل نُصْحِه على الإقبال على التقاعُد أو تأخيره. إن على المسؤول - قبل إجابة السائل - أن يُنبِّهَه إلى إعادة حساب التزاماته المالية بعد التقاعُد حسابًا دقيقًا ومفصلًا على أساس المخصَّصات التقاعُدية التي تقلُّ كما ذكرنا عن مخصصات الموظفين قبل نهاية خدمتهم بالتقاعد، ولا يستوي في هذا الحساب المتقاعد الذي يملك داره مع المتقاعد الذي يدفع إيجارًا لدار لا يملكها، وكذلك لايستوي حال متقاعد كَبُر كلُّ أولاده واستقلُّوا في معيشتهم عنه مع متقاعد لديه أولاد صغار أو والدانِ مُسنَّان يعولهما، وهذا جانب مهمٌّ للإجابة عن سؤال مبحثنا، يدفع المسؤول للتروِّي في النُّصْح من الجوانب المالية، وإذا أراد أن ينصح السائل بخصوص الجوانب المالية للتقاعُد، فعليه أن يبني نُصْحَه وَفْق حسابات مالية تتعلَّق بالسائل - ولا تتعلَّق بالمسؤول - ومخصَّصاته التقاعُدية المتوقَّعة ومصادر دخله المساندة - إذا وجدت - والتزاماته المالية الخاصة وعدد أفراد أسرته وأعمارهم واحتياجاتهم وتكاليفهم المعيشية المختلفة. 6) جوانب أخرى مهمة في إجابة السؤال: سنجد لا محالة لو واصلنا مبحثنا جوانبَ عديدة جديدة ومختلفة ومهمة تُعيننا في إضاءة طريق إجابة السائل، وتُعزِّز استنتاجنا السابق الذي يُركِّز على كون التقاعُد تجربةً حياتيةً شخصيةً ذات طابع فردي خاص، وهذا مما يصعب انسحاب تجربة متقاعد على تجربة متقاعد آخر بحذافيرها ونتائجها، وهذه الجوانب - لو كشفنا عنها بعد مزيد من البحث - ستُعطينا مزيدًا من الأسباب المستضيئة بالنقل والعقل والأساليب العلمية المنهجية المجربة للتروِّي في إجابة سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعد عن العمل؟ دعونا نُلخِّص الجوانب التي ذكرنا آنفًا، وقرَّرْنا أنها تهمُّنا في إجابة السائل وسؤال مبحثنا الرئيسي: 1- اختلاف قدرات وأحوال الناس في أصل الخلق. 2- تبايُن تجارب الناس نتيجة لاختلاف قُدْراتهم. 3- تبايُن قدراتهم على التكيُّف وتعويض النَّقْص في صورتهم الذاتية وإثرائها. 4- تبايُن تصوُّراتهم وفهمهم عن التقاعُد وما ينتج عنه من أحكام وقرارات. 5- تبايُن طبقات المتقاعدين من جهة مخصَّصاتهم التقاعُدية والتزاماتهم الحياتية والمالية. 6- جوانب أخرى جديدة مهمة ومتعددة تُعين في إجابة سؤال مبحثنا. الخاتمة: الحاجة إلى الإفادة من منظور ومنطلق منهجي علمي مُتعدِّد وشمولي؛ لنبني أساسًا قويًّا لإجابة سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعُد عن العمل؟ أرجو أن نكون قد وُفِّقنا في مبحثنا هذا إلى التمهيد لاستنتاج مركزي يهمُّنا في إجابة سؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعُد عن العمل؟ ولعلنا نختم مبحثنا هذا بهذا الاستنتاج داعين القرَّاء للحكم عليه قبولًا أو رفضًا أو تعديلًا وتحسينًا، وهذا الاستنتاج في منظورنا يغيب عن الكثير في مجتمعاتنا العربية بالرغم من بساطته وبداهته، فالإجابة عن سؤال مبحثنا كما بينَّا وشرحنا أصعب ممَّا نتوقَّع وأكثر تشعُّبًا وتفرُّعًا، وهذا مما يُبرِز الحاجة إلى بلورة منظور ومنطلق وأسلوب منهجي علمي تعدُّدي شمولي يُعيننا في سبر جوانب عدَّة تتعلَّق بالجاهزية الشخصية الفردية لكل راغب وسائل عن التقاعُد. وفي هذا السياق أذكر سبق الغرب لعالمنا العربي في مجال تطوير امتحانات نفسية عديدة معيارية ذات مصداقية عالية في سبر وتحديد الجاهزية الفردية للتقاعُد، وإعانة المقبل على التقاعُد والمتقاعدين والمتقاعدات على النظر إلى ذواتهم وجاهزيتهم للتقاعُد من منظورات هذه الامتحانات النفسية المعيارية التي أثبتت مصداقيتها بالطرق العلمية المنهجية الحديثة، وهذا يجعل من لديهم معرفة وتدريب مُقنَّن ومعتمد في هذه الفحوصات الكاشفة الأفضل - منهجيًّا وعمليًّا ومهاريًّا - في تقديم مشورة علمية ممنهجة وشمولية للمقبلين على التقاعُد والمتقاعدين والمتقاعدات. إن الدعوة إلى الإفادة من أمثال هذه الامتحانات النفسية الكاشفة لجاهزية المرء للتقاعُد جزءٌ من مشروع كبير بدأتُه، وأرجو العون عليه وشهود بعض ثمرته، ويهدف هذا المشروع إلى العمل الوطني في القطاعين الخاص والحكومي على جوانب عدة للرقي بوعينا المجتمعي والمؤسسي حول التقاعد وحاجات المتقاعدين مفيدين من أفضل التجارب البشرية الناجحة لدى الذين سبقونا بمراحل في مجال الرقي بجانبي الوعي والممارسات المتعلِّقة بسؤال مبحثنا: هل تنصحني بالتقاعد عن العمل؟ إن الرقي بالوعي الجمعي حول التقاعُد سبيلٌ من سُبُل التمكين الإستراتيجي لمستقبل أفضل يساند المتقاعدين والمتقاعدات في بلادنا، فالواقع عمومًا هو ثمرة للوعي الجمعي، وإذا أردنا تحسين واقع المتقاعدين والمتقاعدات لدينا، فعلينا التمهيد لذلك بعمل شمولي متوازٍ يهدف إلى الرقي بالوعي المجتمعي والمؤسسي حول هذه القضية الوطنية المهمة وأبعادها وآثارها العديدة.
الكبد والمحافظة عليه
أ. د. علي فؤاد مخيمر
28-02-2019
9,415
https://www.alukah.net//culture/0/132984/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87/
الكبد والمحافظة عليه مع تقدُّم البحث العلمي في كل لحظة، نجد أن نعم الله وآياته لا تُعدُّ ولا تُحصى في أجسامنا، وهنا سنتحدث عن معجزة باهرة، عجز الطب والعلم الحديث أمامها، وعن تصنيع أجهزة تقوم مقامها، فالقلب نجد له آلة (القلب الصناعي)، والكلى كذلك، وغيرها من الأعضاء، ولكن الكبد يعتبر من الأعضاء الحيوية التي لا تستمرُّ الحياة بدونها، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش دون كبد أكثر من ثلاث ساعات، فالكبد يستطيع بناء نفسه، فلو أن جرَّاحًا استأصل أربعة أخماس الكبد، يقدر الكبد بقدرة الله تعالى على ترميم ذاته بنفسه، والكبد من أهم الغدد الرئيسية في جسم الإنسان؛ بل هو أكبر غدة في الجسم على الإطلاق؛ حيث يُشكِّل الكبد بوزنه 1,5 كجم في جسم الإنسان، فهذا الوزن يزيد أو ينقص تبعًا للسن أو نوع الغذاء الذي يتناوله الإنسان، فالكبد يشكل ثُمن وزن الجنين في بطن أمه، بمعنى أن أكبادنا تصغر بالنسبة لحجم أجسامنا عندما نولد، ولو استمر الكبد بنفس درجة نموه كما هو في الجنين، فإن هذا يعني وجود أورام سرطانية بالكبد، والإعجاز في هذه الجزئية هو أن هناك هرمونًا مسؤولًا عن إعطاء إشارات لخلايا الكبد بالتوقُّف عن النمو والانقسام بعد الولادة. مكان الكبد: يستقرُّ الكبد في الجزء الأيمن العلوي من تجويف البطن تحت الحجاب الحاجز خلف الأضلع، ويتكوَّن الكبد مِن فصَّين رئيسين هما الفصُّ الأيمن والفصُّ الأيسر، وآخرين صغيرين في أسفل الفص الأيمن، يمرُّ من الكبد 1,5 لتر من الدم كلَّ دقيقة بغرض استخلاص المواد الخام أو التنقية أو صناعة مواد خام للجسم، وهذا يعني أن الكبد في خلال حياة إنسان عمره 60 عامًا تقريبًا يكون قد قام بالتعامُل مع ستة وأربعين مليونًا ونصف مليون لتر من الدم. و يعدُّ الكبد مصنعًا كيميائيًّا لا يتوقَّف طوال 24 ساعة، طوال مدة حياة الإنسان، فهو يقوم بأعباء (الإنتاج والتخزين وإعادة التدوير والتوزيع) ، لأعداد ضخمة من المواد الغذائية اللازمة لصحة الإنسان. وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [فصلت: 53]. الكبد يُجدِّد نفسه: هناك حقيقة يجب أن نذكرها، وهي أن الكبد يستطيع أن يُعوِّض حتى 75% مما فقد منه إن وجد 25% منه، وهذه القدرة هي ما أعطت المجال أمام جراحة الكبد، ولولا هذه المقدرة الهائلة على إعادة البناء، لما أمكن عمل عملية جراحية واحدة في الكبد كإزالة ورم أو سرطان، أو إزالة جزء غير صالح، مثل ما يحدث بعد حوادث السيارات وغيرها، وللعلم يبلغ عدد خلايا الكبد نحو ثلاثمائة مليار خلية. أهم وظائف الكبد: من أهم وظائف الكبد إفراز نوع معين من السوائل، يُطلق عليه علميًّا اسم الصفراء، وترجع هذه التسمية في الواقع إلى صفات هذا الإفراز، فهو مرُّ المذاق من ناحية، وذو لون أصفر مائل إلى الخضرة، وتتدفَّق المرارة أو العصارة الصفراوية من الكبد إلى خارجه في قنوات خاصة ومحددة، يتمُّ إرسالها عبر القنوات المرارية إلى الجهاز الهضمي لهضم الطعام، وهي شبكة من الأنابيب بالغة التعقيد؛ حيث إنها تسير في اتجاه واحد فقط، على الرغم من أنها تأتي من اتجاهات متعددة ومختلفة دون تأثير للجاذبية أو لوضعية محددة، ثم إن هناك عواملَ تُحدِّد متى يتمُّ فتح الصمام الرئيسي للتصريف، ومتى يتمُّ غلقه لتعبئة خزَّان التخزين ( المرارة )، وعلمًا بأن التخزين يفتح فقط استجابة لنداء هضم الدهون في الاثني عشر وليس في أي مكان. والمرارة: عبارة عن كيس مستطيل في طول سبابة اليد تقريبًا، وله جدار عضلي رقيق، ويستقرُّ في وضعه الطبيعي في حفرة مناسبة على السطح السفلي للكبد، ولهذا الكيس قناةٌ خاصةٌ تتصل بالقناة الكبدية المشتركة كما ذكرنا، وينتج عن هذا التجمُّع قناة واحدة، وهي قناة الصفراء، وتلتحم في نهايتها مع القناة البنكرياسية لتفتحا معًا بفتحة واحدة في الاثني عشر. والصفراء: عبارة عن سائل قلوي مُعقَّد التركيب؛ إذ إنه يحتوي على أملاح وأنزيمات، يُساعد وجودها داخل الأمعاء على هضم المواد الدهنية، وعلى سهولة امتصاصها من جدران الأمعاء إلى الدورة الدموية، وكذلك تحتوي على أصباغ الصفراء التي تنتج عن تحلُّل مادة الهيموجلوبين داخل الكبد، وهذه الأصباغ تُعطي لون خضرة الصفراء، وينتج الكبد في اليوم الواحد (24 ساعة)، وهو ما يعادل لترًا واحدًا يوميًّا؛ أي: ملء كوبين أو ثلاثة، ولكن يختلف هذا الإنتاج بالزيادة أو النقصان تبعًا لنوع الطعام الذي يتناوله الإنسان. لقد أصبح من المعروف أن الطعام الغني بمحتوياته البروتينية أو الدهنية يدفع الكبد إلى إنتاج مزيدٍ من الصفراء، في حين يحدث العكس من ذلك عندما يكون الغذاء مقصورًا على المواد الكربوهيدراتية؛ إذ يتناقص إنتاج الكبد للصفراء في هذه الحالة، فسبحان الله، من الذي رتَّب ونظَّم، والإنسان يتناول طعامه اليومي في ثلاث وجبات غذائية عادة، وعند وصول كل وجبة غذائية إلى داخل القناة الهضمية، يبدأ تدفُّق الأنزيمات الهاضمة عليها من الغُدد اللعابية والمعدة والأمعاء والكبد والبنكرياس؛ حيث يقوم كلٌّ من هذه الأنزيمات بدوره المحدَّد في عملية الهضم؟! والمفهوم العام لهذه العملية التي تتمُّ على مراحل متتالية، هو تحويل المواد الغذائية المعقَّدة التي يتناولها الإنسان إلى موادَّ بسيطة التركيب نسبيًّا؛ حتى تتمكن من المرور خلال جدران الأمعاء الدقيقة إلى الدورة الدموية، وتُسمَّى هذه العملية بالامتصاص، أما ما تبقَّى من تلك الأغذية بعد إتمام عمليتي الهضم والامتصاص، فإنه يندفع إلى الأمعاء الغليظة، ومنها إلى خارج الجسم. نقص الإنتاج والإفراز: فإذا نقص هذا الإفراز عن المعدَّل الطبيعي، أو إذا حدث ما يمنع وصوله إلى الأمعاء الدقيقة بالقدر اللازم لأي سببٍ من الأسباب، نتج عن ذلك عسر الهضم، وعندما يبلغ نقص تدفُّق الصفراء إلى الأمعاء الدقيقة درجةً كبيرةً، تزداد الحالة سوءًا يومًا بعد يوم؛ إذ لا تُمتصُّ المواد الدهنية، بل تبقى داخل الأمعاء فترةً من الزمن، وهذا يجعلها عرضةً للتعفُّن وخروج الغازات في الأمعاء.. ويُصاب الإنسان بما يُسمَّى باليرقان "مرض الصفراء"، ويتلوَّن الجلد باللون الأصفر أو الأصفر المائل إلى الخضرة، وكذلك يتلوَّن بياض العينين؛ ذلك لأن الصفراء التي يتعذَّر وصولها إلى الأمعاء تُمتصُّ إلى داخل الأوعية الدموية، ثم تسير مع تيار الدم إلى مختلف الشعيرات الدموية الجلدية. معلومة تهمُّك: ♦ من الممكن استئصال كيس الصفراء من الجسم لأية أسباب يراها الأطباء ضروريةً، مثل: إصابته بالتهاب حاد، أو امتلائه بالحصوات المرارية دون أن يتأثَّر جسم الإنسان تبعًا لذلك، بل تستمرُّ عمليات الهضم بصورة طبيعية معتمدةً في استكمالها على ما ينتجه الكبد من الصفراء أولًا بأول. ♦ يقوم الكبد بالإضافة إلى إفراز الصفراء بعدة عمليات فسيولوجية مهمة في الجسم، ومنها الآتي: الحفاظ على بقاء نسبة السكر في الدم ثابتة: والمقصود بالسكر في هذا المجال هو سكر الجلوكوز، وهو أحد الأنواع الأحادية البسيطة الناتجة عن هضم المواد الكربوهيدراتية، ويمتص هذا السكر من الأمعاء الدقيقة، ويصل إلى تيار الدم، تحمله الأوعية الدموية إلى مختلف أعضاء الجسم؛ حيث يُستخدم جزءٌ منه في إنتاج الطاقة اللازمة لمختلف العمليات الحيوية، والجزء الباقي من السكر يُختزن داخل الكبد وعضلات الجسم بعد تحويله إلى مادة الجليكوجين ( النشا الحيواني ) بفعل بعض الأنزيمات الخاصة، ويُعدُّ الكبد الترمومتر الحساس لقياس نسبة السكر في الدم (تتراوح هذه النسبة بين 80 – 120 ملجم في كل مائة سنتيمتر مكعب من الدم)، فإذا نقصت كمية سكر الجلوكوز في الدم عن هذه النسبة، فسرعان ما يبدأ الكبد في تحويل الجليكوجين المختزن بداخله إلى سكر الجلوكوز، ويدفع به إلى تيار الدم؛ لتعويض هذا النقص ورفع نسبته إلى المعدل الطبيعي، من هنا نستطيع أن نقول أن الكبد له وظيفة التغيير، فيدخل السكر بنسبة عالية جدًّا، والكبد يخرجه بنسب مقدرة، فليس هذا فقط للسكر، ولكنه مع الدسم والنشويات، وكل المواد الداخلة للجسم. ويتمُّ هضم المواد البروتينية كاللحوم وغيرها داخل القناة الهضمية؛ حيث تتحوَّل في النهاية إلى أحماض أمينية، تُمتصُّ هذه الأحماض من الأمعاء الدقيقة إلى تيار الدم، يحملها هذا التيار إلى مختلف أعضاء الجسم، وتمتص هذه الأعضاء ما تحتاج إليه من تلك الأحماض لعمليات البناء والتجديد، وما يزيد منها عن احتياجات الجسم يقوم الكبد بتفتيته إلى مادة البولينا، وتمتص هذه المادة من الكبد إلى تيار الدم، وبعد ذلك تستخلص البولينا من تيار الدم بواسطة الكليتين؛ حيث يتم طرحها إلى خارج الجسم. تكوين المواد اللازمة لإنتاج الجلطة الدموية: إن الدم الذي يسير في جهازنا الدوري عبارة عن سائل البلازما، وبه الكرات الدموية الحمراء والبيضاء، وهذا الجهاز مغلق؛ فلا يتسرَّب منه الدم إلى خارج الجسم، ولكن قد يحدث في بعض الأحيان، وهناك تنظيم طبيعي في الجسم لتكوين ما يُعرف بالجلطة الدموية، وهي تعمل على سدِّ الفتحة التي يتدفَّق منها الدم، والكبد يقوم بإنتاج أنواع خاصة من البروتينات الضرورية لتكوين الجلطة الدموية. تخزين الفيتامينات: يقوم الكبد بتخزين عدة أنواع مهمة من الفيتامينات، وخصوصًا فيتامين (أ، (ب، ج،)، ويستمدُّ جسم الإنسان احتياجاته من تلك الفيتامينات المختزنة داخل الكبد عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، ومن الملاحظ أن إصابة الكبد ببعض الأمراض تكون مصحوبةً في معظم الأحوال بأعراض نقص الفيتامينات. تخزين الحديد: عندما ينتهي العمر الافتراضي لكرات الدم الحمراء يقوم الطِّحال بتفتيتها، وينتج عن تلك العملية خروج كمية كبيرة من الحديد الموجود في مادة الهيموجولبين - ( وهي المادة الحمراء التي تُعطي للدم لونه المعروف ) - وعند وصول الدم من الطحال حاملًا معه هذا الحديد، يمتصُّه الكبد من الدم ويحتفظ به؛ كي يستطيع الجسم بعد ذلك استخدامه في إنتاج هيموجلوبين جديد وكرات دموية حمراء جديدة، وبذلك يقدِّم الكبد إلى الجسم المادة الأساسية لهذا الإنتاج. إزالة السموم: يقوم الكبد بإبطال سُميَّة كثير من المواد والمخلَّفات الكيميائية الناتجة عن هضم الطعام، حتى الداخلة إلى الجسم عن غير طريق الطعام مثل التي تدخل عن طريق الهواء الملوَّث أو السُّميَّات الدخيلة عبر الجلد أو الفم أو التدخين، ويقوم الكبد بإبطال مفعول هذه السميات عن طريق تحويل شكلها الكيميائي؛ وبالتالي يُحوِّلها إلى مواد أقل ضررًا أو حتى مواد نافعة، ولكي يقوم بهذه العملية فقد يحتاج إلى أكثر من مائة خطوة كيميائية تحتاج لأكثر مِن 50,000 أنزيم يقوم الكبد بهذه العملية المعقدة تقريبًا يوميًّا. الكبد يتعامل مع التوتر العصبي: إن الضغط النفسي يُولِّد أحيانًا سُميَّات يضطر الكبد للتعامل معها، فعندما يكون الإنسان متوترًا أو هناك مؤثِّر نفسي أو عاطفي أو إرهاق، فإن هناك هرمونات يتمُّ إفرازها بكمية أكثر من المعدل الطبيعي، فمثلًا السهر المتواصل يجعل الجسم مضطرًّا لإفراز كميات كبيرة من هرمون الأدرينالين مع وجود ضغط نفسي. فهذه المدينة الصناعية الكيميائية تقوم بإنتاج 50,000 أنزيم لازم لعمليات حيوية للهضم تُكرِّر ملايين اللترات من الدماء التي تختزن، وتصنع المواد اللازمة للطاقة، وتبطل مفعول السميات، فالمدينة الصناعية داخل جسدك تقوم بتصنيع مضادات للفيروسات والبكتيريا، وتقوم بضبط جرعة دواء حسب الكمية التي تحتاج إليها، ثم تتخلَّص من الباقي، وعندما يبلغ الإنسان يكون محتاجًا إلى هرمون البلوغ ( سواء للذكورة أو الأنوثة )، فإن هذه المدينة تكون جاهزةً لتزويدك بالمواد الخام لصناعة الهرمون الذي يتحكَّم في نبرة صوتك وتوزيع شعر جسمك، وتوزيع الدهن في مناطق جسمك المختلفة، وكذلك عندما تكون صائمًا في رمضان أو لا تستطيع أن تجد أكلًا، تقوم عمليات جسمك الحيوية بجميع وظائفها، وبإتقانٍ تامٍّ، ويرجع ذلك إلى مخزون المدينة العجيبة من الوقود المسمَّى بالجيلاتوجين الذي يتمُّ تخزينه للطوارئ، وعدم توفير الجلوكوز، وهو الوقود الوحيد للجسم، وسبحان الله! في الكبد هناك خاصية لافتة للنظر سمَّاها العلماء خاصية التحويل، فباستطاعة الكبد أن يحوِّل السكر إلى بروتين، والبروتين إلى سكر، والسكر إلى دسم، والدسم إلى سكر، فهذا التحويل خاصية خطيرة من خواص الكبد، وكذلك وظيفة التخزين والتحويل والتغيير والتكوين والتخليط والإفراز، هذه بعض وظائف الكبد، وكل خلية من خلايا الكبد تفعل كل هذه الوظائف وحدها بصمت دون ضجيج، ويقوم الكبد بوظائف كثيرة جدًّا، قال بعض العلماء: إن له 500 وظيفة، وقال بعضهم: 700، وقال بعضهم: بل آلاف الوظائف. فهناك الكثير والكثير جدًّا، وما سبق فقط أمثلة عما يحدث بداخل هذه المدينة الفاضلة المعجزة. المحافظة على الكبد: وللمحافظة على هذه النعمة الإلهية لا بد من اتباع الآتي: 1- عدم شرب الخمور. 2- عدم التدخين. 3- عدم الإفراط في تناول الأطعمة غير المفيدة.. 4- عدم التعرُّض للتوتُّر العصبي والسهر. 5- توزيع العناصر الغذائية في الوجبات، وعدم التركيز على عناصر معينة كالسكريات والدهون والبروتينات، وعدم تناول الطعام قبل النوم مباشرة. 6- عدم أخذ الأدوية وخصوصًا المضادات الحيوية بدون تعليمات من الطبيب. 7- عدم استخدام أدوات المصابين بفيروس C وغيره. 8- عدم الاستحمام بالتّرَع؛ حتى نتفادى الإصابة بالبلهارسيا وغيرها. وصدق رب العزة إذ يقول: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18]، فنعمة الكبد ذاتها مصدر لآلاف النعم، فسبحان الله العظيم! أثر التدخين والكحول على الجهاز الهضمي والكبد: يتأثَّر جهاز الهضم بتناول الكحول، وتعاطي التدخين بشكل بالغ ومباشر، فهما يسبِّبان أمراضًا عديدةً تبدأ في المريء، وتزداد في المعدة ويتأثَّر بها القولون، ويتشمع منها الكبد؛ أي: يتوقَّف عن وظائفه العظيمة التي ذُكِرتْ، وقد لوحِظ أن المدخنين مُعرَّضون كثيرًا للإصابة بالتهاب غشاء المعدة وبالقرحات المعدية والاثنا عشرية، ويزداد الأمر سوءًا عند ماضغي التبغ، وشاربي الخمور، ويؤثِّر التدخين والخمور على وظائف الغدد المفرزة للأنزيمات الهاضمة، فيَضطرب عملُها وتأثيرُها كما تضطرب الوظيفة الحركية للمعدة والأمعاء؛ مما يساعد كثيرًا على إصابة المدخنين بحالات نقص في الشهية كالطعام وعسر الهضم أو الإسهال أو الإمساك، ويُؤثِّر التدخين على الغدد اللعابية؛ فيُصبح اللعاب أكثر كمية، وأكثر قلوية، ويُقلِّل نسبة الأنظمة الهاضمة للنشويات. تأثير الكحول على الجهاز الهضمي بالغ الحدة والخطورة؛ لأن امتصاص القسم الأكبر منه يقع في المعدة والأمعاء، ويدخل الدوران الدموي بعد خمس دقائق من تناوله؛ مما يؤدي إلى اضطرابات بالجهاز الهضمي بأكمله، وارتفاع نسبة الشحوم الثلاثية؛ مما يؤدي إلى تشحُّم الكبد، ثم التضخُّم، وهناك ما يُسمَّى بالتهاب كبدي كحولي، يؤثِّر في الكبد حتى يتشمع، وتظهر الأورام والسرطانات الكبدية، والكحول يؤدي إلى عدم انتظام كيميائية الجسم البشري؛ مما يؤدي إلى اضطرابات في جميع الأجهزة... أثر التدخين على الكبد: كلنا يعلم أن وجود الكبد وسلامته أمرٌ ضروريٌّ لاستمرار حياة الإنسان كما ذكرنا سابقًا، ولَمَّا كان النيكوتين الناتج عن تدخين التبغ موجودًا باستمرار في دم المدخن، وهو من المواد شديدة السُّمية على جسم الإنسان، فإن الكبد يقوم بتحطيمه، وبطرح جزء منه في عملية دائمة لا تتوقف ما دام المدخن يدخن، وبذلك تتعامل خلايا الكبد لسنين طويلة مع هذا السم، وتبقى على تماسٍّ مباشر معه، بحيث يؤدي الأمر في نهايته إلى إصابة الكبد بأمراض عديدة، أهمها: ضمور الكبد وتليُّفه، وإصابته بأمراض السرطانات؛ مما يؤدي إلى تدمير الجسم كله، ويُهدِّد حياته بالخطر، ويزداد الأمر سوءًا لدرجة كبيرة عندما يكون المدخن من شاربي الخمر.
المسلم والرقابة الذاتية
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
27-02-2019
10,406
https://www.alukah.net//culture/0/132964/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/
المسلم والرقابة الذاتية في الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية، يصحب عبدُالله ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما النبيَّ محمَّد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم على دابَّة، ونِعْمَت الصُّحبةُ، فيستخدم المصطفى عليه الصلاة والسلام هذه الرفقة ليعطي الفتى ابنَ عباس بعض الإشارات المهمَّة، التي لم تكن خاصَّة بالفتى ابن عبَّاس، ولكنَّ المعنيَّ بها الأمَّة كلُّها، تأخذ ذلك من الرسول المربِّي صلى الله عليه وسلم من خلال الرواة الذين نقلوا عنه، بأمانة متناهية، هذه القواعد التي صدرَت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [1] . يمكن أنْ يتركَّز هذا الحديثُ الشريفُ حول الرقابة الذاتيَّة على النفس: (( احفظ الله تجده تجاهك ))، وحِفظ الله تعالى يتمُّ بمراقبة الأفعال والأقوال، التي يقوم بها المرء في حياته كلها - الخاصَّة والعامَّة - ويعرض هذه الأفعال والأقوال على هذا المقياس، أو المعيار أو الميزان الواضح؛ فما يُرضي اللهَ تعالى يمضي فيه المرء، وما يسخِط اللهَ تعالى، يحجم عنه. المهمُّ - هنا - هو التركيز القويُّ - في هذا الحديث - على الرقابة الذاتية، ومحاسبة النفس، قبل اللجوء إلى أيِّ شكل من أشكال الرَّقابات الخارجيَّة، مهما تعدَّدَت جهاتها، وتنوَّعَت في مصادرها، بين الرسميَّة وغير الرسمية، وكلما زادت الجِهات أو الأنماط الرقابيَّة الخارجية، كان هذا مؤشِّرًا لتردِّي الرقابة الذاتية. هذا قد يعني ضعف الفهم الدقيق لحفظ الله تعالى، الوارد في الحديث الشريف: ((احفظ الله يحفظك))، وبالتالي قد يُفهم هذا الحِفظ فهمًا قاصرًا على العلاقة المباشرة مع الله تعالى، من خلال العبادات التوقيفيَّة؛ المتمثِّلة في الصلاة المفروضة والصوم والحجِّ والزكاة، ثم تُغفل العلاقة مع الله تعالى؛ المتمثِّلة في العبادات غير المباشرة - إنْ صحَّ التعبير - في السلوكيات والمعاملات والعلاقات، مع البشر ومع البيئة والطبيعة، وكل هذه الأصلُ فيها أنْ تتمَّ في حدود "حفظ الله تعالى"، دون النظر إلى أيِّ مؤثِّرات خارجية. لا يمكن الاستغناء - تمامًا - عن هذه المؤثِّرات الرقابية الخارجية؛ إذ إنَّنا بشر نتعرَّض للتقصير في أدائنا، متى ما خفَتَ فينا الشعور بالرَّقابة الذاتيَّة، وعدم توفُّر رقابة خارجية، ولكنِّي أرغب في تعميق فكرة الرقابة الذاتية، ولو على حساب الرقابة الخارجية، أخذًا في الحسبان أنَّ الرقابة الذاتية مستمدَّة من مراقبة الله تعالى، في السرِّ والعلن. من أجمل ما يحقِّقه المرء، في يومه وليلته، أنْ يشعر أنَّه قام بإنجازٍ ما، فيه رضًا لله تعالى، وأنه امتنع عن الإقدام على فعل ما، يُغضب الله تعالى - أيضًا - فينام عندها قريرَ العين، منطلقًا إلى يوم جديد، يمارس فيه الرَّقابة الذاتية على أقواله وأفعاله، فينال الرضا الذاتي، ورضا الله تعالى قبل ذلك، وبالتالي يحقِّق المرء قدرًا عاليًا من السعادة المتوخَّاة، التي نبحث عنها جميعًا في حياتنا، وبعد مماتنا، ولا إخال أنَّها تتحقَّق دون أنْ نرضي اللهَ تعالى، أولًا وآخرًا. [1] انظر: الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية عن أبي العبَّاس عبدالله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: ..."؛ الحديث من رواية الترمذي.
النزاهة: قيم وسلوك (PDF)
د. ماجد بن سالم حميد الغامدي
16-02-2019
11,305
https://www.alukah.net//culture/0/132741/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b2%d8%a7%d9%87%d8%a9-%d9%82%d9%8a%d9%85-%d9%88%d8%b3%d9%84%d9%88%d9%83-PDF/
♦ عنوان الكتاب: النزاهة: قيم وسلوك. ♦ المؤلف: د. ماجد بن سالم حميد الغامدي. ♦ سنة النشر: 1438 هـ - 2017 م. ♦ عدد الصفحات: 252. هذه الرسالة عبارة عن بناء برنامج في قيم النّزاهة من خلال إجراءات دراسة مستقبلية تنبؤية اعتمدت على أسلوب دلفاي بهدف ربط النّزاهة بالقيم بدأ من التأصيل العلمي اللغوي والشرعي لهذا المصطلح وانتهاء بتصنيف القيم المتعلقة بالنّزاهة في مختلف المجالات ثم تطبيقاتها السلوكية وبناء مقياس علمي خاص لقياس النّزاهة لفئة عمرية محددة.
أفكار بصوت عال
د. إبراهيم عبداللطيف العبيدي
14-02-2019
5,596
https://www.alukah.net//culture/0/132705/%d8%a3%d9%81%d9%83%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d8%b5%d9%88%d8%aa-%d8%b9%d8%a7%d9%84/
أفكار بصوتٍ عالٍ الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، وبعد: فثمة أسئلة تجول حول وسائل التواصُل الاجتماعي، وعن كيفية الانتفاع بها بصورة إيجابية، ومن ذلك ما يخصُّ المجموعات العلمية المختصَّة بعلمٍ ما، التي تمَّ إنشاؤها في بعض وسائل التواصُل الاجتماعي بين مجموعة من الأفراد، أطرح هذه على المهتمين باعتبار أنَّ أغلبنا اليوم صار مشتركًا فيما لا يقلُّ عن مجموعة واحدة في أقلِّ تقدير: لِمَ لا نتحاور في هذه المجموعات، ونتناقش، ونُفكِّر بصوت عالٍ؟ لِمَ لا نُفعِّل ما يتمُّ الاتِّفاق عليه غالبًا من اتفاقات وتوصيات في بداية إنشاء هذه المجموعة من المذاكرة والمدارسة؟ وإن تمَّ هذا في البداية فعلًا؛ فسرعان ما تضعُف الهمَّةُ، وتخفت الفكرة، وغالبًا ما يكون بسبب خلاف ما في بعض وجهات النظر بين بعض الأعضاء، تعقبها قطيعةٌ وانقسامات. لِمَ لا نجعل من هذه المجموعات منتدياتٍ ثقافيةً ومجالسَ علميةً حقيقيةً تُقرِّب البعيد، وتطوي مسافات المكان، بعد أن حَبَانا الله تعالى بهذه النعمة الكبرى؛ نعمة التواصُل بالرغم من البُعْد المكاني؟ لماذا يكون تفكيرنا محصورًا - في الغالب - بأن الحوار لا بُدَّ أن يدور في شكله النمطي؛ في ندوة أو ملتقى داخل قاعة، مع وجود طاولة وكراسي وسمَّاعات صوت وبرتوكولات معهودة؛ لا تخلو من مجاملات، ومحددة بالدقائق. لنطرح في مجموعاتنا العلمية المتخصصة المواضيع، ولنُثِرِ التساؤلاتِ، وليُدْلِ كلٌّ منا بدلوه على ما يستطيع، وعلى ما آتاه الله من علم وحكمة، ببرنامج مجدول أسبوعيًّا أو شهريًّا أو حتى فصليًّا، المهم أن يكون حوارًا ممنهجًا ومُثمِرًا، وليكُنْ لكلٍّ منَّا وجهته وَفْق نظرته وثقافته التي تتنوَّع في الغالب وتختلف أحيانًا. لماذا نخشى من طرح الأفكار، إذا كان طرح الأفكار في مثل هذه المجموعات المغلقة مقيَّدًا أو ممنوعًا، فأين يمكن أن نطرحها؟ هل في الصفحات العامة والمواقع التفاعلية المفتوحة للجميع مثلًا؟! وباختصار لا بدَّ أن تتميَّز المجموعات العلمية عن مجموعات الأُسَر والأصدقاء والخِلَّان التي يصبحون بها ويمسون بعضهم على البعض يوميًّا، ويتبادلون التحايا والتبريكات أسبوعيًّا، ويتناقلون المقاطع والمواعظ الطيبة، وهذا كله لا اعتراض عليه؛ ولكن ليس مكانها في المجموعات العلمية المتخصِّصة التي يُعوِّل عليها أن تكون نواةً لأفكار جديَّة، وحاضنة لقضايا فكرية، يُفرزها الواقع، ويُناقشها المختصُّون. والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل، وصلَّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ذكريات شموع الروضة (1)
د. صغير بن محمد الصغير
13-02-2019
14,242
https://www.alukah.net//culture/0/132695/%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%b4%d9%85%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%b6%d8%a9-1/
ذكريات شموع الروضة (1) ما أعذبَ حديث الذكريات! وما أقساه على القلب أحياناً!.. بعد وفاة سيدي الوالد الشيخ محمد بن فالح الصغير عام 1429هـ [1] - رحمه الله رحمة واسعة - بسُنَيَّاتٍ معدودة، توفيت سيدتي الوالدة الكريمة مزنة بنت عبدالرحمن الأطرم عام 1433هـ، في شهر شوال - رحمها الله تعالى وجمعنا بها في دار كرامته -، وكان وقعُ ذلك شديداً على نفسي حيث كانت الأم الرحوم والقلب الحنون والملاذ عند الملمات بعد الله تعالى، فوجع الفقد لولا تثبيت الله تعالى للنفس قد يُحدث هزاتٍ يصعب علاجُها. زارني وقتها الدكتور عبدالرحمن المفلح رحمه الله تعالى معزياً، وكان جاراً عزيزاً من شموع روضة جامعنا المبارك جامع الأمير متعب الغربي في الملز. فحدثني حديثاً أسعد قلبي مصبِّراً وداعياً ومثبتاً ومسلياً، وأنّ هذه الدنيا دار فناء والموعد الحقيقي هناك عند أكرم الأكرمين سبحانه، ثمَّ طال بنا الحديث.. وما أمتعه مع ذاك الرجل! وكان مما قال رحمه الله: أبا محمد أتعلم أني منذ قطنت هنا لأكثر من ثلاثين عاماً وأنا أدوِّن وفياتِ مربعنا في الحي حتى وصلوا قرابة الثمانين نفساً رحمهم الله، ثم توقفتُ بعد ذلك! جُلُّ هؤلاء كانوا شموعاً في جامعنا المبارك رجالاً ونساءً. بعدها بسنتين تقريباً توفي أخي الدكتور عبدالرحمن المفلح رحمه الله وجزاه عنَّا خير الجزاء، توفي بعد مرضٍ ألمَّ به فكان صابراً محتسباً رحمه الله، توفي فافتقد أهلُ مسجده تلك الشمعة المضيئة بالذكر والدعاء والقراءة الخاشعة التي كلُّ من يراها ويسمع خيوط ضيائها تتسلل إلى نفسه فيتأثر ولا بُدَّ. يا الله.. كلما التفتُ إلى روضة جامعنا أتذكر شمعةً من شموعها.. تلك الشموع التي تعج بضياء الذكر والدعاء وقراءة القران.. تلك الشموع الركع السجود.. تلك الشموع من بلداتٍ متفرقة لكن قلوبهم واحدة ونفوسهم رضية، رحمهم الله رحمةً واسعة وغفر لهم.. تلك الشموع رحلت عنا في حياتنا لكن بقيت آثارها مشتعلة لا تنطفئ. سيدي الوالد غفر الله له.. بجواره الشيخ الجليل صاحب الابتسامة أبو محمد سعود العصيمي رحمه الله.. بجواره الشيخ الثمانيني الذاكر الشاكر محمد الفريح رحمه الله.. بجواره الدكتور عبدالرحمن، ثم الطيب كثير الحمد والثناء أبو محمد علي الحمران.. وغيرهم كثير، الذين وإن غابت أسماؤهم عن الذكر فقلوبنا تلهج لهم بالدعاء.. حفظ الله الأحياء وغفر للأموات. وقبلهم أصواتٌ لم تغب عن المسامع: الشيخ الكريم والجار الصالح سليمان الدويش، والرجل الشهم المضياف صالح الهبدان، و.. و.. وهكذا في كل عام تنطفئ شمعة أو شمعتان من تلك الشموع التي بانطفائها يزداد لهيبُ ذكراها في قلوب روَّاد تلك الروضة الخضراء.. قُدر البينُ بيننا فافترقنا وطوى البينُ عن جفونيَ غمضي قد قضى الله بالفراق علَينا فعسى باجتماعنا سوف يَقضي [2] من تلك الشموع المفتقدة قبل أشهر، والتي لها وقعٌ في يوم الجمعة بالذات: الوجيه إبراهيم المهنا رحمه الله رحمةً واسعة، أحسبه من نوادر هذا الزمان نخوةً وشهامة وكرمًا، أكثر من افتقده بعد أهله وأبنائه وجيرانهِ الأراملُ والأيتامُ، يقوم على الأعمال الخيرية بنفسه مع كبر سنِّه وضعف جسده. ما أكرم ذلك الرجل غفر الله له. كان آخر تلك الشموع وفاةً الشيخ الزاهد عبدالرحمن الدغيشم رحمه الله تعالى. كان آخر حياته يصلي جالسًا، صلى مرةً قبيل وفاته ثم لما انتهى من التسبيح أتى إليَّ حبواً، وكان رجلاً متواضعاً، فسألني: أبا محمد هل الميت في قبره يقرأ القران؟ فوقفت مشدوهاً برهةً ثم قلت: ينتهي العمل بالموت أبا صالح! قال: إني أريد أن أوسع خاطري بالقران فقد يضيق صدري في القبر وحدي! هذه هموم أولئك الرجال، يريدون أن يشرحوا صدورهم بالقران في القبور كما كانت تنشرح صدورهم بالقرآن في الدنيا.. رحم الله أبا صالح، أوصى أن يُصلى عليه في تلك الروضة الغنَّاء بالذكر والدعاء، كان يقول: أدعى للمسلم أن يُصلَّى عليه في مسجده لكي يتذكره أهل مسجده، فيُخلصوا له بالدعاء! مواقف تلك الروضة لا تسَعها مقالةٌ أو خاطرة أو حتى جلسة.. جميلةٌ فوق الجمال.. ذات مرة، أحدُ شموعها المضاءة من جيراننا - رحمه الله - صلى الفجر فالتفت للصف الثاني، فشاهد أحد أبنائه، وكان الابن يتكاسل عن الصلاة أحياناً، فقال بصوت عالٍ من الفرحة تعلوه ابتسامة: ولدي أحمد مصلٍّ!! أرأيت أيها الابن أن من أعظم برك لوالديك صلاحك، وخصوصاً محافظتك على صلاة الجماعة! من أبرز ما يتعلمه أهل المسجد من تلك الروضة الأذكار بعد كل صلاة، حيث كانت تلك الشموع تطبق حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكبير. وعن أبي معبد مولى ابن عباس أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبره أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. [3] فقد كانوا رحمهم الله يرفعون أصواتهم بالذكر بعد الصلاة تطبيقًا للسنَّة التي بدأت تتلاشى هذا الزمن للأسف الشديد. يفرحُ أحدهم فيما لو حصل للمؤذن ظرف جعله يتأخر عن الآذان ليبادر بسماحة نفس برفع الآذان بصوت مبحوح خاشع يسري عبر الآذان، لتستعد الأنفس بعدها لمقابلة رب العالمين. . ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ [النور: 36-37]. الروضة في المسجد لو جرَّب المهموم فيها سجدةً لأحس بانشراح يعقبه فرج بإذن الله.. ومن أجمل ما قيل في ذلك قولُ الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: من دأبي كلما ازدحمت عليَّ المتاعب، وركبتني الهموم، وضاق صدري، وانقبض قلبي، أن أمشي حتى أجد مسجداً خالياً، فأدخله فأصلي ركعتين، وأقعد، أشعر بسكون المسجد من حولي، وبجلال الحق من فوقي، حتى أجد الطمأنينة والرضا، كأني نجوت من البحر الهائج إلى الجزيرة الآمنة، وتركت الصحراء المحرقة إلى الواحة الظليلة، وكأن ما كنت فيه من المشكلات، وما كان في صدري من الهموم، قد ذهب كله، لما دخلت حمى الله وصرت في بيته واعتصمت به من الناس وشرورهم، ومن نفسي وسوئها، ومن الشيطان ووسواسه. وإذا كان العرف الدولي على أن بيوت سفراء الدول الأجنبية قِطَع من بلادهم ولو كانت في بلاد الناس، فإن بيوت الله رياض من رياض الجنة، وإن كانت في هذه الدنيا، فمن دخلها كان ضيف الله، وكان جاره. فهي أبواب السماء المفتحة دائماً إن سُدَّت في وجه البائسين اليائسين أبواب الأرض، وهي منار الهدى إن ضل بالسالكين الطريق... [4] اهـ. الحديثُ عن الروضة في جامعنا وشموعها حديث ذو شجون له بقية بإذن الله، والكاتب ذكر شذرات يسيرة والصدر واسع لاستقبال المزيد، وإلى لقاء قادم إن شاء الله مع تلك الروضة الغناء. رحمهم الله وغفر لنا ولهم [1] تناولت شيئاً من سيرته رحمه الله في رواية: عصارة الشهد. [2] الأبيات لصقر قريش عبدالرحمن الداخل رحمه الله. [3] البخاري ( 806 ) ومسلم ( 583 ). [4] مقدمة كتاب: الجامع الأموي في دمشق، للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله.
الشيخ الأديب إبراهيم بن سليمان الجراح الكويتي
الشيخ محمد بن ناصر العجمي
13-02-2019
7,709
https://www.alukah.net//culture/0/132693/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a8-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%8a%d8%aa%d9%8a/
ذكرياتٌ لا تُنسى مع العلماء العالِم الخفي.. الشَّيخ الأديب إبراهيم بن سليمان الجرَّاح الكويتي الشَّيخ العالِم، الأديب، الشَّاعر المطبوع: إبراهيم بن سُليمان الجرَّاح، من الكويت - البلد المعروف على ضفاف الخليج - المحروسة، المولود بها سنة (1319ه)، والمتوفَّى سنة (1422ه). وهو من تلاميذ علاَّمة الكويت عبد الله الخلف الدّحَيَّان، ومن أسرة «الجرَّاح» الأسرة العلمية في الكويت التي منها شقيقه الفقيه الفرضي العالِم محمد بن سليمان الجرَّاح، والشاعر المُجيد داود الجرَّاح: وَتَفُوحُ مِنْ طِيبِ الثَّناءِ رَوَائِحٌ *** لَهُمْ بِكُلِّ مَكَانَةٍ تُستنشَقُ أخذ الفقه الحنبلي وشقيقه - منارة العلم والتقوى الشيخ محمد - عن علاَّمة الكويت الشيخ الدّحَيَّان، وكذا عن الشيخ عبد الوهاب العبد الله الفارس، والعربية عن جماعة آخرين، منهم: أحمد الحَرمي، كما كان عنده معرفةٌ ودربةٌ في الفقه الشَّافعي، لمراجعته الطويلة مع أحد طُلاَّب الشَّافِعيّة. وأَوْلى السِّيرة والتَّاريخ والأدب عنايته؛ فأمعن النَّظر فيها؛ فأكسبه ذلك سعة الاطِّلاع. ولم يعرف الكَلَل ولا الملل حتى بعد تقدُّمه في العمر. وأما معرفته بتاريخ الكويت وحوادثه وأمكنته فإليه المنتهى في ذلك. كما عُرف عنه أنَّه من الشُّعراء المطبوعين، فكان الشعر سهل القياد له، وهو في غايةٍ من الحُسن وجمال السبك من غير كُلفةٍ، وكان يقوله في أغراضه المتعدّدة، كالمراثي والإخوانيات والمناسبات وغيرها. تشرَّفت بمعرفة هذا العالِم الأديب، فكنت أزوره بين الفينة والأخرى، وواسطة العقد في ذلك شقيقه شيخنا الفقيه الجليل الشَّيخ محمد؛ وذلك حينما أردت أن أكتب عن علاَّمة الكويت الدّحيان؛ فتزوَّدت منه ببعض أخباره، وتكرَّرت زيارتي له: كريمٌ إذا ما زُرْتَهُ زُرْتَ زاخراً *** لَهُ دُرُّ عِرْفانٍ يَمُوجُ وَيَنْدُرُ وكنت أزوره أحياناً مع الشَّيخ أحمد الغنَّام الرَّشيد، الذي كان يستنطقه ليسمع من فيض علمه، ودُرر كلمِه، أو شيئاً من شعره، أو يسأله عن معنى بيتٍ أو تاريخ، أو مكانٍ من أمكنة الكويت، أو وَقْعةٍ تاريخيَّة لها. وفي إحدى المرَّات طلب منِّي أستاذنا الدكتور عبد الله المحارب أن نزوره؛ فذهبت بصحبته له، فقد أراد أن يسأله عن بعض أشعار والده الشيخ حمد المحارب، وكانت الزيارة له في المسجد الذي يجلس فيه جُلَّ وقته، وهو مسجد أبو بكر الصدِّيق في ضاحية عبد الله السالم. كما أنَّ جمعاً من الشعراء وشُداة الأدب يزورونه ليراجع لهم شعرهم؛ فإن أجازه نشروه، وكان في قديم أمره يجتمع حوله في دَّكانه طائفة من محبِّيه من أهل العلم والأدب، فمحلّه دوحة أدبيَّة وسفينة شعرية. وكان مَنْطقه  على قلَّته  يُسرُّ به من سمعه ويسعد بلطفه وأدبه جليسه، ويودّ لو أطال في كلامه؛ فإنّ حديثه ومساجلته السحر الحلال، والمورد الزُّلال؛ تنثال منه الكلمات بانسجامٍ ورقَّةٍ وعذوبة. ومَنْ خالطه وعرفه عَلِمَ أنَّه كان أديباً وشاعراً قَلَّ نظيره، ولكن بكل أسف لم يترك كتاباً أو ديواناً مِن بعده، وقد جَمع شيئاً من أخباره وشعره الدكتور يعقوب الغنيم. وأختم بما يدلُّ على جلال شعره وجمال نثره وعلو كعبه في ذلك، مما يدل حَقَّ الدِّلالة على أنه كان يمتلك ناصية الشعر والأدب. فهذه بعض الأبيات في رثائه لشيخه الدّحيان بعد وفاته سنة (1349هـ)، فمما قال فيها: وصفه لحاله لما تولَّى القضاء: قَدْ راوَدُوكَ على القَضَا إذْ لم يَكُنْ أَوْلى بِذلكَ مِنْ جَنابِكَ يُعْلَمُ فَأَبَيْتَ جُهْدَكَ هارباً من مَنْصِبٍ قَلَّتْ سَلامةُ مَن عليه تَسَنَّمُوا حَتَّى إذا لم يَنْتَهوا وَرَأَيْتَهُمْ قَدْ أَكْرَهُوكَ لَبِثْتَ عاماً تَحْكُمُ فَصَرَمْتَ أَرْشَيِةَ الرِّشَا حَتّى اسْتَوَى في الحقِّ عِنْدَكَ ذُو الغِنَى والمُعْدمُ فَإذا حَكَمْتَ فَكُلُّ خَصْمٍ قانعٌ بالحُكْمِ مُغتبطٌ به ومُسَلِّمُ لِلَّهِ أَنْتَ فَمَا ارْتَكَبْتَ لِمُشْكِلٍ أَبَداً ولم يُعْجِزْكَ أَمْرٌ مُبْهَمُ وَتَرَكْتَ أَرْزاقَ القُضاةِ تَرَفُّعاً عنها فما الدِّينار أو ما الدِّرْهَمُ وأما كتابته الأدبية النَّثرية، فإنه كتب بعض المقدمات والتي منها التقديم لكتاب «علاَّمة الكويت عبد الله الخلف الدّحَيَّان»، فكان مما سَطَّرَ وحَبَّر: «وبعد: فإن سيرة الشيخ عبد الله بن خلف الدّحَيّان رحمه الله تعالى كادت أن تخفى من الذكريات، وتنقرض بانقراض الرواة، فَعزَّ على الأخ محمد بن ناصر العَجْمي، أن تنطوي صَفْحَةٌ من صفحات الكويت النَّاصِعة، ويَغْرُبَ نجمٌ من نجومها اللاَّمِعَة. نعم عَزَّ ذلك على أديبنا الفاضل، فَجَدَّ واجتهد، وتَرَكَ الرَّاحةَ واستَعَدَّ، وشَمَّرَ عن السَّاعِدِ والسَّاقِ، وتزود بالدفاتر والأوراق. فبادرَ البقيَّةَ الباقيةَ قبل فَواتها، وسابَقَ الأيَّام إلى رُواتها، فزارَ البُلدان، واستوْقَفَ الرُّكبان، وناشَدَ الدِّيار، واستدلَّ بالآثار، واستعان بالمؤلَّفات، واستورد الوثائِق من الثِّقات. فدانت له الأنْبَاءُ الشَّوارد، وترامت إليه المصادر والموارد، فتوفَّرت له هذه المجموعة النَّادرة، بالأخبار الوافرة، ثُمَّ قال: وهذا غيض من فيض. يُشير بذلك إلى ما لا داعي لنشره، وإلاَّ فإن للشيخ تاريخاً حافلاً مع محبِّيه ومنافسيه، أَمَّا محبُّوه فإنهم يستأنسون برؤيته، إذا رأوه كأنهم رأوا أحد الصحابة. وحَتَّى إنهم اقتسموا به الأيام، فيلتقون به كل يوم عند أحدهم في ديوانه بعد الظهر، وعنده هو يوم الخميس بعد العصر، مع أن ديوانه مفتوح كل يوم بعد الصبح، وبعد المغرب، وبعد صلاة الجمعة، تُدار عليهم قهوة الزَّعفران والدارسين، ثُمَّ قهوة البن، والبخور. يرون تلك الأيام كأيام العيد، وكانوا يحملون جنائِزهم من الشرق والمرقاب، إلى حي القبلة ليصلي عليها الشيخ بمسجد البدر، ويُشيعهم إلى قبورهم، ويدعو لهم بعد الدفن. حَلَفَ الزَّمانُ ليَأْتِيَنَّ بِمِثْلِهِ *** حَنِثَت يمينُكَ يا زَمَانُ فَكَفِّرِ وأمَا منافسوه، فالذي حملهم على ذلك خوفهم من تفوُّقه عليهم وتلاشي سُمعتهم، كما وقع مثل ذلك لشيخ الإسلام ابن تيمية مع بعض معاصريه. وكان الشيخ عبد الله حليماً كريم الأخلاق مع الجميع، فلا يلقى أحداً بما يكره، حَتَّى إن أحد منافسيه حين قَعَدَ به الدهر عَطَفَ عليه الشيخ، وصار يزورهُ، ويَدس إليه النَّفقة سِرًّا تحت بِسَاطِهِ...». رحم الله الشيخ العالِم الأديب إبراهيم الجرَّاح ، الذي كان نسيجاً مُتفرِّداً في فنون من العلم والأدب، وقد عُمِّر حَتَّى بَلَغَ المائة سنة، مُمتَّعاً بحواسِّه وعلمه وفضله، ولم يترك الاطِّلاع، وإدمان النظر في كتب العلم حتى وفاته  رحمه الله تعالى ، وقلَّما ذُكِرَ بعد وفاته إلاَّ وترى الألسُن تثني عليه وتذكر علمه وشَريف أدبه: لئن حَسُنَتْ فيكَ المراثي وَذِكْرُها *** لَقَدْ حَسُنَتْ من قَبْلُ فيكَ المَدائِح محمد بن ناصر العجمي الكويت 30 جمادى الأولى (1440ه) - 5/ 2/ 2019م
جلال الدين منكوبري والكرج
د. محمد منير الجنباز
11-02-2019
7,108
https://www.alukah.net//culture/0/132645/%d8%ac%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%86%d9%83%d9%88%d8%a8%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%ac/
جلال الدين منكوبري والكرج معركتا دوين وتفليس في شعبان سنة 622هـ، وربيع الأول سنة 623هـ آثرنا جَمْع هاتين المعركتين في عُنوانٍ واحد؛ لأن الثانية امتدادٌ للأولى، وأما الكرج فهم من النصارى المتعصبين، وبلادهم بلاد الأرمن الحالية، وكانوا قد تسلَّطوا على نواحي خلاط، وأذربيجان، وأران، وأرزن، ودربند، حتى الجزيرة، فقتلوا وسفكوا وسَبَوا وخرَّبوا البلاد، في هذه الأثناء كان قد عاد جلال الدين منكوبري بمَن معه من الهند بعد فرارهم من التتار، وحشد الحشود، وتوجَّه إلى خُراسان، ثم قصد بلاد الكرج لِما سمع مِن تسلُّطهم. قال ابن الأثير: "فنظر الله تعالى إلى أهل هذه البلاد المساكين بعين الرحمة، فرحِمهم ويسَّر لهم جلال الدين هذا، ففعل بالكرج ما تراه، وانتقم للإسلام والمسلمين منهم". وكانت عاصمة الكرج " تفليس "، وتَحكُمهم امرأة، أما قائد جيشها، فكان " إيواني "، فتقدَّم جلال الدين وملك أذربيجان، ثم آذنهم بالحرب، فكان جوابهم: "لقد قصدنا التتار الذين فعلوا بأبيك، وهو أعظم منك مُلْكًا وأكثر عسكرًا، وأخذوا بلادكم، فلم نُبالِ بهم، وكان قصاراهم السلامة منا"، ثم جمعوا ما يزيد عن سبعين ألف مقاتل، والتقوا في معركة " دوين "، فكان القتال شديدًا، وصبر الفريقان، ثم أنزل الله نصرَه على المؤمنين، وهُزِم الكرج وهربوا مخلِّفين وراءهم عشرين ألف قتيل.. ثم اختبأ " إيواني " في قلعة للكرج، فحاصرها جلال الدين، وفرَّق بقية عسكره للإغارة، ثم أتاه خبرٌ من تبريز يُوجِب العودة إليها فعاد، كان هذا في سنة 622هـ، وفي السنة التالية قصدهم جلال الدين في ربيع الأول 623هـ، فحشدوا له جيشًا كبيرًا من اللان واللكز والقفجاق وغيرهم، وأتوا في عدد لا يُحصى كثرةً، فلقِيهم جلال الدين، ونصب لهم الكمائن ليُطبِق عليهم من كل اتجاه، ثم التقَوا واقتَتلوا فولَّى الكرج منهزمين، وأخذتهم السيوف من كل جانب بعد أن خرجت عليهم الكمائن، ولم ينج إلا الشريد، وبعد أن نكَّل بهم وأطفأ جمرتهم، دنَت ساعةُ استرداد " تفليس " التي احتلوها سنة 615هـ، فتقدم لها في ثلاثة آلاف فارس، وأخفى كمائنه، فلما رأَوا قلة جيشه فتحوا الأبواب وقاتلوه، فصبر لهم ساعة ثم انهزم، فطمعوا به وتبعوه، فخرجت لهم الكمائن وأبادتهم، وأخذ قسم منهم الأبواب ودخلوا المدينة فحرَّروها، وتعد " تفليس " من أمنع البلاد وأقواها. قال ابن الأثير بعد هذا الفتح: "لقد جلَّ هذا الفتح وعَظُم موقعه في بلاد المسلمين؛ فإن الكرج كانوا قد استطالوا عليهم وفعلوا بهم ما أرادوا، لا يمنعهم مانع"، إلى أن جاءهم مَن قهرهم واستردَّ منهم بلاد المسلمين.
ضبابية ثقافة الرقمنة
نايف عبوش
11-02-2019
6,512
https://www.alukah.net//culture/0/132642/%d8%b6%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%86%d8%a9/
ضبابية ثقافة الرقمنة في عصرنة جارفة، استولدت في سيرورتها الزاحفة ثورة الإنترنت والمعلوماتية المفتوحة في كل الاتجاهات؛ حيث شاع مؤخرًا استخدامُ الشبكة العنكبوتية في كل المجالات الاجتماعية والتجارية والعلمية والتكنولوجية بلا قيود، وهو ما أدَّى إلى ظهور نمط من الثقافة الأفقية السطحية وشيوعها على نطاق واسع بين الجمهور بشكل عام، وفي أوساط الشباب بشكل خاص، وبشكل كادت فيه ثقافة النخب والاختصاص أن تتنحَّى من التداول جانبًا، وذلك بعد أن أُتيحت المعلومة في ساحة الفضاء الرقمي للجميع دون تمييز، وصار مجال التعاطي معها متاحًا دون معايير تحكمها، وبات بمستطاع الكل الاطِّلاع على المعلومة، ومشاهدتها في لحظة تدفُّقِها، وتحميلها على مواقع التواصُل الاجتماعي، ومن ثم إمكان التعاطي معها، وتداولها على عواهنها، أو بعد تعديلها بسرعة عجيبة، ومن دون التفكير بتمحيص المحتوى، أو اكتراث بدقَّة المعلومات التي يتضمَّنُها. ومع كل الإيجابيات التي أفرزتها ثورة الاتصال والمعلوماتية في اختراق كل الحدود، ونجاحها في إشاعة نمط التثقيف العام أمام المستخدمين دون استثناء، إلا أنها بإتاحة الفرصة لهذا النمط من التثقيف الأفقي؛ ليكون في متناول الجميع، ومن دون قيود، أدَّت إلى تسطيح الثقافة، وإشاعة هيمنة العمومية في الكتابة على مصراعيها، حتى إن الكثير من المستخدمين، استساغ أن يطلق لذَاته ما شاء من الألقاب التي كانت سابقًا حكرًا على النُّخَب، وذوي الاختصاص، بعد أن أصبح الكثير من المستخدمين يتعاطى الكتابة، أو على الأقل، إعادة إنتاجها، حتى إن كان غير مؤهَّل لها، سواء تمَّ ذلك بإبداعه الذاتي، أو باستخدام تقنية النسخ واللصق، ودون أن يكلف نفسه مشقَّةَ البحث العمودي، والقراءة المكثفة، كما كان الحال عليه من قبل، حتى بتنا اليوم إزاء تدفُّق سيل من النصوص الباهتة، لغةً ومبنًى، ومحتوًى، في ذات الوقت الذي تُطالعنا فيه وبدرجة أقل، نتاجات بمنشورات رصينة، ومفيدة، وترتقي بالحسِّ الأدبي، والوعي الثقافي إلى آفاق رحبة. وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن شريحة الشباب من مستخدمي الفضاء المعلوماتي، والمنغمسين فيه، باتت تهتمُّ بتقنيات، وبرامج الاستخدام، وتعمل على إتقان استخدام مختلف تطبيقات التواصُل الاجتماعي، وتركز جهدها على طريقة الإبداع في إتقانها، والتفنُّن في أساليب استخدامها بالدرجة الأولى، ودون اكتراث يذكر بالتعمُّق في المعلومات، ومحتويات المنشورات المتداولة في الفضاء الرقمي على الشبكة العنكبوتية، وهو ما أسهم إلى حدٍّ كبيرٍ في تكثيف خبرة التقانة المجردة لدى المستخدمين بشكل ملحوظ، بحيث باتت الثقافة الشبابية الراهنة تقنية مجردة، وربما كانت ضبابية المحتوى، لا رصينة كما كان عليه الحال مع ثقافة جيل شباب أيام زمان التي كانت تهتمُّ عند التلقِّي بدقَّة المعلومة، وموضوعيَّتها، ورصانة مرجعها، ومدى الانتفاع منها. وبغض النظر عن السلبيَّات الأخرى، وفي مقدمتها الانغماس التام إلى حدِّ الإدمان في دردشات ركيكة اللغة، وغريبة الألفاظ، وما أفرزه هذا التحدِّي، من عزلة في واقع التواصُل الاجتماعي الحقيقي التقليدي بين الأجيال الجديدة، ناهيك عن الاستخدامات الأخرى غير اللائقة، فإن ضبابية الثقافة الرقمية التي ترتَّبَتْ على غيبوبة الحسِّ بخطورة التسطيح الأفقي للثقافة في أوساط الشباب بشكل خاص، وفي الوسط الاجتماعي بشكل عام، قد تحدُّ من حماسهم لتنمية ثقافة رصينة، وتختزل تطلُّعاتهم بالمتاح أمامهم من معطيات وهمية متواضعة وحسب، ما دام الحسُّ العام لهم بات شبه غارق في أوهام ثقافة ضبابية رقمية، ويرضى منها بما تُغذِّيه به من مخرجات، وهو ما يعكس غيبوبة ثقافية، لا بدَّ من مغادرتها بأسرع وقت ممكن، واستبدالهما بثقافة خلَّاقة، وإبداعية، تستوعب معطيات التقنيات الرقمية الحديثة، وما وراءها من مستجدَّات، ولا تقف في تلقِّيها عند حدود مجرد الاستخدام التقني المحض لها، وحسب.
التثبت قبل النشر
الداعية عبدالعزيز بن صالح الكنهل
11-02-2019
8,301
https://www.alukah.net//culture/0/132637/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ab%d8%a8%d8%aa-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b4%d8%b1/
التثبت قبل النشر الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله الصادق الأمين، أما بعد: يلحظ في الإنترنت وفي كثير من مجموعات الإنترنت تسرُّع البعض في نشر كُلِّ ما يصل إليهم دون تثبُّت من صحَّته؛ وإنما ينشرون ما يصل إليهم بحُسْن نيَّة وثقة في أمانة الذي أرسله إليهم، وكثير من هذه الرسائل مجهولة المصدر أو منسوبة زورًا إلى أحد المشاهير من الدُّعاة أو الكبار من العلماء. والهدف منها: إما نشر الشرك والبدع، أو الرغبة في استغلال اسم المشهور للتسويق، وكثرة نشر كلام معين، وفي بعضها دعايات لبدع أو معلومات غير صحيحة، وفي بعضها تلميعات كاذبة لمنتج تجاري أو طبي أو علاج شعبي أو ضد منتج أو مطعم آخر؛ وهي في الحقيقة دعاية تجارية كاذبة. فعلى من ينشر في وسائل التواصل التؤدةُ وعدم الاستعجال في نشر مثل هذه الرسائل، والرغبة في السبق، وفي نشر الخير، لا تُبرِّر العجلة في نشر كل ما يصل إلينا؛ ففي التأنِّي والتثبُّت السلامة. والإنترنت مملوء بالغثِّ والسمين والدعايات الوهمية، فتأنوا وتثبَّتوا تسلموا، ولا تغرَّنكم أو تستفزنكم كلماتهم المعسولة؛ مثل: انشر تُؤجَر، لا تقف عندك، لا تدري كم من الناس سيستفيد منها، ومن عباراتهم الرنَّانة للتسويق ربطهم للنشر بدعاء أحد الصالحين لناشرها، وفي هذا الكلام من المحاذير الآتي: أولًا: أنه دعاية ساذجة لكلام معين؛ ولكن للأسف يُصدِّقها بعض طيبي القلوب ويُسارعون في نشرها طَمَعًا في الدعاء لهم. ثانيًا: وفيها أيضًا تقديس زائد، وإظهار له بمظهر مستجاب الدعاء. ثالثًا: وفيها أيضًا من المحاذير تعليق القلوب بغير الله سبحانه. واجتهدوا في العمل بقوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]، حفظكم الله ورزقكم الأناة والتثبُّت، وصلِّ اللهمَّ على نبينا محمد.
ثناء العلامة ابن عثيمين على شيخ الإسلام ابن تيمية
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
10-02-2019
29,500
https://www.alukah.net//culture/0/132620/%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%ab%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9/
ثناء العلامة ابن عثيمين على شيخ الإسلام ابن تيمية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فمن العلماء الربانيين الذين ماتوا من مئات السنين، وعلومهم لا زالت باقية نافعة، فارس المعقول والمنقول؛ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وتلاميذه، وتلاميذ تلاميذه، فتلاميذ العالم لا يقتصرون على مَنْ عاصروه؛ بل إن تلاميذ تلاميذه تلاميذ له؛ يقول العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن الحافظ ابن رجب، رحمهما الله: "شيخ الإسلام ابن تيمية هو جدُّ المؤلف من جهة العلم، وليس من جهة النسب؛ لأن ابن رجب تلميذ ابن القيم، وابن القيم تلميذ شيخ الإسلام". ومن تلاميذ تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية: العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، فالشيخ مُتأثِّر به وبتلميذه العلامة ابن القيم، رحم الله الجميع. وحيث يوجد للشيخ كلام عن الشيخ ابن تيمية رحمهما الله في بعض مصنفاته، فقد يسَّر الله الكريم لي جمعه، أسأل الله أن ينفع به ويبارك فيه. علم منير ومجاهد كبير: قال الشيخ رحمه الله: كان رحمه الله عالِمًا كبيرًا، وعلمًا منيرًا، ومجاهدًا شهيرًا، جاهد في الله بعقله وفكره، وعلمه وجسمه، وكان قوي الحجة لا يصمد أحد لمحاجَّته، ولا تأخذه في الله لومة لائم إذا بان له الحق أن يقول به، ومن ثم حصلت له محن، فحبس مرارًا، وتوفي محبوسًا في قلعة دمشق في 20 شوال 728هـ. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وناهيك به علمًا، وناهيك به فقهًا، وناهيك به ورعًا. بحر العلوم العقلية والنقلية : قال الشيخ رحمه الله: العالم الرباني، بحر العلوم العقلية والنقلية، تلقَّى العلم حتى بلغ الذروة فيه، كان رحمه الله عالِمًا كبيرًا، وعلمًا مُنيرًا، ومُجاهدًا شهيرًا، جاهد في الله بما استطاع من قوله وفعله، وكان قويَّ الحُجَّة، حُرَّ التفكير، صائب الرأي. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام رحمه الله بحر، ما هو نهر أو جدول؛ بل بحار رحمه الله، ما تكلم بفنٍّ إلا قلت: هو إمامه... ما تكلم بشيءٍ من نحوٍ، أو منطق، أو فلسفةٍ، أو عقيدةٍ، أو فقهٍ، إلا قلت: هو إمامه، كأن العلم يتفجر بين عينيه رضي الله عنه ورحمه. وقال رحمه الله: ممن اشتهر في الأُمَّة الإسلامية، ولا سيَّما في العصور المتأخِّرة؛ وذلك لأنه جمع الله له بين العلوم الشرعية والعقلية، فصار من آيات الله في حفظه وفهمه وورعه وشجاعته، وغير ذلك من صفاته التي تعرف من تراجمه. من أعظم العلماء إنصافًا: قال رحمه الله: شيخ الإسلام رحمه الله أعظم من رأيته إنصافًا من العلماء، يقول: هذا اجتهاد يُثابون عليه، بينما لو يحصل خطأ من بعض طلبة العلم في عصرنا هذا مع اجتهاده، قالوا: هذا ضالٌّ، هذا مبتدع، هذا فيه كذا، وجعلوا يغتابونه ويسبُّونه، وشيخ الإسلام رحمه الله مع أن كلامه قوي، يقول: هذا كلام لا يجوز، وهذا قول على الله بغير علم، وهذا حرام بهذا الأسلوب القوي الشديد يقول: إن هذا اجتهاد يُثابون عليه. ما يختاره فالغالب عليه الصواب: قال الشيخ رحمه الله: الغالب حسب علمي مع قصوري أن شيخ الإسلام رحمه الله، دائمًا موافق للصواب، فغالب ما يختار هو الصواب. وقال رحمه الله: قلَّ أن يختار الرأي فيخطئ الصَّواب. وقال رحمه الله: غالب اختياراته أقرب إلى الصواب من غيره، كل ما اختاره إذا تأملته وتدبَّرته وجدته أقرب إلى الصواب من غيره؛ لكنه ليس بمعصوم، لدينا نحو عشر مسائل أو أكثر نرى أن الصواب خلاف كلامه رحمه الله؛ لأنه كغيره يخطئ ويصيب. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية أقول بحقٍّ: إنه رجل أعطاه الله تعالى علمًا وفهمًا وعقلًا ودينًا؛ ولهذا تجد اختياراته في الغالب الكثير هي الموافقة للصواب. من أدق الناس في نقل الإجماع: قال الشيخ رحمه الله: الظاهر أن من أدق الناس وأوثقهم في نقل الإجماع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ثقة فيما ينقل من اتِّفاق أهل العلم: قال الشيخ رحمه الله: أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين... ولم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم تعيُّن هذه الأسماء، والحديث المرويُّ عنه في تعينها ضعيف؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (ص:383، ج6) من مجموع ابن قاسم: تعينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتِّفاق أهل المعرفة بحديثه. وشيخ الإسلام رحمه الله ثقة من وجهين: من حيث الأمانة، ومن حيث العلم، فقد اجتمع في حقه رحمه الله القوة والأمانة، وهما ركنا العمل، فهو غير مُتَّهم في دينه فينقُلُ اتفاقًا وهو فيه كاذب، وعلمنا ذلك من حاله رحمه الله، وهو ثقة أيضًا: ليس مُتَّهمًا بقُصُور العلم. عنده من الأدلة العقلية والنقلية ما يفحم به خصمه: قال الشيخ رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية أعطاه الله تعالى علم المأثور، وعلم المنظور؛ يعني: أعطاه الله تعالى علمًا بالآثار، وعلمًا بالعقل، وعنده من الأدلة العقلية والنقلية ما يفحم به خصمه، حتى إنه رحمه الله يستدلُّ بالنصوص التي استدلَّ بها خصمه على خصمه. وقال رحمه الله: العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، وقد التزم شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه "درء تعارض العقل والنقل" بأنه لا يحتجُّ محتجٌّ بدليل صحيح يدَّعي أنه مخالف للعقل، إلا وكان هذا الدليل الذي جعله دليلًا له كان دليلًا عليه، وهذا التزام عجيب، أن يأخذ سلاحك من يدك ويرميك به! لكن فضل الله يؤتيه من يشاء. وقال رحمه الله: سبحان الله! لكن لا يدرك هذا إلا العباقرة. لم يخالف الأئمة الأربعة لكنه خرج عن المشهور من أقوالهم: سئل الشيخ: بالنسبة للمسائل التي خالف فيها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله الأئمة الأربعة ألا يوجد كتاب مُؤلَّف فيها؟ فأجاب رحمه الله: نعم يُوجدُ كتاب في هذا، جمع هذه المسائل بعض العلماء، وهي تزيد على عشرين مسألة؛ ولكنه رحمه الله لم يُخالفهم بمعنى أنه خرج على أقوالهم كلها، فتجده إذا اختار قولًا من الأقوال لا بُدَّ أن يكون له أصل لا سيما عند الإمام أحمد رحمه الله؛ ولكن يكون هذا القول الذي ذهب إليه غير مشهور، فيظن الظانُّ أنه خالف الأئمة الأربعة. تمكين الله له في الأرض ببقاء أقواله: قال الشيخ رحمه الله: التمكين في الأرض ليس معناه أن الإنسان يحكم الناس، ليكون سلطانًا عليهم، لا؛ بل قد يكون التمكين للإنسان في الأرض بتمكين قوله، حتى يكون له سلطان على المؤمنين. ولنأخذ شيخ الإسلام ابن تيمية مثلًا، فقد مكَّن الله له في الأرض أعظم من تمكين الولاة أنفسهم، فتمكين الولاة قد انقضى بموتهم، أما ابن تيمية رحمه الله، فقد مكَّن الله له بأن جعل قوله مُعتبرًا بين الناس، وما زالت أقواله باقية حتى الآن. قوله معتبر في أوساط المسلمين: قال الشيخ رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لم ينتفع الناس بكتبه إلا بعد أزمنة متطاولةٍ من موته، فقد كثر انتفاع الناس به، وإلى يومنا هذا إذا رأيت المناقشة بين طلاب العلم تجد القائل منهم يقول: قال شيخ الإسلام ابن تيمية كذا وكذا، فصار قوله رحمه الله قولًا معتبرًا في أوساط المسلمين. الوصية بكتبه: قال الشيخ رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية...ينبغي للإنسان أن يقرأ كتبه، ويستفيد منها؛ لأنني لا أعلم أحدًا ألف في الكتب لا في علم التوحيد، ولا في علم الفقه، ولا في علم السلوك، ولا في غيرها، مثل هذا الرجل، فعليك بكتبه إن كنت تنهل من النهر الصافي العذب. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أهدى الناس سبيلًا، وليس بمعصوم، فنحنُ لا ندَّعي العصمة لأحد من البشر إلا الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لكن الرجل رحمه الله له كُتب عظيمة، تزيدُ الإنسان إيمانًا وتوحيدًا، وإخلاصًا، ومعرفةً للهدى من الضلال، وأحثُّ إخواننا المسلمين أن يقرؤوا كُتبه، وأن يستمسكوا بغرره. قال جامعه: لقد أثنى ووصَّى الشيخ بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم رحم الله الجميع، وقد ذكرت ما قاله في مواضيع سابقة، منها: موضوع بعن وان " اقتناء الكتب ومحتويات المكتبة " ، وموضوع بعنوان " كتب فيها أبحاث مفيدة "، وموضوع بعنوان " رأي الشيخ ابن عثيمين في كتب ومصنفات ". اطلاعه واسع عظيم: قال الشيخ رحمه الله: له اطلاع واسع عظيم، وإذا شئت أن تعرف اطلاعه، فانظر رُدُودَهُ على أهل الكلام والفلاسفة، كيف يسرد لك عشرين كتابًا أو أكثر في مقام واحدٍ! مما يدل على سعة علمه واطلاعه رحمه الله، وعلى قوة استحضاره. له كلمات طيبة وعظيمة ومفيدة: قال الشيخ رحمه الله: ولشيخ الإسلام رحمه الله كلمه طيبة ولطيفة في هذا، إذا قال: " كُلُّ من كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا"، ويُضاف إليها أيضًا قولهم: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين"، وهي كلمات مختصرة مفيدة. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله... له.. كلمة مفيدة .. يقول: كنت أقول دائمًا، أو أظنُّ دائمًا، أن المنطق اليوناني- يعني علم المنطق- لا ينتفع به البليد، ولا يحتاجُ إليه الذكي، وعلم هذه مرتبتُه لا فائدة منه، فإذا كان البليد لا ينتفع به؛ لأنه يستدير رأسه قبل أن يعرف فصلًا من فصوله، والذكي لا يحتاج إليه؛ لأن جميع المقدمات والنتائج موجودة كُلُّها في عقل الإنسان العاقل، لا حاجة إليه. و قال رحمه الله: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "العقيدة الواسطية": "من تدبَّر القرآن طالبًا للهدى منه، تبيَّن له طريق الحق"، كلمة عظيمة فيها أمران: تدبُّر، وطلب الهدى، فـ (تدبر): الفعل، و(طالبًا للهدى): النية الصالحة، (تبين له طريق الحق) جواب الشرط. فالشيخ رحمه الله جزم به؛ لأنه موجود في القرآن لا شك في هذا، وقال رحمه الله: وهذه كلمة لشيخ الإسلام رحمه الله من أحسن الكلمات "الواجب على الخلق اتِّباع الكتاب والسنة، وإن لم يدركوا ما في ذلك من المصلحة والمفسدة". فائدة: قال الشيخ رحمه الله: ما قيل عن شيخ الإسلام أنه قال بفناء النار ليس بصحيح. تنبيه: قال الشيخ رحمه الله: وهنا تنبيه على ما كُتب في اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ولا يستحب الجهر بالذكر عقب الصلاة"، وهذا غلط محض، والصواب في العبارة "ويستحبُّ"، فمن عنده نسخة على هذا الوجه فليُصحِّحها. كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: • تفسير سورة القصص. • تفسير سورة الزمر. • التعليق على صحيح البخاري. • التعليق على المنتقى في أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم. • شرح مشكاة المصابيح. • مذكرة على العقيدة الواسطية. • شرح فتح البرية بتلخيص الحموية. • شرح اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم. • شرح القواعد المثلى في صفات الله تعالى وأسمائه الحُسنى. • التعليق على رسالة حقيقة الصيام، وكتاب الصيام من الفروع. • التعليق على القواعد النورانية. • منظومة أصول الفقه وقواعده. • شرح مختصر التحرير. • دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين. • لقاءات الباب المفتوح.
الغرق في البلل
عبدالله بن سعود آل معدي
06-02-2019
5,081
https://www.alukah.net//culture/0/132549/%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d9%82-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%84%d9%84/
الغرق في البلل ((يا مُقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، أجدر ما يُبدَأ به اليوم ويُنتهى إليه هو مثل هذه الأدعية التي يتشبَّث بها العبد حتى يلقى ربَّه، فإن مات ثابتًا - على أي حال - يُرجى له الخير بإذن الله. في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((واللهِ، ما الدُّنيا في الآخرةِ إلَّا مِثْلُ ما يَجعلُ أحدكُمْ إصبعَهُ هذه في اليمِّ، فلينظرْ بِمَ يَرجِعُ؟))؛ أخرجه مسلم. أي: إذا افترضنا أنك وقفت على شاطئ أحد محيطات العالم، ثم دنوت منه، وأدخلت إصبعك في هذا الخضمِّ الزاخر، ثم أخرجته، ونظرت إليه، فإنك تنظر إلى الدنيا كلها منذ أن خلقها الله إلى أن تقوم الساعة، وهي تسيل من إصبعك! إنها مجرد بلل التحفه إصبعك! تُرى: ما حظِّي وحظك وحظ الملايين من البشر والمخلوقات الأخرى من تلك الدنيا وما فيها والتي علقت على بنانك؟! ومع ذلك قال الله: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [الأعلى: 16] . المخيف في هذا عندما ترى هذا الحديث بعين، وترى المزالق الفكرية اليوم بعين أخرى، وتتساءل: هل يستحق ذلك الحظ لو قُسِّم بين الخلق أن يتنازل العبد من أجله عن دينه؟! أو يتتبَّع الرخص؟! أو يميِّع ثوابته؟! ثم هل من العقل أن يزاحم العبد الخليقة كلها على ذلك البلل المتعجل الذي ما يلبث أن يجفَّ، ويقدمه على ذلك المحيط الزاخر الهادر الذي لا يُرى له آخر؟! فيا لله عندما ترى فئامًا من الناس غرقوا في ذلك البلل إلى حدِّ الآذان: ﴿ رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا ﴾ [آل عمران: 8]. نص نبوي آخر يُقزِّم الدنيا في عيوننا، ويصورها كأنها ذرة في هذا الوجود مقارنة بالآخرة! هذا النص يجعل المتأمل متعجبًا من المشكِّك في حديث صحيح، أو المطالب بإسلام جديد، أو اللاهث وراء الشهرة في مخالفة الراجح، وكيف يقدم هؤلاء ضيق الدنيا على سعة الآخرة؟! هذا النص هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو كانتِ الدُّنيا تعدلُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ ما سقى كافرًا منها شربةَ ماءٍ))؛ صححه الألباني. ما يعنينا هنا هو الشقُّ الأول من الحديث، تعال نتأمَّل، كم هي مساحة جناح البعوضة؟ كم عرضه وطوله؟ لو افترضنا أن عرض جناحها هو بضعة مليمترات، ذلك يعني أن الدنيا من عهد آدم عليه السلام حتى تقوم الساعة ما هي إلا أقل من جناح بعوضة في الميزان الرباني، فإذا كانت الدنيا رخيصة هينة لهذا الحد، وبحالٍ بئيسةٍ كهذه، فما المساحة التي ستكون من نصيبك لو قُسِّم بعض هذا الجناح الدنيء على عالم الإنس والجن والمخلوقات من بدء الخلق حتى يوم القيامة؟ تخيل إذًا أن جزء جناح البعوضة الحقير ذاك جعل العالم يتقاتل من أجله منذ وجد الاختلاف الدنيوي، ومن أجله تهاجر كثيرٌ من الأقارب والإخوان، وسرقت أموال الناس، وباع البعض دينه، وعقدت مؤتمرات، وأسرف مفكرون في التغريد والتأليف واللقاءات التلفزيونية لمحاربة ثوابت الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله، كل أولئك من أجل مليمترات هينة! ولذلك حمى الله عباده الصالحين منها. إنهم لو أيقنوا بتلك السعة الأخروية المكتظة بالنعيم المتزايد؛ لعلموا هوان عقولهم! قال تعالى واصفًا تلك السعة: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133] ، وأين هذه السعة من تلك؟! إن مشاهدة الغيب بالقلب - كما عبَّر بهذا بعض العلماء - ترس واقٍ بإذن الله بعد فضل الله من سيوف الفتن والملذَّات، وإلا لم يثبت الرجال اليوم؟! ثمة لقطة أخيرة قبل إنتاج المشهد، أرأيت لو أن شيئًا ما هان عليك، فإنك بالطبع تتركه لأي أحد يعبث به؛ بل إذا هان عليك ربما رميته هنا أو هناك! كذلك الدنيا - ولله المثل الأعلى - هانت على الله؛ فأعطاها من يحب ومن لا يحب، لكن الآخرة لن يعطيها إلا من يحب، لن يعطيها إلا من ثبت لعواصف التغيير المخالِفة، ولم يصف الإرث النبوي بالرجعية، وعضَّ على ثوابته بالنواجذ.
آخر من مات من الصحابة والتابعين
د. محمد بن علي بن جميل المطري
05-02-2019
119,382
https://www.alukah.net//culture/0/132528/%d8%a2%d8%ae%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86/
آخر مَن مات مِن الصحابة والتابعين • آخر من مات من الصحابة العشرة المبشرين بالجنة: سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، توفي بالمدينة سنة 55 هجرية. • آخر من مات من الصحابة الذين شهدوا غزوة بدر: أبو اليَسَر كعب بن عمرو الأنصاري رضي الله عنه، توفي بالمدينة سنة 55 هجرية. • آخر من مات من أمهات المؤمنين زوجات النبي عليه الصلاة والسلام: أم سلمة المخزومية رضي الله عنها، توفت بالمدينة سنة 62 هجرية. • آخر من مات من الصحابة الذين شهدوا بيعة العقبة: جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ، توفي سنة 78 هجرية. • آخر من مات من الصحابة أهل بيعة الرضوان: عمرو بن حُرَيث رضي الله عنه، توفي في مكة سنة 85 هجرية. • آخر من مات من الصحابة الذين صلَّوا القبلتين: عبد الله بن بُسْر المازني رضي الله عنه ، توفي بالشام سنة 88 هجرية. • آخر الصحابة موتاً بالمدينة ممن لهم رواية كثيرة عن النبي عليه الصلاة والسلام: سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه ما، توفي سنة 88 هجرية. • آخر الصحابة موتاً بالمدينة ممن رأى النبي عليه الصلاة والسلام في صغره: محمود بن الربيع الخزرجي رضي الله عنه، توفي سنة 99 هجرية. • آخر من مات من الصحابة المكثرين من الحديث: أنس بن مالك الأنصاري رضي الله عنه خادم النبي عليه الصلاة والسلام، مات بالبصرة سنة 93 هجرية. • آخر الصحابة موتاً بالإجماع: أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي رضي الله عنه، توفي في مكة سنة 110 هجرية. • آخر من رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من التابعين الحفاظ المكثرين من الحديث: أبو إسحاق السبيعي الهمداني، توفي في الكوفة سنة 129 هجرية، في آخر عهد الدولة الأموية. • آخر من رأى علي بن أبي طالب رضي الله عنه من التابعين مطلقاً: عبد الملك بن عُمَير الكوفي، المتوفى سنة 136 هجرية، في عهد الدولة العباسية. • آخر مَن مات مِن التابعين الحفاظ المكثرين من رواية الحديث: سليمان بن مهران الأعمش، توفي سنة 148 هجرية. • آخر التابعين موتاً خَلَفُ بن خَلِيفَةَ الكوفي المعمَّر، توفي سنة 181 هجرية وقد جاوز عمره المائة، أخبر عن نفسه أنه رأى الصحابي عمرو بن حُريث وعمره سبع سنوات؛ ولهذا عده بعضهم آخر التابعين موتاً، وقيل: لم يثبت أنه رأى عمرو بن حريث، والله أعلم. المراجع: ♦ التاريخ الكبير للإمام البخاري (3/ 194) و (5/ 427) و (6/ 347)، تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي (12/ 190) و (14/ 81) و (14/ 334)، تاريخ الإسلام لمؤرخ الإسلام الذهبي (2/ 1167) و (2/ 1201) و (4/ 846)، الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر العسقلاني (2/ 438) و (4/ 21) و (7/ 193) و (7/ 381)، فتح المغيث للسخاوي (4/ 146)، تدريب الراوي للسيوطي (2/ 691 - 697).
صناعة القدوة
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
03-02-2019
9,688
https://www.alukah.net//culture/0/132482/%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%af%d9%88%d8%a9/
بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) صناعة القدوة • القدوة: هو كل مَن يُتخذ مثالًا يُقتدى بشخصه، وأُسوة يُحتذى بفعاله، وقائدًا يُسار على منواله، ورائدًا يترسَّم طريقه ومساره. • القدوة تكون في الأمور والخصال الحسنة والمحمودة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [السجدة: 24]، وتحصل في الأشياء السيئة والمذمومة؛ كما في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ﴾ [القصص: 41]. تكمُن أهمية ودور القدوة في الأمور التالية: 1- المثال الحي يثير في النفس قدرًا كبيرًا من الاستحسان والإعجاب، والتقدير والمحبة، والإذعان والانقياد. 2- القدوة الحسنة تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ الفضائل والمكارم من الأمور المقدورة والمستطاعة. 3- دعوة القرآن والسنة للتأسي بالقدوات الحسنة: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ﴾ [الأنعام: 90]، (عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي). 4- التوجيه والتحذير من التأثر بالنماذج السيئة: ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ... ﴾ [القصص: 82]. 5- الجزاء العظيم الذي يناله القدوة والأسوة: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مَن تبِعه). 6- عِظمُ أثر القدوات في المسيرة التاريخية على الفكر والسلوك والأفراد والمجتمعات؛ عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله عز وجل يبعَث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدِّد لها دينها)؛ رواه أبو داود. 7- التغيرات الكونية والتحولات القدرية المتتابعة والمتلاطمة، وخاصة في آخر الزمان. 8- النقص الواضح والقصور الكبير في صناعة وصياغة القدوات في كافة المجالات والتخصصات العلمية والعملية. تتطلب صناعة القدوة، وإعداد الأسوة، جملةً من العوامل والوسائل؛ من أبرزها: 1- التربية العلمية والعملية ( الفكرية والسلوكية) للأفراد والمجتمعات. 2- قيام المحاضن التربوية ( الأسرة والمسجد والمدرسة ) بمهامها التحصينية والبنائية والعلاجية. 3- استشعار المسؤولية وتحمُّل الأمانة للقيام بالواجبات تجاه النفس والأهل والمجتمع والأمة. 4- الإفادة من السنن والمثلات الإلهية، والعلوم والقواعد الإنسانية، والنظريات والفرضيات الاجتماعية في التخطيط والتنظير، والتفاعل والتعامل مع التحولات والتغيرات. 5- الحماية الفكرية والحصانة السلوكية من الانجرار والانجراف خلف الملذات الدنيوية والنزاعات والتجاذبات الفكرية والمتغيرات الاجتماعية. 6- التواصل الدائم والارتباط الوثيق، والعمل المشترك والمؤازرة المستمرة مع القدوات المتنوعة والمختلفة. 7- المراجعة الدائبة والنقد البناء، والتقويم المتزن للأوضاع والأحوال والمكتسبات والإنجازات. 8- إعداد المشاريع والخطط والمراكز والمعاهد المتخصصة في صناعة القدوات في كافة التخصصات. 9- الإفادة من البحوث والدراسات الفكرية والثقافية المعنية بالتغيرات الفكرية، والظواهر الاجتماعية، والتقلُّبات الدولية في تحديد الأولويَّات، وبناء الإستراتيجيات وتقييم الواقع، واستشراف المستقبل. ثمرات وفوائد صناعة القدوة تتجلى في الآثار التالية: 1- التغيير في الأفكار والأنفس والأفراد والمجتمعات. 2- الانخراط في المقامات العلية والمراتب السنية: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ﴾ [السجدة: 24]. 3- تورث للفرد قوةَ القلب ورباطة الجأش، وعزة النفس، وروحانية الفؤاد، ورجاحة العقل وحُسن التصرف. 4- السير في ركاب الروَّاد المؤثرين والقادة الفاعلين. 5- رفع الحرج عن الأمة بالقيام بالواجبات الكفائية والحقوق الاجتماعية، والخدمات التطوعية. 6- سد الثغرات وتضييق الفجوات، وتكميل النقص الحاصل في المواهب والتخصصات التي تحتاجها الأمة. 7- المدافعة والمقاومة لمحاولات الذوبان والانصهار في الأفكار والتوجُّهات المنحرفة والضالة. 8- تقديم النماذج المفضلة والمُثُل المتكاملة للتأسي والاقتداء للأجيال الواعدة والصاعدة. 9- الإعذار إلى المولى جل وعلا بالقيام بالواجب تجاه النفس والأهل والمجتمع والأمة قدرَ المتاح والمستطاع. • ومضة: قال مجاهد في قول الله تعالى: ﴿ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74]؛ قال: "أئمة نقتدي بمن قبلنا، ويَقتدي بنا مَن بعدَنا"؛ قال الحافظ في الفتح (13/ 265): أخرجه الفريابي والطبري وغيرُهما بسند صحيح.
ماذا تعرف عن كتاب الجامع لمعمر بن راشد الصنعاني؟
د. محمد بن علي بن جميل المطري
03-02-2019
20,019
https://www.alukah.net//culture/0/132479/%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%a7-%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%81-%d8%b9%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9-%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%b1%d8%a7%d8%b4%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%86%d8%b9%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%9f/
ماذا تعرف عن كتاب الجامع لمعمر بن راشد الصنعاني؟ معمر بن راشد ولِد في البصرة سنة 95 هجرية، وبدأ كتابة الحديث النبوي سنة 110 هجرية، وبلغ عدد شيوخه 88 شيخًا، منهم كبار الحفاظ في زمانه كقتادة بالبصرة، وأبي إسحاق السبيعي والأعمش بالكوفة، والزهري وعمرو بن دينار بالحجاز، وقد رحل معمر إلى اليمن لطلب العلم عند همام بن منبه اليماني وغيره، فكره أهل صنعاء أن يفارقهم لما رأوا سعة علمه، فقال لهم رجل: قيِّدوه! فزوَّجوه، فأقام في صنعاء يعلم الناس عشرين عامًا حتى توفي رحمه الله في صنعاء سنة 154 هجرية وعمره 58 عامًا. ومن أشهر تلاميذ معمر: الحافظ الكبير عبد الرزاق الصنعاني، فقد روى عنه كثيرًا من الأحاديث، وذكره في مؤلفاته 9330 مرة!! قال الذهبي: معمر بن راشد الإمام الحافظ، كان من أوعية العلم، مع الصدق، والتحري، والورع، والجلالة، وحسن التصنيف، وهو أول من صنَّف في اليمن. فماذا تعرف عن كتاب معمر الذي يُعتبر من أول ما أُلِّف من الكتب في الإسلام؟! اسم كتابه ((جامع معمر))، وهو أقدم من كتاب الموطأ لمالك، وقد قدَّمنا أن معمر بن راشد ولد في أواخر القرن الأول الهجري سنة 95 هجرية، أي: أنه ولد بعد سنتين فقط من وفاة الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه المتوفى سنة 93 هجرية، فقد طلب معمر العلم في حياة كثير من التابعين الذين رأوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. واشتمل كتابه " جامع معمر " على 1645 حديثًا، بعضها مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبعضها موقوف على الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم وأفعالهم وأخبارهم، وبعضها من أقوال التابعين في التفسير والفقه والزهد والآداب، وأسانيد معمر عالية، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم راويان أو ثلاثة فقط، فهو يروي عن الزهري عن أنس بن مالك، ويروي عن قتادة عن أنس، ويروي عن الزهري عن سهل بن سعد الساعدي، ويروي عن همام بن منبه اليماني عن أبي هريرة، ويروي عن أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب، ويروي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس، ويروي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس، ويروي عن عبد الله بن طاوس اليماني عن أبيه عن ابن عباس، ويروي عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة. وكتاب جامع معمر مطبوع في مجلدين، ولكون راوي جامع معمر تلميذه عبد الرزاق الصنعاني فقد أُلحق عند الطبع بكتاب المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، فهو المجلد العاشر والحادي عشر من المصنف لعبد الرزاق. واعلم أن البخاري ومسلمًا ولِدا بعد موت معمر بأمد طويل، فتقدم أن معمرًا توفي سنة 154 هجرية، والبخاري ولد سنة 194 هجرية، أي: بعد وفاة معمر بــ 40 عامًا، ومسلم ولد سنة 204 هجرية، أي: بعد وفاة معمر بــ 50 عامًا، فنقول لمن يوهِم العوام أن البخاري ومسلمًا هما أول من دون الأحاديث: قد دوَّن الحديث شيوخ البخاري ومسلم وشيوخ شيوخهما وشيوخ شيوخ شيوخهما، فلن تستطيعوا أن تشككوا المسلمين في سنة نبيهم، ولن يصدقكم إلا من كان جاهلاً مثلكم، بعيدًا عن أهل العلم وسؤالهم. وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما كثيرًا من الأحاديث التي في جامع معمر، إما من طريق معمر أو من طريق بعض قرناء معمر أو من طريق بعض شيوخه أو من طريق شيوخ شيوخه، ونجدها موافقة تمامًا لما في جامع معمر، وهذا يدل على إتقان البخاري ومسلم، وإليكم مثالين يوضحان ذلك، فبالمثال يتضح المقال: المثال الأول: قال معمر بن راشد كما في جامعه المطبوع في آخر مصنف عبد الرزاق رقم (19656): عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لله تسعة وتسعون اسمًا مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)). فهذا الحديث رواه معمر عن شيخه أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ورواه معمر أيضًا عن شيخه همام عن أبي هريرة، فلمعمر في هذا الحديث إسنادان، الأول بينه وبين النبي ثلاثة رواة، والثاني بينه وبين النبي راويان فقط. وقد روى هذا الحديث مسلم في صحيحه رقم (2677) من طريق معمر نفسه، قال الإمام مسلم: حدثني محمد بن رافع، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وعن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)). فانظر موافقة ما في صحيح مسلم لما في جامع معمر تمامًا بالحرف الواحد في المتن والإسناد! وقد روى البخاري هذا الحديث من غير طريق معمر، قال الإمام البخاري في صحيحه رقم (7392): حدثنا أبو اليمان، قال: أخبرنا شعيب، قال: حدثنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعة وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، من أحصاها دخل الجنة)). فهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه من طريق شيخ شيخ معمر، وهو الصحابي أبو هريرة نفسه. المثال الثاني: قال معمر بن راشد كما في جامعه المطبوع في آخر مصنف عبد الرزاق رقم (20933): عن قتادة، عن أنس بن مالك عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة، طعمها طيب، وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب، ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحان، ريحه طيب، وليس له طعم، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، ريحها مُنتِن، وطعمها منتن)). وقد روى البخاري هذا الحديث من طريق قرين معمر وهو همام بن يحيى العوذي، فقال الإمام البخاري في صحيحه (5020): حدثنا هدبة بن خالد قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك، عن أبي موسى الأشعري، وذكر متن الحديث السابق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ورواه البخاري أيضا هذا الحديث من طريق زميل ثانٍ لمعمر، وهو الحافظ المشهور شعبة، فقال البخاري في صحيحه (5059): حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن أبي موسى، وذكر الحديث. وكرر البخاري أيضًا هذا الحديث من طريق زميل ثالث لمعمر، وهو الحافظ المشهور أبو عوانة الوضاح، فقال البخاري في صحيحه (5427): حدثنا قتيبة، قال: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، عن أبي موسى الأشعري، وذكر الحديث. وروى مسلم هذا الحديث من طريق أبي عوانة عن قتادة فقال الإمام مسلم في صحيحه (797): حدثنا قتيبة بن سعيد، وأبو كامل الجحدري، كلاهما عن أبي عوانة عن قتادة، عن أنس عن أبي موسى الأشعري، وذكر الحديث. ورواه مسلم أيضا من طريق همام عن قتادة، فقال مسلم: حدثنا هداب بن خالد، قال: حدثنا همام، ورواه مسلم أيضا من طريق شعبة عن قتادة، فقال: وحدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، كلاهما همام وشعبة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فرحم الله أهل الحديث، فبهم حفظ الله لنا سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ومن اطلع على طرق أحاديث البخاري ومسلم، سيثلج صدره أن كل حديث في صحيح البخاري وصحيح مسلم قد تابعه على روايته غيرهما من أقرانهما أو شيوخهما أو شيوخ شيوخهما، كما رأينا في المثالين المذكورين، وكذلك تابعه على روايته من جاء بعدهما من غير طريق البخاري ومسلم. فلو أن البخاري ومسلمًا لم يكونا موجودين، فالأحاديث الصحيحة محفوظة في كتب غيرهما، فليست الأحاديث الصحيحة محفوظة في صحيح البخاري وصحيح مسلم فقط، بل هي محفوظة أيضًا في كتب أهل الحديث الذين كانوا من قبل البخاري ومسلم كجامع معمر بن راشد وموطأ مالك ومسند عبد الله بن المبارك ومصنف عبد الرزاق الصنعاني ومصنف ابن أبي شيبة ومسند إسحاق بن راهويه ومسند أحمد بن حنبل وغيرها من الكتب المطبوعة، وبعض هذا الكتب موسوعات كبيرة جدًّا، فيها من أحاديث النبي وأقوال أصحابه والتابعين وأخبارهم الشيء الكثير، فمثلاً مصنف عبد الرزاق الصنعاني عدد أحاديثه (19418) أي: ما يقارب عشرين ألف حديث، منها المرفوع إلى النبي والموقوف عن الصحابي والمقطوع عن التابعي أو أتباع التابعين، ومصنف ابن أبي شيبة عدد أحاديثه المرفوعة والموقوفة والمقطوعة (37943)، ومسند أحمد بن حنبل عدد أحاديثه (27647)، وغالبها أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومنها الصحيح والضعيف، وكثير منها مكرر. أما البخاري ومسلم فقد اقتصرا في صحيحيهما على أصح الأحاديث النبوية، فعدد أحاديث صحيح البخاري (2500) حديث تقريباً بدون تكرار، وعدد أحاديثه مع التكرار (7563)، وعدد أحاديث صحيح مسلم (3033) حديثًا بلا تكرار. ونؤكد ما تقدم تقريره من أن كل حديث في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم قد رواه غيرهما من علماء الحديث بحمد الله، وهذه كتبهم موجودة تشهد بذلك لكل من اطلع عليها، وهذه الحقيقة يخفيها الطاعنون في الصحيحين، ويوهمون العوام أن البخاري ومسلمًا هما اللذان كتبا هذه الأحاديث للناس، ويخفون عن الناس هذه الحقيقة التي يكرهونها، وهي أن كل الأحاديث التي في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم موجودة في كتب الحديث، التي كان بعضها موجودًا من قبل أن يُخلق البخاري ومسلم، والحمد لله رب العالمين.
الاستدانة بقدر الحاجة
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
02-02-2019
10,841
https://www.alukah.net//culture/0/132460/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%86%d8%a9-%d8%a8%d9%82%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%ac%d8%a9/
الاستدانة بقدر الحاجة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو الله عز وجل بأدعية عظيمة منها: ((اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واقضِ عني ديني))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال)). فَهِمَ بعضُهم من المقال السابق عن " فقاعة الديون " أن الديون مكروهة بكل حال، مع أن الشريعة الإسلامية أباحت البيع المؤجَّل، وثمنه دين في الذمة، كما أباحت الاقتراض، وحثَّت على إقراض المحتاج، فهل الدَّين مكروه بكل حال، أم إنه يُكره في حال دون حال؟ نقول: إن الله تعالى بحكمته وعلمه بمصالح العباد، أباح الدين عند الحاجة، فلا بأس بالدين بشرط ألا تُستخدم المديونية فيما هو مذموم شرعًا؛ فقد روى عبدالله بن جعفر رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن دينه فيما يكره الله))؛ رواه الحاكم، والدارمي، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع/ 1825. وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدَّى الله عنه، ومَنْ أخذ أموال الناس يريد إتلافها، أتلفه الله))؛ رواه البخاري، ورجَّح ابن حجر رحمه الله، في تعليقه على هذا الحديث، أن المدين إذا مات قبل الوفاء بغير تقصير منه، كأن يعسر مثلًا، أو يفاجئه الموت، وله مال مخبوء، وكانت نيَّتُه أن يؤدي الدين من هذا المال، فإنه لا يعتبر مؤاخذًا عند الله يوم القيامة. وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم، على إقراض المحتاجين، ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، قال: سمِعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يقول: ((مَنْ مَنح مَنيحةَ لَبَنٍ أو ورِقٍ، أو هَدَى زُقاقًا؛ كان له مثلُ عِتْقِ رَقَبَة))؛ رواه أحمد، والترمذي، واللفظ له، وابن حبان في «صحيحه»، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، ومعنى قوله: ((منح منيحة ورِق)) إنما يعني به قرض الدرهم، وقوله: ((أو هَدَى زُقاقًا))؛ إنما يعني به هداية الطريق، وهو إرشاد السبيل. وفي حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ((كلُّ قرض صدقة))؛ رواه الطبراني بإسناد حسن، والبيهقي، وفي حديث أبي أمامة رضي الله عنه، عن النبي، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ((دخل رجل الجنة، فرأى مكتوبًا على بابها: الصدقةُ بعشرِ أمثالها، والقرضُ بثمانية عشر))؛ رواه الطبراني والبيهقي، كلاهما من رواية عتبة بن حميد. وفي حديث عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه أنَّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: ((ما من مسلم يُقرضُ مسلمًا قرضًا مرتين؛ إلا كان كصدقتها مرة))؛ رواه ابن ماجه، وابن حبان في «صحيحه»، والبيهقي مرفوعًا وموقوفًا. وما أفضل أن تتجه البنوك إلى إقراض المحتاجين من باب المسؤولية الاجتماعية بلا فوائد، لا سيما أن سنة القرض تكاد أن تنعدم في الوقت الحالي. ومن المستحب للمدين أن يكثر من الأدعية التي وردت فيمَنْ عليه دين، فمن ذلك ما رواه عليٌّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أعلمك كلمات لو كان عليك مثل جبل صير دينًا أدَّاهُ الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمَّن سواك))؛ رواه أحمد 1318، والترمذي 3563، والحاكم 1973، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع: 2625، وجبل صير: جبل قرب حائل. وفي حديث أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، قال: "دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال: ((يا أبا أمامة، ما لي أراك جالسًا في المسجد في غير وقت صلاة؟))، قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: ((أفلا أُعلِّمُك كلامًا إذا أنت قلته أذهب الله همَّكَ، وقضى عنك دينك؟))، قال: قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال))، قال: ففعلت، فأذهب الله همِّي وقضى عني ديني»؛ رواه أبو داود 2 /195. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدعو الله عز وجل بأدعية عظيمة منها: ((اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واقضِ عني ديني))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين وغلبة الرجال))، وضلع الدين هو: ثقله، وهو ألَّا يجد الدائن من حيث يؤدي، وفي رواية: ((من غلبة الدين وقهر الرجال)). وعن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يدعو في الصلاة، ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم))، المغرم: ما يغرمه الإنسان بسبب الدين مثلًا، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المأثم والمغرم؟ قال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف))؛ رواه البخاري.
الاعتدال في الطعام والشراب
أ. د. علي فؤاد مخيمر
31-01-2019
40,744
https://www.alukah.net//culture/0/132440/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d8%a8/
الاعتدال في الطعام والشراب قال الله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]. ها هي سنة الله في كونه، تمرُّ الأيام والسنون والكلُّ يتغيَّر، وسبحان من يُغيِّر ولا يَتغيَّر، جاء رمضان، وانتهى رمضان كأنه سوق، ربح فيها من ربح، وخسر فيها من خسر، ولست ممَّن يرون أن السعيد والموفَّق فيمن التزم في هذا الشهر الكريم فقط، محافظًا على الصلاة والصيام والقيام وقراءة القرآن؛ وإنما أرى السعيد بحقٍّ من يستطيع أن يكون في بقية العام كما كان في رمضان. ونحن نودِّع رمضان المبارك بنهاره الجميل ولياليه العطرة، نُودِّع شهر القرآن والتقوى، والصبر والرحمة، والمغفرة والعتق من النار، ينبغي ألَّا نَنكُثَ عهدنا مع الله بعد هذا الشهر؛ فليست الأعمال الصالحة خاصةً برمضان، فكلُّ الأيام وكل الأوقات الأبوابُ فيها مفتوحةٌ لرحمة الله ومغفرته، فاحذروا أحبتي في الله من أن نكون من عُبَّاد رمضان؛ فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان. ربُّ رمضان هو ربُّ كل الشهور: إن مصيبة الغالبية العظمى إلا من رحم الله عز وجل، في نقضها العهد مع ربِّها بعد رمضان، كأن لسان حالهم يقول: إن ربَّ رمضان غيرُ ربِّ شوال وذي القعدة وبقية العام. إنهم أشبه بمن ضرب الله عز وجل بها المثل في قرآنه حين قال جل شأنه: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴾ [النحل: 92]. بماذا نصف التي تظلُّ طوال ليلها تغزل حتى إذا ما جعلته صنعة طيبة بعد عناء وتعب إذ بها تنقض غزلها خيطًا خيطًا، فهل تجد غير الجنون وصفًا لها؟ وهذا حال من يعود بعد رمضان إلى المعاصي، وما كان عليه من تفريط في حقِّ ربه! وحتى نكون عمليين بشكل أكبر، فهذه أشياء تساعد المسلم على أن يظلَّ كما هو على الطاعة بعد انقضاء رمضان. 1 – المحافظة على الصلوات الخمس في جماعة : وخصوصًا صلاة الفجر، فما أعظمها من رمزية لوحدة الأمة، وتلبية العبد لنداء ربه، ولنحذر أن نكون سببًا في خراب المساجد بعد إعمارها في صلاة التراويح التي هي سنة نراها قد قلَّ روَّادُها في الفرض. 2 - المداومة على قراءة القرآن : فالقرآن لم ينزل لرمضان فقط؛ وإنما نزل ليكون دستور الحياة في رمضان وفي غيره، فيجب أن نحافظ عليه؛ حتى لا نكون ممن يشكوهم الرسول صلى الله عليه وسلم قائلًا : ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30] . 3 - قيام الليل : فهو شرف المؤمن، وقد تدرَّبنا على طرف منه في رمضان، فلا ينبغي بحال أن نهمله بعد رمضان، فقيام الليل مشروع في كل ليلة ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ [الذاريات: 17] . 4 – الدعاء : قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فالدعاء هو العبادة وقد ابتهلت لله كثيرًا في رمضان، فلا تحرم نفسك هذا الخير بعده. 5 - الصوم: فإن كان صيام رمضان قد انتهى، فهناك صيام النوافل كالست من شوال والاثنين والخميس والأيام القمرية من كل شهر هجري ويوم عرفة وغيره. 6 - وكذلك إن مضت زكاة الفطر : فهناك الزكاة المفروضة، وهناك أبواب للصدقة والتطوُّع كثيرةٌ لرفع الحرج عن المستضعفين. وقد تعوَّدنا في شهر الصيام تناول وجبتي الإفطار والسحور، الأمر الذي أراح الجهاز الهضمي، وجعل المعدة في أحسن حالاتها خلال شهر الصيام، فليست هناك حموضة أو ارتجاع للطعام، ومن الأخطاء إقبال الكثيرين من الصائمين نهاية الشهر الكريم ومع أول أيام العيد على تناول كميات كبيرة من الكعك والبسكويت والعصائر والمياه الغازية، غير مكترثين بحاجة المعدة لانتقال تدريجي من الصيام إلى الإفطار؛ مما يُعرِّضهم لمشاكل كبيرة؛ مثل: عسر الهضم والحموضة الزائدة، واضطرابات الجهاز الهضمي. فكيف يمكن إذًا تجنُّب اضطرابات المعدة بعد رمضان؟ وكيف يمكن الانتقال للإفطار بشكل صحي آمن؟ بدايةً يجب أن يكون معلومًا أن الجهاز الهضمي يتعوَّد في رمضان على نظام تناول الطعام من خلال وجبتي الإفطار والسحور فقط، وحتى يتعوَّد الجهاز الهضمي على استقبال ثلاث وجبات لا بد من التدرُّج، ومن الخطأ الإقبال على حلوى العيد من الكعك والبسكويت وغيرها التي تتَّسم بزيادة محتواها من الدهون والنشويات، فكثرة تناول حلوى العيد يُربك الجهاز الهضمي، ويؤدي إلى الشعور بالانتفاخ والغازات والحموضة مما يُربك الإنسان؛ لذلك لا بد من التحوُّل التدريجي من وجبات رمضان إلى وجبات العيد وما بعد رمضان، فنبدأ بتناول كمية قليلة من حلوى العيد في وجبة واحدة فقط لمدة يومين، ثم يمكن تناول حلوى العيد في وجبتين بعد ذلك (كالإفطار والغداء)، مع مراعاة عدم إدخال الطعام على الطعام حتى موعد الوجبة التالية؛ ليبدأ تناول وجبة طعام جديدة متنوعة ومتوازنة مع وجود الأغذية الطازجة من فواكه وخضراوات وغيرها، ويجب مراعاة تناول وجبة العشاء مبكرًا، وأن تحتوي على الفاكهة والخضار، ويُنصح بالعودة إلى الصيام مرةً أخرى على هدي ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من صيام ستة أيام من شوال متفرقة أو متتالية، فهي فرصة جيدة لاستعادة نشاط الجهاز الهضمي وكذلك ننصح بممارسة الرياضة؛ كالمشي مثلًا لمدة نصف ساعة يوميًّا لتنشيط الجهاز الهضمي، وخاصة بعد انقطاع صلاة الليل (القيام)، فالمشي يُحسِّن وظائف الهضم والامتصاص، ويؤدي إلى عدم تخزين الدهون. سلوكيات خاطئة: من السلوكيات المحزنة الإسراف في الإعداد لعيد الفطر، وتكليف النفس فوق طاقتها، والتبذير في الإنفاق في لباس وهيئة ولعب ومباهج وصناعة الكعك والبسكويت؛ لذلك نرى البيوت في آخر ليالي رمضان قد تحوَّلت إلى أفران ومصانع لصناعة الحلوى والكعك، وتركوا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم من الاعتكاف في العشر الأواخر تحريًا لليلة القدر، فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» [1] ؛ "رواه مسلم". ويؤكد الأطباء وخبراء التغذية أن هناك بعض السلوكيات الخاطئة التي يقع فيها الكثيرون مع بداية أول أيام العيد، فتُسبِّب له مشكلات صحية عديدة، ومن ذلك: • تناول كميات كبيرة من الكعك والبسكويت وغيرهما من الحلوى والمعجنات تزيد على المسموح به للجسم من النشويات والدهون؛ مما يؤدي إلى زيادة السعرات الحرارية للجسم التي تفوق احتياجاته، لما لها من تأثيرات سلبية على الصحة. • كذلك تناول الأسماك المملَّحة (كالفسيخ والرنجة) والبصل بكميات كبيرة، وما يصاحبه من تناول كميات كبيرة أيضًا من الخبز والمياه الغازية؛ مما يؤدي إلى زيادة الأملاح، وبالتالي التعرُّض لارتفاع ضغط الدم، والإصابة بالصداع، والشكوى من أعراض تتعلَّق بالكلى والكبد، بالإضافة إلى أن بعض المنتجات من هذه الأطعمة قد تكون ملوثةً؛ فينتج عن ذلك خطرٌ على الصحة، سواء كان هذا الخطر ناتجًا عن التسمُّم، أو الإصابة بميكروب السالمونيلا والتيفود والباراتيفود، كما يمكن أن يتسبَّب هذا التسمُّم إذا كان حادًّا في حدوث هبوط بالضغط والدورة الدموية؛ مما يؤدي إلى الإصابة ببعض الأمراض التي تؤثر على الجهاز العصبي، كما أنها قد تؤدي في بعض الحالات للوفاة، كذلك فإن تناول كميات كبيرة من المياه الغازية يؤدي إلى زيادة كمية الأحماض المتناولة خلال هذه الفترة؛ مما يُعرِّض المعدة للحموضة الزائدة، كما أن زيادة الأحماض نتيجة المشروبات والعصائر يؤدي إلى خلل في الترسيب الطبيعي للكالسيوم في الأسنان والعظام؛ مما يؤدي لتسوس الأسنان وضَعفها، بالإضافة إلى هشاشة العظام؛ لذلك ينصح الأطباء بتقليل المشروبات الغازية والعصائر المعلبة، والإكثار من تناول الألبان بصورة دورية؛ للحفاظ على كمية الكالسيوم الذي يستفيد منه الجسم، كما ينصح في أول أيام العيد بأن تكون وجبة الإفطار من الأغذية الخفيفة، وعدم تناول كمية كبيرة من الكعك؛ لتجنُّب الإصابة وعسر الهضم بالحموضة الزائدة التي قد تصل للقيء، والحرص على تناول الأطعمة التي تتميَّز بسهولة الهضم والامتصاص؛ حتى لا يرهق الجهاز الهضمي، والعاقل الذي لا يُسرف في الطعام والشراب؛ حتى لا يؤدي إلى الضغط على أجهزة الجسم فتستهلك بسرعة، وعلى رأسها القلب والكبد. ويؤكد الطب الحديث أننا لو رشَّدنا طعامنا، لكان وضعنا الصحي أحسن حالًا، ومن هنا كانت وصية الإسلام حتى للصائم الذي يُفطِر بعد جوع نهاره، ألَّا يُسرف في الأكل لقوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31] ، وصدق المعصوم إذا يقول: ((بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صُلْبه، فإن كان ولا بد فاعلًا، فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنفَسِه))؛ "رواه النسائي". فالترشيد في الطعام والشراب هو دواءٌ وعلاجٌ لأمراض البطن المستعصية، وقد قيل: المعدة بيت الداء، والحِمية رأس الدواء، وقيل أيضاً: البطنة تذهب الفطنة، وما أصدق الحكمة القائلة: قليل من الصوم يُصلح المعدة. نصائح مهمة: • الاعتدال وعدم الإسراف في إعداد الأطعمة والحلويات للاحتفال بالعيد. • مراعاة الأشخاص المصابين بأحد الأمراض المزمنة؛ وذلك بإعداد بعض الأصناف التي تتناسب مع مرضهم ومع حميتهم الغذائية، كذلك مراعاة الزوَّار وعدم إلزامهم بتناول جميع الأصناف الموجودة على المائدة، فعلى سبيل المثال يُفضَّل تقديم الشاي والعصير بدون سكر للمصابين بداء السكر، وكذلك توفير الحلويات المخصَّصة لمرضى السكر التي لا تؤدي إلى ارتفاع سكر الدم لديهم. • المحافظة على كمية الطعام القليلة التي تعوَّدت عليها أجسامُنا أثناء شهر الصوم؛ لنتخلَّص بالتدريج من الزيادة في الوزن التي نكتسبها عادة مع التقدُّم في العمر. • إذا كنت شخصًا بدينًا، ونقص وزنك أثناء صيام شهر رمضان، فعليك المحافظة على هذا الوزن، وأن تستمرَّ في ممارسة نفس العادات الغذائية والسلوك الغذائي الذي اكتسبته خلال وبعد عيد الفطر؛ للتخلُّص من السِّمنة التي تُعدُّ خطرًا على صحتك. • الاعتدال في إقامة الولائم بالمنزل، وفي تلبية الدعوات إليها من قِبل الآخرين، فهي لا تخلو من اللحوم الدسمة الضارة بالصحة. رمضان فرصة للتوقُّف عن التدخين : من المؤكَّد أن فوائد التوقُّف عن التدخين تبدأ منذ اليوم الأول الذي يُقلع فيه المرء عن التدخين، فمتى توقَّف عن التدخين بدأ الدم يمتصُّ الأُكسجين بدلًا من غاز أول أُكسيد الكربون السام، والمدخنون الذين يريدون الإقلاع عن هذه العادة الذميمة، سوف يجدون في رمضان فرصةً جيدةً للتدريب على ذلك. ومن أقوال الحكماء: قال لقمان عليه السلام لابنه: «يا بني، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وخرست الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة»، وقال بعض الحكماء: «قلِّل طعامك تحمد منامك»، وقال عمر رضي الله عنه: «مَن كثُر أكلُه لم يجد لذكر الله لذةً». أعزَّائي القُرَّاء، ينبغي أن يحرص الإنسان منَّا على أعمال البر والخير، وأن يكون في يوم العيد بين الرجاء والخوف، نرجو من الله القبول ونخاف عدم القبول. أسأل الله أن يتقبَّل منا ومنكم الصيام والقيام وسائر الأعمال، وأن يجعل عيدنا سعيدًا، وأمتنا منصورة. [1] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: صلاة التراويح، باب: العمل في العشر الأواخر من رمضان (3/ 47/ 2024)، ومسلم في صحيحه، كتاب: الاعتكاف، باب: الاجتهاد في العشر الأواخر من رمضان (2/ 832/ 1174) من حديث عائشة رضي الله عنها.
فقاعة الديون
د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
31-01-2019
8,565
https://www.alukah.net//culture/0/132434/%d9%81%d9%82%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86/
فقاعة الديون يُعتبر التهافُت لشغل الذمم بالديون من سمات هذا العصر؛ فالبنوك وشركات التمويل تتنافس لكسب عملاء جُدُد وبشروط أكثر تيسيرًا، وهذا ما يدقُّ ناقوس الخطر لتضخُّم الديون لدرجة كبيرة، حتى صار من المعتاد أن يبحث بعض المواطنين عن تمويل بطريق «التورق» من شركات تقسيط بأسعار مرتفعة لغرض سداد ديون قائمة، وقد حذَّرت الشريعة من التساهُل في أمر الدين فمن ذلك: ما رواه محمد بن جحش رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبحان الله! ماذا أنزل من التشديد في الدين، والذي نفسي بيده، لو أن رجلًا قُتِل في سبيل الله، ثم أحيي، ثم قتل، ثم أحيي، ثم قتل، وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يُقضى عنه دينه))؛ رواه أحمد والنسائي والحاكم، وحسنه الألباني في صحيح الجامع/ 3600. ويقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((إن قتلت في سبيل الله صابرًا محتسبًا، مقبلًا غير مدبر، كفَّر الله عنك خطاياك إلا الدين، كذلك قال لي جبريل آنفًا))، وفي حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من فارق الروح جسده، وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول))؛ رواه أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائي وابن حبان والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع/ 6411. وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أُحُد ذهبًا، ما يسرُّني ألا يمرَّ عليَّ ثلاثة أيام وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدَين))، وقد قرر العلماء أن سداد الدين مُقدَّم على الصَّدَقة والحج والعمرة، وهو كذلك مُقدَّم على توزيع التركة، فإن لم توف التركة بديونه، فإنه يشرع لأقاربه أن يقضوا عنه دينه؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: ((نفس المؤمن مُعلَّقة بدينه حتى يقضى عنه)) وروى الإمام أحمد وابن ماجه، وعن سعد بن الأطول رضي الله عنه، أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم، وترك عيالًا، قال: ((فأردت أن أنفقها على عياله، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أخاك محبوس بدينه، فاقضِ عنه دينه))، وفي الحديث الصحيح الآخر: "أنه صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة، فلما انصرف قال: ((أها هنا من آل فلان أحد؟)) - الميت - فسكت القوم، فقال ذلك مرارًا، وهم يسكتون، حتى أشار رجل من الصحابة إلى رجل في آخر القوم، قال: ها هو ذا رجل من أقرباء الميت، فجاء الرجل يجر إزاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عليه الصلاة والسلام: ((إن صاحبكم مأسور بدينه عن الجنة، فإن شئتم فافدوه، وإن شئتم فأسلموه إلى عذاب الله))؛ أخرجه أبو داود (2/ 84) والنسائي (2/ 233). وعن جابر رضي الله عنه قال: "مات رجل، فغسَّلناه وكفَّنَّاه وحنَّطناه، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه، فجاء معنا، فتخطى خطى، ثم قال: ((لعل على صاحبكم دين؟))، قالوا: نعم، ديناران، فتخلف، قال: ((صلُّوا على صاحبكم)) - ورفض عليه الصلاة والسلام أن يُصلي عليه؛ إشعارًا للأمة بخطورة الدين، وأهمية قضائه - قال: ((صلوا على صاحبكم))، وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم على المؤمنين فيها رحمة عظيمة لهم، قال: ((صلوا على صاحبكم))، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله، هما عليَّ؛ أي: أنا أقضي دين هذا الرجل، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الميت، ثم لقيه عليه السلام من الغد، فقال: ((ما صنعت الديناران؟))، قال: يا رسول الله، إنما مات أمس - ما صار له وقت طويل - فقال: ((ما صنعت الديناران؟))، ثم لقيه من الغد، فقال: ((ما فعل الديناران؟))، قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: ((الآن حين بردت عليه جلده))؛ أخرجه الحاكم (2/ 58) والسياق له والبيهقي (6/ 74 - 75) والطيالسي (167 3) وأحمد (3/ 330) بإسناد حسن. ولعظم مذلة الدين، حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم منه بقوله: ((لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها))، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ((الدين))؛ أخرجه أحمد (4 / 146)، ومن أمثال العرب: لا هم إلا هم الدَّين، ولا وجع إلا وجع العين، وهو عنوان مقالنا القادم.
مطاع الطرابيشي.. وداعا أيها المحقق المتقن
الشيخ محمد بن ناصر العجمي
31-01-2019
9,081
https://www.alukah.net//culture/0/132433/%d9%85%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%b4%d9%8a..-%d9%88%d8%af%d8%a7%d8%b9%d8%a7-%d8%a3%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%82%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%82%d9%86/
وداعًا أيها المحقِّق المتقن في يوم الجمعة المنصرم 19 جمادى الأولى (1440هـ) ودَّعت دمشق أحدَ علماء تحقيق التُّراث ودهاقنته المتقنين، وهو الأستاذ القدير مطاع بن توفيق بن الفقيه الحنفي عبد المجيد الطرابيشي، المولود سنة (1932م)، والمتخرِّج من جامعة دمشق ـ كلية الآداب سنة (1952م): أَدِمَـشْــــقُ مــا نـبـأُ لـذعت بــه *** سمعي كأن حروفه جَمر كان هذا العالم نموذجاً للدقة والإتقان، والتروِّي في البحث والتحقيق، يدرك أسلوبه وطابعه المميز من يطَّلع على تحقيقاته وبحوثه؛ فهو لا يرضى بالقليل من البحث والتتبع للنصوص المحققة، وإنَّما ينهك ما يبحثه دراسة وتمحيصاً، وقد بان ذلك في كتابه " في منهج تحقيق المخطوطات "؛ فإنه أجاد فيه على صغر حجمه أيَّما إجادة، ساق فيه أوصاف عمل المحقِّق وأدواته التي تجعله متقناً لمنهج تحقيق المخطوطات ونصوصها. ومن أمعن النظر في أعماله العلمية وجد فيها ما ذكره من أوصاف المحقِّق الماهر، فقد حَقَّقَ الجزء (34) من " تاريخ دمشق "، وكتب له مقدمة ضافية مُزيَّناً بحواشٍ هي الغاية في الدِّقة والجودة، ومن تحقيقاته: كتاب " سؤالات الحافظ السِّلفي لخميس الحوزي " على نسخة فريدة له. وألَّف بحثه الماتع " رواة محمد بن إسحاق في المغازي والسير " في مجلد جليل يقول في مطلعه - بعد أن ذكر خصوصيَّة أمة محمد صلى الله عليه وسلم بعلم الإسناد -: "ونضَّر الله حَفَظَةَ حديثه الشريف على كرِّ الليالي والأيام، ورحِم الله محدِّثَ الشام الحافظَ الإمامَ ثقةَ الدِّين أبا القاسم ابنَ عساكر عليَّ بنَ الحسن الدمشقيَّ الشافعيَّ، ورحمَ الله محدِّثَ الشام مِن بعدُ الحافظَ المجوّدَ جمال الدين أبا الحجَّاج المزِّيَّ يوسُفَ بنَ عبد الرحمن الدمشقيَّ الشافعيَّ؛ بما قد حملا لواء هذا العلم - العلم بالأسانيد - ورفعا منارته في أرض الشام وسائر ديار الإسلام". وقد كان العالم مطاع الطرابيشي مُحبًّا للحافظ ابن عساكر حتَّى إِنه كان إذا ذكره تسِيل دموعه على لحيته وتخضبها. وهكذا كان يحثُّ الخُطى في تتبُّعه لمواطن المخطوطات ودقائقها؛ فهو بحر زخاّر بالعلم والمعارف. ومن مصنَّفاته التي تدلُّ على صبره وجلده في التصنيف: ما جمعه من شعر " عمرو بن معدي كرب " بعد أن نسَّقه وبذل فيه جُهداً ووقتاً، وهو من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، كما أنه رحمه الله تعالى أثرى مجلة " مجمع اللغة العربية " و" مجلة التراث " بمقالات هي الروعة في مضمونها، والتي منها: " السماع بالإفادة " دراسة لهذه العبارة في كتب تراجم المحدِّثين، نشره في مجلة اللغة العربية بدمشق، وكذا " فوائد من معجم شيوخ الإمام الطبراني " وغيرهما من البحوث العلمية الهادفة. كما أن المحقِّق الطرابيشي في آواخر عمره آثر البُعد عن الأضواء ومال إلى الخمول، كأنه يعمل بقول القائل: " ادفن وجودك في أرض الخمول "، ومع ذلك فلم يترك العلم وكتبه ولم يضيع دقيقة من وقته، وأقبل على علم القراءات ينظر في كتبه، مُمعناً النظر فيها، ولم تخل من تعليقاته على كتب هذا الفن الذي في مكتبته، وكذا تفرغ " لمسند الإمام أحمد بن حنبل" ؛ وأفاد من حوله، فمن ذلك ابنته الباحثة الدكتورة بارعة وفقها الله لمراضيه؛ حيث قالت في مقدمة فهرس موضوعات مسند الإمام أحمد بن حنبل: "وبعد، فالثناء المستطاب والإِقرار بالفضل لأستاذي الجليل العلَّامة المحقِّق والدي، فإنه هو الذي ألزمني درس المسند وأوصاني إياه". ومن صفات هذا العالم الجليل: معرفته لفضل أساتذته وما أفاد منهم، فهو يقول في مقدمة إحدى تحقيقاته: "وفي الختام يسعدني أن أسجِّل مأثرة لمجمع اللغة العربية بدمشق، إذ أعان على نشر هذا الكتاب؛ وأخصُّ بالذِّكر أستاذَيَّ الكريمين: الدكتور شكري فيصل والأستاذ عبد الهادي هاشم. أما شيخي الأستاذ أحمد راتب النفَّاخ، فما أَقْصَر عبارتي عن الوفاء بعظيم حقِّه علَيَّ؛ ولذلك أتقدَّم إليه بهذا العمل المتواضع هديةً منه وإليه". وإن أنس فلن أنسى تشرُّفي بزيارته في منزله في حيِّ المهاجرين بسفح جبل قاسيون في دمشق برفقة صديقي الشيخ أحمد شميس، حيث لقينا أبناؤه الكرام بالبشر والترحيب، فأنست النفس والروح بالمثول بين يدي هذا العالم المحقق الذي يستفيد من يراه من صبره ودأبه في تحقيق المخطوطات، فكان لقاءً لا ينسى. رحمه الله، فقد مات وفي صدره علم لم يبثه، وكان آخر كلامه رحمه الله: "الحمد لله سألقى وجه ربي".
ضرورة المحافظة على التراث العلمي (‏PDF‏)‏
د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن علي الربيعة
31-01-2019
5,959
https://www.alukah.net//culture/0/132430/%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a-%e2%80%8fPDF%e2%80%8f-%e2%80%8f/
ضرورة المحافظة على التراث العلمي نشر في مجلة رسالة الطالب المسلم جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية العدد 1، ص 85-89، 1397هـ - 1977م. ♦ عنوان الكتاب: ضرورة المحافظة على التراث العلمي. ♦ المؤلف: د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن علي الربيعة. ♦ عدد الصفحات: 6. المطلع على تاريخ الإسلام والمسلمين منذ بعثة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم يعرف ما لأمة الإسلام في مجال التراث العلمي من رصيد ضخم.
دراز والنبأ العظيم
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
29-01-2019
9,591
https://www.alukah.net//culture/0/132390/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b2-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d8%a3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b8%d9%8a%d9%85/
دراز والنبأ العظيم الكتاب النافع لمُحبِّه منهل عذب يروي صداه، ويطفئ بردُه لهيب جواه، وهو غذاء لذيذ يسكِّن جوعه ويعيد إليه حيوية الحياة. وهو روضة غنّاء يتنعم في ملاذها الروح والبدن؛ فللعين منها المنظر البهيج في خضرة شجرها، وتعدد ألوان أزهارها، وللأذن منها الصوت الندي الآتي من حفيف أشجارها وصُداح أطيارها، وللعقل منها زاد هنيء في طيب ثمارها، وللنفس منها نسيم الراحة العليل، وللأنف منها التمتع بعبيرها الفوَّاح الجميل. وللجسم كله تحت ظلال الكتاب ظل ظليل يتفيأ المرء تحت نعيمه طربًا وراحة، وتلذذاً وفائدة. فهو للروح بلسمٌ وشفاءٌ وهو للعقل لذة وغذاءُ وهو للنفس واحةٌ من سرور وهو للقلب بهجة وسناءُ وهو للبال راحة ونعيم وهو للفكر صيقل وجَلاءُ وهو للعلْم مصدر ومَعين وهو للجهل مِن عَناه دواءُ وهو للعزِّ والفخار سبيل وهو للمجد سُلّم ولواءُ ما الزمان السعيد إلا كتاب مشرقٌ صبحُنا به والمساءُ فالكتابَ الكتابَ أبناء قومي فهو للمرء في الحياة الضياءُ وبدون الكتاب نبقى حيارى يصنع الجهلُ بيننا ما يشاءُ من غير سابق بحث التقيت بين أفنان الكتب بغصن بين غصنين، وثمر بين ثمرين، وقعت يدي على كتاب فريد في بابه، ممتع لقرائه وطلابه، كتاب دنى من النفس فتدلى فكان منها قاب قوسين أو أدنى، إنه درة متألقة في نحر الزمان المعاصر، يجذب الرائي بريقُها، ويأسر المعانق رقةُ ملمسها، ويأسر المُجالس متعةُ مجلسها؛ إنه كتاب "النبأ العظيم" الذي كان نبأ كاسمه وعظيمًا كوصفه؛ فهو نبأ عظيم عن النبأ العظيم القرآن الكريم وبيان إعجازه، وهو نبأ عظيم عن طول باع راقمه في العلوم النقلية والعلوم العقلية. إنه كتاب كريم ظل فيه الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله يناضل من أجل قضية القرآن العظيم، وإثبات سموه عن كل مطعن، وبيان إعجازه في كل جانب، فكتبه بأسلوب جديد لتحديد معنى القرآن النازل على محمد صلى الله عليه وسلم وبيان مصدره، وأنه جاءه عن الله تعالى لا عن نفس محمد عليه الصلاة والسلام ولا عن أحد من الخلق، كما تناول فيه الحديث عن ظاهرة الوحي، وتكلم عن وجوه إعجازه: التشريعي، والعلمي واللغوي والبياني، والنظمي، وختمه بالتمثيل على الوحدة الموضوعية أو العضوية بسورة البقرة. لقد صاغ المؤلف هذا الكتاب بتؤدة ومهل، وهدوء وتفكير عميق؛ لما رأى هجمة الطاعنين، ومحاولات البائسين للتقليل من شأنه، فجاء وليدَ حاجة ملحة تستدعي أن يكون بين الناس قائمًا على سوقه، فخرج بحلة علمية متقنة، مرصعة بغزارة العلم، وحسن سَوْقه، وجودة لفظه ومضمونه، فكان للحقائق مقرراً، وللمسائل محرراً، وللمشكلات مفسراً، وللشبهات مدمراً. لقد جاء الكتاب بأسلوب علمي عميق تتعانق فيه حجج الحق، وتبدو قوية صُلبة ترمي بسهم اليقين في كبد الظن فتدحض شبهات المبطلين وتدمغها فإذا هي زاهقة أمام المنصفين. فعباراته مشرقة، وبراهينه ساطعة، ونبع علمه يتدفق من كل صوب، فترى الكاتب قد حشد في كتابه قطوفًا من مختلف العلوم، وعلوم الآلة وعلوم الغاية، فهو لم يتناول قضيته التي كتب من أجلها بعلم أو علمين أو ثلاثة، بل تراه يذكر فيه أشياء من التفسير وعلوم القرآن، والفقه وأصوله، والحديث ومصطلحه، والعقيدة ومسائلها، والسيرة والتاريخ، والعلوم العربية من نحو وصرف وبلاغة وشعر وأدب وعروض ولغة، وغيرها. وجاء الكتاب بأسلوب أدبي رفيع، تتراقص أمام القارئ أساليبه وكلماته وجمله في أبهى حللها، وأبدع نشاطها، حتى يخال القارئ أن البيان قد أعطى الكاتب مقوده ليوجهه حيث يشاء، فترى كلماته تنثال على الصفحات انثيالاً، وتتحدر فيها الأساليب المونقة انحداراً، فلا يكاد يجد القارئ في خضم الجمل وسلوك الكتابة التكلفَ الممجوج، والعوز اللغوي، والفقر البياني، بل يرى أن الرجل يكتب بثقة وتدفق، فلغته المعجمية واسعة، ونظرته إلى تصرفاتها ومجالات إيرادها عميقة، وبيانه البلاغي غزير، حيث جاء بأساليب بديعة مليئة بالصور والأمثال والتشبيهات الحسنة، جاعلاً علوم البلاغة الثلاثة طوع يديه يوظفها في أماكنها المناسبة كما يريد. إن القارئ في بعض الكتب قد يرى من مؤلفيها تعثر القلم وقحطه في بعض السطور والمسائل؛ لضعف لغة الكاتب أو عي بيانه، أو قلة ثروته المعلوماتية، غير أن الملاحظ على الشيخ دراز في "نبئه" أن قلمه سيال يجري على الصفحات جريًا بكلام رصين، وبيان متين، وأسلوب أنيق، ولغة فياضة تتفجر تفجرا. وهذا الافتنان في الكتابة بقلم العالم البليغ يشوق القارئ، ويهبه التلذذ، وحب الاستمرار، كلما قطع واديًا أحب أن يستقبله آخر، فلم يكن الكتاب مسوقًا بأسلوب علمي يخاطب العقول بمادة مقنعة فحسب، بل تراوح فيه مع الأسلوب الأدبي الذي يخاطب النفس والجنان والعقل والمشاعر، وهذا من أقرب الطرق إلى التأثير والإقناع. إن المتأمل في هذه الدرة اليتيمة يلفي كاتبها قد كتبها بحب، وحس عميق، تشرّب القرآن حتى تخلل إلى منافذ أحاسيسه وخيالاته، فظهر ذلك الشغف العميق والتعلق الوثيق بين عباراته وتعبيراته وكلماته وأساليبه، كيف لا وهو كان ورده اليومي منه ستة أجزاء، وحفظه وهو في العاشرة من عمره، فلا غرو أن جاءت السطور مشبعة بالاستدلالات الكثيرة منه، والتمثل بكثير من آياته في سياقات مختلفة. ولحبه لمولوده الذي سماه بالنبأ العظيم فإنه قد رجع للنظر فيه مرة أخرى بعد سنوات من الغربة عنه، فآب من باريس ليطالع تركته مقراً ومضيفًا وشارحًا ومعلقًا، ثم أخرجه للناس بعد أن مرت عليه يدا التقميش والتفتيش. ولا شك أن الناظر في هذا الكتاب يحب أن يقرأه أكثر من مرة؛ لما فيه من ميزات ظاهرة. فمن ميزات الكتاب-إضافة إلى ما سبق-: أن الكتاب جاء نتيجة عن معاناة ومعايشة لطعون المستشرقين المشككين في صحة القرآن، ومخالطة لهم في لسانهم ونقاشهم، وليس من سمع كمن رأى، فقد كان الدكتور دراز يلم ببعض لغات الغرب كالفرنسية وغيرها، وعاش في باريس من عام (1937-1948م) مبتعثًا من الجامعة الأزهرية إلى جامعة السوربون والتي حضّر فيها شهادات الليسانس والدكتوراه ووضع هناك -باللغة الفرنسية- رسالتين جامعيتين: "مدخل إلى دراسة القرآن"، و"دستور الأخلاق في القرآن". ومع عيشه في فرنسا ومجالسته للمستشرقين إلا أنه ظل ثابتًا على دينه، محبًا للقرآن مدافعًا عنه، فلم تذب هويته وثقافته ولغته الأصيلة تحت حرارة سماء باريس المنفتحة، بل إنه أثر على أساتذته في جامعة السوربون، حتى إنهم كانوا يقولون لبعض طلبة الدراسات العليا من القادمين الموفدين من بلاد الشرق الإسلامي: "إما أن تنتج مثلما أنتج دراز، وإلا فعد من حيث أتيت، كل الناس جاؤوا ليتعلموا منا.. إلا محمد عبدالله دراز جاء فعلمنا"! ومن ميزاته: أنه حينما يتكلم عن الآيات يتكلم بعمق علمي وحس بياني بديع يتمنى معه القارئ لو أطال الحديث، خصوصًا أن تفسيراته ونظراته عن الآيات جديدة لا تلفى في كتاب آخر. ومن ميزاته: أنه من أحسن ما كتب في إعجاز القرآن في العصر الحاضر بأسلوب قريب من لغة العصر. وبعد: فهذه مشاعر قارئ نحو هذا الكتاب، وقد تتعدد وجهات النظر من قارئ لآخر، لكن هذا ما وجدته ووعيته. ولا أعني بهذا أن الكتاب يخلو من النقص البشري، فهذا لا يسلم منه كتاب إنسان. ومن تلك الملحوظات التي قد يراها القارئ استعمال بعض مصطلحات الغناء من موسيقى ونحوها فيما يتعلق ببيان الجمال الصوتي للقرآني. ومن الملحوظات أن فيه انغلاقًا في بعض العبارات والجمل التي لا يفهم بعضها إلا بكد، وبعضها قد لا يفهما بعض القراء، وكذلك لا نخفي حقيقة هي أن من أراد قراءة الكتاب وفهمه فهمًا تامًا فلابد أن يصطحب معه معجمًا لغويًا لبيان معاني ألفاظه الغريبة وهي عدد ليس بقليل، وكم تمنيننا من المعتنين بالكتاب أن يفسروا جميع تلك الكلمات الغريبة أو جلها؛ حتى تكمل الفائدة، وتتم المتعة.
أضرار الألوان الصناعية
د. محمد السقا عيد
27-01-2019
55,507
https://www.alukah.net//culture/0/132338/%d8%a3%d8%b6%d8%b1%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9/
أضرار الألوان الصناعية المواد الملونة هي واحدة من ضمن الأمور التي أصبحت منتشرة بشكل كبير في العديد من الأطعمة المختلفة والمتعددة، بالأخص في الفترات الأخيرة؛ حيث لا يُمكننا أن نجد الكثير من الأطعمة والأغذية المختلفة التي تخلو من تلك المواد الملونة، والتي تعطي للأطعمة أو المشروبات اللون المميز، وهذا ما يعتمد عليه الكثير من المصانع والشركات لجذب الأطفال إليهم بالتحديد في تناول تلك الأطعمة بشراهة، ولكن تلك المواد الملونة لها أضرار كثيرة مختلفة ومتعددة، تظهر آثارها السلبية على المدى البعيد، وسوف نذكرها من خلال هذه السطور. ما حقيقة هذه الملونات؟ الملونات مواد مضافة وبدون فائدة غذائية، تضاف للأطعمة المحضرة من أجل إعطاء المنتج أو الصنف لونًا خاصًّا به دون اللجوء لعمليات الغش وخداع المستهلك عبر إيهامه مثلًا بأن الصنف يحتوي على الطماطم في حين لا يحتوي إلا على لونها الأحمر مثلًا! ونرى تلك المواد الملونة بكثرة في الحلوى، وأيضًا العلكة الموجودة بطعم الفواكه، وأيضًا في الجيلي بأنواعه، وغيرها من العديد من الأطعمة والحلوى التي تحتوي على تلك المواد الملونة التي يكون لها تأثير كبير على الصحة عامة، وصحة الطفل بشكل خاص، وتتوافر المواد الملونة بالعديد من الألوان المختلفة، ويمكن التعرف عليها بسهولة في تلك المنتجات المخصصة للأطفال؛ وذلك لأنها تترك أثرًا على الفم، وأيضًا تترك أثرًا على اليدين في حالة الإمساك بقطعة من الحلوى تحتوي على تلك المواد الملونة، وبالرغم من أنها تضيف المنظر الجمالي لتلك الأطعمة أو العصائر، فإنها تشكل خطرًا كبيرًا يواجه الكثير من الأطفال. إن الحصول على غذاء صحي مهمة ليست سهلة في أيامنا هذه، وبشكل خاص مع النمط الغذائي الذي بات يحاصر الجميع؛ من حيث استهلاك الوجبات السريعة، والحلويات والمعلبات، والعصائر المستوردة وخلافه... والضحية الأكثر تعرضًا للخطر هم الأطفال؛ من حيث عدم وعيهم من جهة، وإهمال الأهل من جهة أخرى، حتى أصبح تناول الحلوى الملونة والمشروبات الغازية بمثابة أمر روتيني يومي لدى معظم الأطفال، وفي المقابل - في أغلب الأحيان - قلة تناول المأكولات الطبيعية المفيدة مثل الخضراوات والفواكه الطازجة. الملونات الصناعية مخاطر صحية: أهم المشكلات الصحية لهذه الملونات هي الحساسية الجلدية وحساسية الجهاز التنفسي كالربو، وهي مشكلات تنتشر بكثرة في المنطقة العربية، وبشكل خاص منطقة الخليج العربي. تساعد المواد الملونة على تحطيم كرات الدم الحمراء في الجسم، بالإضافة إلى شعور الإنسان الدائم بالتعب والإرهاق، حتى لو لم يقم ببذل أي مجهود زائد، كما أن لها دورًا كبيرًا في إصابة الإنسان أيضًا بالصداع المتكرر. تساعد المواد الملونة بشكل كبير على التقليل من كفاءة الجهاز المناعي، وتقليل عمله، وهذا ما يجعلنا والأطفال بصفة خاصة معرَّضين للإصابة بالعديد من الأمراض المختلفة والفيروسية. أكدت العديد من الدراسات والأبحاث أن المواد الملونة من المواد التي لا يتم امتصاصها أثناء عملية الهضم. إن للمواد الملونة تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا على امتصاص البروتينات في الجسم، وأيضًا على امتصاص العديد من أنواع الغذاء التي يحتاج إليها الجسم. مخاطر الألوان الصناعية على الأطفال: الملونات التي تضاف إلى أغذية الأطفال بشكل خاص، يمكن أن تحمل خطورة كبيرة وبشكل خاص إذا ما استهلكت في الأغذية بشكل مبالغ فيه؛ حيث تُستعمل بكثرة في إعطاء اللون للحلويات وسكاكر الأطفال، والحذر هنا واجبٌ؛ حيث يستهلك الأطفال كميات كبيرة من السكاكر يوميًّا من غير أي ضابط، وهذه المواد تشكل خطورة على صحة الطفل. ♦ الإصابة بالحساسية الجلدية بشكل عام. ♦ إصابة الطفل بالصداع وآلام الرأس المتفرقة، سببه تركيزات الألوان الصناعية. ♦ الهيبرة أو النشاط المفرط، وغياب الهدوء والعقلانية - من سمات الأطفال المواظبين على تناول هذه المنتجات. ♦ احمرار في وجه الطفل. ♦ الهبوط والكسل وصعوبة بذل المجهود؛ حيث نشاط الطفل يتأثر بشدة بالألوان الصناعية. ♦ تخزين وتركيز هذه الألوان يُسبب تراكم الدهون وعدم حرقها، ما يرفع فرص إصابة الطفل بالسمنة. ♦ التقلبات المعوية من أشهر الأضرار الجانبية. ♦ آلام بالبطن وتقلصات شديدة. ♦ إسهال متكرر كلما تناولها الطفل. ♦ العصبية والصوت العالي من أبرز تأثيرات هذه الألوان. ♦ تقليل نسب الكالسيوم بجسم وعظام الطفل، فلا يُمكنه الاستفادة مما يتناوله. ♦ سحب عناصر الطعام المفيدة. فالمواد الملونة لها دورٌ كبير في إصابة الأطفال بفقد القدرة على التركيز في المواد الدراسية، وفقد النشاط الذهني، بالإضافة إلى الاضطرابات السلوكية التي يتعرض لها الأطفال وهم في سن صغيرة في حالة الإفراط من تناول تلك الملونات. كيف تستطيع الشركات حل هذه المشكلة؟ تستطيع الشركات الابتعاد عن استخدام الملونات الغذائية الصناعية المسببة للأمراض، والتحول إلى استخدام ملونات الغذاء الطبيعية وهي متعددة، علمًا بأنه لا يترتب على ذلك أية زيادة في التكاليف نتيجة استخدام الملونات الطبيعية؛ لأنه يمكن إنتاج هذه المواد بشكل رخيص في الكثير من الدول، ويبقى الأفضل دائمًا الغذاء الصحي الطبيعي المكون من اللحوم الطازجة والخضار والفواكه، والعصائر الطبيعية بدلًا من المعلبة. المصادر: ♦ ومن الألوان ما قتل؛ بقلم بروفيسور محمد السقا عيد، جريدة الطبيب، الخميس 18 جمادى الأولى 1440 هـ - 24 يناير 2019. ♦ مخاطر الألوان الصناعية على الأطفال، أهمها الحساسية ونقص الكالسيوم والهيبرة. ♦ " مضافات الأغذية ": سموم قاتلة بألوان جميلة ونكهات تغري المستهلكين. ♦ أضرار الملونات الصناعية على الأطفال.
ذهاب الغمة في ترجمة الإمام ابن خزيمة (WORD)
د. عادل الغرياني
26-01-2019
6,052
https://www.alukah.net//culture/0/132328/%d8%b0%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%ae%d8%b2%d9%8a%d9%85%d8%a9-WORD/
♦ عنوان الكتاب: ذهاب الغمة في ترجمة الإمام ابن خزيمة . ♦ المؤلف: عادل الغرياني. ♦ عدد الصفحات: 21. فهذه رسالة عن علم من أعلام الأمة الإسلامية، ومرجع مهم لكل طالب في الأمة، محدث عظيم وفقيه كريم صاحب التوحيد والصحيح رحمه الله تعالى. كان معلمًا قويًا وإمامًا جليلًا، اخترنا سيرته لتتفتح قرائحنا ونقلده في طلب العلم. جعلنا الله تعالى في زمرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.