article_title
stringlengths
1
185
author_name
stringlengths
2
70
date_added
stringlengths
10
10
read_count
int64
24
10.8M
article_link
stringlengths
45
1k
text
stringlengths
6
254k
المجلات الشرعية المحكمة التابعة للجمعيات العلمية والمراكز البحثية السعودية (النسخة الأولى) (PDF)
وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
11-12-2018
6,640
https://www.alukah.net//culture/0/131241/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-PDF/
♦ عنوان الكتاب: المجلات الشرعية المحكمة التابعة للجمعيات العلمية والمراكز البحثية السعودية (النسخة الأولى) . ♦ المؤلف: وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية ♦ عدد الصفحات: 9. إصدار يضم المعلومات الرئيسة الخاصة بالمجلات التابعة للجمعيات العلمية والمراكز البحثية السعودية، يضم اسم المجلة، وطرق التواصل معها، والرابط الإلكتروني لها، والباركود الخاص بسرعة الوصول له.
دعوى مساواة المرأة في الميراث
د. ضياء الدين عبدالله الصالح
10-12-2018
26,815
https://www.alukah.net//culture/0/131233/%d8%af%d8%b9%d9%88%d9%89-%d9%85%d8%b3%d8%a7%d9%88%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%ab/
دعوى مساواة المرأة في الميراث الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد : فقد كثُر الجدل في الآونة الأخيرة حول حق المرأة في الميراث، وإثارة الشُّبهات على ذلك من أعداء الإسلام، ومن المفتونين بهم من أبناء جلدتنا، وأن الإسلام لم يُنصفها مقارنةً بالرجل الذي يحصل على ضِعف نصيبها في الميراث، ويدَّعون أن حقَّها مغبون، وأنه يتعيَّن مساواتها بالرجل في كل شيءٍ، بما في ذلك الميراث، دون الالتزام بالقواعد التي حدَّدتها الشريعة الإسلامية في هذا المجال. وظهرت هذه الشُّبهة جليًّا بعد ما أُعلن قانون المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وأخذت الأصوات النشاز في بقية الدول العربية والإسلامية تطالب بذلك، بزعم أن الشريعة الإسلامية قد ظلمت المرأة ولم تُنصفها، وهذا بهتان عظيم وكذب مكشوف؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 140]. فقانون الميراث في الشريعة الإسلامية من أفضل القوانين التي تنظِّم الحقوق بين الرجل والمرأة، وأن المرأة قد تحصل في كثير من الحالات على نصيب من الميراث مثل الرجل، بل أكثر منه، من خلال استقراء حالات ومسائل الميراث، فهناك أكثر من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابلة أربع حالات محددة ترث فيها المرأة نصف الرجل. فهذه الشُّبهات التي أثارها بعضُهم حول ميراث المرأة، وادعاؤهم أن الإسلام قد هضَم حقَّها حين فرض لها نصف ما فرض للذكر - تنمُّ عن جهل تام بأحكام وقواعد الميراث في الإسلام عامة، وميراث المرأة على وجه الخصوص من طرف هؤلاء المتعالين على الدين الإسلامي وعلى منطق العلم والواقع. فقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به دينٌ سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله، وهي آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته بإكرامها وحُسن معاملتها. وقد أكد القرآنُ الكريم مساواة الرجل والمرأة في الالتزامات الأخلاقيَّة، والتكاليف الدينيَّة إلا في حالات مخصوصة خفَّف الله فيها عن المرأة؛ رحمةً بها، ومراعاةً لفِطرتها وتكوينها، وأما قوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]. فالقاعدة التي تقرِّرها هذه الآية الكريمة لا تَسري على كل حالات المواريث، بل هي مجرد صورة لوضعٍ معين، فهناك حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وحالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها الرجل، وحالات أخرى ترث فيها المرأة مثل الرجل. ومن الحكمة التي يذكرها العلماء في كون نصيب المرأة على النصف من نصيب الرجل في هذه الحالة - أن المرأة ليست مكلفة بالنفقة على نفسها أو بيتها أو أولادها، ولا بدفع المهر عند زواجها، وإنما المكلف بذلك الرجل، كما أن الرجل يتحمل المسؤولية الكاملة في النفقة عليها، وكذلك في الضيافة والدِّيَة والصلح على الأموال، ونحو ذلك. فقد ذكر العلماء جزاهم الله خيرًا حالات المرأة مع الرجل في الميراث؛ كما جاء في الكتاب والسنة وكتب الفقه الإسلامي، وكما يأتي: أولًا: أربع حالات ترث فيها المرأة نصف الرجل وهي : 1- وجود البنت مع الابن؛ لقوله تعالى: ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ﴾ [النساء: 11]. 2- وجود الأب مع الأم دون وجود أولاد ولا زوج أو زوجة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ﴾ [النساء: 11]، فهنا يكون للأم الثلث يتبقى للأب الثلثان. 3- وجود الأخت الشقيقة أو الأب مع الأخ الشقيق أو للأب؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النساء: 176]. 4- إذا مات أحد الزوجين ووُجد ولدٌ، أو لم يوجد، فإذا مات الزوج فالزوجة ترث الربع إن لم يكن لها ولد، واذا كان لها ولد ترث الثُّمن، أما إذا ماتت الزوجة فيرث الزوج النصف إذا لم يكن له ولدٌ، وإذا كان له ولد فيرث الرُّبع؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ﴾ [النساء: 12]. ثانيًا: حالات ترث فيها المرأة مثل الرجل، وهي: 1- ميراث الأم مع الأب مع وجود ولدٍ ذكر أو بنتين فأكثر أو بنت أحياناً. 2- الإخوة للأم مع أخوات الأم. 3- زوج وأم وإخوة للأم وأخ شقيق فأكثر. 4- عند انفراد الرجل أو المرأة بالتركة، فيرث الابن إن كان وحده التركة كلها تعصيبًا، والبنت ترث النصف فرضًا والباقي ردًّا عليها، وكذلك أيضًا لو ترك أبًا وحده فإنه سيرث التركة كلها تعصيبًا، ولو ترك أمًّا فسترث الثلث فرضاً والباقي ردًّا عليها. 5- الأخت الشقيقة مع الأخ لأب. فللشقيقة النصف فرضاً والباقي نصف يأخذه الأخ للأب. 6- الأخت للأم مع الأخ الشقيق دون تشريك، وهذا إذا تركت المرأة زوجاً، وأمًّا، وأختًا لأم، وأخًا شقيقاً؛ فسيأخذ الزوج النصف، والأم السدس، والأخت لأم السدس، والباقي للأخ الشقيق تعصيبًا وهو السدس. 7- إذا توفي شخصٌ وترك بنتاً وأخاً واحداً، فإنَّ نصيب البنت هو نصف الميراث، والأخ هنا عصبة، فسيأخذ باقي الميراث، والباقي في هذه الحالة هو النصف، وهكذا ترى هنا أن بنت المتوفى قد أخذت مثل نصيب أخ المتوفى. 8- ميراث ذوي الأرحام في حالة عدم وجود أحد من العصبة ولا أحد من ذوي الفروض، في مذهب أهل الرحم، وهو إن لم يكن هناك أصحاب فروضٍ ولا عصبات فإن ذوي الأرحام هم الورثة، وتقسم بينهم التركة بالتساوي كأن يترك المتوفى (بنت بنت، وابن بنت، وخالاً، وخالة) فكلهم يرثون نفس الأنصبة. وهناك ستةٌ لا يُحجبون حجب حرمانٍ أبدًا وهم ثلاثةٌ من الرجال، وثلاثةٌ من النساء، فمن الرجال: (الزوج، والابن، والأب)، ومن النساء: (الزوجة، والبنت، والأم). ثالثًا: حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل: وقد ذكر العلماء ست حالات ترث فيها المرأة أكثر من الرجل، وهي مفصلة حسابيًّا في كتب المواريث؛ منها: الحالة التي تُخلف فيها امرأةٌ زوجًا وأبًا وأمًّا وبنتين، فإن الثلثين للبنتين يُمكنهما من أن يأخذ أكثر من الابنين إذا وجد مكان البنتين، وكذا الحالة التي تخلف فيها امرأةٌ زوجًا وأمًّا وأختًا شقيقة، فإن الفارق يكون كبيرًا جدًّا؛ إذ تأخذ الأخت الشقيقة أكثر من ضعف نظيرها الأخ الشقيق. رابعًا: ثلاث حالات ترث فيها المرأة ولا يرث فيها نظيرها من الرجال : وهذه الحالات تتميز أيضًا بتعقد العمليات الحسابية، يمثل لها بالحالة التي توفيت فيها امرأة عن زوج وأب وأم، وبنت، وبنت ابن، فإن بنت الابن ترث السدس بالفرض، ولو جعلنا ابن الابن مكان بنت الابن، فإنه لا يرث شيئًا، وكذا حالة ميراث الجدة، فكثيرًا ما ترث ولا يرث نظيرها من الأجداد، وقد ترث الجدة ولا يرث معها زوجها الجد. الخلاصة: إن الإسلام قد رفع مكانةَ المرأة، وأكرمها بما لم يُكرمها به دينٌ سواه، وأمر بمعاشرتها بالمعروف والإحسان، وقد أكد القرآنُ الكريم مساواة الرجل والمرأة في الالتزامات الأخلاقيَّة، والتكاليف الدينيَّة إلا في حالات مخصوصَة خفَّف الله فيها عن المرأة؛ رحمةً بها، ومراعاةً لفِطرتها وتكوينها. وإن شبهة ظلم الشريعة للمرأة وعدم مساواتها بالرجل، هي دعوى باطلة ولا أساس لها من الصحة في الشريعة الإسلامية؛ كما نقلنا من أقوال العلماء. وإن هناك أكثرَ من ثلاثين حالة تأخذ فيها المرأة مثل الرجل أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث نظيرها من الرجال، في مقابل أربع حالات واردة على سبيل الحصر، ترث فيها المرأة نصف الرجل؛ لأن الرجل هو المكلف بالنفقة على المرأة والعائلة، وأنه مكلَّفٌ بدفع المهر عند زواجه منها، كما أن الرجل يتحمل المسؤولية الكاملة في النفقة عليها وعلى البيت، وعلى الضيوف وغير ذلك. إن قانون المساواة المزعوم هو من ظَلم المرأةَ حقيقةً؛ إذ يساويها بالرجل في كل حالات الميراث التي ذكرناها، فينقصها حقَّها ويهضمها، والله تعالى أعلم.
بث مباشر!
مروة المنادي
10-12-2018
4,093
https://www.alukah.net//culture/0/131216/%d8%a8%d8%ab-%d9%85%d8%a8%d8%a7%d8%b4%d8%b1/
بث مباشر! الحمدُ لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سُلطانه، والصلاةُ والسلامُ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. البيوت أسرارٌ، عبارة صحيحة جدًّا؛ ولكن في ظل هذا الانفجار من وسائل التواصُل للأسف لم تصبح البيوت أسرارًا؛ بل أصبحت مشاعًا للناس، مَنْ نعرفه، ومَنْ لا نعرفه. كثيرٌ من الناس يقوم بنشر بثٍّ مُباشر من بيته؛ ماذا صنع، وأين ذهب في العطلة، ومَنْ أحضرَ له هدية، والأدهى أنهم ينشرون صُورَ أبنائهم، ومن هنا نبدأ، وسأتحدَّث في أكثر من جانب: الجانب الأول: العين والحسد والكره، وهذا موجود عند البعض وليس عند الجميع؛ ولكنه موجود، يوجد أناسٌ مُتعبون في حياتهم، أو ظروفهم المادية ليست مُيسَّرة، وأنت نشرت رحلتك الترفيهية بكل تفاصيلها وصورها، فمن الممكن جدًّا أن تُصيبَكَ العين، وستتعب وحياتك تتعسَّر، ورأينا أناسًا كثيرين ماذا فعلت بهم آثار العين وبحياتهم وأولادهم، أسأل الله أن يحفظ أولادكم جميعًا. أنتِ عروس - ما شاء الله - ولكنك لستِ ملزمةً بنشر صور شقَّتكِ أو قاعة عُرسك بهذا التفصيل الكبير، ليس كل من سيرى صوركِ سيبرِّك - يقول اللهم بارك - احفظوا أنفسكم بالستر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان شيءٌ سابق القدرَ لسبقَتْه العَيْنُ))؛ صحيح الجامع. الجانب الثاني : هل تعلمون أنكم من الممكن أن تجرحوا مشاعر بعض الناس بصوركم التي تنشرونها حتى ولو لم تقصدوا! كيف؟! عندما تنشر صورًا لبيتك تذكَّر أن هناك كثيرين لا يستطيعون الزواج؛ لأنهم لا يملكون بيتًا يسكنون فيه، فلماذا تجرح مشاعرهم؟! عندما تنشر صورًا لأبنائك تذكَّر أن هناك كثيرًا من الأزواج لم يُرزقوا ذرية بعد، فلماذا تكونون سببًا في حزنهم حتى لو كان حزنهم بداخلهم، ألا يكفيهم ما يسمعونه ممَّن حولهم؟! رفقًا بالناس؛ كُلُّ واحدٍ عنده من الهموم ما يكفيه، أليس من المفترض أن يشعُر بعضنا ببعض؟! ولا تقل: إن الكل يفعل هذا، لمَ لا تكون أنت الاستثناء؟! أنت الذي يبدأ بنفسه؛ ليكون قُدْوةً لغيره؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنةً عُمِل بها بعدَه، كان له أجرُه، ومِثْلُ أجورِهم من غيرِ أن يَنْقُصَ من أجورِهم شيءٌ، ومَن سَنَّ سُنَّةً سيئةً، فعُمِل بها بعدَه، كان عليه وِزْرُها، ومِثْلُ أوزارِهم، من غيرِ أن يَنْقُصَ من أوزارِهم شيءٌ))؛ صحَّحه الألباني في صحيح الجامع. الجانب الثالث : الاستغلال: وهذا خاص أكثر بالصور الشخصية والمحادثات ( خاصة للفتيات طبعًا) ، يا أختي، يابنتي، حافظي على نفسك؛ فالدنيا مليئة بالذئاب، ثم أنتِ لن تستفيدي شيئًا أبدًا من نشر صورك، تخيَّلي كم نظرة إليكِ من الممكن أن تأخُذي عليها ذنبًا! كم من رجل أو امرأة أعجبتهم صورتك، فنقلوها أو حفظوها على هواتفهم! كم عين جرحتكِ بنظرة أو بكلمة أو أكثر من دون أن تريها أو تعرفي بها! وأخصُّ بالذكر المحادثات على الخاص ( الشات ) تبدأ بكلام بريء، وتتطوَّر المحادثات، والشاب يتنكَّر في دور فتاة، ثم تتطوَّر الحكاية أكثر، وتطمئن البنت وتُرسل صورها ربما بملابس البيت وبشعرها! بدأ التهديد والمساومة والابتزاز، وقد رأينا حالات كثيرة جدًّا لفتيات تبكي بحرقة؛ لأنهن وقعْنَ في شباك شخص بلا ضمير، أتقن دوره وتنكَّر في اسم بنت واتَّضح أنه ذئب ساومها بصورها وهدَّدها؛ فصوني نفسك يا أخيَّتي عن كل هذا وأنتِ في غِنًى عن كل هذا. الجانب الرابع: إفشاء الأسرار الزوجية؛ إما بنشر الجميل من زوجها أو بنشره من زوجته، وفي هذه الحالة ستجد من يقول: (يا بختهم) وهم متوقعون أن حياتكم وردية وبلا مشكلات، ومن الممكن أن تحدث مشكلات لا تتوقعونها، ولا تنتبهون أن السبب هو نشر أسراركم للناس، وإما بنشر السيئ منهم، وفي هذه الحالة سَيُسَبُّ ويُهان زوجُك أو زوجتُك من غالبية الناس، لماذا تعرضون أنفسكم لهذه الإهانات وأنتم في غِنًى عنها؟! وتجد بعض الناس يعرض مشكلة عن أهله ويقول بدون تجريح! كيف؟! لو كنتم لا تريدون تجريحًا فيهم ما كنتم نشرتم خصوصياتهم على الملأ وفي الغالب دون أن يعرفوا! كلمة أخيرة: يا كل أُمٍّ وأب وأخت وأخ وبنت وابن، حافظوا على أسرار بيوتكم، تسلموا؛ نحن في الدنيا التي فيها الجيد والسيئ، لا تجعلوا فرحتكم بالإعجابات والتعليقات تُنسيكم أن بيوتكم وأهلكم وأولادكم أمانة لا بُدَّ أن تحافظوا عليها من أي عين تجرحهم أو تُؤذيهم، أو أن تجرحوا غيركم بنشركم لتفاصيل حياتكم، وصلِّ اللهُمَّ وسلِّم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
البركة في مؤلفات علماء الإسلام
د. محمد أحمد الزهيري
10-12-2018
4,871
https://www.alukah.net//culture/0/131211/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
البركة في مؤلفات علماء الإسلام البركة واضحة في نتاج علماء الإسلام في العلوم الشرعية والطبيعية؛ فلا يوجد عالمٌ في أُمَّة أخری له من المؤلفات ما لأصغر العلماء فضلًا عن الكبار، وذلك يرجع إلی أسباب كثيرة؛ منها: 1- الموازنة وترتيب الأولويَّات؛ لأن الفقيه هو مَنْ يُوازن، فيُقدِّم الأهمَّ علی المهم؛ لأن الانشغال بالمهمِّ عن الأهمِّ من مداخل الشيطان، وقد يفتح الشيطان للإنسان سبعين بابًا من أبواب الخير؛ ليُشغله عن الأولی والأهم، والنبي صلی الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما سبقكم أبو بكر بصلاة، ولا صيام؛ ولكن بشيء وقر في قلبه))، ويقول: ((لأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد شهرًا))، والإمام الشافعي لما قالت ابنة الإمام أحمد لما رأته لم يقم الليل: ليس بذاك، فلما سألته قال: "لقد حللت سبعين مسألة علمية، وفائدتها للأُمَّة، بينما الصلاة فائدة لي وحدي"، والله تعالی يقول: ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 35]، فالإنسان العظيم هو الذي يعرف الأولی الأهم في اللحظة التي هو فيها، والتقاطعات التي تواجهه، وقد قال أصحابها: "الكيِّس مَنْ يعرف خيرَ الخيرين، وشرَّ الشرَّينِ، ومَنْ لا يعرف لا تعدُّوه عالِمًا". 2- تنظيم الوقت الذي يُوفِّره الإسلام وشرائعه، ومنها الصلاة. 3- الجدية والاشتغال بالمفيد، وعدم تضييع الوقت في اللهو واللعب. 4- الانطلاق لدراسة العلوم، والنظر للإنسان والمجتمع والحياة والكون من منظور الوحي الإلهي؛ مثال: لم يشغلوا أنفسهم في البحث عن أصل الإنسان في الأرض؛ لأن مصدرهم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قد أخبرهم أن أصل الإنسان في السماء وليس في الأرض، وأنه خلقه بيده في أحسن تقويم، ولم يُخلَق بالمصادفة من الطبيعة، وأن بداية الخلقة خلية وحيدة تطوَّرَتْ حتی صارت قردًا قبل أن يُصبح إنسانًا! 5- البركة والتوفيق الإلهي؛ قال تعالی: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ [الليل: 5 - 7]، وقال: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِد الله به خيرًا يُفقِّهْهُ في الدين))، والله الموفِّق.
مقدمة كتاب المقتبس المختار من نور المنار لابن حبيب الحلبي
د. إسماعيل عبد عباس
09-12-2018
6,927
https://www.alukah.net//culture/0/131208/%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%a8%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%86%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b1-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d8%a8%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d8%a8%d9%8a/
مقدمة كتاب المقتبس المختار من نور المنار لابن حبيب الحلبي رحمه الله المتوفى (808 هـ) الحمد لله الذي أسَّس قواعد شرعه بالأصول، وجعله آلة فهم المنقول وضبط المعقول، والصلاة والسلام على نبيه وحبيبه ورسوله، صلاةً وسلامًا يلتقيان بمقامه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإِن علم أصول الفقه علم شرعي أصيل، عظيمٌ قدرُهُ، وبيِّنٌ شرفُهُ وفخرُهُ، هو أصل الأحكام الشرعية التي هي مناط السعادة، وأساسُ الفتاوى الفرعيَّةِ التي بها صلاحُ المكلَّفِينَ؛ ولذلك يقول الإمام السبكي رحمه الله: ((وكل العلماءِ في حضيضٍ عنه - أي الاجتهاد - إلا من تغلغلَ بأصْلِ الفقهِ، وكرعَ من مناهلهِ الصَّافيةِ بكلِّ المواردِ، وسبحَ في بحرِهِ وتروَّى من زلالهِ، وباتَ يَعِلُّ به، وطرفُهُ ساهدٌ)) [1] ؛ فلذلك عظمت رغبتي في دراسة وتدريس هذا الفن، فشرح الله صدري، ويسَّرَ أمري؛ لتحقيق هذا السفر العظيم، والمتن المتين، المسمَّى بـ: (المقتبس المختار من نور المنار)؛ لابن حبيب الحلبي رحمه الله، الَّذِي انتقاه، ثم علَّق عليه بما يُزيل غموضه، ويُوضِّح ما أشكَل منه، فكان خير كتاب للمبتدئ في أصول فقه الحنفية؛ لأنه حوى قلة الألفاظ وكثرة المعاني، فجمع بين ثناياه قواعد مهمَّة في علم أصول الحنفية في عبارات قليلة من أجل أن يسهُل حفظُها. وقد اقتضت طبيعة العمل تقسيمه إلى قسمين: القسم الأول: القسم الدراسي، وكان في أربعة مباحث: المبحث الأول: التعريف بالإمام حافظ الدين النَّسَفِي، وكتابه منار الأَنوار. المبحث الثاني: التعريف بالإمام طاهر بن حبيب الحلبي. المبحث الثالث: التعريف بكتاب المقتبس المختار من نور المنار. المبحث الرابع: المنهج المتَّبع في التحقيق، ووصف المخطوط. أما القسم الثاني: فقد جعلته للنص المحقَّق. وفي الختام: فإني لا أدَّعي لعملي الكمال؛ بل أعترف بالقصور، وأبسط يد الافتقار إلى العفوِّ الغفور، فالكمال محالٌ لغير ذي الجلال، والإنسان لا بدَّ أن يعتريه نقصان، في كلِّ زمان ومكان، فهو محلُّ النسيان، وإنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئات. والله - تعالى - أسألُ الإخلاص في أعمالنا، والسَّداد في أقوالنا، والتوفيق في تحقيق ما نصبو إليه، وأنْ يتقبَّل هذا اليسير، ويعفو عن الزَّلَل والتقصير، وأنْ ينفع به المسلمين، فهو حسبُنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. صور من النسخة الخطِّية طرَّة الكتاب وواضح فيها بأنها كتبت بخط المؤلف اللوحة الأولى من المخطوط اللوحة الأخيرة من المخطوط وواضح فيها أنها بخط المؤلف [1] الإبهاج 1 /42.
عبدالله بن عباس رضي الله عنه
الشيخ صلاح نجيب الدق
08-12-2018
82,979
https://www.alukah.net//culture/0/131171/%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%b3-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/
عبدالله بن عباس رضي الله عنه الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا به وتوحيدًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد: فإن الإمام عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، أحد الصحابة الكرام، وأحد فقهاء الإسلام المشهورين، الذين خصَّصوا حياتهم لنشر العلم النافع، والتصدِّي لأهل البدع؛ فأحببتُ أن أذكِّر نفسي وأحبَّائي طلاب العلم الكرام بشيءٍ من سيرته العطرة، وتاريخه المشرق المجيد، لعلَّنا نسير على ضوئه فنسعد في الدنيا والآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم والنسب: هو: عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. كنيته: أبو العباس، وهو أكبر أولاده. أمه: هي أمُّ الفضل لبابة الكبرى، بنت الحارث الهلالية، وهي أخت ميمونة بنت الحارث، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 185). مولد عبدالله بن عباس: ولد ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين؛ أي: في العام العاشر من بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 332). صفات ابن عباس الخلقية: كان عبدالله بن عباس أبيض، طويلًا، مشربًا صفرة، جسيمًا، وسيمًا، صبيح الوجه، له وفرة، يخضب بالحناء. قال ابن جريج: كنا جلوسًا مع عطاء بن أبي رباح في المسجد الحرام، فتذاكرنا ابن عباس، فقال عطاء: ما رأيت القمر ليلة أربع عشرة إلا ذكرت وجه ابن عباس؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 336). قال عكرمة: كان ابن عباس إذا مرَّ في الطريق، قالت النساء في البيوت: أمَرَّ بائعُ المسك، أم مَرَّ ابن عباس؟ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 337). إسلام ابن عباس: أسلم عبدالله بن عباس قبل أبيه، وهاجر مع أبويه إلى المدينة عام فتح مكة؛ أي: في العام الثامن من الهجرة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 333). روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين، أنا من الولدان، وأمي من النساء؛ (البخاري، حديث:1357). أولاد عبدالله بن عباس: رزق الله تعالى ابن عباس بسبعة أولاد: من الذكور خمسة وهم: العباس (الابن الأكبر)، وعلي (جد الخلفاء العباسيين)، والفضل، ومحمد، وعبيد الله، ومن الإناث: اثنتان، وهن: لبابة وأسماء؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 333). دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (1) روى البخاري عن ابن عباس، قال: ضمَّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: ((اللهم علِّمْه الحكمة))؛ (البخاري، حديث:3756). (2) روى البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا، قال: ((من وضع هذا؟)) فأخبر، فقال: ((اللهُمَّ فقِّهْه في الدين))؛ (البخاري حديث:143). (3) روى أحمد عن عبدالله بن عباس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فصلَّيتُ خلفه، فأخذ بيدي، فجرني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي: ((ما شأني أجعلك حذائي فتخنس؟))، فقلت: يا رسول الله، أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علمًا وفهمًا؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ 5، صـ 178 حديث:3060). ابن عباس يتعلَّم على يد النبي صلى الله عليه وسلم: روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بِتُّ عند خالتي ميمونة ليلةً، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان في بعض الليل قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضَّأ من شن معلق (قربة) وضوءًا خفيفًا، ثم قام يُصلِّي، فقمت، فتوضَّأت نحوًا مما توضَّأ، ثم جئتُ فقمت عن يساره، فحوَّلني فجعلني عن يمينه، ثم صلى ما شاء الله، ثم اضطجع فنام حتى نفخ، فأتاه المنادي يأذنه بالصلاة، فقام معه إلى الصلاة، فصلى ولم يتوضَّأ؛ (البخاري حديث:859). روى الترمذي عن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال: ((يا غلامُ، إني أُعلِّمك كلمات: احفظ الله يحفظْك، احفظ الله تجدْه تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأُمَّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضرُّوك بشيء لم يضرُّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام وجفَّت الصُّحُف))؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2043). حرص ابن عباس على طلب العلم: (1) روى الحاكم عن عبدالله بن عباس، قال: "لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم اليوم كثير"، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم، قال: "فتركت ذاك، وأقبلتُ أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه، وهو قائل فأتوسَّد ردائي على بابه يسفي الريح عليَّ من التراب فيخرج فيراني"، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما جاء بك؟ هلا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: "لا، أنا أحق أن آتيك"، فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: "هذا الفتى كان أعقل مني"؛ (إسناده صحيح) (مستدرك الحاكم، جـ 1، صـ 188). (2) قال عبدالله بن عباس: كنت أسأل عن الأمر الواحد ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 344). (3) روى ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال: سمِعت ابن عباس يقول: كنت ألزم الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين والأنصار، فأسألهم عن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما نزل من القرآن في ذلك، وكنت لا آتي أحدًا منهم إلا سُرَّ بإتياني؛ لقُربي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعلت أسأل أُبيَّ بن كعب يومًا، وكان من الراسخين في العلم عما نزل من القرآن بالمدينة، فقال: نزل بها سبع وعشرون سورة، وسائرها بمكة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 284 - 283). عبادة عبدالله بن عباس: قال ابن أبي مليكة: صحبت ابن عباس من مكة إلى المدينة، فكان يصلي ركعتين، فإذا نزل، قام شطر الليل، ويُرتِّل القرآن حرفًا حرفًا، ويُكثِر في ذلك من النشيج والنحيب؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 352). قال أبو رجاء: رأيت ابن عباس وأسفل من عينيه مثل الشراك البالي من البكاء؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 352). وصية العباس لابنه عبدالله: روى أبو نعيم، عن عامر الشعبي، عن ابن عباس، قال: قال لي أبي: أي بني، إني أرى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يدعوك ويُقرِّبك ويستشيرك مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاحفظ عني ثلاث خصال: اتق الله، لا يجربنَّ عليك كذبة، ولا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، قال عامر الشعبي: فقلت لابن عباس: كل واحدة خير من ألف درهم، قال ابن عباس: كل واحدة خير من عشرة آلاف درهم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 318). اجتهاد ابن عباس في نشر العلم: روى عبدالله بن عباس ألفًا وستمائة وستين حديثًا، وله من ذلك في البخاري ومسلم خمسة وسبعون. تفرَّد البخاري له بمئة وعشرين حديثًا، وتفرَّد مسلم بتسعة أحاديث؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 359). (1) روى البخاري عن عكرمة، قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا، لم أحرقهم؛ لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ بدَّل دينَه فاقتلوه))؛ (البخاري، حديث 6922). (2) روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان عمر يُدخِلني مع أشياخ بدر، فقال بعضهم: لمَ تُدخِل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله؟! فقال: إنه ممَّن قد علمتم، قال: فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم، قال: وما رُئيتُه دعاني يومئذٍ إلَّا ليريهم مني، فقال: ما تقولون في ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ﴾ [النصر: 1، 2] حتى ختم السورة، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئًا، فقال لي: يا بن عباس، أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾ فتح مكة فذاك علامة أجلك ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ [النصر: 3]، قال عمر: ما أعلم منها إلَّا ما تعلم؛ (البخاري، حديث:4294). (3) قال أبو صالح: لقد رأيت من ابن عباس مجلسًا لو أن جميع قريش فخرت به، لكان لها فخرًا، لقد رأيت الناس اجتمعوا حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر على أن يجيء، ولا أن يذهب، قال: فدخلت عليه فأخبرته بمكانهم على بابه، فقال لي: ضع لي وضوءًا، فتوضَّأ وجلس، وقال: اخرج وقل لهم من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أراد منه فليدخل، فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثره، ثم قال إخوانكم فخرجوا، ثم قال اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن تفسير القرآن وتأويله، فليدخل، قال فخرجت فآذنتهم، فدخلوا حتى ملأوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به، وزادهم مثل ما سألوه عنه أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، فخرجت فقلت لهم، قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها فليدخل، قال: فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا ثم قال: اخرج، فقل: من أراد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، قال: فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله، قال أبو صالح: فلو أن قريشًا كلها فخرت بذلك، لكان فخرًا، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس"؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 321:320). روى عبدالرزاق بن همام، عن ابن عباس، قال: قدم على عمر رجل، فجعل عمر يسأله عن الناس، فقال: يا أمير المؤمنين، قد قرأ منهم القرآن كذا وكذا، فقال ابن عباس: والله ما أحب أن يتسارعوا يومهم هذا في القرآن هذه المسارعة، قال: فزبرني (انتهرني) عمر، ثم قال: مه، قال فانطلقت إلى أهلي مكتئبًا حزينًا، فقلت: قد كنت نزلت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب منزلة، فلا أراني إلا قد سقطت من نفسه، فرجعت إلى منزلي فاضطجعت على فراشي حتى عادني نسوة أهلي، وما بي وجع، وما هو إلا الذي تقبلني به عمر، فبينا أنا على ذلك أتاني رجل، فقال: أجب أمير المؤمنين، فخرجت فإذا هو قائم ينتظرني، فأخذ بيدي ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهت مما قال الرجل آنفًا؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إن كنت أسأت فإني أستغفر الله وأتوب إليه وأنزل حيث أحببت، قال: لتحدثني بالذي كرهت مما قال الرجل، فقلت: يا أمير المؤمنين، متى ما تسارعوا هذه المسارعة يختصموا، ومتى ما يختصموا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا، فقال عمر: لله أبوك! لقد كنت أكاتمها الناس حتى جئت بها؛ (إسناده صحيح)، (مصنف عبدالرزاق، جـ11، صـ217، رقم 20368). أقوال سلفنا الصالح في عبدالله بن عباس: (1) قال عمر بن الخطاب لعبدالله بن عباس: والله، إنك لأصبح فتياننا وجهًا، وأحسنهم عقلًا، وأفقههم في كتاب الله عز وجل؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ1، صـ 748). (2) روى ابن سعد عن عائشة أنها نظرت إلى ابن عباس وحوله الناس ليالي الحج، وهو يسأل عن المناسك، فقالت: هو أعلم من بقي بالمناسك؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 282). (3) قال سعد بن أبي وقاص: ما رأيت أحدًا أحضر فهمًا، ولا ألبَّ لبًّا، ولا أكثر علمًا، ولا أوسع حلمًا من ابن عباس، ولقد رأيت عمر بن الخطاب يدعوه للمعضلات، ثم يقول: عندك قد جاءتك معضلة، ثم لا نجاوز قوله (نسير تبعًا لرأيه) وإن حوله لأهل بدر من المهاجرين والأنصار؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 282:281). (4) قال عبدالله بن مسعود: نعم ترجمان القرآن ابن عباس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 279). (5) قال طلحة بن عبيدالله: لقد أعطي ابن عباس فهمًا، وعلمًا، ما كنت أرى عمر بن الخطاب يُقدِّم عليه أحدًا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 283). (6) قال أبي بن كعب وكان عنده ابن عباس، فقام، فقال: هذا يكون حَبْر هذه الأمة، أرى عقلًا وفهمًا، وقد دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُفقِّهه في الدين؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ348). (7) قال عبدالله بن عمر بن الخطاب: أعلمنا ابن عباس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 282). (8) قال عبدالله بن عمرو بن العاص: ابن عباس أعلمنا بما مضى، وأفقهنا فيما نزل، وممَّا لم يأت فيه شيء؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 284). (9) لما مات عبدالله بن عباس، قال رافع بن خديج: مات اليوم من كان يحتاج إليه من بين المشرق والمغرب في العلم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 284). (10) قال معاوية بن أبي سفيان لعكرمة (مولى ابن عباس): مولاك والله أفقه مَنْ مات ومَنْ عاش؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 282). (11) قال طاوس بن كيسان: ما رأيت أحدًا كان أشدَّ تعظيمًا لحرمات الله من ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والله لو أشاء إذا ذكرته أن أبكي لبكيت؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 329). وقال طاوس أيضًا: ما رأيتُ رجلًا أعلم من ابن عباس، (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 280). وقال طاوس: أدركت نحوًا من خمسمائة من الصحابة، إذا ذاكروا ابن عباس، فخالفوه، فلم يزل يُقرِّرهم حتى ينتهوا إلى قوله؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ351). (12) قال سعيد بن المسيب: عبدالله بن عباس أعلم الناس (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 281). (13) قال محمد ابن الحنفية، لما دفن ابن عباس: اليوم مات رباني هذه الأمة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 280). (14) قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس، قلت: أجمل الناس، فإذا نطق، قلت: أفصح الناس، فإذا تحدَّث، قلت: أعلم الناس؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ351). (15) قال عكرمة (مولى ابن عباس): كان ابن عباس في العلم بحرًا ينشق له الأمر من الأمور؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ3، صـ354). (16) قال مجاهد بن جبر: ما رأيت أحدًا قطُّ مثل ابن عباس؛ لقد مات يوم مات، وإنه لحَبْر هذه الأُمَّة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ350). وقال مجاهد أيضًا: كان ابن عباس يسمى البحر من كثرة علمه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 2، صـ 279). وقال مجاهد: ما سمِعت فتيا أحسن من فتيا ابن عباس إلا أن يقول قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ351). (17) قال الحسن البصري: كان ابن عباس يقوم على منبرنا، فيقرأ البقرة وآل عمران فيُفسِّرهما آيةً آيةً؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ1، صـ 749). (18) قال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجًّا معه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ351). (19) روى الحاكم عن شقيق قال: خطب ابن عباس وهو على موسم الحج، فافتتح سورة النور، فجعل يقرأ ويُفسِّر، فجعلت أقول: ما رأيت ولا سمِعت كلام رجل مثله، لو سمعته فارس والروم لأسلمت؛ (مستدرك الحاكم، جـ3، صـ537). (20) قال القاسم بن محمد: ما رأيت في مجلس ابن عباس باطلًا قطُّ؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ351). (21) قال سفيان بن عيينة: لم يدرك مثل ابن عباس في زمانه؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ3، صـ352). قبس من كلام عبدالله بن عباس: (1) روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿ وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ ﴾ [الأعراف: 50]، قال: يُنادي الرجل أخاه، ويُنادي الرجل الرجل، فيقول: إني قد احترقت فأفض عليَّ من الماء، قال: فيقال له: أجبه، فيقول: إن الله حرمهما على الكافرين؛ (إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة، جـ12، صـ126، رقم:35782). (2) روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ ﴾ [الناس: 4]، قال: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس؛ (إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة، جـ12، صـ126 رقم:35783). (3) روى ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]، قال: الصلوات الخمس؛ (إسناده صحيح) (مصنف ابن أبي شيبة، جـ12، صـ128، رقم:35793). (4) روى ابن أبي شيبة عن ابن عباس، قال: لابن آدم ثلاثة وثلاثون عضوًا، على كل عضو منها زكاة من تسبيح الله وتحميده وذكره؛ (إسناده صحيح)؛ (مصنف ابن أبي شيبة، جـ12، صـ129، رقم:35797). وفاة عبدالله بن عباس: روى الحاكم عن سعيد بن جبير قال: مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طير لم ير على خلقته ودخل في نعشه، فنظرنا وتأملنا هل يخرج فلم يرَ أنه خرج من نعشه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر، ولا يدري من تلاها: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِ ﴾ [الفجر: 27 -30]؛ (مستدرك الحاكم، جـ 3، صـ 543). أصيب ابن عباس بالعمى في أواخر حياته، ومات عام ثمان وستين من الهجرة، وكان عمره إحدى وسبعين عامًا، وصلى عليه محمد ابن الحنفية؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 189) (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ1، صـ 757). رحم الله عبدالله بن عباس رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، كما أسأله سبحانه أن ينفع بهذه الرسالة طلَّاب العلم الكِرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
مقدمة كتاب شرح مدار الأصول لأبي حفص عمر النسفي
د. إسماعيل عبد عباس
06-12-2018
10,439
https://www.alukah.net//culture/0/131137/%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%ad%d9%81%d8%b5-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%81%d9%8a/
مقدمة كتاب شرح مدار الأصول لأبي حفص عمر النسفي الحمد لله الذي أسَّس قواعد شرعه بالأصول، وجعلها آلة فهم المنقول وضبط المعقول، والصلاة والسلام على نبيِّه وحبيبه ورسوله، صلاةً وسلامًا يليقان بمقامه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فقد كان الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم يصدرون فتاواهم عن أدلة وقواعد، وإن لم يُصرِّحوا بها، فلما كثُرت الفروع الفقهية، وتكاثرت بسبب سعة الاجتهادات وتنوُّع المناهج، عمد العلماء إلى صياغة القواعد وضبطها؛ كي تعين الفقيه والمفتي على استحضار أحكام الوقائع والاستفسارات، فشرَعوا في تأليف القواعد الفقهية، ومن أوائل من ألَّف فيها: الإمام أبو الحسن الكرخي، وإن كان قد ضمَّنها بعض القواعد الأصولية، إلا أنه لا ينكر أحدٌ أن أصول الكرخي حوت جملةً من القواعد الفقهية التي عليها مدار فقه الإمام أبي حنيفة، ولم أجد - حسب اطِّلاعي - مؤلفًا في القواعد الفقهية أقدم من مؤلف الكرخي، ثم تابعه العلماء، وساروا على سيره، وبذلوا جهودًا كبيرة في جمع القواعد والتخريج عليها، وبيَّنوا أهميتها والحاجة الماسة إليها؛ لذلك يقول القرافي: "يتعيَّن أن يكون على خاطر الفقيه من أصول الفقه وقواعد الشرع، واصطلاحات العلماء، حتى تخرج الفروع على القواعد والأصول، فإن كل فقه لم يخرج على القواعد فليس بشيء" [1] . ونظرًا لهذه الأهمية حرصت على تحقيق هذا السفر العظيم والأثر القديم (شرح مدار الأصول)، فالأصول التي عليها مدار فقه الحنفية، فقد خلَّفه لنا إمامنا الكرخي، وأما شرحه فهو من صنيع الإمام أبي حفص عمر النسفي، فأصبح شرح مدار الأصول: هو المعين الذي يرتشف منه مؤلِّفو القواعد الفقهية، إلا أنه على وافر قدره وأهميته، لم يحظَ بتحقيق يزيل غموضه، ويُوضِّح مفرداته، وينظم مفهومًا لقواعده وأصوله، أما التمثيل له فقد أجاد وأفاد الإمام النسفي في شرحه لهذه الأصول، فكان خير كتاب في بيان مرتكزات فقه الحنفية، ينتفع به المبتدئ والمنتهي؛ لأنه حوى قلة الألفاظ وكثرة المعاني، فجمع بين ثناياه قواعد مهمة في عبارات قليلة، من أجل أن يسهل حفظها، واستحضارها، فأكرمني الله عز وجل بنسختين خطيَّتينِ لشرح مدار الأصول للإمام النسفي" ونسخة مطبوعة طبعة حجرية، فشرعت في تحقيقه وتعليقه، مستفيدًا من مؤلَّفات العلماء قديمًا وحديثًا، ومنها: موسوعة القواعد الفقهية: للدكتور محمد صدقي آل بورنو، وقواعد الكرخي الأصولية: لأخي الدكتور أنس الفياض، سائلًا المولى عز وجل الإعانة والقبول. وقد اقتضت طبيعة العمل تقسيمه إلى مقدمة، وقسمين: تكلمت في القسم الأول عن الإمام الكرخي واضع القواعد ، وعن الإمام النسفي شارحها، وعن المخطوط وصفًا ونسبةً، وجعلته في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: حياة الإمام الكرخي، وجهوده المبذولة في إنماء الفقه الحنفي. المبحث الثاني: الإمام النسفي ومكانته العلمية. المبحث الثالث: التعريف بشرح مدار الأصول، والمنهج المتَّبع في التحقيق، ووصف المخطوط. أما القسم الثاني: فقد جعلته للنصِّ المحقَّق. وفي الختام: فإني قد بذلت قصارى جهدي وطاقتي للوصول إلى المقصد، فإنْ وُفِّقت فيما قدَّمته فبتوفيق من الله عزَّ وجلَّ وفضلِه وكرمه، ومع ذلك لا أدَّعي الكمال؛ بل أعترف بالقصور، وأبسط يد الافتقار إلى العفوِّ الغفور، فالكمال محالٌ لغير ذي الجلال، والإنسان لا بدَّ أن يعتريه نقصان، في كلِّ زمان ومكان، فهو محلُّ النسيان، وإنَّ الحسناتِ يُذهبْنَ السيئات. والله تعالى أسأل الإخلاص في أعمالنا، والسَّداد في أقوالنا، والتوفيق في تحقيق ما نصبو إليه، وأنْ يتقبَّل هذا اليسير، ويعفو عن الزلل والتقصير، وأنْ ينفع به المسلمين، فهو حسبُنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيِّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين. اللوحة الأولى من النسخة أ اللوحة الأخيرة من النسخة أ اللوحة الأولى من النسخة ب اللوحة الأخيرة من النسخة ب اللوحة الأولى من النسخة ج اللوحة الاخيرة من النسخة ج [1] الذخيرة: 1 /55.
العبث بالعقل
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
05-12-2018
9,146
https://www.alukah.net//culture/0/131118/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84/
العبث بالعقل المعلوم - فيما يتعلَّق بالغلوِّ في تقدير الأشخاص - اعتقادًا، أنَّ المزارات والمشاهد والأضرحة دخيلةٌ على المفهوم الإسلامي، وأنَّ هذا التقرير أدَّى إلى الإفراط في ذلك، مما نتج عنه تعطيل للعقل من ناحية، واللجوء إلى الفصل بين الحياة بمادِّيتها، والروح بما توفِّره من أمان، الأمر الذي لا نقرُّه نحن المسلمون بحال، ومما يدخُل في هذا النِّطاق متابعة المشعوذين في كلِّ مكان، والأخذ على أيديهم، وكفُّ الناس من شرورهم، لا سِيَّما أنَّهم يتعاملون مع المرضى وأهل المريض، ويزعمون أنهم يشفونهم مما هم فيه من أمراض، هي في الغالب نفسية. المشكلة في هذا الأمر أنَّ اللجوء إلى المشعوِذ - إذا ثبتَت شعوذته - مُخِلٌّ بعقيدة المسلم، الذي يلجأ إلى أشخاص، لا يستخدمون قدراتهم العلمية في تشخيص الأمراض واقتراح العلاج، أيًّا كان نوع العلاج. وإنَّما سُمُّوا بالمشعوذين لأنهم يخدعون العقول والأفهام، ولا يملكون في الواقع القدرةَ على العلاج، إلا أنْ يستعينوا بقوًى أخرى، وهذا قليل جدًّا فيهم، ووجوده لا يسوِّغ وجودهم، وسعيهم إلى فتح أبوابهم للمصابين وأهاليهم، فالمسألة - هنا - تعود إلى الاعتقاد بأنَّ الله تعالى هو الشافي، واعتمادنا كليَّةً في الاستشفاء على الشافي سبحانه وتعالى لا يَنفي التداوي؛ لأنَّ التداوي يدخل في مفهوم اتِّخاذ الأسباب، ولكنَّ التداوي إنَّما يكون بعلم، وليس باللجوء إلى ممارسات تنافي التوكُّل، وبالتالي تُدخِلُ خللًا في عقيدة المسلم باتِّكاله على هذا المشعوِذ أو ذاك. المشعوذون موجودون في كلِّ مكان، وكانوا موجودين من قبل، وسيوجدون فيما بعد؛ ذلك أنَّ أوَّل مسوِّغ لوجودهم حصولهم على عوائدَ مالية كبيرة، لكنها غير طيِّبة، ولا مباركة، مقابل مجهود محدود جدًّا، لا يعتمد على العلم أو التجربة، أو ما إلى ذلك. المهم هنا، هو عدم التعميم في الحكم، بحيث يقال: إنَّ كلَّ من تعامَلَ مع الأمراض النفسية أو المسِّ، يكون من المشعوذين؛ ذلك أنَّ هناك أناسًا خيِّرين قريبين من القرآن الكريم، في تطبيقه على حياتهم الخاصَّة، وهم ذوو تُقًى وورع، ويرقون الناس المرضى بالقرآن الكريم فقط، ثمَّ بالأدعية المأثورة، التي هي - أصلًا - تنطلق من منطلق عقدي قوي راسخ، يعتمد على أنَّ الشافي الأوَّل والأخير لكل الأمراض - عضويِّها ونفسيِّها - إنَّما هو الله تعالى، ومَن توكَّل على الله تعالى كفاه. الرجوع إلى هؤلاء الأتقياء الورِعين الأحياء، إنَّما هو من الأخذ بالأسباب؛ تمامًا كما نتردَّد على الطبيب المؤهَّل علميًّا، والمتخصِّص في مجال من مجالات الطبِّ البشري والنفسي، إنْ لم يكن ذلك الورع والتُّقى أقوى سلاحًا من الطبيب نفسه؛ لأن سلاحَه في علاج المرض هو القرآن الكريم . لعله من المناسب الدعوة - إعلاميًّا ودعويًّا وتوعويًّا - للمشعوذين أنْ يقلعوا ذاتيًّا، وأنْ يتوبوا إلى الله تعالى، وأنْ يبتغوا الرِّزقَ من طُرقه المشروعة، وهذا مؤشِّر على قوَّة العقيدة في نفوس المسلمين، الذي سيؤدِّي إلى التقليص من التردُّد على المشعوذين، فتبور سلعةُ مَن أصرَّ منهم على هذا النهج، فيزولون تدريجيًّا من المجتمع، مع الأخذ في الحسبان أنَّهم باقون كما كانوا من قبل، لكن نسبتهم سوف تقلُّ كثيرًا مع التوعية لهم هم أوَّلًا، ثم للمسلمين عمومًا. لا بدَّ من أنْ يُعَدَّ هذا العامل في التعلُّق بالأموات من أبرز العوامل وأهمِّها في ضعف المسلمين بعامة، وبالتالي فإن التصحيح مطلوب؛ وهو تصحيح صعب، لكنه غير مستحيل، وبطيء جدًّا، ولكنه مع بطئه يتقدَّم، ولن أنسى موقفَ ذلك الطالب الزميل الذي يدرس في الولايات المتَّحدة الأمريكية، وعند نهاية دراسته طرح على زملائه مشكلته عند عودته إلى أهله، وإجبارهم له على المرور على الوَليِّ الفلاني المتوفَّى، حال وصوله إلى بلاده، ليتلقَّى منه البركة، ويحميه من الحسد والعين والشرِّ، كل ذلك بمقابلٍ، تدفعه الأسرةُ الفقيرة، وذكر أنَّه إنْ لم يفعل ذلك عدَّه أهله مارقًا من الدين! أو أنَّه قد جاء بدين جديد! إذا كانت المزارات والأضرحة سببًا من أسباب ما وصلَت إليه الأمَّة في مجملها من هوان، فإنَّ هناك أسبابًا أخرى لا تقلُّ أهمية عن هذا الضعف، الذي اعترى المجتمع المسلم، مما أدَّى إلى بروز ظاهرة الإلحاد، والبحث عن أفكار أخرى، قد يكون بعضها باسم الدين، ولكنها لا تعدو أنْ تكون تشويهًا لمفهوم الدين، والكتابات في هذا الموضوع كثيرة ومتعدِّدة، وتحتاج منا إلى رصد وراقي " ببليوجرافي " لبيان العوامل كلها، وهذا عمل الباحثين والعلماء والأكاديميين.
أسماء الرسائل العلمية الموافق عليها في كلية الحديث الشريف للعام الجامعي 1438 - 1439هـ (PDF)
وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
05-12-2018
5,125
https://www.alukah.net//culture/0/131107/%d8%a3%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%81%d9%82-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d9%84%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d9%8a-1438-1439%d9%87%d9%80-PDF/
عنوان الكتاب: أسماء الرسائل العلمية الموافق عليها في كلية الحديث الشريف للعام الجامعي 1438 - 1439هـ. المؤلف: وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية . عدد الصفحات: 4. أسماء الرسائل العلمية الموافق عليها في كلية الحديث الشريف للعام الجامعي 1438 - 1439هـ يحتوي هذا الكتاب على مجموعة من الرسائل العلمية الموافق عليها في كلية الحديث الشريف للعام الجامعي 1438 - 1439هـ، تشمل اسم الموضوع، والمرحلة - ماجستير، أو دكتوراه - والقسم.
التمايز العقلي بين الرجل والمرأة
د. محمود بن أحمد الدوسري
04-12-2018
16,155
https://www.alukah.net//culture/0/131096/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9/
التَّمايز العقلي بين الرجل والمرأة الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده. يتَّخذ التَّمايز العقلي بين كلٍّ من الرَّجل والمرأة مستويات عدَّة، نوجزها فيما يلي: أولاً: على مستوى البنية والتَّركيب: أظهرت الدِّراسات الحديثة وجود اختلافات بين بنية دماغ المرأة، وبنية دماغ الرَّجل من ناحية، وبين عمليات تفاعل الهرمونات مع دماغ المرأة، وعمليات تفاعل الهرمونات مع دماغ الرَّجل، وذلك كما يلي: ♦ «دماغ الأنثى أقلُّ وزناً من دماغ الرَّجل، حيث يزن دماغ الأنثى في المتوسِّط (44) أونس أو ما يعادل (1245,2) غرام، بينما يزن دماغ الرَّجل (49) أونس أو ما يعادل (1386,7) غرام. ♦ وجود اختلاف في الجسم الجاسئ، وهو كتلة أليافٍ عصبيَّة موصلة، تربط بين شطري الدِّماغ نصف الكرويين؛ ففي الإناث هو أسمك وأكثر انتفاخاً ووزناً، وبَصَلي الشَّكل عنه لدى الذُّكور» [1] . ♦ «كثرة التَّلافيف الموجودة في مخِّ الرَّجل، فهي أكثر بكثير من التَّلافيف الموجودة في مخِّ المرأة، وتقول الأبحاث: إنَّ القدرة العقليَّة والذَّكاء يعتمدان إلى حدٍّ كبيرٍ على حجم ووزن المخِّ، وعدد التَّلافيف الموجودة فيه» [2] . ♦ «دماغ الإناث يمتدُّ أطول عمراً من الذُّكور في المطاوعة واللُّيونة؛ أي: بقاء دماغ الإناث مفتوحاً للنُّمو والتَّغيُّر لسنين أكثر في النِّساء من الرِّجال» [3] . ثانياً: على مستوى الإدراك الحسِّي: يتعامل الدِّماغ مع المعارف المُسْتَلَمة بواسطة الإدراك الحسِّي، والذي مصدره الحواسُّ الخَمْس، وقد تبيَّن للباحثين أنَّ دماغ الأنثى مختلفٌ تماماً عن دماغ الذَّكر من حيث الإدراك الحسِّي كما يلي: ♦ السَّمع : تتفوَّق الإناث على الذُّكور في حاسَّة السَّمع، بما يعادل النِّصف تقريباً، ولذلك تجد الأطفال الإناث يتعلَّمن النُّطق قبل الذُّكور، كما تتعلَّم الإناث اللُّغات أسرع من الذُّكور؛ بسب تفوُّقهنَّ في السَّمع والذَّاكرة اللَّفظية. ♦ الإبصار : يتفوق الذُّكور على الإناث في الإبصار لمسافات بعيدة، وفي الإدراك البصريِّ العميق، وإبصار الذُّكور في النَّهار أفضل من الليَّل، وتتفوَّق الإناث على الذُّكور في الإبصار المحيطي أو الحولي؛ أي: الإبصار ما حول الشَّيء المرئي، والذي يُعينها على تقدير المسافات بدقَّة، ومن ذلك يمكن القول: بأن هذا التَّفوُّق في الإبصار اللَّيلي يُعين الأُمَّ على العناية بأطفالها ليلاً. ♦ الذَّاكرة الصُّورية: كما تتفوَّق الإناث على الذَّكور في الذَّاكرة الصُّورية؛ لذلك هي أعلى قابليَّة في التَّعرُّف على وجوه وأسماء الآخرين. ♦ اللَّمس : اللَّمس اليدوي عند الإناث أكثر حساسيَّة وانتشاراً منه عند الذُّكور، لذا يتفوَّقن على الرِّجال في إنجاز أعمالٍ يدويَّة دقيقة، ويَشْعرن بالألم أسرع من الذُّكور، ويتحمَّلنه لمدَّة أطول منهم. ♦ الشَمُّ والتَّذوُّق : للنِّساء حاسَّة شمٍّ أقوى من الرِّجال، وهنَّ أكثر حساسيَّة للرَّائحة والعبير، ولأيِّ تغيُّرٍ رقيق فيهما، والله سبحانه وتعالى خَلَق المرأة وَزَوَّدها بحواسَّ أقوى نسبيّاً من الرَّجل؛ ليمكِّنَهَا من أداء وظائف الأمومة، وأخرى منزليَّة رقيقة دقيقة [4] . ثالثاً: على مستوى القدرات والمهارات: الفوارق بين القدرات العقليَّة لكلٍّ من الرَّجل والمرأة متعدِّدة ومتشعبِّة، وهي نابعة من الاختلاف التَّكويني لكلٍّ من عقليهما، كما أنَّها نابعة من اختلاف آليَّات العمل داخل عقليهما، وهذه المهارات والقدرات يغلب عليها عامل التَّكامل بين الجنسين، فكلٌّ منهما يُكَمِّل الآخر، حيث وهبهما الله تعالى من القدرات والمهارات المرتبطة بكلٍّ منهما ما يمكِّنهما من أداء الدَّور المنوط بهما في الحياة، ونُجمل هذه الاختلافات فيما يلي : ♦ من حيث درجة التَّركيز والتَّشتُّت نجد أنَّ التَّركيز يغلب على أداء الرِّجال لعملٍ معيَّن، ولا يصرف انتباههم عن ذلك معلومات طارئة أو زائدة، فدماغ الرَّجل يُعطيه القابليَّة على التَّركيز على الشَّيء المراد إنجازه، حيث إنَّه أكثر تخصُّصاً من دماغ المرأة، فيختصُّ الجانب الأيسر من دماغ الرَّجل كليّاً في السَّيطرة على قدرات الفعل، بينما يختصُّ الجانب الأيمن بالسَّيطرة على قدرات الإبصار. أمَّا المرأة، فقابليَّة التَّركيز أقلُّ منها في الرِّجال، حيث يغلب التَّشتُّت على تفكيرهنَّ حيث يسيطر كلا جانبي العقل الأيمن والأيسر على كافَّة المسائل لدى المرأة معاً، ممَّا يزيد من درجة التَّشتُّت ويقلِّل من درجة التَّركيز؛ لذا مثلاً نجد أنَّ المهندسات المعماريَّات أقلَّ من الرِّجال [5] . ♦ «يختلف مركز تخزين المعلومات والقدرات في الدِّماغ، ففي الفتى تتجمَّع القدرات الكلاميَّة في مكانٍ مختلف عن القدرات الهندسيَّة والفراغيَّة، بينما هي موجودة في كلا فصَّي المخِّ لدى الفتاة، وهذا معناه أنَّ دماغ الفتى أكثر تخصُّصاً من مخِّ أخته» [6] . ♦ «البنات أقلُّ استعداداً من البنين في تعلُّم واستيعاب الرِّياضيات في مستويات عليا من الدِّراسة؛ لذا وُجِدَ معدَّل (13) إلى (1) من البنات في صفوف الدِّراسات العليا للرِّياضيات بأمريكا. أمَّا قدراتهنَّ على اللُّغة وإتقانها، فقد أثبت العلم تفوُّق الإناث على البنين في تعلُّمها» [7] . ♦ ازدياد سُمْك الجسم الجاسئ عند المرأة، والذي يعمل على تبادل المعلومات مروريّاً بين نصفي الدِّماغ أكسب المرأةَ بعض القدرات، ومنها: مساعدتها في أعمالٍ تتطلَّب التَّقريب بين يديها والتَّنسيق، كما في الحياكة والتَّطريز والأعمال المنزليَّة، كما يزيد من قدرتها على الرَّبط الذِّهني بين الأشياء والأفكار، كما يساعدها على إنجاز نشاطات متعدِّدة في آنٍ واحد. ♦ أمَّا الرِّجال فتركيب المخِّ لديهم يمكِّنهم من التَّركيز في عمل واحد؛ لذا يتفوَّقون على النِّساء في المجالات التي تحتاج إلى درجة تركيزٍ أعلى، مثل: الميكانيكا، الحساب، الهندسة، الرِّياضيات، ونحوها [8] . [1] معجزات القرآن العلمية في الإنسان، عبد الوهاب الراوي (ص84). [2] عمل المرأة في الميزان، د. محمد علي البار (ص84). [3] معجزات القرآن العلمية في الإنسان، (ص82). [4] المصدر نفسه، (ص85-86). [5] انظر: المصدر نفسه، (ص83). [6] عمل المرأة في الميزان، (ص82). [7] معجزات القرآن العلمية في الإنسان، (ص82). [8] انظر: المصدر نفسه، (ص97).
البخل من منظور الاقتصاديات النفسية
د. زيد بن محمد الرماني
04-12-2018
14,182
https://www.alukah.net//culture/0/131089/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ae%d9%84-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%a9/
البخل من منظور الاقتصاديات النفسية ما الذي يدفع الفرد إلى أن يطلب شظفَ العيش، وقساوةَ المعيشة على لينها وحلاوتها، بحيث يُصبِح مأكلُه غثًّا، ومشربُه كريهًا، وثيابُه باليةً، وحياتُه خشنةً قاسيةً؟! هل لأنه من الفقراء المحتاجين إلى المال أم لأنه يعيش في نسق من الحياة الضاغطة التي فرضت عليه البخل بالمال؟ أم لأنه من البخلاء الذين لا يرتبط سلوكهم بالفقر أو الغنى؟ فلماذا إذًا يبخل الإنسان؟ وهل يقتصر البخل على الجوانب المادية من حيث إمساك المال، أم أنه يشمل الكف والمنع والإمساك في جوانب الحياة النفسية والاجتماعية كافة؟ إن البخل هو إمساك المال ومنعه وتجميعه واكتنازه وحفظه في مورد لا ينبغي إمساكه فيه، فهو الاحتفاظ بالمال في صورة سيولة نقدية معطَّلة غير مستغلَّة أو متداولة، وهو الإمساك والتقتير عمَّا يحسن السخاء فيه، وهو ضد الإنفاق والجود والكرم، وعدول عن الإنفاق في الحاضر والمستقبل. فالبخل إذًا يرتبط بمن يملِكون المال، فلا يُقال: إن فلانًا بخيلٌ إلَّا وهو ذو مال، وهو صفة تبعد عن الفقراء المحتاجين إلى المال؛ ذلك لأن الفقير ليس لديه ما يكنزه أو يمنعه؛ كي يُطلق عليه بخيل، فالبخيل هو من يملك المال، ولديه قدرة على الإنفاق؛ لكنه يُعطِّل عن عمد وقصد تلك القدرةَ، فيمتنع عن الإنفاق. وعادة ما يرتبط البخل بالذمِّ والقُبْح، والبخل سلوك إنساني مُعقَّد ومتشابك يتكوَّن من العديد من الانفعالات والدوافع النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وهو سلوك قد يُرينا كيف أن هوس الثراء يدفع الفرد إلى الرغبة العارمة في امتلاك المال، حتى لو كان ذلك على حساب الذات التي تمرَّدَتْ على كل الرغبات والملذَّات في سبيل رغبة واحدة هي المال، ولذَّة واحدة هي جمع المال واكتنازه. كذلك البخل هو انحراف في غريزة المحافظة على البقاء، وهو الصورة المرضية من الرغبة في التملُّك والادِّخار؛ ذلك أن الأسوياء من الناس قد يميلون إلى سلوك التملُّك والادِّخار والمحافظة على بقائهم بهدف الشعور بالأمن في المستقبل؛ لكن البخلاء يتجاوزون بسلوكياتهم الهدف من المحافظة على البقاء والتملُّك والادِّخار والاقتصاد والتوفير في شكل من العدول الدائم عن الإنفاق في الحاضر والمستقبل. جاء في كتاب ( هوس الثراء وأمراض الثروة ) قول مؤلفه د. أكرم زيدان: إن سلوك البخل ينقسم إلى عدة أنواع منها: بخل الحرص والتدبير، وبخل الوهم والخداع، وبخل الحسد، وبخل المحافظة، والبخل الانفعالي. ♦ بخل الحرص والتدبير: وهذا النوع من البخل لا يصل في إمساكه ومنعه وتقتيره إلى الدرجة المرضية التي يمكن أن نصف فيها الفرد بأنه مريض بالبخل، فهو بخيل ويصف الناس بالبخل. ♦ بخل الوهم والخداع: وهذا النوع من البخلاء لا يدرك أنه بخيل؛ بل على العكس يخدع نفسه أنه كريم وجواد ومعطاء. ♦ بخل الحسد: إذ يتَّصف البخيل الحسود بأنه مادي وقاسٍ وعدواني، حقود ومشاكس، كتوم ومنغلق على ذاته، ودائمًا ما لا يقنع بما يمتلك، وينظر إلى ما في أيدي الآخرين حتى لو كان ما يمتلكه الآخرون تافهًا وقليلًا قياسًا بما يمتلكه. ♦ بخل المحافظة: فقد يتَّصف البخيل المحافظ ببعض خصائص البخيل الحسود؛ من حيث الادِّخار القهري والكتمان والعدوانية، لكنه يتميَّز بالحقد على الآخرين إذا كانوا يمتلكون أكثر منه. ♦ البخل الانفعالي: حيث لا يقف البخل عند الجوانب المادية والمالية فقط؛ وإنما ينتشر إلى جوانب الحياة النفسية والاجتماعية كافة، ويبدو ذلك فيما يمكن أن نُسمِّيه البخل الانفعالي، وهو تلك الحالة التي يمسك فيها الفرد عواطفه الإيجابية ومشاعره التي تخدم الآخرين، فيبدو عن عمد قليل الكلام عديم الانتباه، فاقدًا للاهتمام، ولا يُبالي بمشاعر الآخرين ورغباتهم. إن البخل لا يقف عند الجوانب المادية من حيث إمساك المال ومنعه؛ إنما قد يمتدُّ إلى جوانب الحياة النفسية والاجتماعية كافة، فلا يرتبط بجانب واحد من الشخصية؛ بل ربما يشمل الشخصية كلها، وفي كتابه ( البخلاء ) يحدِّثنا الجاحظ عن أنواع البخل والأنماط السلوكية للبخلاء، فيذكر البخيل المفتون، والبخيل المضياع، والبخيل النفاج، والبخيل الذي ذهب مالُه في البناء، والذي ذهب مالُه في الكيمياء.
مقدمة كتاب الفقرات المذهبة وزينة المسائل الملقبة للشيخ عثمان بن سند البصري النجدي
د. إسماعيل عبد عباس
04-12-2018
8,119
https://www.alukah.net//culture/0/131085/%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b0%d9%87%d8%a8%d8%a9-%d9%88%d8%b2%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b5%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ac%d8%af%d9%8a/
مقدمة كتاب الفقرات المذهبة وزينة المسائل الملقبة للشيخ عثمان بن سند البصري النجدي، المتوفى 1242هـ المقدمة: الحمد لله المالك المتفرد في ملكه، الباقي بعد فناء خلقه، نحمده على ما بسط وقسم، ونشكره على ما وهب وعلَّم، الوارث الحق لِمَا في السماوات والأرض، القائل في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾ [مريم: 40]، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وعلى آله وأصحابه المهتدين، وكل من تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الشريعة الإسلامية نظام متكامل، شامل لجميع نواحي الحياة، تضمَّنت نصوصُها وتعاليمها أحكامًا عقدية، وخُلقية، وعملية، ومن جملة الأحكام العملية أحكام الميراث التي تُنظِّم علاقة الورثة فيما بينهم سدًّا لذريعة التباغُض والتحاسُد والتقاطُع. وتتميَّز أحكام الميراث بكونها أحكامًا مركبة، تجمع بين الفقه النظري الذي يتضمَّن الأحكام الشرعية، وبين الفقه العملي الحسابي الذي يتضمَّن القواعد الحسابية، ولكثرة أبوابه وتفاصيله اعتبر علمًا مستقلًّا بحدِّ ذاته، فيُسمَّى: (علم الفرائض أو علم المواريث) ، ويعدُّ هذا العلم من أجلِّ العلوم وأرفعها قدرًا. ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم يُكثرون من المذاكرة والمناظرة في علم المواريث فيما بينهم، واتفقوا في معظم أحكامه لورودها بنصوص صريحة وأدلَّة قطعية، واجتهدوا في قسمة بعض المسائل التي استجدت في عهدهم كل فريق منهم حسب نظره واجتهاده، ممَّا أدَّى إلى اختلافهم فيها، وأطلقوا على بعضها مسميات وألقاب اشتَهرت بها لسبب من الأسباب، فجمع علماء الفرائض هذه المسائل، وأطلقوا عليها مسميات كثيرة في كتبهم؛ منها: الملقبات، المشاكل المشهورة، المسائل الشاذة والشواذ، المسميات من المسائل، المسائل المستغربة والمسائل الخاصة، وغير ذلك، فانبرى لهذه المسائل علماء أجلَّاء اهتمُّوا بها، فجمعوها وشرَحوها ونظموها؛ ليقربوها إلى ذهن الطلبة بعبارة سلسلة، ومن هؤلاء العلماء: الشيخ عثمان بن سند، فقد جمع هذه المسائل بمنظومة اسمها: ( الفقرات المذهبة وزينة المسائل الملقبة ) ، التي تضمَّنت إحدى وخمسين مسألة فرضية بعبارة سلسلة قرنت بين جمال النظم وكمال المعنى؛ مُبتدئًا بالمسائل المشهورة التي وردت في منظومة ابن الوردي: ( الوسائل المهذبة في المسائل الملقبة )، ثم تبعها بالمسائل غير المشهورة وبعض المسائل الغريبة التي تُشبه الألغاز، فجاء نظمُه شاملًا عامًّا لكل المسائل، فزاد لمسة جديدة في هذا الميدان الذي تشعَّب، وصعب على طالبيه، وإن ممَّا دعاني إلى تحقيق هذا النظم أمران: الأول : ارتباط فقه الفرائض بالحساب وفنونه؛ ممَّا أدَّى ذلك إلى أن يزهد فيه الكثير من العلماء، ولا يتصدَّى للتخصُّص فيه إلا القليل. الثاني: رغم تطرُّق العلماء قديمًا وحديثًا لهذه المسائل الفرضية، وعمل النظم الشعرية فيها، فإني وجدت في هذا النظم ما يحوي جميع الملقبات، المشهورة منها وغير المشهورة، مما يُساعد على سهولة دراستها وإتقانها. وقد اقتضت طبيعة العمل تقسيمه إلى قسمين: القسم الأول: القسم الدراسي، وكان في مبحثين : المبحث الأول: التعريف بالشيخ عثمان بن سند، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اسمه، نسبه، ولادته، نشأته. المطلب الثاني: أسرته، شيوخه، تلاميذه، مؤلفاته. المطلب الثالث: توليته المناصب، شعره، ثناء العلماء عليه، وفاته. المبحث الثاني: التعريف بالمنظومة، والمنهج المتَّبع في التحقيق، ووصف النُّسَخ الخطيَّة، وفيه ثلاثة مطالب : المطلب الأَول: تحقيق اسم المنظومة، وتوثيق نسبتها إِلى ابن سند. المطلب الثاني: المنهج المتَّبع في التحقيق. المطلب الثالث: وصف النُّسَخ الخطية. أما القسم الثاني: النص المحقَّق . وأختم بما ختم به الإمام ابن القيم مقدمة كتابه "طريق الهجرتين"، فقال: ((وما كان فيه من حق وصواب فمن الله، هو الله المان به، فإن التوفيق بيده، وما كان فيه من زلل فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، فيا أيها القارئ له والناظر فيه، هذه بضاعة صاحبها المزجاة مسوقة إليك، وهذا فهمه وعقله معروض عليك، لك غُنمه، وعلى مؤلِّفه غُرمه، ولك ثمرته وعليه عائدته، فإن عدم منك حمدًا وشكرًا، فلا يعدم منك عذرًا، وإن أبيت إلَّا الملام، فبابه مفتوح، وقد: استأثر الله بالثناء وبالحمـ *** ـد وولى الملامة الرجلا والله المسؤول أن يجعله لوجهه خالصًا، وينفع به مؤلِّفه وقارئه وكاتبه في الدنيا والآخرة، إنه سميع الدعاء، وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل)) [1] . اللهم اجعل هذا العمل خالصًا لوجه الكريم، واجزني به، وأخوتي ومشايخي أعظم الجزاء، إنك أنت الكريم الجواد. [1] طريق الهجرتين 1 /21.
آثار الازدواجية على المجتمع
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
04-12-2018
4,071
https://www.alukah.net//culture/0/131081/%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b2%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9/
آثار الازدواجية على المجتمع الفرد نواة المجتمع - كما يقول علماء الاجتماع - فإذا لم يصلح الفرد فأنى للمجتمع أن يصلح؟! ولذلك تمتد آثار ازدواجية السلوك إلى المجتمع، ومن أبرزها: أولاً : التخلف عن الأمم المتقدمة. أنَّى يكون لأمة أي تقدم إذا كان جل أفرادها ليسوا على مسلك شرع الله تعالى، فإن بدا لك من أحدهم سلوك قويم سرعان ما يتحول إلى سلوك معاكس ومناقض له تماماً، وهذا الوضع لا يتحقق معه عمل مثمر يقوم على الابتكار والاختراع والتجديد، ويتحقق معه للأمة التقدم والازدهار، بل تصبح هذه الأمة وأفرادها عالة على غيرها من الأمم حتى في أتفه الصناعات مهارة ودربة. ثانيا ً: تبدد الأخلاق. ترتبط الأخلاق ارتباطاً وثيقاً بقواعد الدين الإسلامي، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " ( البيهقي، السنن الكبرى، باب بيان مكارم الأخلاق رقم ( 40 )، ج 10، ص 191 ) ، والسلوك المزدوج ناتج عن خلل في تطبيق قواعد الإسلام معه يتبدد الكثير من المبادئ والأخلاقيات التي تقوم عليها حياة الأمم، وتكون هذه الأمة عرضة للضياع والتهميش، ولله درّ أحمد شوقي إذ يقول: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا ثالثاً : تفشي الغش. إن مجتمعاً تفشى في بعض أفراده ازدواجية السلوك، يكون عرضة لظهور الغش بأنواعه، وظهور الفساد الإداري بأنواعه أيضاً، والغش والفساد الإداري يهزان موازين المجتمع اقتصادياً واجتماعياً، وينخران قواه، فإذا تقدم خطوة إلى الإمام، تقهقر خطوات إلى الخلف. رابعاً : اهتزاز الصف المؤمن المرصوص. يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4] ، والذي يعطل هذه القاعدة ويخلخلها هو مخالفة القول للفعل والذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2] ، وهذا التعبير القرآني ﴿ لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ضم في ثناياه كل الأسباب التي تهز الصف المؤمن المرصوص. إن القول الحسن إذا صدر من بعض الناس يترك أثراً عظيماً في النفس، وفي النفس المؤمنة خاصة، ذلك لأنها تتلقى الكلام الطيب والقول الحسن بصدر سليم، وقلب مفتوح، وتصديق أكيد، وظن حسن، أما إذا خالف القول الفعل فإن الخديعة كبيرة، والإثم عظيم وكان مقت الله لذلك مقتاً كبيراً [1]. خامساً : فقدان الثقة بين أفراد المجتمع الواحد. لا يجمع أفراد المجتمع الواحد إلاّ الحب والإيثار وحسن التعامل، وكل هذه المعاني السامية، وغيرها كُثر؛ حض عليها الإسلام وألحَّ عليها من أجل تماسك المجتمع وتماسك الأمة، أما إذا ازدوجت السلوكيات فأصبح الشخص يقابلك بوجه ثم في مقام آخر يقابلك بوجه آخر، أو تراه يظهر لك الحب والإخلاص وفي الخفاء يكيد لك كيد الأعداء، فساعتئذٍ تنعدم الثقة، وتمتلئ القلوب كُرهاً وحقداً. [1] منهج المؤمن بين العلم والتطبيق، ص 138.
عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الشيخ صلاح نجيب الدق
03-12-2018
138,799
https://www.alukah.net//culture/0/131057/%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/
عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحمد لله تعالى ناصر أوليائه الصادقين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وأصحابه الغُر الميامين، وأزواجه أمهات المؤمنين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم البارزين، فأحببتُ أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة، وتاريخه المشرق المجيد، لعلَّنا نسير على ضوئه فنسعد في الدنيا والآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: اسمه ونسبه: عبدالله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي. كنية عبدالله بن عمر: أبو عبدالرحمن. أمه وأم أخته حفصة: زينب بنت مظعون بن حبيب الجمحية، أخت عثمان بن مظعون؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير جـ 3، صـ 235). مولد عبدالله بن عمر: ولد عبدالله بن عمر بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين. إسلام عبدالله بن عمر: أسلم عبدالله بن عمر مع أبيه، وهو ابن أربع سنوات؛ وذلك لأن عمر أسلمَ في العام السادس من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهاجر إلى المدينة قبل أبيه، ومات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمر عبدالله بن عمر إحدى وعشرين عامًا؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 236). أولاد عبدالله بن عمر: كان لابن عمر زوجتان، وأربع ملك يمين [1] ، رزقه الله تعالى منهن ستة عشر ولدًا وبنتًا، فكان له من الذكور: اثنا عشر، ومن الإناث: أربع؛ (انظر: سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 238). علم عبدالله بن عمر: روى عبدالله بن عمر ألفين وست مائة وثلاثين حديثًا بالمكرر، اتفقا له الشيخان على مائة وثمانية وستين حديثًا، وانفرد له البخاري بأحدٍ وثمانين حديثًا، ومسلم بأحدٍ وثلاثين حديثًا؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 238). (1) قال الإمام مالك: كان إمام الناس عندنا بعد زيد بن ثابت، عبدالله بن عمر، مكث ستين سنة يُفتي الناس؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 221). (2) قال نافع: كان ابن عمر وابن عباس يجلسان للناس عند مقدم الحاج، فكنت أجلس إلى هذا يومًا، وإلى هذا يومًا، فكان ابن عباس يجيب ويُفتي في كل ما سُئل عنه، وكان ابن عمر يردُّ أكثر ممَّا يُفتي؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 222). (3) قال الليث بن سعد: كتب رجل إلى ابن عمر أن اكتب إليَّ بالعلم كله، فكتب إليه: إن العلم كثير؛ ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء الناس، خميص البطن عن أموالهم، كاف اللسان عن أعراضهم، لازمًا لأمر جماعتهم، فافعل؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 222). (4) قال ابن حزم: المكثرون من الفتيا من الصحابة، عمر وابنه عبدالله، علي، عائشة، ابن مسعود، ابن عباس، زيد بن ثابت، فهم سبعة فقط يمكن أن يجمع من فتيا كل واحد منهم سِفْرٌ ضخم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ237: 238). شدة اتِّباع عبدالله بن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: كان عبدالله بن عمر كثير الاتِّباع لآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه نزل منازله، ويُصلي في كل مكان صلى فيه، وحتى إن النبي صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة، فكان عمر يتعاهدها بالماء لئلا تيبس؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 236). روى أبو داود عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو تركنا هذا الباب للنساء)). قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث 439). عبادة عبدالله بن عمر: روى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصَّها على النبي صلى الله عليه وسلم فتمنَّيت أن أرى رؤيا أقصُّها على النبي صلى الله عليه وسلم وكنت غلامًا شابًّا أعزب، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلقيهما ملك آخر، فقال لي: لن تراع فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((نعم الرجل عبدالله لو كان يُصلِّي بالليل))، قال سالم (ابن عبدالله بن عمر): فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلًا؛ (البخاري، حديث 3738). (1) قال طاوس بن كيسان: ما رأيت مصليًا كهيئة عبدالله بن عمر، ولا أشد استقبالًا للكعبة بوجهه وكفَّيه وقدميه منه؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 304). (2) قال نافع: كان ابن عمر يحيي بين الظهر إلى العصر؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 304). (3) قال نافع: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه يُحيي الليل صلاةً، ثم يقول: يا نافع، أسحرنا؟ فأقول: لا، فيعاود الصلاة، ثم يقول: يا نافع، أسحرنا؟ فأقول: نعم، فيقعد ويستغفر ويدعو حتى يصبح؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ304:303). (4) قال نافع: كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا فاتته صلاة العشاء في جماعة أحيا بقية ليلته؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 303). (5) قال محمد بن زيد: كان لعبدالله بن عمر مهراس فيه ماء (صخرة منقورة تسع كثيرًا من الماء) فيُصلي ما قـدر له، ثم يصير إلى الفراش فيغفى إغفاء الطائر، ثم يقوم فيتوضَّأ، ثم يُصلِّي فيرجع إلى فراشه، فيغفى إغفاء الطائر، ثم يثب فيتوضَّأ، ثم يُصلِّي، يفعل ذلك في الليل أربع مرات أو خمسًا؛ (الإصابة؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 341). (6) قال حبيب بن الشهيد: قيل لنافع: ما كان يصنع بن عمر في منزله؟ قال: لا تطيقونه: الوضوء لكل صلاة والمصحف فيما بينهما؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 4، صـ 170). (7) قال نافع: كان ابن عمر لا يصوم في السفر، ولا يكاد يفطر في الحضر؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 215). زهد عبدالله بن عمر بن الخطاب: (1) قال نافع: مرض ابن عمر، فاشتهى عنبًا أول ما جاء، فأرسلت امرأته بدرهم، فاشترت به عنقودًا، فاتَّبع الرسولَ سائلٌ، فلما دخل، قال: السائل، السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه، ثم بعثت بدرهم آخر، قال: فاتَّبعه السائل، فلما دخل، قال: السائل، السائل، فقال ابن عمر: أعطوه إيَّاه، فأعطوه، وأرسلت صفية إلى السائل تقول: والله لئن عُدْت لا تصيب مني خيرًا، ثم أرسلت بدرهم آخر، فاشترت به؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 220). (2) قال ميمون بن مهران: دخلت على بن عمر، فقومت كل شيء في بيته من فراش أو لحاف أو بساط وكل شيء عليه، فما وجدته يساوي مائة درهم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 4، صـ 165). (3) قال عبيدالله بن عدي (وكان مولى لعبدالله بن عمر) قدم من العراق، فجاءه يسلم عليه، فقال: أهديت إليك هدية، قال: وما هي؟ قال: جوارش، قال: وما جوارش؟ قال: تهضم الطعام، فقال ابن عمر: ما ملأت بطني طعامًا منذ أربعين سنة، فما أصنع به؟! (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 300). (4) قال أيوب بن وائل الراسبي: قدمت المدينة فأخبرني رجل جار لابن عمر أنه أتى ابن عمر أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر، وقطيفة، فجاء إلى السوق يريد علفًا لراحلته بدرهم نسيئة، فقد عرفت الذي جاءه، فأتيت سريته، فقلت: إني أريد أن أسألك عن شيء، وأحِبُّ أن تصدقيني، قلت: أليس قد أتت أبا عبدالرحمن أربعة آلاف من قبل معاوية، وأربعة آلاف من قبل إنسان آخر، وألفان من قبل آخر، وقطيفة، قالت: بلى، قلت: فإني رأيته يطلب علفًا بدرهم نسيئة (قرضًا)، قالت: ما بات حتى فرَّقها، فأخذ القطيفة فألقاها على ظهره، ثم ذهب فوجَّهها، ثم جاء، فقلت: يا معشر التجَّار، ما تصنعون بالدنيا، وابن عمر أتته البارحة عشرة آلاف درهم وضح، فأصبح اليوم يطلب لراحلته علفًا بدرهم نسيئة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 297:296). (5) قال نافع: كان ابن عمر ليقسم في المجلس الواحد ثلاثين ألف درهم، ثم يأتي عليه شهر ما يأكل فيه مـزعة (قطعة) لحم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 296). (6) قال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان أو زاد؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 296). (7) قال نافع: بعث معاوية إلى ابن عمر مائة ألف درهم، فما حال الحول وعنده منها شيء؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني جـ 1، صـ 296). روى البخاري عن نافع قال: حدثني ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنةً، فلم يجزني ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني؛ (البخاري، حديث:2664). كانت أول مشاركة لعبدالله بن عمر هي الخندق، وشهد غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب، وشهد اليرموك وفتح مصر وإفريقية؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 236). إنفاق عبدالله بن عمر في سبيل الله: (1) قال عبدالله بن أبي عثمان: كان عبدالله بن عمر أعتق جاريته التي يُقال لها رميثة، وقال: إني سمِعت الله عز وجل يقول في كتابه: ﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ﴾ [آل عمران: 92]، وإني والله إن كنت لأحبك في الدنيا: اذهبي فأنت حرة لوجه الله عز وجل؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 295). (2) قال نافع: خرج ابن عمر في بعض نواحي المدينة ومعه أصحاب له، ووضعوا السفرة له، فمرَّ بهم راعي غنم، فسلم فقال ابن عمر: هلم يا راعي، فأصب من هذه السفرة، فقال له: إني صائم، فقال ابن عمر: أتصوم في مثل هذا اليوم الحار الشديد سمومه وأنت في هذا الحال ترعى هذه الغنم؟ فقال: والله إني أبادر أيامي هذه الخالية، فقال له ابن عمر وهو يريد أن يختبر ورعه: فهل لك أن تبيعنا شاةً من غنمك هذه، فنُعطيك ثمنها، ونُعطيك من لحمها ما تفطر عليه؟ قال: إنها ليست لي بغنم، إنها غنم سيدي، فقال له ابن عمر: فما يفعل سيِّدُك إذا فقدها، فولَّى الراعي عنه وهو رافع أصبعه إلى السماء، وهو يقول: فأين الله؟ قال: فجعل ابن عمرو يُردِّد قول الراعي، يقول: قال الراعي فأين الله؟ قال: فلما قدم المدينة بعث إلى مولاه فاشترى منه الغنم والراعي، فأعتق الراعي ووهب له الغنم؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 237:236). (3) اشترى عبدالله بن عمر مرة غلامًا بأربعين ألف درهم وأعتقه، فقال الغلام: يا مولاي، قد أعتقتني فهَبْ لي شيئًا أعيش به؟ فأعطاه أربعين ألف درهم؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ 6). (4) اشترى عبدالله بن عمر مرة خمسة عبيد فقام يُصلي، فقاموا خلفه يصلون، فقال: لمن صليتم هذه الصلاة؟ فقالوا: لله، فقال: أنتم أحرار لمن صليتم له، فأعتقهم؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ 6). (5) اشترى عبدالله بن عمر بعيرًا فأعجبه لما ركبه، فقال: يا نافع، أدخِله في إبل الصدقة؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ 6). (6) كان ابن عمر قد أصاب نافعًا في بعض مغازيه، وعلى الرغم من أن نافعًا كان عبدًا إلا أن الله قد منَّ عليه بالعلم، بعثه عمر بن عبدالعزيز إلى أهل مصر ليعلمهم السنن قال نافع: خدمت ابن عمر ثلاثين سنة، فأعطاه ابن عامر في ثلاثين ألف درهم، فقال ابن عمر: إني أخاف أن تفتنني دراهمُ ابن عامر، اذهب فأنت حرٌّ؛ (تذكرة الحفَّاظ؛ للذهبي، جـ1، صـ100:99). (7) قال أبو بكر بن حفص: كان عبدالله بن عمر لا يأكل طعامًا إلا وعلى خوانه (مائدته) يتيم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 299). (8) قال الحسن البصري: كان ابن عمر إذا تغدَّى أو تعشَّى دعا من حوله من اليتامى، فتغدى ذات يوم، فأرسل إلى يتيم فلم يجده، وكانت له سويقة محلاة يشربها بعد غدائه، فجاء اليتيم وقد فرغوا من الغداء وبيده السويقة ليشربها، فناولها إياه، وقال خذها، فما أراك غبنت؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 299). شهادة عبدالله بن عمر في أصحابه صلى الله عليه وسلم: روى أبو نعيم، عن الحسن البصري، عن عبدالله بن عمر، قال: من كان مستنًّا فليستنَّ بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا خير هذه الأُمَّة أبرها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلُّفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه، فتشبَّهوا بأخلاقهم وطرائقهم؛ فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، كانوا على الهدى المستقيم والله رب الكعبة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 306:305). ورع عبدالله بن عمر: (1) قال عمر بن محمد بن قرعة: رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة، فقلت له: يا أبا عبدالرحمن، إني أتيتك بثوب لين مما يُصنع بخراسان وتقر عيناي أن أراه عليك، فإن عليك ثيابًا خشنة؟ فقال: أرنيه حتى أنظر إليه، قال: فلمسه بيده وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنه من قطن، قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أن أكون مختالًا فخورًا، والله لا يحب كل مختال فخور؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 302). (2) قال نافع: دخل ابن عمر الكعبة فسمعته وهو ساجد يقول: قد تعلم يا ربي ما يمنعني من مزاحمة قريش على الدنيا إلا خوفك؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ 1، صـ 566) (أسد الغابة؛ لابن الأثير جـ 3، صـ 238). (3) قال نافع: كان ابن عمر إذا قرأ هذه الآية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16] بكى حتى يغلبه البكاء؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير جـ 3، صـ 238). (4) قال عروة بن الزبير: خطبت إلى عبدالله بن عمر ابنته ونحن في الطواف، فسكت ولم يجبني بكلمة، فقلت: لو رضي لأجابني، والله لا أراجعه فيها بكلمة أبدًا، فقدر له أن صدر(عاد) إلى المدينة قبلي، ثم قدمت فدخلت مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، وأديت إليه من حقِّه ما هو أهله، فأتيته ورحَّب بي، وقال: متى قدمت؟ فقلت: هذا حين قدومي، فقال: أكنت ذكرت لي سودة بنت عبدالله ونحن في الطواف نتخايل الله عز وجل بين أعيننا، وكنت قادرًا أن تلقاني في غير ذلك الموطن، فقلت: كان أمرًا قـدر، قال: فما رأيك اليوم؟ قلت: أحرص ما كنت عليه قطُّ، فدعا ابنيه سالِمًا وعبدالله، فزوجني؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 309). (5) قال رجل لابن عمر: يا خير الناس، وابن خير الناس، فقال ابن عمر: ما أنا بخير الناس، ولا ابن خير الناس؛ ولكني عبد من عباد الله عز وجل، أرجو الله عز وجل، وأخافه، والله لن تزالوا بالرجل حتى تهلكوه؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 307) (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي جـ 1، صـ 579). (6) قال عقبة بن مسلم: سئل ابن عمر عن شيء، فقال: لا أدري، ثم قال: أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسورًا في جهنم، تقولون: أفتانا بهذا ابن عمر؛ (الإصابة؛ لابن حجر العسقلاني، جـ 2، صـ 340). أقوال سلفنا الصالح في عبدالله بن عمر: (1) قال عبدالله بن مسعود: أملك شباب قريش لنفسه عن الدنيا ابن عمر؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ 4، صـ 144). (2) قال حذيفة بن اليمان: ما منا أحد يفتش إلا يفتش عن جائفة (الطعنة الواصلة إلى الجوف) أو منقلة (الطعنة التي ينقل منها العظام) إلا عمر وابنه؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ 3، صـ 211). (3) قال جابر بن عبدالله: ما رأيت أحدًا إلا قد مالت به الدنيا أو مال بها إلا عبدالله بن عمر؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ 1، صـ 294). (4) قالت عائشة: ما رأيت أحدًا ألزم للأمر الأول من ابن عمر؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 211). (5) قال أبو إسحاق السبيعي: كنا نأتي ابن أبي ليلى، وكانوا يجتمعون إليه، فجاءه أبو سلمة بن عبدالرحمن، فقال: أعمر كان أفضل عندكم أم ابنه؟ قالوا: بل عمر، فقال ابن أبي ليلى: إن عمر كان في زمان له فيه نظراء، وإن ابن عمر بقي في زمان ليس له فيه نظير؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 212). (6) قال سعيد بن المسيب: لو كنت شاهدًا لرجل من أهل العلم أنه من أهل الجنة لشهدت لعبدالله بن عمر؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ 1، صـ 566). وقال سعيد بن المسيب أيضًا: مات ابن عمر يوم مات وما من الدنيا أحد أحب أن لقى الله بمثل عمله منه؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ 6). (7) قال طاوس بن كيسان: ما رأيت رجلًا أروع من ابن عمر، ولا رأيت رجلًا أعلم من ابن عباس؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ 1، صـ 566). (8) قال محمد ابن الحنفية (ابن علي بن أبي طالب): كان ابنُ عمر خيرَ هذه الأُمَّة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 212). (9) قال أبو جعفر الباقر: كان ابن عمر إذا سمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يزيد ولا ينقص، ولم يكن أحد في ذلك مثله؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 213). (10) قال محمد بن شهاب الزهري: لا يعدل برأي عبدالله بن عمر، فإنه أقام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ستين سنة، فلم يخف عليه شيء من أمره، ولا من أمر أصحابه رضي الله عنهم؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ 6). قبس من كلام عبدالله بن عمر: (1) الـبر شيء هين: وجه طلق وكلام لين؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 238). (2) يا بن آدم، صاحب الدنيا ببدنك، وفارقها بقلبك وهمك؛ فإنك موقوف على عملك، فخذ ممَّا في يديك لما بين يديك عند الموت يأتيك الخير؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 306). (3) لا يكون الرجل من العلم بمكان حتى لا يحسد من فوقه، ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بالعلم ثمنًا؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 306). (4) لو وضعت أصبعي في خمر ما أحببت أن تتبعني؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 307). (5) لأن أشرب قمقمًا قد أغلي، أحرق ما أحرق، وأبقى ما أبقى، أحَبُّ إليَّ من أن أشرب نبيذ الخمر؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 307). (6) أحق ما طهر العبد لسانه؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 307). (7) كان عبدالله بن عمر يدعو على الصفا: اللهم اعصمني بدينك وطاعتك وطاعة رسولك، اللهم جنِّبني حدودك، اللهم اجعلني ممَّن يحبُّك ويحبُّ ملائكتك، ويحب رسلك، ويحبُّ عبادك الصالحين، اللهم حبِّبني إليك، وإلى ملائكتك، وإلى رسلك، وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسِّرني لليُسرى، وجنِّبني العُسْرى، واغفر لي في الآخرة والأولى، واجعلني من أئمة المتقين، اللهم إنك قلت: ﴿ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60]، وإنك لا تخلف الميعاد، اللهم إذ هديتني للإسلام، فلا تنزعني منه، ولا تنزعه مني حتى تقبضني وأنا عليه؛ (حلية الأولياء، جـ 1، صـ 308). وفاة عبدالله بن عمر: مات عبدالله بن عمر سنة أربع وسبعين من الهجرة، وكان عمرُه ستة وثمانين عامًا؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ 6). رحِم الله عبدالله بن عمر رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. [1] ملك اليمين: المرأة التي تُباع وتُشترى.
معركة الأرك (مرج الحديد)
د. محمد منير الجنباز
03-12-2018
9,045
https://www.alukah.net//culture/0/131054/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d9%83-%d9%85%d8%b1%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%af/
معركة الأرك (مرج الحديد) سنة 591 هـ تُعَد من أعظم المعارك الحربيَّة التي انتصر فيها المسلمون بالأندلس ومن أكثرها جندًا. قائد المسلمين: أبو يوسف يعقوب بن عبدالمؤمن. قائد النصارى: الفونش ملك الإفرنج في إسبانيا. سببها: أن الفونش كتب كتابًا إلى يعقوب بن عبدالمؤمن فيه تحدٍّ وإساءة أدب، ومما جاء فيه: باسمك اللهم فاطر السموات والأرض، أما بعد أيها الأمير، فإنه لا يخفى على كل ذي عقل لازب، ولا ذي لب وذكاء ثاقب، أنك أمير الملة الحنيفية، كما أنا أمير الملة النصرانية، وأنك مَن لا يخفى عليه ما هم عليه رؤساء الأندلس من التخاذُل والتواكل وإهمال الرعيَّة، واشتمالهم على الراحات، وأنا أسومُهم الخسفَ، وأخلي الديارَ، وأسبي الذراري، وأُمثِّل بالكهول، وأقتل الشباب، ولا عُذْر لك في التخلف عن نُصْرتهم وقد أمكنَتْك يَدُ القدرة، وأنتم تعتقدون أن الله فرض عليكم قتالَ عشرةٍ منا بواحد منكم، والآن خفَّف الله عنكم، وعلِم أن فيكم ضعفًا؛ فقد فرض عليكم قتال اثنين منا بواحد منكم، ونحن الآن نُقاتِل عددًا منكم بواحد منا، ولا تقدرون دفاعًا، ولا تستطيعون امتناعًا، ثم حُكي لي عنك أنك أخذتَ في الاحتفال، وأشرفت على ربوة القتال، وتَمْطُل نفسك عامًا بعد عام، تُقدِّم رِجلًا وتؤخر أخرى، ولا أدري: الجبن أبطأ بك، أم التكذيب بما أُنزِل عليك؟!"، ثم طلب تحدِّيَه بالمبارزة في أي مكان يختاره، فإذا غلبه غنم ما معه، وإذا غلب فعليه أن يرضى بأن يصبح الفونش زعيم الملتين... إلى آخر الكلام. فكتب يعقوب بن عبدالمؤمن على قفا الرسالة: ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 37]. ثم جمع يعقوب جيشًا كثيفًا وعبَر المضيقَ وتقدَّم لقتال الفونش، وحشد النصارى جيشًا ضخمًا أيضًا من قاصي البلاد ودانيها، وأقبَلوا مُجدِّين لملاقاته وهم واثقون بالنصر، فالتقى الجيشان في 9 شعبان شمالي قرطبة عند قلعة رياح، بمكان يعرف بمرج الحديد، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وكانت الدائرة عند الصدمة الأولى على المسلمين، لكنهم صبروا وجمعوا أنفسهم، ولاقوا الإفرنج بروح عالية طالبين الشهادة، فكانت الدبرة والهزيمة على النصارى، ففَرُّوا في كلِّ اتجاه وأخذتهم سيوف المسلمين، وخلَّف المنهزمون - وعلى رأسهم الفونش - وراءهم مائةً وتسعة وأربعين ألف قتيل، وثلاثة عشر ألف أسير، ومئات الآلاف من الخيام والعدد والبغال والخيل والحمير، وسبعين ألف درع، وكان عدد شهداء المسلمين عشرين ألفًا. ثم تَبِعهم أبو يوسف يعقوب وفتح قلعة رياح، وحلق الفونش رأسَه ونكسه وركب حمارًا، وأقسم ألا يركب فرسًا إلا بعد الثأر، وفي السنة التالية جمع جيشًا ضخمًا، فهزَمه أيضًا أبو يوسف وتابَعه حتى طليطلة فحاصرها، ولولا أحداث حصلت في المغرب ضد يعقوب، لكان فتح طليطلة، ولكن لأمر يريده الله.
كشاف ملحق العدد 183 من مجلة الجامعة الإسلامية (PDF)
مجلة الجامعة الإسلامية للعلوم الشرعية
03-12-2018
10,055
https://www.alukah.net//culture/0/131044/%d9%83%d8%b4%d8%a7%d9%81-%d9%85%d9%84%d8%ad%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%af-183-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%95%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-PDF/
♦ عنوان الكتاب: كشاف ملحق العدد 183 من مجلة الجامعة الا ٕ سلامية. ♦ المؤلف: مجلة الجامعة الإسلامية للعلوم الشرعية. ♦ عدد الصفحات: 10. عدد أجزاء الملحق: 16 جزءًا. عدد الأبحاث: 118 بحثًا. وذلك في السنة (52) العام (1439 هـ).
ملخص كتاب: الاستشراف النبوي وأثره في بث الأمل وقت الأزمات
د. إسماعيل عبد عباس
02-12-2018
10,387
https://www.alukah.net//culture/0/131019/%d9%85%d9%84%d8%ae%d8%b5-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%84-%d9%88%d9%82%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a7%d8%aa/
ملخص كتاب الاستشراف النبوي وأثره في بث الأمل وقت الأزمات ­­­­­الحمد لله ناصر المؤمنين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين وصحابته الميامين. أما بعد: فقد وُلِدت المناهج والدراسات الإسلامية ضيقةَ المسالك نزيرةَ القواعد، ضعيفة التأويلات، ثم أخذت تتطور شيئًا فشيئًا حالها حال الوليد حتى أصبحت متكاملة في الثراء العلمي والمعرفي الذي تنعم به الأمة اليوم، فبُدئت الدراسات الحديثة في واقعنا المعاصر بتحليل ذلك التراث وتقسيمه وتبريزه كمنهج حياة للأمة بأسْرها. ولعل من معالم هذا التراث الذي ورثِته الأمة هو منهج النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتربية والإصلاح، ومن أساليب هذا المنهج الذي انتهجه النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة والتربية، هو الاستشراف والكشف عن أحداث المستقبل بما يبث الأمل، ويثبت أفراد الأمة في الأزمات. إن الاهتمام بالاستشراف النبوي والمبشرات المستقبلية، لتدل دلالة واضحة على تطور الحضارة، وصناعة النجاح؛ سواء على مستوى الأفراد، أو المجتمع؛ لذا أحببتُ أن أكتُب في هذا المنهج النبوية، لأبث الأمل للقلوب في زمن بدأ اليأس يدبُّ إليها، فجاء عنوان كتابي هذا: ( الاستشراف النبوي وأثره في بث الأمل في الأزمات )، وقد جاء محتويًا بعد هذه المقدمة على مبحثين: تكلمت في المبحث الأول: عن مفهوم الاستشراف النبوي وأهميته وجعلته في مطلبين. المطلب الأول: تعريف الاستشراف في اللغة والاصطلاح. أما المطلب الثاني، فتحدث فيه عن أهمية استشراف المستقبل في المنهج النبوية، وقلت فيه: على الأمة الإسلامية اليوم أن تدرك أن للنصر أسبابًا يجب عليها أن تباشرها، وأن أفرادها مؤاخذون إن هم قصَّروا في امتلاكها، ولعل من أسباب النصر الذي تفتقده الأمة اليوم، هو فن إدخال الأمل إلى قلوب الناس، وهذا العامل الأهم في حياة الأمة، وهو واضح من منهج النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قدمت السيرة النبوية المطهرة نماذجَ متعددة وصورًا مختلفة لاستشراف المستقبل الديني والدنيوي، الفردي والجماعي، في العهدين المكي والمدني، بما يبث الأمل إلى أفراد الأمة في أوقات المحن وحدوث الأزمات، فأكَّدت هذه النماذج بمجموعها أهميةَ استشراف المستقبل - بصوره المختلفة - في السنة والسيرة النبوية. أما المبحث الثاني، فتكلمتُ فيه عن أثر الاستشراف في بث الأمل في الأزمات، وجعلتُه في ثلاثة مطالب. تكلمتُ في المطلب الأول عن أثر الاستشراف في بث الأمل للفرد المسلم، مستشهدًا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)). وتحدثت في المطلب الثاني عن أثر الاستشراف في بث الأمل للفرد غير المسلم، مستدلًّا بقوله صلى الله عليه وسلم: (كيف بك يا سراقة إذا سورت بسواري كسرى). وتكلمت في المطلب الثالث عن أثر الاستشراف في بث الأمل للجماعة المسلمة، وتظهر معالم هذا الأمل واضحةً في أحداث الخندق التي صور القرآن الكريم هذه الأزمة بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 9 - 11]. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الله أكبر، أُعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأُبصر قصورها الحُمر من مكاني هذا)). ثم قال: ((بسم الله))، وضرب أخرى فكسر ثلث الحجر، فقال: ((الله أكبر، أُعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأُبصر المدائن، وأُبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا)). ثم قال: ((بسم الله))، وضرب ضربة أخرى فقطع بقية الحجر، فقال: ((الله أكبر، أُعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأُبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا)) [1] . وختمت بأبرز ما توصلت إليه، منها: 1- أن الاستشراف أصل عظيم وركيزة نبوية، تدل على صدق الرسالة، وتحمل في طيَّاتها دروسًا وعبرًا تربي الأمة وتثبتها، وترسم لها ملامح المستقبل. 2- أن للاستشراف دورًا بارزًا وأثرًا كبيرًا في بث الأمل للفرد والمجتمع. ثم أوصيت في نهاية بحثي بوصايا؛ منها: 1- أن توجَّه الدراسات إلى إعادة كتابة السيرة النبوية وَفق رؤية استشراف المستقبل، وحبذا أن يتمَّ ذلك وَفق إعداد وتخطيط وتنفيذ مؤسسي. 2- تبنِّي إصدار رسائل في السيرة النبوية وتطبيقاته وَفْق رؤية استشراف المستقبل. 3- إنشاء موقع إلكتروني يُعنى بدراسة السيرة النبوية وتطبيقاتها على ضوء استشراف المستقبل، وأن تتم الاستفادة من بحوث هذا المؤتمر ومن أهل العلم المتخصصين. وختامًا فإني أعتذر لما سهوتُ فيه بقوله تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 286]. [1] مسند الامام أحمد رقم: (18694)، 3 /625، مصنف ابن أبي شيبة، رقم: (36820)، 7 /378، دلائل النبوة للبيهقي 3 /421، السيرة النبوية لابن كثير 3 /194، المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 1 /285.
يقينية الإيمان بين عالم الغيب والشهادة
نايف عبوش
02-12-2018
11,316
https://www.alukah.net//culture/0/131017/%d9%8a%d9%82%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a9/
يقينية الإيمان بين عالم الغيب والشهادة لعل من نافلة القول الإشارة إلى أن الإنسان بحكم طبيعته البشرية بما هو في النشأة الأولى، قبضة من طين، ونفخة من رُوح، يظل شديد التعلُّق بالمحسوس بما هو منظور أمامه من عوالم الكون المشاهدة؛ حيث تترسَّخ مرئياتها بتجلياتها المختلفة في ذهنه بدرجة يقين أعلى من نظيراتها غير المرئية، ولأن عالم الشهادة على أهمية تجسُّده الموضوعي، ما هو إلا نقطة في بحر عالم الغيب الواسع، فإن الإيمان بالغيب، إنما هو إيمان بحقيقة الكون، والحياة فيما هو منظور، وما هو غير منظور منهما، على الصورة التي أوجدهما الله تعالى عليها، سواء تمكَّن العقل الإنساني من إدراك تلك الحقيقة بما يُتاح له من إمكانات، أم لا. ولذلك فإن إحكام الربط العضوي بين عملية الخلق الإلهي للظواهر الكونية المحسوسة للإنسان في العالم المشهود، وبين التفكُّر فيها باعتبارها آية لذوي العقول اللبيبة، لم يكن مطلوبًا لمجرد ترسيخ اليقين بإلهية الخلق المحسوس، والتسليم بتلك الحقيقة الملموسة، وحسب؛ وإنما ينبغي أن يتضمَّن أيضًا نفي الخلق العبثي للظواهر، بما يفيد القصدية التامة من الخلق، اعتقادًا بترسيخ الإيمان بألوهية الخالق، وقدرته المطلقة في الخلق الحسي والغيبي معًا، ومن دون أدنى شك. ولذلك فإن الإيمان اليقيني المرتكز إلى عضوية التآصر بين عالمي الشهادة والغيب، سيمنح الإنسان فرصة خرق حواجز موضوعية عالم الشهادة المادية الضيقة، ويتوغل في أعماق عالم الغيب الواسع، بأفق مفتوح، بما هو امتداد لعالم الشهادة بكل مرئياته، ويُعزِّز الصلة بين الإنسان المحدود الأفق والإمكانات، وبين خالق الأكوان والعوالم والأزمان، ما ظهر منها للعيان، وما بطن على قاعدة: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 216]، وهو ما يُحفِّز الإنسان عند ذاك، للانتفاع المشروع من قانون التسخير الإلهي لتلك العوالم، التي قد هيَّأها الله تعالى لخدمته، بما يتيسَّر له من طرائق عملية مع الزمن، في كل مجالات الحياة؛ حيث يقول تعالى في تقرير حقيقة ذلك الأمر: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20]. ومع أن معطيات العصرنة بتداعياتها المادية الجارفة، قد بلَّدت الحسَّ الرُّوحي والتأمُّلي عند الإنسان المعاصر، عندما اختزلت رؤاه بحقائق العالم المشهود فقط، وهو ما زاد الطين بلَّة، وحرمَه من نفحات الحس الرُّوحي، إلا أن الوحي الإلهي القائم على حقيقة علم الله تعالى المطلق، يظل أفضل وسيلة للعون في الهداية إلى صراط الله المستقيم، وعلى مراد الله تعالى من حقيقة الخلق الحسي والغيبي؛ حيث امتدح القرآن الكريم الإيمان بالغيب، معتبرًا إيَّاه طريق الهدى والفلاح: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 3 - 5]؛ ولذلك فإن المطلوب من الإنسان المعاصر اليوم والمسلم بالذات، أن يتحرَّك بشكل جادٍّ، لتفعيل استثمار المتراكم لديه من معطيات التعامُل مع المنظور من الحقائق الكونية، وتنشيط التفاعُل مع علومها، والعمل على توظيف ما استُكشف، وما سيستكشف من قوانين تحكمها، بما يُحقِّق تعزيز الإيمان بالغيب، ويُرسِّخ التواصُل مع آفاقه، بيقينية مطلقة تنقذه من ضَنْكِ مُعاناة الضياع والاستلاب الرُّوحي، وتضمن له الفلاح والنجاح في الدارين.
تمايز الوظائف العضوية بين الجنسين
د. محمود بن أحمد الدوسري
01-12-2018
6,859
https://www.alukah.net//culture/0/131004/%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b8%d8%a7%d8%a6%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b6%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%b3%d9%8a%d9%86/
تمايز الوظائف العضويَّة بين الجنسين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وبعد: تختلف العديد من الوظائف العضويَّة التي يقوم بها جسم المرأة عن الرَّجل، وذلك راجعٌ إلى طبيعة الدَّور المنوط بالمرأة الذي خَلَقَها الله سبحانه وتعالى من أجله، ومن هذه الوظائف: أولاً: اختلاف الدَّورة الدَّموية لدى المرأة عن الرَّجل: فمتوسِّط دقَّات قلب الرَّجل في الدَّقيقة (84)، يقابله في المرأة (94)، وفي حالة الحمل، تختلف الدَّورة الدَّموية في المرأة اختلافاً ظاهراً ناشئاً عن وجود الجنين... كما أنَّ دم الرَّجل يحتوي على (5) إلى (5،5) مليون كرة دم حمراء في الملِّيمتر المكعَّب، ويحتوي دم المرأة على (5،4) إلى (8،4) مليون... ونسبة الهيموجلوبين عند المرأة تبلغ من (12-14%)، وهيموجلوبين الرَّجل من (13-16%)، كما أنَّ ضغط الدَّم في المرأة أقلُّ من الرَّجل. كما نجد أنَّ التَّنفُّس عند المرأة يكون تنفُّساً صدريّاً، وأكثر اتِّساع الصَّدر عند الشَّهيق يحصل في الأضلاع العليا، وقد جعله الله تعالى كذلك؛ لأنَّ المرأة في أثناء الحمل لا يمكن أن يتمدَّد صدرها ناحية الجزء الأسفل، أمَّا الرَّجل فتنفُّسه بطنيٌّ أو حجابي [1] . ثانياً: وجود المبيض: وهو عضو التَّناسل الجنسيِّ الأوَّل لدى المرأة، ويقوم بتكوين وطرح البويضات، بالإضافة إلى إفراز هرمونات الأنوثة (الأستروجين - البروجسترون - الرِّيلاكسين) ، وهذه الهرمونات هي المسؤولة عن تكاثر الأنسجة للأعضاء التَّناسلية والأنسجة الأخرى التي لها علاقة بالإنجاب، كما أنَّها هي المسؤولة عن زيادة تركيز الشَّحم للمرأة [2] ، و«بشكل عامٍّ، فإنَّ وجود المبيض يؤثِّر على نمو الثَّديين وأعضاء التَّناسل، وسائر علامات الأنوثة الثَّانوية» [3] . ثالثاً: الطَّمث والحمل والوضع والرَّضاعة: وكلُّ هذه الأمور خاصَّة بالمرأة دون الرَّجل، وهي ذات آثار عظيمة على نَفْسِ المرأةِ وجسدِها في وقت واحد ؛ وذلك لما يصاحبها من تغيُّرات فسيولوجيَّة ونفسيَّة، وهذا ما يجعل المرأة أكثر عُرضةً للإصابة بالأمراض السَّيكوسوماتية، وهذه «الاضطرابات السَّيكوسوماتية أو السَّيكوفيزيولوجية أو النَّفسجسميَّة هي: مجموعة من الأمراض التي تنشأ من أسباب وعوامل نفسيَّة واجتماعيَّة، وتتَّخذ شكلاً جسميّاً أو عضويّاً، وهذا مبنيٌّ على وجود صلة وثيقة بين النَّفْس والجسم، وقد أثبتت الدِّراسات الحديثة أنَّ الإناث أكثرُ إصابةً بالأمراض السَّيكوسوماتية، وقد يرجع ذلك إلى وجود حساسيَّة انفعاليَّة أَزيَد لدى الأنثى عنها لدى الذَّكر، وكذلك قد يُفَسَّر في ضوء ما تتعرَّض له الأنثى من آلام الطَّمث وما يصاحبها من تغيُّرات فسيولوجيَّة ونفسيَّة، وكذلك حالات الحمل والولادة» [4] . وعلى هذا، يمكن تقسيم الأعراض المُصاحبة للحالات الخاصَّة بالمرأة إلى أعراض جسميَّة وأخرى نفسيَّة، ونوجزها فيما يلي: الأعراض الجسديَّة: • تُصاب أكثر النِّساء بآلامٍ وأوجاع في أسفل الظَّهر وأسفل البطن أثناء الحيض. • تُصاب بعض النِّساء بالصُّداع النِّصفي قرب بداية الحيض، وتكون الآلام مبرحة، وتصحبها تشوُّش في الرُّؤية وقيء. • تفقد المرأة قدراً من الدَّم أثناء حيضها، يجعلها معرَّضة إلى حدوث فقر دمٍ فيها، كما أنَّها في فترة الحمل تتعرَّض لفقر دمٍ شديد خاصَّة في النِّصف الثَّاني من الحمل، وذلك لانتقال المواد الهامَّة لصنع الدَّم من الأمِّ إلى الجنين. • يُصاب الجهاز الهضمي من أوَّل الحمل، فيكثر القيء وتقلُّ الشَّهيَّةُ ويشتدُّ الغثيان، ثم تزدادُ الحرقةُ واللَّذعُ والتهاباتُ المعدةِ، كما تصاب الحامل في العادة بالإمساك، وتضطرب الغُدد الصَّمَّاء في وظائفها. • أثناء الحمل يتحمَّل القلبُ أضعافَ أضعافِ ما يتحمَّله قبيل الحمل، فإنَّ عليه أنْ يقوم بدورتين دمويَّتين كاملتين؛ دورة للأمِّ، ودورة للجنين، فتزداد سرعة القلب ونبضاته. • أمَّا آلام الولادة وما يصاحبها من الطَّلق فهي تفوق أيَّ أَلَمٍ آخَر [5] . الأعراض النَّفسية: • تُصاب كثير من النِّساء بحالةٍ من الكآبة والضِّيق أثناء الحيض، وخاصَّة عند بدايته، وتكون المرأة عادةً متقلِّبةَ المزاج، سريعةَ الاهتياج، قليلةَ الاحتمال. • تميل كثير من النِّساء في فترة الحيض إلى العزلة والسَّكينة [6] . • لاحَظَ علماء الطِّب أنَّ لدورة الطَّمث تأثيراً كبيراً على دماغ المرأة، حيث أثبتت البحوث أنَّ المرأة تكون أكثر نشاطاً وحيويَّة خلال الأربعة عشر يوماً الأُولى من دورة الطَّمث، أو النِّصف الأوَّل من الدَّورة؛ لتواجد هرمون ستروجين بمفرده، وهو هرمون مثير للدَّورة النَّزويَّة ويرفع نشاط خلايا الدِّماغ، فيزيد من يقظته ويقظة الحواسِّ معاً... فسلوك المرأة مع انتهاء الطَّمث يتَّصف بالنَّشاط والإيجابيَّة والحماس والابتهاج والإثارة الجنسيَّة، أمَّا في النِّصف الثَّاني من دورة الطَّمث وحين حدوث عمليَّة الطَّمث فإنَّ سلوك المرأة يتَّسم بالرُّكود والسَّلبية ويرجع ذلك إلى إفراز هرمون آخَر هو الجسفرون [7] . • تكون المرأة في فترة الحمل أكثر حساسيَّة من أيِّ فترةٍ مضت، سريعة التَّأثُّر والانفعال والميل إلى الهموم والحزن لأتفه الأسباب؛ وذلك بسبب التَّغيُّر الفسيولوجي على كلِّ أجزاء الجسم [8] . [1] انظر: الرجل والمرأة في الإسلام، د. محمد وصفي (ص24). [2] انظر: المرأة وحقوقها (ص18). [3] المصدر السابق (ص26). [4] سيكولوجية الجسم والنفس، لعبد الرحمن عيسوي (ص12). [5] انظر: عمل المرأة في الميزان، د. محمد علي البار (ص92-99). [6] انظر: المصدر نفسه (ص95-96). [7] انظر: معجزات القرآن العلمية في الإنسان، عبد الوهاب الراوي (ص88). [8] انظر: عمل المرأة في الميزان، (ص97).
مواضيع تحتاج لبحث وتصنيف وتحقيق
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
01-12-2018
4,557
https://www.alukah.net//culture/0/130999/%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b6%d9%8a%d8%b9-%d8%aa%d8%ad%d8%aa%d8%a7%d8%ac-%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d9%88%d8%aa%d8%b5%d9%86%d9%8a%d9%81-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82/
فوائد من مصنفات ابن عثيمين مواضيع تحتاج لبحث وتصنيف وتحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعدُ: فلا شك أن الكثير من المواضيع في مختلف الفنون، قد أُشبعت بحثًا وتصنيفًا وتحقيقًا، ولهذا قيل: أنَّ الأول لم يترك للآخرِ شيئًا. وهناك من يُخالف في هذا ويقول: كم ترك الأول للآخر، والواقع أن هناك مواضيع تحتاج لبحث وتصنيف؛ إما لأنها لم تُبحث ويُصنف فيها، أو لأنها لم تشبع بحثًا وتصنيفًا. والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، يُشير في دروسه عندما تأتي مناسبة إلى المواضيع التي تحتاج إلى مزيد من البحث والتصنيف والتحقيق، ومن تلك المواضيع: تخريج آثار تفسير ابن جرير الطبري رحمه الله: قال الشيخ رحمه الله: أما أقوال الصحابة فارجعوا إلى تفسير ابن جرير رحمه الله، وإن كان هذا التفسير يحتاج إلى عناية وتخريج آثاره؛ لأن إمام المفسرين - من بعد الصحابة والتابعين - ابن جرير رحمه الله، كأنه والله أعلم خاف من إدراك الأجل، فلم ينقح التفسير، فصار ينقل الآثار ويكلُ تصحيحها وتضعيفها إلى من بعده، فهو تفسير جامع، ولكن لا بد من تتبُّع آثاره بأسانيدها. وأسألُ الله تعالى أن يُيسَّر من إخواننا أئمة الحديث في زماننا هذا من يخرجُ آثار تفسير ابن جرير، وإن كان الشيخ أحمد محمد شاكر، قد حصل منه ذلك. تركيب الكحل: سُئل فضيلة الشيخ رحمه الله تعالى: بعض أطباء العيون يقولون: إن الكحل يضر بالعيون وينصحون بعدم استعماله، فماذا تقولون لهم؟ فأجاب فضيلته بقوله: الإثمد معروف أنه جيدٌ ونافع للعين، وغيره من أنواع الكحل لا أعرف عنه شيئًا، والأطباء الأمناء هم مرجعنا في هذه المسألة، ويقال: إن زرقاء اليمامة التي تبصر من ثلاثة أيام لَما قتلت، رأوا أن عروق عينها كلها متأثرة بهذا الإثمد، والآن ظهرت أنواع من الكحل؛ مثل الأقلام يكتحل بها النساء، لا ندري من أي شيء رُكِّب، وقد يكون من شحم الخنزير، أو من بلاء أشد، فهذه المسألة أرى أنها مهمة، ولا بد أن يكتب فيها تحقيق مفيد. الفراسة عند قضاة السلف والخلف: قال الشيخ رحمه الله: يُذكر عن قضاة من السلف ومن الخلف أشياءُ غريبة في الفراسة، ولهذا أتمنى أن يتَّبعَ أحدٌ من الناس مثل هذه القصص، وتؤلَّف في مؤلف، وتوزَّع بين القضاة؛ حتى يستعينوا بها على تحرِّي الحكم والحقِّ. اعتبار الثلاث في العدد: قال الشيخ رحمه الله: اعتبار الثلاث في العدد، هذا معتبر كثيرًا في عدة أمور، حتى في الأحاديث تجد مثلًا أحاديث كثيرة ثلاثة لا يحصل لهم كذا وكذا: ( ثلاث لا يغلُّ عليهم قلبُ مؤمن )، وما أشبه ذلك، وهو كثير، فإن قيل: وهل هو أكثر من اعتبار السبع؟ قلنا: أنا في شك من كون الثلاث أكثر من السبع، وينبغي البحث في هذا. قال جامعه: يوجد كتاب بعنوان: "إحياء التراث في ما جاء في عدد السبع والثلاث"؛ لفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمه الله. قيام الحجة على المدعو: قال رحمه الله: من العلماء من يقول: إذا قامت الحجة سواء فهِم المدعو أو لم يفهَم، فلا عذر له، ومنهم من يقول لا بد أن تقام عليه الحجة ويفهَمها، أما إذا قيل لهم: بعث رسول يدعو إلى الهدى، ولكنه ما فهم هذا الشيء، فإنها لا تقوم عليه الحجة؛ لأن الله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [إبراهيم: 4]. بعد أن بيَّن أنه ينقسم الناس بهؤلاء الرسل إلى ضال ومهتدٍ، والمسألة تحتاج إلى تأمل في الواقع، هل يكتفي بمجرد قيام الحجة؟ وعليه أن يبحث المعنى، فيقال: أنت فرطت، لماذا لم تأت تستفهم؟ فأنت مقصر، أو يقال: إن الرجل إذا قامت عليه الحجة وبلغته، لكن على وجه مهوش، فهذا معذور، لا سيما إذا مات في زمن لم يتمكن فيه من البحث والاستفسار .... المسألة في الحقيقة تحتاج إلى بحث تام في الموضوع، ومراجعة كلام أهل العلم، لا سيما العلماء المتحررون في أفكارهم؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن أشبههم رحمهم الله. قصة نبي الله موسى عليه السلام مع فرعون: قال رحمه الله عن قصة موسى عليه السلام مع فرعون: إني لأرجو أن تجمعوا القصة من جميع أطرافها في القرآن، واستخرجوا ما فيها من فوائد، فهذه القصة من أهمِّ القصص التي وردت في القرآن الكريم، وقد تكررت في مواضيع مختلفة بأساليب مختلفة. وقال رحمه الله: العبرة في قصة موسى كثيرة، ولو أن أحد طلبة العلم جمع الآيات من كُل سورة، ثم يستنتج مما حصل في هذه القصة من العبر، لكان جيدًا. المصافحة عند دخول المجلس: قال الشيخ رحمه الله: المُصافحة عند اللقاء سنة، أما المُصافحة عند دخول المجلس، كما يفعل بعض الناس، فهذا لا أعلمُ له أصلًا من السُّنة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل المجلس سلَّمَ، وجلس حيثُ ينتهي به المجلس، ولا أعلمُ أنه كان يدُور على الناس يصافحهم. وقد تم بحث هذا الأمرُ، فلم نجد في السنة أصل لذلك، ولم أعلمه أيضًا إلا أخيرًا، وكان الناس قديمًا إذا دخل الرجل سلَّم، فإن كان ذا قيمة في المجتمع قاموا له، وقالوا: اجلس هنا، وقد يكون المكانُ قد أُعِدَّ له من قبلُ وإلا يجلسُ حيثُ انتهى به المجلس ... وهذه مسائل ينبغي أن يحرر فيها رسائل صغيرة، تكون بأيدي الناس، تُبيِّنُ لهم الحق، من أجلِ ألا يتابع بعضهم بعضًا فيما لا أصل لهُ من السنة. تتبُّع أسماء الصحابة من كتاب الإصابة لابن حجر: قال الشيخ رحمه الله: حبذا لو تتبع واحد كتاب "الإصابة في أسماء الصحابة"، وانتقى من أسماء الصحابة أسماء مناسبة لهذا العصر، فلو حصل ونشره بين الناس؛ ليختاروا من هذه الأسماء التي تُذكرنا بسلفنا الصالح، لكان في هذا خير كثير. تخريج الأحاديث في كتب الحنابلة: قال الشيخ رحمه الله: كتب تخريج الأحاديث من أحسن ما رأيت كتاب "التلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير" الذي ألَّفه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الشافعي ... وكنت أتمنى لو كان لأصحابنا أهل المذهب الحنبلي، كتاب كهذا يُخرجُ أحاديث الكتب المتداولة من كُتُب الحنابلة؛ مثل: "الروض المربع شرح زاد المستقنع"، أو "شرح المنتهى"، أو شرح الإقناع". تنقيح كتب السيرة من الآثار الضعيفة: قال الشيخ رحمه الله: السيرة النبوية الواقع أن فيها أشياءَ ضعيفة مما نقل، وفيها أشياء صحيحة، وإنني أتمنَّى أن يوجد طالب علم يحرصُ على هذه المسألة، ويُنقح السيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين مما شابَها من الآثار الضعيفة، أو المكذوبة. المراجع: كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: • تفسير سورة القصص. • تفسير سورة الصافات. • فتح ذي الإجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام. • البيان الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع. • دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين. • لقاءات الباب المفتوح. • فتاوى نور على الدرب. • فتاوى في الصلاة والجنائز.
المجلات المحكمة للجامعات السعودية (العلوم الإنسانية) النسخة الأولى (PDF)
وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
29-11-2018
5,773
https://www.alukah.net//culture/0/130985/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-PDF/
عنوان الكتاب: المجلات المحكمة للجامعات السعودية ( العلوم الإنسانية ) النسخة الأولى. المؤلف: وحدة البحث العلمي. عدد الصفحات: 11. المجلات المحكمة للجامعات السعودية (العلوم الإنسانية) النسخة الأولى يحتوي الكتاب على مجموعة من المجلات المحكمة في الجامعات السعودية، تحت كل مجلة رقم صندوق البريد، ورابطها على شبكة الإنترنت، وبريدها الإلكتروني، وهاتف الإدارة.
فوائد من مصنفات ابن عثيمين: أئمة وأعلام في الميزان
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
29-11-2018
8,818
https://www.alukah.net//culture/0/130980/%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%b5%d9%86%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%ab%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d8%a6%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%b2%d8%a7%d9%86/
فوائد من مصنفات ابن عثيمين: أئمة وأعلام في الميزان الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالكلام في الرجال بإنصاف من غير تطفيف أو تخسير، فنٌّ جليل، لا يقوم به كلُّ أحد، فالإنصاف - كما قال العلامة الذهبي رحمه الله - عزيز. والعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، له كلام قليل في بعض الأئمة والأعلام، وقد جمعتُ هذا القليل، أسأل الله الكريم أن يجعل فيه الخير الكثير، ومن أولئك الأئمة والأعلام الذين تكلم فيهم الشيخ: ابن حجر والنووي. قال الشيخ رحمه الله: ابن حجر والنووي رحمهما الله من أئمة الخير، الذين بذلوا ما استطاعوا من نفع الأئمة الإسلامية، وما زال المسلمون ينتفعون بكتبهما منذ عهدهما إلى عهدنا هذا ولله الحمد، وهما ليسا معصومينِ، فقد يخطئان في أمر من الأمور، مثل أن يأخُذا برأي أهل التأويل؛ بل برأي أهل التحريف في الصفات؛ لكن الإنسان إذا أخذ برأي مذهب من المذاهب، لا يكون من أهل هذا المذهب، فربما تتبعُ المذهب الحنبلي وتأخذ بقول من أقوال الشافعي ولا تكون شافعيًّا، فكون النووي يذهبُ إلى بعض النصوص الواردة في الصفات، فيتأوَّلُ فيها، ويحملها على غير ظاهرها، فهذا لا يُؤدي إلى إهدار جميع ما فعل من حسناتٍ، وكذلك ابن حجر، وإن كان ابن حجر أحسن من النووي في هذا الباب. وقال: ابن حجر والنووي قد أفادا المسلمين فائدةً عظيمةً، وما زال المسلمون ولله الحمد ينقلون من كتبهما، وليسا معصومين، عندهما خطأ في الصفة، ونسأل الله تعالى أن يعاملهما بعفوه، ونرى أنهما قد نالا أجرًا واحدًا على ما اجتهدَا فيه وأخطأا. شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الشيخ رحمه الله: كان رحمه الله عالِمًا كبيرًا، وعلمًا منيرًا، ومجاهدًا شهيرًا، جاهد في الله بعقله وفكره، وعلمه وجسمه، وكان قوي الحجة، لا يصمد أحد لمحاجته، ولا تأخذه في الله لومة لائم إذا بان له الحق أن يقول به، ومن ثم حصلت له محن، فحُبِس مرارًا، وتوفِّي محبوسًا في قلعة دمشق في 20 شوال 728هـ. وقال رحمه الله: ممن اشتهر في الأُمَّة الإسلامية، ولا سيما في العصور المتأخرة، وذلك لأنه جمع الله له بين العلوم الشرعية والعقلية، فصار من آيات الله في حفظه وفَهمه وورعه وشجاعته، وغير ذلك من صفاته التي تُعرَف من تراجمه. وقال: شيخ الإسلام ابن تيمية أعطاه الله تعالى علم المأثور، وعلم المنظور؛ يعني: أعطاه الله تعالى علمًا بالآثار، وعلمًا بالعقل، وعنده من الأدلة العقلية والنقلية ما يفحم به خصمه، حتى إنه رحمه الله يستدلُّ بالنصوص التي استدلَّ بها خصمه على خصمه. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وناهيك به علمًا، وناهيك به فقهًا، وناهيك به ورعًا. وقال رحمه الله: شيخ الإسلام ابن تيمية أقول بحقٍّ: إنه رجل أعطاه الله تعالى علمًا وفهمًا وعقلًا ودينًا؛ ولهذا تجد اختياراته في الغالب الكثير هي الموافقة للصواب. العلامة ابن القيم: قال الشيخ رحمه الله: ابن القيم رحمه الله قلمُه سيَّال، ومن نعمة الله على العبد أن يكون قلمه سيَّالًا، ويكون كلامه منتظمًا ومتآلفًا. العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي: قال الشيخ رحمه الله: الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله هو شيخي، وأنا أشهد له بسلامة العقيدة، وحُسْن الخُلُق، والعمل الصالح. أما بالنسبة لِمُعاملته، فأنا ما رأيتُ أحدًا أحسن أخلاقًا منه رحمه الله، رجل متواضع، يُحبُّ الفقراء، يُحبُّ الستر عليهم، وكان متواضعًا رحمه الله للطلبة، وكان يمازحهم، ورُبما يُهدي إليهم أشياءَ ليست بذات قيمةٍ جبرًا لقلوبهم. ونحن ولله الحمد اكتسبنا من أخلاقه شيئًا كثيرًا؛ ولكن لم نلحق به حتى الآن، وهو رحمه الله حصل عليه من النكبات وإيذاء الناس له، ولا سيما من أقرانه من العلماء؛ لكنه صبر واحتسب، وكانت العاقبة له، ولم يعرف الناس قدره إلا بعد أن توفي رحمه الله، عرفوا قدره، وما أسدى إلى هذه الأمة من العلوم النافعة الجمَّة، وكُتُبُه سهلة، كلٌّ ينتفع بها العاميُّ وطالب العلم. الرجل رحمه الله كان دُرَّة زمانه، ولم نعلم أحدًا مثله في حسن الخلق واللين والسهولة والسعة، فلم يكن عنده ذاك التشتيتُ الذي يكونُ عند بعض الناس؛ بل هو رحمه الله سهَّل، إلا أنه لا يمكن أن يُقرَّ شيئًا محرمًا يرى أنه مُحرَّم؛ بل ينكره غاية الإنكار، فنسأل الله تعالى أن يعُمنا برحمته وإيَّاه، وأن يجعلنا جميعًا في دار كرامته. الرازي: قال الشيخ رحمه الله: الرازي المفسِّر المشهور، والمتكلم الصوفي الفلسفي، وهو معروف، ويُعتبر من أذكياء العالم، وله شطحات كثيرة في التفسير وغيره؛ لكن يُقال: إنه في آخر عُمُره تاب إلى الله، والله أعلم. عبدالملك بن مروان: قال رحمه الله: الخليفة الجيد الذكي. الحجاج: قال رحمه الله: الرجل معروف بأن لديه غُشمًا وظلمًا، وله حسنات، لكن سيئاته تغلب على حسناته. ابن رشد: قال الشيخ رحمه الله: ابن رشد الثاني رحمه الله، مالكي المذهب، وهو رجل مذهبه مذهب سلفي، أما ابن رشد الأول، فقد دخل عليه شيء من مذاهب الفلاسفة. هرقل: قال رحمه الله: هرقل ملك الروم، وكان ذكيًّا عاقلًا، لكن لم ينفعه عقله ولا ذكاؤه، وقصته مع أبي سفيان حين قدم عليه مشهورة معروفة. ابن عربي: قال الشيخ رحمه الله: قدوة القائلين بوحدة الوجود، وقال: له شطحات تصل إلى حد الكفر. التلمساني: قال الشيخ رحمه الله: يسميه أهل العلم (الفاجر التلمساني)؛ لأنه بعيد عن العفَّة، هو عفيف إلا عن الباطل، نسأل الله العافية. أرسطو: قال الشيخ رحمه الله: يسمُّونه المعلم الأول؛ لكنه معلِّم الشر والفساد، والعياذ بالله، ومن دعا إلى ضلالة، فعليه وزرها ووزر مَن عمِل بها إلى يوم القيامة. الفارابي: قال الشيخ رحمه الله: من أساطين الفلاسفة. ابن سينا: وقال: من المتفلسفة الإسلاميين الذي ينتمي إلى الإسلام؛ ولكنه نسأل الله العافية على خلاف ذلك. وقال: ابن سينا وأتباعه أظهروا الإسلام مُداهنةً، وإلا فهم زنادقة منافقون كُفَّار، إلَّا أنَّهم أظهروا أنهم مسلمون. قال الشيخ رحمه الله: صرح شيخ الإسلام وابن القيم بأن ابن سينا كافرٌ، ليس من المسلمين، وهو كافر لا يجوز أن يُنوه باسمه إطلاقًا. وقال: ابن سينا والعياذ بالله، كان قائدًا إلى النار؛ لأنه مضى على مقالته، أمة اغتذوا بلبان، وبئس اللبان. وقال: الأصل عدم رجوعه للإسلام، أما ما رُوِي عنه من نظم أو كلام له بأنه رجع، فإنه ينظر في صحة إثبات هذا النظم له، وأين من رواها؟ حدثنا فلان عن فلان عن فلان حتى يصل إليه؛ لأنه ربما يقول هذه القصيدة مَنْ يدَّعي أنه رجع. الطوسي: قال الشيخ رحمه الله: الطوسي كان وزيرًا لآخر خلفاء بني العباس، وكان ماكرًا مخادعًا، طلب من التتر أن يقدموا إلى بغداد عاصمة المُلك، وسهَّل لهم الطريق، وهو قد خدع السلطان الخليفة العباسي. وقال: يسمى نصير الدين؛ لكن ابن القيم وصفه بما هو أهله، فقال: (نصير الكفر) وصدق رحمه الله، نصير الكفر على مذهب ابن سينا وأتباعه الناصرين لملَّة الشيطان. وقال: يسمى نصير الدين الطوسي، وهو في الحقيقة مُذِلُّ الدين، وليس نصيرًا للدين. وقال جرى على الإسلام منه أعظم محنة. المراجع: كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: ♦ مذكرة على العقيدة الواسطية. ♦ دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين. ♦ شرح الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية. ♦ مجموع وفتاوى ورسائل الشيخ؛ جمع الشيخ فهد بن ناصر السليمان. ♦ التعليق على صحيح البخاري .
مقدمة كتاب الرسائل المهذبة في المسائل الملقبة لأبي حفص عمر بن الوردي
د. إسماعيل عبد عباس
28-11-2018
8,084
https://www.alukah.net//culture/0/130948/%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%b0%d8%a8%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%ad%d9%81%d8%b5-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d8%af%d9%8a/
مقدمة كتاب الرسائل المهذبة في المسائل الملقبة لأبي حفص عمر بن الوردي المتوفى 749 هـ مقدمة الكتاب: الحمد لله الَّذِي رفع لأهل العلم منارًا، وأفاض على طالبيه من جامع أسرارهم أنوارًا، أحمده حمدًا يُوافِي ما تزايَدَ من النِّعَم، وأشكره على ما أَولى من الفضل والكرم، وألتجئ إليه لتيسير كلَّ عسير، والصلاة والسلام على نبيِّه وحبيبه ورسوله، صلاةً وسلامًا يَليقان بمقامه، وعلى آله وصحبه والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن علم المواريث من أهم علوم الشريعة؛ لذا حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تعلُّمه وتعليمه وبيَّن أنه أوَّل العلوم اندراسًا، فكان لزامًا علينا تعلُّمه وتعليمه، لأهميته وفضله ومكانته؛ لأنه يتعلَّق بحقوق الناس؛ كي لا يظلم المسلم أخاه. ومما يُبيِّن أهميته ما كان من عادة العلماء في ترتيب العلوم، من تقديم حفظ كتاب الله عز وجل، ثم علم المواريث، فكانوا في مجالس التحديث لا يكتبون في الذي حضر مجلس التحديث حتى يُعرَف بين طلبة الحديث أنه قد حفظ القرآن، ثم تعلَّم المواريث؛ ولذلك كانوا إذا جلس معهم الفتى للحديث، قالوا له: هل تعلمت القرآن؟ فإذا قال: لا، قالوا: ارجع وتعلَّم القرآن، وإذا حفظ القرآن، ثم رجع بعد ذلك، قالوا له: هل تعلَّمت الفرائض؟ فإن قال: لا، قالوا: ارجع فتعلم الفرائض. ونظرًا لهذه الأهمية فقد عظُمت رغبتي في أن تكون لي جهود في خدمة هذا العلم، فشرح الله صدري لتحقيق بعض كتب الأقدمين، فوقَعت بين يدي أربع نسخ خطية للرسائل المهذَّبة في المسائل الملقبة لابن الوردي، وهي أول أثر وصل إلينا في الملقَّبات؛ لكنها لم تكن محقَّقة من قبل، فبدأتُ مستعينًا بالله عز وجل بتحقيق هذه المنظومة التي جمع معلوماتها، وهذَّب كلماتها، ونظم ألفاظها ابن الوردي، فخرجتْ - بفضل الله تعالى - واضحة العبارة، غزيرة الفائدة، حتى أصبحت المرجع الأولى الذي لا يستغني عنه طالبُ علم المواريث وخاصة الملقَّبات منها، فاحتوت على أربع وعشرين مسألة، فهي بحق السُلَّم الذي يرتقي به طالب علم المواريث إلى المطولات. وقد اقتضت طبيعة العمل تقسيمه إلى قسمين: القسم الأول: القسم الدراسي، وكان في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التعريف بالإمام ابن الوردي، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الإمام ابن الوردي: اسمه، ولقبه، وكنيته، وولادته. المطلب الثاني: شيوخه، وثناء العلماء عليه، ومؤلفاته. المطلب الثالث: زهده، وتوليه المناصب، وشعره، ووفاته. المبحث الثاني: التعريف بمنظومة الرسائل المهذَّبة في المسائل الملقبة، وفيه مطلبان: المطلب الأَول: تحقيق اسم الكتاب، وتوثيق نسبته إِلى ابن الوردي. المطلب الثاني: أَهمية منظومة (الرسائل المهذبة في المسائل الملقبة)، والأَعمال العلمية عليها. المبحث الثالث: المنهج المتَّبع في التحقيق ووصف النُّسَخ الخطية، وفيه مطلبان: المطلب الأول: المنهج المتَّبع في التحقيق. المطلب الثاني: وصف النُّسَخ الخطيَّة. أما القسم الثاني: النص المحقَّق. وفي الختام فإني أسأل الله تعالى العون على الكمال والصيانة من الخطأ في المقال، وأن يجعل هذا العمل نافعًا للمشتغلين به، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وإني سائلٌ مَن حسُن ظنُّه، وسَلِمَ من داء الحَسَد قلبُه، إذا عثر على شيء زلَّ به القلمُ - أن يصلحه ويدرأ بالحسنة السيئةَ؛ لأن الإنسان محل النسيان، وأن الصفح عن عثرات الضعاف مِن شِيَمِ الأشراف، وإني بالعجز مُعترف، وبالخطأ والتقصير مُتَّصف. اللهم اجعَل هذا العمل خالصًا لوجهك الكريم، واجْزني به وإخوتي ومشايخي أعظم الجزاء، إنك أنت الكريم الجواد.
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (131)
أ. د. محمد بن تركي التركي
24-11-2018
5,130
https://www.alukah.net//culture/0/130847/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-131/
صدر حديثاً من كتب السنة وعلومها (131) 1- إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للإمام القسطلاني، طبعة جديدة بعناية محمد زهير الناصر، دار الغوثاني للدراسات القرآنية، 10ج. 2- الكاشف عن أساليب الطعن في صحيح البخاري، تأليف د. أسامة مصطفى التريكي، دار الوليد. 3- فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب، للفيومي، تحقيق أ.د. محمد إسحاق آل إبراهيم، ١٥ج. 4- أحكام الأحكام، لابن دقيق العيد، طبعة جديدة، ومعه العدة على شرح العمدة، للصنعاني، تحقيق محمد خلوف العبدالله، دار اللباب، 7ج. 5- علم رواية الحديث: تأصيله ومراحله وطرائقه وقضاياه المعاصرة، تأليف د. عمر بن موفق النشوقاتي، دار البشائر الإسلامية. 6- الرواة الذين قال فيهم ابن عدي: "لا بأس به" في كتابه الكامل، مقارنة بأقوال أئمة الجرح والتعديل، تأليف طاهر يحيى الجبوري، دار الرنيم. 7- مجمع الغرائب ومنبع الرغائب، لعبدالغافر الفارسي، تحقيق ماهر أديب حبوش، منشورات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، 5ج. 8- شرح علل الترمذي، طبعة جديدة بتحقيق نور الدين عتر، كتب عليها: النشرة الشرعية الوحيدة، دار المنهاج القويم، 2ج. 9- التمام في أحاديث الأحكام ( كتاب يجمع أحاديث "بلوغ المرام" و "عمدة الأحكام" و "المحرر" )، جمع د. خالد بن عبدالعزيز الباتلي، دار العقيدة. 10- تخريج الأحاديث والآثار الواردة في كتاب الأحكام السلطانية، للماوردي، تأليف د. عبدالله بن برجس آل عبدالكريم، دار الصميعي. 11- شرف أصحاب الحديث، للخطيب البغدادي طبعة جديدة، بتحقيق الداني بن منير آل زهوي، دار اللؤلؤة. 12- كتاب الزهد، لهناد بن السري، طبعة جديدة بتحقيق د. عبدالرحمن الفريوائي، دار الأفهام، 2ج. 13- بهجة الناظرين إلى تراجم المتأخرين من الشافعية البارعين، للغزي، مصور عن النسخة الخطية، قدَّم لها وعرف بها محمد بن ناصر العجمي، دار المقتبس، مكتبة نظام يعقوبي الخاصة، البحرين. 14- جنات ونهر في أحاديث سيد البشر، وفيه سياق أسانيد شيوخ العصر إلى كتاب العلم من صحيح البخاري، تخريج محمد بن ناصر العجمي، دار البشائر الإسلامية. 15- قلة الأنصار في الحديث والآثار، تأليف د. فائز بن موسى البدراني.
العظام في جسم الإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
22-11-2018
60,996
https://www.alukah.net//culture/0/130822/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%ac%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
العظام في جسم الإنسان العظام : هي التي تشكل الهيكل العظمي الذي يُعطِي جسم الإنسان وأجسام بقيةِ الفِقاريات أشكالَها المميزة، وعلى العظام ترتكز عضلاتُ الجسم وأربطته التي تربط المفاصل بين العظام، فتُعِين على حركة الجسم، وتشكل العظامُ تجاويفَ حصينةً وصناديق محكمةً لحماية الأعضاء الحيوية بداخلها؛ مثل: الجمجمة التي تحمي الدماغ والعين ومحتويات الأذن الداخلية، والفِقرات التي تحمي النخاع الشوكي، والقفص الصدري الذي يحمي القلب والرئتين، والحوض الذي يحمي الرحم والمثانة. حتى العظم نفسه يحمي النخاع الذي يعدُّ مصنعًا لإنتاج بعض مُكوِّنات الدم؛ مثل كرات الدم الحمراء، فبدون هذه الصناديق لعبِث الإنسان بهذه الأعضاء الدقيقة والحيوية، ولولا الجهاز العظمي لكان الإنسان كومةً من الجلد واللحم لا شكلَ لها. مُكوِّنات العظام: العظام في مُجملها مركَّبةٌ من مادة أساسية، هي الكالسيوم؛ حيث توجد 99 % من نسبة الكالسيوم بالجسم بالعظم، ويحتاج امتصاص الكالسيوم من الأمعاء إلى هرمون تُفرِزه غُدَّة صغيرة جدًّا إلى جانب الغُدَّة الدرقية. فلو تعطَّلت هذه الغدة الصغيرة جدًّا لَما أمكن امتصاصُ الكالسيوم من الأمعاء، وكذلك تحتاج العظام إلى فيتامين "د"، فإذا لم يتوافر هذا الفيتامين أُصيب الطفل بلين العظام، فإن شكل العظام عبارة عن شوكيات تتداخل مع بعضها البعض، فتُكوِّن جسمًا متينًا لدرجة متناهية، وصدق رب العزة إذ يقول: ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾ [البقرة: 259]؛نُنْشِزُها؛ أي: نجعلها على شكل شوكيات متداخِلة؛ حيث تبدو متينةً وقاسية جدًّا، وكذلك تُغطَّى السطوحُ الخارجية والداخلية للعظم بطبقاتٍ مِن الخلايا المُكوِّنة للعظم والنسيج الرابط؛ وهي: 1 - طبقة خارجية " Pexiosteum "، وهي عبارة عن غشاءٍ ليفي رقيق يكسو العظام، ولكنه قوي جدًّا، يُحِيط ويُغطِّي ويكسو كلَّ سطوح العظام عدا المفاصل، كما توجد به أوعية دموية والأعصاب المغذِّية لباقي العظام. 2 - طبقة داخلية: وهي تتألَّف من خلايا مُسطَّحة، لها القابلية على الانقسام الاعتيادي والتمايز، لتكوين الخلايا بانيةِ العظم، فهي لها دورٌ بارز في نموِّ العظم وإصلاحه. فهذه الطبقاتُ لها وظائف عديدة؛ أهمها تغذية النسيج العظمي، وتوفير الإمداد المستمرِّ للخلايا بانية العظم الجديد، لغرض إصلاح العظم ونموه، ولهذه الأسباب لا بد من المحافظة على هذه الطبقات أثناء إجراء العمليات الجراحية. تكوين العظم : كما علِمنا أن العظم بِنْيَتُه قوية ومحكمة من الخارج، ومسامية إسفنجية من الداخل، ولو أن بِنْيَتَه من الداخل كما هي من الخارج، لكان وزن أحدنا أربعة أمثال وزنه الطبيعي، وكذلك وجود فجوات وجيوب عظمية من أجل تخفيف العظام، مثل ما هو موجود بعظمة الجمجمة، ويصدق على هذا الإعجاز الرائع قولُ العلماء: "مِن بِنْية العظم يتحقق حدٌّ أقصى من النتائج بحد أدنى من اللوازم"، فهناك توازنٌ رائع بين البنية المقاومة والوزن الخفيف، فمِن عظمة الله تعالى في عَظْمِنا أن هذا الجهاز يوجد به هدم وبناء مستمرَّانِ؛ حيث إن الإنسان يتجدَّد هيكله العظمي خمس مرات في عمره، بمتوسط كل ست أو سبع سنوات، بفعل عملية الهدم والبناء، وهي التي تؤدي أيضًا إلى التئام الكسور. فعمليةُ الهدم والبناء المستمرَّة في العظام تجعله مَخزنًا للكالسيوم، فإذا احتاجتِ الأمُّ لتشكيل عَظْم وليدِها إلى الكالسيوم؛ إذ لم يكن غذاؤها كافيًا من هذه المادة - أخذ الجنينُ مِن مخزون عظم أمه ما يشكل به عظمه. ومِن إعجاز رب العزة في هذا الجهاز أن هناك هرموناتٍ تُنظِّم نمو العظم وإيقافه عند حد معين، ولولا هذه الهرمونات لكان الإنسان قزمًا أو عملاقًا، ومن المعلوم أن الطول والقصر لهما علاقة بهرمون النمو. بداية تشكيل العظام: يبدأ تشكل العظام في وقت مبكر جدًّا من حياة الجنين - في اليوم العشرين - قبل أن يبدأ تشكيلُ العضلات، وقد أشار القرآن الكريم إلى أسبقية خلق العظام على العضلات؛ أي: اللحم، وهذه الإشارة منذ 14 قرنًا من الزمان، في قوله تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]،ويكتملُ تشكيل العِظام ما بين الأسبوعين الخامس والسادس، لكنها تكون غضروفية ثم تتكلس (أي تتعظم)، والتعظم هو تحوُّل الغُضْروف إلى عظمٍ، يبدأ من الحياة الجنينية ويستمر بعد الولادة إلى سن اكتمال النمو الطولي من 17 سنة إلى 21 سنة، ويبقى في أطراف العظام طبقةٌ غُضْروفية، والحكمة من وجودها أنها تمتصُّ الصدمات، ومِن رحمة الله بنا وجودُ قرص غُضْروفي بين كلِّ فِقْرتين من فِقْرات الظهر، يعمل على امتصاص الصدمات؛ ليكسب الإنسان حياةً مريحة، وعندما تتقدَّم السنُّ بالإنسان تتحول إلى مادة صلبة تفقد ليونتها وتقرب مِن العظام. وعندما يموت الإنسان يتحلَّل سائر جسده، فتتحلل الأنسجة الرخوة أولًا في أيام معدودات، ثم يتحلل العظم الذي قد يستغرق سنوات طويلة جدًّا، ولا يبقى من الجسد بعد التحلل إلا عظمٌ واحد هو عَجْب الذَّنَب، وهو جزء من الفِقرة الأخيرة من العُصْعُص من العمود الفِقْري. تحمل العظام : تتحمل العظام ضغوطًا عالية جدًّا، فيقع عليها أثناء المشي العادي مثلًا ضغطٌ يصل إلى 600 كجم/ سم 2 ، يزداد هذا الضغط كثيرًا عند الركض والقفز، وبعض العظام لا ينكسر إلا تحت ضغوط كبيرة للغاية. فعظم الساق " Tibia " مثلًا يمكن أن يتحمَّل ضغط 5,1 طن قبل أن ينكسر، وكذلك عظم عُنق الفَخِذ يتحمل ضغطًا يعادل 250 كجم تقريبًا، ففي العظام خصائصُ المتانة والقوة على نحوٍ عجيب، فتبارك الله أحسنُ الخالقين! الرياضة وتقوية العظام: إن العظام تمثل هيكلًا صلبًا ترتكز عليه العضلات، ومن أهم العوامل التي تحدد قوةَ العظام درجةُ حركة الجسم ونشاطه اليومي؛ إذ إن الإنسان النشيط الذي يتحرك يوميًّا باستمرار يتمتَّع بكثافة عظام أكثر مِن الخامل المُلازِم للراحة. فقد ثبت علميًّا أن المجهود العضلي الذي يقوم به الإنسان، ينشط خلايا البناء العظمي، فالرياضيون يتمتَّعون بكمية عظام غنية بأملاح الكالسيوم أكثر ممَّن يقضون أوقاتَهم في الجلوس والراحة. إن قوةَ تنشيط العظام ترجعُ إلى قوة الضغط والجذب التي تمارسها العضلات وأوتارها أثناء انقباضها وانبساطها، وكذلك إلى تغيير التيار الكهربائي العضلي أثناء الحركة، فهذا التيار الكهربائي يُمثِّل حافزًا لا بأس به لنشاط الخلايا العظمية. وقد بحَث العلمُ الحديث عند تحديد نسبةِ فِقدان العظم عند الخمول والراحة - فوجد أن العظم في هذه الحالة يفقدُ بسرعةٍ مواده المُكوِّنة له، ويصبح رقيقًا ضعيفًا هشًّا، وكذلك في غياب الجاذبية التامة في رجال الفضاء؛ حيث لا تقاوم العضلات عبء الجاذبية الأرضية. فمن هنا نستطيعُ أن نقول: إن كل انقطاع عن الحركة والرياضة يفقد كمية العظم في الجسم قوتَها وكثافتها، بحسب درجة هذه الانقطاع، فالخمول يزيد مِن نشاط خلايا الهدم، فيتحلَّل النسيج العظمي، ويهرب الكالسيوم والفسفور من العظم، وتنهار المادة العظمية البروتينية الكولاجين، كما ينقص فيتامين (د) وبعض هرمونات الغُدَّة الدرقية TsH.T4.T3 ، ويرتفع هرمون الكالستونين، وهو هرمون هدم للعظام، وثبت أن نخاع العظام المُنتِجَ لخلايا العظم الأصلية يُصاب بالضعف والضمور مِن جرَّاء الراحة والخمول؛ مما يُؤدِّي إلى ضعف وقلة كتلة العظم. ويُبيِّن الأطباءُ أن تقويةَ هذه العظام الخاملة لا تكونُ بالأدوية فقط، ولكن بالعودة إلى الحركة والنشاط؛ حيث إن حركةَ انقباض وانبساط العضلات تُكوِّن التيار الكهربائي المُنشِّط للنسيج العظمي، إلى جانب قوى الضغط والجذب التي تمارسها العضلات وأوتارها على مراكز التحامِها بالعظام؛ مما يؤدي إلى نشاط البناء العظمي ومتانة تركيبه. الإبهام: في يد الإنسان خمسةُ أصابعَ، وفي كل أصبع ثلاثُ سُلاميَّات، إلا الإبهام فهو مكون من سلاميتين، وهذا الإبهام قد يكون هو السببَ في تطوُّر وازدهار حضارة الإنسان، ونجد أن الإنسان يتميَّز بالإبهام عن باقي المخلوقات بالآتي: ♦ في السُّلامَى الثانية في الإبهام يرتكز وترٌ طويل قابض مع عضلة يطوي السلامى الثانية، فيُعطي الإبهامَ رشاقةً ودقة في الحركة. ♦ مَفصِله الكروي يُعطِيه المرونة الفائقة. ♦ مُحاط بما لا يقل عن خمسة أوتار؛ مما يمنحه الحركة برشاقة في كل الاتجاهات؛ من البسط والقبض والتبعيد والتقريب والدوران، والإمساك والمقابلة. بسبب هذا التميز في الدقة والتركيب انطلقت اليد لتؤدي مهمات لا حصر لها، فلولا أن الله تعالى صنع الإبهامَ لَمَا كان لهذه الأصابع من قيمة، وجرِّب أن تكتب دون إبهام، أو أن تَخِيط دون إبهام، أو ترتدي ثيابَك دون إبهامٍ، أو تعمل على آلة، فإنك لن تستطيع فعل شيء، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88]. الإعجاز في قوله تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]. منذ زمن قريب كان يُعتَقد أن العظام والعضلات تظهران وتَنموانِ معًا، غير أن البحوث العلمية الأخيرةَ أظهَرت حقيقةً مختلفة تمامًا لم يكُنْ أحدٌ ينتبِه إليها، وهي أن نسيجَ الغضاريف في الجنين يتحوَّل إلى عظام أولًا، ثم يتمُّ اختيار خلايا العضلات من الأنسجة الموجودة حول العظام، لتتجمع هذه الخلايا وتلفَّ العظامَ، غير أن هذه الحقيقة التي كشفها العلمُ الحديث قد أخبرنا ربُّنا عز وجل بها في القرآن قبل 1400 سنة. فقد أثبت العلم الحديث أنه في الأسبوع السادس تتمُّ أول عملية تحوُّل إلى عظام في عظم التَّرْقُوة، وفي نهاية الأسبوع السابع يبدأ التعظم في العظام الطويلة، ويتم اختيار خلايا العضلات من النسيج المحيط؛ حيث تبدأ العضلات بالتكوُّن، ويبدأ نسيج العضلات بالانقسام حول العظم إلى مجموعة أمامية ومجموعة خلفية، فبهذا الاكتشاف أثبتت الأبحاثُ الميكروسكوبية أن تطوُّر الجنين داخل رَحِم الأم يتمُّ كما وصفَتْه آيات القرآن الكريم، ففي خلال الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي بالانتشار في الجسم، وتأخذ العظام شكلَها المألوف، وفي نهاية الأسبوع السابع - وخلال الأسبوع الثامن - تأخذ العضلات وضعيَّتَها حول أشكال العظام. فمنذ عشر سنوات صوَّر عالم من علماء التصوير المراحلَ المختلفة لتخلُّق الإنسان منذ بَدْء الحمل وحتى الولادة، ونال عليها جائزة نوبل للتصوير الطبي؛ حيث استطاع أن يلتقط صورًا رائعة للجنين في طور النُّطفة والمضغة والعَلَقة، وطورِ تكوُّن العظام الذي يسبق بأسبوع فقط طورَ اكتساءِ العظام باللحم. وبهذا التتابع يثبت العلم الحديث ما جاء به النصُّ القرآني بالإشارة إلى التتابع السريع بين مرحلة العظام ومرحلة الكسوة، وذلك بوجود حرف الفاء في كلمة ﴿ فَكَسَوْنَا ﴾، مشيرًا إلى السرعة والترتيب، وكذلك فإن لفظ الكسوة يشير أيضًا إلى التنوع والتشكل في العضلات، كل حسب وظيفته في موقعه التشريحي، كما تتنوَّع الثياب حسب موقعها ووظيفتها، وكذلك تناسب لابسها من حيث الحجم والهيئة. ولو تأمَّلنا في الآية الكريمة لوجدنا الاتصال الدقيق بين الكسوة والعظام، حتى إنه لا يفصل فاصلٌ بين كلمة ﴿ الْعِظَامَ ﴾ وكلمة ﴿ لَحْمًا ﴾، يدل ذلك على الارتباط الوثيق بين اللحم والعظام في الآية الكريمة، وهذا ما أكدَتْه أقوال المفسرين من علماء المسلمين. أهمية كسوة العظام باللحم: 1 - البَدْء في الاستقامة والاعتدال وانتصاب القامة عند الأسبوع الثاني، والاستعدال في وضع الانحناء الشبيه بالهلال؛ قال تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ [الانفطار: 7]. 2 - البَدْء في الحركات الإرادية في الشهر الرابع؛ كمصِّ الإصبع، وهذا يُمثِّل حكمة من الله، ليتعوَّد الطفل على الثَّدي بعد الولادة، وكذلك التقلُّب داخل الرحم، وهذا لن يتأتَّى إلا بعد كساء العظام بالعضلات وتطوُّر عضلات الأجنَّة. 3 - ظهور ملامح وتغيرات الوجه للجنين (حزن – فرح ... إلخ)، وهذا لا يتأتَّى إلا باكتساء العظام باللحم. 4 - حركة الجنين في بطن أمِّه في الأسبوع الثاني عشر، وتُحِسُّ به الحامل في نهاية الأسبوع السادس عشر، ولهذه الحركة دلالة مهمة في متابعة الحمل قبل الولادة، فلو قلَّت الحركة تكون لها دلالةٌ خطيرة عند أطباء النساء والولادة. 5 - عدم حدوث تيبُّس في حركة مفاصل الجنين وضمور العظام. 6 - إطلاق طاقة الحركة، وهذه الطاقة المتولدة من الحركة مهمة لتطوُّر باقي الأجهزة للجسم. 7 - الحركة داخل الرحم للجنين مهمة لترسيبات الكالسيوم ومعظم مراكز التعظُّم لعظام الجنين. 8 - كِساء العضلات للعظام يُعطِي الجنين صورةً متكاملة فيها بهاء وفرحة مقبولة، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6]. 9 - حركة العظام لا بد أن تستمرَّ بعد كسوتِها بالعضلات؛ لأنها تساعد على تصنيعها وتقويتِها ومتانتها، وعدم حركتها لا يساعد على ذلك، وأما الراحة المستمرَّة فتؤدي إلى ضمورها وضَعفها. 10 - كسوة العظام بالعضلات مُهمَّة؛ حيث إنها تتمُّ في نهاية الأسبوع السابع قبل أن ينفخ الرُّوح فيه، وهذا علامة مهمة للجهد والترتيب. أوجه الإعجاز العلمي: 1 - قال تعالى: ﴿ فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]، فكان القرآن الكريم سَبَّاقًا في إثبات تكوُّن العظام في جنين الإنسان قبل اللحم قبل 1400 سنة، وهذا الذي أثبَتَه العلم الحديث بالوسائل العلمية المتقدمة. 2 - استخدام حرفِ العطف الفاء الذي يفيد السرعة في التطورات المتلاحقة. 3 - وجود عَلاقة وثيقةٌ بين العظام والعضلات، فجاءت كلمتا ﴿ الْعِظَامَ ﴾ و﴿ لَحْمًا ﴾ في الآية الكريمة متتاليتينِ، لا يفصل بينهما فاصل، ربما لشدة الارتباط بينهما بِنائيًّا وفسيولوجيًّا، وذلك يرجع إلى أهمية المجهودِ العضلي لتنشيط خلايا البِناء العظمي، وزيادة مخزون الكالسيوم في العظام، وأن خمول الجسم يزيد في نشاط خلايا هَدْم العظام؛ مما قد يؤدي بالأمر إلى هشاشة العظام. 4 - اختار الله تعالى في كتابه لفظًا في غاية الإعجاز اللُّغوي، وهو: ﴿ فَكَسَوْنَا ﴾، وهو يُفيد الترتيب الدقيق للطبقات؛ مِن أنسجة تُغلِّف العظام، وعضلات تغطي الأنسجة، وجلد يغطي العضلات، فالمعنى: إنا جعلنا اللحم كسوةً للعظام، كما جعلنا العظام عمادًا للحم، فكلمة ﴿ فَكَسَوْنَا ﴾؛ أي: ألبَسْنا العظام لحمًا؛ أي: ألبسناه ما يستُرُه ويشده ويُقويه، فاللحم يُعدُّ مِن العظام بمقام الثوب، فهو يَستر العظام ويشدها ويُقويها، وكذلك تنوع ألياف العضلات من حيث أشكالها واتجاهاتها وأحجامهما، فيه عظمة للخالق سبحانه وتعالى؛ إذ يقول: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]. 5 - أثبت العلم الحديث أن معظمَ أمراض تسوُّس العظام تُعالَج بكسوتها وتغطيتها بالعضلات (اللحم)، لقد أحكم ربُّ العزة بناء جسم الإنسان بالعظام - ولا سيما الهيكل العظمي - إحكامًا بالغَ الدقة والمتانة؛ عن طريق العضلات والأوتار والأربطة والجلد، وتناسب رؤوس العظام مع تجاويفِها لعمل المفاصل المتحرِّكة في اتجاهات مختلفة، فالعظام فيها متانةٌ عجيبة، وفيها تحمُّل عجيب لقوى الضغط، وارتباط العظام بعضها ببعض مما يَلفِت النظر، ومن المدهش أنه يوجد عند المفاصل سائلٌ لَزِجٌ ينزلق عليه سطح لزج، من أجل سهولةِ حركة المفاصل، وهذا السائل يتجدَّد تلقائيًّا من حين لآخر، فهذا السائل يعمل زيتًا للتشحيم، لعدم تآكل العظام عند المفاصل، فسبحان الله القادر! إن الهيكل العظمي آيةٌ مِن آيات الله الدالَّة على عظمته؛ فبدونه لا يكون للإنسان معالِم واضحة، وشكل ثابت، ويكون الإنسان هُلاميًّا، لا شكل له، ويكون عبارة عن كوم من اللحم والجلد، فسبحان الخالق المصوِّر!
سأتغير حتى تتغير الأمة
هبة حلمي الجابري
21-11-2018
9,560
https://www.alukah.net//culture/0/130804/%d8%b3%d8%a3%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%ad%d8%aa%d9%89-%d8%aa%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9/
سأتغير حتى تتغير الأُمَّة هل أنت حزين على ما يحدث من حولنا في بلاد المسلمين من بلاء وبُعْد عن تعاليم الدين؟ هل بكيتَ من أجلهم؟ دعوتَ لهم؟ ثم ماذا؟! نسأل أنفسنا لماذا تغيَّر الناسُ؟ وأين أخلاق الإسلام فينا؟ لماذا لا يرجع المسلمون إلى دينهم؟! ثم ماذا؟! الجميع ينتظر أن يتغيَّر من حوله لينصلح حال الأُمَّة دون أن يُحرِّك ساكنًا، لم يدرك أن سرَّ التغيير موجودٌ في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ومعنى الآية هو أن الله لا يُغيِّر حال قوم حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم، وذلك شامل لتغيير حالتهم الدنيوية من خير إلى شرٍّ، أو من شرٍّ إلى خيرٍ، فبسبب معاصيهم يتغيَّر حالهم من سعادة لشقاء، وبسبب طاعتهم واستقامتهم يتحوَّل حالهم من شقاء لسعادة. إذا كنت تنتظر أن يتغيَّر من حولك، فما دورك أنت؟ هل هو مجرد مراقبة مقدار التغيير الذي وصل إليه غيرك؟ بالطبع لا. إذًا باختصار لا تقل: أريد أن تتغيَّر الأُمَّة، ولكن قل: سأتغيَّر حتى تتغيَّر الأُمَّة، لن تستطيع تغيير ما حولك حتى تُغيِّر من نفسك، وعندها فقط تستطيع أن تُحدِثَ تغييرًا في مجتمعك، فابدأ بنفسك، واجعل شعارك "سأكون أنا المسلم الذي وددْتُ دومًا أن أقابله". كيف ستتغيَّر الأُمَّة وأنت لا تحافظ على صلاتك وفرائضك؟! وأنتِ متبرجة، وعطركِ يفوح منكِ، ويسبقكِ حيث حللت، ولباسك بعيد كل البُعْد عن كل ما يُرضي الله تعالى؟! وأنت لا تستطيع البُعْد عن المعاصي، وقلبك مُعلَّق بالأغاني والممثلين والممثلات والمغنيين والمغنيات؟! وأنت تتَّهِم الناس بالباطل، وتنقل الكلام عنهم دون بيِّنة؟! وأنت تُؤذي جيرانك، وترمي الأذى في طريق الناس؟! وأنت تأخذ الرشوة وتُسمِّيها بغير مُسمياتها، وتقبل الغلول؟! ولا تجد غضاضة في أن تأكل حقوق غيرك، ولا أن تأخذ دور غيرك في الطابور؟! ويا تُرى كم مرة نام والدك أو والدتك وهما غاضبان منك، أو حزينان بسببك؟! وغيره وغيره وغيره. في ليلة معركة حطين التي استعاد بها المسلمون بيت المقدس وهُزِم فيها الصليبيُّون، كان القائد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله يتفقَّد الخيام للجنود، فيسمع من هذه الخيمة قيام أهلها وهم يصلون، وهذه وأهلها يذكرون، وتلك الخيمة وأهلها يقرؤون القرآن، حتى مرَّ بخيمة كان أهلُها نائمين، فقال لمن معه: من هذه الخيمة سنُؤتى!! أي من هذه الخيمة ستأتينا الهزيمة. الصحابة رضوان الله عليهم تَغيَّروا فغَيَّروا؛ بدؤوا بتغيير أنفسهم لَمَّا سطع نور الإيمان فيها، فاستطاعوا أن يُغيِّروا العالم، "ففاقد الشيء لا يُعطيه". وإذا بدأت بنفسك، وبدأ غيرُك بنفسه، وذلك وتلك وغيرهم أصبحتم قوة وعِزَّة ومنعة تحمي الحق، وتمدُّ يدها لتنتشل غيرها من براثن المعاصي التي تورث الوهن والضعف، وتنخر في عِظام الأُمَّة. وإذا أنعم الله عليك، فكنت من أهل الصلاح، فلا تيئَس وتفقد الأمل في تغيير الأُمَّة، انظر كيف بدأ الإسلام غريبًا، الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه بضعة أشخاص، لم يقولوا ماذا سنفعل ونحن قلة؟! لم يوقفهم كثرة الخبث عن دورهم ومهمتهم في محاولة تغيير الواقع من حولهم، وما لبثت هذه القلة القليلة بعد بضع سنوات إلا وقد قادت جزيرة العرب، وخرجت إلى العراق والشام ومصر وغيرها. فاحرص أن تُعين غيرك على التغيير، ولئن يهدي اللهُ بك رجلًا خيرٌ لك من حمر النعم. وليس من المهم أن ترى نتيجة التغيير بعينك؛ بل يكفيك أن تعيش وتموت وأنت على الطريق الصحيح، أما النتائج ووقت تحقيقها، فهي بيد الله تعالى الحكيم العليم. يكفيك أن تشعُر بأنك كنت جنديًّا أمينًا في كتيبة الأُمَّة، حريصًا على ثغورها فلم يُؤتَ الإسلامُ من قِبَلِكَ، وكنت سببًا في رفعتها وعودتها إلى مكانها الطبيعي في مقدمة الأمم حتى ولم ترَ ذلك بعينك، يكفيك شرفًا وكرامة أنك حين وجدت الأُمَّة قد شردت وبعدت عن الطريق، سطع نور الإيمان في قلبك، وقررت أن تبدأ بنفسك، وتكون أول فرد يضع قدمه على الطريق الصحيح؛ ليقتدي بك الجميع. إذًا اتفقنا الآن أن حال الأُمَّة لن يتغيَّر حتى نتغيَّر نحن، ولكن متى يكون التغيير؟ وتأتي الإجابات: قريبًا، عندما أكبر، من بداية الأسبوع أفضل، لنجعله من بداية الشهر، ويأتي أول الأسبوع وأول الشهر وأول السنة، ولم يحدث أي تغيير! ويكون التسويف هو مشكلتنا الكبرى؛ سوف أتغيَّر! غير مدركين أن التغيير يكون أصعب وأصعب بعد كل يوم يمرُّ وأنت واقف مكانك بلا حِراكٍ؛ أحضر ورقة وأحرقها، ثم انفخ في النار ستجدها قد انطفأت بسهولة، وأحضر ورقة ثانية وأحرقها؛ ولكن انتظر قليلًا وحاول إطفاءها، ستجدها قد انطفأت بصعوبة واستغرقت وقتًا أطول. وهكذا كُلَّما أخَّرت من تغيير نفسك أصبح التغيير أصعبَ، قد تقول من الصعب ترك الأغاني وقد تعودت عليها منذ عشر سنين! لو انتظرت حتى تصبح خمس عشرة سنة سيُصبح الأمر أصعب. عشرون سنة وأنا عصبي، ومن الصعب أن أُغيِّر من طبعي! لو انتظرت حتى يصبحوا ثلاثين سنة سيُصبح الأمر أصعب. ابدأ فورًا في التغيير، ولكن لا بد من نية لهذا التغيير، وهمة للانطلاق، مع وضوحٍ للرؤية، وحسن التوكُّل على الله تعالى. اعقد النية وابدَأ، وسيُعينك الله ويأخذ بيدك، فقد ثبت عن رسول الله عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال: ((يقول الله عز وجل: من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، ومن تقرَّب إليَّ شبرًا تقرَّبت منه ذراعًا، ومن تقرَّب مني ذراعًا تقرَّبت منه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيتُه هرولة)). يا من أردت الحياة السعيدة يقول الله تعالى لك: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. وكن على يقين أن حال المسلمين في كل مكان لن ينصلح إلا إذا انصلَح حالنا، وبدأنا بأنفسنا، واعلَم أنه ببعدك عن دينك، وحبك للدنيا، ونسيان الآخرة، فأنت سببٌ مباشر في هزيمة المسلمين. أقدم وبادر، فوالله لن يُضيِّعك الله ما دمتَ تبحث عن الطريق، انفضْ عنك غبار الماضي بما فيه من معاصٍ وبُعْد عن الله، وأدِرْ بُوصلة حياتك في الاتجاه الصحيح، ابحث عمَّن يدلُّك على الطريق، والتزم الصحبة الصالحة التي تُعينك على التغيير، واعلم أن كتاب الله خير رفيق، وأن سنة نبيِّه خيرُ أنيس، وأبشِرْ بكل خير ما دمت بدأت طريق التغيير.
عكا ما بين 585 - 587 هـ
د. محمد منير الجنباز
21-11-2018
7,075
https://www.alukah.net//culture/0/130800/%d8%b9%d9%83%d8%a7-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-585-587-%d9%87%d9%80/
عكا ما بين 585 - 587 هـ بعد هزيمة الصليبيين في حِطِّين، ووقوع معظم قادتهم في الأسر، ومقتل كبارهم في الحرب، سهُل على صلاح الدين فتح المدن، وكان مِن بينها عكا التي هاجمها بعد طبرية، وسلَّمها أهلها دون قتال، ثم رحلوا عنها وتملَّكها المسلمون، وذلك سنة 583هـ، مستهل جُمادى الأولى. أما الإفرنج، فلم يبقَ بأيديهم سوى صُور التي تجمَّع فيها كلُّ الإفرنج الذين نزحوا من المدن التي استردَّها المسلمون، ومن الذين هربوا من موقعة حِطِّين، وكانوا جمهرة الإفرنج، وقد أخذهم الحنقُ والغضب من المسلمين، والمدينة الثانية هي أنطاكية، وقد وقعت مع صلاح الدين لما حاربها هدنة ثمانية شهور. وعلِمت أوروبا بما حلَّ بالصليبيين بالشام على يد صلاح الدين، فأرسلت حملة كبيرة، ومددًا عظيمًا عن طريق البحر، من روما وصقلية وفرنسا وبريطانية، وتوالت الحملات، وكان مقصدها صُور التي ضاقت بأهلها، وقد عدَّ بعض القادة تجمُّع الصليبيين في صور من أخطاء صلاح الدين؛ حيث جعلها لهم نقطة تجمع، فاستشرت وقويت - أقول: لكنه الوفاء بالعهد، والله المستعان - فهاجم الصليبيون في صور صيدا، لكنها صمدت وردت المهاجمين، فقصدوا عكا؛ لأنها مفتاح القدس، فكان لهم جيش بري وآخر يحاذيهم في البحر، إلى أن وصلوا عكا فأحدقوا بها برًّا وبحرًا، وقاتلهم صلاح الدين، لكنه لم يستطع زحزحتهم عن عكا، كما لم يستطع المسلمون الوصول إلى عكا، فقد عزلها الإفرنج بإحكام، وعبَّأ صلاح الدين كل قُواه في البر والبحر، وتقدم ابن أخت صلاح الدين تقي الدين عمر، وحمل من جهته حملة شديدة على مَن يليه من الإفرنج، فأزاحهم والتجؤوا إلى إخوانهم من الإفرنج، وأخلَوا مكانَهم، فأخذه المسلمون وشقُّوا طريقًا إلى عكا، فدخلوا وأمدوا المسلمين بالمؤن والسلاح والقادة، ثم حاول المسلمون إجلاء الفرنج عما بقي بأيديهم حول عكا، فلم يَقدِروا، وطالت المناوشات والحروب، وتفرَّق عسكر صلاح الدين، فقد طال ابتعادهم عن أهلهم وأكثرهم من الجزيرة، والفرات، وأطراف الشام، كما خاف صلاح الدين من سقوط مدن الساحل الأخرى فأرسل لها جندًا يحرسها، وعلِم الإفرنج بذلك فاجتمعوا على المباغتة وخرجوا كالجراد المنتَشِر، وباغتوا القائد تقي الدين عمر فتراجع أمامهم، فأمدَّه صلاح الدين بفرقة من القلب، فعطَف الإفرنج على القلب لنقص جنده فاخترقوه، وصعِدوا التل قاصدين خيمة صلاح الدين، ثم أبعدوا عن الجيش وانقطع سيلهم، وهنا عطفت عليهم الميسرة وتلقتهم في طريق العودة، كما نادى صلاح الدين أصحابه في القلب فاجتمعوا إليه وحصروا الإفرنج العائدين بينه وبين المسيرة، فأخذتهم السيوف، وقتل منهم طائفة فاقت العشرة آلاف كما أُسِر آخرون، وكانوا من خيرة فرسان الإفرنج، وأعدَّ صلاح الدين جيشَه للهجوم مستغلًّا ما خسِره الإفرنج، وإذا بالصياح من داخل مخيم صلاح الدين، فقد ظن بعض الجنود أن الهزيمة كانت على صلاح الدين، فقاموا بالنهب والسلب والهروب، مما أوقع الاضطراب في صفوف الجند، فأجَّل صلاح الدين هذه الخطوة ليُصلِح العسكر ويعيد الأمور إلى نصابها، مما أعطى الصليبيين فرصة لإصلاح شأنهم أيضًا. وأصبحت الأرض والمقام فيها لا يطاق من رائحة القتلى والنتن [1] ، ورحل المسلمون خشية انتشار الأمراض في الجيش التي بدأت تظهر بوادرها، إلا أن الإفرنج لم يرحلوا وتمسَّكوا بما معهم، بل انبسطوا في الأرض بعد رحيل جيش المسلمين، وشدَّدوا في حصار عكا، ثم حفَروا خندقًا بينهم وبين صلاح الدين؛ كيلا يستطيع الوصولَ إليهم وفك الحصار، ومرِض صلاح الدين فلم يستطيع منعهم من حفر الخندق، وهكذا لاح في الأفق بوادر تفوق الصليبيين، وضاقت الأرزاق في عكا، وفي ذروة الأزمة أسر المسلمون مركبًا للإفرنج في البحر وكان محملًا بالأقوات، فتنكَّروا في زي بحارة من الإفرنج وأدخلوه إلى عكا، وقد مرَّ من بين سفن الصليبيين ولم يشكُّوا أنه لهم، وفي سنة 586هـ شرع صلاح الدين في عمل عسكري لفك الحصار عن عكا، فحاصر الإفرنج الذين حول عكا وقاتلهم، فكانوا يقاتلون من الخنادق ولا يخرجون إلا بغتة للإغارة، وهم بين نارين، يصدون هجمات صلاح الدين من جهة، وهجمات أهل عكا من جهة أخرى، ومع ذلك صمدوا وتشبثوا بمواقعهم، ثم صنع الإفرنج أبراجًا عالية بارتفاع أسوار عكا وجعلوا لها عجلًا كثيرًا وكسوها بجلود أشبعت بمواد كيميائية لا تؤثر فيها النيران، ودفعوا الأول منها باتجاه الأسوار ليحتموا به من سهام المسلمين ونيرانهم، وبعد قتال من الجانبين واقتراب البرج من السور، وقبل هبوط الإفرنج على السور تمكن صناع النار اليونانية من صنع نار أحرقت البرج بمن فيه، ثم أحرقت البقية من الأبراج، وفشِلت هذه الخطة الإفرنجية، ثم تمكن المسلمون من إدخال مدد إلى عكا عن طريق البحر، بواسطة حملة بحرية انطلقت من مصر وهزمت أسطول الإفرنج، ثم جاءت الحملة الصليبية الثالثة التي تجمَّعت بعد أن علم الصليبيون بسقوط القدس وغيرها من المدن، فأما الحملة البرية، فكانت بقيادة ملك الألمان، وكان طريقها من القسطنطينية إلى آسيا الصغرى ثم بلاد الشام، ولما وصلوا إلى آسيا الصغرى تصدَّى لهم قليج أرسلان قائد السلاجقة، فأوقع بهم إصابات وخسائر على طول الطريق، ونقص عددهم، ثم وصلوا إلى أنطاكية، وأراد ملكهم أن يَستحِمَّ في نهر هناك فغرِق ومات. ثم انتشرت الأمراض بين جنوده، فهلك منهم أربعون ألفًا، وعاد ألف إلى ديارهم بحرًا فهبَّت على سفنهم عاصفة فأغرقتهم، وكفى الله المؤمنين القتالَ، كما اشتبك الإفرنج مع العساكر المصرية [2] المحاصرة لهم من الجنوب، وصبر الفريقان ثم ظفر عسكر مصر وصدوا الإفرنج بعد أن كبَّدوهم عشرة آلاف قتيل، وخمدت جمرة الإفرنج، ثم أتى للإفرنج مددٌ من البحر من قِبل فرنسا بقيادة ابن أخي ملك فرنسا، ومعه الأموال والمدد والرجال والسلاح فقويت نفوس الإفرنج، ونصب هنري المجانيق حول عكا والنفاطات، وقبل اكتمالها هجَم عليه أهل عكا فدمَّروها وأخذوا ما يُمكِن أخذه؛ إذ كانوا يمنعون أي عملٍ يُهدِّد أسوارَهم، ثم عمل الإفرنج تلًّا من تراب بعيدًا عن البلد، ثم نقلوا هذا التل بالتدريج وهم يستترون به إلى أن اقتربوا من البلد وصار بإمكان المنجنيقات أن تعمل وراءه لقصف البلد، وكان المدد من الطعام والسلاح يَصِل إلى عكا من جهة البحر، وألهب بابا روما حماس نصارى أوروبا فتوالى أيضًا المددُ إلى الصليبيين، ثم إن القائد هنري حشد الصليبيين وأراد قتالَ صلاح الدين، وأبقى قِسْمًا من جيشه أمام عكا لمناجزتها، فانسحب صلاح الدين قدر ثلاثة فراسخ، وجمع أمراءه ورتَّبهم لهذه الجولة، وخرج الصليبيون من خنادقهم كالجراد المنتشر في عدد الرمل والحصى، ولما أشرفوا على جيش المسلمين وجدوه مستعدًّا للقائهم، وقد صُفُّوا صفًّا لم يشهد مثله من قبل، فارتاعوا لذلك، ولقيهم أهل السهام فأمطروهم بالسهام، فلما رأوا ذلك تراجعوا وتَحوَّلوا إلى جهة أخرى والسهام تُلاحِقهم، ثم اقتربوا منهم والتحموا معهم، ونَدِم الإفرنجُ على خروجهم من الخنادق؛ لأنهم لم يتوقَّعوا هذا الجيش، فلَزِموا أماكنهم وباتوا ليلهم، ثم عادوا إلى خنادقهم والرُّماة خلفهم، وكانوا لا يتركون قتلاهم، بل يحملونهم معهم لكيلا يعلم المسلمون ما أصابهم، وكان صلاح الدين مريضًا يَنتابه مغصٌ شديد، فلم يتمكَّن من إعطاء الأوامر للجيش بالهجوم؛ لذلك لم يصطدم بالعدو سوى الرماة، وخرج بعد مدة أربعمائة فارس من الإفرنج واصطدموا بسرية للمسلمين، فتصنَّع المسلمون الهربَ حتى أبعدوهم عن عسكرهم، فخرج لهم كمين فأبادهم أجمعين. ولتطاول الزمن على عكا وحصارها طلب الأجناد من صلاح الدين تسريحهم إلى أهليهم واستبدال آخرين بهم، وفَعَل مِثلَ ذلك بجند عكا وقادتها، ويعد هذا من التفريط، ولكن لا حيلة له بمنعهم، فاستبدلوا في فترة الشتاء؛ حيث رفع الصليبيون الحصار البحري خوفًا على سفنهم من العواصف، وفي سنة 587هـ، وبعد أن ولى الشتاء عاوَد الإفرنج الحصار وضيَّقوا على البلد، فلم يَعُد يَنفَذ إليها أحد إلا سابح يأتي بكتاب أو خبر، وأدَّى تهاون صلاح الدين إلى عدم حسم الموقف وهو يَظُن أن الوقت لصالحه، فإذا الأمر غير ذلك، فقد وصلت إمداداتٌ هائلة، وتبنَّى الحملات ملوك أوروبا، فقد جاء فيليب ملك فرنسا على رأس حملة كبيرة، وأرسل صلاح الدين إلى أمير بيروت لينجد أهل عكا بحرًا ففعل وسير السفن، وفي البحر التقت مع خمس مراكب لملك الإنجليز، وكانت طليعة له فأسرها المسلمون، ومع ذلك فالإفرنج لم يَكُفوا عن عكا، وصلاح الدين من ورائهم يُقاتِلهم، والخندق بينه وبينهم ليُخفِّف عن أهل عكا شدة الحصار، ثم وصل ملك الإنجليز بعد أن استولى على قبرص وجعلها محطة لجنده، وكانت تابعة للروم، ووصل إلى عكا في خمس وعشرين سفينة كبيرة مملوءة رجالًا وعتادًا، فعَظُم شر الإفرنج، وازداد حصار عكا وصعُب الأمر على سكانها، ثم أرسلت إلى عكا سفينة عظيمة فيها أقوات وجنود، فحاصرتها سفن الإنجليز، ورأى قائدها ألا يستسلم ويَغنمها الأعداء، فأحدث فيها خرقًا وأغرقها، ونوع الصليبيون في مهاجمة عكا؛ تارة يزحفون بالدبابات فيحطمها أهل عكا، وتارة يزحفون بالأكباش لدك السور والأبواب، فيستولي عليها المسلمون، ثم تقدموا نحو البلد بتل ترابي يحركونه رويدًا رويدًا حتى اقتربوا من الأسوار، ثم تسلم الإفرنج عكا حيث استسلم قائدها علي بن أحمد المعروف بالمشطوب، وكان أن تخلى عنها عدد من الأمراء وهربوا ليلًا فدب الوهن في بقية المدافعين، ثم قام صلاح الدين بعدة حملات لم تفلح في فك الحصار، ورفع أهل عكا أعلامًا فهم المسلمون منها أنهم في ضائقة فزادوا من حربهم للإفرنج وكادوا يدخلون عليهم خنادقهم، لكن الإفرنج عادوا وحفظوا الخنادق، ثم اتصل المشطوب بالإفرنج وعرض عليهم تسليم البلد وبذل لهم أموالًا وأُسارَى، وقدَّم لهم الصليب وحلفوا على ما تم الاتفاق عليه، وملكوا البلد ثم غدروا وتحفَّظوا على المسلمين، ثم قتلوا أغلبَهم، واستبقوا عندهم رؤوسَ القوم ليُفادوا بهم، وسقطت عكا في جمادى الآخرة 587هـ. وهكذا كانت معارك عكا ملحمة بحد ذاتها دامت أكثر من سنتين، وكثرت حولها المعارك، وتُعَد من أكبر المعارك وأطولها في الحروب الصليبية، فقد شَهِدت معارك بريَّة وبحرية، وحرب خنادق، وغارات ليليَّة برية وبحرية، وبطولات فدائية. [1] تصديقًا لهذا؛ فقد كنت يومًا في البر، فإذا برائحة منتنة قاتلة، قد ملأت حيزًا واسعًا، فأبصرت فإذا جيفة حمار قد أثرت هذا التأثير، فما بالك بآلاف القتلى من البشر والدواب؟! كما أن لها أثرًا لا ينكر في نقل الأوبئة والطاعون. [2] بقيادة أخي صلاح الدين الملك العادل.
أهمية التكامل
د. محمد علي السبأ
18-11-2018
8,298
https://www.alukah.net//culture/0/130725/%d8%a3%d9%87%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%84/
أهمية التكامل جعل الله تعالى الخيرَ والبركة والسَّعة والتوفيق والقَبول في الاجتماع والجماعة، وقدَّر أضدادَها في الانفراد والتفرُّد، قدَّر ذلك كأسبابٍ تؤدِّي إلى مسببات، وسننٍ تؤول إلى آثار ونتائجَ، لهذا نجد الكثير من العبادات والتشريعات جماعية، والواقع يشهَد بالاستقراء والتجربة أنَّه ما قام من عملٍ ذي صبغةٍ تعاونية وجماعية، إلا كُتِب له النجاح والتميز، أدركتْ ذلك الأممُ الأخرى، فاستحقُّوا الرِّيادة، وتسلَّموا زِمام القيادة، وغفلنا عنه أو تغافَلنا فما زِلنا نراوح مكاننا، وإذا نجَحنا أو نجح بعضُنا، أو نجحت بعض برامجنا، فنجاح محدودٌ، يحدُّه الزمن، أو يدركه الوسَن، ثم تَعقبه وربما تُصاحبه الغفلة المعهودةُ، والفُرقة غير المحسودة. لماذا يقوم الفرد منا أو الكِيان بالاستفراد بكل شيءٍ، ثم لا يحوي شيئًا؟! لماذا يريد الاستحواذ على كل شاردة وواردة، ثم لا نجده أدرك الشاردَ، ولا أحسن إدارةَ الوارد! ألا نُريح ببذل الجهد مِن أوَّل وهلةٍ، ونستريح، فنسلِّم الأمر إلى أهله، وبذلك نتبادل الخبرات والتجارب، يكمِّل بعضنا بعضًا، ونصل معًا إلى الهدف الواحد بنفس العزيمة التي بها بدَأنا، وبنفس القوة التي بها انطَلقنا، وتَطيب أنفسنا بذلك جميعًا، باذلين ومستمدِّين! أما والله لو طابَت النفوس، وصدَقت النيَّاتُ، وابتُغِي بالعمل وجهُ الله، لفعلنا ذلك وأكثرَ، ولَمَا رأينا التعثُّر أكثرَ حظِّنا، فما جُعِل التأخُّرُ قدَرًا إلا على مَن لَم يَسْعَ، فهلَّا وعَينا وسَعينا!
العبث بالأحكام
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
14-11-2018
6,417
https://www.alukah.net//culture/0/130645/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85/
العَبَث بالأحكام هذا الدين دين السَّماحة، ولا أحدَ يشكِّك في ذلك، ولو لم يكن دينًا سمْحًا لما كان هذا الإقبال عليه على مرِّ القرون، دون الأديان والملَل والنِّحل الأخرى، التي تنفق المليارات (بلغَت لدى المنصِّرين ما يزيد سنويًّا عن 32.000.000.000 دولار )، في سبيل تثبيت الناس على هذه الأديان والمِلَل والنِّحَل، مما دعا هذه التوجُّهات إلى أنْ تسعى إلى الحيلولة دون دخول أتباعها في الإسلام، وهذا أمرٌ يطول الحديث عنه، وهو مبسوط في عدد هائل من الكتب التي تعالج القضية بتفصيل دقيق يحسن متابعته [1] ، وهي جهود تتلخَّص في ثلاث نقاط: 1 - السعي إلى إدخال المزيد من الأشخاص في هذه النِّحل والملل والأديان، سوى اليهودية التي لا تَتبع أسلوبَ التهويد. 2 - السعي إلى حماية أتباعها من الدخول في الإسلام، أو الخروج من دينها وملَّتِها أو نِحلتها. 3 - السعي إلى منع الآخرين ممن لا ينتمون - بالضرورة - إلى هذه الملل والنِّحل من الدخول في الإسلام. هذا دليل قوي على سماحة هذا الدين، وقدرته - بقدرة الله تعالى - على تحقيق التطلُّعات الروحية والمادية للإنسان؛ مما يحقِّق له الأمان النفسي والاستقرار الاجتماعي. لا بُدَّ من التوكيد - دائمًا - على سماحة هذا الدين، وكان هذا الطرح هو الغالب على هذه الوقفات، فتأتي هذه الوقفة لتؤكِّد على ذلك، ثم إنَّها تؤكِّد - كذلك - على التفهُّم الكامل لمفهوم السماحة التي تقوم على الاعتدال والوسطية، ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 143]. علماءُ الأمَّة يدرِكون مدى الاعتدال والوسطية، ومن ثمَّ فهم يدرِكون معنى التشديد والتسيُّب؛ فلا التشديد مَطلوب، ولا التسيُّب - باسم السماحة والاعتدال والوسطية - مطلوب، فهناك حدود لهذه المفهومات، تُفهم بالتعلُّم لا بالحَدْس أو تحكيم العقل الفردي المحدود دائمًا، وعليه؛ فإن التبشير بسماحة الإسلام واعتداله ووسطيَّته مطلب مُلِحٌّ، ولكن من أولئك الذين أعطاهم الله تعالى الفقهَ في ذلك، بعد العلم فيه. لعلَّه لا يُفهم من هذا الحجرُ على الأمَّة، ولكن الأولى أنْ يفهم أنَّ هناك أصحابًا لنا قد أساؤوا إلى الإسلام، باسم السماحة والاعتدال والوسطيَّة، فمالوا - بحسن نيَّة غالبًا، وبسوء طوية نادرًا - إلى تخطِّي بعض الأحكام، لا سيَّما أحكام المنع، وسعوا إلى الالتفاف حولها، ويَصدق هذا في العبادات وفي المعاملات، بما فيها البيوع. إذا كان الغلوُّ والإفراط في التشديد يولِّد غلوًّا وإفراطًا في التسيُّب، فإنه في الوقت نفسه يتأكَّد أن الغلوَّ والإفراط في التسيُّب قد يولِّد غلوًّا وإفراطًا في التشديد، ولكل فعل ردُّ فعل. إذا كان المرء، أو جماعة من الناس، ترغب في ارتكاب معصية، فإنَّ ذلك وارد على مرِّ القرون، ولكنها معصية لا تسوِّغ تحويلها إلى غير معصية؛ بحيث يكون هذا الفعل مباحًا بحجَّة سماحة الإسلام واعتداله ووسطيَّته؛ إذ إنَّ هناك أمورًا مقرَّرة محسومة، واضحًا فيها الحكم. الذي يحصل - أحيانًا - أنَّ هذا المرء، أو هذه الجماعة، يقرُّون بالمبدأ من أنَّه معصية، ولكنهم يخرجون الفعل الذي يرغبون في ارتكابه من هذا المفهوم، وهذا مع أنَّه معصية، إلَّا أنَّه أهون من أولئك الذين لا يرون أنَّ هذا الفعل بذاته معصية، من خلال المفهوم نفسه، مما قد يدخل في إباحة ما حرَّم الله، والمهم في هذا كله النزوعُ إلى سماحة الإسلام واعتداله ووسطيَّتِه، والتوكيد على ذلك؛ بالمفهوم الشرعي لذلك، لا بالمفهوم الذاتي. [1] انظر: إحصائية التنصير للعام 2003: (320 بليون دولار تبرُّعات للأغراض الكنسية) - الكوثر ، مج 3 ع 42 صفر 1424هـ/ 2002م - ص 34 - نقلًا عن نشرة أبحاث التنصير الدولية International Bulletin of Missionary Research.
أدوار الكيمياء في حياتنا
مشل فريحان حليان الشمري
13-11-2018
17,464
https://www.alukah.net//culture/0/130616/%d8%a3%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%86%d8%a7/
أدوار الكيمياء في حياتنا تعدَّدت العلوم والمعارف، وتنوَّعت مصادرها تنوعًا كبيرًا، واتسعت مجالاتها، فأصبحت شريان الحياة، وبدَت معالمها واضحة في حياتنا اليومية، نلمَسها في أدق تفاصيل حياتنا، ونُلاحظ آثارها في كل ما يحيط بنا، ونُدرك من خلالها عظمة الخالق الذي علم الإنسان ما لم يعلَم، ونستشعر في الوقت ذاته ضآلة هذه المعارف قياسًا بعلم الله تعالى؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. والكيمياء شأنها شأن غيرها من العلوم، فهي علم مُتشعِّب المجالات مُتعدِّد الأغوار، لا يقف عند حدود معينة تحدُّه بظلالها، ولا يقتصر على حيِّز مُحدَّد، والكيمياء في أصلها الاصطلاحي ( Chemistry ): علم يعتني بالتفاصيل المختلفة للمادة الكيميائية والعنصر؛ ومن ثم يتطرَّق إلى كل ما يتعلق بهما، سواء أكان ذلك متعلقًا بالخواصِّ والسلوك والتفاعُلات، أو التغيُّرات المختلفة التي تنتابه بين الحين والآخر وفقًا للظروف المحيطة به وما يتعلق ببنيته وتراكيبه. فالكيمياء تهتم بالدراسة التفصيلية للعنصر والمادة الكيميائية، والتطرُّق إلى خواصِّها وسلوكها، والتفاعلات التي تطرأ عليها، وبنيتها، وتركيبها، وكل ما يتعلق بالمادة من تغيُّرات، وتتناول تفاعلاتها وما ينبعث بها من طاقة. وتتشعَّب الكيمياء إلى شعب مختلفة وأنواع شتى: ما بين الكيمياء العضوية وغير العضوية، والكيمياء التحليلية، والحيوية، والفيزيائية، والحركية، والحرارية، والإحصائية، والكميَّة؛ لتعكس من خلال هذا التنوع تنوع جوانب الحياة التي تتناولها، فهي ترتبط بجوانب الحياة ارتباطًا وثيقًا، ومن خلالها يستفيد الإنسان في كافة جوانب حياته، فعلى المستوى الطبي ترتبط الكيمياء ارتباطًا وثيقًا بالتقدُّم الطبي، والتطوُّر الدوائي، فعلم الكيمياء يُشارك بفعالية في إنتاج الدواء وتطويره؛ فهو يدرس ويكتشف المركبات الكيميائية المختلفة التي من خلالها تتركب الأدوية، ومِن ثَمَّ يقوم علم الكيمياء بإجراء الفحوصات والتحليلات المختلفة لدراسة هذه المواد، والمشاركة في إنتاج الدواء بجودة عالية، لتوفير حياة آمنة وعلاج ذي جودة عالية للبشرية. لم يقتصر دور الكيمياء في حياتنا على الجانب الطبي؛ وإنما يتخطَّى ذلك لنجده شريكًا أساسيًّا في الحياة الصناعية، ولمَ لا والكيمياء تدخل في غالبية الصناعات التي تعتمد عليها حياتنا؟! فإذا أردنا بناء دُورِنا نجد الكيمياء شريكًا أساسيًّا في صناعة الأسمنت التي هي في مجملها عبارة عن تفاعُلات كيميائية؛ فهي خليط من الطفل ( Clay ) والحجر الجير ( Limestone ) الذي يسخن في درجة حرارة كافية لإحداث التفاعُل بينهما لإنتاج سليكات الكالسيوم( Calcium Silicate ). وإذا نظرت حولك، فستجد الكيمياء تساعد في صناعة البلاستيك والزجاج، وتجد مواد التنظيف من الصابون، وسائر السوائل الأخرى والعطور، وغير ذلك من الصناعات مهما كان صغيرًا أو كبيرًا، فهو نتاج تفاعُلات كيميائية. ولم تقتصر أدوار الكيمياء في حياتنا على هذه المجالات؛ وإنما نجدها تدخل في المجال الحربي، فتشارك في حماية الأرواح، وتُسهِم بفعالية واضحة في تطوير الأسلحة الحربية لحماية الأرض والعرض. فأدوار الكيمياء في حياتنا لا نستطيع إحصاءها لتداخُلها في كثير من تفاصيل حياتنا، وإسهامها في إمْدادِنا بكثير من احتياجاتنا الضرورية للحياة، فهي علم واسع الأغوار، لا يدرك أحدٌ مداه، وستظل إسهاماتها نبراسًا يُضيء الحياة حولنا، ويظل علامة واضحة على عظمة هذا العلم الذي وفَّر للبشرية احتياجاتهم، وما زالت أبحاثه ودراساته وابتكاراته تغزو مجالات حياتنا، وتُسهِم في رُقيِّنا وتطوُّرنا.
حوار النبي مع غير المسلمين: الآداب والأهداف
يوسف الشاطر
17-09-2018
22,706
https://www.alukah.net//culture/0/129414/%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d9%85%d8%b9-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%af%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81/
حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين الآداب والأهداف مقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعاملين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: يعتبر القرآن الكريم من أبرز الكتب وأكثرها تأكيدًا على الحوار والتواصُل والتعارُف ودعوة إليه؛ فهو يحفل بعشرات المواقف الحوارية التي شغلت مئات الآيات من كتاب الله تعالى، ولم تقتصر دعوة القرآن إلى ذلك على المسلمين فقط؛ بل شملت جميع الناس أيًّا كانت عقيدتهم، أو لسانهم، أو ثقافتهم؛ يقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أول المطبقين لهذه الدعوة القرآنية، والمجسِّدين لها على أرض الواقع؛ حيث ثبتت عنه صلى الله عليه وسلم مجموعة من الحوارات والنقاشات مع غير المسلمين، كما ثبت ذلك عن الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين، ومع اتِّساع رقعة البلاد الإسلامية وتزايُد عدد المسلمين، اتَّسع الحوار والتواصُل بين المسلمين وغيرهم، وتزايَد حجمُه، وتسارعت وتيرتُه وتنوعت أشكالُه. أما في وقتنا هذا فقد أصبح التواصل والحوار بين المسلمين وغيرهم من المسلَّمات، ومن ضروريَّات العيش المثمر والفعَّال؛ ذلك أن عالم اليوم يعرف ثورة معلوماتية حوَّلته إلى قرية صغيرة، ووضعت سكَّانه وجهًا لوجه، كما فرضت الظروف الاقتصادية والثقافية التي يعرفها على الناس التواصُل والتعارُف فيما بينهم على اختلاف ألسنتهم وأجناسهم وثقافاتهم وأديانهم، فلم يحِدْ عن هذا التواصل والانفتاح إلا بعض القبائل في أدغال إفريقيا والأمازون؛ بل إن هذا التواصل بعدما كان قاصرًا على فئات معينة في المجتمع - مثل الدبلوماسيِّين ورجال الأعمال، والإعلاميين والرياضيين - صار اليوم مُتاحًا للجميع بفضل مواقع التواصُل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، وتزايد حركة السياحة والتجارة العالمية، والهجرة وغيرها، كما صار سهلًا مُيسَّرًا بعدما كان صعبًا عسيرًا. إلا أن الملاحظ هو أن ما يُميِّز حوار المسلمين في عصرنا هذا مع غيرهم أمران أساسيان، إذا حضر أحدهما غاب الآخر، الأمر الأول هو أن هذا التواصل والحوار غالبًا ما يكون بعيدًا عن الآداب والضوابط العامة للحوار؛ إذ نرى فيه تحاملًا على الآخر، وانتقاصًا من قدره، وقد يصل الأمر إلى السبِّ والشتم والتهديد. فإذا حدث وسار الحوار بشكل سليم، وَفْق آدابه وضوابطه، وجدته حوارًا دنيويًّا محضًا، لا أثر فيه للدعوة إلى الله وإلى دين الإسلام، وهذا هو الأمر الثاني الذي يُميِّز حوار المسلمين مع غيرهم. وهذا كله خلاف ما كان يقوم به النبي صلى الله عليه وسلم في حواره مع غير المسلمين، فالناظر إلى ذلك الحوار النبوي سيخرج بنتيجتين رئيسيتين؛ هما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلتزم الأدب والأخلاق السامية في حواره مع غيره من جهة، ولا يُفوِّت فرصة الدعوة إلى الله تعالى من جهة أخرى، وذلك امتثالًا لقوله تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125]. وسنحاول في هذا البحث سرد أمثلة من حوارات النبي صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، لبيان ما يقع لكثير من مسلمي اليوم من خطأ في حواراتهم مع الآخر المخالف في العقيدة. نعرض الحوار أولًا، ثم نستخرج منه الآداب التي تحلَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وملامح دعوته إلى الله تعالى. ونظرًا لكثرة حواراته صلى الله عليه وسلم مع غير المسلمين، سنورد ثلاثة أمثلة متنوعة جمعته بمختلف الأجناس والأعراق والأديان التي كانت موجودة في زمانه، وهم: النصارى، واليهود والمشركين. أولًا: حواره صلى الله عليه وسلم مع عدي بن حاتم الطائي النصراني: أ: نص الحوار: "... وذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، ثم قال: ((إيه يا عدي بن حاتم الطائي، أسلِم تَسْلَم))، فقال عدي: إني على دين، قال: ((أنا أعلم بدينك منك، ألم تكن ركوسيًّا؟ [1] ))، قال عدي: بلى، قال: ((أولم تكن تسير في قومك بالمرباع؟ [2] ))، قال عدي: بلى، قال: ((فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك))، قال عدي: أجل والله... فقال صلى الله عليه وسلم: ((أما إني أعلم ما الذي يمنعك من الإسلام، تقول: إنما اتَّبَعَه ضعفةُ الناس، ومن لا قوَّةَ له، وقد رمتهم العرب، أتعرف الحيرة؟))؟، قال عدي: لم أرها وقد سمعتُ بها، قال: ((فو الذي نفسي بيده، ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة، حتى تطوف بالبيت من غير جوار أحد، وليفتحنَّ كنوز كسرى بن هرمز))، قال عدي: كسرى بن هرمز؟ قال: ((نعم كسرى بن هرمز، وليبذلنَّ المال حتى لا يقبله أحدٌ))" [3] . ب: آداب الحوار: من جملة الآداب التي تحلَّى بها النبي صلى الله عليه وسلم في حواره مع عدي نجد: • إعطاء قيمة للمخاطب، وتجلَّى ذلك في مناداة النبي صلى الله عليه وسلم لعدي باسمه واسم أبيه، ومعلوم ما في ذلك من تكريم وتشريف من جهة، واستثارة للمشاعر واستمالة من جهة أخرى. • المعرفة الدقيقة بدين الآخر، وتجلَّى ذلك واضحًا في قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أعلم منك بدينك))، وكذلك في قوله: ((فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك))، وهذه نقطة مهمة جدًّا يهملها كثيرٌ من الناس ومن الدُّعاة عند حوارهم مع غير المسلمين، ذلك أن معرفتهم بدينهم تكون سطحية مما يجعل تأثيرهم أقل وأضعفَ. • مراعاة مقام المخاطب؛ فعدي بن حاتم الطائي كان زعيم قبيلة طيِّئ، وابن واحد من أشهر العرب وأكثرها كرمًا وجودًا؛ ولذلك خاطبه النبي صلى الله عليه وسلم بلغة تُلائم مستواه وتفكيره، فذكر له أن الإسلام سيصبح قويًّا، وذكر له كنوز كسرى بن هرمز وكثرة المال. • عدم فرض الرأي بالقوة، فرغم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُخاطب عدي من موقع قوة ونفوذ، فإنه لم يلجأ معه إلى أي وسيلة من وسائل الإكراه المادي، أو العنف، أو التهديد. ج: أهداف الحوار: بدت الدعوة إلى الله تعالى واضحةً وضوحَ الشمس في هذا الحوار ((أسلم تسلَم))، والعجيب في هذه الدعوة أمران: الأمر الأول هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بدأ بها الحوار مباشرة دون مقدمات، أو تمهيد، وهو ما قد يعتبر لدى البعض عملًا ارتجاليًّا بعيدًا عن التخطيط، ولكن تتمَّة الحوار بيَّنت أنه كان عملًا حكيمًا أعطى ثماره في نهاية الحوار. والأمر الثاني هو إيجازها واختصارها الشديد؛ ذلك أنها اقتصرت على كلمتين اثنتين ((أسلم تسلَم))، وفي ذلك إشارة نبوية إلى ضرورة الابتعاد عن الإطناب في الدعوة إلى الله تعالى، وأنها يجب أن تكون خفيفة الحمل، لينة الألفاظ، مبشرة لا مُنفِّرة. حواره صلى الله عليه وسلم مع عتبة بن ربيعة: أ: نص الحوار: يقول عتبة بن ربيعة وهو يُساوم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ترك الإسلام: "يا بن أخي، إنك منَّا حيث قد علمت من السِّطة في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك أتيتَ قومَك بأمر عظيم، فرَّقت به جماعتهم، وسفَّهت به أحلامهم، وعِبْتَ به آلهتهم ودينهم، وكفَّرت به مَن مضى مِن آبائهم، فاسمَع مني، أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قُلْ يا أبا الوليد، أَسْمَع))، قال: "يا بن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا؛ حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سوَّدناك علينا؛ حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإنْ كنت تريد به مُلكًا ملَّكناك علينا، وإنْ كان هذا الذي يأتيك رِئيًا تراه لا تستطيع ردَّه عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نُبْرِئك منه؛ فإنَّه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه". حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله يستمع منه قال: ((أَقَدْ فَرَغْتَ يا أبا الوليد؟))، قال: نعم، قال: ((فَاسْمَعْ مِنِّي))، قال: أفعَل، فقرأ: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم* حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾ [فصلت: 1- 5]. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة، أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة منها، فسجد ثم قال: ((قَدْ سَمِعْتَ يا أبا الوليد ما سَمِعْتَ فأنت وذاك))، فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: "نحلف بالله، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به"، فلما جلس إليهم قالوا: "ما وراءك يا أبا الوليد؟"، قال: "ورائي أني قد سمعت قولًا، والله ما سمعت مثله قطُّ، والله ما هو بالشِّعْر ولا بالسِّحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني، واجعلوها بي، وخَلُّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليَكُونَنَّ لقوله الذي سمِعتُ منه نَبَأٌ عظيم، فإن تُصِبْهُ العرب فقد كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ، وإن يظهر على العرب، فمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعدَ الناس به"، قالوا: "سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه"، قال: "هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم" [4] . ب: آداب الحوار: يجسد هذا الحوار بامتياز الأخلاق الرفيعة والسامية للرسول صلى الله عليه وسلم، والتطبيق العملي لقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، ومن آداب هذا الحوار نجد: • الحفاظ على هدوء الأعصاب وعدم مقابلة الإساءة بالإساءة، فرغم أن عتبة بن ربيعة وجه للنبي صلى الله عليه وسلم مجموعة من التهم التي هو منها براء، فإنه لم ينفعل، ولم يرد عليه بمثلها، بل تقبَّلها بصدر رحب، وهذا بخلاف ما نراه اليوم في كثير من المناظرات العلمية بين المسلمين وغيرهم؛ حيث تتحول المناظرة إلى حلبة مصارعة كلامية، وتبادل للتهم والإساءات، وتنابز بالألقاب. • الاستماع وحسن الإنصات، وتجلَّى ذلك واضحًا في قوله صلى الله عليه وسلم لعتبة: ((قل يا أبا الوليد اسمع))، وهذا الاستماع يكون حتى لو كان كلام المحاور غير مقبول ولا مستساغ كما هو الحال مع عتبة، ثم إن هذا الاستماع للمخالف يكون مدعاةً لاستماعه هو كذلك، وهو ما حصل فعلًا من عتبة؛ حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاسمَع مني))، قال "أفعل"، وهذا بخلاف ما نراه اليوم من حوارات يغيب فيها الاستماع للآخر المخالف؛ حيث نرى المتحاورين يتكلمان في آن واحد دون أن يستمع أحدُهما للآخر، مما يفقد الحوار أهميتَه ومقاصدَه. • عدم الالتفات إلى ما ليس فيه أهمية، وتجلَّى ذلك في عدم اهتمام الرسول صلى الله عليه وسلم بعروض عتبة، فلم يعطها من الوقت والأهمية حتى كلمة "أنا أرفض عروضك هاته"، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة التركيز في الحوار على ما فيه أهمية، وما يحصل به التأثير. • الاحترام والتقدير؛ حيث نادى النبي صلى الله عليه وسلم عتبة بلقبه؛ بل بأحب الأسماء إليه "أبو الوليد"، ومعلوم ما في ذلك من ملاطفة وترقيق للقلب، وهو أمر يندر إن لم نقل: يستحيل وجوده اليوم في حوار المسلمين مع غيرهم. ج: أهداف الحوار: اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله مع عتبة أسلوبًا مختلفًا عمَّا اتَّبعه مع عدي، فإذا كانت دعوته لعدي بطريقة مباشرة واضحة مختصرة، فإنها مع عتبة كانت دعوة غير مباشرة اقتصرت على تلاوة آيات من القرآن الكريم كان لها وقع السحر على عتبة. ولعل اعتماد النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك راجع إلى مراعاة شخصية المخاطب، فعتبة كان شهيرًا بفصاحته، وكان من خطباء العرب وبُلغائهم؛ ولذلك خاطبه النبي بلغة القرآن التي أعجزت العرب أن يأتوا بمثلها، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اسمع لهذا الكلام يا عتبة ذا البلاغة والفصاحة، وقارنه بكلامكم؛ لتعلم أنه من عند الله تعالى، وليس من تأليف بشر عادي، ومن ثم فإنه يجب عليك أن تؤمنَ بهذا الإله. ومما يُستفاد من ذلك أنه يجب على المحاور المسلم أن يُراعي شخصية المحاور، فيُركِّز على ما يمكن أن يؤثر فيه ويجذبه لدين الله تعالى، ولعل ما يؤكد فعالية هاته الطريقة دخول أفواج غزيرة من الغربيين في الإسلام في العصر الحديث بفضل تركيز الدُّعاة والعلماء على ما يُسمَّى بالإعجاز العلمي في القرآن والسنة في دعوتهم لله تعالى؛ لأن الغربيين متشبِّعون بالعلم ويؤمنون به، فكانت دعوتهم إلى الله بهذا الأسلوب أبلغَ أثرًا وأكثرَ فعاليةً. ثالثًا: حواره صلى الله عليه وسلم مع حبر من أحبار اليهود: أ: نص الحوار: عن أبي أسماء الرحبي أن ثوبان مولى رسول الله حدَّثه قال: كنتُ قائمًا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول يا رسول الله، فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سمَّاه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اسمي محمد الذي سمَّاني به أهلي))، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أينفعك شيء إن حدثتك؟))، قال: أسمع بأذني، فنكت رسول الله بعود معه، فقال: ((سَلْ))، فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تُبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هم في الظلمة دون الجسر))، قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال: ((فقراء المهاجرين))، قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال: ((زيادة كبد النون))، قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال: ((ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها))، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: ((من عين فيها تُسمَّى سلسبيلًا))، قال: صدقت، قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان، قال: ((ينفعك إن حدَّثتك؟))، قال: أسمع بأذني، قال: جئت أسألك عن الولد، قال: ((ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكَرَا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنَثَا بإذن الله))، قال اليهودي: لقد صدقت، وإنك لنبي، ثم انصرف فذهب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه، وما لي علم بشيءٍ منه، حتى أتاني الله به)) [5] . ب: آداب الحوار: • هدوء الأعصاب وعدم الانصياع وراء الاستفزاز، فقد حاول الحبر اليهودي أن يستفزَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الحوار من خلال مناداته باسمه مجردًا، مما جعل ثوبان رضي الله عنه يدفعه دفعةً قويةً؛ ولكن الرسول لم يُبالِ بذلك؛ بل على العكس من ذلك أقرَّ اليهودي على قوله ووافَقه عليه، وفي ذلك إشارة إلى ضرورة التركيز على صلب الحوار وموضوعه الرئيسي، وعدم الالتفات إلى ما يمكن أن يجرَّ الحوار إلى أمور ثانوية لا فائدة منها. • فسح المجال لأسئلة اليهودي وعدم وضع خطوط حمراء أمامه؛ حيث ترك النبي صلى الله عليه وسلم اليهودي يسأل عما بدا له دون تحفُّظ أو حرجٍ، علمًا أن اليهود عُرِفوا بأسئلتهم المعجزة التي لا يستطيع الجواب عنها إلا نبيٌّ يُوحى إليه. • البحث عن مصلحة الآخر وابتغاء نفعه، وتجلَّى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهودي: ((أينفعك شيء إن حدثتك))، وهذه مسألة في غاية الأهمية، تكاد تغيب في حوار المسلمين اليوم مع غيرهم، ذلك أننا نرى أن الهدف في كثير من الحوارات والمناظرات يكون هو إفحام الطرف الآخر، والتفوُّق عليه لغويًّا ومنطقيًّا، وإغراقه بالحجج والأدلة، لا الأخذ بيده والبحث عن مصلحته، فإذا علم الطرف الآخر أن الذي يُحاوره يُريد به خيرًا، كان ذلك مدعاة إلى الاستجابة له ولدعوته. ج: أهداف الحوار: غالبًا ما يقتنع اليهود بما يتوافق مع ما هو موجود في توراتهم، وهذا أمر يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك نجده في حواراته معهم يركز على هذه النقطة في دعوته لهم لدين الله، فيُجيبهم بما يُوحي به الله تعالى له كما وقع في سبب نزول سورة الكهف، وكما وقع في حواره هذا، وهو أمر أتى أُكُله مع الحَبر اليهودي الذي شهد بنبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم. ومما يُستفاد من هذا الحوار في مجال الدعوة خاصة مع اليهود، أنه يجب على المحاور الداعي أن يكون على دراية تامَّة بدين اليهود وكتبهم التي تحتوي على كثير من الحقائق المتطابقة مع الإسلام، حتى يجعلها حجَّةً عليهم. خاتمة: هذه ثلاثة أمثلة فقط من حوارات النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخر المخالف في العقيدة، تجلَّى فيها حُسْن الخُلُق، ولين الطَّبْع، وضبط النفس . ثلاثة أمثلة قدَّمت لنا صورة النبي المحاور الذي يُعطي قيمة لل آخر ، ويحترم دينه ومعتقده، ويُراعي مقامَه وشخصيته، ويحترمه ويُقدِّره، ويحسُن الإنصات إليه، ويبتغي مصلحته ويرجو نفعه، ويفسح المجال أمامه لأي سؤال، ولا يفرض عليه الرأي بالقوَّة. ثلاثة أمثلة أكَّدت لنا بصورة قطعية أن الهدف الأسمى من حوار النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخر هو الدعوة لله تعالى. ثلاثة أمثلة عرضت لنا وصفةً شاملةً عما ينبغي التحلِّي به في الحوار مع المخالف. وإذا استقرأنا واستقصينا جميع حوارات النبي صلى الله عليه وسلم مع الآخر، لخرجنا بموسوعة شاملة عن آداب وضوابط الحوار لا تكاد تجد لها تطبيقًا عمليًّا في عصرنا هذا. ليتأكد لنا مجددًا كلما سبرنا أغوار سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، أنه شخصية عظيمة لن تجد لها نظيرًا أو مثيلًا على مرِّ العصور. [1] الركوسية: طائفة مسيحية كان أصلها بالشام، قريبة في معتقداتها من الصابئة. [2] المرباع: أخذ الربع من الغنيمة. [3] ابن هشام أبو عبدالملك، السيرة النبوية، ضبط وتحقيق محمد علي القطب، ومحمد الدالي بلطة، ج4، ص192-194. [4] سيرة ابن هشام ج1/ص293، 294 . [5] أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب: الحيض.
بعض الأدوية النبوية التي فيها شفاء
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
15-09-2018
64,887
https://www.alukah.net//culture/0/129339/%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%81%d9%8a%d9%87%d8%a7-%d8%b4%d9%81%d8%a7%d8%a1/
بعض الأدوية النبوية التي فيها شفاء الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ أَفْضَلَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ الْحِجَامَةُ، وَالْقُسْطُ الْبَحْرِيُّ » [1] . وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أم قيس بنت محصن، قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْعُودِ الْهِنْدِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةَ أَشْفِيَةٍ: يُسْتَعَطُ بِهِ مِنَ الْعُذْرَةِ، وَيُلَدُّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ » [2] . قال ابن القيم رحمه الله: [3] «والقسط نوعان، أحدهما: الأبيض الذي يُقال له البحري، والآخر الهندي وهو أشدهما حرًّا، والأبيض ألينهما. ومنافعهما كثيرة جدًّا، وهما حاران يابسان في الثالثة، ينشفان البلغم، قاطعان للزكام، وإذا شُربا نفعا من ضعف الكبد والمعدة ومن بردهما، ومن حمى الدور والربع، وقطعا وجع الجنب، ونفعا من السموم، وإذا طلي به الوجه معجونًا بالماء والعسل قلع الكلف، وقال جالينوس: ينفع من الكُزاز، ووجع الجنبين، ويقتل حب القرع. وقد خفي على جهال الأطباء نفعه من وجع ذات الجنب، فأنكروه، ولو ظفر هذا الجاهل بهذا النقل عن جالينوس لنزله منزله النص، كيف وقد نص كثير من الأطباء المتقدمين على أن القسط يصلح للنوع البلغمي من ذات الجنب - ذكره الخطابي عن محمد بن الجهم. وقد تقدم أن طب الأطباء بالنسبة إلى طب الأنبياء أقل من نسبة الطُرقية والعجائز إلى طب الأطباء، وأن بين ما يُلَقَّى بالوحي وبين ما يُلقى بالتجربة والقياس من الفرق أعظم مما بين القدم والفرق [4] . ولو أن هؤلاء الجهال وجدوا دواء منصوصًا عن بعض اليهود والنصارى والمشركين من الأطباء، لتلقوه بالقبول والتسليم، ولم يتوقفوا على تجربته. نعم نحن لا ننكر أن للعادة تأثيرًا في الانتفاع بالدواء وعدمه، فمن اعتاد دواء وغذاء كان أنفع له، وأوفق ممن لم يعتده، بل ربما لم ينتفع به من لم يعتده. وكلام فضلاء الأطباء وإن كان مطلقًا، فهو بحسب الأمزجة والأزمنة والأماكن والعوائد، وإذا كان التقييد بذلك لا يقدح في كلامهم ومعارفهم، فكيف يقدح في كلام الصادق المصدوق، ولكن نفوس البشر مركبة على الجهل والظلم، إلا من أيده الله بروح الإيمان، ونور بصيرته بنور الهدى» [5] . قال ابن حجر رحمه الله: «وقد ذكر الأطباء من منافع القسط أنه يدر الطمث والبول، ويقتل ديدان الأمعاء، ويدفع السم وحمى الربع والورد، ويسخن المعدة، ويحرك شهوة الجماع، ويذهب الكلف طلاء، فذكروا أكثر من سبعة، وأجاب بعض الشراح بأن السبعة علمت بالوحي، وما زاد عليها بالتجربة. فاقتصر على ما هو بالوحي لتحققه، وقيل: ذكر ما يحتاج إليه دون غيره؛ لأنه لم يبعث بتفاصيل ذلك. قلت: ويحتمل أن تكون السبعة أصول صفة التداوي بها؛ لأنها إما طلاء، أو شرب، أو تكميد، أو تنطيل، أو تبخير، أو سعوط، أو لدود، فالطلاء يدخل في المراهم ويحلى بالزيت ويلطخ، وكذا التكميد، والشرب يسحق ويجعل في عسل أو ماء أو غيرهما، وكذا التنطيل والسعوط يسحق في زيت ويقطر في الأنف، وكذا الدهن والتبخير واضح، وتحت كل واحدة من السبعة منافع لأدواء مختلفة، ولا يستغرب ذلك ممن أُوتي جوامع الكلم. وأما العذرة فهي بضم المهملة وسكون المعجمة، وجع في الحلق يعتري الصبيان غالبًا، وقيل: هي قرحة تخرج بين الأذن والحلق أو في الخرم الذي بين الأنف والحلق. قيل: سميت بذلك لأنها تخرج غالبًا عند طلوع العذرة، وهي خمسة كواكب تحت الشعرى العبور، ويقال لها أيضًا العذارى، وطلوعها يقع وسط الحر، وقد استشكل معالجتها بالقسط مع كونه حارًّا والعذرة إنما تعرض في زمن الحر بالصبيان وأمزجتهم حارة، ولا سيما وقطر الحجاز حار، وأُجيب بأن مادة العذرة دم يغلب عليه البلغم، وفي القسط تخفيف للرطوبة، وقد يكون نفعه في هذا الدواء بالخاصية، وأيضًا فالأدوية الحارة قد تنفع في الأمراض الحارة بالعرض كثيرًا، بل وبالذات أيضًا، وقد ذكر ابن سينا في معالجة سقوط اللهاة القسط مع الشب اليماني وغيره، على أننا لو لم نجد شيئًا من التوجيهات لكان أمر المعجزة خارجًا عن القواعد الطبية» [6] . ومنها : الحبة السوداء: روى أحمد والبخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ، فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ »، والسَّامُ الْمَوْتُ [7] . « والحبة السوداء : هي الشُّونيز في لغة الفرس، وهي الكمون الأسود، وتسمى الكمون الهندي، قال الحربي عن الحسن: إنها الخردل، وحكى الهروي: أنها الحبة الخضراء ثمرة البطم، وكلاهما وهم، والصواب: أنها الشُّونيز. وهي كثيرة المنافع جدًّا. وقوله: « شفاء من كل داء »، مثل قوله تعالى: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ﴾ [الأحقاف: 25]، أي: كل شيء يقبل التدمير ونظائره، وهي نافعة من جميع الأمراض الباردة، وتدخل في الأمراض الحارة اليابسة بالعَرَض، فتوصل قوى الأدوية الباردة الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ يسيرها. وقد نص صاحب القانون وغيره على الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه وإيصاله قوته، وله نظائر يعرفها حذاق الصناعة، ولا تستبعد منفعة الحار في أمراض حارة بالخاصية، فإنك تجد ذلك في أدوية كثيرة، منها: الأنزروت وما يُركب معه من أدوية الرمد، كالسكر وغيره من المفردات الحارة، والرمد ورم حار باتفاق الأطباء، وكذلك نفع الكبريت الحار جدًّا من الجرب. والشونيز حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع، نافع من البرص وحمى الربع [8] ، والبلغمية، مفتح للسدد، ومحلل للرياح، مجفف لبلَّة المعدة ورطوبتها، وإن دُق وعجن بالعسل، وشُرب بالماء الحار، أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة، ويُدر البول والحيض واللبن إذا أُديم شُربه أيامًا، وإن سخن بالخل، وطلي على البطن، قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب، أو المطبوخ، كان فعله في إخراج الدود أقوى، ويجلو ويقطع، ويحلل، ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصُيِّر في خرقة، واشتم دائمًا، أذهبه. ودهنه نافع لداء الحية، ومن الثآليل والخيلان [9] ، وإذا شُرب منه مثقال بماء، نفع من البُهْر وضيق النفس، والضماد به ينفع من الصداع البارد، وإذا نُقِعَ منه سبع حبات عددًا في لبن امرأة، وسُعِط به صاحب اليَرقَان، نفعه نفعًا بليغًا. وإذا طُبخ بخل، وتُمضمض به، نفع من وجع الأسنان عن برد، وإذا استُعِطَ به مسحوقًا نفع من ابتداء الماء العارض في العين، وإن ضُمِّد به مع الخل، قلع البُثُور والجرب المتقرح، وحلل الأورام البلغمية المزمنة، والأورام الصلبة، وينفع من اللقوة إذا تُسعِّط بدهنه، وإذا شُرب منه مقدار نصف مثقال إلى مثقال، نفع من لسع الرُّتيلاء [10] ، وإن سحق ناعمًا وخُلط بدهن الحبة الخضراء، وقُطِر منه في الأذن ثلاث قطرات، نفع من البرد العارض فيها والريح والسُّدد. وإن قُلي، ثم دق ناعمًا، ثم نُقع في زيت، وقطر في الأنف ثلاث قطرات أو أربع، نفع من الزكام العارض معه عطاس كثير. وإذا أُحرق وخُلِط بشمع مذاب بدهن السَّوسن، أو دُهن الحناء، وطُلي به القروح الخارجية من الساقين بعد غسلها بالخل، نفعها وأزال القروح. وإذا سُحق بخل، وطلي به البرص والبهق الأسود، والحزاز [11] الغليظ، نفعها وأبرأها. وإذا سُحق ناعمًا، واستف منه كل يوم درهمين بماء بارد من عضه كَلْبٌ كَلِبٌ قبل أن يفرغ من الماء، نفعه نفعًا بليغًا، وأمن على نفسه من الهلاك. وإذا استعط بدهنه، نفع من الفالج والكُزاز [12] ، وقطع موادهما، وإذا دخن به، طرد الهوام. وإذا أذيب الأنزروت بماء، ولُطخ على داخل الحلقة، ثم ذُرَّ عليها الشونيز، كان من الذرورات الجيدة العجيبة النفع من البواسير، ومنافعه أضعاف ما ذكرنا، والشربة منه درهمان، وزعم قوم أن الإكثار منه قاتل» [13] . ومنها : التلبينة: فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ، ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلَّا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ، فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ، فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: كُلْنَ مِنْهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: « التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ » [14] . وروى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت تأمر بالتلبينة وتقول: هُوَ الْبَغِيضُ النَّافِعُ [15] . والتلبين : هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه، قال الهروي: سميت تلبينة لشبهها باللبن لبياضها ورقتها، وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيّئ، وإذا شئت أن تعرف فضل التلبينة، فاعرف فضل ماء الشعير، بل هي ماء الشعير لهم، فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته، والفرق بينها وبين ماء الشعير أنه يطبخ صحاحًا، والتلبينة تطبخ منه مطحونًا، وهي أنفع منه لخروج خاصية الشعير بالطحن، وقد تقدم أن للعادات تأثيرًا في الانتفاع بالأدوية والأغذية، وكانت عادة القوم أن يتخذوا ماء الشعير منه مطحونًا لا صحاحًا، وهو أكثر تغذية، وأقوى فعلًا، وأعظم جلاء، وإنما اتخذه أطباء المدن منه صحاحًا ليكون أرق وألطف، فلا يثقل على طبيعة المريض، وهذا بحسب طبائع أهل المدن ورخاوتها، وثقل ماء الشعير المطحون عليها. والمقصود: أن ماء الشعير مطبوخًا صحاحًا ينفذ سريعًا، ويجلو جلاء ظاهرًا، ويغذي غذاءً لطيفًا، وإذا شرب حارًّا كان جلاؤه أقوى، ونفوذه أسرع، وإنماؤه للحرارة الغريزية أكثر، وتلميسه لسطوح المعدة أوفق. وقوله صلى الله عليه وسلم فيها: « مجمة لفؤاد المريض » يروى بوجهين: بفتح الميم والجيم، وبضم الميم، وكسر الجيم، والأول أشهر، ومعناه: أنها مريحة له، أي تريحه وتسكنه؛ من الإجمام، وهو الراحة. وقوله: « تذهب ببعض الحزن » هذا - و الله أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج، ويضعفان الحرارة الغريزية لميل الروح الحامل لها إلى جهة القلب الذي هو منشؤها، وهذا الحساء يقوي الحرارة الغريزية بزيادته في مادته، فتزيل أكثر ما عرض له من الغم والحزن. وقد يقال - وهو أقرب - إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة، فإن من الأغذية ما يفرح بالخاصية. و الله أعلم. وقد يقال: إن قُوى الحزين تضعف باستيلاء اليُبس على أعضائه، وعلى معدته خاصة لتقليل الغذاء، وهذا الحساء يرطبها، ويقويها، ويغذيها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض، لكن المريض كثيرًا ما يجتمع في معدته خطل مراري، أو بلغمي، أو صديدي، وهذا الحساء يجلو ذلك عن المعدة ويسروه، ويَحْدرُه، ويُميعُه، ويُعدِّل كيفيته، ويكسر سَوْرَته، فيُريحها ولا سيما لمن عادتُه الاغتذاءُ بخبز الشعير، وهي عادة أهل المدينة إذ ذاك، وكان هو غالب قوتهم، وكانت الحنطة عزيزة عندهم. و الله أعلم [16] . أهـ والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] صحيح البخاري برقم 5696، وصحيح مسلم برقم 1577 واللفظ له. [2] صحيح البخاري برقم 5692، وصحيح مسلم برقم 2214. [3] وخلاصة ما كتبه شراح الحديث أن نبات القسط الموصوف في السنة، نبات يعيش في الهند وخاصة في كشمير وفي الصين وتستعمل قشور جذوره التي قد تكون بيضاء أو سوداء، وكان التجار العرب يجلبونها إلى الجزيرة العربية عن طريق البحر لذا سميت القسط البحري، كما كان يسمى بالقسط الهندي. مقال للدكتور محمد الدقر (على الشبكة العنكبوتية). [4] يعني: فرق الرأس. [5] زاد المعاد ( 4 /324-325). [6] فتح الباري (10 /149). [7] المسند(12 /233) برقم 7287 واللفظ له، وصحيح البخاري برقم 5688، وصحيح مسلم برقم 2215. [8] حمى الربع: هي التي تنوب كل رابع يوم. [9] الخيلان: جمع خال، وهو شامة في البدن، أي بثرة سوداء ينبت حولها الشعر غالبًا، ويغلب على شامة الخد. [10] الرتيلاء: أنواع من الهوام كالذباب والعنكبوت، والجمع: رتيلاوات. [11] الحزاز: ما يتناثر من جلدة الرأس مثل النخالة، ويقال له الآن: القشرة. [12] الكزاز: كغُراب ورمان: داء من شدة البرد، أو الرعدة منها. [13] زاد المعاد (4 /273-275). [14] صحيح البخاري برقم 5417، وصحيح مسلم برقم 2216 واللفظ له. [15] برقم 5690 موقوفًا عليها. [16] زاد المعاد لابن القيم رحمه الله (4 /110-111) باختصار.
معلومات عن الدم في الجسم
أ. د. علي فؤاد مخيمر
14-09-2018
35,791
https://www.alukah.net//culture/0/129320/%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b3%d9%85/
معلومات عن الدم في الجسم في هذه المقالة سوف أتناولُ - بالإشارة - ما في الإنسانِ مِن دقة وإحكام وحكمة، تستدعي منا أن ننحني ونسجد لله شكرًا، مُتذلِّلين خاشعين أمام قدرته سبحانه في خلق الإنسان وفي تقويمه، فسبحان مَن خلق فأتقَن، وصوَّر فأبدع، وكوَّن فنظم كل شيء بدقة ونظام وتقدير وإتقانٍ. وقد تناولنا في أعداد سابقة الحديثَ عن القلب والأوعية الدموية كوعاء يحمل بداخله إكسير الحياة الدم، واليوم سوف نتحدث بعون الله وفضله عن الدم ومكوناته. الدم هو السائل الأحمر الذي يجري في العروق الدموية؛ من شرايين، وأوردة، وشعيرات دموية، وينقل المكوِّنات الغذائية إلى خلايا الجسم كلها، وهو نسيج ككل الأنسجة، غير أنه نسيج مُتحرِّك، بخلاف الأنسجة الثابتة التي تلتزم مكانًا واحدًا. وهناك تعبير أدبي رائع لأهل الاختصاص في علم الطب، بأن الدم بمثابة بحرٍ زاخر بقِطَع الأسطول: فهناك سفن للإمداد، وهي كريات الدم الحمراء، وهناك سفن للدفاع تتمتَّع بقدرة على المناورة والمراوغة والاقتحام، وهي الكريات البيضاء، وهناك سفن للإنقاذ من الموت المحقَّق هي الصفائح الدموية، وهناك سفن تحمل المواد الغذائية ( السكر )، وهناك سفن تحمل المواد المرمِّمة ( البروتين )، وهناك سفن تحمل الفضلات. فالدمُ بحرٌ زاخر، فيه سفن (إمداد، ودفاع، وإنقاذ، وسفن تحمل المواد الغذائية وأخرى للفضلات )، كل هذه السفن تتحرك بحُريَّةٍ دون أن تصطدم بغيرِها، وبسرعات مُحدَّدة من رب العالمين، تحت مراقبة ( رادار ) إلهي لا يعبَثُ به البشر ولا يتدخَّل فيه أحد. مصنع الدم: المصنع الأساسي للدم هو نُخاع العظام الذي ينتج أكثر مِن 8 ملايين خلية / ثانية، وهذا النخاع موجودٌ في الضلوع، وعظم الصدر الأوسط ( عظمة القفص )، والجمجمة، وعظام الحوض، والفِقرات، ونهايات العظام الطويلة في الأطراف الطويلة، ولا تتكوَّن هذه المُكوِّنات اعتباطًا، ولكن الخالق الحكيم زوَّد الجسم بجهازٍ دقيقٍ لضبط هذه العملية الإنتاجية، فإذا كان الجسمُ في حاجةٍ إلى مزيدٍ منها كما في حالات النزيفِ والصدمات، أرسل ذلك الجهازُ إشارةً إلى نخاع العظام، طالبًا منه المَدَد، وإذا كان هناك فائضٌ كانتِ الإشارةُ تكفي ذلك، والإشارة التي يُرسِلها الجسم إلى نخاع العظام عبارةٌ عن هرمون الأريثروبوتين الذي يُنشِّط النخاع لتكوين المزيد من الدم ومكوناته. مكونات الدم: 1- البلازما: وهي سائلٌ يميلُ لونُه إلى الصفرة، وتشكِّل حوالي (55 %) مِن حجم الدم، ومهمَّتُها الأساسية هي تسهيل حركة الخلايا الدموية، وتوصيل وحمل العناصر الغذائية مِن جهاز الهضم إلى سائر الخلايا، وتوصيل الفضلات الناتجة عن أنشطة الجسم المختلفة من عَرَق وبَول ونحوه، إلى الأجهزة المختصة لطرحها إلى خارج الجسم. 2- كريات الدم الحمراء : تبلُغ نسبتُها في المتوسط 5 ملايين / ملم مكعب، ومهمَّتُها الأساسية نقلُ الأكسجين من الرئتين إلى سائر خلايا البدن، والعودة بغاز ثاني أكسيد الكربون من الخلايا إلى الرئتين للتخلص منه، وهذه الكريات لها خصائص لا يُصدِّقها العقل؛ لأن بإمكانِها أن تمرَّ في مَمرٍّ ضيق - هو عُشر حجمها - بمرونة فائقة، ونخاع العظام يصنعُ في كلِّ ثانيةٍ واحدةٍ مليونَيْنِ ونصفَ مليون كرية، ويموت في كل ثانية مثل هذا العدد، وإذا ماتت هذه الكريات ذهبت إلى مقبرةٍ جماعية اسمها الطِّحال، ففي الطِّحال تُحلَّل هذه الكريات الميِّتة إلى حديد وإلى هيموجلوبين، ويذهب الهيموجلوبين إلى الكَبِد ليُكوِّن الصفراء، ويذهب الحديد ثانيةً إلى نخاع العظام ليُعاد تصنيعه مرة ثانية، فسبحان المدبِّر، وصدق الله إذ قال: ﴿ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ﴾ [الأنعام: 95]. وكذلك الطِّحال له دورٌ آخر، وهو تخزين كمية إضافية من الكريات، يطرحها في حالة الاحتياج إليها، وبهذا يُعَدُّ الطِّحال مُستودَعًا ومقبرة في وقت واحد، فإذا لم تفِ هذه الكمِّية الاحتياطية يأتي دورُ نُخاع العظام لتصنيعِ ما يحتاجه الجسم، فإذا كان الفاقد أكثرَ مِن الإنتاج، أو حدث تعطُّل في المصانع، حدث في الجسم اختلالٌ يظهر في شكل الأنيميا (فقر الدم) . حكمة الله تعالى في أدق خلية بالجسم: الكريات الحمراء خلايا مِجهَريةٌ، لا ترى إلا بواسطة المِجهَر ( الميكروسكوب )؛ إذ يبلغ قطرُ الواحدة منها سبعةً من الألف (0,007) من الملليمتر، وسمكها اثنانِ من الألف (0,002) من المليمتر. وهذه المساحة السطحية لها أهميتُها الخاصة في حمل الأكسجين من الرئتين إلى الأنسجة؛ لأن تبادُلَ الأكسجين يتمُّ مِن خلال سطوح الخلايا، ويجب إتمامه بسرعة أثناء المرورِ بها. وقال أهل العلم في هذه الأرقام المتناهية في الصغر: إن مجموع تلك الخلايا يُؤلِّف مساحةً إجمالية تعادل تقريبًا حجم شبكة الهدفِ لكرة القدم! والشيء العجيبُ أن هناك أوعيةً شعرية لا يزيد قطرُها على قطر كرية الدم الحمراء، وبإذن الله تعالى تمر الكريات الحمراء في هذه الأوعية الدقيقة إلى أن تسير واحدةً تلو الأخرى في نَسَق واحد، ومن هذه الأوعية أيضًا ما يكون قطرُه أقلَّ بكثير من الكرية، فتتطاول هذه الكرية الحمراء، فتأخذ شكلًا بيضويًّا، من أجل أن تسير في هذا الوعاء الدقيق، ومن هنا منح الله تعالى تلك الكريات خاصيةَ المرونة التي تُساعِدها على دخولِ أصغر وأدق أوعية دموية، ويبلغ عددُ الدورات التي تدورها تلك الكرية العجيبة 1500 دورة يوميًّا داخل الجسم، وتقطع رحلةً يبلغ طولها حوالي 1150 كم خلال عمرها الذي يبلغ 120 يومًا، وهكذا لا تترك جهازًا أو نسيجًا أو خليةً إلا مرَّت به وزوَّدته بما يكفيه من الأكسجين. ولكي تُدرِك أهميةَ هذه الوظيفة يكفي أن تعرِف أن حرمان المخ من هذا الغاز لدقائق معدودة - لا تزيد على خمس دقائقَ - يُؤدِّي إلى إتلافِه إتلافًا كاملًا، وأما باقي الأعضاء، فقد تقاوم الحرمان من الأكسجين مدة أطول (لا تزيد على ساعة). ومِن حكمة الله تعالى أن يزيد عدد كريات الدم الحمراء في الأشخاص الذين يعيشون في الجبال، عن عددها في أولئك الذين يعيشون قريبًا من البحر، وسبب ذلك أن نقص الأكسجين في المرتفعات العالية يدفَعُ الجسم إلى تكوين المزيد مِن تلك الكريات، وتلك الزيادة تزيدُ مِن كفاءة الدم في الأكسجين، وبذلك يُعوَّض نقصه في الجسد، فتختفي الأعراض المزعجة الناتجة عن خفض الأكسجين؛ مثل: صعوبة التنفس، والإحساس بالغثيان، والقيء، والهبوط العام، وصدق رب العزة في قوله: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ﴾ [الأنعام: 125]. عُمر الكرية الحمراء: يصل عُمر الكرية الحمراء إلى 120 يومًا، وعلى ذلك فإن الكريات الحمراء في الدم تتبدَّل كلها في مدى 120 يومًا، أما عدد الكريات التي تتجدَّد في اليوم الواحد، فيصل إلى 240 مليار كرية حمراء؛ أي: عدد ما يتجدَّد في فترة 120 يومًا يساوي (240 × 120 = 28800) مليار كرية حمراء في الدم الكامل، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. فهذه الطاقةُ الإنتاجية الهائلة لنخاعِ العظام الأحمر، هي الطاقة العادية في الظروف العادية، ولكن الجسم إذا تعرَّض لظروف غير عادية - كالنزيف وخلافه - يحتاج معها إلى ضعفِ هذه الطاقة؛ حيث وهب الله سبحانه وتعالى نخاعَ العظام طاقةً تصلُ إلى ستة أو سبعة أضعافِ طاقته العادية، إذا أصيب الإنسان بالأنيميا التي تنتج عن نقص في عدد كريات الدم الحمراء. كذلك تتغيَّر عدد الكريات الحمراء على مرِّ اليوم، ففي أول اليوم يكون منخفضًا نوعًا ما، أما في آخره فإنه يزداد نوعًا ما، كما يزداد أثناء المجهود البدني العنيف. 2 - الصفائح الدموية: لا يزيد طول الواحدة من الصفائح على 3 مِن الألف (0,003) من الملليمتر، وتبلغ نسبتها من 150,000 إلى 400,000 ألف / ملم مكعب، ومهمَّتُها الأساسية الإسهام في تخثُّر الدم، ووقف النزيف عند حدوث جرح أو نحوه من الإصابات، فهي تُسارِع إلى الوعاء الدَّموي الذي يتسرَّب منه الدم، ثم تلتصق بجداره لتسدَّه ويتم عملية التخثُّر. والصفيحاتُ ليست خلايا، بل هي أجزاء مفلطحة مِن السيتوبلازم، وهي ذات شكلٍ غيرِ منتظم، ولا تحتوي على نواة أو عضيات، ويتراوح عمرها من سبعة إلى عشرة أيام، فسبحان الله إن نقص عدد الصفائح الدموية يُؤدِّي إلى عدم القدرة على تصنيع جلطة دموية عند حدوث أي جرح، وبالتالي يستمر النزيف حتى الموت. والسؤال الآن: لماذا لا يتجلط الدم داخل الأوعية الدموية، ويتجلط خارجها؟ الدم يتجلَّط عند حدوث جرح؛ لوجود وتحويل المادة البروتينية السائلة الموجودة في الدم، وهي الفبيرونجين إلى مادة صلبة تسمَّى الفبيرين، وهي خيوط متصلبة تتجمَّع لتمنع خروج الدم من الجلد. أما عدم تجلُّط الدم داخل الأوعية، فيرجع إلى أن الدم يسري بصورة طبيعية في الأوعية التي هُيِّئت لذلك بنعومتها وتركيبها الخاص، وكذلك لوجودِ مادةِ الهيبارين التي يُفرِزها الكَبِد التي تقفُ عمل الصفائح الدموية. ومِن هنا نفهَمُ أن في الدمِ عناصر تجلُّط وعناصر تميُّع، ومن توازن هذين العنصرينِ يبقى الدمُ بهذه الحالة العجيبة، فلا هو من السيولة بحيث ينزف دم الإنسان كله في وقت قصير، فيموت، ولا هو من اللزوجة بحيث يتخثَّر ويتجلط ويسد الأوعية، فهذه معادلة ربانية دقيقة بين اللزوجة والميوعة. 4 - كريات الدم البيضاء: تبلغ نسبتها من 5 - 11 ألف/ ملم مكعب، وهي لا لون لها، وتتحرَّك في الدم بطاقةٍ ذاتية، بمعنى أنها تتحرَّك بحركة الدم، أو بعكس حركته، ومهمَّتُها الأساسية الدفاعُ عن الجسم، وتُعَد خطَّ الدفاع الأول عن الجسد، وهي في حالة تأهُّب واستعداد في صد المعتدِين؛ من الميكروبات، والجراثيم، والفيروسات، فهي تُعَد ممرضات أجسامنا ويسميها البعض ( بوليس الدم )؛ لأنها تُطارِد المجرِمين بنجاح، وسبحان الله لم يستطع أحدٌ إلى الآن تحديدَ طول عمرها؛ لأن هذه الكريات جنودٌ، والجنود عامة لا تُعمَّر كثيرًا، بل تقضي نحبها أثناء القتال في سبيل الإبقاء على أجسامنا سليمةً. وكما ذكرنا في أعداد سابقة، فإن الكريات البيضاء بمنزلة جيشِ الدفاع؛ ففيه قسم استطلاع يستطلع العدو وأسلحته وخصائصه، وقسم يصنع الأسلحة، وقسم يحارب، وقسم يمحو وينظف مكان المعركة. وكريات الدم البيضاء لا تتصارَع مع الميكروبات فحسب، بل هي مَنُوطةٌ بها وظيفةٌ أخرى مُهمَّة، وهي القضاء على جميع الخلايا التالِفة التي استُهلكت، فهي تقوم دائمًا داخل أنسجة الجسم بعمل تفكيك وتنظيف المكان لبناء خلايا جديدة للجسم. الحكمة الطبية من تحريم أكل الدم: حرَّم الشرع أكلَ الدم؛ لأن الدم يحمِلُ فضلات وعوامل مرضية خطيرة؛ كالجراثيم، والفيروسات، والطفيليات، ولهذا يُعَد الدم وسطًا خطيرًا يُمكِن أن ينقُلَ العَدْوى إلى الآخرين، وأن تتكاثر فيه الميكروبات...، واستثنى الشرعُ مِن التحريم الكَبِدَ والطِّحالِ اللَّذينِ سمَّاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم دمًا؛ بسبب غناهما المُفرِط بالدم، فقال: ((أُحِلَّت لنا ميتتان ودمان؛ فأما الميتتانِ فالحوت والجراد، وأما الدَّمَانِ فالكَبِدُ والطِّحال)). نقل الدم: أُجرِيت أولُ عمليةِ نقل دم في التاريخ عام 1667م، في فرنسا؛ حيث نقل الدم مِن شاة إلى صبي مصاب بنزيف، فنجا الصبي من الموت بتقدير الله تعالى، وتَمَّت محاولةٌ ناجحة عام 1825 م في بريطانيا من شخص إلى شخص بواسطة محقنة، واستمر الأمر هكذا بدائيًّا دون أُسس علمية صحيحة، إلى أن اكتشف العالم النمساوي - كارل لاندشتاينر - في عام 1901م أن الدم له أربعة أنواع أو مجموعات أو فصائل من دماء البشر، ورمَز لهم بالأحرف ( A,B,AB,O ) ، وأصبح بالإمكان مطابقةُ دمِ المُعطِي مع دم الآخِذ، وتلافي حصول التنافر الدموي، وكانت أولُ عملية ناجحة بأسس علمية عام 1918 م في إنجلترا. فوائد التبرع بالدم: 1- في التبرُّع بالدم أجرٌ كبير للمتبرع؛ لِما فيه من نفعٍ للآخرين، وقد يكون فيه إنقاذٌ لهم من الموت المُحقَّق. 2- يساعد على تنشيط نخاعِ العظام الذي يقوم بإنتاج جميع مُكوِّنات الدم، ويجدد خلايا الدم، فيعيد للجسم كلِّه النشاطَ والحيوية. 3- أثبتت الدراسات العلمية أن التبرُّع بالدم يُقلِّل مِن مخاطر حدوث النَّوبات القلبية. 4- يُسهِّل جريان الدم في الأوعية الدموية. 5- يُقوِّي الروابط الاجتماعية بين الناس. أخي الكريم: إن بحث الدم وحدَه أكبر آيةٍ دالَّة على عظمة الله، وهذا التنسيق والتدبير داخل أجسامنا ما هو إلا إعجاز وذكرَى للبشر، وصدق ربُّ العزةِ إذ يقول: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21].
الكتب والأبحاث التي أفردت صيام ست من شوال بالتصنيف: قائمة ببليوجرافية
عبدالله بن محمد السحيم
13-09-2018
9,873
https://www.alukah.net//culture/0/129309/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%ad%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%a3%d9%81%d8%b1%d8%af%d8%aa-%d8%b5%d9%8a%d8%a7%d9%85-%d8%b3%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d9%88%d8%a7%d9%84-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%86%d9%8a%d9%81-%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%85%d8%a9-%d8%a8%d8%a8%d9%84%d9%8a%d9%88%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9/
الكتب والأبحاث التي أفردت «صِيَامَ سِتٍّ مِن شَوَّالَ» بالتَّصنيف «قائمة ببليوجرافيَّة» مقدمة الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على سيِّد الأنبياء وإمام المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أمَّا بعد.. فقد أخرج الإمام مسلمٌ في «صحيحه» (ح1164) من حديث أبي أيُّوب الأنصاريِّ –رضي الله عنه- أنَّ النَّبيَّ –صلى الله عليه وسلم- قال: «من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوَّال، كان كصيام الدَّهر» ، وروي أيضًا عن عددٍ من الصَّحابة الكرام، وقد اختلف العلماء في تصحيح الحديث وتضعيفه، وفي الأخذ به من عدمه، وفي فقه مسائله، فتصدَّى لبحث هذه المسألة جمهرةٌ من العلماء والباحثين قديمًا وحديثًا، فأفردوها بالبحث والتَّصنيف، ولأهميَّتها في معالجة مسألتنا هذه، سعيت في التَّنقيب عنها وجمع ما وقفت عليه منها في ضميمةٍ واحدةٍ، ضمن قائمةٍ سرديَّة ببليوجرافية [1] ، وقد نظمتها في ثلاثة مباحث: ♦ فالمبحث الأوَّل: فيه ذكر الكتب التُّراثيَّة [2] ، وعِدَّتها 15 كتابًا، مرتَّبة حسب الوفيات [3] . ♦ والمبحث الثَّاني: فيه ذكر الكتب والأبحاث المعاصرة ، وعِدَّتها 15 بحثًا، مرتَّبة حسب الأحرف. ♦ والمبحث الثَّالث: فيه التَّعريف بجزء الحافظ أبي زرعة ابن العراقي [4] ، وبنسخته الخطِّية، مع نماذج منها، وروابط تحميلها. راجيًا من الله -جلَّ شأنه- أن يتقبَّل هذه الأسطر بقبولٍ حسنٍ، وأن يثيب المشايخ بالمتفضِّلين بالإفادة، والحمد لله عدد نعمه السَّابغة. هطول إفادات الكرام كنت فرغتُ من مسوَّدة هذه الرِّسالة في السَّادس من شوَّال لعام (1439هـ)، ونشرتها نشرًا أوَّليًّا بين عددٍ من الباحثين والمهتمِّين، وما إن بلغهم خبرها، حتى تواردت إفاداتهم، في إثراءٍ معرفيٍّ وسخاءٍ علميٍّ نادر الشَّبيه، وأنا أخبرك خبرها عرفانًا لهؤلاء الأشياخ بما قدَّموه لي من المعروف، ولأردَّ العلم إلى أهله. فمن ذلك: وردتني إفادةٌ كريمة من الأخ الشَّيخ: عادل بن عبد الرَّحيم العوضي -أحسن الله جزاءه- بوجود مجموعٍ خطِّيٍّ في «المكتبة الأزهريَّة»، يتضمَّن جزءًا للحافظ ابن الحافظ أبي زُرعة ابن العراقيِّ -رحمهما الله-، يقع في (21) ورقة، مع الدَّلالة على رقمه فيها، معتمدًا في ذلك على قاعدة البيانات في «مركز جمعة الماجد». فباحثت شيخنا الكريم المفضال: محمد بن عبد الله السّريّع –جزاه الله كلَّ صالحةٍ من العطاء- بهذه الإفادة، فبعث إليَّ –كعادة سخائه- بنسخةٍ إلكترونيَّةٍ من المجموع المذكور، فإذا به مطابق للإفادة المتقدِّمة، ثم طفقت أذاكره خبره وأستفيد من علمه في وصف المخطوط وما إليه، مع زيادات ثرَّةٍ في نواحٍ أخر متفرِّقةٍ، لا سيَّما في جزء الدِّمياطي –الآتي ذكره قريبًا-، فعامَّة مادته من إفادته. ثمَّ تكرَّم الأخ الشَّيخ: فهد بن تركي العصيمي -تولَّى الله ثوابه- فأفاد بأربعةِ كتبٍ في الباب نفسه [5] . وبعد هذا كلِّه.. وفي (20) من شوَّال، أطلعني الباحث الكريم: محمد بن علي اليولو الجزولي -حفظه الله ونفع به- على مقالةٍ مختصرةٍ له بعنوان: «ما أُلِّف في شوَّال» ، في موقع «مركز ابن القطَّان للدِّراسات والأبحاث في الحديث الشَّريف والسِّيرة العطرة» [6] ، نُشرت في زمنٍ مقاربٍ لنشرتي الأوَّليَّة، فنظرت فيها فإذا هي تتقاطع مع مقالتي هذه في «المبحث الأوَّل» منها، المتعلِّق بالكتب التُّراثيَّة فحسب، وقد ذكر في مقالته (6) كتب لا غير، اتَّفقنا على (3) منها [7] ، وفاتني كتابان ممَّا ذكر [8] ، وسادس ما أورده ليس على شرطي [9] ، وفاته ممَّا ذكرتُ (10) كتبٍ، فأضفت ما فاتني ممَّا ذكره، في محالِّها من «المبحث الأول»، مستفيدًا ذكرها منه. وهكذا.. تتضافر أيدي النَّصَحَة من العلماء والباحثين، المخلصين للعلم والمعرفة، الباذلين كرائم علومهم خدمةً للعلم وتجويدًا له، وجبرًا للنقص وسدًّا للخلل، كما هي جادَّة أهل العلم والفضل قديمًا وحديثًا، مع النَّأي بالنَّفس عن حظوظها المُردية، المتمثِّلة في هذا الباب: بالضَّنِّ بالعلم على طالبيه ومتقفِّريه [10] ، «وقد اقتضت حكمة الله وتقديره النافذ: أن لا ينفع بالعلم من بخل به أبدًا»، وما أجلَّ السَّخاء بالعلم وبذله، «إذ هو أعلى مراتب الجود، بل يفضل على الجود بالمال؛ لأنَّ العلم أشرف» [11] وأزكى. المبحث الأول: فيه ذكر الكتب التُّراثيَّة 1- جزءٌ فيه طرق حديث: «من صام رمضان ثمَّ أتبعه بستٍّ من شوَّال...»، للحافظ شرف الدِّين أبي محمد عبد المؤمن الدِّمياطي (ت705هـ)، ولعلَّه أوَّل من أفرد هذه المسألة بالتَّصنيف ، ولم يُعثر على هذا الكتاب بعدُ، وقد ذكره جمعٌ من تلامذته وغيرهم، فممَّن ذكره: أ‌- تلميذه الوادي آشي (ت749هـ) في «برنامجه» (ص149)، ضمن ترجمته للدِّمياطي، حيث سرد تواليفه، فعدَّ منها: « كتاب ستَّة الأيَّام من شوَّال ». ب‌- وتلميذه التَّقيُّ السُّبكي (ت756هـ) في «إبراز الحِكم، من حديث رفع القلم» (ص35)، حيث نقل منه فائدةً في ضبط العدد والمعدود في قوله: «ستٍّ من شوَّال» [12] ، ثمَّ قال: «ذكر ذلك في "فضل إتْباع رمضان بستٍّ من شوَّال" ، وجمع فيه طرق الحديث الوارد فيها، فرواه من نيِّفٍ وستِّين طريقًا»، ونقل الدَّميريُّ (ت808هـ) في «النَّجم الوهَّاج في شرح المنهاج» (3/359) عن «شرح المنهاج» للتَّقيِّ السُّبكيِّ أنَّه قال فيه: «اعتنى شيخنا أبو محمد الدِّمياطي بجمع طرقه، فأسنده عن بضعةٍ وعشرين رجلًا، رووه عن سعد بن سعيد، وأكثرهم حفَّاظ أثبات، منهم شعبة والسُّفيانان، وتابع سعدًا على روايته: أخواه يحيى وعبد ربِّه، وصفوان بن سُلَيم، وغيرهم، ورواه أيضًا عن النَّبيِّ –صلى الله عليه وسلم-: ثوبان، وأبو هريرة، وجابر، وابن عبَّاس، والبراء بن عازب، وعائشة، رضي الله عنهم»، ونقله أيضًا الصَّنعانيُّ في «سبل السَّلام» (1/582). ت‌- وتلميذه الحافظ ابن كثير الدِّمشقيُّ (ت774هـ)، في تاريخه الكبير «البداية والنِّهاية» (18/61)، حيث سرد مؤلَّفات الدِّمياطي ضمن ترجمته، فقال: « مصنَّف في صيام ستَّة أيَّام من شوَّال ، أفاد فيه وأجاد، وجمَع ما لم يُسبق إليه »، وحسبك بهذا ثناءً. ث‌- وصدْر الدِّين المناويُّ (ت803هـ) في «كشف المناهج والتَّناقيح» (2/191) بقوله: «اعتنى الحافظ شرف الدِّين الدِّمياطي بجمع طرقه، فأسنده عن بضعةٍ وعشرين رجلًا رووه عن سعد ابن سعيد، أكثرهم حفَّاظ أثبات...» فذكر نحو كلام السُّبكي -المتقدِّم ذكره. ج‌- والحافظ ابن حجر في «التَّلخيص الحبير» (2/408) بقوله: «جمَع الدِّمياطي طرقه»، ولم يزِد على ذلك. ح‌- والسَّخاوي في «الضَّوء اللامع» (2/69)، في ترجمة أبي العبَّاس الحِنَّاوي (ت848هـ)، ضمن مسموعاته من ناصر الدِّين الحراوي [13] (ت788هـ)، وسمَّاه: « فضل صوم ستِّ شوَّالٍ ، للدِّمياطيِّ»، وهذا يفيد بقاء هذا الجزء وتداوله وسماعه إلى منتصف القرن التَّاسع، ثمَّ لم أقف له على ذكرٍ بعد ذلك. 2- «رفع الإشكال، عن صيام ستَّة أيَّامٍ من شوَّال» ، للحافظ العلائيِّ (ت761هـ)، وأصله: مناقشة علميَّة لقول ابن دحية الكلبيِّ (ت644هـ) -كما ذكر العلائيُّ في مقدِّمته (ص17)-، وقد وقفت على طبعتين للكتاب اعتمد محقِّقاها على نفس النسخة الخطِّيَّة الوحيدة: أ‌- أولاهما: تحقيق صلاح الشّلاحي، وطبع في دار ابن حزم عام (1415هـ). ب‌- وثانيهما: ضمن «مجموع رسائل الحافظ العلائي»، بتحقيق: وائل زهران، المطبوع في دار الفاروق عام (1429هـ)، وهي الرِّسالة الثَّامنة من المجموع. 3- جزءٌ فيه «ما يتعلَّق بصوم ستَّة أيَّامٍ من شوَّال»، لمحبِّ الدِّين بن الوجدية، الفقيه المالكيُّ المصريُّ (ت803هـ)، ذكره الحافظ ابن حجر في ترجمته من «المجمع المؤسِّس» (2/546) بقوله: «كان جمع شيئاً في " ما يتعلَّق بصوم ستَّة أيَّامٍ من شوَّال "، سمعت منه أكثره من لفظه»، ونقله السَّخاوي في «الضَّوء اللامع» (10/73). 4- «الكلام على صوم ستٍّ من شوَّال» ، جزءٌ للحافظ أبي الفضل العراقيِّ (ت806هـ)، ذكره ابن فهدٍ المكِّي في «لحظ الألحاظ» (ص151)، ضمن مؤلَّفات العراقيِّ، ونقل زين الدِّين المناويُّ (ت1031هـ) في «فيض القدير» (6/161) عن صدر الدِّين المناوي (ت803هـ) أنَّه قال واصفًا الجزء: «اعتنى العراقيُّ بجمع طرقه، فأسنده عن بضعةٍ وعشرين رجلًا رووه عن سعد بن سعيد، أكثرهم حفَّاظ أثبات». كذا نقله الزَّين المناويُّ، وهو نقلٌ قد داخله الوهم؛ فإنَّ كلام الصَّدر المناويِّ مدوَّن محفوظٌ في كتابه «كشف المناهج والتَّناقيح» (2/191) –وتقَّدم نقله آنفًا-، وفيه التَّنصيص على «الدِّمياطي»، لكنَّ الزَّين المناوي أثبتها مصحَّفةً إلى «العراقيِّ»، وقد اتَّفقت عدَّة نسخٍ خطِّيةٍ من «فيض القدير» على هذا الحرف، كما أنَّ القرينة الزَّمنية تشير إلى أنَّ ذكر «العراقي» غير مرادٍ، إذ الصَّدر المناويُّ معاصرٌ للحافظ العراقيِّ، بل توفِّي قبله بثلاثة أعوامٍ، والله أعلم. 5- «جزءٌ في صيام ستِّ شوَّالٍ» ، لأبي العبَّاس القرافي الشَّافعي، المعروف بابن الهائم (ت815هـ)، ذكره السَّخاويُّ في ترجمته من «الضَّوء اللامع» (2/157)، ضمن مؤلَّفاته، ثمَّ ذكر (2/158) سماع الأُبِّي لهذا الجزء من مؤلِّفه. 6- جزءٌ للحافظ أبي زرعة ابن العراقيِّ (ت826هـ)، ذكر فيه أسانيده لأحاديث صيام ستٍّ من شوَّال، مع الكلام على طرقها، وذكر مسائلها، وتفصيل أحكامها، وهو جزءٌ مفيدٌ، ما يزال في عِداد المخطوط، وقد أفردت التَّعريف بنسخته في مبحثٍ خاصٍّ في هذه المقالة (وهو المبحث الثَّالث ص11). 7- «تحرير الأقوال، في صوم السِّتِّ من شوَّال» ، لقاسم بن قطلوبُغا (ت879هـ)، وقد وقفت على طبعتين للكتاب: أ‌- أولاهما: تحقيق عبد الستَّار أبو غدَّة، وطبع في دار البشائر عام (1422هـ)، ضمن لقاء العشر الأواخر بالمسجد الحرام (رقم 26)، على ثلاث نسخٍ خطِّيةٍ. ب‌- وثانيهما: تحقيق عبد الحميد وعبد العليم الدَّرويش، ضمن «مجموع رسائل العلَّامة ابن قطلوبغا»، المطبوع في دار النَّوادر، عام (1434هـ)، على نسخةٍ خطِّيَّةٍ واحدةٍ. 8- «فضل صوم ستِّ شوَّال» ، ليوسف بن عبد الهادي، المشهور بابن المَبْرَدِ [14] الحنبليِّ (ت909هـ)، ذكره في «فهرست كتبه» (ص40 رقم556)، وذكر أنَّه من تصانيفه، ونقله الطّريقي في «معجم مصنَّفات الحنابلة» (5/103) من هذا الفهرس. 9- «تكميل الأعمال، بإتْباع رمضان بصوم السِّتِّ من شوَّال» ، لشمس الدِّين ابن طولون الصَّالحي (ت953هـ)، ذكره في «الفلك المشحون» (ص31 ط. القدسي). 10- «رسالة في حكم صوم السِّتِّ من شوَّال» ، لمحمد ابن منلا فرُّوخ الموروي المكِّي الحنفي (ت1061هـ)، ذكره عبد الله أبو الخير في «نشر النُّور والزّهر في تراجم أفاضل مكَّة»، كما في (المختصر ص488). 11- «رسالة في صوم السِّتِّ من شوَّال» ، لمصطفى بن محمَّد الأقحصاري الحنفيِّ (ت1169هـ)، أراد من خلالها تحرير مذهب الحنفيَّة، ولم تطبع بعد، منها نسخةٌ خطِّيَّة تقع في ورقة واحدة، بخطِّ المؤلِّف، منسوخة عام (1152هـ)، محفوظة في مكتبة «الغازي خسرو»، في سراييفو، برقم: (R2/ 761)، كما تراه في صورتها الملحقة في ختام هذا البحث (ص15). 12- «الاحتفال، بصوم السِّتِّ من شوَّال» ، للعلَّامة مرتضى الزَّبيدي (ت1205هـ)، ذكره صدِّيق حسن خان في «أبجد العلوم» (ص574)، وعبد الحيِّ اللكنوي في «نزهة الخواطر» (7/1111)، والبغداديُّ في «هدية العارفين» (2/347)، وفي «إيضاح المكنون» (2/347). 13- « تقييدٌ حول حديث: "من صام رمضان وأتبعه ستًّا من شوَّال" »، لمحمد الطيب بن عبد المجيد بن عبد السلام ابن كيران (ت1227هـ)، منه نسخة بخزانة «علَّال الفاسي» (برقم:389ع). 14- رسالةٌ في «إتباع رمضان بستَّة أيَّام من شوَّال»، للشَّيخ عبد الحميد بن باديس (ت1359هـ)، شرح فيها حديث أبي أيُّوب –رضي الله عنه- شرحًا مقتضبًا، طبعت ضمن مجموع آثاره (2/263-267 ط. الطَّالبي 1388هـ). 15- «صيام ستَّة أيَّام من شوَّال» ، للعلَّامة عبد الرحمن المعلِّمي (ت1386هـ)، طبعت ضمن «مجموع آثار الشَّيخ المعلِّمي»، بتحقيق: محمد عُزير شمس، وهي الرِّسالة (السَّابعة والعشرون) من «مجموع رسائل الفقه» (ج18/219-273). المبحث الثَّاني: فيه ذكر الكتب والأبحاث المعاصرة 16- «أحكام صيام الستِّ من شوَّال» ، د. سامي بن محمد الصّقير، بحث محكَّم، منشور في «مجلَّة العلوم الشرعيَّة» الصَّادرة عن جامعة القصيم، (عدد 2/ عام 2012م). 17- «إكمال المقال، في حكم صيام السِّتِّ من شوَّال»، لعبد العزيز بن ندى العتيبي، كتابٌ موسَّع، يطبع قريبًا – بمشيئة الله -. 18- «الإجمال، في الردَّ على من طعن في أحاديث صيام ستٍّ من شوَّال» ، لمحمد بن زايد العتيبي، كتاب مطبوع في دار البشائر، وقدَّم له: طارق عوض الله. 19- «الأحكام الفقهيَّة المتعلِّقة بصيام ستَّة أيَّامٍ من شوَّال» ، د. حمد بن محمد الهاجري، بحث محكَّم، منشور في «مجلة الجمعيَّة الفقهية السعوديَّة»، الصادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، (عدد 7/ شوَّال 1431هـ). 20- «المباحث الأصوليَّة في قوله –صلى الله عليه وسلم-: "من صام رمضان ثمَّ أتبعه ستًّا من شوَّال ... "، دراسة تطبيقيَّة»، د. محمد النتيفات، بحثٌ محكَّم، منشور في «مجلَّة الدِّراسات الإسلاميَّة والبحوث الأكاديميَّة» الصَّادرة عن كلِّيَّة دار العلوم بالقاهرة (عدد 79/ عام 2017م). 21- «النَّقد العلميُّ، لمن ضعَّف حديث الإمام مسلم في صيام ستٍّ من شوَّال»، د. عبد العزيز بن صالح اللحيدان، بحثٌ منشور، عام (1438هـ). 22- «تحرير الأقوال، فيما ثبت عن الإمام مالك في صيام الستِّ من شوَّال» ، د. صلاح بن أحمد آل الشَّيخ مبارك، بحث محكَّم، منشور في «مجلَّة قطر النَّدى»، الصَّادرة عن مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التُّراث في المغرب (عام 2010م). 23- «تحقيق الأقوال، في صوم السِّتِّ من شوَّال»، لعبد الباسط بن زايد بن علي، قدَّم له: يحيى بن علي الحجوري، كتاب مطبوع في دار الآثار، عام (1430هـ). 24- «حكم تقديم صيام ستٍّ من شوَّال على قضاء رمضان» ، د. حصَّة بنت عبد العزيز السّديس، بحث محكَّم، منشور في «حوليَّة مركز البحوث والدِّرسات الإسلاميَّة»، الصَّادرة عن كلية دار العلوم، في جامعة القاهرة (عدد 23/ عام 2011م). 25- «خلاصة المقال فيما يتعلَّق بصوم ستَّة أيَّام من شوَّال» ، لفاتح محمد زقلام، كتاب مطبوع، من منشورات دار الحكمة بطرابلس، عام (1997م). 26- «خيرة الآمال، في تحقيق أحاديث صيام السِّتِّ من شوَّال» ، لهادي بن قادري مَحجب، قرَّظه: أحمد بن يحيى النَّجمي، كتابٌ مطبوع في مكتبة أبي حمود العلميَّة، عام (1432هـ). 27- «رسالةٌ في حديث صيام السِّتِّ من شوَّال، وفقهه»، لياسين بن محمد بن رمضان، من منشورات دار ركابي للنشر، عام (2007م). 28- «صيام ستٍّ من شوَّال، دارسة حديثيَّة فقهيَّة» ، د. محمد مصلح الزُّعبي، بحثٌ محكَّم، منشور في «المجلَّة الأردنيَّة في الدِّراسات الإسلاميَّة»، الصَّادرة عن جامعة آل البيت في الأردن (عدد3/ رمضان 1430هـ). 29- «مشروعيَّة صيام ستٍّ من شوَّال، والردُّ على منكري ذلك» ، د. خليل إبراهيم ملا خاطر، كتاب مطبوع في دار القبلة، عام (2003م). 30- «نقض قول ابن دحية الكلبي ومن قلَّده في تضعيف صيام السِّتِّ من شوَّال» ، لعبد العزيز بن ندى العتيبي، كتابٌ مطبوع في دار غراس، عام (1427هـ). المبحث الثَّالث: فيه التَّعريف بجزء الحافظ أبي زرعة ابن العراقي أفرد الحافظ أبو زرعة ابن العراقيِّ (ت826هـ) في مسألة صيام ستٍّ من شوَّال جزءًا لطيفًا مفيدًا، افتتحه المؤلِّف بذكر (6) من أسانيده لحديث أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه -، وهي من أهمِّ أمارات قيمة الجزء ومنزلته، ثم ذكر أنَّ الكلام على الحديث من وجوه: الأول: في ترجمة صحابيِّه، ورجال إسناده، والثَّاني: ذكر فيه تخريجه، والاختلاف في إسناده، وبيان حاله صحَّةً وضعفًا، مع مناقشة قول من ضعَّفه، والثَّالث: ذكر فيه الأحاديث الواردة في الباب، وعدتها (9) أحاديث، ساق (5) منها بأسانيده أيضًا، والرَّابع: في الكلام على مفرداته، والخامس: في الفوائد المأخوذة منه، ثمَّ ينخرم الجزء في أثناء المسألة الأولى من هذا الوجه، وهي استحباب صوم السِّتِّ، ومناقشة المانعين، فالنُّسخة تفي بالمباحث الحديثيَّة تامَّة، وسقط منها غالب المباحث الفقهيَّة. وما يزال الجزء في عِداد المخطوط، تحتفظ بأصله المكتبة الأزهريَّة بمصر، ضمن مجموعٍ خطِّي برقم (93577)، يقع في (119) ورقة، يُفتتحٍ بهذا الجزء، ويمتدُّ فيه إلى الورقة (21/ب)، ثم بُترت بقيَّته الواقعة بعد ذلك، فهو إذن في (21) ورقة، في كلِّ ورقة –سوى الأولى- وجهان، في كلٍّ منها (15) سطرًا، ومتوسِّط عدد الكلمات في السَّطر الواحد (8-9) كلمات تقريبًا. وأوَّله (1/ب): «بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، وبه أستعين، وهو حسبي، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّدٍ وآله، وجدتُ بخطِّ الشَّيخ الإمام قاضي القضاة وليِّ الدِّين أبي زرعة أحمد، بن الشَّيخ الإمام العلَّامة زين الدَّين عبد الرَّحيم بن الحسين، الحافظ العراقي الشَّافعي –رحمه الله تعالى- ما نصُّه: أخبرني أبو عبد الله...»، فالنُّسخة منقولة من خطِّ المؤلِّف، وجاء التَّأكيد ثانيةً في حاشية (12/ب)، حين نقل النَّاسخ نقلًا من حاشية الأصل الذي انتسخ منه، وفيه: « بخطِّه : لعلَّه يحيى بن حمزة...». وآخر الموجود منه (21/ب): « وذكر والدي في "شرح التِّرمذي" أنَّ الذي يظهر من تخصيص شوَّال بالذِّكر: المبادرة بالأعمال خوفًا من فواتها، وإتباع العملِ الصَّالح بالعملِ الصَّالح، كما قال في الحديث الصَّحيح: وانتظار»، وتشير التَّعقيبة في أسفل الورقة إلى تتمَّة الحديث: «الصَّلاة»، غير أنَّ ما يلي ذلك مفقودٌ لم يوقف عليه بعدُ. واشتمل الجزء على أربعة نقولٍ نقلها المصنِّف أبو زرعة عن شرح والده الحافظ العراقيِّ لـ«جامع التِّرمذي» [15] ، مصرِّحًا بنسبتها إليه: «قال والدي في شرح التِّرمذيِّ...» ، وهذه المواضع مطابقةٌ لهذا الشَّرح المحال إليه [16] ، وروى أيضًا عن والده حديثًا واحدًا (12/أ)، وهذه دلائل تفيد توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلِّفه، لا سيما ونقْلُه عن والده بهذا الأسلوب مستعملٌ كثيرًا في مؤلَّفاته الأخرى، مع أنِّي لم أرَ من عدَّ «الجزء» ضمن مؤلَّفاته المذكورة في ترجمته [17] . والنُّسخة مكتوبة بالمداد الأسود بخطٍّ مغربيٍّ، وربما استُعملت الحمرة لتمييز بعض الكلمات، كصيغ التَّحديث في أوائل الأسانيد، ورؤوس المسائل، وما جرى مجراها، وكان للأَرَضَةَ [18] نصيبٌ منها، حيث عدَت عليها فأفسدت بعضًا من أطراف أوراقها، وقدرًا يسيرًا جدًّا من حروفها، بحيث لا يؤثر -في الجملة- على قراءة الكلمات وإثباتها، كما ترى هذا وغيرَه جليًّا في النَّموذجين المرفقين من هذه النُّسخة. غير أنَّ فقد أواخر الجزء أفقدنا اسم ناسخه وتاريخ نسخه على التَّحديد، لكن تشير القرائن من خلال هذا «المجموع» إلى تقدير زمن النَّسخ تقريبًا، وذلك كما يلي: أ‌- في صدر هذا الجزء (1/ب) يترحَّم النَّاسخ على مؤلِّفه وليِّ الدِّين أبي زرعة ابن العراقي (ت826هـ)، وهذا يؤذِن أنَّه نسخها من خطِّه بعد وفاته. ب‌- وحين ذكر النَّاسخُ قطبَ الدِّين ابن الخيضري الشَّافعي (894هـ) على ورقة العنوان (80/أ) من «الرَّوض النَّضِر، في حال الخَضِر» أثنى عليه ثناءً عاطرًا، وختمه بقوله: «أعزَّه الله تعالى» ، مما يشعر أنَّه نسخها أثناء حياة الخيضري، وبين وفاته ووفاة العراقيِّ (68) عامًا. ت‌- وجاء على ورقة العنوان (52/أ) من كتاب «الأزْهِيَة في أحكام الأدعية» لبدر الدِّين ابن بهادر الزَّركشيِّ (ت794هـ) وقفيَّة مؤرَّخة في مستهلَّ شهر رمضان –المعظَّم قدره- من شهور سنة (873هـ)، أي بعد وفاة ابن العراقيِّ بـ(47) عامًا فقط. فحاصل ما تقدَّم: أنَّها كُتبت بين عامَي (826 – 873هـ)، فهي نسخةٌ عاليةٌ، قريبة العهد من زمن المؤلِّف، ومنقولةٌ من خطِّه، وهذا رافعٌ لقيمة النُّسخة جدًّا، لا سيَّما والنَّاسخ مجوِّد لعمله فيما يظهر من أمارات عِدَّة، كندرة الخطأ والتَّصحيف، وإعجام عامَّة حروفها، مع ضبط كثيرٍ منها بالشَّكل، واستعمال التَّعقيبة، وغير ذلك من الدَّلائل الموثقة على أنَّ هذه النُّسخة التي بين أيدينا نسخةٌ مرضيَّة، جديرة بالوثوق، حقيقةٌ بالاعتماد –لولا نقص أواخرها-. والله أعلم، وصلى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين تم بحمد الله نموذجان من جزء الحافظ أبي زرعة مفتتح الجزء آخر ما وجد منه لتحميل النُّسخة الخطِّيَّة لجزء ابن العراقي كاملة • من خلال النَّقر على الرَّابط التَّالي: http://soo.gd/shawal • أو من خلال المسح على رمز الاستجابة: صورة رسالة الأقحصاري المذكورة في «المبحث الأول» برقم (11) [1] ينظر: «نشأة علم الببليوجرافيا عند المسلمين» من كتاب «المخطوطات والتُّراث العربي» للحلوجي (ص131)، «معجم اللغة العربية المعاصرة» (1/156). [2] وجعلت منتهى زمنها بوفاة الشَّيخ عبد الرحمن المعلِّمي (ت1386هـ) –V-. [3] وهي على ضربين: كتبٌ متواريةٌ لم يُعثر عليها بعد، وكتبٌ طبعت ونشرت، فمتى وقفتُ على الكتاب مطبوعًا بيَّنت ذلك، وإلا اكتفيت بالإحالة إلى المصدر الذي ذكره. [4] المذكور في «المبحث الأول» برقم (6). [5] وهي الواردة في هذا المقال بالأرقام (5 – 8 – 10 – 12). [6] على الرَّابط التَّالي/ http://www.alquatan.ma/Article.aspx?C=5761 [7] وهي الواردة في هذا المقال بالأرقام (2 – 7 – 12). [8] وهي الواردة في هذا المقال بالأرقام (11 – 13)، وقد نقلتها من مقالته مع إحالاته إلى مظَّانها، مستفيدًا ذكرها منه، على أنَّ الكتاب رقم (11 رسالة الأقحصاري) من إفادات الشيخين: العوضي والسريّع -وصورتها منه أيضًا-. [9] وهو الكتاب رقم (6) من الكتب التي ذكرها، وهي خطبةٌ منسوبة إلى مجهولٍ. [10] في «صحيح مسلم» (ح1) : «ويتقفَّرون العلم»، قال النَّووي في «شرحه» (1/155) : «معناه: يطلبونه ويتتبَّعونه، هذا هو المشهور». [11] كما أشار إليه ابن القيم في «مدارج السَّالكين» (2/279) –بتصرُّفٍ-، وفي «مقالات الطَّناحي» (2/549) وصيَّةٌ ثمينة بنشر العلم، وينظر في الأسى من ضدِّه: «آثار الشَّيخ المعلِّمي» (15/417). [12] وهذه أحد الفوائد المنقولة من جزء الدِّمياطي هذا، ونقل منه أيضًا: أبو زرعة ابن العراقي في جزئه –الآتي ذكره-. [13] تصحَّف في مطبوعة «الضَّوء اللامع» إلى «الحراري»، والحراويُّ هذا من جملة الآخذين عن الدِّمياطيِّ مباشرةً. [14] قال ابن حميد في «السُّحب الوابلة» (3/1167)، والغَزي في «النَّعت الأكمل» (ص67) : «ابن المبرد: بفتح الميم، وسكون الباء الموحَّدة»، ومثله في «المدخل المفصَّل» (1/438)، وزاد : «على وزن أحمد»، وفي حاشية «السُّحب الوابلة» (ط. مكتبة الإمام أحمد ص488) حاشية مهمَّة لم ترد في (ط. العثيمين 3/1167). [15] «تكملة شرح التِّرمذي» للحافظ العراقي (ت806هـ)، محقَّق في عدَّة رسائل جامعيَّة في كليَّة الحديث الشَّريف بالجامعة الإسلاميَّة بالمدينة المنوَّرة –يسَّر الله طبعه-، وشرح هذا الحديث ضمن الرِّسالة الخامسة منها، بتحقيق د. رباح العنزي، للعام الجامعيِّ (1424-1425هـ)، ويقع فيها بين (ص649 – ص673). [16] الموضع الأول: (10ب-11أ) = (ص657)، الموضع الثَّاني: (12ب-13أ) = (ص653)، الموضع الثَّالث: (21أ) = (ص668)، الموضع الرَّابع: (21ب) = (ص670). [17] ومما راجعته من كتب التراجم: «رفع الإصر» (ص60)، «المجمع المؤسس» (3/42)، «لحظ الألحاظ» (ص184)، «الضوء اللامع» (1/336)، «الأعلام» (1/148)، وغيرها. [18] قال الجوهري في «الصَّحاح» (3/1064) : «الأَرَضَة – بالتَّحريكِ - دويبة تأكل الخشب»، وينظر: «لسان العرب» (7/113)، وفيه أنَّها ضربان، ضرب منها آفة للخشب، والضرب الثَّاني «آفة كلِّ شيءٍ»، وفي «تاج العروس» (18/227) : «قلت: وفي تخصيصه الضَّربَ الأول بالخشب نظرٌ، بل هي آفةٌ له ولغيره».
كيف تحيا حياة صحية؟
أسامة طبش
12-09-2018
4,373
https://www.alukah.net//culture/0/129295/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%ad%d9%8a%d8%a7-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%a9%d8%9f/
كيف تحيا حياة صحية؟ إن الصحة كنز للإنسان، وعليه صيانتها والعناية بها؛ لأنها وقوده الذي يُمكنه من الحركة، والسعي في هذه الأرض. في نقاط، سنُقدِّم نصائحَ تمكِّن من العناية بجسم الإنسان وتُجنِّبه الأمراض: • ممارسة الرياضة: مارس الرياضة، وكن حركيًّا نشطًا، ولا يكفيك أن تُخصِّص نهاية الأسبوع؛ بل يجب أن يكون ذلك بشكل يومي ودوري ومنتظم، ولتبدأ خطوة خطوة لترفع الوتيرة، وتمشي نصف ساعة في اليوم. • الغذاء المتنوِّع: الأطعمة كلها مفيدة؛ ولكن الذي يضرُّ فيها هو عدم الاعتدال بالإكثار منها، فاعمل على تنويع غذائك بقَدَر، ولتُركِّز على الخَضْراوات والفواكه، وتناول الفواكه في وجبات منفصلة، حتى تحصُل منها على الفائدة المرجوَّة. • النوم: حافِظ على ساعات نومك، وهي تختلف بين فرد وفرد، من سبع ساعات إلى تسع ليلًا، وقيلولة بالنهار لا تتجاوز خمس عشرة دقيقة، هذا ما سيُريح جسدك ويُمكِّنه من استعادة قواه وشحن طاقته من جديد. • الغذاء الطبيعي: تناوَل الأغذية الطبيعية، وتجنَّب الْمُحوَّلة منها والْمُعلَّبة، وحاول التركيز على الخَضْراوات أكثر من اللحوم، وقلِّل ما فيه الكثير من الملح أو السكر أو الدهون المسببة للكوليسترول. • الغذاء المنتظم: نَظِّم وجباتك خلال اليوم، وليكن فطورُكَ غنيًّا؛ لأنك ستكون كثيرَ الحركة بالنهار، وقلِّل من الأكل في الظهيرة؛ لأن حركتك ستكون قليلةً فيها، وتناول وجبة خفيفة بالليل، ولتفصلها عن فترة النوم بساعتين، لتنام في راحة تامة. • التقليل من المنبِّهات: قلِّل من المنبِّهات؛ كالقهوة والشاي، رغم أنها مفيدة في بعض الأحيان؛ لكن الإكثار منها سيُثير الأعصاب لديك، وأنت تحتاج إلى الهدوء والاسترخاء، وتَنَاوَل الشاي في زمن بعيد عن الوجبات؛ لأنه يمنع امتصاص مادة الحديد الموجودة في الأغذية، وتوقَّف عن التدخين إن كنت مدخِّنًا، فهو طريقُكَ إلى الشيخوخة في أقرب وقت. • النظافة: اجعَل هندامَكَ الذي تلبسه نظيفًا والمكان الذي تكون فيه نظيفًا، وغذاءك الذي تتناوله نظيفًا ؛ فإن ذلك سيَقيكَ من الملوِّثات الموجودة بالمحيط التي قد تُشكِّل خَطَرًا على جسدك، وتُسبِّب له الأمراض الفاتكة به. هذه النصائح مفيدة للإنسان، ولكل فردٍ منا أساليبه في الحياة، ونظامه الخاص الذي يسير على ضوئه، فدعم هذا الجانب مهم؛ لأننا مستأمنون على أجسامنا، وعن طريقها نتحرَّك في مشارق الأرض ومغاربها، ونحقِّق أهدافنا.
سيكولوجية المال
د. زيد بن محمد الرماني
12-09-2018
9,442
https://www.alukah.net//culture/0/129294/%d8%b3%d9%8a%d9%83%d9%88%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84/
سيكولوجية المال يرى كثير من الباحثين والمفكرين أن هناك علاقة وثيقة بين اللغة والمال وتحديداً بين اللغة والنقود. ودراسة هذه العلاقة من شأنها أن توفر كثيراً من الجهد والوقت في معرفة سيكولوجية المال. فهناك تشابه كبير بين اللغة والمال، إذ كلاهما وسيلة من وسائل تيسير وتسهيل التفاعل الاجتماعي وتلخيص المواقف في الحياة اليومية. ويبدو التشابه أيضاً في التركيبات اللغوية والألفاظ التي نستخدمها، فنحن نقول: ((الثروة المالية)) ونقول أيضاً: (( الثروة اللغوية )). فالكلمة عملة التفكير، ونحن نمتلك منها أرصدة سائلة، والكلمة أداة تبادل السلع المعنوية بينما العملة أداة لتبادل السلع المادية. فثروة المعرفة الإنسانية كلها تقوم على الكلمات وتبادلها، كما أن كنوز الحياة المدنية والاجتماعية ترتبط بالنقود. والفرق بين الكلمة والنقود، هو أن الكلمة يمكن إعادة إنتاجها من دون جهد اقتصادي، بينما النقود مادة غير قابلة لإعادة الإنتاج، وهناك فرق آخر يتصل بالتصرف في الكلمات والتصرف في النقود، فالاحتفاظ بذكرى ورقة نقدية ليس مثل الاحتفاظ بذكرى كلمة. والجانب المادي للكلمات ليس أقل قيمة وأهمية من الجانب المادي للنقود، فالكلمات يمكن أن تكون لها قيمة سلعية، ولو لم يكن الأمر كذلك لما استطاعت طائفة من كل صانعي وصائغي العبارات الرنانة أن تكسب رزقها، وهي فئة من نسميهم بـ ((بائعي الكلام)). يقول الدكتور أكرم زيدان في كتابه النفيس (سيكولوجية المال): الباحث في سيكولوجية المال هو أحوج ما يكون إلى المنهج العلمي الجاد الذي يساعده على التفسير والتحليل والتركيب واستخلاص المعاني، وخصوصاً أن ظاهرة المال ظاهرة مركبة تحمل كثيراً من الاتجاهات النفسية والعقلية وتتداخل فيها آراء العامة والخاصة والمثقفين والجهلاء. فإذا كانت القضايا المهمة التي نواجهها بين الحين والحين قد تدفعنا إلى البحث عن معلومات عنها لمعرفتها وفهمها حتى نتمكن من التعامل معها والسيطرة عليها، فما بالنا بقضية المال التي نواجهها بصورة دائمة ومستمرة في حياتنا اليومية؟ تلك القضية التي تدفع الكثير منا إلى البحث عن معلومات عنها والتساؤل عن ماهيتها وحقيقة جوانبها الإيجابية والسلبية، فما أكثر الأسئلة التي تثار حول المال من قبيل: هل المال يؤدي إلى السعادة؟ هل هو شر أم خير؟ وهل في مقدوره أن يغير من سماتنا وخصائصنا الشخصية؟  وما الدور الذي يؤديه في حياتنا النفسية والاجتماعية وفي الاضطرابات النفسية التي تبدو في الحقد والحسد والغيرة والضغينة والشهوة والكذب والرياء والافتراء والهوس بالثراء والرشوة والاختلاس؟ هل الجرائم والآثام والحروب والشرور والزلات التي يرتكبها البشر هي بسبب المال؟ يؤكد د. زيدان ذلك في كتابه بقوله: كل هذه الأسئلة ترينا كيف أن المال ليس مجرد موقف اقتصادي يمر بنا، إنما هو خبرة وجدانية معيشية يُكوّن من خلالها الفرد مجموعة من القيم والاتجاهات النفسية والاجتماعية التي تشكل نظرته ونظريته نحو المال، وقد لا نكون مبالغين إذا قلنا إن كل فرد منا له نظرية عن المال. إذن نحن بحاجة إلى نظرية سيكولوجية عن المال لا تنظر إلى محسوس الظاهر وإنما إلى مدلول المضمون، لأن المال بالنسبة إلى الكثيرين يمثل وجدانا حياً مليئاً بالرموز التي تختلف من فرد إلى آخر، فإذا تعاملنا معه بما تراه أعيننا، فإننا لن نرى منه سوى الجانب الاقتصادي المتمثل في البيع والشراء والاستهلاك والثمن، ووقتها لن يصدقنا أحد إذا قلنا إن للمال سيكولوجية وأنه يمثل رمزاً للاستقلال، أو القوة والتحكم، أو الشعور بالأمان، أو أنه مظهر من مظاهر الدافعية، أو أنه يلعب دوراً مهماً في بعض الاضطرابات الشخصية، أو أنه السبب الرئيس في الكثير من المشكلات الاجتماعية وأمراض المجتمع، وهذا معناه أن النظرية السيكولوجية للمال يجب ألا تبنى فقط على أساس مشاهدات وملاحظات سلوك المال للأفراد، إنما تتخطى ذلك إلى البحث في الصراعات النفسية والمشكلات الاجتماعية التي يثيرها المال.
الفيزياء في الحضارة الإسلامية
أ. د. عبدالحليم عويس
05-09-2018
25,860
https://www.alukah.net//culture/0/129141/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%8a%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/
الفيزياء في الحضارة الإسلامية يُعَرِّف ابن خلدون العلومَ الطبيعية أو الفيزياء بأنها: " العلوم التي تبحث عن الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة والسكون" . وكما يذكر دونالد هيل فهناك نوعان من الفيزياء: تأمُّلية ( نظرية )، وعملية. وقد نزع هذان المدخلان إلى التقارب منذ الثورة العلمية في أوروبا ( القرن السابع عشر الميلادي )، واتَّجها على أن يصبح كلاهما مكملًا للآخر. أما في العصور الوسطى، فقد كان المدخلُ التأملي هو الأكثر اعتبارًا بين العلماء؛ بسبب النفوذ الهائل لأرسطو الذي أهمل دور الملاحظة، ومع ذلك فقد بلغ التبجيل لأرسطو حدًّا جعل تأثير أفكاره محبطًا للفكر الإبداعي، وفي الوقت نفسه كان هناك في العالم الإسلامي عددٌ من العلماء العظماء الذين أخذوا بالأسلوب العملي، وحققوا بعملهم هذا نتائج بالِغة الأهمية في مجال البحوث الفيزيائية [1] . وقد بدأ علم الفيزياء في الحضارة الإسلامية - شأن غيره من العلوم التجريبية - بترجمة التراث العلمي الفيزيائي في الحضارات السابقة، ولا سيما الحضارة الإغريقية، ومِن أهم المراجع اليونانية في علم الفيزياء والتي ترجمت مبكرًا إلى اللغة العربية، كتاب " الحركات " وكتاب " الحيل "، وكلاهما لأرسطوطاليس، وكتاب " رفع الأثقال "، وكتاب "في الأشياء المتحرِّكة من ذاتها"، من تأليف (أيرن)، وكتاب في "الآلات الحربية" لهيرون الصغير، ومنها أيضًا كتاب " الثقل والخفة " لأوقليدس، وكتاب " ساعات الماء التي ترمي بالبندق " لأرشميدس، وغيرها كثير، وقد درس علماءُ العرب والمسلمون هذه المؤلَّفات، ووقفوا على محتوياتها، ثم أدخلوا تغييرات بسيطة على بعضها، وتوسَّعوا في البعض الآخر، واستطاعوا أن يزيدوا عليها زيادات تُعتبر أساسًا لبحوث الطبيعة المتنوعة [2] . وفيما يلي نبذة مختصرة عن أبرز منجزات المسلمين في فروع علم الفيزياء: أ- علم الحيل أو الميكانيكا: في العصور اليونانية المتأخرة كرَّس عددٌ من العلماء بعضَ اهتمامهم للميكانيكا بنوعيها؛ (ميكانيكا الجوامد، وميكانيكا الموائع)، وهم: أرشميدس (ت 212 ق. م)، وفيلون البيزنطي (نحو230 ق. م)، وهيرون الإسكندري (عاش حتى 60م)، ومينيلاوس (نحو 100م)، وبابوس الإسكندري (أوائل القرن الرابع الميلادي). وكانت أعمال هؤلاء الرجال معروفةً جيدًا للمسلمين، وأهمها رسائل أرشميدس المختلفة حول الإستاتيكا والهيدروستاتيكا، وقد كان كتاب " الميكانيكا " لهيرون مهمًّا أيضًا، وتم إحياؤه بترجمة عربية ممتازة على يد قسطا بن لوقا في القرن التاسع الميلادي، وتضم محتوياته حركة ثقل معلوم بقوة معلومة بواسطة تروس ومسائل هندسية، والحركة على مستوى مائل، وتوزيع الأحمال على عدد من الدعامات، والآليات الخمس البسيطة واستعمالاتها فرادى أو مجتمعة، والفائدة الميكانيكة، ومراكز الثقل ( الجاذبية ) لأشكال مختلفة، ورفع الآلات والضغوط [3] . ومن أشهر العلماء المسلمين الذين كتبوا في علم الميكانيكا: أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (الفيلسوف البغدادي الشهير) (ت 252هـ/ 867م)، وقد اهتمَّ الكندي اهتمامًا كبيرًا بعلم الميكانيكا، حتى إن العلماء كانوا يعتمدون على نظرياته عند القيام بأعمال البناء، كما حدث عند حفر الأقنية بين دجلة والفُرات. أبناء موسى بن شاكر البغدادي: محمد وأحمد وحسين: ولقد كان ثلاثتهم من كبار علماء الرياضيات والفلك في بيت الحكمة ببغداد، يقول القفطي: "كانوا أبصرَ الناس بالهندسة وعلم الحِيَل، ولهم في ذلك تآليف عجيبة، تُعرف بحيل بني موسى، وهي شريفة الأغراض، عظيمة الفائدة، مشهورة عند الناس". ويصف ابن خلِّكان ( كتاب الحيل ) الذي صنفه الإخوة الثلاثة بأنه عجيب نادر، يشتمل على كل نادرة، وقد يكون هو الكتاب الأول الذي يبحث في الميكانيكا، ولقد وقفتُ عليه فوجدته من أحسن الكتب وأمتعها، وهو مجلد واحد". ومن الجدير بالذكر أن هذا الكتاب جمع فيه مؤلِّفوه علم المكيانيكا القديمة إلى جانب تجاربهم الخاصة، ويحتوي على مائة تركيب ميكانيكي؛ عشرون منها ذات قيمة علمية. وقد برع علماء الحِيَل أو الميكانيكا في عمل آلات الحركة، وفي صناعة الأواني العجيبة ذات المنافع الكثيرة، ونعني بها: الآلات والأواني التي ابتكرها علماء بغداد للمنفعة العامة؛ كتدبير المنزل، أو آلات الحرب والري، والآلات الفلكية والساعات. وتذكر المؤلِّفة الألمانية ( زيغريد هونكه ) في كتابها ( شمس العرب تسطع على الغرب ): أن أحمد بن موسى بن شاكر (أحد الإخوة الثلاثة) تفنَّن في الهندسة الميكانيكية، فاخترع تركيبًا ميكانيكيًّا يسمح للأوعية أن تمتلئ تلقائيًّا كلما فرغت، ويجعل القناديلَ ترتفع فيها الفتائل تلقائيًّا كلما أتت النار على جزء منها، ويُصب فيها الزيت تلقائيًّا، ولا تنطفئ عند هبوب الريح عليها، كما ابتكر آلة ميكانيكية للزراعة والفلاحة تُحدث صوتًا بصورة تلقائية كلَّما ارتفع الماء إلى حدٍّ معيَّن في الحقل عند سقيِه، واخترع عددًا كبيرًا من النافورات التي تظهر صورًا متعددة بالمياه الصاعدة" [4] . أبو عبدالله الخوارزمي: وكتابه "مفاتيح العلوم" يحظى بأهمية خاصة، فهو موسوعةٌ للعلوم، والمقالة الثامنة منه مخصصة للميكانيكا، وتنقسم إلى قسمين: أولهما: بعنوان "في تحريك الأثقال بقوة أقل والآلات المستخدمة لذلك الغرض": ومن ثم يتَّضِح أنه مستوحى مِن "هيرون"، لكن ما جاء في كتاب "مفاتيح العلوم" أكثر إيجازًا من نظيره في كتاب "الميكانيكا" لهيرون، وقد اقتصر الخوارزمي في مدخل (مادة) كل آلة على مناقشة أصل اسم الآلة وتاريخه (أتيمولوجيا الاسم)، مع وصف موجز لتركيب الآلة، والغرض منها، وحدَّد كل مدخل في عدة جُمل، وتشمل موضوعات هذا الفصل: الرافعة، ونقطة الارتكاز، والبكرة، والأسفين واللولب. أما القسم الثاني من المقالة الثامنة، فهو يُعنى بالمكونات المستخدمة في الآلات البارعة الحيل ( Ingenious devices )، وآلات أخرى [5] . أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز الجزري (ت 529هـ/ 1134م): وهو عالم عراقي، عُني بعلم الميكانيكا، وصنَّف فيه كتاب "الحيل" أو "الجمع بين العلم والعمل"، وقد اهتمَّ في هذا الكتاب اهتمامًا كبيرًا بالمسائل العلمية لعلم الهيدروليكا، والآلات المتحركة بذاتها. ب- علم المناظر والضوء "البصريات": ويُعنَى هذا العلم بالبحث في نظرية الضوء وخواصِّه وظواهره وتطبيقاته والأجهزة البصرية بمختلف أنواعها، ويعرف علم المناظر في اليونانية باسم "أوبطيقا"؛ بمعنى البصريات. ومن أهم الكتب اليونانية التي ترجمها العرب في علم البصريات كتاب "تحرير المناظر" لأوقليدس، وكتاب "البصريات" لبطليموس، ويعد الفيلسوف أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي (ت 252هـ/ 866م) من أوائل المشتغلين بهذا العلم في الحضارة الإسلامية؛ فهو كما يذكر دونالد هيل أول كاتب عربي يُعنَى بعلم البصريات. ومن مصنفاته في هذا العلم رسالة في " اختلاف المناظر "، ورسالة أخرى في " المناظر الفلكية "، ورسالة في " اختلاف مناظر المرآة "، وصنَّف أيضًا رسالة في "عمل المرايا المحرقة"، ذكر فيها أنه يعرف عشرين شكلًا لها، وأوضح كيفية صنع المرآة المحرقة التي ينعكس منها أربعة وعشرون شعاعًا على نقطة واحدة، وكيف تكون النقطة التي تتجمع فيها الأشعة على أي بُعدٍ مِن وسط سطح المرآة، وقد دعَّم ذلك بالرسوم الهندسية. وللكندي رسالة في " مطرح الشعاع "، نوَّه فيها إلى أن أرشميدس صنع مرايا مقعرة كرية الشكل، واستخدمها لحرق سفن العدو التي اقتربت من (سيراكوزة) بجزيرة صقلية. ومن كتبه المهمة المبتكرة في هذا الحقل العلمي رسالة في "اللون اللازوردي المحسوس من جهة السماء"، ردَّ فيها اللونَ إلى غياب أو حضور نور الشمس، وأرجع زرقة السماء إلى إظلامِها، وإلى ذرَّات الغبار والبخار وضوء الشمس، على اعتبار أن اللون ما هو إلا نتيجة إدراكنا لتفاعل هذه الأشياء [6] . أما أشهر علماء البصريات في الحضارة الإسلامية غير مدافع، فهو الحسن بن الهيثم البصري البغدادي المصري، (ت 403هـ/ 1039م)، وُلِد الحسن بن الهيثم في عام (354 هـ/ 965م) في البصرة، وهو أحد علماء ثلاثة يَزدهِي بهم تاريخ العلم كله، وهم ابن سينا، وابن الهيثم، والبيروني، وهو بين علماء الطبيعة (الفيزياء) الإسلاميين يعتبر الأرفع شأنًا، والأعلى كعبًا، والأرسخ قدمًا. وقد دأب ابن الهيثم على تحصيل العلوم الفلسفية والطبية والفلكية والرياضية؛ قرأها قراءة تدبر وتفكير ودراسة، وعُني بتلخيصها وشرحها، ثم ألف فيها العديد من الكتب والرسائل، والتي بلغت في مجموعها ما يزيد على المائتين في شتى مجالات المعرفة والعلوم، فبلغت في العلوم الرياضية (25) كتابًا، وفي الهندسة (21) كتابًا، وفي الحساب (3) كتب، وفي الطبيعة (الفيزياء) (24) مجلدًا، وفي الفلك (24) كتابًا، وفي الطب كتابين، وفي الفلسفة والمنطق وعلم النفس ما يزيد على أربعين مؤلفًا. وتدل كتابات ابن الهيثم على استقلالِه الفكري، وقد أخذ ابن الهيثم بالاستقراء والمشاهدة والاستنتاج؛ مما وضعه في مقدمة علماء الطبيعة النظرية؛ بما وضع في ظواهر الضوء من نظريات في الإبصار، وقوس قُزَح، وانعكاس الضوء وانعطافه، كما يضعه منهجُه ذلك في المقدمةِ في علم الطبيعة، بما أجراه من بحوث مبتكرة في علم الضوء، وخاصة عندما أبطل الآراءَ القديمة في علم الضوء، والتي تقوم على أن رؤية الأشياء تتم بخروج شعاع من العين إلى الجسم الذي تبصره؛ فأكد أن الأشياء المرئية هي التي تعكس الأشعة على العين فتبصرها بواسطة عدستها. وهكذا جعل ابن الهيثم علم الضوء يتَّخِذ صفةً جديدة، وينشأ نشأة أخرى غير نشأته الأولى، فكانت نظرياته هي الأساس الذي قام عليه علم الضوء الحديث. ويعتبر كتاب "المناظر" لابن الهيثم من أكبرِ الكتب استيفاءً لبحوث الضوء، وأرفعها قدرًا، وهو يجري في عرضِه للمادة العلمية على غرار أحدث الأساليب العلمية القائمة على التجرِبة والمشاهدة والاستنتاج. وقد أجمع علماء الغرب المحدَثون على أن المسلمين تفوَّقوا تفوقًا باهرًا في ميدان الفيزياء؛ وبخاصة ما يختص بالعدسات، والبصريات، والصوت، والمغناطيسية، والجاذبية، فقد سبَقوا علماءَ الإغريق. وكان لكتاباتِ ابن الهيثم تأثيرٌ كبير على علماء الغرب؛ أمثال روجر بيكون، وكيلر، وغيرهما، بالنسبة لعلم الضوء والبصريات، فابن الهيثم هو أول مَن كتب في أقسام العين، كما كتب في خصائص العدسات والمرايا، وفسَّر كثيرًا من الظواهر الضوئية في الطبيعة؛ مثل انكسار الضوء الذي يصل إلينا منبعثًا من الأجرام السماوية، والهالة التي ترى أحيانًا حول الشمس والقمر. ويقول دونالد هيل - منوهًا بفضل ابن الهيثم في مجال علم البصريات -: "الحقيقة أن كتاب (المناظر) يعد إلى حدٍّ بعيد هو الأعظم تأثيرًا من بين أعمال ابن الهيثم، ونظرًا لطبيعة كتاب ابن الهيثم البالغة التعقيد، بما تجمعه من اعتبارات فيزيائية ورياضية وتجريبية وفسيولوجية وسيكولوجية بطريقة متكاملة منهجيًّا - فإن تأثيره فيمَن جاء بعده من علماء البصريات - سواء في العالم الإسلامي أو في الغرب - كان عظيمًا دون أدنى مبالغة" [7] . كما كتب الخازن البصري أبحاثًا في المرايا وأنواعها وحرارتها، وله كتاب مشهور في علم الطبيعة هو "ميزان الحكمة"؛ الذي ترجم إلى عدة لغات أوروبية، وقام ابن سينا بدراسات جديدة في الحركة والطاقة والفراغ والضوء، وكتب الخوارزمي في الروافع "الميكانيكا"، كما كتبوا في الصوت وصداه [8] . ج - الساعات الشمسية والمائية: تعدُّ صناعة الساعات مِن أهم ما أبدَعه المسلمون في عالم الميكانيكا، وكانت الساعات الشمسية النقَّالة مِن أكثر ابتكاراتهم فنًّا وأصالة، وكانت تعرف عندهم بساعة الرحلة، وكانت دائرية الشكل؛ في وسطها محور لتحديد موضع الشمس والوقت. وقد اقتصرَت الفائدة في استعمال الساعة الشمسية (المزولة) على أيام الصحو، أما في أيام الغيم والمطر، فقد تعذر استعمالها؛ لأنها تقوم أساسًا على الظل، ومِن ثمَّ اضطر العلماء إلى استنباط الساعة المائية لحل المشكلة الوقتية، ولعل أبا يوسف الكندي (الفيلسوف البغدادي) كان أول مَن ألف رسالة في عمل ساعات مائية، على صفيحة تنصب على السطح الموازي للأفق [9] . وقد تقدَّمت صناعة الساعات في العالم الإسلامي في القرون الثلاثة (السادس والسابع والثامن) للهجرة، وتخصَّص بعض المهندسين في صنع آلاتها؛ مثل: علي بن تغلب بن أبي البيضاء (ت 683هـ/ 1284م)، ومما ينسب إليه تدبير الساعات المعلقة على أبواب المدرسة المستنصرية في بغداد، ويقال: إنه هو الذي صنعها. د - الروافع ومراكز الأثقال: وقد كان للعلماء المسلمين بحوثٌ نفيسة في دراسة الروافع وعملها، وكان لديهم عدد غير قليل من آلات الرفع، وكلها مبنيَّة على قواعد ميكانيكية تمكنهم من جرِّ الأثقال بقوى يسيرة. وقد ذكر محمد بن موسى الخوارزمي (ت 236هـ/ 851م) في كتابه (مفاتيح العلوم) بعضَ التفاصيل عن هذه الآلات؛ مثل آلة المحيط، والبرطيس، والبيرم، والأسفين، واللولب، وغيرها، وهي كلها تعتمد على الارتكاز والمحاور. أما علم مراكز الأثقال : فقد صنَّف فيه من العلماء: أبو سهل الكوهي البغدادي (ت 405هـ/ 1014م)، وكان له السبق في دراسة مركز الأثقال؛ حيث استخدم البراهينَ الهندسية لحلِّ كثيرٍ مِن المسائل التي لها عَلاقة بإيجاد مركز الثقل، وكانت مثل هذه الدراسات تنال عناية عظيمة مِن طرف معظم علماء بغداد. ويذكر (محمد عبدالرحمن مرحبا) في كتابه "الموجز في تاريخ العلوم عند العرب" أن أبا سهل الكوهي تلقَّى ما عند اليونان من معلومات هزيلة في حقل مراكز الأثقال، فجاء ببحوث جديدة في هذا الحقل؛ منها كيفية استخراج ثقل الجسم المحمول، وكذلك بحوث قيمة في المبادئ التي تقوم عليها الروافع. الموازين: وقد أدَّى التعمق في دراسة مراكز الأثقال ونظريات الروافع إلى اهتمام المسلمين بعلم الموازين دراسةً وتأليفًا وصناعةً، فعَرَفوا منها أنواعًا متعددة كالميزان العادي، والميزان المعروف بالقرَسْتون (الميزان ذي العاتق)، ويعرف أيضًا بالقبان، الذي جاء وصفه في رسائل إخوان الصفا (وهم جماعة فلسفية، عاشوا في البصرة وبغداد في أواخر القرن الرابع الهجري). ومن العلماء البغدادين الذين صنفوا في الموازين وعلم الأوزان: 1 - ثابت بن قرة الحراني البغدادي (ت 288ه/ 900م)، صنَّف كتابين: أحدهما: كتاب "صفة استواء الوزن واختلافه وشرائط ذلك"، والثاني: كتاب "القرَسْطون". 2 - أبو بكر محمد بن زكريا الرازي البغدادي (المتوفى 320ه/ 932م)، وهو عالم موسوعي كبير، تقدَّم ذكرُه في علم الطب، وقد صنَّف عددًا من الكتب في علم الميكانيكا؛ منها "كتاب في أن للجسم حركةً من ذاته، وأن الحركة معلومة"، و"كتاب الحيل"، وصنف كذلك في الموازين كتاب "الميزان الطبيعي" [10] . ه - الجاذبية الأرضية: درس علماء الفيزياء المسلمون قوةَ التثاقل الناشئة عن الجاذبية الأرضية، وسموها الميل الطبيعي، مفترضين أن لكل جسمٍ مكانه الطبيعي في منظومة الكون، فإذا ما أخرج منه قسرًا، نزع إلى استعادة مكانه الطبيعي. ومن أبرز العلماء المسلمين الذين درَسوا تساقط الأجسام تحت تأثير الجاذبية الأرضية: • ثابت بن قرة الحرَّاني البغدادي (ت 288هـ). • وأولاد موسى بن شاكر المنجم. • وأبو الوفا البوزجاني البغدادي (ت 389هـ). • والبيروني (ت 441هـ). • وابن سينا (ت 428هـ). • والخازني (ت 550هـ). • وأبو البركات هبة الله بن مَلْكا البغدادي (480 - 560هـ)، وغيرهم. وهؤلاء جميعًا حاوَلوا أن يُعلِّلوا العديد من خواصِّ الجذب؛ "فالمَدَرة - كما يقول ثابت بن قرة الحراني البغدادي - تعود إلى السفل؛ لأن بينها وبين كتلة الأرض مشابهة في كل الأعراض، من البرودة واليبوسة والكثافة، والشيء ينجذب إلى مثله، والأصغر ينجذب إلى الأعظم، وإلى المجاور الأقرب، قبل انجذابه إلى مجاوره الأبعد". وقد ردَّ البيروني على المعترضين على دوران الأرض حول محورها؛ لأنها في زعم المعترضين لو دارت حول نفسها لطارت من فوق سطحها الأحجار، واقتلعت الأشجار؛ فردَّ عليهم بأن الأرض تجذب ما فوقها نحوَ مركزِها. وكان للخازني دورٌ جليل في علم الجاذبية، وشرح في تجارب كثيرة كيف أن جميع أجزاء الجسم تتجه إلى مركز الأرض عند سقوطها؛ وذلك بسبب قوة الجاذبية، وعرف كذلك نسبة السرعة المتصاعدة في سقوط الأجسام، فذكر في كتابه "ميزان الحكمة" أن الجسم الثقيل هو الذي يتحرَّك بقوة ذاتية أبدًا إلى مراكز العالم، أي: إن الثقل هو الذي له قوة تحركه إلى نقطة المركز. ومن الدراسات التي خاض فيها العلماءُ المسلمون، وتتعلَّق بظاهرة الجاذبية، بحثُهم في حركة المقذوفات؛ مِن حيث إن حركتها إلى أعلى تعاكس فعل عجلة الجاذبية الأرضية، أو أن القوة القسرية التي قُذف بها الجسم تعمل في تضادٍّ مع قوة الجاذبية، وقد بحث هذه المسألة أبو البركات هبة الله بن مَلْكا البغدادي (ت 560هـ/ 1164م) في كتابه "المعتبر في الحكمة" [11] . وهكذا مهَّد العلماء المسلمون السبيل ببحوثهم ودراساتهم أمام العالم الإنجليزي (نيوتن) (ت 1727م)؛ لكي يصوغ قانون الجاذبية الأرضية، وبهذا قدَّموا للتقدُّم الإنساني العلمي يدًا لا يجحدها إلا العنصريون المتعصبون، الذين يرون أنفسهم مركز الكرة الأرضية، أما غيرهم، فمجرد حواشٍ وأشباه آدميين! [1] دونالد. ر.هيل: العلوم والهندسة، ص (87، 88). [2] د. طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (259). [3] دونالد. ر.هيل: العلوم والهندسة، ص (89). [4] د. طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (259، 260). [5] دونالد. ر.هيل: العلوم والهندسة، ص (90). [6] د. طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (266). [7] دونالد. ر. هيل: العلوم والهندسة في الحضارة الإسلامية، ص (107، 108). [8] د/ إسماعيل أحمد ياغي: أثر الحضارة الإسلامية في الغرب، ص (73)، وما بعدها. [9] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (260). [10] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (261، 262). [11] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (265).
الكتابات الهدامة وبؤس ازدراء الدين
نايف عبوش
05-09-2018
6,883
https://www.alukah.net//culture/0/129140/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a8%d8%a4%d8%b3-%d8%a7%d8%b2%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86/
الكتابات الهدَّامة وبؤس ازدراء الدين تُركِّز الكتابات الحَداثيَّة اليوم بشقَّيها الفكري والفلسفي اهتمامَها على مركزية الإنسان، وتمجيد العقل البشري بمغالاة غريبة، تجاوزتْ معها كل الغيبيَّات، في محاولة مُتعمَّدة لتقديس العقل الإنساني بذريعة الموضوعية، وتحت أوصاف العلمية والعقلانية والاستنارة تارة، والبنيوية والتفكيكية، وغيرها من التسميات تارة أخرى. ولعلَّ الهوَس بمعطيات العلوم المعاصرة، وما أنجزتْه الثورة المعلوماتية والتكنولوجية من إنجازات مادية ملموسة، هو ما شَجَّعها على التبجُّح بالمنجزات العلمية وتقديس الإنسان، والمسِّ بالمقدَّسات الغيبيَّة، وازدراء الدين، وإنكار الخالق، في مسلك فوضوي بائس، بعيد عن العلمية الحقَّة، والموضوعية المنصِفة. ومع أن مماحكات بعض الحداثوية، والملحدين، وإن اختلفت ألفاظُها، وتنوَّعَتْ طرائقيَّةُ عروضها، لا تختلف من حيث الجوهر عن مقولات المغالطين من مشركي عرب الجاهلية الذين أذعنوا في نهاية الأمر لحقيقة الخالق، والإرادة الإلهية في الخلق والتدبير، فإن من الضروري الإشارة إلى أن التعاطي مع الغيب وما وراءه، ينبغي أن يتمَّ وَفْقًا لمنهجية العلوم الإسلامية المعتمدة في هذا المجال، وليس فقط بمعيار العلم التجريبي، والعقل الفلسفي المجرد. فكما أن علوم الطبِّ تُدرَس بمنهجيَّات لا تصحُّ إلَّا في بحث العلوم الطبية، وأن علوم الفيزياء لا تُدرَس إلَّا من خلال المنهجية المعتمَدة في بحثها وهكذا، فإنه لا يصحُّ أيضًا من باب أَولى، أن تجري دراسة الظواهر الغيبية والدينية إلَّا من خلال منهجية المعرفة الإسلامية المتراكمة في هذا المجال. وهكذا فإن ازدراء الدين والإساءة إلى الذات الإلهية والأنبياء، إنما هو حالة متخلِّفة، وظاهرةٌ غير حضارية ابتداءً، وتفتقر إلى الحد الأدنى من اللياقة في احترام المعتقدات الدينية، حتى إذا ما تمَّ غَضُّ النظر عن أي معايير دينية تمنَع أو تُحرِّم الازدراء والإساءة. ولعل ظاهرة الإلحاد التي تزدري الدين، إنما تعكس حالة جفاف معنوي، وإفلاس رُوحي؛ بل علمي، فليس كل ما لا يُدركه العقل أو ما لا تُحِسُّه، وتُحيط به الحواسُّ، يجب أن يُنكر؛ لذلك يبقى حال الملحد كحال راعي إبل يُنكر جبال الهملايا؛ لأنه لا يراها ماثلةً أمامه في اللحظة. وإذا ما غابتْ عنا كُلُّ الحقائق من الذرَّة إلى المجرَّة، فلا شكَّ أن حقيقة الموت اليقينية التي نُواجِهُها يوميًّا في معيَّتِنا، والتي سنُواجِهُها حقَّ اليقين في ذواتنا يومًا ما مهما كابَرْنا، هي أكبرُ برهانٍ على تهافُت الإلحاد أمام حقيقة الذات الإلهية التي خلَقتِ الموتَ والحياةَ، والتي ليس بمقدور أحد أن يتحكَّم بأجلهما مهما بلغ من العلم والسطوة. وتجدُر الإشارة إلى أنه حتى الآن لم يتقاطَعِ العلمُ في أدقِّ تفاصيله ومكتشفاته مع حقائق الدين؛ بل إن تناغُمَ العلم في مكتشفاته مع القرآن الكريم، أذهلَ العلماء والفلاسفة، فبدأ الكثير منهم يُعلِن إسلامه عن قناعة علمية تامَّة دون أن يطلب منه أحدٌ ذلك، ومن هنا فإن الكتابات الهدَّامة، والدعوات إلى الإلحاد، إنما هي تعبيرٌ مُتهافِتٌ عن حالة ضياع فكري، وجفاف رُوحي، واستلاب معنوي، تُغذِّيها عواملُ كثيرة، لعل في مُقدِّمتها ثقافة الكَسْب المادي، وضجيج العصرنة الصاخب، وغياب التربية الدينية الصحيحة، وغيرها.
معركة الجوزاء 578 هـ
د. محمد منير الجنباز
03-09-2018
8,278
https://www.alukah.net//culture/0/129064/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%b2%d8%a7%d8%a1-578-%d9%87%d9%80/
معركة الجوزاء (578هـ) سببها: أن حاكم الكرك الصليبي أرناط أراد أن يُهدِّد المسلمين في أقدس مقدساتهم، وذلك بقصده لمكة والمدينة، وتدمير الكعبة والمسجد النبوي، فصنع قطعًا من الأسطول في الكرك، ثم نقله إلى خليج العقبة، وجمع سُفنه هناك بسرعة، ثم ركب بجنده البحر، واتجه نحو عيذاب، وهي ميناء على البحر الأحمر مقابل جُدَّة على البر السوداني، وكان يسمى البحر الأحمر باسمها في وقت من الأوقات. فأفسد أرناط في السواحل ونهب وقتل؛ حيث لم تكن تلك البلدان على البحر الأحمر تشهد غارات للإفرنج، فلم يأخذوا في هذا البحر حذرَهم، وأرسل صلاح الدين إلى نائبه بمصر يخبره بأمر أرناط، فسيَّر أسطولًا في البحر الأحمر ليبحث عن أرناط بقيادة حسام الدين لؤلؤ، ففك الحصار أولًا عن أيلة التي ترك أرناط عندها عدة سفن، فقضى عليهم وأسر سفنهم، ثم اتجه نحو عيذاب فلم يَظفَر بهم، ثم بلغ رابِغ فأدركهم بساحل الجوزاء، فأوقع بهم ودارت معركة حامية، فلما رأوا الهلاك خرجوا إلى البر واعتصموا بشعاب تلك المنطقة، فنزل إليهم حسام الدين وقاتلهم أشد قتال، وأخذ خيلًا من أعراب المنطقة؛ لتساعده على اللحاق بهم فقتل أكثرهم، وأسر الباقي، أما أرناط، فقد فرَّ متخفيًا، وعاد إلى الكرك بعد فشل حمْلته..
أصول تسميات القرى في ديالى
أ. د. عماد عبدالسلام رؤوف
02-09-2018
36,498
https://www.alukah.net//culture/0/129037/%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%aa%d8%b3%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%89-%d9%81%d9%8a-%d8%af%d9%8a%d8%a7%d9%84%d9%89/
أصول تسميات القرى في ديالى في تاريخ ديالى [1] جوانب عديدة غنية، جديرة بأن يقف نفرٌ من المؤرخين حياتهم من أجل استجلائها، والتنقيب في تفاصيلها، والبحث في أصولها، فهذه الأرض تتميز بقِدَم قُراها، ووثاقة علاقاتها الاجتماعية، ووفرة مياهها، وكثرة مشاريعها الإروائية، وتعدُّد مواضعها الأثرية، وما أدَّاه أهلها من أدوار تاريخية؛ مما يجعل أيًّا من هذه الجوانب موضوعًا لكتاب، أو إطارًا تستجليه جُملة من الدراسات، أو عنوانًا لدراسة جامعية، أو بحثًا ذا شأن في مجال البحوث التاريخية. وكنتُ قد عُنيتُ منذ زمن ببعض هذه الجوانب، واقتَضتْ مني تلك العناية القيام بجولات عديدة في قرى تلك المحافظة وربوعها، أسجِّل ملاحظات عن هذه القرية، وأفتِّش في غيرها عما يمكن أن تخلَّف من ركام الماضين وآثارهم، وأدوِّن روايات المعمرين هنا، وأبحَث في المصادر وكتب الرحلات عما يُعد شاهدًا على وجود موضع هناك، وأقوم بجرد ما تَحتويه الوقفيات القديمة، والصكوك الشرعية، والحجج الوقفية، بحثًا عما يلقي ضوءًا على تاريخ تلك المعالم الشاخصة، والآثار المندرسة، على حد سواء، ومع أني كنتُ أخرُج بعد كل جولة من تلك الجولات بحصيلة علمية طيبة، تشجِّع المرء على المُضي في سبيل البحث والدرس، فإن صورةً فقيرةً ومؤلمة كانت تبدو لي كلما قطعتُ شوطًا في ذلك السبيل، صورة مؤرخينا وباحثينا وهم يَحجمون عن دراسة هذا الكم الهائل من الشواخص والأصول والروايات الغنية، أو إهمالهم إياها، حتى بات أكثرها مهدَّدًا بالضياع، ناهيك بما ضاع منها واندرس فعلًا، دون أن يجد له من يسجِّله ويَحفظه في دراسة أو كتاب، وربما كان سبب هذا الإحجام أو الإهمال، الوقوع تحت تأثير فكرة مُفادها أن تاريخ المدن الرئيسة في العراق - ولا سيما بغداد - يعبِّر - بشكل أو بآخر - عن تاريخ العراق بأكمله، وأن دراسة ما جرى في بغداد في القرن السادس عشر يُمثل ما حدث في العراق كله في ذلك القرن، وهي فكرة خاطئة إلى حدٍّ بعيد، كانت سببًا في إهمال دراسة الريف، بقراه ومجتمعاته وعلاقاته الإنسانية، وكأن ليس للقرية الزراعية تاريخ أصلًا جدير بالبحث والدرس. والصحيح أنه لا يمكن دراسة تاريخ المدينة من أي جانب كان، دون دراسة أوسع لتاريخ ريفها، فهي القاعدة التي توجد فيها، وتمارس - من خلالها - نشاطاتها الاقتصادية والاجتماعية، وتتأثر بها، وتؤثر فيها على سبيل التفاعل الإنساني المستمر، والعجيب أن بعض الأجانب استهواه تاريخ هذه الأرض، ولم يكن من أهلها، ولم تربطه بهم أدنى صلة، فكتَب روبرت ماك آدمز - الأستاذ في المعهد الشرقي بجامعة شيكاغو - كتابًا ضخمًا سماه (أطراف بغداد - تاريخ الاستيطان في سهول ديالى )، وترجمه ثلاثة من الفضلاء إلى العربية، إلا أن هذا الباحث لم يَزُر القرى بنفسه إلا لمامًا، واعتمد على خرائط سابقة لم تكن دقيقة في معطياتها دائمًا، وهكذا فإنه وقع في أوهام مثل ظنه أن باجِسرا هي بُهرُز الحالية، مع أن كلا من الناحيتين كان معروفًا منذ عهود ما قبل الإسلام، وما زالا كذلك. أما الكتب التي ظهرت في العراق، فإن جهود مؤلفيها - وهي محمودة في كل حال - استهدفت التعريف بمناطق المحافظة بوجه عام، فسجَّلت أسماء بعض القرى، وأهملت الاسماء الأخرى، وتناولت عددًا من مراكز الأقضية والقرى المهمة القريبة منها، وترَكت ما عداها، على أن بعض ما تركته له من التاريخ ما ليس لمركز القضاء نفسه، أو أنه يُضاهيه في الأقل، ومن هنا كانت عنايتي منصرفة إلى كتابة تاريخ تلك القرى التي ظلَّت بعيدة عن اهتمام الدارسين، لكنها جاثمة - في الوقت نفسه - على ركام ضخم من الماضي الزاهر. ولست هنا لأعرض نتائج بحثي في هذه الجوانب، وإنما سأقتصر على واحدٍ منها فحسب، وهو المتعلق بأصول تسميات المئات من القرى التي توجد في سهول ديالى، بهدف التوصل عن طريق رصدها وتحليلها إلى طبيعة تلك التسميات ومبررات إطلاقها، ودلالاتها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، وأظن أن كثيرين لفتت أنظارهم - كما لفتت نظري - تنوُّع تسميات هذه القرى وقِدمها، وغرابة بعض الاسماء أحيانًا، وربما ذهب بعضهم مذاهب شتى في تفسير هذا الاسم أو ذاك، لا لسبب إلا لأنه لم يجد له معنًى يفهَمه، أو تفسيرًا سهلًا يتقبَّله، ولقد اعتمدتُ في دراستي بالدرجة الأولى على القائمة المفصلة بأسماء المدن والقرى لمحافظات القطر، التي أعدتها لجنة متخصصة في وزارة الحكم المحلي الملغاة، وكنت عضوًا فيها، وقد رصَدَت هذه القائمة أسماء 642 قرية في محافظة ديالى وحدها، وأضفتُ أنا إلى هذه الأسماء ما توصَّلتُ إليه في أثناء جولاتي في المنطقة، وما سجَّلته الكتب التي صدرت للتعريف بها، بما يرفع العدد إلى نحو 700 اسم، أو أقل قليلًا، وإني سعيد أن أضعَ بين يدي القارئ الآن بعض ما جدَّ لي من ملاحظات في هذا الصدد. ويُمكننا أن نحلِّل أسماء تلك المئات من القرى إلى ثلاث مجموعات رئيسة، هي القرى المنسوبة إلى أعلام الناس، والقرى المنسوبة إلى الأقوام والجماعات، والقرى المنسوبة إلى مفردات البيئة الجغرافية، وذلك على النحو الآتي: أولًا: القرى المنسوبة إلى أعلام الناس : وتُمثل هذه المجموعة في ديالى نسبة عالية إذا ما قارنَّاها بتسميات القرى في عدد من المحافظات الأخرى؛ حيث تصل هنا إلى نحو نصف التسميات كلها، وسنفصِّل القول في أسباب هذه الظاهرة فيما يلي، على أنه يمكن القول بأن هذه المجموعة تنقسم - هي أيضًا - إلى الفئات الآتية: 1- قرى منسوبة إلى زُرَّاع رُوَّاد: تُنسَب هذه المجموعة إلى الأشخاص الذين كان لهم دور بارز في إعمارها وزراعتها واستيطانها؛ مما أدى إلى ارتباط أسمائهم بأرضها ارتباطًا وثيقًا أبقى عليه الزمان، مثال ذلك قرى: عبدالله الحسوني، والسيد جابر، وعبدالحميد، وشطب، وعلوان العنفوص، وصبار منهل، وزعيطر، وحسين جاعد، ومرعيد، وملا عيد، وجلوب، وجواد البشو، وحسين عناد، وأسطه أحمد، ومصطفى، وإبراهيم المذكور، وأحد الحسون، وعبدالجبار، وحسين حمادي، ومحمد رضا، وسيد عواد، وعبدالكريم، ولطيف حمدي، وأحمد مزبان، وعباس جاسم، وفارس طارش، ومشخال حمزة، وعزيز همالة، وحميد السبع، وخضيذشر عباس، وفليِّح حسن الجاري، وحامد سلمان السعدون، وسلمان وطه العلوان، وسلمان الوَروَر، وعبدالكريم جاسم، وحامد حميش، ومهدي الفتَّه، وعبدالحسن الحاجم، وحميد إبراهيم، وحسب الله الناصر، وكامل جاسم، وحمود الرشيد، وجواد كاظم ذنون، وأحمد خلف حسين، وكريم ناصر، وإبراهيم الضاحي، وحسين خليل علي، ومحمود الزكَم، وغني مساعد، وحميد محمود شناوه، وحمادي سلطان سعيد، وكريم عباس، وكيطان الدرب، وسلمان وطه العزاوي، وإبراهيم مهدي صالح، وعلي مذري، ورشيد الكيطان، وسعود ذياب، وإبراهيم يحيى، وإسماعيل محيميد، وجمال جاسم حسين، وطه جميل، وحيدر عربيد، ومحمد عبدالكريم، وغيرهم كثير. وأكثر هذا النوع من التسميات يوجد في مركز قضاء مركز بعقوبة، بينما يقل في الأقضية الأخرى، وذلك لأن قسمًا من هؤلاء الزُّراع الروَّاد حصلوا على أراضيهم التي قامت عليها قراهم فيما بعد، بموجب قوانين تسوية الأراضي التي طُبِّقت في المحافظة إبان العقود الأخيرة من القرن الماضي، إلا أن ذلك يجب ألا يدفعَنا إلى تصوُّر أن هذه الظاهرة هي نتيجة تطبيق تلك القوانين وحدها؛ لأننا لاحظنا وجود الظاهرة في العصور السابقة أيضًا، وقبل العمل بالقوانين بآمادٍ بعيدة، وسبب ذلك يكمُن في تقديري في البيئة الزراعية للمحافظة، ففي منطقة يغلب عليها الإنتاج الزراعي، وتسود فيها العلاقات الزراعية، تكون للمبادرة الفردية، أو الأُسرية في أكثر تقدير، الدور الرائد في أي عمل يتعلق بذلك النوع من الإنتاج، وهذا الأمر يؤدي - من ثم - إلى استقرار ملحوظ في ملكية الأرض، ووجود قواعد مرعية لهذه المِلكية - حتى في ظل عهود الفوضى الإدارية - من شأنها أن تشجع زُرَّاعًا رُوَّادًا على استصلاح الأرض، أو إحيائها وفقًا للمصطلح الفقهي، تمهيدًا لتعميرها بالزرع وبالناس أيضًا. وكانت طبيعة المنطقة المعتمدة على الري السَّيحي، والكثيفة الزرع، والحافلة بالتجمعات البشرية - تحفِّز على قيام الملكية القروية الصغيرة نسبيًّا، وهذه الملكيات تكتسب أسماءها - بسهولة - من أسماء رواد زراعتها ومنشئي تجمُّعاتها، وليس من أسماء القبائل الكبرى، كما هو الحال في مناطق أخرى من العراق، وبتقادم الزمن أصبحت ذُريَّات هؤلاء المُعمِّرين الأوائل هم سكان القرية حصرًا؛ مما خلق لدى الأحفاد نوعًا من الاعتزاز بأسماء جدودهم، التي هي في الوقت نفسه أسماء قراهم أيضًا، ومع أن أكثر هذه القرى لا يحمل إلا الاسم الأول، أو الاسمين الأوَّليَن لمؤسسيها، فإن الأسماء نفسها تدل دلالة قاطعة على أن أصحابها ينتمون جميعًا إلى القبائل التي نَزَحت إلى المنطقة خلال عهود متعاقبة، وامتهنوا الزراعة لظروف خاصة بهم، ولظروف بيئتهم الجديدة أيضًا، وكلُّ ما في الأمر أن العلاقات الزراعية بينهم غلَبت على العلاقات القبَليَّة، فلم تذكر أسماء قبائلهم بعد أسمائهم إلا قليلًا، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن قرية ( بودجة ) من أعمال المقدادية، والمعروفة بهذا الاسم منذ القرن التاسع للهجرة (15م)، تنسب أيضًا إلى من يُدعى ( كيطان )، وليس كيطان هذا إلا اسمًا متوارثًا منذ عهود عدة، حمله في عهدٍ ما مؤسس القرية الذي هو من قبيلة خولان اليمانية التي استقرَّتْ في المنطقة منذ عهد الفتوح الإسلامية، فجميع سكان القرية هم خولانيون يمانيون، وإن لم تُنسَبْ قريتهم إلى قبيلتهم نفسها. 2- قرى منسوبة إلى أعلام ذوي صفات دينية : ثمة قرى عديدة تنسب إلى أعلام كانت لهم صفات دينية، فنُسبت القرى إلى أسمائهم لشهرتها بين سكان القبائل المجاورة، وشيوع هذه الظاهرة في ديالى يثير الانتباه فعلًا، وهو دليل آخر على الطبيعة المستقرة للملكية الزراعية، وما يقوم عليها من مستوطنات، مثل قرية أبو فياض في قضاء بعقوبة، وقرية الإمام، وقرية اللقمانية، وقرية الشيخ عمر في قضاء الخالص. 3 - قرى منسوبة إلى بعض المالكين السابقين : نُسبت قرى عديدة في ديالى إلى أسماء بعض مالكيها السابقين، ومنهم من ترك آثاره فيها، بشق نهر، أو إحياء أرض مَوات، أو زراعة محاصيل جديدة، من ذلك مثلًا قرية بازول أحمد بك، وقرية الوزيرية، وقرية الضابطية، وهي من قرى بعقوبة، وقرى يوسف بك، ومحمد شير بك، وإبراهيم بك، وقادر بك، وصالح آغا في قضاء خانقين، وبكر آغا، وجديدة الأغوات، وكهية (وظيفة تعني نائب الوالي ومساعده) ، ومخلص بك، وأمجد باشا، والمشيرية ( رتبة عسكرية عثمانية ) في قضاء الخالص، وتدل الألقاب الوظيفية الرسمية لهؤلاء الملاك (بك، باشا، ضابط، كهية) - على أنهم من الفئة المعروفة باسم الملاك الغائبين؛ أي: إنهم كانوا يقطنون المدن الكبيرة، ويتولى معاونونهم إدارة ما يَملِكون، بل إن بعض القرى منسوبة إلى أسر مدنية معروفة، مثل قرية السُّويدي، نسبة إلى أحد أفراد الأسرة السويدية العباسية التي انحدرت من الدور إلى بغداد في القرن الثامن عشر، وقرية الزهاوي نسبة إلى الأسرة الكردية التي قدمت من مدينة السليمانية، واستوطنت بغداد في القرن التالي، وشيوع هذه التسميات في ديالى يدل على بعض أشكال الملكية الزراعية انتشر في تقديرنا منذ منتصف القرن الثامن عشر نتيجة نمو المدن وهيمنتها الإدارية والحضارية على الأرياف المجاورة حينذاك، وتوفر حد أدنى من الأمن يكفل لذوي النفوذ فيها إدارة ممتلكاتهم خارجها مع اكتفائهم بالإقامة في مدنهم، على أنه تجب الملاحظة أن أكثر أولئك المُلَّاك كانوا من السكان المحليين كما رأينا، وحيازتهم على ألقاب إدارية أو عسكرية مما شاع استخدامه في المؤسسات العثمانية، لا يدل على أنهم ينتمون إلى أصول خارج ذلك النطاق، فمن المعلوم أن فئة الموظفين والعسكريين العثمانيين كانت - على محدودية عدد أفرادها - تتبدَّل على الدوام بغيرها؛ مما يحول دون تملُّك أكثرها الأراضي وإدارتها، لا سيما في خارج المدن التي يقطنون. ثانيًا: المدن المنسوبة إلى الأقوام والجماعات: 1- قرى منسوبة إلى القبائل والعشائر والبيوتات : نزلت سهول ديالى - منذ عهود ما قبل الإسلام، وخلال العهود الإسلامية المتعاقبة - قبائل وعشائر عديدة، كان لبعضها مساهمات جُلَّى في حركة الفتوح الإسلامية في البلاد الآسيوية التي عُرِفت فيما بعد بالمشرق الإسلامي، فمن القبائل والعشائر التي استقرت في هذه النواحي نذكر: طي، وتميم، وبني سعد، وخولان، وكنانة، وشيبان، والدليم، وقيس، وبني زيد، والجبور، وربيعة، والمعامرة، وخفاجة، وألبو جواري، والداينية، وبني لام، وبني وَيس، والنعيم، واللهيب، وآل بدير، والمهدية، والعكيدات، وبني عِز، والعُبيد، وشمَّر، والمجمَّع، فضلًا عن عدد من العشائر الأخرى. وإذا كانت هذه القبائل والعشائر قد انفردت في مناطق أخرى من العراق بـ ( ديرات ) مستقلة، فإنها في أقسام واسعة من ديالى قد تعايشت مع غيرها من القبائل في المنطقة الواحدة، وسبب هذه الظاهرة يكمن في أمرين، أولهما: أن سهول ديالى تُعد آخر امتداد للعراق من جهة الشرق، فالقبائل التي تضطر إلى ترك مواطنها الأولى في غربي الفرات، وفي منطقة الجزيرة، إزاء دفع القبائل الأخرى القادمة من الجزيرة العربية، لا تجد أمامها إلا الانسياح في المناطق الواقعة في شرقي دجلة؛ حيث لا مفر من التعايش مع فروع القبائل التي سبقتها - للسبب نفسه - إلى هناك؛ إذ ليس بعد هذه المناطق أرض يمكن أن تنفرد بها وحدها، ومن ناحية أخرى فإن مجتمعًا يعتمد في زراعته على الري السَّيحي المنظم، لا بد له من تحقيق التعايش، بل التعاون بين السكان، بغض النظر عن انتماءاتهم القبَلية المختلفة، وهكذا فإننا نجد فروعًا من القبيلة الواحدة تتفرق في نواحي شتى من ربوع ديالى؛ حيث تساكن هناك فروعًا أخرى من قبائل غيرها، وعلى سبيل المثال فإن في قضاء بعقوبة وحده نحو عشرين عشيرة، وفي ناحية كنعان (مَهروت قديمًا) نحو أربعة عشر عشيرة، وفي قضاء الخالص خمسة عشر عشيرة، وفي ناحية المنصورية ( دِلِّي عباس سابقًا ) نحو سبع عشائر، وفي كل من ناحيتي هِبهِب والعظيم مثلها، وهذه المعايشة تعد إحدى أهم سمات المنطقة وخصائصها، وهي التي أكسبتها عبر العهود الماضية روحًا من التسامح والتعاون والتجانس الاجتماعي الفريد، ونظرًا لتفرُّق القبيلة في عشائر بل بيوت متعددة، فإنه لم يبق من مجال لانتساب القرى إليها، ومن هنا فإن النسبة إلى القبائل جاءت قليلة نسبيًّا، ومن أبرزها قرى: الخزارجة، والدليم، والغوالبة، والصقور، والخزرج، واللهيب، والبوجواري، والسواعد، والعوادل، والغزية، والهلالية، والحديد، والبوعكلة، والبو عواد، والغريرات، والبواديش، والجبابلة، وبنو زيد، والمراسمة، وشيبان، وغيرها. 2- قرى منسوبة إلى الجماعات الحِرَفية : واشتَهرت بعض القرى بمزاولة حرفة معينة، حتى غلَبت تلك الحرفة على نشاطات السكان الاقتصادية الأخرى، فنُسِبت إليها، مثال ذلك: قرية النحَّالة، نسبة إلى نشاط سكانها في تربية النحل، وقرية الدبَّاغية، نسبة إلى ما يَمتهنه أهلها من دباغة الجلود؛ حيث تكثُر الحيوانات الصالحة لهذا الأمر، وفي الواقع فإن وجود حِرَفيين في قرية زراعية منعزلة، أمر له ما يبرره تمامًا بوصفه يحقِّق نوعًا من الاكتفاء الذاتي في بعض مجالات الصناعة والخدمات، أما أن تشتهر قرية بحرفة معينة، بحيث تغلب على نشاطاتها الأخرى، فتعرف بها، فهذا ما لم يُعهد في القرى الزراعية عادة، وهو يدل على تطور الوظيفة الاقتصادية للقرية الزراعية في ديالى بما يمثل نوعًا من التخصص. بساتين في المقدادية في ديالى للفنان منير العبيدي ثالثًا: القرى المنسوبة إلى مكونات البيئة الجغرافية والاقتصادية : اعتاد الناس منذ عهود بالغة القِدم على تسمية مدنهم وقراهم بأسماء مكونات البيئة التي توجد فيها، من تضاريس وأنهار ونتاج زراعي وحيواني وغيرها، وفي بيئة جغرافية واقتصادية غنية بالظواهر كبيئة سهول ديالى، كان طبيعيًّا أن تنسب بعض القرى إلى مثل تلك الظواهر؛ من أنهار جارية ومندرسة، وتلول طبيعية وصناعية، ونباتات ومزروعات مختلفة، وحيوانات مستأنسة وغير مستأنسة، وذلك على النحو الآتي: 1- قرى منسوبة إلى ألوان الأرض: تتسم أرض ديالى بالتنوع الملحوظ في مكونات تربتها؛ مما ترك آثاره على هذه الأرض بتباين ألوانها بين مكان وآخر، كما أن كثرة أنهارها وما تتركه مياهها من طمي، وتنوع ما ينبت فيها من نبات، له دور آخرُ في تلوين أرضها بأكثر من لون واحد، ولقد اكتسبت قرى عديدة في ديالى أسماءها من هذا التباين اللوني الفريد، منها مثلًا قرى: تل أسمر، وتل أحمر، وتل أبيض، والأحمر، وتل الأميلح، والأجيحل (الأكيحل)، وتل خشم الأحمر، والأسود، وصفيرة، وغير ذلك. 2- قرى منسوبة إلى تضاريس الأرض : وتكتسب القرى أسماءها أيضًا من شكل تضاريس الأرض التي توجد فيها، وما يعلو سطحها من صخور وغيرها، وتكشف أسماء قرى ديالى عن أشكال الأرض على نحو بالغ الدقة، يصل إلى حد تقديم وصف مُعبِّر عن أكثر الظواهر التضاريسية في المنطقة انتشارًا، فقرية أبو حصيوة مثلًا اكتسبت اسمها من الحصى الذي يرسب في مجرى نهرها، وقرية الأرميلات منسوبة إلى ما يرسب في نهرها من رمل، أو ما يوجد على أرضها اليابسة منه، وهكذا الأمر لقرية صخر؛ حيث تكثر الصخور على أرضها، وقرى الدحلة، وعنك ( أي عنق ) الدحلة، والدحيلة التي اشتقت أسماؤهما من لفظ ( الدحل ) العربية، وهي الممر الضيق المدخل المتسع فيما بعد، والذي قد ينبت فيه شجر ( السِّدر )، أو هو المدخل تحت الجُرف، كما نص على ذلك صاحب القاموس المحيط وغيره من أصحاب المعاجم، ومنها قرية ( الركَّة ) المأخوذة من ( الرِّقة ) وهي - كما في القاموس - كل أرض إلى جنب وادٍ ينبسط الماء عليها حينًا من الوقت، وقرية ( الحفاير ) التي يشير اسمها إلى شكل الأرض فيها، وربما عُرفت بهذا الاسم لكثرة ما يحفر فيها لاستخراج الآجر القديم قربها مما يعاد البناء به، وقرية جيزاني الجول منسوبة إلى الجول ( بالجيم المثلثة وأصلها بالجيم الموحدة) وهو - لغةً - الترابُ، والأرض كثيرة التراب، وقرية ( دَوخَلة ) مؤلفة من كلمتين هما ( الدَّو ) وهو - في المعاجم - الأرض الفضاء، و( خَلا ) وتعني الخالية من السكان، وقرية ( قرارة ) مأخوذ اسمها من القرار التي هي المطمئن من الأرض؛ أي: السهل الذي لا عوج فيه، ومثل هذا كثير، بل إن بعض الأسماء ظل تحتفظ به قرى في ديالى، بينما تُرِك استعمالُه في اللغة المتداولة بين الناس، ولم أحد يذكر معناه إلا بالبحث في معاجم اللغة. وقد تنسب القرى إلى الأنهار وما تتركه في مجاريها عادة من تعرجات، وما تخلفه من تضاريس، فقرية ( دورة الوقف ) منسوبة إلى دوران النهر عندها، وقرية ( الهُوَيرة )، سميت بذلك لوجود هور صغير عندها، وقرية ( أبو دِهلاية ) يدل اسمها على كثرة الدهلي، وهو الطمي المتخلف عن مجرى النهر، وقرية ( الزوية ) منسوبة إلى زوايا النهر الحادة، وقرية الجزيرة وقرية العويجة نسبة إلى اعوجاج مجراه، وكذا الحال بالنسبة إلى القرى المنسوبة إلى الشاخة، والبدعة، وكلاهما بمعنى النُّهير، وتلك المنسوبة إلى النهر، مثل قرى نهر سلطانية، ونهر الكبير، ونهر المجرة، ونهر حريريز، وبلدة الخالص، وقرية الخويلص ( وهو تصغير للاسم الأول ) منسوبتان إلى وصف لماء النهر، ويعني النقي من الشوائب، وقرية جرف الندَّاف منسوبة إلى حوافي نهرها العالية، وهكذا. 3- قرى منسوبة إلى المشاريع الإروائية والعمرانية : تعبر هذه المجموعة من التسميات عن جانب من جهود الإنسان في ديالى في مجالات العمارة والبناء، فلقد شهِدت أراضي هذه المنطقة عبر التاريخ إنشاء العديد من المشاريع الإروائية المعقدة، وها هي آثار هذه المشاريع؛ من جداول دوارس، وسِداد، وجسور، وقناطر، تدل على عِظَم ما بذله أصحابها من جهد وخبرة في هذه المجالات، فليس غريبًا أن تجد من القرى ما ينسب إلى بعض تلك المشاريع، فقرية ( السِّكرانات ) بكسر السين، في قضاء بعقوبة منسوبة إلى جمع غير مألوف للفظ ( سِكر )، وتعني - بحسب المعاجم - ما يسد به النهر، والمسناة، والقرى المسماة إحداها بـ( العبَّارة )، والمنتشرة في غير موضع من ديالى، تشير أسماؤها إلى ضرب من المجاري المائية يعبر من فوق مجرى مائي آخر، بواسطة عقود مبنية بالآجر، أو غير ذلك، وهذا الضرب من المشاريع الهندسية شاع إنشاؤه في المنطقة منذ عهود ما قبل الإسلام في الأقل، وقرية ( التحويلة ) منسوبة إلى مشروع لتحويل المياه من مجرى لآخر، والقرى المسماة بـ( الدولاب ) و( الدواليب ) تشير إلى إحدى الطرق التي اتَّبعها إنسان المنطقة في رفع المياه من المجاري العميقة إلى مستوى الأرض المزروعة، ومثلها القرى المسماة بـ( البازول )، وهي المنسوبة إلى مشاريع البزل العديدة المنتشرة هناك، والتي تدل على مدى عناية الإنسان بإصلاح أرضه، وهكذا الأمر في قرى أخرى؛ مثل: المحولة، والكهريز، وغيرها. ومن ناحية أخرى فإن ثمة قرى تشير أسماؤها إلى أنواع مختلفة من أشكال الاستيطان البشري في المنطقة، وضروب من أسباب التجمعات السكانية فيها، فقرية الحويش ( في قضاء الخالص )، أخذت اسمها من تصغير لفظ ( حوش )، وهذا اللفظ أوردت المعاجم معناه، وهو يتراوح بين التجمع والجماعة من الناس، وقد تطور معناه حتى غدا المسكن أو القصر، وقيل الحظيرة الواسعة المسيجة التي تقع خلف جماعة من الدور يسكنها الفلاحون في أكواخ لهم، على ما أثبته ( دوزي ) في تكملته للمعاجم العربية، وعليه فإن اسم القرية وحده يكشف عن ظروف نشأة القرية، بأنها تجمع لدور عدد من الفلاحين حول دار أحد المُلَّاك، أو زعماء المنطقة القدماء، اتَّسع على مر الزمن ليغدو قرية زراعية قائمة بذاتها، ومثل هذا القرى المسماة بالقلعة، أو المبتدئة أسماؤها بهذا اللفظ، والقرية المسماة بـ( القصيرين ) والمجاورة للحويش، ربما نُسِبت إلى قصرين كانا هناك، والقصر - لغةً - المنزل، أو كل بيت من حجر، ومثل هذا قرية ( القُبة ) وقرية ( القُبية ) اللتان يُشير اسمهما إلى ضرب من الأبنية المعقودة بالآجر، وهكذا الأمر بالنسبة إلى التسميات الأخرى. 4- قرى منسوبة إلى البيئة النباتية: تَشتَهر سهول ديالى منذ عهود قديمة بالزراعة؛ حيث تتوفر فيها المياه الوفيرة والتربة الجيدة، وحفلت الكتب الجغرافية والتاريخية القديمة بإشارات مهمة إلى تميُّز ديالى بالإنتاج الزراعي، وما كانت تصدره إلى بغداد من محاصيل، وما يَنبت فيها من مختلف أنواع النبات. وكان طبيعيًّا - في بيئة كهذه - أن تجد بعض القرى نسبتها إلى ما اشتَهر في أرضها من نبات، سواء أكان طبيعيًّا، أم مستزرعًا، ونظرة إلى أسماء هذه القرى توضِّح بجلاء عناصر هذه البيئة ومكوناتها، فالنخلة - وهي أشهر ما في المنطقة من شجر - كان سببًا في كثير من تلك التسميات، مثل قرى: أبو نخل، وأم التمر، والفسيلة، والشويخرات، وهو – لغةً - عذوق التمر، والأسيود، وهو التمر نفسه، والهويدر المأخوذ اسمه من ( الهدر )، وهو طلع النخل؛ كما في المعاجم العربية، وقرية ( كوصَري ) تحرف اسمها من لفظ ( قَوصَرة ) وهو - كما في المعاجم - وعاء التمر. وحيث تكثُر في بعض أنحاء ديالى أجَمات القصب، تجد من القرى ما اسمه ( قصب ) و( قُصيبة )، بل إن قرية واحدة - هي المسماة ( المخيسة ) - يحمِل اسمها صورة المنطقة ووظيفتها في العصور السالفة، فالمخيسة مشتقة من الخيس، وهو على ما أفاد صاحب القاموس المحيط "الشجر الملتف، أو ما كان حلفاء وقصب"، ويفهم منه أيضًا أن المخيس هي الأرض التي يكثر فيها القصب دون غيره، وهذا التعريف ينطبق على صفة القرية تمامًا، فهي كثيرة الشجر، يحف بها هور أبي صيدا بقصبه وحلفائه، ويمكننا أن نستدل من قرب بلدة أبي صيدا منها - أنه كان حوالي القرية أماكن يكثر فيها الحيوان الصالح للصيد، فأبو صيدا اسم محرف من اللفظ الآرامي القديم ( باصيدا )، ويعني بيت الصيد أو مكانه، ويؤكد هذا المعنى صاحب القاموس؛ إذ يقول: إن الخيس هو موضع الأسد، فلا تعيش الأسود إلا في الأجمات الملتفة الشجر، وكان لصيدها في العصور السالفة هُواة وطُلَّاب، فهذه الإشارات اللغوية تدل جميعًا على قدم القرية وعراقتها، وقرية ( العواشق ) يدل اسمها على ما ينبت حولها من نبات، فالعشقة شجرة وصفها صاحب القاموس المحيط بأنها تخضر ثم تَدُق وتصفَر، وما زال هذا النبات يرى بكثرة هناك، ومثلها قرية ( وادي العَوسَج )، وهو شجر شوكه معروف فيها، وقرية ( البَرداية )؛ أي: البردية، وهو ضرب من القصب، وقرية ( الحلفاية )؛ أي: الواحدة من الحلفاء: النبت المعروف، وقرية ( أبو عاكول) ، وهو الشوك الذي يكثر في براري العراق، وقرية ( الشوك ) وغيرها. وثمة قرى تدل أسماؤها على ما يزرع في بساتينها من أنواع الفاكهة، مثل قرية ( سِدر ) وهو شجر النبق، وقرية ( أبو تينة )، وقرية ( التينة )، وقرية (أم الرمان)، وقرية ( عنيبة ) مصغر ( عنبة )؛ حيث تكثر الكروم، وقرية ( السِّندية )، وهو البرتقال الذي تَشتهر به محافظة ديالى، وربما نسبت قرى إلى محاصيل تختص بها، مثل قرية ( دُخُن )، وقرية ( نهر التتن )، وقرية (أبو فجل )، أو على أشجار هناك، كقرية ( سيسبانة ) وغير ذلك. 5 - قرى منسوبة إلى الحيوان والطير: وفي ديالى قرى عديدة منسوبة إلى أجناس الطير والحيوانات مما تحفل بها بيئتها الطبيعية، وأسماء هذه القرى بجملتها تشكل صورة متكاملة عما وجد في ربوعها وآجامها وبساتينها من تلك الأجناس المختلفة، سواء أكانت مستأنسةً، مثل قرى (أم جمل )، و( أم الحوالي )، و (أم الصخول )، و( الغزلانيات )، و( وادي الغزلان )، و (أبو الخنازير )، و( وادي الحصان )، أو وحشية، مثل قرى ( أبو خميس )، وهو الأسد، و( أبو السباع )، و( ذابة ) جمع ذئب، و( أبو ضبع )، و( خر الوحش )، أو أن تكون منسوبة إلى الطير، مثل قرى ( أم الحمام )، و( أبو جراد )، و( الشقراق )، وهو نوع نادر من الطيور يمتاز بكثرة ألوانه، وغير ذلك. ملاحظات عامة : في وسعنا أن نخرج من مجموع ما تناولناه في هذا البحث بجملة من الملاحظات العامة، نجملها بما يأتي: إن أغلب أسماء القرى مشتق من جذور لغوية قديمة، ومن ثم فإن من شأنها أن توثق مفردات غادرها التداول العادي، أو خلَت منها المعاجم، ومن هنا تأتي أهميتها. ويلاحظ أن بعض قرى ديالى ونواحيها يحمل أسماء آرامية قديمة، ترقى إلى عصر ما قبل الإسلام؛ إذ كانت هذه اللغة هي السائدة في أنحاء المشرق، مثل: بعقوبة، وأبو صيدا، وأبو جسرا، وبركنية، وزاغنية، وقد تحرفت عن أصولها الآرامية: باعقوبا، وباصيدا، وباجسرا، وزغونى. وقد أثبت إنسان ديالى أنه الأكثر تمسكًا باسم قريته تعبيرًا منه عن اعتزازه بشخصيته المتميزة، فقرية ( العبارة ) التي في قضاء بعقوبة تبدَّل موقعها خلال القرون الخمسة الأخيرة ثلاث مرات، ومع ذلك فإن أهلها احتفظوا باسمها في كل مرحلة وحتى يومنا هذا، وقرية ( دَوخَلة ) التي عُرِف اسمها منذ أكثر من ستة قرون، حافظت على هذا الاسم إلى اليوم، مع أنها بدلت موقعها نحو ثلاث مرات أيضًا، وهكذا الأمر بالنسبة إلى قرى عديدة، وربما توسعت القرية الواحدة، وانتقل بعض أهلها إلى موضع جديد يَسكنونه ويعمرونه، إلا أنهم لا يسمون هذا الموضع بغير اسم قريتهم القديمة نفسه، وهكذا فإن كثيرًا من القرى القديمة المندرسة تحمل أسماءها قرى أخرى تفرَّعت منها في عصر لاحق. [1] عُرفت منطقة ديالى في العصر العباسي الأخير، وفي العصر المغولي الإيلخاني - بالأعمال الشرقية، كونها تقع في شرقي مدينة بغداد، ثم عُرفت في العهود التالية باسم (الخالص) و(خريسان)؛ نسبةً إلى ما كان يَسقي مزارعها من أنهار، وسُميتْ في عهد المملكة العراقية باسم (لواء بعقوبة) نسبة إلى مدينة بعقوبة التي تُعد أبرز مدن المنطقة، وهي تبعد عن بغداد نحو 57 كم، ثم سُميت فيما بعد بمحافظة ديالى نسبة إلى أهم أنهارها، وهي تشتهر بوفرة بساتينها وخصب أرضها.
أهمية بناء الأمن الفكري
د. بدرية بنت محمد عبدالله الفوازن
01-09-2018
47,519
https://www.alukah.net//culture/0/129024/%d8%a3%d9%87%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a/
أهمية بناء الأمن الفكري أهمية بناء الأمن الفكري: 1 - إن الأمن الفكري أحد مكونات الأمن بصفة عامة؛ بل هو أهمُّها وأسماها وأساس وجودها واستمرارها، وهو النعمة التي لا يمكن أن تستقيم الحياة بغيرها؛ ولذلك امتنَّ الله بهذه النِّعْمة على كفار قريش حين قال: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم مَنْ توفَّر له الأمن كمَنْ حِيزَتْ له الدنيا كلها؛ قال: ((مَنْ أصبح منكم آمنًا في سِرْبه، مُعافًى في جسده، عنده قُوتُ يومِه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا))؛ (الترمذي، 1962م) [1] . والنظر إلى أن الأمن الفكري هو أسمى أنواع الأمن وأساسها؛ لذا لا بد: أن نُوجِّه الأنظار إلى العناية بالفكر بتوفير كل أسباب حمايته واستقامته والمحافظة عليه، وكذلك العمل على رصد ودراسة كل ما مِن شأنه التأثير في سلامة الفكر واستقامته، والعمل على معالجة أسباب اختلال الأمن في المجتمع بشكل متكامل ومترابط من غير فصل بين أنواع الأمن، ولا تفريق بين تلك الأسباب، فالنظرة الشاملة تجعل المعالجة شاملةً ومتكاملةً، وأن تكون المعالجات الأمنية من واقع الأمة مستقاة من مصادر فكرها وعقيدتها. 2 - إن الأمن الفكري غايته استقامة المعتقد، وسلامته من الانحراف لأسباب هي: أ- الإخلال به يُعرِّض الإنسان لأن يكون عملُه هباءً، لا ثقلَ له في ميزان الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]. ب - إن الأمن الفكري يتعلَّق بالعقل، والعقل هو آلة الفكر، الذي هو أساس استخراج المعارف، وطريق بناء الحضارات، وتحقيق الاستخلاف في الأرض؛ ولذلك كانت المحافظة على العقل وحمايته من المفسدات، مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية، وسلامةُ العقل لا تتحقَّقُ إلَّا بالمحافظة عليه من المؤثرات الحسِّية والمعنوية. 3- قيام القِيَم والأخلاق على الإيمان والعقيدة: ربط الله سبحانه وتعالى بين الإيمان وحسن الخلق، فوصفه تعالى الإيمان بـ(البر)، فقال: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]، قال صلى الله عليه وسلم: ((البِرُّ حُسْنُ الخُلُق)؛ مسلم بن الحجاج النيسابوري، (مسلم،2006م) [2] . فكان البِرُّ صفةً لكل عمل أخلاقي؛ قال ابن تيمية رحمه الله: "إذا نقضت الأعمال الظاهرة الواجبة، كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن يُقدِّم الأعمال الظاهرة الواجبة"؛ (ابن تيمية،2000م) [3] . كما أكَّد الإمام الشاطبي رحمه الله في موافقاته ذلك بقوله: "الأعمال الظاهرة في الشرع دليلٌ على ما في الباطن، فإن كان الظاهر منحرفًا حُكِم على الباطن بذلك، أو مستقيمًا حكم على الباطن بذلك"؛ (الشاطبي، 2002م) [4] . لذلك اهتمَّ سَلَفُ الأُمَّة بالأمن الفكري واقعيًّا بالعناية بالقِيَم والأخلاق، فتعلموها وطبَّقوها، وذكر ابن تيمية رحمه الله عددًا من الصفات الملازمة لأهل السنة، وهي صفات سلوكية وأخلاقية: "يأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بِمُرِّ القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا))؛ (الإمام أحمد،2000م) [5] . 4- قيام المسؤولية الخلقية على الإنسان: وهي ذات شقَّينِ في الإسلام فيما يتعلَّق بالأمن الفكري: أ- الثواب والعقاب متعلق بكسب العمل؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، فاللهُ نصَّ على أن الثواب والعقاب متعلِّق بكسب الأعمال؛ (القرطبي، 1935م) [6] . وإلى هذا أشار الطحاوي رحمه الله بقوله: "وأفعال العباد خَلْقُ الله، وكَسْب العباد، أثبت للعباد فعـلًا وكسبًا، وأضـاف الخَلْق إلى الله تعالى، والكَسْب: هو الفعل الذي يعود على فاعله منه نفع وضررٌ"؛ (الطحاوي، 2012م) [7] . كما قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [البقرة: 286]، ومن هنا كان لكلِّ فعلٍ خلقي أو سلوكي ثوابٌ أو عقاب من الله. ب - إن الأمن الفكري داخلٌ في مسؤولية الفرد عن كسبه الإرادي: إرادة الإنسان للفعل، أو الاعتقاد، هي محل المسؤولية، كما أن فاقد الإرادة الفعلية، لا مسؤولية عليه، وهذا ما ورد في معنى قوله تعالى: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 38، 39] آيتان محكمتان تقتضيان عدل الرب تعالى، فالأولى: تقضي ألَّا يُعاقَب أحدٌ بجُرْم غيره، ولا يُؤاخَذ كما يفعل ملوك الدنيا، والثانية: تقضي أنه لا يفلح إلَّا بعمله، ليقطع طَمَعَه من نجاته بعمل آبائه وسلفه ومشايخه، كما عليه أصحاب الطَّمَع الكاذب، وهو سبحانه لم يقل: لا ينتفع إلَّا بما سعى، فيرفع التكليف عن المجنون، حتى يعود إلى عقله، ورفع التكليف عن مسلوب الإرادة، كمن يُكرَه على قَتْل إنسان فيقتُله دون إرادةٍ منه، فعلَّق الأمن الفكري والسلوكي على مسؤولية الفرد، إذا توافرت فيه شروط التكليف الواجبة؛ (الطحاوي، 2012) [8] . قال تعالى: ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ﴾ [النور: 61]. ثانيًا: عوامل ضعف الأمن الفكري في المجتمع: 1- النظر والتأمل فيما لا يدركه العقل : جعل الله النظر في متشابهات القرآن سبيلَ أهل الزيغ والفساد؛ فقال سبحانه: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]؛ وذلك لأن بعض المتشابه لا سبيلَ إلى الوقوف على حقيقته، وهو: موضع خضوع العقول لباريها استسلامًا واعترافًا بقصورها؛ (ابن حجر،1959م) [9] . لأن الاشتغال به يقود إلى الضلال، والخروج عن مقتضى العبودية والاستسلام لله ربِّ العالمين؛ ولذلك ضرَب عمر بن الخطاب رضي الله عنه صبيغًا لَمَّا أكثر السؤال عن المتشابهات؛ عن سليمان بن يسار: "أن رجلًا يُقال له صَبِيغ قدِم المدينة، فجعل يسأل عن مُتشابه القرآن، فأرسل إليه عمر وقد أعدَّ له عراجينَ النخل، فقال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صَبِيغ، فأخذ عمر عُرجُونًا من تلك العراجين فضرَبه، وقال: أنا عبد الله عمر، فجعل له ضربًا حتى دَمِيَ رأسُه، فقال: يا أمير المؤمنين، حسبُك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي"؛ (الدارمي،1991م) [10] . لذا جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثُ ترسم للعقل حدودَه، وتُعقِّله عن الخوض في غير مجاله؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يُقال: هَذَا خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟ فمَنْ وجد من ذلك شيئًا، فليقل آمنت بالله))؛)مسلم،2006م) [11] . والاشتغال بما استأثَر الله بعلمه ضربٌ في البيداء، ولا قدرة للعقل في التعرُّف عليه؛ لأنه فوقَ مرتبة العقل . 2 - تحسين الظن بالعقل وتقديمه على الشرع : العقل قاصر الإدراك في علمه؛ ولذلك أنزل الله الكتب، وبعَث الرسل؛ قال تعالى: ﴿ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 165]. فمن استغنى بعقله واستند عليه مبتوتًا عن نور الوحي، فقد ضلَّ سبيلًا؛ (اللويحق،2000م) [12] . وقد جعَل الرسول صلى الله عليه وسلم الذين يقدمون الرأي على الشرع، أشدَّ ضررًا على الدِّين من غيرهم، ورَد عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ستفترق أُمَّتي على بضع وسبعين فرقةً، أعظمُها فرقة قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيُحرِّمُون الحلال ويُحلِّلُون الحرام))؛ (الحاكم،1990م) [13] . وقد أدرك الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطر المعارضين لشرع الله بآرائهم، المقدِّمين عليه أهواءَهم، فقال: "إياكم وأصحابَ الرأي؛ فإنهم أعداء السُّنَن، أعْيَتْهم الأحاديث أن يَحفَظوها، فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأضَلُّوا"؛ )ابن عبدالبر، 1993م) [14] . فكل مَنْ قدَّم رأيَه على النصِّ، أو قال في دين الله تخرُّصًا، فقد حَسُن الظن بعقله، وقال به في دين الله بغير علم. 3 - التقليد والتعصب: التقليد هو: "قبول القول من غير دليل"؛ (البغدادي،2001) [15] . أما الشوكاني في أدب الطلب، فعرَّف التعصُّب بأنه: "تقديم ذلك القول على غيره من الأقوال، واتِّخاذه حُجَّةً ملزمةً لا تجوز مخالفتُها " ؛ (الشوكاني،1994م) [16] . ولا ريب أن في التعصب لأقوال الرجال وأخذها مأخذَ التسليم، دون نظر إلى الدليل الذي بُنيت عليه - خلافَ مقصود الشرع؛ فالله سبحانه يقول: ﴿ قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 32]، وقال صلى الله عليه وسلم : ( (أُوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، وإنْ عبدًا حبشيًّا؛ فإنه مَنْ يعِشْ منكم بعدي، فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسُنَّة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإيَّاكم ومُحدثات الأمور، فإنَّ كل محدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعة ضلالةٌ)؛ ( أبو داود،2010م) [17] . ولم يكن أحد من الصحابة رضوان الله عليهم يلتزم تقليد شخص واحد، لا يخرج عن أقواله، ويخالف مَنْ عداه من الصحابة، قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "لا يُقلِّدَنَّ رجلٌ دينه رجلًا، إن آمَن، آمَن، وإنْ كفَر، كفَر"؛ (المالكي، 2008م) [18] . وقد وصف ابن القيم رحمه الله حال المتعصب ضيِّق التفكير بقوله: "أعجب من هذا شأنكم معاشر المقلِّدين، أنكم إذا وجدتُم آية من كتاب الله تُوافِق رأي صاحبكم، أظهرتُم أنكم تأخُذُون بها، والعُمْدة في نفس الأمر على ما قاله، لا على الآية، وإذا وجدتم آيةً نظيرها تخالف قوله، لم تأخذوا بها، وتطلَّبْتُم لها وجوه التأويل، وإخراجها عن ظاهرها؛ حيث لم تُوافق رأيه، وهكذا تفعلون في نصوص السنة سواء..."؛ (ابن القيم،1970م) [19] . وجرَّ التعصب في التقليد على الأمة الإسلامية بلاءً عظيمًا، وجعلها شِيَعًا وأحزابًا. 4- تحكيم الهوى ورد الحق: اتباع الهوى: "هو ميل النفس وانحرافها نحو المذموم شرعًا"؛ (ابن حجر،1959م) [20] . واتِّباع الهوى لا يأتي بخير؛ لأنه يصُدُّ عن الحَقِّ، وإن الذي يسترسل في اتِّباع هواه، لا يُبصِر قُبْحَ ما يفعله، ولا يسمع نهيَ مَنْ ينصَحه؛ وإنما يقع ذلك لمن يُحِبُّ أحوال نفسه، ولم يتفقَّد عليها؛ (البغدادي،1977م) [21] . ويترتب على اتباع الهوى أمرين: إفساد الدين يقع بالاعتقاد بالباطل، والعمل بخلاف الحق؛ فآراؤه العلمية، وفتاواه الفقهية، ومواقفه العملية - تبعٌ لهواه، فيدخل تحت قوله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23]، قال عامر بن عبدالله بن الزبير بن العوام: "ما ابتدع رجل بدعةً إلَّا أتى غدًا بما يُنكره اليوم"؛ (ابن بطة،2002م) [22] . وذكر البصري أنه إذا غلب الهوى على القلب، استحسَن الرجل ما كان يَستقبحه؛ (ابن شيبة،1988م) [23] . لذا منهج السلف منهج توقيفي يقوم على التعظيم والاتِّباع، والتسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة؛ قال تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وذكر الطحاوي رحمه الله أن الواجب كمال التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم والانقياد لأمره، وتلقِّي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يُعارضَه خيالٌ باطلٌ يُسمِّيه معقولًا، أو يُحَمِّلُه شُبْهةً أو شَكًّا، أو يُقدِّم عليه آراءَ الرجال، وزبالة أذهانهم، فيُوحِّده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان؛ (الطحاوي،2012م) [24] . ولذا تحكيم الهوى سبب ردِّ الحق، وضياع الحكمة، وظهور التفرُّق والأهواء، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من آدمي إلَّا في رأسه حِكْمة بيد الملك، فإذا تَواضَعَ قيل للملك: ارفَعْ حِكْمتَه، وإذا تَكبَّر قيل للملك: ضَعْ حِكْمتَه"؛ (الطبراني، 1994م) [25] . ب - اتِّباع الشبهات والشهوات: وهو اتِّباع ما تشتهيه النفس؛ قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 27]؛ أي: يريد الذين يتَّبعون الشهوات - وهم الغاوون - أن تَميلوا ميلًا عظيمًا، يعدل بكم عن الصراط المستقيم إلى اتِّباع الشهوات؛ (ابن تيمية،1986م) [26] . وهذه السمة موجودة في جميع الفرق الضالة عقائديًّا وفكريًّا؛ قال تعالى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]، وقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية، ثم قال: ((فإذا رأيتم الذين يتَّبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمَّى اللهُ فاحذروهم))؛ (البخاري،2010م) [27] . وجميع الفرق المنحرفة تستدلُّ بالمتشابه، وتعتضد به لموافقته لهواها، ثم تسلك النزاع والجَدَل؛ لأن المتشابه لا يُعطي بيانًا شافيًا، فيعمل الجَدَل لإزالة الإشكال؛ (الشاطبي،2000م) [28] . قال تعالى: ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴾ [الفرقان: 43]، يقول ابن تيمية رحمه الله عند تفسيره الآية: واتِّباع الهوى درجات؛ فمنهم: المشركون والذين يعبدون من دون الله ما يستحسنون بلا علمٍ، ولا بُرهان، هذه حال أهل البدع، فهم إنما اتبعوا أهواءهم؛ (ابن تيمية،1995م) [29] . وهذه فتنة المضلِّين الضالِّين التي وصف أصحابها الإمام أحمد رحمه الله بأن المختلفين في الكتاب مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علمٍ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جُهَّال الناس بما يشبهون عليه، فنعوذ بالله من فتن المضلين؛ (ابن تيمية،2005م) [30] . وهؤلاء المضِلُّون أهل البدع والأهواء، بدعتهم منشؤها الهوى مع شبهة دليل؛ (الشاطبي،1981م) [31] . 5- مجالسة أهل الغلو وقراءة كتبهم؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: ((الرجلُ على دينِ خليله، فلينظُر أحدُكم مَنْ يُخالِل))؛ (أبو داود،2010م) [32] . ولذلك جاء الإسلام مرغبًا في مصاحبة الأخيار، ومحذِّرًا من مصاحبة الأشرار؛ قال تعالى: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من الناس مفاتيحَ للخير، مغاليقَ للشَّرِّ، وإنَّ من الناس مفاتيحَ للشَّرِّ، مغاليقَ للخير، فطُوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويلٌ لمن جعل مفاتيح الشَّرِّ على يديه) ( ؛ (النووي،1980م). وحذَّر أبو قلابة التابعي بقوله: لا تجالسوا أصحاب الأهواء، أو قال: أصحاب الخصومات؛ فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم بعض ما تعرفون"؛ (ابن حنبل،1995)، ومما يدلُّ على خطورة مجالسة أهل الغلو، قوله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سمِع بالدَّجَّال فَلْيَنْأَ عنه، فإن الرجل ليأتيه وهو يحسبُ أنه مؤمن، فيَتَّبِعُه مما يبعث به من الشُّبُهات، أو لِما يَبعثُ به من الشُّبُهات))؛ (أبو داود،2010م). 6- جذور الانحراف قديمة، وإن اختلفت المسميات، وتلوَّن الأتباع: التكفير موجود، والإرجاء موجود، وانتشر في الأُمَّة في العصور المتأخِّرة انتشارًا قويًّا، وحسبنا أن نعلم أن الأشاعرة والماتريدية يتبنون هذا الفكر؛ (الميداني،1970م). وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيشرب ناس من أُمته الخَمْرَ يسمُّونها بغير اسمها؛ (أحمد،2000م، وابن حبان، 2014م، وابن ماجه،2010). وأخذت الأحزاب والجماعات والطوائف مسارًا آخر؛ ينشرها أتباعُها بمذاهب فكرية عقدية، تحت ألقاب أربعة: القدرية، والشيعة، والخوارج، والمرجئة، ثم تشعَّبَتْ هي نفسها، ودارت الصراعات في المذهب الفكري الواحد، في قوالب من التفرُّق والاختلاف، الذي كان دليلًا على نبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم في قوله: ((إن أهل الكتابين افترَقوا في دينهم اثنتين وسبعين مِلَّةً، وإن هذه الأُمَّة ستفترق على ثلاث وسبعين مِلَّةً - يعني: الأهواء - كلها في النار إلَّا واحدة، وهي الجماعة، وأنه سيخرج في أُمَّتي أقوام تَجارَى بهم تلك الأهواء كما يَتَجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عِرْقٌ ولا مَفْصِل إلَّا دخله)؛ (السفاريني،1981م). وفي هذا العصر نشهد ظهورًا للتكفير، وقد ألبس منهج السلف، وادَّعى بأنه اعتقاد الفرقة الناجية، وربما ترك من الاتجاه أفكارًا معينة لتَبْرَأَ ساحة مُعتقده، وكل صاحب مخالفة وبدعة يدعو غيره إليها؛ ولهذا تكالبَت على أهل السنة البِدَعُ والأهواء، وهذا ما أشار إليه ابن تيمية رحمه الله بأن هؤلاء وأمثالهم لم يكونوا خبيرين بكلام السلف؛ بل ينصرون ما يظهر من أقوالهم بما تلقَّوه عن المتكلمين من الجهمية ونحوهم، من أهل البدع، فيبقى الظاهر قول السلف، والباطن قول الجهمية الذين هم أفسد مقالةً في الإيمان (ابن تيمية،1995م). فجذور الانحراف قديمة، وإن اختلفت المسميات، وتلوَّنَ الأتباع. 7- الجهل وتصدُّر حُدثاء الأسنان سُفهاء الأحلام: الجهل والظلم هما أصل كل شرٍّ، وإن الإحداث في الشريعة إنما يقع؛ إما من جهة الجهل، وإما من جهة تحسين الظن بالعقل، وإما من جهة اتِّباع الهوى، وهذا الحصر بحسب الاستقراء (ابن تيمية1998م، الشاطبي2000م). [33] ولو تأمَّلنا سبب الانحراف الذي وقع فيه الافتراق والضلال، لوجَدنا على رأسها الجهل؛ ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((يخرج من أُمتي في آخر الزمان أحداثُ الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يقرؤون القرآن لا يُجاوز حناجرهم، يَمرقون من الدين كما يَمرق السَّهْم من الرمية))؛ أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، 5/ 168، ح 4833، (أبو داود،2010م). وصف الخوارج: قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم؛ وأجاب علي رضي الله عنه على الخوارج عند قولهم: "لا حكمَ إلا الله"، يقول: كلمة حقٌّ أُريدَ بها باطلٌ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسًا، إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم ولا يجاوز هذا منهم، وأشار إلى حلقه من أبغض خلق الله إليه"؛ (ابن حجر، 1959م) [34] . وتصدُّر حدثاءِ الأسنان سفهاء الأحلام للإفتاء والدعوة - سببٌ مباشر في إشاعة الفرقة والفساد، ويشير بعض الباحثين في الدراسات الإسلامية إلى أن التعالُم والغرور والتعالي على العلماء وعلى الناس، من أبرز عوامل الانحراف الفكري، والغلو في الدين. د. بدرية محمد الفوزان الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود كلية التربية، دراسات إسلامية [1] الترمذي، الجامع الصحيح؛ تحقيق: إبراهيم عطوة عوض، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده الطبعة الأولى، 1382 هـ، كتاب الزهد 4/ 574، ح 2346. [2] صحيح مسلم، الرياض، دار طيبة، 1427هـ، كتاب البر والصلة، (2553)، الترمذي، "سنن الترمذي"، كتاب الزهد، (2389)، ابن حنبل، أحمد الشيباني، مسند الإمام أحمد، بيروت، مؤسسة الرسالة،1421هـ، 4 /182، [3] ابن تيمية، تقي الدين أحمد بن عبدالحليم، مجموع الفتاوى؛ تحقيق عبدالرحمن قاسم، المغرب، مكتبة المعارف، 7 /582. [4] انظر: الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد، الموافقات؛ تعليق: عبدالله دراز، بيروت، دار المعرفة، ط1، 2002م، 1 /523. [5] أحمد، مسند الإمام أحمد، 2 /272، رقم (1089)، الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم (1162). [6] انظر: القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري، الجامع لأحكام القرآن، القاهرة، دار الكتب المصرية، 1354هـ، 3 /373. [7] الطحاوي، علي بن علي بن محمد الحنفي، ابن أبي العز؛ شرح العقيدة الطحاوية؛ تحقيق: أحمد شاكر، بيروت، دار الكتاب العربي، ط3، 2012، 1 /87. [8] انظر: الطحاوي، شرح العقيدة الطحاوية، 2 /688. [9] انظر: ابن حجر، أحمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، بيروت، دار المعرفة، 1379هـ، 8/ 59. [10] الدارمي، عبدالله بن عبدالرحمن بن الفضل، مسند الدارمي "سنن الدارمي"، الرياض، دار المغني للنشر،1412هـ، المقدمة باب من هاب الفتيا وكره التنطُّع والتبدُّع، 1/ 54. [11] مسلم، الجامع الصحيح، كتاب الإيمان، باب بيان الوسوسة في الإيمان وما يقوله مَن وجَدها، 1/ 119، ح 212. [12] انظر: اللويحق، عبدالرحمن بن معلا، ظاهرة الغلو في الدين، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1421هـ، 150. [13] الحاكم، محمد بن عبدالله بن محمد بن حمدويه، المستدرك على الصحيحين، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ، كتاب الفتن والملاحم، 4/ 430. [14] ابن عبدالبر، أبو عمر يوسف بن عبدالله بن عاصم، جامع بيان العلم وفضله، الرياض، دار ابن الجوزي ط1، 1414هـ،2/ 135. [15] البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب، الفقيه والمتفقه، الرياض، دار ابن الجوزي، ط2، 1422هـ، 2/ 128، وانظر: ابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد، الإحكام في أصول الأحكام؛ تحقيق: أحمد شاكر، دار بيروت، الكتب العلمية،1395هـ، 6 / 69. [16] انظر: الشوكاني، محمد بن علي بن محمد اليمني، أدب الطلب ومنتهى الأرب؛ تحقيق: محمد صبحي حلاق، القاهرة: مكتبة ابن تيمية ط1، 1415 هـ، ص 26. [17] أبو داود، سليمان بن الأشعث بن إسحاق، سنن أبي داود، بيروت، المكتبة العصرية، كتاب السنَّة، باب في لزوم السنَّة، 5/ 13، ح 4607، وهو حديث صحيح، كما في صحيح الجامع، 2/ 346، ح 2546. [18] المالكي، عبدالحفيظ عبدالله، نحو مجتمع آمن فكريًّا، بحث مقدم للمؤتمر الأول للأمن الفكري في كرسي الأمير نايف، الرياض، جامعة الملك سعود، 1430هـ، ص80. [19] انظر: ابن القيم، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين؛ تحقيق: محمد عبدالسلام إبراهيم، لبنان - بيروت، دار الكتب العلمية، 1390هـ، 2/214. [20] ابن حجر، فتح الباري، 4 /89. [21] انظر: البغدادي، عبدالقاهر بن طاهر بن محمد، الفرق بين الفرق، بيروت، دار الآفاق الجديدة، ط2، 1977، ص 45. [22] ابن بطة، عبدالله بن محمد العكبري، الشرح والإبانة على أصول السنَّة والديانة؛ تحقيق: الدكتور رضا بن نعسان معطي، المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم، الطبعة الأولى، 1423 هـ، ص 148، برقم 83. [23] ابن أبي شيبة، أبو بكر بن أبي شيبة عبدالله بن محمد، الكتاب المصنف في الأحاديث والآثار، تقديم وضبط: كمال الحوت، المدينة المنورة: مكتبة الزمان، ط1، 1409 هـ، 3 /45. [24] الطحاوي، شرح العقيدة الطحاوية، 1 /228. [25] الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم، المعجم الكبير، القاهرة، مكتبة ابن تيمية، ط2، 2 /218، وحسَّن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (538). [26] انظر: ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم، الزهد والورع والعبادة، الأردن، مكتبة المنار، ط1، 1407هـ، ص130. [27] البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، دمشق، دار الكتب العلمية، ط2، 1432هـ، كتاب التفسير، 8 /209. [28] انظر: الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد، الاعتصام، الرياض، دار عفان، ط1،1421هـ، 2 /236. [29] انظر: ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 10 /592. [30] انظر: ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، المدينة مطابع المصحف الشريف، ط1، 1426هـ، 65. [31] انظر: الشاطبي، الاعتصام، 2/282. [32] أبو داود، سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس، 5/ 168، ح 4833. [33] انظر: ابن تيمية، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبدالحليم، بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية، المدينة مطابع المصحف الشريف، ط1، 1426هـ، 65، وانظر: الشاطبي، الاعتصام، 2 /282. [34] انظر: ابن حجر، فتح الباري، 2 /301.
الإعجاز في قلب الإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
31-08-2018
57,857
https://www.alukah.net//culture/0/129006/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d9%81%d9%8a-%d9%82%d9%84%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
الإعجاز في قلب الإنسان الإنسان هو ذلك الكائن العجيب الحي، فهو مِن أعقد الأحياء على وجه الأرض، وما تزال البحوثُ الطبِّية الحديثة تكشف عن عظمة الخالق جل شأنه، القائل في كتابه: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]. فالإنسان يتألَّف مِن عدد ضخم مِن الأجهزة أهمها القلب، فهو مِن أعجب الآلات في جسمه، وجاءت العبادات في مجموعها - وعلى اختلاف أنواعها وأشكالها - تهدف إلى تطهير القلب مِن أمراضه، فالقلب هو القائد والآمر والناهي، والأعضاء والجوارح كلها جنودٌ له وخَدَمٌ وأتباع، فالقلب مِضخَّة مزدوجة تضخ الدم الذي يحمل الغذاء والوقود إلى كل خلية أو نسيج وعضوٍ وجهاز، عن طريق شبكة من الأوعية الدموية ( أوردة وشرايين )، يزيد طولها على مائة وخمسين كيلو مترًا، والقلب يعمل منذ الشهر الثاني من حياة الجنين، وحتى يأتي أَجَل الإنسان، فإنه لا يغفُلُ ولا يسهو، ولا يقعد ولا يَمَلُّ ولا يشكو، بل يعمل دون راحةٍ ولا صيانة، فإذا سكن وتوقَّف في قفصه واستراح، خلَّف وراءه جثةً هامدة كأنها أعجازُ نخلةٍ خاوية. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائلُ عن القلبِ: ((ألا إن في الجسد مُضغةً، إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب))؛ (أخرجه البخاري ومسلم). وصدق القائل: دقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ لهُ: إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثوانِ فارفَعْ لنفسِكَ قبلَ موتِكَ ذِكْرَها فالذِّكرُ للإنسانِ عُمْرٌ ثانِ معنى القلب طبيًا: هو عضوٌ عضلي مُجوَّف، صَنَوْبَرِي الشكل، بحجم قبضة اليد، ويزن حوالي 350 جرامًا لشخص يزن 70 كجم، ويمكن لهذا الوزن أن يزداد بزيادة عمله، كما هو عند الرياضيين، مكانُه في الصدر بين الرئتين، فيه أربعةُ تجاويفَ: أُذَينان Atium ، وبُطَينان Venticle ، مَهمَّتُه الأساسية استقبالُ الدم الوارد من أعضاء البدن المختلفة، وضخُّه إلى الرئتينِ ضمن جهاز الدوران؛ ليتخلص من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويُحمَّل بالأكسجين ويعود إلى القلب ثانيةً، ليعيد ضخه إلى سائر الأعضاء مِن أجل تزويدها بعنصر الحياة، وهو الأكسجين اللازم للعمليات الحيوية التي تجري في الأجهزة المختلفة، فالقلب يضخُّ كلَّ يومٍ أكثر من 8000 لتر مِن الدم؛ أي بمعدل 4 إلى 5 لترات في الدقيقة، يمكن أن يزيد إلى ثلاثة أضعاف عند القيام بتمارين رياضية. ويحتوي القلبُ على صِمَامات تعمل على إيقاف تدفُّق الدم نحو الجهة المعاكسة، وتفتح هذه الصِّمامات عند اندفاع الدم، ثم تغلق تلقائيًّا لمنع رجوعِه، وعندما تُغلَق تقوم بصوتِ ضربةِ القلب، وهو الصوت الذي يسمَعُه الأطباء عندما يضعون السماعة على الصدر، ومعدل نبض القلب 70 نبضة بالدقيقة، عند الإنسان البالغ؛ أي ما يعادل 100000 مرة في اليوم. وتحتاج عضلة القلبِ إلى 7 % من الأكسجين الذي يحمله الدم؛ لإنتاج طاقة الضخ، فإذا نقصت نسبة الأكسجين الواردة إليه، تؤدي إلى نوع من الاستقلاب اللاهوائي، ويَنتُج أَلَمٌ يُعرَف بالذبحة الصدرية anginz pectoris . القلب وكيس التامور: قد أثبت البحث العلمي أن عضلة القلب هي أقوى وأمتن عضلة في الإنسان، ومن آيات الله الباهرة أن الله تعالى جعل لهذا القلب كيسًا لصيقًا به هو ( الشَّغاف )، مُغلفًا بغِشاء آخر يسمى ( التامور )، هذا الكيس يُفرِز مادة تُليِّن حركته؛ لئلا يحتكَّ بالقلب نفسِه، وهو كالزيت في الآلات تمامًا، والشَّغاف غِشاءٌ رقيق جدًّا أملسُ يُغلِّف القلب مباشرة، يعمل مع التامور الذي يُفرِز المادة المليِّنة لسهولة حركة القلب وعدم الاحتكاك أثناء الانقباض والانبساط، ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾ [الأنعام: 96]. خصائص تفرَّد بها القلب: للقلب البشري خصائصُ تفرَّد بها عن بقية قلوبِ الحيوانات، وكذلك عن سائر الأعضاء الأخرى داخل جسم الإنسان؛ منها: 1 - التسيير الذاتي: إن للقلب عُقدًا عصبية مستقلَّة، مكانُها أعلى الأُذَين الأيمن، تعلن هذه العقدة عن استقلالِ القلب عن الجهاز العصبي، فتأتَمِر بضرباته وتنتظم بإشارةٍ كهربائية من مركز توليد ذاتي، دون تدخُّل مباشر مِن الدماغ، ولهذا يمكن أن يبقى القلب ينبِضُ لساعات طويلة بعد اقتطاعه مِن الجسم إذا ما وضعناه في وسطٍ مُغَذٍّ. 2 - البِنْية العضلية المتميزة: يتكوَّن نسيج القلب مِن ألياف عضلية مخططة، ومِن المعلوم أن العضلات المخطَّطة هي عادةً عضلاتٌ إرادية؛ أي: يستطيع الإنسان أن يُحرِّكها بإرادته، ومثالُها عضلات الأطراف التي تتحرَّك بإرادتنا، على العكس من العضلات المَلْساء، فهي لا إرادية، ومثالها عضلات الأَمْعاء. أما عضلةُ القلب فإنها تُخالف هذه القاعدة، فهي عضلة مخططة، ولكنها غير إرادية؛ أي: لا سيطرةَ للإنسان على عملها، فلا يستطيع الإنسان أن يُسيطر على سرعة نبضات قلبه، ولا يَملِك أن يُوقِف قلبه أو يُحرِّكه كما يشاء أو وقتما يشاء، ومِن عظمة الله تعالى وجودُ القلب مدفونًا بين الرئتينِ، وفي القفص الصدري العَظْمي؛ مما يُمثل حمايةً له؛ حتى لا يتأثر بالعوامل الخارجية من الضغط أو اللمس أو الصدمات، فأوجده الله تعالى في صندوقٍ لحمايته، فسبحان الخالق! 3 - خصائص هرمونية: تُشير بعض البحوث الحديثة إلى أن للقلب وظائفَ هرمونيةً؛ حيث يُفرِز هرمونًا يُدعَى العالم الأُذيني طارح الصوديوم، وهو هرمون تُفرِزه الخلايا العضلية في الأُذَينين يساعد على تخليص البدن من الصوديوم والماء الفائضين عن حاجة البدن، بالتفاعل مع بقية الهرمونات ذات العَلاقة بهذه العملية، وهي توازن السائل والأملاح، وهي وظيفة حيوية على درجة كبيرة من الأهمية، كما توجد بعض البحوث التي تشير إلى احتمال وجود المزيد من الهرمونات التي يُفرِزها القلب، وتعمَل بدورِها على سيطرة القلب على بقية الأعضاء. 4 - معدل النبضات: تقولُ الإحصاءات: إن أعلى مُعدَّل لنبضات القلب في الحيوانات ذوات القلوب، لا يتعدى (4 مليارات نبضة) خلال فترة حياتها، أما الإنسان فإن معدل نبضات قلبه يصل إلى ضعف هذا المعدل؛ أي: حوالي (8 مليارات نبضة)، فهذه الاختلافات الجوهرية هي التي تجعل قلب الإنسان متميزًا عن بقية أعضاء البدن، كما تجعله متميزًا عن قلوب المخلوقات الأخرى، ولله في خلقه شؤون. تأثير القلب على المخ: ذكر الباحثون أربع وسائل يُؤثِّر القلب بها على المخ: 1 - عصبيًّا مِن خلال النبضات العصبية. 2 - كيميائيًّا بواسطة الهرمونات والناقلات العصبية. 3 - فيزيائيًّا بموجات الضغط. الطاقة بواسطةِ المجال الكهرومغناطيسي للقلب، فالمجال الكهربائي للقلب أقوى 60 مرة مِن المخ، والمجال المغناطيسي أقوى 5000 مرة من المجال الذي يبعثه المخ. أمراض القلب وكيفية الوقاية منها : رغم أنه لا يمكنُ حصرُ أنواعِ الأمراض التي تُصِيب قلب الإنسان، فإن هناك أنواعًا قليلةً تُشكِّل أغلبية ما تصيب الإنسان؛ وأهمها: 1 - أمراض ناتجة عن التشوُّهات الخَلقية؛ مثل الثَّقْب في القلب، وضيق الصِّمَامات، ورباعية فالوت، وتعرض الحامل لأشعة أكس، وغيرها، وذلك يسهم إلى حد كبير في إنتاج هذه التشوُّهات في قلب الجنين، وخصوصًا إن كان الحمل في الشهور الثلاثة الأولى. 2 - أمراض ناتجة عن الحُمَّى الروماتيزمية، وهذه تُؤدِّي إلى تشويهِ الصِّمامات وحدوث ضيق أو تهريب وتوسيع الصِّمَام، وأكثر ما تصيب الصِّمام التاجي، ثم الأَبْهَر، ويسببها جرثومة ستربمتوكوكس التي تسبب التهاب اللوزتين والحلق، فإذا أهمل علاج التهاب اللوزتين في الأطفال، تتكوَّن في الدم أجسام مناعية تكون مسؤولة عن التفاعل مع الصِّمام وتخريبه، وعند حدوث ذلك يتم علاج اللوزتين بالجراحة أو بدواءِ البنسلين. 3 - أمراض ناتجة عن تصلب الشرايين التاجية: الشرايين التاجية هي شرايين صغيرةٌ تتفرَّع مِن الشريان الأَبْهَر، وتنتشر فوق عضلة القلب، لتمدَّها بالدم المليء بالأوكسجين والغذاء، وإذا ضاق أو انسدَّ أحدُ هذه الشرايين، قاست العضلةُ بسبب قلة التروية؛ مما يؤدي إلى إحساس الإنسان بألم وسط الصدر أو الجهة اليسرى أو اليمنى، وكثيرًا ما يمتد إلى الذراع الأيسر أو إلى الرقبة، أو الفك الأسفل، ويشعر المصاب كأنه يختنق، أو يضيق نَفَسُه، وهذا ما يسمي بالخناق الصدري، ويحدث بعد المجهودِ العضلي أو النفسي في أكثر الأحيان، وفي الحالات المتقدمة من المرض، وقد يحدث أثناء الراحة، وقد يُوقِظ الإنسانَ مِن النوم. العوامل التي تزيد من احتمال حدوث تصلب الشرايين التاجية: 1 - التدخين يزيد من احتمال حدوث تصلب الشرايين من 3 - 5 مرات عند المدخنين، بالمقارنة مع غير المدخنين، ويمكن علاجها بالكف عن التدخين نهائيًّا، والأحسن عدم تعلُّمِه منذ الصغر. 2 - ارتفاع ضغط الدم، مما يؤدي إلى حدوث جلطة القلب والدماغ، ويعالج الآن بنجاح كبير. 3 - ارتفاع نسبة الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم، ويمكن إبقاؤها طبيعيةً بتجنُّب المأكولات الغنيَّة بالكوليسترول؛ كالدهينات الحيوانية، والكَبِد، وجلد الدجاج، وصفار البيض. 4 - الانفعال العاطفي وهموم العمل والحياة وأتعابها: وعلاجها هو الإيمان بقدر الله تعالى، والقناعة هي خير كَنزٍ في هذه الحياة والسيطرة على الهموم والأتعاب. 5 - العوامل الوراثية. 6 - عوامل أخرى؛ مثل: مرض السكر، والسِّمنة، والخمول، وقلة النشاط، ويوجد برنامج رياضي يومي منذ الصغر يساعد على تجنُّب السمنة، ويقلل من مستوى الكوليسترول في الدم، ويساعد على تقليل الضغط، والمهم أنه يساعد على ابتعاد الشباب عن التدخين، وكذلك اتِّباعُ نظام غذائي صحي. القلب في القرآن الكريم: لقد اهتم القرآن الكريم اهتمامًا خاصًّا بالقلب البشري، فأورد ذكرَه في عشرات الآيات، وعدَّه مِن أشرف أعضاء البدن، ونسب إليه الكثير من الوظائف التي نذكر منها: ♦ أن القلب هو الذي يتلقَّى الوحي: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ ﴾ [الشعراء: 193، 194]. ♦ والقلب هو موضع الإيمان: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106]. ♦ والقلب هو موضع الكفر: ﴿ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 101]. ♦ وهو موضع الطمأنينة والسكينة: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]، ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [الفتح: 4]. ♦ موضع التدبر والتعقل: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]. القلب في السُّنة المطهرة: وكما حفَل القرآن الكريم بمكانةِ القلب، فقد حفَلت به السُّنة النبوية أيضًا؛ حيث ورد الكثير من الأحاديث التي تبيِّن وظائف القلب وعَلاقته بالإيمان والكفر والنفاق، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: ((اقرؤوا القرآن، ولا يغُرَّنَّكم هذه المصاحفُ المعلَّقة؛ فإن الله لن يُعذِّب قلبًا وعى القرآن))؛ (أخرجه الدارمي)، وقوله في حديث آخر: ((استفتِ قلبَك...))؛ الحديث. وقال صلى الله عليه وسلم في وسائل تليينِ القلب، وذلك بالإحسان والصدقات، حين جاءه رجل يشكو قسوة قلبه، قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أردتَ أن يلينَ قلبُك فأطعِمِ المسكين، وامسَح على رأس اليتيم))؛ (أخرجه أحمد والطبراني). وقولُه صلى الله عليه وسلم: (( ما مِن قلب إلا بين أصبعينِ من أصابع الرحمن، إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا مُثبِّت القلوب ثبِّت قلوبَنا على دينِك))؛ (أخرجه ابن ماجه). وقال صلى الله عليه وسلم : (( فإن الله لا يستجيبُ لعبدٍ دعاه عن ظهر قلب غافل)). وهكذا نجد أن السُّنة النبوية - تُؤكِّد كما أكد القرآن مِن قبلُ - أن للقلب وظائفَ أخرى غير وظيفته الظاهرة، والله العليم بأسرار خلقه.
المصلحون في الأرض
د. جمال يوسف الهميلي
30-08-2018
9,407
https://www.alukah.net//culture/0/129005/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d9%84%d8%ad%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b6/
المصلحون في الأرض لن أقول: إن أكثر من 500 مليون إنسان خسِرتهم الأرضُ بسبب الحروب بين البشر. لن أقول: إن أكثر من 1.2 مليار شخص لا يستطيعون الحصول على مياه الشرب النقيَّة. لن أقول: إن هناك أكثر من 700 مليون إنسان يعيشون تحت خطِّ الفقر. لن أقول: إن عدد متعاطي المخدِّرات تجاوز 250 مليون شخص. لن أقول: إن الإنسان تسبَّب في ارتفاع منسوب مياه البحار 20 مترًا، وارتفاع الحرارة 3 درجات مئوية، هذا عدا تلوُّث الهواء ومياه الشرب والنفايات، والسلسلة طويلة. لكني سأقول: دعونا نطوي ذلك كلَّه، ولننظر بعين من الأمل، ولنفكِّر في إصلاح الأرض بدل دمارها، في بنائها بدل هَدْمِها، في جعلها خضراءَ بدلًا من أن تكون سوداءَ. "لا تُعطني مشكلةً، وأعطني حلًّا"، والحلُّ واضحٌ وممكن وهو موجود، كل المنشود أن نكون (أنا وأنت وهو وهي) جزءًا من هذا الحلِّ، فنُسْهِم فيه، وبمعنى آخر أن نكون من "المصلحين في الأرض". وكل عمل ناجح يسبقه عِلْمٌ واضحٌ، فما أجمل أن يتوَّج الحماس بتأسيسٍ علميٍّ لا فوضوي، ومن أهم قضايا التأسيس للمصلحين في الأرض، هو تحديد الإجابات عن ثلاثة أسئلة مهمة تجمعها كلمة "كمل" الحرف الأول من كل سؤال، وعن كل واحد الإجابة عنها بوضوح قبل الانطلاق في طريق المصلحين، استعد أنت للإجابة عنها، خُذْ نَفَسًا، استلقِ، والآن ابدأ: كيف يمكن أن أُسهِمَ في إصلاح الأرض أو نُسْهِم معًا؟ .................................... .. ما المفهوم الذي تسعى إليه أو نسعى إليه؟ ........................................... لـمـاذا تسعى إلى إصلاح الغير أو نسعى إليه؟ .................................................... الآن وبعد الاستعداد، لا بد من بناء الذات "المصلح" أو "المصلحون"، فالمصلحون هم شموعُ الأرض، وهم مصابيحُها التي تهتدي بها، وهم أملُها - بعد الله - في تصحيح مسار البشر وإنقاذ الأرض قبل خرابها، وهم قَدَر الله في محاربة ومقاومة المفسدين؛ لذا وجب العناية بهم وحُسْن تربيتهم. وبناء المصلح (المصلحين) يعتمد على ثلاثة أركان متداخلة (مخه): الأول: المعلوماتي أو المعرفي(م)، وهو جواب لسؤال: ما الذي ينبغي أن يعرفه المصلح؟ الثاني: الأخلاقي(خ)، وهو جواب عن سؤال: ما الأخلاق التي يجب أن يتحلَّى بها المصلح؟ الثالث: وهو المهاري (هـ)، وهو جواب لسؤال: ما المهارات التي لا بد أن يكتسبها المصلح؟ ومما لا شك فيه أن هذه الثلاثية تختلف من عمل إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، ومن إنسان إلى آخرَ؛ لذا كان من الصعب تحديد تلك المنظومة، لكن يُمكن تقسيم كل ركن إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: ضروري، وسنرمز له "ض"، وهو ما لا بد منه للمصلح، ولا يمكن التنازُل عنه، فلا عمل بدونه. القسم الثاني: حاجي، وسنرمز له "ح"، وهو ما يصعب الاستغناء عنه بحيث يُؤثِّر في العمل ولكن لا يلغيه. هرم المصلحين في الأرض القسم الثالث: كمالي، وسنرمز له "ك "، وهو ما يُفضَّل وجوده لتجويد العمل وجعله أكثر إتقانًا. بجمع هذه الأقسام الثلاثة سنكون وضعنا مثلث "ضحك". إذا أخذنا مثلث "ضحك" مع أركان (مـخـه) سنُكوِّن هرمًا ثلاثيًّا، وهو ما نُسمِّيه بـ "هرم المصلحين في الأرض". والآن يمكنك بناء هرمك الخاص أو هرمكم الخاص عن طريق الجدول التالي: هرم المصلحين في الأرض مـخـه معلومات أخلاق مهارات ضحك ضرورية حاجية كمالية لن أُمليَ عليكَ مادة الهرم؛ لكني سأتركه لك لتصنعَه بنفسك، فأنت أعلمُ ببيئتك وبنفسك وبمَنْ حولَكَ، لكنا خطَوْنا خُطوة مهمة جدًّا في بناء الهرم، بقِي أن ننطلق في إصلاح الأرض، فلن يكون المفسدون أكبرَ هِممًا منا، ولا أكثرَ رغبة في التفوُّق، ولا أسرع مبادرة، فالأرض لنا وليستْ لهم، وهي بيتنا قبل أن تكون بيتهم، ولن نسمَح لهم بدمارها، وأنت بلا شكٍّ معنا، فأهلًا وسهلًا بك في عالم "المصلحين في الأرض".
التعاطي للمخدرات: أسبابه، أضراره، الوقاية منه
د. مصطفى البعزاوي
29-08-2018
31,936
https://www.alukah.net//culture/0/128980/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%87%d8%8c-%d8%a3%d8%b6%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d9%87%d8%8c-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86%d9%87/
التعاطي للمخدرات أسبابه، أضراره، الوقاية منه المتأمِّل في الشريعة الإسلامية، يجد أن الله لَمَّا خلَق الإنسان لعبادته، أمره أيضًا بالحفاظ على الكليَّات الخمس التي منها أساسًا في موضوعنا: حفظ النفس والمال. وقد نصَّ على ذلك سبحانه وتعالى في كتابه العزيز في آيات كثيرة، كما ذكرها الرسول الكريم في سُنَّته الشريفة، إضافة إلى أقوال الفقهاء باختلاف مذاهبهم في هذا الموضوع الشائك. القرآن الكريم: من فَضْل الله تعالى أن شرَع لنا ما فيه صلاحٌ لديننا ودُنيانا وأُخْرانا، فأحلَّ سبحانه لنا الطيِّبات من الرزق والنِّعَم، وحرَّم علينا الخبائث؛ إذ قال تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]. وكرَّمنا سبحانه وتعالى بنِعْمة العقل على سائر المخلوقات؛ إذ العقل مناطُ التكليف، وبه نُميِّز بين الحَسَن والقبيح والشرِّ والخير، والنافع والضارِّ، وهو الذي يسير بنا إلى الصلاح والفلاح، ولا يتصوَّر عاقلٌ إلَّا أن يُصنِّف المخدِّرات ضمن الخبائث؛ لأنها تُؤدِّي به إلى الهلاك والضياع وقتل النفس التي حرَّم الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]. ومن المبادئ الأساسية في الإسلام: الحفاظ على النفس، والابتعاد عن كل ما هو مُضِرٌّ بصحَّتِها، فتحريم المخدِّرات جاء حُكمًا سرمديًّا؛ إذ لم تكن المخدِّرات معروفةً بمفهومها الحديث في صدر الإسلام، فتعاطيها له عواقبُ وخيمة على صحَّة ونفسية المتعاطي؛ ولهذا جاء في السنة النبوية أحاديثُ كثيرة للرسول الكريم، يَنهى فيها عن المخدِّرات بجميع أنواعها خاصة، وعن المحرَّمات عامةً؛ منها: ما رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكُلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ)) [1] . وهنا التحريم لم يأتِ بكثرة التعاطي؛ وإنما للتعاطي نفسه؛ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( كل مُسْكِرٍ حرامٌ، وما أسْكَر الفَرْقُ منه، فمِلْءُ الكَفِّ منه حرامٌ )) [2] ، كما روى أهل السُّنَن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( ما أسْكَرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ ))، فكُلُّ ما قد يُسبِّب الإسكار والإفتار مُحرَّمٌ شرعًا؛ لأنه يُفقِد الإنسان وَعْيَه؛ كما روى أبو داود في سُننه عن أُمِّ سلمة رضي الله عنها قالت: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مُسْكِرٍ ومُفْتِرٍ" [3] . ورغم هذه النصوص الشرعية، أصبحت للأسف ظاهرة المخدِّرات منتشرةً في مجتمعنا أطفالًا وشبابًا، نساءً ورجالًا، فما هي أسباب ودواعي التعاطي لها؟ وما هي الآثار والمشاكل الناجمة عن ذلك؟ وما هي بعض وسائل الوقاية والتصدِّي لهذه الظاهرة الخطيرة للحَدِّ منها؟ أولًا: الأسباب: هناك عدة أسباب ودوافع لانتشار هذه الظاهرة المتفشية بين أبناء وبنات المجتمع العربي والإسلامي، تتمثَّل في عوامل بيولوجية وعوامل نفسية واجتماعية. أ- العوامل البيولوجية: إذا كان الإدمان محمولًا على مورثات، وكانت الأُسَر البيولوجية الأصلية يوجد الإدمان في أيٍّ من عضويها الأساسين الأب أو الأم، أو هما معًا - فاحتمال ظهور الإدمان بين الأبناء مرتفعٌ بغضِّ النظر عن وجوده أو عدمه في أسرة التبنِّي، وعلى هذا الأساس أُجريت دراسات متعدِّدة في كل من الدانمارك والسويد والولايات المتحدة الأمريكية، وكانت نتائجها جميعًا تؤكِّد غلبةَ العامل الوراثي؛ أي: إن الأبناء المنحدرين من آباء مُدمنين للكحوليات يزيد معدل انتشار الإدمان بينهم إلى نحو أربعة أمثال معدَّلِه بين الأبناء الذين ينحدرون من آباء غير مدمنين [4] . ب- عوامل أخرى نفسية واجتماعية: غياب الوازع الديني والبُعْد عن الله، وضَعف العقيدة، وعدم ثباتها للشعور بالراحة النفسية والاطمئنان، وعدم وجود الأماكن المناسبة التي يرتادها الشباب لقضاء أوقات فراغهم بطريقة مفيدة؛ كالمكتبات العامة والنوادي الرياضية، ومراكز التدريب على الحِرَف والصناعات المختلفة، إضافة إلى انتشار الأفلام التي تدور حول هذا الموضوع وسوء استخدامها، وكذلك الاحتكاك والاختلاط بأنماط سلوكية مغايرة لعقائدنا وعاداتنا، وعدم وجود خطة منظَّمة لعملية سفر شبابنا للخارج بعيدًا عن رقابة الأسرة وإشرافها، فضلًا عن انتشار الجهل بمضارِّ وعواقب المخدِّرات وجُلَساء السوء؛ حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (( مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كمَثَلِ صاحب المِسْك، وكِير الحدَّاد، لا يَعْدَمُكَ من صاحب المسك إمَّا تشتريه، أو تجد رِيحَه، وكِيرُ الحدَّاد يُحرِقُ بَدَنَكَ أو ثوبَكَ، أو تجد منه رِيحًا خبيثةً )) [5] ، وكذلك الاعتقاد الخاطئ بأن المخدِّرات تزيد القدرة الجنسية، والتعاطي يكون نتيجة الفشل في الحياة أو الاضطهاد، أو مشاكل أُسْرية أو ضائقة مالية، وكذلك التفكُّك الأُسْري أو وفاة أحد الأبوين. ت- وفرة المال دون رقابة: تُشير كثيرٌ من القرائن إلى أن مع زيادة وفرة المادة في المجتمع يزدادُ الإقبال على تعاطيها، ومع انكماش المتوافر منها يقلُّ الإقبال على تعاطيها، ومع ذلك هذه العلاقة صادقة في حدود معينة لا تتعدَّاها [6] . ث: غياب تفعيل القوانين الزاجرة: قد لجأتْ معظم حكومات العالم في فترات تاريخية إلى استخدام آلية القانون للتأثير في معدَّلات الانتشار لكثير من المواد المحدثة للاعتماد، ولا يزال الجدال محتدمًا داخل الدوائر العلمية والطبية والقانونية [7] . هذه بعض من الأسباب وراء التعاطي للمخدِّرات بأنواعها، فما هي الآثار الناجمة عنها؟ ثانيًا: الأضرار: إن الشَّرْع لا يُحرِّم شيئًا عبثًا، ولكن لحكمة ترتبط بالحفاظ على الكليات الخمس، وبخاصة في الحفاظ على النفس والمال. كما تُسبِّب المخدِّرات تغيُّرات ضارَّة في القلب والدورة الدموية شبيهة بالتغيُّرات التي يُحدثُها الإجهاد أو الإرهاق النفسي الشديد، وقد تكون هذه التغيُّرات مُهدِّدةً لحياة الأفراد الذين يعانون من ضغط الدم المرتفع، أو أمراض القلب، وقد يُسبِّب الحشيش والماريجوانا عدة أمراض سرطانية في الرئتين؛ حيث يحتوي هذا المخدِّر على 50% من المواد المسرطنة أكثر مما هو موجود في التَّبْغ [8] . وخلاصة القول: إن المتعاطي للمخدِّرات بجميع أنواعها يُصبح في حالة متردية ماديًّا ومعنويًّا؛ فالأسرة هي التي تتجرَّع مرارة هذا الإدمان، فالشابُّ المدمن يُصبح في حالة هَيجان على أبويه وإخوانه حينما لا يجد مالًا ليشتري به السُّمَّ القاتل، فهذا يدفعه هيجانه إلى سَبِّ وشَتْم والدَيه، أو قد يصل إلى الضرب والقتل. والمتعاطي يكون في حالة هستيرية، لا يستوعب ماذا يقول ولا ماذا يفعل، وقد يهتك أعراض المحارم والناس، إضافة إلى تبذير الأموال، هذا إضافة إلى بعض الأمراض التي تُصيب المناعة بانتقال العدوى من المدمن المصاب إلى السليم، وذلك بالتناوب على نفس السيجارة أو الحقنة. وإذا كانت هذه بعض من الآثار السلبية، فما هي وسائل الوقاية والتصدِّي لمشكلة المخدِّرات؟ يمكن ذكر بعضٍ منها على النحو التالي: ثالثًا: طرق الوقاية: ♦ توعية وتحسيس شبابنا بخطورة التعاطي، وما يترتَّب على ذلك من أضرار صحية ونفسية ومالية واجتماعية، عن طريق المنشورات والملصقات، فتُوزَّع في أماكن وجود الشباب ومراكزهم، كما تجب دعوة الكُتَّاب والمفكِّرين إلى الإسهام بجهودهم للتصدِّي لهذا الخطر، وحثَّ وسائل الإعلام على إفساح المجال لبرامج وموضوعات التوعية العامة بأخطار المخدِّرات على المجتمع والشباب، وموقف الدين من هذه القضية، مع التركيز على دور الأسرة في هذا الشأن، باعتبارها ركيزةَ المجتمع الأولى؛ إذ تقوم الأسرة بدور مهم في عملية الوقاية، وذلك عن طريق الإشراف الصحيح على أبنائها، وتكون العلاقة قويةً بين الوالدين وأبنائهم، والبحث ومعرفة رفقائهم، وأين يقضون أوقات فراغهم، والتعاون في ذلك مع المسؤولين في المدارس والجامعات وأرباب أعمالهم، كما أن للمدرسة دورًا أساسيًّا في الوقاية من المخدِّرات؛ لأن الطلاب يقضون جزءًا كبيرًا من الوقت هناك، فالمدرسة أو الجامعة قادرةٌ على تقديم البرامج الثقافية والرياضية؛ ليقضُوا أوقات فراغهم في القيام بأشياءَ نافعة ومفيدة، كما تستطيع أن تُوزِّع المتمدرسين على جمعيات مختلفة الاختصاصات، كلٌّ حسب ميولاته ورغباته؛ كجمعية ثقافية أو جمعية الوقاية من المخدِّرات؛ فهذه الأخيرة تستطيع أن تُوجِّه نشاط وطاقة الطلاب للقيام بأعمال مفيدة؛ حتى يبتعدوا، ولا ينضمُّوا للرفقة السيئة [9] . ♦ تعزيز وسائل الإعلام لإنتاج برامج للتوعية بأخطار المخدِّرات على المجتمع والشباب، وموقف الدين من هذه القضية. ♦ دور الأسرة في هذا الشأن باعتبارها النواة الأولى للمجتمع؛ حيث تقوم بدورٍ مهمٍّ في عملية الوقاية من التوجيه السليم، وتكوين علاقة حوارية قوية بين الوالدين وأبنائهم. ♦ دور المدرسة المهم في الوقاية من المخدِّرات، وتقديم برامج ثقافية ورياضية؛ ليقضُوا أوقات فراغهم في القيام بأشياء نافعة ومفيدة. ♦ الزجر والتشهير بالمهرِّبين والمروِّجين وتشديد عقوبتهم، باعتبارهم مفسدين في الأرض؛ حمايةً للمجتمع. العلاج الطبي : هنا يستعمل الأطباء دواءً طبيًّا يُسمَّى الميثادون وهو يُشبه من حيث آثارُه الطبية الآثارَ التي يُحدثُها الأفيون ومشتقَّاته، لكنه يختلف عنها في أن آثاره تستمرُّ من 24 ساعة إلى 48 ساعة في مقال آثار الأفيون ومشتقَّاته التي تستمرُّ من 6 إلى 12 ساعةً فقط. وعندما يتم تناول الميتادون بالفم بجرعات ثابتة، فإنه لا تنشأ عنه حالة الانتشاء أو السرور الشديدة التي يُحدثها الهيروين مثلًا، فإن آثار الانسحاب المترتبة على التوقُّف عن الميثادون، هي آثار أقل حدَّةً مقارنةً بالآثار الخطيرة للانقطاع عن الهيروين، وعندما تكون جرعات الميثادون كافيةً، فإنها تعمل على إيقاف نشاط أو تأثير الهيروين؛ بحيث لا يشعُر المرء بذلك الأثر السار الذي يحدثه الهيروين حتى لو تعاطاه بعد ذلك [10] ، أما إذا كانت جرعات الميثادون منخفضةً، فإنها لن تُوقِفَ تأثيرات الهيروين؛ لكنها ستكف أو تُقلِّل تلك الحالة من الجوع أو الطلب المتزايد للهيروين، ومن ثمَّ يقِلُّ بحْثُ المدمن عن الهيروين، كما يمنع هذا الدواء الآثار الحادَّة للانقطاع عن تعاطي المخدِّر، ومن ثم يُسمح للمتعاطي أن يستعيدَ نشاطَه، ويعود إلى حياته العادية ونشاطه في المجتمع، ولا يحتاج هذا العلاج بالميثادون إلى أن يُحجَز المتعاطي داخل المؤسسات العلاجية؛ كالعيادات والمستشفيات؛ مما يُقلِّل من التكاليف العلاجية المطلوبة، وأُلِحُّ هنا أنه لا بد من أن يتمَّ استخدام هذا الدواء تحت إشراف طبي كامل؛ لأن إساءة استخدامه من الممكن أن يَنجمَ عنها الإدمان له أو الاعتماد عليه، وكأننا نعالج الداء بداء آخر. المحاصرة المبكرة لآثار التسمُّم بالأفيون ومشتقَّاته: يُفضل استخدام الميثادون بالنسبة للأفراد الذين أصبحوا معتمدين على الأفيون ومشتقَّاته، أو مدمنين له - لفترة تزيد عن سنتين، أما المتعاطون الذين ما زالوا في بداية فترة التعاطي للأفيون ومشتقَّاته، أو لم تمرَّ عليه أكثر من سنة في عمليات التعاطي هذه - فيمكن استخدام هذه الطريقة الثانية معهم، وتشتمل هذه الطريقة على وضع الأفراد المتعاطين في مؤسسات علاجية، (وإن كان ذلك ليس ضروريًّا في كل الحالات) . كما يستخدم الأطباء دواءً آخرَ هنا هو الكلونيدين، وكان يُستخدم أصلًا لخفض ضغط الدم المرتفع، وقد ثبت أنه يتَّسم بالكفاءة في إيقاف أعراض الانسحاب لدى متعاطي الأفيون ومشتقَّاته الذين لم يصبحوا مدمنين بَعْدُ؛ أي: لم يمرَّ على تعاطيهم أكثر من سنة أو سنتين. وقد تبيَّن للعلماء أن هذا الدواء يعمل بفعالية عند نهايات الأعصاب التي يقوم الأفيون ومشتقَّاته بنشاطه عندها، ومن ثمَّ يقوم بإبطال مفعول الأفيون ومشتقَّاته [11] . ♦ تقديم حصص العلاج النفسي للمدمنين، وربطهم بتعاليم الإسلام، وإعادة تأهيلهم تأهيلًا معرفيًّا ومجتمعيًّا. [1] أبو داود في سننه. [2] الترمذي في سننه. [3] أبو داود في سننه. [4] عالم المعرفة: المخدِّرات والمجتمع؛ لمصطفى سويف، يناير 1996م عدد 67/ص 70 (بتصرف). [5] البخاري في صحيحه، كتاب : البيوع ، باب: في العطار وبيع المسك. [6] عالم المعرفة المخدرات والمجتمع؛ مصطفى سويف، عدد 205/79-80-81 (بتصرف). [7] نفس المرجع ص 82 (بتصرف). [8] المخدرات: آثارها السيئة من الناحية العلمية؛ لشاكر عبدالحميد، الرياض 1993 ص 33 (بتصرف). [9] المخدرات وأخطارها وطرق الوقاية منها، عدد 23 تونس 1993 (بتصرف). [10] المخدرات وآثارها السيئة من الناحية العلمية، الرياض 1993م ص 41-42 (بتصرف). [11] المخدرات وآثارها السيئة من الناحية العلمية، الرياض 1993م، ص42 (بتصرف).
سيرة سلمان الفارسي رضي الله عنه
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
29-08-2018
98,329
https://www.alukah.net//culture/0/128978/%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d9%8a-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/
سيرة سلمان الفارسي رضي الله عنه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فهذه مقتطفات من سيرة علم من أعلام هذه الأمة، صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، نقتبس من سيرته العطرة الدروس والعبر. هذا الصحابي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: « لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا [1] لَنَالَهُ رِجَالٌ - أَوْ رَجُلٌ - مِنْ هَؤُلاءِ » [2] . وفي رواية: « لَوْ كَانَ الدِّينُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَذَهَبَ بِهِ رَجُلٌ مِنْ فَارِس - أَوْ قَالَ : رِجَالٌ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسٍ- حَتَّى يَتَنَاوَلَهُ » [3] [4] . وكان لبيبًا حازمًا من عقلاء الرجال، وعبادهم، وزهادهم، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث، ولزمه، وأحسن صحبته، إنه سلمان ابن الإسلام أبو عبد الله الفارسي، سابق الفرس إلى الإسلام، وكان ببلاد فارس مجوسيًّا سادن النار. وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم في قباء قدم عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقصته رضي الله عنه طويلة في بحثه عن الحقيقة، وعن الدين الحق، ولنترك سلمان رضي الله عنه يحدثنا عن قصة إسلامه، يقول سلمان رضي الله عنه: كنت رجلًا فارسيًّا من أهل أصبهان [5] من أهل قرية منها يقال لها جَيُّ، وكان أبي دهقان [6] قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية، واجتهدت في المجوسية [7] حتى كنت قَطِنَ النار [8] الذي يوقدها لا يتركها تخبو [9] ساعة، قال: وكانت لأبي ضيعة [10] عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يومًا، فقال لي: يا بني، إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم، وسمعت أصواتهم، دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، قال: فلما رأيتهم أعجبني صلاتهم، ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا و الله خير من الدين الذي نحن عليه، فو الله ما تركتهم حتى غربت الشمس، وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بني، أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال: قلت: يا أبت، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم، فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بُني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خيرٌ منه، قال: قلت، كلا و الله إنه لخير من ديننا، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدًا، ثم حبسني في بيته. قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال: فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم. قال: فقلت لهم: إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم. قال: فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف [11] في الكنيسة، قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك، وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه. قال: فكان رجل سوءٍ، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء، اكتنزه لنفسه، ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال [12] من ذهب وورق [13] . قال: وأبغضته بغضًا شديدًا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئًا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبًا وورقًا، قال: فلما رأوها قالوا: و الله لا ندفنه أبدًا، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة. ثم جاؤوا برجل آخر، فجعلوه بمكانه، قال: يقول سلمان: فما رأيت رجلًا لا يصلي الخمس، أُرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة، ولا أدأب [14] ليلًا ونهارًا منه، قال سلمان: فأحببته حبًّا لم أُحبه من قبله، فأقمت معه زمانًا، ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان، إني كنت معك وأحببتك حبًّا لم أحبه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله ، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، و الله ما أعلم أحدًا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه، إلا رجلًا بالموصل [15] ، وهو فلان، فهو على ما كنت عليه، فالحق به، قال: فلما مات وغُيب [16] ، لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصاني عند موته أن ألحق بك، وأخبرني أنك على أمره. قال: فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات، فلما حضرته الوفاة، قلت له: يا فلان، إن فلانًا أوصى بي إليك، وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، و الله ما أعلم رجلًا على مثل ما كنا عليه إلا رجلًا بنصيبين [17] ، وهو فلان، فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين، فجئته فأخبرته خبري، وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حُضر، قلت له: يا فلان، إن فلانًا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي، وما تأمرني؟ قال: أي بني، و الله ما نعلم أحدًا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلًا بعمورية [18] ، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية، وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم، قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله ، فلما حُضر قلت له: يا فلان، إني كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وما تأمرني؟ قال: أي بني، و الله ما أعلمه أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك [19] زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجرًا إلى أرض بين حرتين [20] بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كَلْبٍ تجارًا، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب، وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتهموها وحملوني، حتى إذا قدموا بي وادي القرى [21] ، ظلموني فباعوني من رجل من يهود عبدًا، فكنت عنده، ورأيت النخل، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي، ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده، قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني [22] منه، فاحتملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها وبعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فو الله إني لفي رأس عذق [23] لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه، فقال: فلان، قاتل الله بني قيلة [24] ، و الله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي. قال: فلما سمعتها أخذتني العُرواء [25] ، حتى ظننت سأسقط على سيدي، قال: ونزلت عن النخلة، فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول؟ ماذا تقول؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: ما لك ولهذا! أقبل على عملك، قال: قلت: لا شيء، إنما أردت أن أستثبته عما قال. قال سلمان رضي الله عنه: وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه، فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « كُلُوا »، وأمسك يده فلم يأكل، قال سلمان: فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئًا، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئته به، فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة، وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، قال: ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد [26] قال: وقد تبع جنازة من أصحابه، عليه شملتان [27] له، وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي؟ فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدبرته [28] ، عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فانكببت عليه أُقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تَحَوَّلْ » [29] فتحولت، فقصصت عليه حديثي فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شَغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدرٌ وأحدٌ. قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « كَاتِبْ [30] يَا سَلْمَانُ »، فكاتبت صاحبي على ثلاث مئة نخلة أحييها له بالفقير [31] ، وبأربعين أوقية [32] ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: « أَعِينُوا أَخَاكُمْ »، فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية [33] ، والرجل بعشرين، والرجل بخمس عشرة، والرجل بعشر- يعني: الرجل بقدر ما عنده - حتى اجتمعت لي ثلاث مئة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَفَقِّرْ لَهَا [34] ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَأْتِنِي أَكُونُ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي ». قال سلمان رضي الله عنه: ففقرت لها، وأعانني أصحابي، حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلنا نقرب له الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل، وبقي علي المال، فأُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال صلى الله عليه وسلم: « مَا فَعَلَ الفَارِسِيُّ المُكَاتَبُ؟ »، قال: فدعيت له، فقال: « خُذْ هَذِهِ فَأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ يَا سَلْمَانُ »، فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: « خُذْهَا؛ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي بِهَا عَنْكَ »، قال سلمان: فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ثم لم يفتني معه مشهد [35] . وروى البخاري في صحيحه عن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أنه تداوله [36] بضعة [37] عشر من رب [38] إلى رب [39] . وكان أول مشاهده الخندق، وشهد بقية المشاهد، وفتوح العراق، وولي المدائن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وسكن أبو الدرداء الشام، وسكن سلمان العراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك.. أما بعد، فإن الله رزقني بعدك مالًا وولدًا، ونزلت الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: سلام عليكم.. أما بعد، فإنك قد كتبت إلي أن الله رزقك مالًا وولدًا، فاعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يكثر حلمك، وأن ينفعك علمك، وكتبت إلي أنك نزلت الأرض المقدسة، وأن الأرض لا تعمل لأحد، اعمل كأنك ترى، واعدد نفسك من الموتى [40] . وكان عطاؤه خمسة آلاف، فإذا خرج عطاؤه فرقه، وأكل من كسب يده، وكان ينسج الخوص [41] . روى الإمام أحمد في مسنده من حديث الحسن قال: لما احتضر سلمان بكى، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدًا، فتركنا ما عهد إلينا، أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب، قال: ثم نظرنا فيما ترك، فإذا قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهمًا، أو بضعة وثلاثون درهمًا [42] . وكان وفاته سنة خمس وثلاثين في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه، روى عبدالرزاق عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: دخل ابن مسعود على سلمان عند الموت، قال ابن حجر: فهذا يدل على أنه مات قبل ابن مسعود، ومات ابن مسعود قبل سنة أربع وثلاثين، فكأنه مات سنة ثلاث أو ستة وثلاثين» [43] [44] [45] . رضي الله عن سلمان، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] الثريا: نجم معروف. النهاية 1 / 205. [2] صحيح البخاري برقم 4897، وصحيح مسلم برقم 2546. [3] صحيح مسلم برقم 2546. [4] قال القرطبي: وقع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم عيانًا، فإنه وجد منهم - أي أهل فارس - من اشتهر ذكره من حفاظ الآثار والعناية بها ما لم يشاركهم فيه كثير من أحد غيرهم. فتح الباري (9/ 636). [5] أصبهان: هي مدينة في إيران. [6] الدهقان: بكسر الدال وضمها، رئيس القرية. انظر النهاية (2/ 135). [7] المجوسية: يعبد أصحابها النار. [8] قطن النار: أي خازنها وخادمها، أراد أنه كان لازمًا لها لا يفارقها، من قطن في المكان إذا لزمه. انظر النهاية (4/ 75). [9] خبئت النار: خمدت. انظر لسان العرب (4/ 6). [10] ضيعة الرجل: ما يكون منه معاشه، كالصنعة والتجارة والزراعة وغير ذلك. انظر النهاية (3/ 98). [11] الأسقف: هو العالم الرئيس من علماء النصارى. انظر لسان العرب (6/ 298). [12] القلال: هو إناء للعرب كالجرة الكبيرة، سُميت قلالًا لأنها تُقل أي تُرفع إذا مُلئت وتُحمل. انظر لسان العرب (11/ 288). [13] الورق: بكسر الراء، هي الفضة. انظر النهاية (5/ 153). [14] الدأب: هو العادة والشأن، وأصله من دبأ في العمل إذا وجد وتعب، إلا أن العرب حولت معناه إلى العادة والشأن. انظر النهاية (2/ 90). [15] الموصل: مدينة في العراق. [16] غيّب: أي دفن في قبره. انظر لسان العرب (10/ 151). [17] نصيبين: بفتح النون وكسر الصاد، هي مدينة عامرة من بلاد الجزيرة على جادة القوافل من الموصل إلى الشام. انظر معجم البلدان (8/ 390). [18] عمورية: مدينة في تركيا. [19] أظلك زمان نبي: أي أقبل عليك ودنا منك، كأنه ألقى عليك ظله. انظر النهاية (3/ 146). [20] الحرة: أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود كثيرة. انظر النهاية (1/ 351). [21] وادي القرى: هو واد بين المدينة والشام من أعمال المدينة كثير القرى، وفتحها النبي صلى الله عليه وسلم سنة سبع للهجرة عنوة ثم صولحوا على الجزية، وكان يسكنها يهود. انظر معجم البلدان (8/ 433). [22] ابتاع الشيء: اشتراه. انظر لسان العرب (1/ 557). [23] العذق: بالفتح، النخلة. انظر النهاية (3/ 181). [24] قال الحافظ في الفتح (7/ 654): قيلة: بفتح القاف وسكون الياء وهي الجدة الكبرى للأنصار والدة الأوس والخزرج، وهي قيلة بنت كاهل بن عذرة. [25] العُرواء: الرعدة. انظر النهاية (3/ 204). [26] بقيع الغرقد: موضع بظاهر المدينة فيه قبور أهلها، كان به شجر الغرقد، فذهب وبقي اسمه. انظر النهاية (1/ 145). [27] الشملة: هو كساء يُتغطى به، ويُتلفف فيه. انظر النهاية (2/ 448). [28] استدبره: أتاه من ورائه. انظر لسان العرب (4/ 282). [29] تحول: من حال يحول إذا تحرك. انظر النهاية (1/ 445). [30] المكاتبة: هو أن يكاتب الرجل عبده على مال يؤديه إليه مفرقًا، فإذا أداه صار حرًّا. انظر النهاية (4/ 129)، جامع الأصول (8/ 90). [31] فقير النخلة: حفرة تحفر للفسيلة إذا تحولت لتغرس فيها. انظر النهاية (3/ 415). [32] الأوقية: بضم الهمزة وتشديد الياء، هي أربعون درهمًا. انظر النهاية (1/ 80). [33] الودي: بتشديد الياء، صغار النخل، الواحدة ودية. انظر النهاية (5/ 148). [34] فقر لها: أي احفر لها موضعًا تغرس فيه. انظر النهاية (3/ 415). [35] أخرج قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه الإمام أحمد في مسنده برقم23737، وابن إسحاق في السيرة (1/ 251)، وقال محققو المسند: إسنادها حسن، محمد بن إسحاق صدوق حسن الحديث، وقد صرح بالتحديث، وإسنادها حسن، وذكر البخاري في صحيحه مكاتبة سلمان رضي الله عنه ، وأنه كان حرًّا فظلموه وباعوه، كتاب البيوع، باب شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه. [36] التداول: هو التناقل. انظر النهاية (2/ 131). [37] البضع: ما بين الثلاث إلى العشر. انظر لسان العرب (1/ 426). [38] الرب: يطلق في اللغة على المالك، والسيد. انظر لسان العرب (5/ 95). [39] أخرجه البخاري في صحيحه برقم 3946. [40] مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر (10/ 51). [41] أسد الغابة لابن الأثير (2/ 351). [42] ( 39/ 115) برقم 23711، وقال محققوه: حديث صحيح. [43] الإصابة في تمييز الصحابة (4/ 402-405). [44] اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (2/ 89-100). [45] سير أعلام النبلاء ( 1/ 505-558).
تحقيق الأهداف بوسائل غير مشروعة
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
28-08-2018
6,023
https://www.alukah.net//culture/0/128946/%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%a8%d9%88%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9%d8%a9/
تحقيق الأهداف بوسائل غير مشروعة يشاع بين الناس في بعض المجتمعات الإسلامية الوصول إلى تحقيق أهدافهم بأي وسائل سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، لا همَّ لهم إلا تحقيق مطالبهم، مترسمين المقولة الجاهلية الخاطئة: (الذي تغلب به العب به) . ويُعْرَف هذا المنهج في الفكر الغربي المعاصر " بالميكافيللية "، وهو ينسب إلى الإيطالي (ماكيافيلي 1469 1527م) حيث وضع نظريته القائمة على أن سلوك الناس محفوف بعدم الثقة والشك، وأن الأسلوب الملائم للسيطرة على سلوكهم، هو القسوة والخداع، أو أي وسيلة أخرى يمكن من خلالها السيطرة على هذا السلوك، وتعني أن أي وسيلة يمكن استخدامها، ولو كانت غير نبيلة، أو مشروعة طالما أنها ستوصل في النهاية إلى الهدف، وأوصى بضرورة استخدام أساليب المكر والدهاء والخداع والتدليس والمراوغة، بجانب استخدام أساليب القهر والقسوة والشدة والردع [1] . إن الإسلام بشمول تعاليمه السمحة جعل الوسائل تأخذ حكم الغايات في كل المجالات، فمثلاً: لا يتم تنمية اقتصاد المجتمع ببيع المخدرات والخمور، وفتح أماكن اللهو والدعارة، أو تقديم رشاوى وتعاملات مشبوهة غير مشروعة للوصول إلى أهداف معينة، أو استخدم السحر والشعوذة للفوز في كرة القدم أو النجاح في الامتحانات أو المسابقات العامة. إنه ينبغي على المسلم أن يكون تعامله في كافة الأمور وفق شرع الله تعالى ومرضاته، ولا يتخذ أي وسيلة مخالفة لذلك البتة، إلّا في الضرورة القصوى التي حددتها الشريعة، وأوضحها العلماء، كأكل الميتة إذا خاف الإنسان على حياته من الموت، قال تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ﴾ [2]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "فمن احتاج إلى تناول شيء من المحرمات لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناولها، والله غفور رحيم؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه ويغفر له" [3] . وقال عزيز العنزي: "إن منهج الغاية تبرر الوسيلة، الذي يتخذه بعض الناس، يتصفون بالعجز والضعف والجبن عن مواجهة الحقائق، ولذلك تجد هذا الصنف كثير التخبط والتقلب في أمور الدنيا والدين، ويغلب عليهم الطيش، والعجلة، والتهور" [4] . [1] الشحود، علي بن نايف، الحضارة الإسلامية بين أصالة الماضي وآمال المستقبل، ج 7 ، ص 274. [2] سورة المائدة، آية رقم: 3. [3] ابن كثير، محمد بن إسماعيل، تفسير القرآن العظيم، ج 3، ص 29. [4] العنزي، عزيز، البصيرة في الدعوة إلى الله، تقديم: صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ، الطبعـة : الأولى، دار الإمام مالك، أبو ظبي، 1426هـ - 2005م.
كيف تصبح قياديا؟
أسامة طبش
26-08-2018
5,953
https://www.alukah.net//culture/0/128907/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%b5%d8%a8%d8%ad-%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%9f/
كيف تصبح قياديًّا؟ إن الإنسان القياديَّ ينجذب إليه الناسُ، ويتَّبِعُون أفكارَه، ويُحبُّون رؤاه؛ لأنهم يعدُّونَه الرجل القويَّ الكارزماتي، وهم يندمجون مع هذا النوع، ويسلكون سُبُلَه، فهم يعتبرونها دليلَهم إلى النجاح. في هذا المقال سنتحدَّث عن المميِّزات المكتسبة التي بإمكان الفرد منَّا الأخْذ ُ بها، فتجعله قياديًّا في أعيُن الآخرين: • لتصبح قياديًّا عليكَ التمتُّع بالجُرْأة على معارضة آراء الآخرين ومناقشتها ودَحْضِها، لكن ذلك يكون بالحُجَّة والبُرْهان اللذين يمنحانكَ المصداقية. • لتُصبِحَ قياديًّا عليكَ الأخْذَ بزمام المبادرة، وأن تطرَحَ الأفكارَ الجديدةَ، وأن تنبثقَ عَنْكَ الرُّؤى البنَّاءة؛ فالقياديُّ هو دائمًا في الطليعة؛ يقود الناس، ويكون في الواجهة في أغلب الأحيان. • لتُصبِحَ قياديًّا عليكَ التحلِّي بالنظرة الشاملة؛ لتكشِفَ لكَ المشْهَدَ بأكملِه، فترى التفاصيلَ ودقائقَ الأمور، فتلحَظ ما لا يُلاحظُه غيرُكَ، وتعرِف ما هو خافٍ عليهم وتقتنص ما ضيَّعُوه، ما يمنحُكَ الأسبقيَّةَ عليهم. • لتُصبِح قياديًّا عليكَ تلافي هَفوات مَنْ يعملون لديكَ، فذلك يجعلهم طَوْعًا لسُلْطتِكَ ورَهْنًا لقراراتِكَ؛ نتيجة الثِّقة والاطمئنان اللذين حصَّلاهما منكَ، أما إن وقَفْتَ على كل خطأ بَدَرَ منهم، فقد يدفعُهم ذلك لاتِّباع الأساليب الملتوية؛ حتى لا تكتشف النقائصَ التي يعانونها. • لتُصبِح قياديًّا عليكَ الوسطية والاعتدال، فلا تكُنْ صُلْبًا فتُكسَر، ولا ليِّنًا فتُعْصَر، بل تلزم التوسُّطَ بين الأمرين، ما يُكسِبُكَ التفرُّدَ والتميُّزَ، وتوجُّهَكَ الخاصَّ. • لتُصبِح قياديًّا عليكَ الأخذ بالصَّبْر والِحلْم؛ الصبر لأنه يُعينُكَ على مواجهة الشدائد والمصاعب والتغلُّب عليها، فلا تستسلم لها وترفع الرايةَ البيضاءَ، أمَّا الحِلْم فيمنحُكَ صَدْرًا واسعًا وقلبًا رؤوفًا، وبالًا مرتاحًا، فهذا ما يُحبِّبُ الناس إليك، فيجعلونَكَ في المكانة والمرتبة المثْلَى. • لتُصبِحَ قياديًّا عليكَ تكوين شخصيَّتِكَ، فتُنمِّي فِكْرَكَ وتُثريه بالعلم، وتُكسِب جَسَدَكَ الصِّحَّة الجيدة بممارسة الرياضة، وتندمج في الميدان وتتعامَل مع الناس؛ حتى تُجسِّد أقوالَكَ، وتربط علاقات متنوِّعة مع إخوانِكَ؛ لتكون لك حياة اجتماعية سليمة. • لتُصبِح قياديًّا عليكَ اكتساب مشروع لحياتِكَ، وتُحدِّد هدفَكَ بوضوحٍ وتأخُذ بالوسائل اللازمة، فالشخص الضعيف المهزوز الضائع المشوَّش الأفكار، ومَنْ اختلطَتْ عليه التوجُّهات - من المستحيل أن ينصاعَ له الناسُ وينقادُون ! • لتُصبِح قياديًّا عليكَ شَحْنَ طاقتِكَ الإيمانية، والانزواء بنفسِكَ للحظات، حتى تُفكِّر مليًّا في حياتِكَ، وفي المسارات التي اتَّخذتها. • لتُصبِح قياديًّا عليك التعوُّد على الانضباط في العمل والدِّقَّة في المواعيد والصِّدْق في القول، والاستجابة عند الطلب، والمبادرة في الوقت المناسب، فهذه العوامل الخمسة هي رصيدُكَ وثروتُكَ التي تعتزُّ بها؛ لأنها تأتي بعد جهد ومراسٍ شديدَين. إن رُوح القيادة هي رُوحٌ فعَّالةٌ ونفَّاثة وحماسية ونشِطة، وهي تختلف عن الرياسة التي يغلب عليها طابَعُ فرضِ الأوامر دون نقاشٍ أو ردٍّ، بينما القيادة تمنَح مثالًا يُحتَذَى به وقيمةً عُلْيا، وهي تُغَيِّر في الناس تغييرًا إلى الأفضل، وكلما كثُرَ هذا الصِّنْف في المجتمع، أدَّى ذلك إلى تفاعُلِه وغليان الإبداع فيه، فتُسْتَحْدَث الأفكارُ الْمُنجزة.
التسويق الهرمي عبر شبكات ثنائية
عبدالعزيز بن زكي السماعيل
26-08-2018
6,830
https://www.alukah.net//culture/0/128903/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b3%d9%88%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%b1%d9%85%d9%8a-%d8%b9%d8%a8%d8%b1-%d8%b4%d8%a8%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9/
♦ عنوان الكتاب: التسويق الهرمي عبر شبكات ثنائية. ♦ المؤلف: عبدالعزيز بن زكي السماعيل. ♦ عدد الصفحات: 8. التسويق الهرمي مشروع يهدف لتحصيل أكبر قدر من الأموال (أي توظيف الأموال) عبر بيع مواقع هرمية متصلة ببعضها في سلسلة هرمية، ويكون بيع كل موقع بمبلغ من المال مع الوعد بتحقيق مكاسب كبيرة بشرط بيع مواقع هرمية تحت مركزك الهرمي لأشخاص جدد ويستمر النمو المكون من المواقع المباعة لأشخاص دافعين أموالًا.
تحبير الكراس في ترجمة صبغة الله المدراس (1211 هـ - 1280 هـ)
عبدالله الحسيني
19-08-2018
9,310
https://www.alukah.net//culture/0/128821/%d8%aa%d8%ad%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d8%a7%d8%b3-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%b5%d8%a8%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3-1211-%d9%87%d9%80-1280-%d9%87%d9%80/
تحبير الكُرَّاس في ترجمة صِبغة الله الـمَدْراس (1211 هـ - 1280 هـ) بقلم: عبد الله الحسيني الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: فهذه ترجمةٌ لعالمٍ جليلٍ من علماء الأمَّة الإسلاميَّة في القرن الثَّالث عشر الهجري، سلَّطتُ الضَّوء فيها على: اسمه، ونسبه، ولقبه، ونسبته، ومولده، ونشأته، وطلبه للعلم، وشيوخه، وبعض تلاميذه، وأخيه، وأولاده من طلبة العلم، والمناصب التي تولاها، ومكانته العلميَّة وثناء أهل العلم عليه، وأبرز مصنَّفاته باللُّغة العربيَّة مع بيان شيءٍ من حالها وطبعاتها ونُسَخها الخطِّيَّة، ووفاته، وذلك بسبب نُدرة ما دُوِّن حوله، وسميتُها بـ: ((تحبير الكُرَّاس في ترجمة صِبغة الله الـمَدْراس )) ، ولعلَّ الله عزَّ وجلَّ أن ييسِّر لي كتابة دراسة موسَّعة عنه في الأيام المقبلة، والله الموفِّق والمستعان. ♦ اسمه ونسبه ولقبه ونسبته: صِبغةُ الله - ويُسمَّى أيضًا بـ: محمَّد صِبغة الله - بن محمد غَوث بن ناصر الدِّين محمَّد بن نظام الدِّين أحمد الصَّغير بن محمَّد عبد الله الشَّهيد بن نظام الدِّين أحمد الكبير بن حسين لُطف الله بن رَضِيِّ الدِّين مُرتضى بن محمود الكبير بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إسحاق بن عطاء أحمد، النَّائِطي [1] ، المَدْراسي، الهِندي، الشَّافعي. لقَّبه سلطان بلده بـ: ((عُمدة العلماء، قاضي المَلِك، بدر الدَّولة بَهادُر خان معتمد جنك )) . والنَّائِطي: نسبةً لسُلالةٍ من القبائل العربيَّة، هاجرت من المدينة المنوَّرة خوفًا من الحجَّاج بن يوسف الثَّقفي إلى البصرة، ثم إلى السَّاحل الجنوبي للهند، وسكنت به، ومارست التِّجارة والملاحة، ولها جهدٌ عظيمٌ في الدَّعوة، والإرشاد، والتَّأليف، والتَّحقيق، وقد سُمِّيت بـ ((النَّوَائِتِ )) أو ((النَّوَائِطِ )) . والمَدْراسي: نسبةً لبلدة ((مَدْراس (( التي تقع جنوب شرق بلاد الهند، وتسمَّى الآن بمدينة ((تشيناي )) . وتُعدُّ هذه العائلة المباركة مَعلمًا علميًّا عريقًا منذ عدة قرون في خدمة العلم والدين -لا سيَّما الفقه الشَّافعي - بالدِّيار الهندية، حتى أنَّهم أسَّسوا مدرسة سمَّوها: ((المدرسة المحمَّديَّة ))، وضمُّوا إليها مكتبة ضخمة حوت الكثير من المخطوطات والمطبوعات مما جعلها كُبرى مكتبات جنوب الهند على الإطلاق، تسمى: ((مكتبة أمانة )) . ولا يزال أفراد هذه العائلة المباركة يقطنون إلى هذا اليوم في مدينة ((مَدراس (( في حارة تسمَّى: ((باغ ديوان صاحب (( ، أي: بستان رئيس الوزراء. ♦ مولده ونشأته: وُلد ببلدة في الهند تُعرف بـ ((مَدْراس)) ، لخمسٍ خلون من شهر الله المحرَّم سنة إحدى عشرة ومائتين وألف للهجرة، ونشأ في أسرةٍ علميَّةٍ عريقةٍ مباركةٍ، اشتُهرت بالتَّدريس والإفادة، وجمع الكتب القيِّمة النَّادرة. ♦ طلبه للعلم وشيوخه: أقبل على القرآن الكريم في وقت مبكِّر حتى أتمَّ حفظه كاملًا في سنّ الثَّامنة على يد الشيخ الحافظ حبيب الله، وقرأ درسًا أو درسين من ((ميزان الصَّرف )) على الشيخ عبد العلي بن نظام الدِّين اللكهنوي، ثمَّ قرأ النَّحو والصَّرف على الشيخ جعفر حسين المَدْراسي، ودرس ((الهداية )) في الفقه الحنفي وأصول الفقه والمنطق و((النفيسي )) في الطب على الشَّيخ علاء الدِّين أحمد بن أحمد أنوار الحق اللكهنوي، وقرأ ((المقدِّمة الجزرية )) في التَّجويد والقراءات على السَّيد علي بن عبد الله الحموي البغدادي، والشيخ منصور الزبيدي، وأخذ مختلف العلوم النقلية والعقلية والقراءات والتجويد وجملة من الفنون الرِّياضية والطبِّية عن والده الشيخ محمد غَوث الذي كان يعتني به غاية العناية. روى عن والده الشيخ محمد غَوث، وقرأ عليه جميع ((الموطأ )) برواية أبي مصعب الزهري، وقدرًا كبيرًا من ((الصَّحيحين )) مع إجازة باقيهما، و((شمائل التِّرمذي (( وغيرها من كتب الحديث، وروى عنه العلوم العقلية عن مرجع علماء الهند بحر العلوم اللكهنوي بأسانيده، وأخذ ((الكتب السِّتَّة )) و((موطأ مالك )) إجازةً عن الشيخ إبراهيم الرامبوري عن الشيخ سلام الله الدهلوي بأسانيده، وروى عامَّةً عن الشَّيخ محمد بن محمد بن علام الجداوي المكي نزيل ((مَدْراس )) ، والشَّيخ عمر بن عبد الكريم بن عبد الرَّسول المكي مكاتبةً، والشَّيخ عبد الوهاب بن محمد شاكر الموصلي إجازةً، وسافر إلى الحرمين الشَّريفين سنة 1266 هـ، فحجَّ وزار، وروى عن شيخ الحرم النَّبوي ووالي بغداد سابقًا داود باشا. ♦ من تلاميذه: 1- الشَّيخ إسحاق بن قاسم المدراسي (1230 هـ - 1311 هـ). 2- الشَّيخ عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن محمد غوث المدراسي. 3- الشَّيخ غلام محمد بن عبد الوهاب بن محمد غوث المدراسي (1246 هـ - 1323 هـ). 4- الشَّيخ محمد حسين بن نجم الدين المدراسي (1233 هـ - بعد 1296 هـ)، قرأ عليه المختصرات في النحو والعربية. 5- الشَّيخ محمد مهدي واصف المدراسي، مؤلِّف: ((حديقة المرام )) ، قرأ عليه ((أنوار التنزيل )) للبيضاوي، و((مشكاة المصابيح )) ، و((إتمام الدراية )) للسيوطي. 6- الشَّيخ محمد يوسف علي خان، أخذ عنه علم الحديث. 7- الشَّيخ مرتضى بن ناصر الدين أحمد خان حكيم. ♦ أخوه وأولاده: من إخوانه الذين عُرفوا بالعلم: الشَّيخ العالم المحدِّث الفقيه عبد الوهَّاب بن محمد غَوث المدراسي (1208 هـ - 1285 هـ) [2] : أخذ العلم عن أبيه وغيره، من مصنَّفاته بالعربيَّة: ((أكمل الوسائل لرجال الشَّمائل )) للتِّرمذي، و((الكواكب الدُّرية منتخب المجالسة الدَّينورية )) ، و((كشف الأحوال عن نقد الرِّجال )) في أسماء الضُّعفاء، و((البدور الغررة في أسماء القراء العشرة )) ، و((رسالة في علم الجغرافيا )) ، و((نهاية السول في مناقب ريحانة الرَّسول)). كما رزقه الله تعالى ذرِّية طيِّبة اشتُهرت بالعلم والفضل، منهم: 1- الشَّيخ الفاضل المحدِّث الفقيه عبد الله صدارت خان بهادر المدراسي (1236 هـ - 1288 هـ): أخذ العلم عن أبيه [3] ، من مصنَّفاته: ((الفوائد الغوثيَّة في فقه الشَّافعية )) ، و((تعليقات على مختصر أبي شجاع (( ، و((تخريج أحاديث البيضاوي )) ، و((تحفة الأحبَّة في بيان استحباب قتل الوزغة )) ، و ((الزَّجر إلى منكر شقِّ القمر )) ، و((أوضح المناسك )) . 2- الشَّيخ ناصر الدِّين عبد القادر أمير نواز جنك المدراسي (1244 هـ - 1299 هـ)، نسخ بعض مؤلَّفات والده، وأنشأ مكتبة احتوت على نفائس من مصنَّفات أبيه وغيره، والتي آلت فيما بعد إلى مكتبة أخيه الشيخ محمد سعيد خان التي سُميت بالمكتبة السَّعيدية. 3- الشَّيخ العالم المحدِّث المفتي محمد سعيد خان بهادر المدراسي (1247 هـ - 1312 هـ): تفقَّه على والده، وأخذ عنه الحديث، ويروي عنه [4] ، من مصنَّفاته بالعربيَّة: ((هداية الثِّقات إلى نصاب الزَّكاة )) ، و((تشييد المباني في تخريج أحاديث مكتوبات الإمام الرَّبَّاني )) ، و((تخريج أحاديث الأطراف )) . 4- الشَّيخ محمد إسماعيل المدراسي (1254 هـ - 1330 هـ): أخذ العربيَّة عن أبيه [5] . 5- الشَّيخ العالم المحدِّث حسين عطاء الله المدراسي (1260 هـ - 1327 هـ): أخذ العلم عن أبيه [6] ، من مصنَّفاته: ((فهرس اللُّغات والجمل للصَّحيحين )) ، و((كتاب أشعار السِّيرة النبوية )) ، رتَّب فيه أشعار السِّيرة لابن هشام على الحروف، وأكمل بعض القصائد. 6- الشَّيخ العالم المحدِّث أحمد المدراسي (1267 هـ - 1307 هـ) [7] ، من مصنَّفاته: ((الفتاوى الصِّبغية )) ، و((مختصر في الفقه )) ، و((تحفة صلاح حاشية توشة فلاح )) في المناسك، و((قاطعة اللِّسان لمن أنكر قراءة نظم القرآن )) ، و((تفضل العلوم )) ، و((تكملة تلقيح الأثر )) ، و((أسماء الرِّجال لشيوخ محمد بن طاهر المقدسي )) ، و((الأربعين من سيِّد الأوَّلين والآخرين )) ، و((فهرس الأسماء المبهمة )) ، و((فهرس الأسماء المتشابهة في الرِّجال )) ، و((التَّاريخ الأحمدي )) . 7- الشَّيخ الفاضل المفتي محمود المدراسي (1269 هـ - 1345 هـ) [8] ، من مصنَّفاته: ((المسلك المعظم على الدرر المنظم )) ، و((التَّشريح للتَّلويح )) في أصول الفقه، و((مرآة الأوقات والقبلة )) ، و((الجواهر السَّنية في تحقيق النِّيَّة )) . 8- الشَّيخ العالم الفقيه القاضي عبيد الله المدراسي (1270 هـ - 1346 هـ) [9] ، من مصنَّفاته: ((رسالة في النَّحو )) ، و((رسالة في الفقه الشَّافعي )) ، و((رسالة في سيرة النَّبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم )) ، و((مجموع فتاوى )) . ♦ المناصب التي تولاها: تولَّى عدَّة مناصب: 1- ولِّي منصب صدر الصدور في 9 جمادى الآخرة سنة 1238 هـ، وهو المنصب الأرفع في التسلسل الهرمي للمناصب الدينية. 2- ولِّي الإفتاء في جمادى الآخرة سنة 1239 هـ، ولُقِّب بعمدة العلماء بدر الدولة. 3- ولِّي منصب قاضي القضاء في 21 ربيع الآخر سنة 1260 هـ، ولُقِّب بإمام العلماء. ولما انقرضت الدَّولة الإسلاميَّة عن مدينة ((مَدْراس )) بسبب الإنجليز، وأظهر مخالفته الشَّديدة لهم، قاموا بتعطيل المحاكم سنة 1273 هـ، ورتَّبوا له معاشًا، فلازم بيته، وقصر همَّته على الدَّرس والإفادة. ♦ مكانته العلميِّة وثناء أهل العلم عليه: 1- قال ابنه الشَّيخ ناصر الدِّين عبد القادر أمير نواز جنك المدراسي [10] : ((الشَّيخُ الإمامُ، والحَبرُ الهُمامُ، بقيَّةُ المحدِّثين، والدي: صِبغة الله بن محمد غَوث بن محمد ناصر الدِّين )) . 2- وقال تلميذه الشيخ محمَّد مهدي واصف المَدْراسي [11] : ((بدر الدَّولة، قاضي الملك، وهو شيخ الإسلام، عالم، فاضل، عارف، كامل، هو من فحول العلماء وبقيتهم في هذا الزَّمان، وله باع طويل في علوم الطِّب الجسمانية والروحانية.. وله تصانيف في أنواع العلوم.. شيخ المسلمين، وفي اعتقادي أنه لتبحره في علم الحديث والقرآن إمامٌ وقدوةٌ لعلماء الزمان.. والمتَّبع لسُنَّة محمَّد عليه السَّلام )) . 3- وقال الشيخ أحمد بن عثمان بن علي العطَّار المكِّي الهندي [12] : ((الشَّيخُ، العلَّامة، المحقِّق، المُحدِّثُ، المفسِّر، الفقيه: صِبغة الله، الملقَّب من سلطان بلده بـعُمدة العلماء، قاضي المَلِك، بدر الدَّولة بَهادُر خان معتمد جنك )) . 4- وقال الشيخ عبد الحي بن فخر الدِّين الحسني [13] : ((القاضي صِبغة الله المَدْراسي، الشَّيخُ، العالمُ، المُحدِّثُ، المُفتي )) . 5- وقال الشيخ محمَّد رشيد رضا الحسيني [14] : ((علَّامةُ المعقول والمنقول: صِبغة الله بن محمد غَوث الهندي )) ، وقال أيضًا [15] : ((جامع المعقول والمنقول، حاوي الفروع والأصول، إمام العلماء، مولانا، مولوي محمد صبغة الله، قاضي الإسلام،قاضي الملك، ابن مولوي محمد غوث - غفر الله لهما -.. فحيَّا الله تعالى علماء الهند جزاء اشتغالهم بالحديث رواية ودراية، وقد أهمله العلماء في هذه البلاد حتى لا يكادون يقرؤونه إلا لأجل التَّبرك )) . 6- وقال الشيخ أحمد بن محمد شاكر [16] : ((المُحدِّثُ، قاضي المَلِك، محمد صبغة الله المَدْراسي )) . ♦ مصنَّفاته: ترك مصنَّفات قيَّمة عديدة بلغات مختلفة، وشارك في مختلف الفنون، كالتَّفسير، والحديث، والفقه، والتَّاريخ، والمناقب، والفرائض، واللُّغة، وغيرها، لكن جُلّها لا تزالُ في عالم المخطوطات، ولم ترَ النُّور بعدُ، فمما وقفتُ عليه باللُّغة العربيَّة: 1- ((الأربعين في معجزات سيِّد المرسلين )) صلى الله عليه وسلم: توجد منه نسختان خطِّيتان في المكتبة السَّعيدية بحيدر آباد، الأولى: برقم [ 413 HADITH 197 ] في (6) ورقات، والأخرى: برقم [ 386 HADITH 196 ]، نُسخت سنة 1318 هـ، في (62) ورقة. 2- ((إزالة الصُّمة في اختلاف الأمَّة )) : طُبع في الهند سنة 1318 هـ، وتوجد منه نسختان خطِّيتان، الأولى: في جامعة هارفارد الأمريكيَّة، برقم: ( MS ARAB SM 4345 ) بعنوان: ((رسالة في بيان حديث اختلاف الأمة))، نُسخت سنة 1280 هـ، في (25) ورقة، والأخرى: في مكتبة المدرسة المحمديَّة الملحقة بجامع مومباي بالهند بعنوان: ((إزالة الصُّمة في حديث اختلاف الأمَّة )) ، في (51) ورقة. 3- ((الثَبَت )) : ترجم فيه لنفسه، واخترمته المنيَّة قبل إكماله، يرويه الشيخ عبد الحي الكتَّاني، عن الشَّيخ أحمد بن عثمان العطَّار المكِّي الهندي، عن الشَّيخ محمد سعيد بن صبغة الله المدراسي، عنه [17] ، وله عدة نسخ خطية. 4- ((حاشية على سنن التِّرمذي )) . 5- ((حاشية على الشفا للقاضي عياض )) . 6- ((حاشية على شمائل التِّرمذي )) . 7- ((حاشية على صحيح مسلم )) : لها نسخة خطية في مكتبة العائلة. 8- ((حاشية على المنتقى لابن الجارود )) : طُبعت سنة 1309 هـ بمطبع محبوب شاهي بحيدر آباد بالهند. 9- ((حكايات لقمان )) : وهو غير مكتمل. 10- ((ذيل القول المسدَّد في الذبِّ عن مسند الإمام أحمد )) : فرغ من تحريره يوم الثلاثاء 2 من ذي القعدة سنة 1279 هـ، وطُبع مع ((القول المسدَّد)) للحافظ ابن حجر العسقلاني في دائرة المعارف النظامية بحيدر آباد الدكن سنة 1319 هـ، ثمَّ طُبع مرارًا، وتوجد منه نسخة خطَّية في مكتبة المصغرات الفيلمية بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (2/ 4319)، نسخها ابنه ناصر الدين عبد القادر أمير نواز جنك يوم الثلاثاء 6 من شهر صفر سنة 1281 هـ، في (34) ورقة. 11- ((رسالة صغرى في السير والمناقب )) : لها عدة نسخ خطية، منها نسخة في (66) صفحة. 12- ((رسالة في إعراب الرَّب من اللَّهم ربَّ هذه الدَّعوة التَّامة )): فرغ من تحريرها سنة 1227 هـ، وطُبعت بتحقيق: د. أحلام خليل محمد في ((مجلة آفاق الثَّقافة والتُّراث )) العدد (42) (ص 146-154) سنة 2003 م، وتوجد منها نسختان خطِّيتان، الأولى: في جامعة هارفارد الأمريكيَّة، برقم: ( MS ARAB SM 4303 )، في (8) ورقات، والأخرى: في مكتبة روضة الحديث بحيدر آباد برقم (187)، نسخها غلام محيي الدين بن حسين لطف الله بن عبد الوهاب بن محمد غوث بن محمد ناصر الدين في 24 من شهر ذي الحجة سنة 1285 ه، وهي نسخة مقابلة على نسخة المترجم، في (8) ورقات. 13- ((رسالة في تحريم الخضاب )) : فرغ من تحريرها في 27 رجب سنة 1265 هـ، وتوجد منها نسخة خطية في مكتبة ابنه ناصر الدِّين عبد القادر أمير نواز جنك من نسخه لها سنة 1283 هـ، في (109) صفحة. 14- ((رسالة في تحريم المتعة (( : لها عدة نسخ خطية، منها نسخة كُتبت سنة 1318 هـ، في (132) صفحة. 15- ((رسالة في تحقيق الصَّلاة الوسطى )) : فرغ من مسودتها في 27 رمضان سنة 1250 هـ، وتوجد منها نسخة خطِّية في جامعة هارفارد الأمريكيَّة، برقم: ( MS ARAB SM 4141 )، في (54) ورقة. 16- ((رسالة في تعليم النِّساء الكتابة )) : فرغ من تحريرها في 4 ذي القعدة سنة 1275 هـ، وطُبعت بالمطبع الحيدري في الهند سنة 1310 هـ، وقرَّظها الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار، ثم طُبعت بتحقيقي سنة 1439 هـ، وتوجد لها ثلاث نسخ خطية، الأولى: في دار الكتب الظاهرية برقم: (11441) في (12) ورقة فرغ الناسخ منها سنة 1342 هـ عن طبعتها الأولى، والثانية: في مكتبة المدرسة المحمدية الملحقة بجامع مومباي بالهند، وعنها صورة فيلمية بقسم المخطوطات في مكتبة الملك عبد العزيز العامة بالرياض رقم (630)، في (23) ورقة، والثالثة: في إحدى مكتبات الهند وعنها صورة فيلمية في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي. 17- ((رسالة في صَداق سيِّدتنا فاطمةَ الزَّهراءِ بنتِ سيِّد المرسلين صلَّى الله عليه وعليها وسلَّم )): فرغ من تحريرها في 18 ربيع الأول سنة 1279 هـ، وطُبعت بمطبع أحمدي بمدينة ((مَدراس)) في الهند سنة 1310 هـ، وقرَّظها الشيخ محمد رشيد رضا في مجلة المنار، ثم طُبعت بتحقيقي سنة 1431 هـ، وتوجد منها نسختان خطِّيتان، الأولى: في جامعة هارفارد الأمريكيَّة، برقم: ( MS ARAB SM 4344 )، نُسخت سنة 1280 هـ، في (12) ورقة، والأخرى: في مكتبة المدرسة المحمَّديَّة الملحقة بجامع مومباي بالهند، نُسخت سنة 1306 هـ، في (25) ورقة. 18- ((رسالة في صيام ستة شوال )) : كتبها في حياة والده، وتوجد منها نسخة خطية كُتبت سنة 1249 هـ في مكتبة ((المدرسة المحمَّديَّة)) بمدينة ((مَدراس)) ، في (32) صفحة. 19- ((رسالة كبرى في السير والمناقب )) : فصَّل فيها ما ذكره في رسالته الصغرى، وفرغ من مسودتها في 4 جمادى الأولى سنة 1231 هـ، ولها عدة نسخ خطية، منها نسخة في (184) صفحة. 20- ((رشق السِّهام إلى من ضعَّف حديث كلُّ مُسكر حرام )) : فرغ من تحريره في 25 ربيع الآخر سنة 1232 هـ، وتوجد منه نسخة خطِّية في المكتبة السَّعيدية بحيدر آباد، برقم [ HADITH 213 399 ]، وعنها صورة فيلميَّة في مكتبة المصغرات الفيلمية بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة برقم (1663)، وهي نسخة مقابلة على مسودة المترجم، في (91) ورقة. 21- ((شرح ثلاثيَّات البخاري )) : توجد منه نسخة خطِّية في المكتبة السَّعيدية بحيدر آباد، برقم [ HADITH 431 267 ]، في (5) ورقات، وهو غير مكتمل. 22- ((الطَّارق في ردِّ المارق )): في مسألة فصل الوتر أو وصله، فرغ منها في 25 رمضان 1265 هـ، وتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ((المدرسة المحمَّديَّة )) بمدينة ((مَدراس))، وعنها صورة فيلمية في مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدبي، برقم (319329)، في (3) ورقات. 23- ((عمدة الرَّائض في فنِّ الفرائض )) : فرغ من تحريره في 28 محرم سنة 1231 هـ، وتوجد منه نسخة خطِّية في جامعة هارفارد الأمريكيَّة، برقم: ( MS ARAB SM 4183 )، نُسخت سنة 1272 هـ، في (25) ورقة. 24- ((غنية الحساب )) : توجد منه نسخة خطية مسودة في مكتبة ابنه ناصر الدِّين عبد القادر أمير نواز جنك، في (270) صفحة، وهو غير مكتمل. 25- ((فهرس أحاديث المعجم الصَّغير للطَّبراني )) : رتَّبه على مسانيد الصحابة وفق حروف المعجم، وتوجد منه صورة فيلميَّة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض، برقم (1148-10-ف)، نُسخت في ربيع الأوَّل سنة 1321 هـ، في (156) ورقة. 26- ((قفا العين لمن أبدع بالشين )) : وهي فتاوى عن الخبز الإفرنجي، فرغ منها سنة 1242 هـ، وتوجد نسخته الخطِّية الأصلية في جامعة الملك سعود بالرياض، برقم (695)، في (35) ورقة، وفيها توقيعه وحواشي بخطِّه. 27- ((مكاتيب عربية )) : وهي مجموع مراسلاته للأعيان ومراسلاتهم له من داخل البلاد وخارجها، وتوجد منها نسخة خطية في مكتبة ((المدرسة المحمَّديَّة (( بمدينة ((مَدراس (( ، في (156) صفحة. 28- ((مناهج الرَّشاد شرح زواجر الإرشاد )) : فرغ من مسودته في 21 جمادى الآخرة سنة 1232 هـ، وهو شرح لكتاب والده: ((زواجر الإرشاد إلى أهل دار الجهاد)) ، وتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ابنه ناصر الدِّين عبد القادر أمير نواز جنك، نُسخت سنة 1283 هـ، في (172) صفحة. 29- ((نور العين في مناقب الحُسين )) : فرغ من تحريره سنة 1248 هـ، وتوجد منه نسخة خطية في مكتبة ابنه ناصر الدِّين عبد القادر أمير نواز جنك، وعنها صورة فيلمية في مركز جمعة الماجد للثَّقافة والتُّراث بدبي، برقم (324112)، نُسخت سنة 1288 هـ من النُّسخة التي نقلت من نسخة المترجم المصحَّحة، في (56) ورقة. 30- ((هداية السَّالك لموطأ الإمام مالك )) : فرغ من تحريره في 11 جمادى الأولى سنة 1231 هـ، وتوجد منه نسخة خطِّية في المكتبة السَّعيدية بحيدر آباد، برقم [ HADITH 7 351 ]، في (386) ورقة، وعنها صورة فيلميَّة في مكتبة المصغرات الفيلمية بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (1664)، وبدايتها وبعض حواشيها بخطِّه. وغير ذلك، وله (24) مصنَّفًا بالفارسيَّة، و(14) مصنَّفًا بالأرديَّة. ♦ وفاته: تُوفِّي يوم الاثنين لخمس بقين من شهر الله المحرَّم سنة ثمانين ومائتين وألف للهجرة، عن تسع وستين سنة. رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً، وأجزل مثوبته، وأسكنه الفردوس الأعلى. "خط الشيخ صبغة الله المدراسي" المصادر والمراجع: ♦ ((حديقة المرام في تذكرة العلماء الأعلام )) (ص 11، 37)، لمحمد مهدي واصف المَدْراسي. ♦ ((النفح المسكي بمعجم شيوخ المكي)) (ق 52-56) أحمد العطَّار. ♦ ((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (7 / 991-992)، لعبد الحي الحسني. ♦ ((الثَّقافة الإسلامية في الهند )) (ص 119، 126،144،149،150،152) لعبد الحي الحسني. ♦ ((فيض الملك الوهاب المتعالي بأنباء أوائل القرن الثالث عشر والتوالي )) (ص 655، 727-730) لعبد الستار البكري الهندي. ♦ ((فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات )) (1 / 219) لعبد الحي الكتَّاني. ♦ ((خانواده قاضي بدر الدولة )) (ص 333-504) لمحمد يوسف كوكن عمري، باللغة الأردية. ♦ ((تراجم علماء الشَّافعيَّة في الدِّيار الهنديَّة )) (ص 178-181)، لعبد النصير أحمد المليباري. ♦ ((معجم المطبوعات العربية في شبه القارة الهندية والباكستانية منذ دخول المطبعة إليها حتى عام 1980 م )) (ص 124-125، 242)، للدكتور أحمد خان. ♦ ((الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط: الحديث النبوي الشريف وعلومه ورجاله )) (1 / 132)، و(2 / 798، 856، 964)، و(3 / 1725). ♦ ((الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط: الفقه وأصوله )) (6 / 281). [1] كان الشيخ صبغة الله يعدُّ نفسه نائطيًّا هاشميَّ النَّسب، ولا يكتب ذلك مع اسمه في مصنَّفاته أو مراسلاته، بخلاف ابنه الشيخ أحمد الذي اشتُهر عنه بكتابة ذلك. [2] انظر: ((حديقة المرام )) (ص 37-38)، و((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (7/ 1036-1037). [3] انظر: ((حديقة المرام )) (ص 34) ، و((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (7/ 1030) . [4] انظر: ((حديقة المرام )) (ص 55) ، و((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (8/ 1359-1360) . [5] انظر: ((حديقة المرام )) (ص 55-56) . [6] انظر: ((حديقة المرام )) (ص 18) ، و((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (8/ 1211) . [7] انظر: ((حديقة المرام )) (ص 56) ، و((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (8/ 1172) . [8] انظر: ((فهرس الفهارس )) (2/ 762) ، و((خانواده قاضي بدر الدولة )) (2/ 113-144) . [9] انظر: ((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (8/ 1299) . [10] ((ذيل القول المسدد )) (ص 49) . [11] ((حديقة المرام )) (ص 11) . [12] ((النفح المسكي )) (ق 52) . [13] ((الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأعلام )) (7/ 991-992) . [14] ((مجلة المنار )) المجلد الثاني، العدد (21)، (ص 332-334) . [15] ((مجلة المنار )) المجلد الثاني، العدد (34)، (ص 539) . [16] ((المسند )) (1/ 17-18) بتحقيق أحمد شاكر . [17] ويتَّصل إسنادي بالثَّبت المذكور من طرق، منها: عن الشيخ المسنِد السيد محمد بن الأمين الحسني الإدريسي المغربي أبي خبزة التطواني عن الشيخ عبد الحي الكتاني بسنده إليه.
المؤتمر الأول
د. محمد علي السبأ
16-08-2018
2,657
https://www.alukah.net//culture/0/128768/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84/
المؤتمر الأول لكل فرد، كما هو لكلِّ كِيان ولكل مجتمع،ٍ قدراتُه ومهاراته وتجاربه، واجتماع أصحاب المهارات والقدرات، وأصحاب العلم في مجال من المجالات - أمرٌ جميل، خاصة إن كان ذلك الاجتماع مُرتَّبًا له، وموجَّهًا ومُنظَّمًا، وذا هدفٍ، ويحصُل اليوم كما نرى كثيرٌ من هذه الاجتماعات واللقاءات؛ إمَّا على شكل مؤتمر، أو ملتقى عام، أو ما أشبه، وهذه فرص وفعاليات نراها من الأهمية بمكانٍ، وخاصة في مثل هذا الزمن الذي أصبح فيه العالَم شيئًا واحدًا، وغدَت فيه المعلومة ملكَ الجميع بشكل كبيرٍ بفعل وسائل الإعلام الجديد. وهذه الفعاليات ( المؤتمرات والملتقيات )، تكلِّف أموالًا طائلة؛ حيث يتم الإعداد لها بشكل كبيرٍ غالبًا، مِن ترتيب الفنادق الفخمة المتوافر فيها الخدمات اللازمة، ويتم فيها جمع الوفود والشخصيات من دول متعدِّدة، وعناصر ترتيب ذلك ومُلحقاته من الأدبيات والمدرِّبين والدورات والبرامج، وورش العمل والندوات، وما تحتاجه كلُّ تلك العناصر تبلغ مبلغًا من الأموال ليس بالهيِّن. لا يهمُّ كثيرًا مسألة المال الذي يتمُّ إنفاقه إذا كانت الغاية عظيمة وشريفة، وكانت الوسائل مناسبةً وبعيدة عن الإسراف والمخالفات، وكانت عناصر الترتيب والإعداد ملائمةً، وملاحظتنا في أمرين: الأول: كثيرًا ما نسمَع ونَحضُر فعالية بعنوان (المؤتمر الأول)، أو (الملتقى الأول)، ثم لا يكون لهذا الأول ثانٍ، بل كان ذاك هو (الأول والأخير)، فما تفسير هذه الظاهرة العجيبة؟! أليس من العقل والحكمة، وكمال العمل وجودته، ووضوح الهدف - أن يتمَّ الترتيب للأول، ويُعلَم أن له ثانيًا وثالثًا ورابعًا، وما بعده؟! يُعلَم مِن قِبَل القائمين عليه، ثم مِن قِبَل المشاركين فيه، من خلال خُططه الإستراتيجية وأهدافه المُستدامة، وأوراقه وموضوعاته التي لا ينبغي أن تنتهيَ بانتهائه، وعودة كلِّ مشارك إلى بلده، بل تستمر حتى يتحقَّق الهدف كلًّا لا يتجزَّأ، ويتم الوصول إلى الغاية التي يُوجِدها الجمعُ والاجتماع بتجاربه وببرامجه العلمية والعملية المشتمل عليها من حين التخطيط إلى حين التحقيق. وفي هذا لا بد أن تكون البرامج وورشُ العمل التي تشتمل عليها تلك الفعاليات - برامجَ وورشًا عملية ضامنةً لاستفادة المشارك والجهة المنظِّمة والمجتمع بشكل يُشعر الجميع بذلك، كما يدلِّل عليه الواقعُ بمُخرجات تلك الأعمال ودوامها حيَّة تُحلِّق في سماء الإنجاز. الأمر الثاني: ما أشرنا إلى جزءٍ منه أعلاه؛ مِن الإنفاق الكبير على مثل تلك الفعاليات، وقد تستحقُّ فعلًا إنفاقَ تلك الأرقام، ولكن السؤال هو: هل ستَخرج تلك الفعالية الكبيرة بنتائج تساوي أو تفوق أو تقارِب بشكلٍ مقبول ما تَمَّ إنفاقُه فيها، والتعب عليها، وضرب أكباد المراكب للوصول إليها! ملاحظتي وتساؤلي لإعادة التفكير في هذه الجوانب المهمَّة، وتدارُك الأمر؛ حتى لا تستمرَّ الظاهرة، وتصحيح المسار؛ كي نحصُد أفضل المُخرجات، ونحقِّقَ أهدافنا الكبيرة، ونراها على مرِّ السنين آثارًا حميدة في أجيالنا ومجتمعاتنا، والسلام.
أهم كتب الحديث لمن أراد أن يتخصص في السنة النبوية
د. محمد بن علي بن جميل المطري
16-08-2018
258,107
https://www.alukah.net//culture/0/128767/%d8%a3%d9%87%d9%85-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d9%84%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d8%a3%d9%86-%d9%8a%d8%aa%d8%ae%d8%b5%d8%b5-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9/
أهم كتب الحديث لمن أراد أن يتخصص في السنة النبوية أولًا: كتب حديث للحفظ: 1- اﻷربعون حديثًا للنووي. 2- عمدة اﻷحكام للمقدسي. 3- بلوغ المرام لابن حجر. 4- رياض الصالحين للنووي. • هذه الكتب تكفي للحفظ، ومن كان له قدرة على حِفظ غيرها، وتيسَّر له ذلك، فليحفَظ كتاب الجمع بين الصحيحين، ثم زوائد السنن اﻷربع، وإن حفِظ كتاب معالم السنة النبوية (3 مجلدات)، فهو كافٍ شافٍ. ثانيًا: كتب مصطلح الحديث: 1- البيقونية مع بعض شروحها. 2- الباعث الحثيث. 3- نخبة الفكر مع شرحها نزهة النظر. 4- تدريب الراوي للسيوطي. 5- النكت على كتاب مقدمة ابن الصلاح لابن حجر. 6- فتح المغيث شرح ألفية الحديث للسخاوي. ثالثًا: كتب الشروح: 1- تيسير العلام شرح عمدة اﻷحكام. 2- سبل السلام شرح بلوغ المرام للصنعاني، أو توضيح اﻷحكام شرح بلوغ المرام للبسام، والكتاب الثاني أوسع، فهو في 7 مجلدات، واﻷول في 4 مجلدات، والجمع بينهما في القراءة أنفعُ. 3- شرح صحيح مسلم للنووي (9 مجلدات). 4- فتح الباري شرح صحيح البخاري للحافظ ابن حجر (13 مجلدًا). 5- نيل اﻷوطار شرح منتقى اﻷخبار للشوكاني (8 مجلدات). 6- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ( 6 مجلدات) مع النظر في صحيح وضعيف الجامع الصغير للألباني. 7- التمهيد لِما في الموطأ من المعاني واﻷسانيد لابن عبدالبر (24 مجلدًا). 8- كشف المشكل من حديث الصحيحين لابن الجوزي (4 مجلدات). 9- بيان مشكل اﻵثار للطحاوي (15) مجلدًا. رابعًا: كتب الحديث الجامعة للجرد والقراءة: 1- جامع اﻷصول في أحاديث الرسول (12 مجلدًا). 2- المسند الجامع (20 مجلدًا). 3- مجمع الزوائد (10 مجلدات). 4- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري (8 مجلدات). 5- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر (19 مجلدًا). 6- مصنف ابن أبي شيبة (25 مجلدًا). 7- مصنف عبدالرزاق الصنعاني (11 مجلدًا). 8- السنن الكبرى للبيهقي (10 مجلدات). • ينبغي للطالب المتخصص في الحديث أن يقرأ جردًا أصولَ كتب السنة، وهي صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن الترمذي، وسنن أبي داود، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، وسنن الدارمي، والموطأ لمالك، ومسند أحمد، كلها أو ما تيسَّر له منها، فإن لم يستطع جردَها كلها، فليُكثر من النظر فيها والرجوع إلى شروحها بحسب الوسع والطاقة. خامسًا: كتب التخريج: 1- سلسلة اﻷحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني (14 مجلدًا). 2- التلخيص الحبير لابن حجر (4 مجلدات). 3- نصب الراية للزيلعي (4 مجلدات). 4- إرواء الغليل للألباني (8 مجلدات)، مع النظر في كتاب التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل لصالح آل الشيخ. 5- الفوائد المجموعة في اﻷحاديث الموضوعة للشوكاني. 6- سلسلة اﻷحاديث الصحيحة للألباني (6 مجلدات). سادسًا: كتب العلل: 1- شرح علل الترمذي لابن رجب (مجلدان). 2- أحاديث معلَّة ظاهرها الصحة للوادعي. 3- علل الحديث لابن أبي حاتم (6 مجلدات). 4- العلل الواردة في اﻷحاديث النبوية للدارقطني (15 مجلدًا). سابعًا: كتب أخرى متنوعة تتعلق بالسنة النبوية: 1- السنة ومكانتها في التشريع اﻹسلامي. 2- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من اﻷباطيل للمعلمي اليماني (مجلدان). 3- اﻷنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة للمحدث المعلمي اليماني. 4- النهاية في غريب الحديث واﻷثر لابن اﻷثير (5 مجلدات). 5- تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة. 6- الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من اﻵثار للحازمي. 7- شرف أصحاب الحديث للحافظ الخطيب البغدادي. 8- الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم لمحمد بن إبراهيم (ابن الوزير اليماني). • هذه أهم الكتب لمن أراد التخصص في السنة النبوية، وهي كتب جامعة نافعةٌ، وتبقى كتبٌ أخرى مهمة قديمة وحديثة، فيها فوائد جَمَّة، فينبغي للمتخصص في علم الحديث أن يكون واسع الاطِّلاع على كتب الحديث كلها، كبيرها وصغيرها، فلا يترك الاستفادة من أي كتاب يصل إليه، ولو بالنظر في مقدمته وخاتمته وفهارسه، ولو باستخدام برنامج المكتبة الشاملة أو غيرها من برامج الكمبيوتر النافعة. • كتب تراجِم الرواة كثيرة جدًّا، والمتخصص في الحديث يرجع إليها كثيرًا، ولو أراد أن يقرأ كتابًا منها، فمِن أجمعِها كتابُ تهذيب الكمال في أسماء الرجال للحافظ المزي (35 مجلدًا)، أو يقرأ مختصره تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر (12 مجلدًا). • ينبغي للمتخصص في علوم الحديث أن يكون له نصيبٌ وافرٌ من علوم القرآن، لا سيما علم التفسير، فيقرأ ما تيسَّر له من كتب التفاسير، وكذلك ينبغي له أن يقرأ ما تيسَّر من كتب التوحيد والعقيدة والفقه واﻷصول، والنحو واﻷدب والبلاغة، والزهد والرقائق، فالعلوم الشرعية يُكمل بعضُها بعضًا. • على المبتدئ في أي علمٍ أن يأخذ العلم عن المشايخ المتخصصين في كل فنٍّ، ثم بعد ذلك ينطلق في تحصيل العلم بالقراءة المتدرجة في أهم الكتب المصنفة في ذلك العلم، مبتدئًا بصغيرها قبل كبيرها، مع سؤال أهل العلم عما يُشكل عليه منها. • على طالب العلم المتخصص في الحديث أن يَحرِص على البحث بنفسه عند تخريج حديثٍ يمر عليه لا يَعرِف حاله، أو لا يَعرِف معناه، فيَبحث في كتب الحديث وكتب التخريج، حتى يعرف حُكم العلماء عليه، أو يعلم شرحَه ومعناه، وحبذا أن يَجمَع بنفسه طرقَ بعض اﻷحاديث التي يبحث عنها، وينظر في أسانيدها وتراجِم رجالها، ثم يَحكم عليها بما يظهَر له، ثم يرجع إلى ما قاله العلماء عن ذلك الحديث، فيقارن حُكمَه بحُكمهم، فسيَستفيد بالممارسة فوائدَ كثيرة جدًّا، والعلم يَرسخ بالبحث والمدارسة. والله الموفِّق والهادي إلى الصراط المستقيم.
ثبت بالكتب والأبحاث المؤلفة في سورة الأحزاب
عبدالعزيز سالم شامان الرويلي
15-08-2018
11,135
https://www.alukah.net//culture/0/128732/%d8%ab%d8%a8%d8%aa-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%ad%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b2%d8%a7%d8%a8/
ثبت بالكتب والأبحاث المؤلفة في سورة الأحزاب ١- تفسير الآية (٣٨) / لأخي زادة عبدالحليم بن محمد الرومي (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٦٦٠). ٢- تفسير الآية (٥٦) / للأمير محمد بن محمد المالكي (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٨٠١). 3- تفسير سورة الأحزاب/ للأميوني يوسف بن عبدالله المصري (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٦٠٤). 4- تفسير الآية (٧٢) / للميموني إبراهيم بن محمد المكي (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٧١٧). 5- تفسير سورة الأحزاب/ للحمدوني عبدالله الشافعي (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٧٥٢). 6- تفسير سورة الأحزاب/ لجلبي صاحب شاه عبدالله (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٧١٣). 7- تفسير سورة الأحزاب/ للشهاب الخفاجي أحمد بن محمد (مخطوط)؛ انظر: الفهرس الشامل (٧٠٢). 8- تفسير سورة الأحزاب/ لأبي الأعلى المودودي. 9- تفسير سورة الأحزاب/ محمد خليفة. 10- تفسير سورة الأحزاب/ عبدالفتاح خليفة. 11- تفسير سورة الأحزاب/ الغزالي خليل عيد. 12- تفسير سورة الأحزاب/ مصطفى زيد. 13- تفسير سورة الأحزاب/ محمد صالح العثيمين. 14- من أسرار التعبير القرآني دراسة تحليلية لسورة الأحزاب/ محمد محمد حسنين أبو موسى. 15- ‏منحة الكريم الوهاب في تفسير آيات الأحكام/ في سورة الأحزاب سليمان اللاحم. 16- لمحات في إعجاز سورة الأحزاب/ حسن باجودة. 17- تفسير سورة الأحزاب/ محمد جبالي. 18- تأملات في سورة الأحزاب/ أحمد علي النويرة. 19- الأحكام الفقهية في تفسير سورة الأحزاب/ حمود غزاي الديحاني. 20- قضايا نساء النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنات في سورة الأحزاب/ حصة الخليفي. 21- التوجيهات التربوية للأسرة من خلال سورة الأحزاب/ عبدالمحسن الخويلد. 22- الأحكام والآداب في سورة الأحزاب/ أحمد فؤاد علي. 23- اللباب في تفسير سورة الأحزاب/ محمد عبدالسلام كامل أبو خزيم. 24- النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه في سورة الأحزاب/ عبدالحميد محمود طهماز. 25- التفسير التاريخي لسورة الأحزاب/ عمران سميح. 26- الآداب التربوية والاجتماعية في سورة الأحزاب/ هدى الخضر أحمد. 27- بغية الطلاب في موضوعات سورة الأحزاب/ محمد بن عبدالعزيز بن محمد العواجي. 28- تأملات في أواخر سورة الأحزاب/ صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان. 29- تأملات في سورة الأحزاب/ أسامة عبدالعزيز باشا. 30- تأملات في سورة الأحزاب/ حسن محمد أحمد. 31- تفسير آيات الأحكام في سورة (لقمان - الأحزاب - الحجرات)/ صبرة الحسيني مرسي الرفاعي. 32- تفسير سورة الأحزاب/ محمد عبدالعزيز إبراهيم. 33- تفسير سورة الأحزاب/ زين العابدين أحمد الزويدي. 34- تفسير سورة الأحزاب/ محمد حسن محيسن زاهر. 35- فتح اللطيف الوهاب في تفسير سورة الأحزاب/ نبيل محمد إبراهيم الجوهري. 36- فتح الوهاب في تفسير سورة الأحزاب/ محمد إبراهيم عون. 37- في رحاب تفسير سورة الأحزاب/ أحمد حمامة. 38- كشف النقاب عن معالم سورة الأحزاب ومقارنتها بكائنة المسلمين مع التتار في القرن الثامن ابن تيمية/ هشام بن فؤاد البيلي. 39- منة العزيز الوهاب في تفسير سورة الأحزاب/ صباح طنطاوي عبدالحميد عبدالمنعم. 40- سورة الأحزاب دراسة تحليلية موضوعية/ محمود بسيوني. 41- سورة الأحزاب دراسة صوتية دلالية/ هالة السيد محمد. 42- البلاغة القرآنية في سورة الأحزاب/ نجية محمد محمد الفرماوي. 43- تأملات في سورة الأحزاب دراسة تحليلية موضوعية/ بليغ فتحي عبدالخبير. 44- غزوة الخندق كما تصورها سورة الأحزاب والأحاديث النبوية/ فائزة علي شيراماليس. 45- صفات النبي صلى الله عليه وسلم في سورة الأحزاب/ عبدالعزيز بن عبدالله الشبل. 46- دراسة النظم القرآني في سورة الأحزاب/ حسن عثمان يوسف عدوان. 47- قضايا العقيدة في ضوء سورة الأحزاب وأثرها على الفرد والمجتمع/ ناصر جبر مراحيل غرقود. 48- مفاهيم وآداب حول لفظ النبي في سورة الأحزاب/ صلاح الأسدي. 49- الاستئذان في سورتي النور والأحزاب وأثره في المجتمع المسلم دراسة استقرائية تطبيقية/ طارق محمد المختار عمر. 50- المناسبة بين الفاصلة القرآنية وآياتها: دراسة تطبيقية لسورتي الأحزاب وسبأ/ محمد يوسف هاشم. 51- النبي صلى الله عليه وسلم في ضوء سورة الأحزاب دراسة موضوعية/ بولقصاع محمد. 52- التنشئة الاجتماعية في سورتي النور والأحزاب/ نسرين ياسين. 53- أحوال النبي صلى الله عليه وسلم الشخصية من خلال سورة الأحزاب/ جمع ودراسة إمام أبو الفردوس باشا البجلي. 54- التفسير المصور لسور من القرآن/ أبو إسلام أحمد بن علي. 55- بعض معالم المجتمع الإسلامي من سورة الأحزاب/ عبدالوهاب الديلمي. 56- معالم المجتمع الإسلامي في سورة الأحزاب دراسة موضوعية/ شريف الدين مصطفى حسن. 57- منهج القرآن في بناء الأسرة والمجتمع من خلال سورة الأحزاب/ شوقي عبدالعزيز كروش. 58- تفسير سورة الأحزاب/ محمد أديب صالح.
علم الكيمياء عند المسلمين
أ. د. عبدالحليم عويس
15-08-2018
16,558
https://www.alukah.net//culture/0/128726/%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86/
علم الكيمياء عند المسلمين ظهر علم الكيمياء ونما وازدهر في مصر القديمة؛ حيث كان للمصريين في هذا العلم شأن كبير، وربما كان من المفارقات العجيبة أنَّ هذا العلم لم يُحقِّق على أيدي اليونان القدماء ما حقَّقه على أيدي المصريين مِن نموٍّ وازدهار، بل على العكس انحدر هذا العلم في الحضارة اليونانية انحدارًا ملموسًا، ولم يُعرف عنهم الاشتغال بهذا العلم بصورة جدِّية إلا في العصر الروماني. على أنه من المؤكد أن اليونان القدماء لم ينقلوا هذا العلم في جملة ما نقلوه من علوم مصر القديمة، كما عرفه المصريون، ثم إنهم فضلًا عن ذلك لم ينجحوا في العلوم التجريبية؛ ولذلك أخفقوا في هذا العلم، ولم يتركوا فيه أيَّ أثر علمي مفيد يُذكر؛ ذلك أنَّ الكيمياء أصبحت في أيديهم من علوم السحر والتهويمات المبهمة، وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بالتنجيم، وأصبح العمل في هذا الميدان مقصورًا على فكرة تحويل المعادن الرخيصة؛ مثل الرصاص والقصدير، إلى معادن ثمينة؛ مثل الذهب والفِضة، وذلك بواسطة حجر غامض يسمَّى حجر الفلاسفة [1] . ولذلك ابتعدت الكيمياء شيئًا فشيئًا عن البحث التجريبي؛ لتصبح خرافةً ووهمًا، ووسيلة من وسائل الغشِّ والاحتيال. ولعل ما بقي مِن كيمياء مصر القديمة يدل على مدى تدهور هذا العلم، وانحداره لدى اليونانيين. ومن المؤسف حقًّا أن جانبًا كبيرًا من بحوث المصريين الكيميائية قد ضاع؛ ذلك أن الإمبراطور الروماني ديوكلشيان، أصدر في سنة (290م) قرارًا بتدمير جميع البحوث الكيماوية في جميع أنحاء الإمبراطورية [2] . ثم جاء العرب المسلمون فورِثوا حقائقَ هذا العلم، وخرافاته جميعًا، فكان عليهم تنقية الحقيقة العلمية من الخرافة، ثم تنميتها وإثراؤها، وتعميق جوانبها. الأمير خالد بن يزيد بن معاوية وبداية الاهتمام بعلم الكيمياء: وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنفُ بداية اهتمام العرب واشتغالهم بهذا العلم، فمن المرجح أن خالد بن يزيد بن معاوية هو أول مَن اشتغل بالكيمياء من العرب؛ حيث تذكر المصادر أنه أولع بهذا العلم، ونسب إليه ترجمة كتب النجوم والطب والكيمياء وغيرها. ويقول "هولميارد" ( Holmyard ): "ويُذكر أن خالد بن يزيد شغف بحب العلوم بصورة عامة، غير أنه جعل الكيمياء في المرتبة الأولى، وقد أمر باستدعاء فلاسفة اليونان من مصر، وطلب إليهم ترجمة العلوم - وبالأخص كتب الكيمياء - من اللغتين اليونانية والقبطية إلى اللغة العربية". وقد أكَّد صاعد الأندلسي في كتابه "طبقات الأمم" أن خالد بن يزيد له في الكيمياء رسائل وأشعار بارعة، دالَّة على معرفته وبراعته فيها، وينسب له ابن النديم من الكتب التي رآها له في هذا العلم كتاب "الحرارات"، وكتاب "الصحيفة الكبير"، وكتاب "الصحيفة الصغير"، ووصيته إلى ابنه في صنعة الكيمياء، ومِن كتبه أيضًا - إضافةً إلى ما ذكره ابن النديم - كتاب "السر البديع في رمز المنيع"، وكتاب "فردوس الحكمة في علم الكيمياء"، وهو عبارة عن منظومة في قوافٍ مختلفة يبلغ عدد أبياتها ألفين وثلاثمائة وخمسة عشر بيتًا، وله غير ذلك من الكتب في هذا العلم [3] . على أنه لم يصلنا من كتابات خالد وجهوده في علم الكيمياء آثار علمية إبداعية واضحة، وإن كان خالد قد أتاح الفرصةَ أمام العلماء مِن بعده لاستيعاب النظريات القديمة في علم الكيمياء، وهيَّأ الظروف لظهور مرحلة التأليف والإبداع، على أيدي عباقرة الكيمياء من المسلمين، الذين أضافوا إلى هذا العلم إنجازاتهم الرائعة. وما لبثت الكيمياء أن أخذَتْ صورة العلم التجريبي، نتيجة الجهود الكبيرة التي بذلها فريقٌ من العلماء المسلمين، الذين كانوا أول من طبَّق الوسائل العلمية على الظاهرات الكيميائية. ثم إنهم حقَّقوا أهم مآثرهم في هذا الميدان، بأن أدخلوا التجرِبة الموضوعية في دراسة الكيمياء والعلوم الطبيعية، وهذه خطوةٌ حاسمة نحو التقدم عما كان عند اليونان من فروض مبهمة في هذا الموضوع، وعلى الرغم من استمرار العرب في الاعتقاد بعلم تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب؛ فإن علم الكيمياء ولد بجهود العرب المسلمين وعلى أيديهم، وأما المبادئ الأساسية التي أرسى قواعدها العلماء العرب الأوائل، فانحصرت في أنهم كانوا لا يقبَلون شيئًا باعتباره حقيقة ما لم تؤيده المشاهدة أو تحقِّقه التجرِبة العلمية. فالكيمياء في صورتها العلمية إنجازٌ حقَّقه المسلمون؛ إذ إنهم أدخلوا الملاحظات الدقيقة، والتجرِبة العلمية المتقنة، واخترعوا الإنبيق، وأعطَوه هذا الاسم (إنبيق Alembic )، وفرَّقوا بين الأحماض والقلويات، واكتشفوا العَلاقة بينهما، ودرسوا ووصفوا مئات من العقاقير [4] . ومن الإنجازات الهامَّة التي حقَّقها الكيميائيون العرب: أنهم كانوا أول مَن طبق الكيمياء على الطب، وهم الذين أعطوا لهذا العلم اسمه الذي عُرف به، ومنه انتقل إلى الإنجليزية " chemistry "، والفَرنسية " chimie ". [1] جلال مظهر: حضارة الإسلام، ص (268). [2] المرجع السابق، ص (269). [3] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (239). [4] جلال مظهر: حضارة الإسلام، ص (271).
الاستدامة والاحتضان
د. محمد علي السبأ
14-08-2018
3,088
https://www.alukah.net//culture/0/128700/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%86/
الاستدامة والاحتضان تتعدَّد المشاريع والبرامجُ بأنواعها في المؤسسات الخيرية، ويتم استهدافُ المجتمعات بها هنا وهناك، وهذه المؤسسات تقدِّم خيرًا كبيرًا بما تقوم به، وبرغم هذا نرى قصورًا لا ينبغي أن يستمر أو يُغفَل عنه؛ إذْ لا بدَّ من التفكير بطريقة أعم نفعًا وأدوم أثرًا. تعالوا نفكِّر سويًّا بصوتٍ مرتفع: برنامج أو مشروع أو حملة تَكلفتُها المالية مليون دولار، مع الجهد الكبير لفِرَقِ العمل والأدبيات والتنسيق، وما إلى ذلك، إضافةً إلى الوقت الذي قد يَطول وقد يقصر... المخرج والفائدة الحقيقية من الحملة على مستوى الفرد المُستهدف أو الأسرة ضئيلٌ جدًّا، لا يُمكن مقارنته أو مناسبته بحجم مُدخلات الحملة بجميع مجالاتها، والتساؤل هو: لو تَمَّ تنفيذُ مشروع إستراتيجي مدروس طويل الأمد بأموال تلك الحملة، هل يكون ذلك أعمَّ نفعًا وأدوم أثرًا؟! باعتقادي أن الاستفادة ستطول أكبرَ عددٍ من أفراد المجتمع، وتقضي على بطالة كبيرة، وتحقق استثمارًا نموذجيًّا، وتكسب جهدًا ووقتًا ومالًا. نحن بنيَّاتنا الحسنة، وجهودنا المشكورة، وبرامجنا المتنوعة - نستهدف المجتمع والأسرة والفرد، بغرض النهضة والتطوُّر وإيجاد المجال، وحل المشكلة وتنوير الدَّرب، ولكنَّ كثيرًا من برامجنا تحتاج إلى مُراجعة جذرية؛ إذْ لا بدَّ أن تُحقِّق أمرين أساسيين للمُستهدف في هذا الزمن: الأمر الأول: يتعلَّق بالبرنامج ذاته، وهو ( الاستدامة )، فلا يكون برنامجًا ينتهي بانتهاء وقته، ويُشيَّع بتقريرٍ نهائي أو حفلٍ ختامي، يُسطَّر فيه أو يُتْلى ما وصَل إليه من نتائج، أو ما حقَّقه من مُخرجات، هي في الحقيقية مُجرَّد أرقام، وقد تحمل إيجابية، ( نعم )، ولكن ما نتكلَّم عنه هو ( مُناسبة المُخرجات للمُدخلات )... ولهذا ينبغي في هذا الأمر ( استدامة البرنامج )، وذلك بنجاحه الذي يَكتُبه أثرًا في الميدان، وبعدد الأفراد المستفيدين فعلًا، بدليل بداية إنتاجهم أو تطويره بشكلٍ يحكي نفسه في الواقع، وبهذا يستحقُّ البرنامج أن يُكرَّر ويُسْتَنْسَخُ ويُدعَم. الأمر الثاني: الاحتضان، وأعني به أن يوجَّهَ البرنامجُ للمستفيد، وهو مُستعد وقادرٌ على أن يحتضنَ ذلك المستفيد بعد تَخرُّجه منه أو نَيْلِه إيَّاه، وليس بالضرورة أن يضمَّ أيُّ برنامج كلَّ المستفيدين أو حتى بعضهم، إذْ بالإمكان التنسيق مع الجهات المعنيَّة والمهتمة بالقيام بما يلزم في هذا الأمر، والمهم أن يجد المستفيد في البرنامج حاجتَه المعرفيَّة، ثم يجد بعدها حاجته العمليَّة؛ حتى يُفرغها فيها، ويكسب بذلك الفائدةَ التامة، كما يكسب البرنامج مُخرجًا حقيقيًّا له أن يُفاخر فيه، ويعدَّه من أهم نجاحاته وتميُّزه، وسببًا كبيرًا لدعمه والوقوف معه. عودة حقيقية إلى برامجنا المتنوعة لإعادة صياغتها على هذين الأمرين وهذا الأساس، وعودة شاملة إلى مُنطلقات أفكارنا وقناعاتنا لضمان استثمار المُستقبل، والتفكير الجاد في صناعة النهضة التي لا بدَّ أن نُوجدها لتستمرَّ بنا ونستمرَّ بها.
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (130)
أ. د. محمد بن تركي التركي
14-08-2018
4,917
https://www.alukah.net//culture/0/128691/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-130/
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (130) 1- تفسير ابن أبي حاتم، طبعة كاملة للموجود من الكتاب، وأصله رسائل علمية في الجامعة الإسلامية، دار ابن الجوزي، ١٦ ج. 2- الأحاديث التي صرح الإمام البخاري بتصحيحها ولم يودعها الجامع الصحيح، جمعاً وتخريجاً ودراسة، إعداد د. علي صالح مصطفى، دار المقتبس. 3- التصحيح على شرط الشيخين؛ دراسة تطبيقية نقدية، تأليف د. رياض حسين الطائي، دار اللباب. 4- المجهول وموقف الإمام الترمذي منه في جامعه، تأليف د. عبدالملك بسفورت بن ظافر الماجوني، الدار الثرية للطباعة والنشر. 5- منهج قبول الأخبار عند المحدثين، تأليف د. محمد عصام عيدو، دار المقتبس (رسالة دكتوراه)، 2ج. 6- عناية الإمام ابن خزيمة بفقه الحديث النبوي من خلال صحيحه، تأليف خريف بن علي رتون، دار المقتبس. 7- شبهات المستشرقين في السنة النبوية، عرض ونقد، تأليف د. محمد عبدالرزاق أسود، دار طيبة بدمشق. 8- التميز التربوي في السنة النبوية، الأخلاق والأساليب نموذجاً، تأليف د. محمد عبدالرزاق أسود، دار طيبة بدمشق. 9- رعاية البيئة في السنة النبوية، الماء نموذجاً، تأليف د. محمد عبدالرزاق أسود، دار طيبة بدمشق. 10- تعليل الروايات عند الإمام الدارقطني، تأليف د. زياد بن سليم العبادي، مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث. 11- تلاميذ الزهري ومروياتهم في الجامع الصحيح للإمام البخاري، دراسة تحليلية، تأليف د. زياد بن سليم العبادي، مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث. 12- العلة بين أهل الاصطلاح وعلماء العلل، تأليف د. زياد بن سليم العبادي، مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث. 13- حديث بحيرا الراهب في الميزان النقدي الحديثي، تأليف د. زياد بن سليم العبادي، مركز الإمام الألباني للدراسات والأبحاث. 14- صحيح الإمام البخاري، محذوف الأسانيد والأحاديث المكررة، إعداد صالح الشامي، دار القلم، 3ج. 15- شرح تراجم أبواب البخاري، لولي الله الدهلوي، اعتنى به وعلق عليه د. فايز مصطفى اسطيلة، دار التقوى، دار الدقاق.
أهم كتب الجرد لطالب العلم غير المبتدئ
د. محمد بن علي بن جميل المطري
13-08-2018
30,314
https://www.alukah.net//culture/0/128676/%d8%a3%d9%87%d9%85-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b1%d8%af-%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%aa%d8%af%d8%a6/
أهم كتب الجرد لطالب العلم غير المبتدئ إلى مَنْ يسَّرَ اللهُ له طَلَبَ العلم الشرعي، ووفَّقه لحفظ القرآن الكريم، وقراءة ما تيسَّر من كتب التفاسير، ويَسَّر له حفظ الكثير من اﻷحاديث النبوية، وقراءة ما تيسَّر من كتب شروح الحديث، ودرس كثيرًا من متون العلم، من توحيد وعقيدة وفقه ومصطلح حديث، ونحو وصرف وبلاغة، وأصول فقه، وجرد كثيرًا من كتب العلم المتنوعة؛ إليك أهم الكتب التي تحتاج إلى جردها كلها كاملة أو ما تيسَّر لك منها أو الاطِّلاع عليها بحسب الوُسْع والطاقة: 1- تفسير ابن جرير الطبري (24 مجلدًا). 2- تفسير ابن كثير (8 مجلدات). 3- موسوعة التفسير بالمأثور (23 مجلدًا). 4- الجامع ﻷحكام القرآن للقرطبي (10 مجلدات). 5- دراسات لأسلوب القرآن الكريم لعضيمة (11 مجلدًا). 6- فتح الباري شرح صحيح البخاري (13 مجلدًا). 7- شرح صحيح مسلم للنووي (9 مجلدات). 8- التمهيد لابن عبدالبر (24 مجلدًا). 9- اﻷم للشافعي (8 مجلدات). 10- البيان في مذهب الإمام الشافعي لابن أبي الخير العمراني (13 مجلدًا). 11- حاشية قليوبي وعميرة على شرح المنهاج للمحلي (4 مجلدات). 12- السنن الكبرى للبيهقي (10 مجلدات). 13- المغني لابن قدامة (10 مجلدات). 14- الشرح الممتع لابن عثيمين (15 مجلدًا). 15- المدونة في الفقه المالكي (4 مجلدات). 16- الذخيرة للقرافي (13 مجلدًا). 17- الأصل (المبسوط) في الفقه الحنفي لمحمد بن الحسن الشيباني (12 مجلدًا). 18- بدائع الصنائع للكاساني (7 مجلدات). 19- مجموع الفتاوى لابن تيمية (35 مجلدًا). 20- إعلام الموقعين لابن القيم (6 مجلدات). 21- فتاوى اللجنة الدائمة (26 مجلدًا). 22- مجموع فتاوى ابن باز (30 مجلدًا). 23- مجموع فتاوى ابن عثيمين (26 مجلدًا). 24- الكتاب لسيبويه (4 مجلدات). 25- همع الهوامع في شرح جمع الجوامع في النحو للسيوطي (3 مجلدات). 26- تشنيف المسامع في شرح جمع الجوامع في أصول الفقه للزركشي (4 مجلدات). 27- المحلى لابن حزم (12 مجلدًا). 28- نيل اﻷوطار للشوكاني (8 مجلدات). 29- الموافقات للشاطبي (7 مجلدات). 30- موسوعة القواعد الفقهية للبورنو (12 مجلدًا). 31- الموسوعة الفقهية الكويتية (45 مجلدًا). 32- البداية والنهاية في التاريخ لابن كثير (20 مجلدًا). 33- التاريخ اﻹسلامي لمحمود شاكر (22 مجلدًا). 34- الموسوعة العربية العالمية (30 مجلدًا). 35- تاج العروس شرح القاموس (40 مجلدًا). 36- الروض اﻷنف للسهيلي في شرح السيرة النبوية لابن هشام (7 مجلدات). 37- سير أعلام النبلاء للذهبي (23 مجلدًا). 38- مدارج السالكين لابن القيم. 39- العود الهندي للسقاف. 40- بهجة المجالس لابن عبدالبر. وإن كان الطالب متخصِّصًا في علم الحديث فيحتاج أيضًا إلى قراءة هذه الكتب: 1- جامع اﻷصول في أحاديث الرسول (12 مجلدًا) . 2- المسند الجامع ( 20 مجلدًا ). 3- مجمع الزوائد (10 مجلدات) . 4- إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة للبوصيري (8 مجلدات) . 5- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية للحافظ ابن حجر (19 مجلدًا) . 6- مصنف ابن أبي شيبة (25 مجلدًا) . 7- مصنف عبدالرزاق الصنعاني ( 11 مجلدًا ). 8- سلسلة اﻷحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني ( 14 مجلدًا ). 9- التلخيص الحبير لابن حجر ( 4 مجلدات ). 10- نصب الراية للزيلعي ( 4 مجلدات ). 11- إرواء الغليل للألباني (8 مجلدات) ، مع النظر في كتاب التكميل لما فات تخريجه من إرواء الغليل لصالح آل الشيخ. 12- سلسلة اﻷحاديث الصحيحة للألباني ( 6 مجلدات ). 13- شرح علل الترمذي لابن رجب ( مجلدان ). 14- علل الحديث لابن أبي حاتم ( 6 مجلدات ). 15- العلل الواردة في اﻷحاديث النبوية للدارقطني ( 15 مجلدًا ). وهذه الكتب العظيمة لا تكفي، فيوجد كتب مهمة أخرى فاتني ذكرُها، وعند قراءة الطالب ﻷي كتاب من هذه الكتب وغيرها، سيمرُّ عليه أشياء تحتاج إلى زيادة توضيح أو بحث وتحقيق؛ مما يتعين عليه أن يراجع لها كتبًا أخرى؛ كتخريج حديث أو شرحه، أو تحقيق مسألة فقهية أو لغوية، ونحو ذلك. والعمر قصير، والشواغل كثيرة، والعوائق متنوعة، والعلم واسع؛ ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. الْعِلْمُ بَحْرٌ مُنْتَهَاهُ يَبْعُدُ لَيْسَ لَهُ حَدٌّ إِلَيْهِ يُقْصَدُ وَلَيْسَ كُلُّ الْعِلْمِ قَدْ حَوَيْتَهُ أَجَلْ وَلَا الْعُشْرَ وَلَوْ أَحْصَيْتَهُ وَمَا بَقِيْ عَلَيْكَ مِنْهُ أَكْثَرُ ممَّا عَلِمْتَ وَالْجَوَادُ يَعْثُرُ وحسب الطالب أن يعرف نقصَه وتقصيره، ولو قرأ هذه الكتب كلها وغيرها فسيبقى جهلُه أكثر من علمه، وكُلٌّ مُيسَّرٌ لما خُلِق له، وَمَنْ سدَّد وقارب فليُبشِرْ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
معركة حصن الأحزان
د. محمد منير الجنباز
13-08-2018
11,144
https://www.alukah.net//culture/0/128666/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%ad%d8%b5%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b2%d8%a7%d9%86/
معركة حصن الأحزان "الحصن الذي بناه الفرنج عند مخاضة الأحزان" سنة 575هـ ربيع الأول سببها: أن الفرنج بنَوا حصنًا منيعًا قرب بانياس الداخل، وهي قريبة من روافد نهر الأردنِّ شمال بحيرة طبرية، وهذا الحصن المنيع يُهدِّد المنطقة؛ لذا قرر صلاح الدين الأيوبي الاستيلاء عليه، فحشد جيشًا وسار نحو الحصن، كما بثَّ الغارات ضد الصليبيين ليَشغلهم عن نجدته، وحاصر الحصن وبدأ معه قتال اختبار، ثم أرسل في جلب المؤن والأخشاب لصنع أدوات الحصار، ولما علم الإفرنج بوجهة صلاح الدين، جمعوا فارسهم وراجلهم وقادتهم بقيادة ملك القدس، واتجهوا للقاء صلاح الدين، فاصطدمت مقدمتهم بعسكر المؤونة ونشِب القتال، وأُبلغ صلاح الدين فسار بعسكره مُجدًّا حتى وافاهم وهم في القتال، وقاتل الإفرنج وأظهر الجميع صمودًا وصبرًا، وحمل الفرنج على المسلمين عدة حملات كادت تُزيلهم عن مواقفهم، ثم أنزل الله نصره على المسلمين، وهزم أعداء الدين، ونجا ملكهم فريدًا شريدًا ووقع في الأسر ابن بيرزان حاكم الرملة ونابلس، وهو يلي الملك مرتبة، وأسر صاحب جبيل، وصاحب طبرية، ومقدم الداوية، ومقدم الإسبتارية، وصاحب جنين، وبعد هذه الهزيمة المنكرة تفرَّغ صلاح الدين لحصار قلعة الأحزان، فأقام المجانيق والمتاريس ثم هاجمها، وتمكَّن الجند من أخذ الباشورة أسفل السور، فقاموا بنقبه وأشعلوا تحته النار ليسقط، لكنه كان قويًّا، وقد بلغ عَرضه أكثر من تسعة أذرع، ثم أطفؤوا النار وعمِلوا على توسعة النقب أكثر وعمِل الناقبون تحت جنح الظلام، ثم أشعلت النيران تحت النقب فهوى الجدار، ودخل المسلمون الحصن عَنوة، وقاتلوا من فيه حتى صيروهم بين قتيل وأسير، كما أطلقوا من فيه من أسارى المسلمين، فقال ابن نفاذة في ذلك: هلاكُ الفرنجِ أتى عاجِلًا وَقَدْ آنَ تَكسيرُ صُلْبَانِها وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَنَا حَتْفُها لَمَا عمرَتْ بيتَ أَحْزانِها
حاسة اللمس عند الإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
12-08-2018
111,154
https://www.alukah.net//culture/0/128652/%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%85%d8%b3-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
حاسة اللمس عند الإنسان إن حاسَّة اللمس في الإنسان لا ترقَى في أهميتها إلى مرتبة الحواسِّ الأخرى؛ كالسمع أو الإبصار مثلًا، والواقع أن حاسة اللمس ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالجلد الذي يُغلِّف أجسامنا من كل ناحية. وحاسَّة اللمس هي الحاسَّة التي نتعرَّف بها على الأشياء عند ملامستها، ونتعرَّف على شكل وصلابة الأشياء بوساطة هذه الحاسة، ونشعُرُ بالدفء والبرودة والألم والضغط من خلال لَمْسنا للأشياء. فالجلد هو أول ما يتعرَّض مِن جسم الإنسان لأية مؤثرات خارجية، ولذلك يطلق عليه « الحواس الجلدية ». والواقع أن الخلايا الحسية التي تستقبل المؤثرات الخارجية لا توجد في أماكنَ محدَّدة من الجلد، بل هي موزَّعة في صورة بُقَع غير منتظمة الشكل، تنتشر على سطح الجلد كله، ويزداد الإحساس باللمس حينما يكثُرُ عدد الأعصاب، ويُمثِّل طرف اللسان قمة الإحساس باللمس، بينما يُمثِّل ظهر الكف أضعف أجزاء الجسم استجابة للمس، وتعدُّ أطراف الأصابع وطرف الأنف من الأجزاء بالغة الحساسية. الإحساس بالدفء والبرودة: إن الأعصاب التي تشعر بالدفء والبرودة ليست موزعة في الجسم بشكل متساوٍ، فمثلًا إذا وضَعْنا إبرة ساخنة في مكان ما مِن سطح الجلد، فإننا نشعر بالحرارة، على حين إذا نقلنا هذه الإبرة إلى مكان آخر مجاور للمكان الأول، فإننا قد لا نشعر بالحرارة على الإطلاق، ويرجع ذلك إلى وجود الخلايا الحسية المُعَدَّة لاستقبال الحرارة في المكان الأول، وغيابها عن المكان الثاني، وكذلك الحال في إحساسات البرودة أو الألم أو اللمس. الإحساس بالأشياء: هناك حُوَيصلات حسِّية منتشرة في الجلد تستقر في الطبقات العميقة من الجلد، فعن طريق هذه الحويصلات الموجودة في جلد الأصابع مثلًا، نستطيع أن نحصل على كثيرٍ من المعلومات فيما يتعلق بالأشياء التي تلامسها، ففي الظلام الحالك - حيث تتعذَّر الرؤية - نستطيع بعد ملامسة سطح ما أن نعرف إن كان هذا السطح من الزجاج، أو الخشب، أو الحديد، أو الكاوتش، كما نُدرِك أيضًا إن كان هذا السطح خَشِنًا أو أَمْلَس، أو إن كان جافًّا أو مبتلًّا، أو غير ذلك من المعلومات التي نحصل عليها عن طريق اللمس. ومن عظمة الله تعالى أنه يوجد بالجلد عدَّةُ ملايين من الحويصلات الحسية أو المستقبلات العصبية، وهي تُشكِّل النهايات الحرة للأعصاب الجلدية، وتبلغ حاسة اللمس عند الإنسان درجةً مرهفة جدًا، فمثلًا أطراف الأصابع تستطيع الإحساسَ بحركة اهتزاز لا تزيد على (0,2 ميكرون)، علمًا بأن الميكرون يساوي ( جزء من المليون من المتر )، وهذا ما يدل على عظمة الخلق وحكمة الخالق عز وجل الذي منحنا هذه الرهافة في الإحساس. وبعضُ الأطفال يُولَدون فاقدين للحس خلقةً، مما ينتهي بهم للموت المبكر؛ لأن الحسَّ يقوم بوظيفة التنبيه والإنذار ضد المخاطر التي يتعرَّض لها الإنسان في حياته. آلية عمل الخلايا العصبية للمس: نضرِبُ المثال الجليَّ الواضح للجميع، أنه إذا دخلت المطبخ فجأةً، وعلى المَوقِد وعاءٌ به نوعٌ من الحلوى ذو رائحة طيبة، وفي الوعاء مِلعَقة، فإذا لمست الملعقة صِحْتَ: آه، وتركتَها بسرعة، حتى قبل أن تعرف أنها ساخنة، فيا ترى ما الذي جعلك تجذِبُ يدَك بعيدًا في سرعة؟! إنك حين تلمِسُ المِلعَقة الساخنة تُؤلِم السخونةُ خليةً عصبية في جلد إصبعِك، وهي خليةٌ عصبية طويلة تمتدُّ مِن طرف إصبعك صاعدةً خلال ساعِدِك وكَتِفِك، حتى تصل إلى عمودك الفِقْري تحت العنق، فهناك رسالةٌ ساخنة تندفع كالبرقِ خلال الخلية العصبية على طول المسافة من الإصبع حتى النخاع، وهناك تُنقل الرسالة إلى خلية عصبية أخرى تمتدُّ من النخاع إلى عضلات الذراع، وهذه الرسالة تجعل عضلات الذراع تُبعِد اليد عن المِلعَقة الساخنة، وفي نفس الوقت تندفع رسالةٌ عصبية أخرى بسرعة البرق خلال خلية عصبية مبدؤها من النخاع ونهايتُها إلى المخ، وخلال هذه الخلية تصل رسالة تقول: أصابعك تُحِسُّ شيئًا ساخنًا، وهذه الرسالة تجعل المخ ينشط ويُفكِّر في إدارة الأزمة وتخفيف الألم، بوجود مرهمٍ للحروق، أو إحضار مِلعَقة أخرى، إلى غير ذلك من الأفكار. ومِن خلال هذه الخلايا العصبية في جلدك تشعُرُ وتُحِسُّ وتتعلَّم شيئًا من الدنيا حولك، ولكن حاسة اللمسِ ليست إلا أحد المشاعر التي تتعلم بها شيئًا عما يدور حولك، مع وجود الحواس الأخرى ( الذوق والشم والنظر والسمع )، ومن خلال هذه الحواس تتعرَّف على ما ينفعك وتبتعد عن الأشياء التي تضرك. فيا أخي الكريم، ما عُرض هنا في الحواس أمورٌ مختصرة جدًّا، ولكن حسبي الإشارة السريعة الإعجازية؛ لنرى عظمة الخالق سبحانه وتعالى في أجسامنا، وصدَق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]. فهذه آيةٌ كبرى من آيات الله الدالَّة على عظمته، مع قلة كلماتها التي تدلك على عظمة الله مِن خلال جسمك، وهو أقرب شيء إليك.
حاسة التذوق عند الإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
07-08-2018
41,481
https://www.alukah.net//culture/0/128559/%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b0%d9%88%d9%82-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
حاسة التذوق عند الإنسان يتناول الإنسانُ في حياته اليومية عديدًا مِن الأطعمة المختلفة والمشروبات المتنوعة؛ كالقهوة، أو الشاي، أو المشروبات الغازية، أو غيرها من المشروبات، وهو في تذوُّقِه لهذه الأطعمة أو المشروبات، يعتمدُ اعتمادًا كليًّا على ما يُعرَف بحاسَّة التذوق؛ فمثلًا: إذا تناوَلْنا أي نوعٍ من الأطعمة نعرِف على الفور - بمجرَّد وصول هذا الطعام إلى داخل الفم - أن هذا الطعام به مِلحٌ كثير أو قليل، وكذلك إذا تناولنا أي نوعٍ من الأدوية نُدرِك أن هذا الدواء حامض، أو أنه شديد المرارة بدرجة كبيرة أو صغيرة، والقياس على كل شيء يتناوَلُه الإنسان عن طريق الفم، فمعنى هذا أن الإنسان يستطيع التمييز بين مختلف المواد الموجودة فيما يتناوله من طعام أو شراب. البراعم الذوقية: إن القدرة على تذوُّق المواد والتعرُّف على خصائصها، يَرجِعُ الفضل فيها إلى البراعم الذوقية التي تنتشر انتشارًا كبيرًا على سطح اللسان وعلى جوانبه، ويوجد منها ما يقرُبُ مِن عشرة آلاف برعم، وبدونها تفقدُ الحياةُ طعمَها؛ فهي تستقرُّ بين خلايا الغشاء المخاطي الذي يُغلِّف اللسان، وهي على شكل نتوءات، ويتكون كل "برعم ذوقي" من مجموعة من الخلايا الحسية الخاصة التي تتجمَّع معًا على هيئة المِغْزَل، وتخرُجُ من أطرافها الداخلية «النهايات العصبية» التي تحمل الإحساس إلى المخ، وهذه النتوءات يمكن للإنسان من خلالها أن يتذوق الحُلْو والطيِّب من الطعام، وأن يلفظ المر والحامض منه. كيفية توزيع البراعم: إن الله عز وجل جعل على اللسانِ خلايا وبراعم خاصةً، تنتشر في مواضع مختلفة، بعضها يتذوَّق الحلو، وبعضها المر، وبعضها المالح، والآخر الحامض، هذه الخلايا الموجودة على اللسان مُوزَّعة في أنحاء اللسان؛ فبعضها في مُقدِّمة اللسان لتذوق الطعم الحلو، والذي أشار إليها الشاعر في قوله: يُعطِيكَ مِن طَرْفِ اللسانِ حلاوةً *** ويَروغُ مِنك كما يَروغُ الثعلبُ وبعضها في مؤخرة اللسان لتذوُّق الطعم المرِّ، وبعضها على جوانب اللسان لتذوق الطعم الحامض والمالح؛ فمثلًا إذا ابتلع الإنسان قرصًا من الإسبرين بسرعةٍ - وهو مُرُّ المذاق - فإنه لا يُحِس بمرارته، أما إذا تباطأ في ابتلاعه، فسَرعان ما يذوبُ جزءٌ منه في اللعاب، ويتم إدراك هذه المرارة عند وصول القرص إلى نهاية اللسان، وكذلك تنتشر براعم التذوُّق على سقف الحلق، وفي مرقد اللوزتين، وقرب البلعوم. الشيء الذي يَلفِت النظرَ وقد أثبته العلم الحديث - أن حساسية الخلايا الذوقية المتخصِّصة للطعم المر، تبلُغُ عشرة آلاف ضعف حساسية الخلايا التي تتذوق الطعم الحلو، وقد أثبت العلم التجريبي عظمةَ الله تعالى في ذلك؛ لأن كل طعام سامٍّ مؤذٍ مرُّ الطعم، فالذي ينفعك حلو المذاق، والطعام الذي يؤذيك مر المذاق؛ لذلك فكلُّ أنواع السموم لها طعمٌ مرٌّ، ومِن عظمة الله تعالى أن جعل للعاب دورًا مهمًّا وفعالًا جدًّا في إذابة الطعوم، تمهيدًا لتذوقها مِن قِبَل النتوءات الذوقية المنتشرة على اللسان. ومِن عظمة الله تعالى أن الأنف يتلقَّف البخار أو الغاز المنتشر من الطعام ليشمَّه، فطعم الطعام أساسه شمٌّ وذوق، وحينما يصاب الإنسان برَشْحٍ يشعُرُ أن طعم الطعام قد اختلف في فمه. مركز التذوق في الدماغ: هناك مركزٌ للذوق في المخ يُسجِّل في ذاكرته عشرات الآلاف من الطعوم والنكهات المختلفة، فيمكن التمييز بين عشرة آلاف طعم، والطعم يصل إلى الدماغ فيشعر به، ثم يتعرَّف عليه بوجوده في الذاكرة الذوقية، فإذا توافق هذا الطعم مع طعم مسجَّل في الذاكرة، قال: هذا الطعام كذا، وهذا الطعام فيه المادة الفلانية...، وغير ذلك، وهناك مقولة تقول: "ما دمنا لم نتذوَّق الشيء لا نستطيع وصفه، أو التعرف عليه من الوصف"، ولُوحِظ أن كثيرًا من براعم التذوق تأخذ في الضمور بعد الخامسة والأربعين؛ مما يؤثر سلبًا على حاسة التذوق. أنواع التذوق: هناك أربعةُ أنواعٍ مِن إحساسات الذوق عند الإنسان؛ وهي: الحلاوة، والملوحة، والمرارة، والحموضة، والتعرُّف عليها وإدراك وجودِها سهلٌ، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المادَّةُ المَذُوقةُ قابلةً للذوبان في الماء، أما المواد غيرُ القابلة للذوبان كالطباشير مثلًا، فإنها تكون عديمة الطعم. فالطعام لا نُحِسُّ بطعمه إلا عند وصوله إلى الفم، وبعد ذوبانه في اللُّعاب، فإن ذلك يرجِعُ إلى النهايات العصبية المرتبطة ببراعم الذوق وتتأثر بالتغييرات الكيميائية، ولذلك - كما سبق - يطلق على حاسة الذوق والشم أنها حواس كيميائية. وقد لاحظ العلماء تأثيرَ بعض الأدوية التي تقلل أو تغير من حاسة التذوق؛ مثل: مضادات الاكتئاب، وبعض أدوية علاج ضغط الدم المرتفع، وبعض أدوية علاج المياه الزرقاء (ضغط العين المرتفع) ، وغيرها، كما تؤثر الحالة النفسية على حاسَّة التذوق؛ فالفرح أو البهجة يعطي الأطعمة والأشربة طعمًا ألذَّ، أما الحزن أو القلق، فيُفقِدها طعمَها الطيِّب. وأُرِيد أن أطرح عليك سؤالًا أخي القارئ: هل توقَّف أحدٌ منا وهو يتناول طعامه، وتساءل: كيف يتذوق الطعام، ويشعر بطعمه على لسانه؟ وماذا يحدث لو أصيبت حواس التذوق أو الشم بأي خلل؟ فنحن بلا شك مَدِينُون في وجود هذه النِّعم لله تعالى الذي خلقها وسخَّرها لنا، وصدق رب العزة إذ يقول: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].
اشتهار المذهب الأشعري وانتشاره في الأمصار بسبب تعصب بعض السلاطين له
د. محمد بن عبدالله المقشي
04-08-2018
13,114
https://www.alukah.net//culture/0/128476/%d8%a7%d8%b4%d8%aa%d9%87%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%b9%d8%b1%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d8%b3%d8%a8%d8%a8-%d8%aa%d8%b9%d8%b5%d8%a8-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d9%84%d9%87/
اشتهار المذهب الأشعري وانتشاره في الأمصار بسبب تعصب بعض السلاطين له قال الحافظ ابن الجوزي (المت وفى: 597هـ) في "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم " (6 /332): "وكان [أي: أبو الحسن الأشعري] على مذهب المعتزلة زمانًا طويلًا، ثم عَنَّ له مخالفتُهم، وأظهر مقالةً خبطت عقائد الناس، وأوجبت الفتن المتصلة، وكان الناس لا يختلفون أن هذا المسموع كلام الله، وأنه نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم، فالأئمة المعتمَد عليهم قالوا: إنه قديم، والمعتزلة قالوا: مخلوق، فوافَقَ الأشعريُّ المعتزلةَ في أن هذا مخلوق، وقال: ليس هذا كلامَ الله؛ إنما كلامُ الله صفةٌ قائمةٌ بذاته، ما نزَل ولا هو ممَّا يُسمَع، وما زال منذ أظهر هذا خائفًا على نفسه لخلافه أهلَ السُّنَّة، حتى إنه استجار بدار أبي الحسن التميمي حَذَرًا من القتل، ثم نبغ أقوام من السلاطين، فتعصَّبُوا لمذاهبه، وكثُر أتباعُه، حتى تركت الشافعيةُ مُعتقَدَ الشافعي، ودانُوا بقول الأشعري". وقال محيي الدين عبدالواحد المراكشي (المتوفى: 647هـ) في كتابه " المعجب في تلخيص أخبار المغرب " (ص: 139): "كان جل ما يدعو [أي: ابن تومرت] إليه علم الاعتقاد على طريق الأشعرية، وكان أهل المغرب على ما ذكرنا يُنافِرون هذه العلوم، ويعادون مَنْ ظهرت عليه، شديدًا أمرهم في ذلك". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (المتوفى: 728هـ) كما في مجموع الفتاوى (11 / 478). "واستحل [أي: ابن تومرت] دماء ألوف مؤلَّفة من أهل المغرب المالكية الذين كانوا من أهل الكتاب والسنة على مذهب مالك، وأهل المدينة يقرؤون القرآن والحديث؛ كالصحيحين والموطأ وغير ذلك، والفقه على مذهب أهل المدينة، فزعم أنهم مُشبِّهة مُجَسِّمة، ولم يكونوا من أهل هذه المقالة، ولا يُعرَف عن أحد من أصحاب مالك إظهار القول بالتشبيه والتجسيم". وقال الحافظ أبو عبدالله الذهبي (المتوفى: 748هـ) في "العبر في خبر من غبر" (2 / 422): "وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها، وكان أهل المغرب على طريقة السَّلَف يُنافِرون الكلام وأهله". وفي " سير أعلام النبلاء "؛ للحافظ الذهبي (14 / 382): "قال اليسع بن حزم: سمَّى ابن تومرت المرابطين بالمجسِّمين، وما كان أهل المغرب يَدينون إلَّا بتنزيه الله تعالى عمَّا لا يجب وصفه بما يجب له، مع ترك خوضهم عمَّا تقصر العقول عن فَهْمِه، إلى أن قال: فكفَّرَهم ابن تومرت لجهْلِهم العَرَضَ والجَوْهَر، وأن مَن لم يعرف ذلك لن يعرف المخلوق من الخالق...". وفي طبقات الشافعية الكبرى (8/230)؛ للتاج السبكي الشافعي الأشعري (المتوفى: 771هـ) ما نصه: "وقال [أي: العز بن عبدالسلام] الذي نعتقد في السلطان؛ [أي: الملك الأشرف، وكان ممَّن يعتقد الصوت والحرف] - أنه إذا ظهر له الحقُّ يرجِع إليه، وأنه يُعاقِب من موَّهَ الباطلَ عليه، وهو أَولى الناس بموافقة والده السلطان الملك العادل تغمَّده الله برحمته ورضوانه؛ فإنه عزَّر جماعةً من أعيان الحنابلة المبتدعة تعزيرًا بليغًا رادعًا، وبدع بهم وأهانهم". وفي طبقات الشافعية الكبرى (8/ 238) أيضًا: "ولم يزل الأمر؛ [أي: إمساك الفريقين عن الخوض في مسألة الكلام والحرف والصوت، بعد أن أمر الملك الأشرف بذلك]، مستمرًّا على ذلك إلى أن اتَّفق وصول السلطان الملك الكامل رحمه الله إلى دمشق من الديار المصرية، وكان اعتقاده صحيحًا، وهو من المتعصبين لأهل الحق، قائل بقول الأشعري رحمه الله في الاعتقاد ... فعند ذلك ذلَّتْ رِقابُ المبتدعة، وانقلبوا خائبين، وعادوا خاسئين ﴿ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ﴾ [الأحزاب: 25]، وكان ذلك على يد السلطان الملك الكامل رحمه الله". وقال الحافظ ابن كثير (المتوفى: 774هـ) في "البداية والنهاية" (12/231): "فعظُم شأنُه [أي: ابن تومرت]، وارتفع أمرُه، وقويَتْ شوكتُه، وتسمَّى بالمهدي، وسمَّى جيشَه جيشَ الموحِّدين، وألَّف كتابًا في التوحيد وعقيدة تُسمَّى المرشدة". وقال العلامة ابن خلدون (المتوفى: 808هـ) في "تاريخه" (6/302): "وذهب [أي: ابن تومرت] إلى رأيهم [أي: أئمة الأشعرية كالغزالي] في تأويل المتشابه من الآي والأحاديث، بعد أن كان أهل المغرب بمعزل عن أتباعهم في التأويل، والأخذ برأيهم فيه، اقتداءً بالسَّلَف في ترك التأويل، وإقرارِ المتشابهات كما جاءت، ففطن أهل المغرب في ذلك، وحملهم على القول بالتأويل والأخذ بمذاهب الأشعرية في كافة العقائد". وقال العلامة تقي الدين المقريزي الشافعي (المتوفى: 845هـ) في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (4 / 166167): "وأما العقائد فإن السلطان صلاح الدين حمل الكافة على عقيدة الشيخ أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، تلميذ أبي علي الجبائي، وشرط ذلك في أوقافه التي بديار مصر؛ كالمدرسة الناصرية بجوار قبر الإمام الشافعي من القرافة، والمدرسة الناصرية التي عُرِفَتْ بالشريفية بجوار جامع عمرو بن العاص بمصر، والمدرسة المعروفة بالقمحية بمصر، وخانكاه سعيد السعداء بالقاهرة، فاستمرَّ الحال على عقيدة الأشعري بديار مصر وبلاد الشام وأرض الحجاز واليمن، وبلاد المغرب أيضًا لإدخال محمد بن تومرت رأيَّ الأشعري إليها، حتى إنه صار هذا الاعتقاد بسائر هذه البلاد، بحيث إن من خالفه ضُرِبَ عُنقُه، والأمر على ذلك إلى اليوم". وقال أيضًا (4/192): "انتشر مذهب أبي الحسن الأشعري في العراق من نحو سنة ثمانين وثلاثمائة، وانتقل منه إلى الشام، فلما ملك السلطان الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب ديار مصر، كان هو وقاضيه صدر الدين عبدالملك بن عيسى بن درباس الماراني على هذا المذهب، قد نشآ عليه منذ كانا في خدمة السلطان الملك العادل نور الدين محمود بن زنكي بدمشق، وحفظ صلاح الدين في صباه عقيدة ألَّفها له قطب الدين أبو المعالي مسعود بن محمد بن مسعود النيسابوري، وصار يحفظُها صِغارُ أولاده؛ فلذلك عقدوا الخناصر وشدُّوا البنان على مذهب الأشعري، وحملوا في أيام دولتهم كافة الناس على التزامه؛ فتمادى الحال على ذلك جميع أيام الملوك من بني أيوب، ثم في أيام مواليهم الملوك من الأتراك، واتفق مع ذلك توجُّه أبي عبدالله محمد بن تومرت أحد رجالات المغرب إلى العراق، وأخذ عن أبي حامد الغزالي مذهب الأشعري، فلما عاد إلى بلاد المغرب وقام في المصامدة يُفقِّهُهم ويُعلِّمهم، وضع لهم عقيدة لقفها عنه عامَّتُهم، ثم مات فخلفه بعد موته عبدالمؤمن بن علي القيسي، وتلقَّب بأمير المؤمنين، وغلب على ممالك المغرب هو وأولاده من بعد مدة سنين، وتسمَّوا بالموحِّدين؛ فلذلك صارت دولة الموحِّدين ببلاد المغرب تستبيح دماء من خالف عقيدة ابن تومرت؛ إذ هو عندهم الإمام المعلوم، المهدي المعصوم، فكم أراقُوا بسبب ذلك من دماء خلائق لا يُحصِيها إلا اللهُ خالِقُها سبحانه وتعالى، كما هو معروف في كتب التاريخ. فكان هذا هو السبب في اشتهار مذهب الأشعري وانتشاره في أمصار الإسلام، بحيث نُسِي غيرُه من المذاهب وجُهِل، حتى لم يَبْقَ اليوم مذهبٌ يُخالفه، إلا أن يكون مذهب الحنابلة أتباع الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه، فإنهم كانوا على ما كان عليه السلف، لا يرون تأويل ما ورد من الصفات". وقال الحافظ جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) في كتاب " الوسائل إلى مسامرة الأوائل " (ص: 15): "فلما وَلِيَ السلطان صلاح الدين بن أيوب أمر المُؤذِّنين أن يُعلِنوا في وقت التسبيح [أي: الذي يكون في السحر على المنبر] بذكر العقيدة الأشعرية، فواظب المؤذِّنون على ذكرها كلَّ ليلة إلى وقتنا هذا". وقال العلامة محمد بن علان الصديقي الشافعي الأشعري (المتوفى: 1057هـ) في " الفتوحات الربَّانية على الأذكار النواويَّة " (2/113): "فلما ولي صلاح الدين بن أيوب، وحمَل الناس على اعتقاد مذهب الأشعري - أمر المؤذِّنين أن يُعلِنوا وقت التسبيح بذكر العقيدة الأشعرية التي تُعرَف بالمرشدية، فواظَبُوا على ذكرها كلَّ ليلة". وقال شهاب الدين أبو العباس السلاوي (المتوفى: 1315هـ) في كتابه " الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى " (1/ 196197): "وأما حالهم [أي: أهل المغرب الأقصى] في الأصول والاعتقادات، فبعد أن طهَّرهم الله تعالى من نزعة الخارجية أولًا، والرافضية ثانيًا، أقاموا على مذهب أهل السنة والجماعة مُقلِّدين للجمهور من السَّلَف رضي الله عنهم... واستمرَّ الحال على ذلك مدة إلى أن ظهر محمد بن تومرت مهدي الموحِّدين في صدر المائة السادسة، فرحَل إلى المشرق، وأخذ عن علمائه مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري ومتأخِّري أصحابه من الجزم بعقيدة السلف مع تأويل المتشابه من الكتاب والسنة، وتَخريجه على ما عُرِف في كلام العرب من فنون مجازاتها وضُروب بلاغاتها، ممَّا يوافق عليه النقل والشرع، ويسلم به العقل والطَّبْع. ثم عاد محمد بن تومرت إلى المغرب ودعا الناس إلى سلوك هذه الطريقة، وجزم بتضليل من خالفها بل بتكفيره، وسمَّى أتباعه الموحِّدين تعريضًا بأن من خالف طريقته ليس بموحِّد، وجعل ذلك ذريعةً إلى الانتزاء على ملك المغرب... ومن ذلك الوقت أقبل علماء المغرب على تعاطي مذهب الأشعري وتقريره وتحريره درسًا وتأليفًا إلى الآن، وإن كان قد ظهر بالمغرب قبل ابن تومرت فظهورًا ما، والله أعلم".
شبكات التواصل الاجتماعي: ضوابط وحدود
د. محمد ويلالي
26-06-2018
94,016
https://www.alukah.net//culture/0/127735/%d8%b4%d8%a8%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%b5%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d8%b6%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%b7-%d9%88%d8%ad%d8%af%d9%88%d8%af/
شبكات التواصل الاجتماعي ضوابط وحدود لا شَكَّ أن الإسلام دينُ التواصُل بامتياز؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13]، ومهمة التبليغ التي تقلَّدها النبي صلى الله عليه وسلم تعتمد على التواصُل الإيجابي مع المدعُوين؛ كما قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾ [الأحزاب: 45]. وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتواصل شفويًّا، فقد تواصَل أيضًا كتابيًّا؛ قال أنس رضي الله عنه: "كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبَّارٍ يدعُوهم إلى الله تعالى"؛ مسلم. وكتب معاوية إلى المغيرة بن شُعْبة أن اكتُبْ إليَّ بشيءٍ سمِعْتَهُ من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه: سمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ اللهَ كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))؛ متفق عليه. أما الضوابط الشرعية لتقنين التعامُل مع هذه المواقع فكثيرةٌ، يمكن إجمالُ أهمِّها في اثني عشر ضابطًا: 1- النيَّة الحسنة التي تتقصد النفع للغير، وتحقيق مصلحته، لا التشويش عليه، وإهدار أوقاته؛ قال تعالى: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، و((إنما الأعمال بالنيات...))؛ متفق عليه. فأخْلِص النِّيَّةَ في اقْتِنائها واغْنَمْ رِضا الرَّحْمنِ من جَرَّائِها بِنَشْرِكَ المقاطِعَ المفيدهْ في الفِقْهِ والآدابِ والعَقِيدهْ فلا بُدَّ أن تُصاحِبَ التواصُلَ الغايةُ النبيلةُ، والنيَّةُ الطيِّبةُ، والوسيلةُ النظيفةُ، أما أن يكون القصد مجرد الثرثرة الفارغة، وضياع الأوقات الثمينة، واستفزاز الآخرين بالألفاظ الشائنة، وتتبُّع العَورات المصونة؛ فذلك ممَّا يستقبحه شرعُنا، ويَمجُّه دينُنا: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]. 2- ألَّا تكون هذه المواقع سببًا في الإشغال عمَّا هو أهمُّ؛ كالعبادات، ورعاية الأبناء، وطاعة الأبوَينِ، وطلب العلم النافع، وصِلة الأرحام، وغيرها، ومن جميل ما يدلُّ على ذلك، ما رواه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتَّخذ خاتمًا فلَبِسَه؛ فقال: ((شَغَلَني هذا عَنْكُمْ منذ اليوم، إليه نَظْرةٌ، وإليكم نَظْرةٌ))، ثم ألقاه"؛ صحيح سنن النسائي. هذا مجرد خاتم أخذ النَّظَرُ إليه من وقت الرسول صلى الله عليه وسلم ما شغله عن دعوة أصحابه، فكيف بهذه البرامج الجذَّابة التي تأخُذ بالألباب، وتدخل على المستعمل مِن كلِّ باب؟! ترى رؤوسَ القَوْمِ دَوْمًا مُطْرِقهْ *** على الجهاز والعُيُون مُحْدِقهْ فقد صرنا نرى بعض الأُسَرِ قد انْزَوى أفرادُها في الغُرَف، كلٌّ مُنْشَغِلٌ بهاتفه، أو بلوحته، أو بحاسوبه، لا الآباء يجدون وقتًا لتوجيه أبنائهم، ولا الأبناءُ يجدون وقتًا للاستماع لآبائهم، كلٌّ يعيش عالمه، ويُكلِّم نفسَه، ويُناجي آلتَه، وربَّما انتهى الأمرُ ببعضهم إلى القبوع في مراكز علاج الإدمان التي أُنْشِئَتْ في العديد من الدول. 3- ومن أعظم الضوابط لاستعمال هذه البرامج - التثبُّت من نَقْل الأخبار بقراءتها أولًا، ثم التأكُّد من صحَّتها، وصحة نسبتها لقائلها؛ حتى لا نُروِّج للأكاذيب، ولا ننشُر الأراجيفَ، ولا نكون سببًا في نَشْر الهَلَع والخوف بين الناس، بسبب خبرٍ زائفٍ، أو تحذيرٍ كاذبٍ؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ [الحجرات: 6]. وإن إرسال الرسائل من غير تثبُّت مظنَّةٌ للكذب والزُّور، ولو مِن غير قصدٍ، وبخاصة حينما تَصْدُر الرسالةُ ممَّن يثق الناسُ به، فيعتقدون صِحَّتَها من غير سؤالٍ عن حقيقة محتواها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كَفَى بالمرءِ كَذِبًا أن يُحدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ))؛ مسلم. قال النووي رحمه الله: "فيه الزَّجْر عن التحديث بكُلِّ ما سمِعَ الإنسانُ، فإنه يسمع في العادة الصِّدْق والكذب، فإذا حدَّثَ بكُلِّ ما سمِعَ، فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكُن". إنَّ طُولَ الصَّمْتِ خيرٌ للفَتى *** مِنْ مَقالٍ فيه عِيٌّ وبَكَمْ قال قتادة رحمه الله: "لا تقل: رأيتُ ولم تَرَهُ، وسمِعْتُ ولم تسمَعْه، وعلِمْتُ ولم تَعْلَمْه". وقال عمر رضي الله عنه: "إيَّاكم والفِتَنَ، فإن وَقْعَ اللِّسان فيها مثلُ وقْعِ السيف". فكَمْ أفْسَدَ الرَّاوي كَلامًا بِنَقْلِه *** وكَمْ حَرَّفَ المنْقُولَ قَوْمٌ وصَحَّفُوا وقد شاعت أخبارٌ كاذبةٌ يقصد أصحابُها تشويه صورة الإسلام، وإحداث الفِتَن بين الناس، وشغلهم عمَّا خُلِقُوا من أجله؛ مثل: قصة الشاب الذي فتحوا قبرَه بعد ثلاث ساعات، فوجدوه مُتفحِّمًا من أثر عذاب القبر، وليست صورتُه سوى صورةِ جُثَّة فتاة احترقَتْ في حادثٍ، وقصة رائد الفضاء أرمسترونغ الذي أُشِيعَ عنه أنه سمِعَ الأذان على سطح القمر فأسلَم، وقد عقد هو نفسه مؤتمرًا صحفيًّا نفى فيه هذا الخبر جملةً وتفصيلًا، ومن ذلك نشرهم صورةً وهميَّة من داخل قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر هابيل، وكل ذلك مزوَّر ملفَّق، لا أساس له من الصِّحة، ومن ذلك الأخبار حول احتراق جُثَّة الرسَّام الدانماركي المستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم في رسوماته، وقد ظهر عدة مرات في وسائل الإعلام بعد ذلك. ومن هذا الكذب السافر انتحالُ صفات غير حقيقية، أو ادِّعاء أسماء ووظائف مكذوبة، أو تقمُّص شخصيات غير واقعية، كالمرأة تنتحل صفة الرجل، والرجل ينتحل صفة المرأة، أو التاجر ينتحل صفة أستاذ، أو الموظف ينتحل صفة رجل الأعمال، وغير ذلك من الأكاذيب التي لا يُقصَد بها سوى إيقاع الطرف الآخر في الوهم، أو التحايُل عليه؛ إما لزواج مشبوه، أو تجارة وهميَّة، أو طلب تشغيل مُزيَّف، وغير ذلك. انْتَقِ ما يفِيدُ مِنْ مَنْقُولِكا وَضَمِّنَ الْحِكْمةَ في مَقُولِكَا وكُنْ لِما تَنْقلُه مُحقِّقًا مُراجِعًا ألفاظَهُ مُدَقِّقَا 4- تجنَّب السخرية بالأشخاص، ووضع الصور الكاريكاتورية المشوِّهة لهم؛ لأنه من باب تغيير خَلْق الله، وتشويه صورة الإنسان التي خلَق الله تعالى عليها عِبادَه، وبخاصَّةٍ حينما تصحبُها التعليقات المضحكة، والألفاظ الساخرة، والألقاب النابزة، والعبارات اللامزة التي تزيد من تشويه الصورة، وتُمعن في إضحاك الناس منها؛ يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، قال ابن كثير رحمه الله: "وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المحتقَر أعظمَ قدرًا عند الله، وأحَبَّ إليه من الساخر منه المحتقِر له"، وهذا لا شَكَّ من البذاءة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ((ليس المؤمِنُ بالطَّعان، ولا اللَّعَّان، ولا الفاحِش، ولا البذيء))؛ صحيح سُنَن الترمذي. 5- التحفُّظ الشديد من نَشْر الصور الشخصية، وصور أفراد الأسرة؛ ممَّا قد يفضَح الأسرار، ويَهتِك الأستار، حين تتسرَّب الصُّورُ من الصِّغار، تظهر الأُمَّهات في أوضاع بائسة، ومن الأزواج تظهر الزوجات مُتبرِّجات بزينة، ومن الصديقات بنشر صور صديقاتهنَّ في الأماكن المشبوهة، ومن الأقارب بنشر صور الحفلات والأعراس، وفيها مِن العفيفات مَنْ يَتَحفَّظْنَ مِن نشر صورهنَّ مُتزيِّنات، وبخاصة إذا تدخَّلت يدُ الفوتوشوب، فزادت من التشويه والتمييع! وقد يعثر أحدُهم على صورٍ لا يرتضيها أصحابُها، قد سترها الله عليهم، فيَنثُرُها على صفحات هذه المواقع، وبخاصة حين تُصحَب بعبارات كاذبة، أو نعوت مُغْرِضة. وكم أدَّى هذا التصرُّف البئيس إلى حالات من الخصومة، ترتقي أحيانًا إلى حالات من المشاجرة والمعاركة بين الأصدقاء أو الجيران، وإلى صور من الطلاق بين الأزواج، وقد صارت هذه المواقع مسؤولةً عن 50% منها في إحدى البلاد العربية؟! 6- ترشيد الوقت، والحذر من الانغماس وراء تتبُّع الصفحات التي تُفضِي بالمستعمل إلى صفحات أخرى، وهذه تُحيلُه على موضوعات أخرى، وهذه تُبحِر به في عوالم أخرى، فيجد الساعات ذوات العدد قد انفلتَتْ منه وهو لا يدري، حتى وجدنا من الشباب من يستمرئ قضاء ست ساعات متواليات خلف شاشة الهاتف، وقد ينام وهاتفُه بين يديه، ويستيقظ وهو بين يديه، ثم مع ذلك نُلْفِيه يستثقل قراءة القرآن الكريم نصف ساعة في اليوم، وقد صرح أحد الشباب بأن أحد هذه المواقع يستحوذ على 70% من حياته. وفي دراسة أكاديمية لنيل شهادة الماستر أُجْرِيَتْ على عيِّنة من الأزواج في بلد عربي، تبيَّنَ أن 90% منهم لهم حساب في موقع تواصُلِي مشهور ( الفيس بوك )، وأن 32% منهم يقضون معه ثلاث ساعات في اليوم، في حين يقضي معه 40% أربع ساعات فما فوق، وأكثر من 32% ساءَتْ علاقاتُهم مع زوجاتهم بعد استعمال الحساب، وعبَّر 28% منهم عن استعمالهم الموقِعَ لتَتَبُّع الأخبار، و22% لملء الفراغ، و18% للتواصُل مع الأصدقاء، ولكن الخطير أن 32 %منهم يستعملونه لإقامة علاقات مع الجنس الآخر، كما تبيَّنَ أن 21.5% يستعملونه في المقهى، و32% في العمل، و36% في البيت، وأن 43% يستعملونه ليلًا. كما لُوحِظَ أن وقت تجاذُب الحديث مع أفراد الأسرة نقص بنسبة 50%، وأن 65% من الأزواج لم يعودوا يُقدِّمُون هدايا لزوجاتهم في المناسبات، كما صار الموقِع يتسبَّب في المشاكل الأُسريَّة بنسبة 61%. وصدق من قال: إن شبكات التواصُل قَطَعَتْ التواصُل، وكل هذا يستدعي إعادة النظر في استعمال هذه الشبكات، وتوجيهها في وجهتها الصحيحة. 7- الحذر من الآثار الصحيَّة السلبية على المستعمل؛ حيث خلَصت الدراسات في هذا الشأن إلى أن الاستخدام المفرِط لمواقع التواصُل الاجتماعي، قد يضع الشخص تحت ضغط وتوتُّر زائدين، ليُصبِح بذلك أكثرَ عُرْضةً للإصابة بنوبات الاكتئاب والقَلَق، ووجد الباحثون بجامعة بيتسبورغ الأمريكية أن الأشخاص الذين يستخدمون من 7 إلى 11 موقِعًا للتواصُل الاجتماعي، يرتفع بينهم خطرُ التعرُّض للاكتئاب والقَلَق بمعدل ثلاثة أضعاف المستخدمين الآخرين ممَّن يمتلكون حسابًا واحدًا أو حسابين. كما أشار أحد الأطباء المختصِّين إلى أن تعدُّد منصَّات التواصُل الاجتماعي، يُؤثِّر سَلْبًا على القُدرات العقلية والصِّحَّة النفسية والمعرفية للشخص. أما إفراط الأطفال في استعمال هذه المواقع في سِنٍّ مبكرةٍ، فيُعرِّضهم للإصابة ببعض حالات التوحُّد، والعُزْلة، والاكتئاب، والإحباط، واضطراب النوم، وضَعف الجهاز المناعي، والعادات السيئة في النظام الغذائي، فضلًا عن اكتساب عادات سيئة؛ كالكسل، والسِّمنة، وضَعف الإقبال على ممارسة الرياضة، والابتعاد عن التواصُل الحقيقي للمجتمع، وحتى عن باقي أفراد الأسرة، كما يُصيبهم بالتوتُّر والإجهاد المُفضِيينِ إلى القَلَق والغضب والغيرة، فضلًا عن ضَعْف التركيز في المذاكرة، والتشتُّت الدائم في التحصيل. 8- براءة القلب وسلامته عند التواصُل مع الآخر؛ سواء كان من الجنس نفسه، أم من الجنس الآخر، وهذا يقتضي حفظ القلب؛ حتى لا ينساق مع العبارات العاطفية، وحفظ النفس؛ حتى لا تسترسل في الحوارات غير المجدية، وحفظ اللسان؛ حتى لا ينطق بالألفاظ المخِلَّة، والله تعالى يقول: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ))؛ متفق عليه. وقد يتمُّ التواصُل اللفظي أو المكتوب بين رجل وامرأة، إذا اقتضتْه مصلحةٌ شرعيةٌ، كتداول أمور العمل بالنسبة للموظَّفين، أو السؤال عن أمور الدين، كما كان يجري بين الصحابة وعائشة رضي الله عنها، كما قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: "ما أشكَل علينا - أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قطُّ، فسألنا عائشة - إلَّا وجدنا عندها منه عِلْمًا"؛ صحيح سنن الترمذي. لكن لا يكون ذلك ذريعةً للاسترسال في الكلام غير النافع، واستمراء الإطالة في الحوار، وتجاذُب أطراف الحديث من غير طائل، بل يُشترَط لذلك شروطٌ، من أهمِّها تجنُّب الخضوع في الكلام، واللين في القول، واستعمال الألفاظ الموحية، والعبارات المتغنِّجة؛ لقوله تعالى: ﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾ [الأحزاب: 32]. قال القرطبي المفسِّر رحمه الله: "لا تُلِنَّ القول، أمرَهنَّ الله أن يكون قولهنَّ جَزْلًا، وكلامهنَّ فصْلًا، ولا يكون على وجهٍ يُظهرُ في القلب علاقةً بما يَظهَرُ عليه مِن اللين". وقال أبو العباس القرطبي: "فإنَّا نُجيز الكلام مع النساء للأجانب، ومحاورتهنَّ عند الحاجة إلى ذلك، ولا نُجيز لهن رفعَ أصواتهنَّ، ولا تَمطيطها، ولا تَليينها وتقطيعها؛ لِما في ذلك مِن استمالة الرجال إليهنَّ، وتحريك الشهوات منهم". مع وصاية الرجل والمرأة بتجنُّب الخلوة الإلكترونية، حين يتصيَّدان الأوقات المناسبة، ويتكلَّمان وحدَهما، مع اعتقاد أنْ لا رقيب عليهما من الناس؛ فإن الله تعالى لا تَخفى عليه خافية. وبعض الشباب يتقصَّدون الحديث مع الفتيات، لإيقاعهنَّ في حَمأة الكلمات المعسولة، والعبارات المائلة المُميلة، والوعود الطامعة الكاذبة. ويجب على الفتاة أن تحذَر مِن إدراج يومياتها المفصَّلة على صفحتها، ونشر صورها، وأحوال أسرتها، وأسرار بيتها؛ احتياطًا من عين حاسد، أو مُتجسِّس، أو متربِّصٍ، مع تجنُّب موضة الإعجابات التي تفعل الأفاعيل في القلوب، وبخاصة قلوب الفتيات! خَدَعُوها بقَوْلهم حَسْناءُ والغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَّناءُ نَظْرةٌ فابْتِسامةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فمَوْعِدٌ فَلِقاءُ فاتَّقُوا اللهَ في قُلُوبِ العَذارى فالعَذَارى قُلُوبُهُنَّ هَواءُ 9- يُشترط في الكتابة التواصلية أن تكون صادقةً لا لَبْسَ فيها ولا تزويرَ، وأن تكون كلماتُها عربيةً واضِحةً، يُراعَى فيها قواعدُ الإملاء والنحو؛ حِفاظًا على جماليتها، وسلامة التعبير بها، وليست خليطًا من اللُّغات والرموز والطلاسم غير المتجانسة التي تُفسِد الذَّوْق، وتجني على مَلَكةِ التعبير السليم، وتُعمِّق الضَّعْف اللُّغوي الذي يُعاني منه كثيرٌ من أبنائنا، مع تحرِّي الصِّدْق، والقَصْد في الكلام، وتجنُّب الهزل الثقيل، والإسهاب المليل، وقليلٌ مفيدٌ خيرٌ من كثيرٍ مُملٍّ. وفي الحديث الشريف: ((مَنْ دعا إلى هُدًى، كان له من الأجْرِ مثل أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَنْ دَعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقُص ذلك من آثامِهم شيئًا))؛ مسلم. لا تُكْثِرَنْ مِنَ المزاحِ والهَزَلْ ولا تُسايِرَنْ مُرِيدًا للْجَدَلْ ولا تَكُنْ كالزَّائرِ الثَّقِيلِ أو تُشْغِلِ القُرَّاءَ بالفُضُولِ 10- حفظ العبادات والأعمال الصالحة من الرياء والسُّمْعة، كالذي ينشر صوره وهو في الحجِّ أو العُمْرة من غير سببٍ إلَّا الإعجاب بالنفس، وحب الظُّهور، أو يُصوِّر نفسه وهو يُوزِّع الصَّدَقات في رمضان، أو يتحدَّث عن صيامه وصلاته وزكاته ممَّا يجب أن يبقى سِرًّا بين العبد وربِّه. 11- احترام الجليس بترك الانشغال عنه بالهاتف، وبخاصة إذا كان هذا الجليس أبًا أو أُمًّا، ففي ذلك من قلة الاهتمام، وعدم الاحترام ما لا يليق بالضيف أو الزائر؛ قال سعيد بن العاص: "لجليسي علي َّثلاثٌ: إذا أقبل وسَّعْتُ له، وإذا جلَس أقبلْتُ إليه، وإذا حدَّثَ سمِعْتُ منه". 12- التعامُل مع المخالف باللِّين، ومجادلته بالتي هي أحسن، وبكامل اللباقة والأدب، مع ترك الألفاظ الجارحة، والأساليب القاسية التي قد تتحوَّل أحيانًا إلى سَبٍّ وشَتْمٍ، مهما بالَغ هو في المقاذفة والمقاذعة، وأمعَن في المشاتمة والشماتة؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرِّفْقَ لم يكن في شيء قَطُّ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ قَطُّ إلا شانَه))؛ مسلم. إذا رُمْتَ أنْ تَحْيا سَلِيمًا مِن الرَّدَى ودِينُكَ مَوفُورٌ وعِرْضُكَ صَيِّنُ فَلا يَنْطِقَنْ مِنْكَ اللِّسانُ بِسَوْأةٍ فكُلُّكَ سَوْءاتٌ وللنَّاسِ أعْيُنُ
الشيخ عبد الله هاشم يماني المدني، محب السنة وخادمها
د. علي أحمد عبدالباقي
25-06-2018
8,427
https://www.alukah.net//culture/0/127710/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%87%d8%a7%d8%b4%d9%85-%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%86%d9%8a%d8%8c-%d9%85%d8%ad%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%ae%d8%a7%d8%af%d9%85%d9%87%d8%a7/
سلسلة: علماء ومفكرون وأدباء (1) الشيخ عبد الله هاشم يماني المدني، محبُّ السنة وخادمها [1] هو عبد الله بن هاشم بن حسن بن محمد بن أحمد يماني، المدني، ولد بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من شهر صفر سنة 1333هـ، الموافق للثاني عشر من ديسمبر سنة 1914م بحوش درج الواقع بين مدخل زقاق الطيار ومدخل زقاق القشاشي [2] . توفي والده وهو صغير فتكفَّل بتربيتِه جدُّه لوالدِه السيد حسن بن محمد بن أحمد يماني الذي تعلَّم على يديه القراءةَ والكتابةَ وأتمّ حفظ القرآن، ودرس عليه الفقه الحنفي ، ثم تنقل بين حلقات المسجد النبوي الشريف، وعمل بالتجارة، لكن لم تشغله التجارة عن القراءة وطلب العلم، فكان يقضي وقت فراغه في مطالعة الكتب، وشغِف بها حتّى جمع مكتبةً كبيرةً تضمُّ أكثر من 1500 كتاب في مختلفِ الفنون. اهتم بكُتُبِ السُّنَّةِ النَّبوية فطَبع عددًا من الأصولِ واعتنَى بها وأخرَجها في صورةٍ رائقةٍ ظلَّت مرجعًا ومعتمدًا للعلماء وطلبة العلم فترة طويلة من الزَّمن، وكان يوقِّع مقدماتِه لهذه الكتب بقوله: «محبُّ السُّنَّةِ وخادمُها» ، والأغلبُ أنَّه لم يكن يعتمدُ في طباعةِ هذه الكتب على أصولٍ خطيَّة، وإنَّما كان يعتمدُ في إخراجِها على طبعات قديمةٍ صدرتْ في الهندِ فكان يُعيدُ تصحيحَها وتخريجَها والتَّعليقَ عليها، وقد يسرَّ الله له طباعةَ الكتبِ التَّالية: (1) « سنن الدارمي »، للإمام أبي محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت254هـ)، طبع بالمدينة النبوية سنة 1386هـ ، ثم أعيد طبعه مرَّة أخرى بباكستان، دار نشر أكادمي، سنة 1404هـ، في مجلدين. (2) كتاب « المنتقى من السنن المسندة عن سيدنا المصطفى »، المشهور بـ « المنتقى »، لابن الجارود، وذيَّله بكتاب: « تيسير الفتاح الودود في تخريج المنتقى لابن الجارود »، من تأليفه، قال عنه: « قمت بتخريج المنتقى تخريجًا متقنًا يسرُّ النّاظرَ المنصف» ، وهو مطبوع في القاهرة سنة 1382هـ / 1963م. في (384 صفحة)، في مطبعة الفجالة الجديدة. (3) « سنن الدارقطني »، للإمام الحافظ علي بن عمر الدارقطني (ت385هـ)، وبذيله كتاب: «التعليق المغني على الدارقطني» ، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (ت1329هـ)، طبع بشركة الطباعة الفنية المتحدة، بالمدينة النبوية، سنة 1966م، ثم أعيد طبعه بدار المحاسن للطباعة بالقاهرة، سنة 1386هـ. وهو مطبوع على النسخة الهندية المطبوعة بدلهي سنة 1306هـ / 1888م. (4) « تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير »، للحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852هـ)، حققه وعلَّق عليه تعليقًا وجيزًا حسبما يقتضيه المقام، طبع في دار الطباعة الفنية الحديثة بالقاهرة سنة 1384هـ / 1964م . (5) « الدراية في تخريج أحاديث الهداية »، للحافظ ابن حجر (ت852هـ)، اختصره من كتاب « نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية »، للحافظ جمال الدين الزيلعي (ت)، وقد بين السيد عبد الله هاشم يماني منهجه في إخراج الكتاب فقال: «خرجنا الكثير من الأحاديث واستوعبنا ذكر مخرجيها وعزوناها إليهم ممن لم يذكرهم ابن حجر وذكرنا أسباب الضعف وأشرنا أيضًا إلى الراجح الذي يوجبه الدليل، رائدنا في ذلك تبيان الحقيقة والسير وراء الدليل بقوة كما أننا صححنا في طبعتنا هذه الأغلاط التي وجدناها في الطبعة الهندية التي طبعنا عليها وهي النسخة المطبوعة في مطبعة محبوب المطابع بدلهي». (6) « جمع الفوائد من جامع الأصول ومجمع الزوائد »، لمحمد بن محمد بن سليمان الرُّودَاني المغربي (ت1094هـ)، جمع فيه مؤلفُه أربعةَ عشرَ كتابًا هي أمهاتُ كتبِ السُّنَّةِ وأشهرُها: موطأ الإمام مالك، وصحيح الإمام البخاري، وصحيح الإمام مسلم، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، ومسانيد الإمام أحمد والدارمي وأبي يعلى والبزار، ومعاجم الطبراني الثلاثة: الكبير والأوسط والصغير، وذيَّله بحاشيةٍ سمّاها: «أعذبُ الموارد في تخريجِ جمعِ الفَوائدِ» ، قال عنه: «خرجت أحاديثه لمعرفة درجتها من الصحة والحسن والضعف، وعزوتها إلى مصادرها، نقلًا عن كتب الحفاظ الأجلاء المشهود لهم بطول الباع والنبوغ في هذا العلم، وذلك لإتمام الفائدة المرجوة من هذا الكتاب». (7) « تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة »، للحافظ ابن حجر (ت852هـ)، عني بتصحيحه وتنسيقه وترقيمه وتحقيقه، وطبع بدار المحاسن بالقاهرة سنة 1386هـ ، في (276 صفحة). (8) « أنجح المساعي في الجمع بين صفتي السامع والواعي »، للشيخ المحدث فالح بن محمد الظاهري المدني (ت1289هـ)، صححه وعلق عليه، وطبعه بمكتبة التوعية الإسلامية بالمدينة النبوية سنة 1391هـ في (144 صفحة). (9) « عقود الجواهر المنيفة في أدلة مذهب الإمام أبي حنيفة »، للعلامة محمد بن محمد المرتضى الزَّبيدِي، عني بتصحيحه وتنسيقه، وطبعه بمكتبة عبد الله هاشم بالمدينة النبوية سنة 1382هـ. كانت وفاتُه يومَ الثلاثاء الثالث عشر من شهر شوال سنة 1413 هجرية، السادس من مارس سنة 1993ميلادية، ودُفِن ببقيعِ الغَرْقد، رحمه الله، وأنزل على قبره شآبيب الرحمات، وصلى الله على سيد ولد آدم محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. [1] ترجمته في كتاب «طيبة وذكريات الأحبة» (2 /290)، للأستاذ أحمد أمين صالح مرشد، وله ترجمة مختصرة في كتاب "تتمة الأعلام"، لشيخنا محمد خير رمضان يوسف (5 /360 - طبعة دار الوفاق)، مستفادة بكاملها من المصدر الأول. [2] «طيبة وذكريات الأحبة» (2 / 290).
ارتفاع درجات الحرارة والحياة على هذا الكوكب
أ. عاهد الخطيب
24-06-2018
4,311
https://www.alukah.net//culture/0/127679/%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%b9-%d8%af%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%83%d8%a8/
ارتفاع درجات الحرارة والحياة على هذا الكوكب إذا وُضِع ميزانُ الحرارة في مكان مُظلَّل ومفتوح للهواء الطَّلْق، فإنه يقيس درجة الحرارة العادية أو الجافَّة التي نُشاهِدُها في النشرات الجوية على التلفاز، أما إذا تمَّ تغطية بصيلة الميزان أو مستودعه بقطعة قُطْن مُبلَّلة بالماء أو ما أشبه ذلك، فسوف يُقْرأ ما يُطْلَق عليه اسم درجة الحرارة الرَّطْبة التي هي مقياس مباشر لقُدرة الهواء على تبخير الماء، وتنخفض قيمتُها بشكل كبير عن العادية، إن كان الهواءُ شديدَ الجفاف، وتتساوى الدرجتان العادية والرطبة للهواء في حالة واحدة، وهي عندما يتشبَّع الهواءُ ببخار الماء، وتصل رُطُوبتُه النسبية إلى 100% كما في بعض المناطق الساحلية الحارة عند سكون حركة الرياح التي تفقد فعاليتَها تمامًا على تجفيف السطوح الرَّطْبة في هذه الظروف. على سبيل المثال ، فإن درجة الحرارة الرَّطْبة في منطقة داخلية جافَّة، درجة حرارتها العادية 45 سيلسيوز، ورطوبتها 15% مثل مدينة الرياض في الصيف هي25 درجة تقريبًا، فإذا ارتفعت الرطوبة النسبية، وأصبحت 45% ترتفع درجة الحرارة الرَّطْبة إلى 34 درجة تقريبًا، وفي كلتا الحالتين يمكن لجسم الإنسان تحمُّل هذا الوضْع ما دام يحصُل على حاجته من مياه الشرب التي يتحوَّل جزءٌ منها لعَرَقٍ يُفرِزُه الجلدُ، ليتبخَّر ويقوم بعملية التبريد، للحفاظ على درجة الحرارة الطبيعية للجسم. أما إذا تجاوزتْ درجةُ الحرارة الرطبة 35 درجة؛ أي: إنها اقتربت من درجة الحرارة الطبيعية لجسم الإنسان بأقل من درجتين، فهذا يُؤدِّي إلى عدم قدرة جسم الإنسان على تبخير ما يُفرِزُه الجلد من عَرَق بشكل كافٍ للتبريد؛ ممَّا قد يُشَكِّل نوعًا من الخطر في حالة عدم توافُر وسيلة تبريد خارجية مساعدة، وهذا يعني أنه يجب تأمين الأجواء المكيفة لفترات طويلة في كل الأماكن التي يوجد فيها الناس، ويمارسون فيها أنشطتهم المختلفة، أما إذا تجاوزت درجة حرارة الهواء الرَّطْبة حاجز 37 درجة، فإن الحياة تُصبِح مستحيلةً بدون وسائل تكييف الهواء. تتوقَّع دراسات حديثة لعلماء المناخ في الغرب أن تُصبِحَ بعضُ مناطق العالم غيرَ صالحةٍ للحياة البشرية بسبب التغيُّر المناخي الناتج عن تواصُل ظاهرة الاحتباس الحراري، مع تواصُل ارتفاع درجات حرارة العالم ونِسَب الرطوبة، خصوصًا في بعض المناطق في غضون الخمسين إلى المائة عام القادمة؛ إذ لم يتمكَّن العِلْمُ من توفير حلول جذريَّة لهذه الزيادة المضطردة في درجات الحرارة على مستوى الكرة الأرضية، إضافة - بطبيعة الحال - إلى تواصُل ذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع منسوب المياه في بحار العالم ومحيطاته، واختفاء أجزاء من اليابس في المناطق الساحلية الأكثر انخفاضًا تحت مستوى سطح البحر. وحتى مع الالتزام التام بالاتفاقات الدوليَّة للحَدِّ من انبعاث الغازات والملوثات التي تعمل على تآكُل ونُضُوب طبقة الأوزون، وتُسبِّب ظاهرة الاحتباس الحراري، فمن المتوقَّع لهذه الظاهرة المزيد من التفاقُم نحو الأسوأ، لذلك يعمل العلماء بجدٍّ على إيجاد حلول بديلة تُسرِع في الحدِّ من ارتفاع درجات حرارة الأرض، منها ما بدأ تطبيقه بالفعل على مستوى يسير مثل امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الجو باستخدام مراوح عملاقة، وإن كانت عملية مكلفة نسبيًّا حتى الآن، ويُفكِّر العلماء حاليًّا بطريقة يُطلَق عليها تعتيم الشمس بإطلاق مواد كيماوية في طبقات الجوِّ العُليا من مناطيد للقيام بذلك، ولكن هذه التقنية لا تزال قيد البحث، إضافة إلى عدم ثبوت سلامتها للبيئة، أما الطريقة التقليدية اليسيرة التي بإمكان كل واحد منا الإسهام بها ومضمونة السلامة، فهي زيادة الرقعة الخضراء بزراعة المزيد من النباتات والأشجار في كل مكان، وهذا متاح.
المنتقى لأبي محمد ابن الجارود نسخه الخطية وطبعاته
د. علي أحمد عبدالباقي
23-06-2018
13,923
https://www.alukah.net//culture/0/127669/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d9%82%d9%89-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%b1%d9%88%d8%af-%d9%86%d8%b3%d8%ae%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b7%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%aa%d9%87/
التعريف بطبعات وأصول كتب السنة والحديث الشريف المنتقى لأبي محمد ابن الجارود نسخه الخطية وطبعاته الحمدُ لله، والصلاة والسلام على سيدِنا محمّد وعلى آله وصحبِه ومن والاه. أمَّا بعدُ: فإنَّ كتابَ « المنتقى من السنن »، للإمام أبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود النيسابوري المتوفى مجاورًا بمكةَ حرسها الله سنة 407هـ، معدودٌ في المصنّفات التي التزم أصحابُها الصِّحةَ، وقد نقل الحافظ ابن حجر في « إتحاف المهرة » أنَّ ابن عبد البر وغيرَه من أهل العلم سمّوه « صحيحًا » [1] ، وهو - بحقٍّ - كما قال الحافظ شمس الدين الذهبي: « لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبدًا إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد » [2] . وللوقوف على ترجمة ابن الجارود ومنهجه في تصنيف كتابه « المنتقى »، يمكن الرجوع إلى الدراسة المفيدة التي كتبها الدكتور محمد بن عبد الكريم بن عبيد ونشرها سنة 1432هـ / 2011م على صفحات شبكة الألوكة ، وله أيضًا كتاب مطبوع بعنوان: « الإمام الحافظ عبد الله ابن الجارود النيسابوري وأثره في السنة النبوية »، صدر عن دار إمام الدعوة بالرياض سنة 1426هـ، وللدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي بحث بعنوان « منهج الإمام المحدِّث الناقد ابن الجارود النيسابوري ت 307هـ في كتابه المنتقى ». وفي هذا المقال المختصر أعرِّف بأصولِ الكتاب الخطية، وطبعاتِه التي أصدرتها المطابع على طول تاريخها، حتى اليوم: أمَّا عن الأصول الخطية لكتاب «المنتقى»: فأقول: بعد البحث والمطالعة والنظر في كتب فهارس المخطوطات، والبحث على شبكة المعلومات، والنظر في مقدمات الطبعات المختلفة للكتاب = تبين أنَّه ليس لكتاب « المنتقى »، لابن الجارود - فيما يظهر - غير أصلٍ خطي واحد محفوظ بالمكتبة السعيدية في مدينة حيدر آباد بالهند، انتشر منه نسخة مصورة على شبكة المعلومات، وتقع هذه النسخة المصورة في (117 لوحة) مائة وسبعة عشر لوحة ، ينقصها أربع لوحات، وهذه اللوحات الأربعة موجودة في الطبعة الهندية القديمة التي طُبعت عن نفس الأصل، ولستُ أدري هل فُقِدت هذه اللوحات من النسخة الأصلية لمخطوطة الكتاب بعد أن صدرت عنه الطبعة الهندية، أم أن النقص موجود في النسخة المصورة على الأصل والتي تم تداولها بين الباحثين، وهذه النسخة بخط العلَّامة ابن فهد: محمد بن محمد بن محمد بن أبي الخير: محمد بن فهد، المتوفى 885هـ، نسخها في ستة أيام متوالية، آخرها: يوم الأحد 20 جمادى الأولى سنة 847هـ بمكة المشرَّفة تجاه الكعبة المعظمة حرسها الله. و أمَّا عن طبعات الكتاب: فقد صدر للكتاب عدَّة طبعات على النحو التالي: الطبعة الأولى : وهي أقدمها طبعة حجرية صدرت في حيدر آباد بالهند سنة 1315 ﻫ، في (504 صفحة)، باسم: « المنتقى من السنن المسندة عن سيدنا المصطفى ». الطبعة الثانية : صدرت في القاهرة سنة 1382هـ / 1963م. في (384 صفحة)، في مطبعة الفجالة الجديدة، وهي طبعة حسنة مصححة ومضبوطة قام بخدمتها السيد عبد الله هاشم يماني، مع تخريج وجيز لأحاديثه سماه: « تيسير الفَتَّاح الوَدُود في تخريج المُنْتَقَى لابن الجارود »، ولم يَذكر اليَمَانِي أَصْلَه المُعتمد في هَذه النَّشْرَة، ولا أشار إِلى نُسخِه المخطوطة، والغَالب أنَّه اعتمد على الطبعة الهِنْدية، كعادة الشيخ اليماني في إخراج الكتبِ وطباعتها. ثم طُبِع الكتاب في بيروت عدَّة طبعات تجارية سقيمة كلّها مأخوذة – في ظنِّي – عن الطبعتين السابقتين، وهي: الطبعة الثالثة : طبعة دار القلم، بيروت، حققه وعلق عليه ووضع فهارسه لجنة من العلماء بإشراف الناشر، راجعه خليل الميس، سنة 1407هـ /1987م. في (418 صفحة). الطبعة الرابعة : طبعة مؤسسة الكتب الثقافية ودار الجنان، بيروت، تحقيق عبد الله عمر البارودي، سنة 1408هـ / 1988م. في (335 صفحة). الطبعة الخامسة : طبعة دار الكتب العلمية، بيروت، وبهامشها: « اتحاف أهل التقى بتخريج أحاديث المنتقى »، وضع مسعد بن عبد الحميد السعدني، سنة 1417هـ، في (429 صفحة). الطبعة السادسة : طبعة الشيخ أبي إسحاق حجازي بن محمد شريف الحويني - حفظه الله - وكان قد شرع في تخريج أحاديث الكتاب سنة 1402هـ معتمدًا على طبعة الشيخ عبد الله هاشم يماني، وطبع هذا التخريج سنة 1408هـ / 1988م في مطبعة دار الكتاب العربي، ببيروت، تحت اسم: « غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود »، وقد وقع في هذه الطبعة كثيرٌ من التَّحريفاتِ الطباعية والسقوط، كما نبَّه على ذلك الشيخ الحويني نفسه في مقدمة تحقيقه لكتاب المنتقى فيما بعد وفي مقدمة كتاب « لؤلؤ الأصداف بترتيب المنتقى على الأطراف ». ثم تيسر للشيخ الحويني - حفظه الله - أثناء وجوده في دولة البحرين في الرابع والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة 1427هـ الموافق للعشرين من شهر يونيه سنة 2006م = الوقوف على نسخة خطية لكتاب المنتقى وعليها أعاد نشر الكتاب مرَّة أخرى باسم: « المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم »، في دار التقوى بالقاهرة سنة 1428هـ / 2007م. ثم رتَّبه على الأطراف على طريقة المزي - رحمه الله - في " تحفة الأشراف "، وسماه: " لؤلؤ الأصداف بترتيب المنتقى على الأطراف "، طبع سنة 1430هـ / 2009م بدار التقوى بالقاهرة. وللشيخ الحويني شرح على الكتاب فيه تخريجاتٌ حديثية موسَّعةٌ مع مباحث فقهية على طريقة الحافظ العراقي وابنه أبي زرعة في " طرح التثريب "، وقد سماه: " تعلة المفؤود بشرح منتقى ابن الجارود "، لم يتمه وقد ذكره في مقدمة تحقيقه لكتاب « المنتقى »، وفي مقدمة كتاب " لؤلؤ الأصداف "، ثم بدا له أن يطبع التَّخريجات مستقلة باسم: « عُدَّة أهل التقى بتخريج أحاديث المنتقى »، وكلا الكتابين لم يطبع حتَّى الآن حسب علمي. الطبعة السابعة = طبعة دار التأصيل: وأخيرًا قامت دار التأصيل لصاحبها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله العقيل بتحقيق الكتاب على صورةِ النُّسخةِ الخطية الوحيدة للكتاب والمحفوظة بالمكتبة السعيدية بمدينة حيدر آباد بالهند والتي تقع في 117 لوحة سقط منها أربع لوحات تم استدراكها بمقابلة الكتاب على الطبعة الحجرية المطبوعة في الهند عن نفس النسخة الخطية للكتاب. ولا شك أن هذه الطبعة هي أفضل طبعات الكتاب من جهة تحقيق نص الكتاب وأنَّها استفادت من الطبعات السابقة عليها، وأضافت إليها الكثير من الفوائد والتصويبات، ويبقى لعمل الشيخ الحويني - حفظه الله - قيمتُه من جهة تخريج الأحاديث والحكم عليها. وصلّى اللهُ على عبدِه ورسولِه محمّد وآله وصحبِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا. [1] «اتحاف المهرة» (1 /159). [2] «سير أعلام النبلاء» (14 / 239).
من سيرة الإمام ابن تيمية
الشيخ صلاح نجيب الدق
20-06-2018
255,536
https://www.alukah.net//culture/0/127655/%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9/
من سيرة الإمام ابن تيمية الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربُّه هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، أما بعد: فإن الإمام أحمد بن تيمية من علماء الإسلام المشهورين بالعلم والعمل، كان ابن تيمية معروفًا بالتوسُّط والاعتدال في أمور الشريعة الإسلامية، وكان رحمه الله تعالى يحثُّ تلاميذَه على اتِّباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، وكان رحمه الله حريصًا على اجتماع كلمة المسلمين، وكان ابن تيمية متواضِعًا وسمحًا مع مُخالفيه؛ من أجل ذلك أحببتُ أن أُذكِّر نفسي وطلابَ العلم الكرامَ بشيءٍ من سيرته المباركة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم: أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية. وكنيته: أبو العباس؛ (العقود الدرية، لابن عبد الهادي صـ:24). لقب تيمية: قال الإمام الذهبي رحمه الله: حج جدُّ ابن تيمية، وله امرأة حامل، فلمَّا كان بتيماء - مدينة بين المدينة وتبوك - رأى طفلةً قد خرجت من خباء، فلما رجع إلى حران، وجد امرأتَه قد ولدت بِنْتًا، فلمَّا رآها قال: يا تيمية! يا تيمية! (يعني: أنها تشبه الطفلة التي رآها بتيماء) فلُقِّبَ بذلك. وقال ابن النجار رحمه الله: ذكر لنا أن جدَّه محمدًا، كانت أمُّه تُسمَّى تيمية، وكانت واعظةً، فنُسِب إليها، وعُرِف بها؛ (تاريخ الإسلام، للذهبي جـ13 صـ723). ميلاد ابن تيمية: كان مولد ابن تيمية يوم الاثنين، عاشر ربيع الأول بحران، سنة إحدى وستين وستمائة، وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير؛ (البداية والنهاية، لابن كثير جـ14 صـ:142). صفات ابن تيمية الجسمية: قال الذهبي رحمه الله: كان ابنُ تيمية أبيضَ، أسودَ الرأس واللحية، قليلَ الشيب، شعره إلى شحمة أُذُنَيهِ، كأنَّ عينيه لسانان ناطقان، متوسِّط القامة، بعيد ما بين المنكبين، جَهْوَري الصوت، فصيحًا، سريع القراءة، تعتريه حِدَّةٌ لكن يقهرها بالحِلْم؛ (الدرر الكامنة، لابن حجر العسقلاني، جـ1 صـ:176)، (البدر الطالع، الشوكاني، جـ1 صـ:64). فائدة هامة: الإمام ابن تيمية لم يتزوَّج؛ لأنه كان مشغولًا بالعلم والجهاد، وليس زاهدًا في سُنَّةِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. حرص ابن تيمية على طلب العلم: (1) كان ابن تيمية منذ صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد، وختم القرآن صغيرًا، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه واللغة العربية، حتى برع في ذلك مع ملازمة مجالس الذِّكْر وسَماع الأحاديث والآثار، ولقد سمِعَ غير كتابٍ على غير شيخ من ذوي الرِّوايات الصحيحة العالية، أمَّا دواوين الإسلام الكبار؛ كمسند أحمد، وصحيح البخاري ومسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود السجستاني، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، فإنه رحمه الله سمِعَ كُلَّ واحدٍ منها عدة مرات، وأول كتاب حَفِظَه في الحديث الجَمْعُ بين الصحيحين للإمام الحميدي، وقَلَّ كتابٌ من فنون العلم إلا وقف عليه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:18-17) . (2) قال ابن كثير رحمه الله: قرأ ابن تيمية رحمه الله بنفسه الكثيرَ من الكتب، وطَلَبَ الحديثَ، ولازم السَّماعَ بنفسه مدة سنين، ثم اشتغل بالعلوم، وكان ذكيًّا، كثيرَ المحفوظ، فصار إمامًا في التفسير وما يتعلَّق به، عارفًا بالفقه واختلاف العلماء، والأصلين - القرآن والسنة - والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقليَّة والعقلية، وما تكلَّم معه فاضلٌ في فنٍّ من الفنون العلمية إلا ظَنَّ أن ذلك الفنَّ فنُّه، ورآه عارفًا به مُتْقِنًا له، وأما الحديث فكان حافِظًا له مَتْنًا وإسنادًا، مُميِّزًا بين صحيحه وسقيمه، عارفًا برجاله مُتضلِّعًا من ذلك، وله تصانيفُ كثيرةٌ، وتعاليقُ مفيدةٌ في الأصول والفروع؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:142). إسلام يهودي على يد ابن تيمية وهو صغير: كان ابن تيمية في حال صغره إذا أراد الذَّهاب إلى الكُتَّاب يعترِضُه رجلٌ يهوديٌّ، كان منزلُه بطريقه، وكان مع اليهودي مسائلُ يسألُه عنها؛ لما كان يظهر على ابن تيمية من الذكاء، وكان يُجيبُه عنها سريعًا حتى تعجَّبَ منه، ثم كلما اجتاز ابنُ تيمية باليهودي يُخبِرُه بأشياءَ ممَّا يدلُّ على بُطْلان ما عليه هذا الرجل اليهودي، فأسلم اليهوديُّ وحسُنَ إسلامُه، وكان ذلك ببركة الشيخ على صِغَرِ سِنِّهِ؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:17). قوة حفظ ابن تيمية: ( 1) قال جمال الدين السرمري: من عجائب ما وقع في الحفظ في أهل زماننا: شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، فإنه كان يمرُّ بالكتاب مرةً مطالعةً، فيُنقَش في ذهنه، وينقله في مصنَّفاته بلفظه ومعناه؛ (الرد الوافر، لابن ناصر الدين، صـ:133). (2) قال جمال الدين السرمري أيضًا: من أعجب ما سمِعْتُه عن ابن تيمية ما حدَّثني به بعضُ أصحابه أنه لَمَّا كان صبيًّا في بداية أمره، أراد والدُه أن يخرج بأولاده يومًا إلى البُستان على سبيل التنزُّه، فقال له: يا أحمد، تخرُجُ مع إخوتك تستريح فاعتذِر، فألحَّ عليه والدُه فامتنع أشدَّ الامتناع، فقال: أشتهي أن تعفيني من الخروج، فتركه وخرج بإخوته، فظلُّوا يومهم في البستان، ورجعوا آخر النهار، فقال: يا أحمد، أوحشت إخوتك اليوم، وتكدَّر عليهم بسبب غيبتك عنهم، فما هذا؟ فقال: يا أبي، إنني اليوم حفظتُ هذا الكتاب، لكتابٍ معه، فقال أبوه: حفظته، كالمنكر المتعجِّب مِن قوله، فقال له: استعرضه عليَّ فاستعرضه، فإذا به قد حفظه جميعَه، فأخذه وقَبَّله بين عينيه، وقال: يا بني، لا تُخبِر أحدًا بما قد فعلْتَ، خوفًا عليه من العين؛ (الرد الوافر، لابن ناصر الدين، صـ:133). (3) قال عمر بن علي البزار - تلميذ ابن تيمية -: اختصَّ الله ابن تيمية بسرعة الحفظ وإبطاء النسيان، لم يكن يقف على شيءٍ أو يستمع لشيءٍ غالبًا، إلا ويبقى على خاطره؛ إما بلفظه أو معناه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:16). (4) قال عمر بن علي البزار أيضًا: من أعجب الأشياء التي تدلُّ على قوة حفظ ابن تيمية رحمه الله - أنه في محنته الأولى بمصر صنَّف عدة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء، وأسماء المحدثين والمؤلِّفين ومؤلَّفاتهم، وعزا كلَّ شيءٍ من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذُكِر فيها، وأي موضع هو منها، كل ذلك بديهة من حفظه؛ لأنه لم يكن عنده حينئذٍ كتابٌ يُطالِعُه، واختبرت هذه الكتب، فلم يوجد فيها بحمد الله خللٌ ولا تغيُّر، ومن جملتها كتاب " الصارم المسلول على شاتم الرسول "، وهذا من الفضل الذي خصَّه الله تعالى به؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:22). (5) قدِمَ أحد علماء حلب إلى دمشق، وقال: سمِعْتُ في البلاد بصبيٍّ يُقال له: أحمد بن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئْتُ قاصدًا لَعَلِّي أراه، فقال له خياط: هذه طريق كُتَّابه، وهو إلى الآن ما جاء، فاقعُد عندنا الساعة يجيء، يعبُر علينا ذاهبًا إلى الكُتَّاب، فجلس الشيخ الحلبي قليلًا، فمرَّ صبيان، فقال الخياط للشيخ الحلبي: هذا الصبيُّ الذي معه اللَّوْح الكبير هو أحمد بن تيمية، فناداه الشيخ، فجاء إليه فتناول الشيخ اللَّوْحَ فنظر فيه، ثم قال: يا ولدي، امسح هذا حتى أُملِي عليك شيئًا تكتُبُه، ففعل فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثًا، وقال له: اقرأ هذا، فلم يَزِدْ على أن تأمَّلَه مرةً بعد كتابته إيَّاه، ثم دفعه إليه، وقال: أسمعه عليَّ، فقرأه عليه حفظًا، فقال له: يا ولدي، امسح هذا ففعل، فأَمْلَى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا فنظر فيه كما فعل أول مرة، فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا الصبيُّ ليكونَنَّ له شأنٌ عظيم، فإن هذا لم يُرَ مثله؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ:20). شيوخ ابن تيمية: سمِعَ ابن تيمية الحديث من ابن عبدالدائم، وابن أبي اليسر، والشيخ شمس الدين الحنبلي، والقاضي شمس الدين بن عطاء الحنفي، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، ومجد الدين بن عساكر، والشيخ جمال الدين البغدادي، والنجيب بن المقداد، وابن أبي الخير، وابن علان، وابن أبي بكر الهروي، والكمال عبدالرحيم، والفخر علي، وابن شيبان، والشرف بن القواس، وخلق كثير؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:142). قال محمد بن عبدالهادي: شيوخ ابن تيمية الذين سَمِعَ منهم أكثرُ من مائتي شيخ؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ:19). تلاميذ ابن تيمية: كان للإمام ابن تيمية الكثير من التلاميذ، ومن أشهرهم: (1) محمد بن أحمد بن عبدالهادي. (2) ابن قيم الجوزية. (3) محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. (4) محمد بن مفلح الحنبلي (5) ابن كثير. (6) عمر بن علي البزار. (7) أحمد بن حسن بن قدامة. (8) محمد بن شاكر الكتبي. (9) سليمان الصرصري. (10) عمر بن مظفر بن الوردي. (11) محمد بن سيد الناس (12) يوسف بن عبدالرحمن القضاعي. (13) محمد بن المنجا التنوخي. (14) القاسم بن محمد البرزالي. (15) صلاح الدين الصفدي، وغيرهم كثير؛ (معجم أصحاب ابن تيمية، وليد بدوي، صـ190:28). منزلة ابن تيمية العلمية: (1) تولَّى ابن تيمية مشيخة دار الحديث السُّكَّريَّة بالقصاعين، وكان عمره اثنتين وعشرين سنةً، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي الشافعي، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية، والشيخ زين الدين بن المرحل، وزين الدين بن المنجا الحنبلي، وكان درسًا هائلًا حافلًا، وقد كتبه الشيخ تاج الدين الفزاري بخطِّه لكثرة فوائده، وكثرة ما استحسنه الحاضرون، وقد أطنب الحاضرون في شكره على حداثة سِنِّه وصِغَرِه؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ13 صـ:321). (2) جلس ابن تيمية بالجامع الأموي بعد صلاة الجُمعة على منبر قد هُيِّئ له لتفسير القرآن العزيز، فابتدأ من أوَّله في تفسيره، وكان يجتمع عنده الخَلْقُ الكثير، من كثرة ما كان يُورِدُ من العلوم المتنوِّعة المحرَّرة مع الديانة والزهادة والعبادة، سارت بذِكْرِه الرُّكْبان في سائر الأقاليم والبلدان، واستمرَّ على ذلك مدة سنين متطاولة؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ13 صـ:321). أقوال العلماء في ابن تيمية: (1) قال محمد بن عبدالبر السبكي: والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهلٌ أو صاحبُ هوًى؛ فالجاهلُ لا يدري ما يقول، وصاحبُ الهوى يصُدُّه هواه عن الحقِّ بعد معرفته به؛ (الرد الوافر، ابن ناصر الدين، صـ:24). (2) قال أبو الحجاج المزي: ما رأيتُ مثل ابن تيمية، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيتُ أحدًا أعلمَ بكتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أتبع لهما منه؛ (الرد الوافر، ابن ناصر الدين، صـ:24). (3) قال القاضي ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا كُلُّ العلوم بين عينيه، يأخُذ ما يريد ويَدَع؛ (تاريخ ابن الوردي، جـ 2 صـ: 278). (4) قال القاضي ابن فضل الله العمري: كان ابن تيمية لا تأخُذه في الحقِّ لومةُ لائمٍ، وليس عنده مُداهنة، وكان مادِحُه وذامُّه في الحقِّ عنده سواء؛ (الشهادة الزكية، مرعي يوسف الكرمي، صـ33). (5) قال محمد عبدالهادي: ابن تيمية: هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة، ومُفْتي الأُمَّة، وبَحْر العلوم، سيد الحُفَّاظ، وفارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، شيخ الإسلام، بركة الأنام، وعلَّامة الزمان، وتُرْجمان القرآن، عَلَم الزُّهَّاد، وأوْحَد العباد، قامع المبتدعين، وآخر المجتهدين، وصاحب التصانيف التي لم يُسبَقْ إلى مثلها؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ:18). (6) قال ابن رجب الحنبلي: كانت العلماء، والصلحاء، والجند، والأمراء، والتجار، وسائر العامة تحبُّ ابن تيمية؛ لأنه مُنتصِبٌ لنفعهم ليلًا ونهارًا بلسانه، وعلمه؛ (شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، جـ 8 صـ 147). (7) قال كمال الدين الزملكاني: كان ابن تيمية إذا سُئِلَ عن فنٍّ من العلم، ظَنَّ الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم بألَّا يعرفه أحدٌ مثله، وكانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياءَ، قال: ولا يُعرَف أنه ناظَرَ أحدًا فانقطع معه، ولا تكلَّم في علم من العلوم؛ سواء كان علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهلَه، واجتمعت فيه شروطُ الاجتهاد على وجهها؛ (تاريخ ابن الوردي، جـ 2 صـ: 277). (8) قال عمر بن الوردي: كانت لابن تيمية خِبْرةٌ تامَّةٌ بالرجال، وجَرْحِهم، وتعديلهم، وطبقاتهم، ومعرفةٌ بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، وهو عجيبٌ في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند؛ بحيث تصدق عليه أن يُقال: "كُلُّ حديثٍ لا يعرفه ابُن تيمية، فليس بحديثٍ"، ولكن الإحاطة لله غير أنه يغترف فيه من بحرٍ، وغيرُه من الأئمة يغترفون من السواقي، وأما التفسير فسلم إليه، وله في استحضار الآيات للاستدلال قوةٌ عجيبةٌ، ولفَرْط إمامتِه في التفسير وعظمة اطِّلاعه بيَّن خطأ كثيرٍ من أقوال المفسِّرين، وكان يكتب في اليوم والليلة من التفسير أو من الفقه أو من الأصلين، أو من الرد على الفلاسفة والأوائل - نَحْوًا من أربعة كراريس، وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلد؛ (تاريخ ابن الوردي، جـ 2 صـ: 278). (9) قال الشيخ الحافظ فتح الدين أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري: كان ابنُ تيمية ممَّن أدرك من العلوم حظًّا، وكاد يستوعب السُّنَنَ والآثارَ حِفْظًا، إن تكلَّمَ في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مُدرِكٌ غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه، وذو روايته، أو حاضر بالنِّحَل والملَل لم يُرَ أوسَع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته، برز في كل فنٍّ على أبناء جنسه، ولم تَرَ عَيْنُ مَنْ رآه مثلَه، ولا رأتْ عينُه مثل نفسه، كان يتكلَّم في التفسير، فيحضر مجلسَه الجمُّ الغفير؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ 25). (10) قال الإمام الذهبي: شيخنا الإمام تقي الدين بن تيمية شيخ الإسلام، فرْد الزمان، بحر العلوم، تقي الدين، قرأ القرآن والفقه، وناظَرَ واستدلَّ، وهو دون البلوغ، برع في العلم والتفسير، وأفتى ودرَّس وله نحو العشرين سنة، وصنَّف التصانيف، وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المصنَّفات الكِبار التي سارت بها الركبانُ، ولعَلَّ تصانيفَه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كرَّاس وأكثر، وفسَّرَ كتابَ الله تعالى مدةَ سنين من صدره في أيام الجمع، وكان يتوقَّد ذكاءً، وسماعاتُه من الحديث كثيرةٌ، وشيوخُه أكثرُ من مائتي شيخٍ، ومعرفتُه بالتفسير إليها المنتهى، وحِفْظُه للحديث ورجاله وصحَّته وسقمه فما يُلحَق فيه، وأما نقلُه للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلًا عن المذاهب الأربعة، فليس له فيه نظيرٌ، وأما معرفتُه بالملَلِ والنِّحَل والأصول والكلام، فلا أعلم له فيها نظيرًا، ويدري جملةً صالحةً من اللغة، وعربيتُه قويةٌ جدًّا، ومعرفتُه بالتاريخ والسير فعجب عجيب، وأما شجاعتُه وجهادُه وإقدامُه، فأمرٌ يتجاوز الوصْفَ، ويفوق النَّعْتَ، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يُضْرَبُ بهم المثلُ، وفيه زُهْدٌ وقناعةٌ باليسير في المأكل والمشرب؛ (الشهادة الزكية، مرعي يوسف الكرمي، صـ:41). مؤلفات ابن تيمية: تبلغ مؤلفات ابن تيمية ما يقرُب من خمسمائة مجلد؛ (شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، جـ 8 صـ147). عبادة ابن تيمية: (1) قال الإمام ابن القيم: حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلَّى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ الغداء سقَطَتْ قوَّتي؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ 42). (2) قال ابن تيمية: إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تُشْكِل عليَّ، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل، حتى ينشرحَ الصَّدْرُ، وينحلَّ إشكالُ ما أَشْكَلَ، وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد، أو الدرب أو المدرسة، لا يمنعني ذلك من الذِّكْر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ 21). (3) قال الإمام ابن القيم: قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية: لا أترك الذكر إلا بنية إراحة نفسي؛ لأستعدَّ بتلك الراحة لذِكْرٍ آخَر؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ42). (4) قال محمد بن عبدالهادي: ختم ابن تيمية القرآن مدة إقامته بسجن القلعة ثمانين أو إحدى وثمانين ختمة، انتهى في آخر ختمة إلى آخر سورة "اقتربت الساعة": ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، كان ابن تيمية يقرأ كل يوم ثلاثة أجزاء، ويختم في عشرة أيام؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ:384). (5) قال عمر بن علي البزار : كان ابن تيمية قد قطع جُلَّ وقته في العبادة، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلةً تشغله عن الله تعالى، وكان إذا ذهب الليل وحضر مع الناس، بدأ بصلاة الفجر، يأتي بسُنَّتِها قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة تكاد تتخلَّع القلوبُ لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه، فإذا فرغ من الصلاة أثنى على الله عز وجل هو ومَنْ حضر بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم. وكان من عادته لا يُكلِّمه أحدٌ بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذِّكْر يسمع نفسه، وربما يسمع ذكره مَنْ إلى جانبه مع كونه في خلال ذلك يُكثِر من تقليب بَصَرِه نحو السماء، هكذا دأْبُه حتى ترتفع الشمس، ويزول وقت النهي عن الصلاة؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:36). تواضع ابن تيمية: (1) قال عمر بن علي البزار: ما رأيتُ ولا سمِعْتُ بمثل تواضُع ابن تيمية في عصره؛ كان يتواضع للكبير والصغير، والجليل والحقير، والغني الصالح والفقير، وكان يُدني الفقيرَ الصالح ويُكرمُه، ويُؤنِسُه ويُباسِطُه بحديثه زيادة على مثله من الأغنياء، حتى إنه ربما خدَمه بنفسه، وأعانه بحمل حاجته جَبْرًا لقلبه، وتَقَرُّبًا بذلك إلى ربِّه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:50). (2) قال عمر بن علي البزار: ظهر لي من حُسْن أخلاق ابن تيمية تواضُعُه؛ إنه كان إذا خرجنا من منزله بقصد القراءة يحمل هو بنفسه النسخةَ، ولا يَدَعُ أحدًا منا يحملها عنه، وكنت أعتذر إليه من ذلك؛ خوفًا من سُوء الأدب، فيقول: لو حملته على رأسي لكان ينبغي، ألَا أحمل ما فيه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:52). زهد ابن تيمية: قال عمر بن علي البزار: لقد اتَّفق كلُّ مَنْ رأى ابن تيمية - خصوصًا مَنْ أطال ملازمتَه - أنه ما رأى مثلَه في الزُّهْد في الدنيا، حتى لقد صار ذلك مشهورًا بحيث قد استقرَّ في قلب القريب والبعيد مِنْ كُلِّ مَنْ سَمِعَ بصفاته على وجهها؛ بل لو سُئِلَ عاميٌّ من أهل بلدٍ بعيدٍ: مَنْ كان أزهدَ أهْلِ هذا العصر وأكملَهم في رفض فضول الدنيا، وأحرصَهم على طلب الآخرة؟ لقال: ما سَمِعْتُ بمثل ابن تيمية رحمة الله عليه، وما اشتهر له ذلك إلا لمبالغته فيه مع تصحيح النية، وإلا فمن رأينا من العلماء قنع من الدنيا بمثل ما قنع هو منها، أو رضي بمثل حالته التي كان عليها، لم يسمع أنه رغب في زوجة حسناء، ولا دار واسعة جميلة، ولا بساتين، ولا شدَّ على دينار ولا درهم، ولا رغب في دوابَّ ولا ثياب ناعمة فاخرة، ولا زاحم في طلب الرئاسات، ولا رُئي ساعيًا في تحصيل المباحات مع أن الملوك والأمراء والتجار والكبراء كانوا طَوْعَ أمرِه، خاضعين لقوله وفعله؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:45). إيثار ابن تيمية: كان الإمام ابن تيمية مع شدَّة تركه للدنيا، ورفضه لها، وفقره فيها، وتقلُّله منها، مؤثرًا بما عساه يجده منها قليلًا كان أو كثيرًا؛ فقد كان يَتَصَدَّق حتى إذا لم يجد شيئًا، نزع بعض ثيابه المحتاج إليه فيصل به الفقير، وكان يستفضل من قُوْتِه القليلَ الرغيفَ والرغيفين، فيُؤثِر بذلك المحتاجين على نفسه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:17). معركة شقحب: طلب السلطان الناصر محمد بن قلاوون (وذلك في معركة شقحب ضد التتار) من ابن تيمية - أن يقف معه في المعركة، فقال له الشيخ ابن تيمية: السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام، لا نقف إلا معهم، وحرَّضَ ابنُ تيمية السلطانَ على القتال، وبشَّره بالنصر، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة، فيقول له الأمراء: قل: إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقًا لا تعليقًا، وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم، وأفطر هو أيضًا، وكان يدور على الأجناد والأمراء، فيأكُل من شيء معه في يده؛ ليُعلِمَهم أن إفطارهم ليتقوَّوا على القتال أفضلُ، فيأكُل الناس، وكان يتأوَّلُ قوله صلى الله عليه وسلم : ((إنكم مُلاقُوا العدوِّ غدًا، والفطر أقْوى لكم))؛ فانتصر المسلمون على التتار في ذلك اليوم، ولله الحمد والمنة؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ 14 صـ26:25). لقاء ابن تيمية مع ملك التتار: قال محمد بن عمر البالسي، وكان مع الذين ذهبوا مع ابن تيمية لمقابلة مع محمود قازان (ملك التتار) ، قال ابن تيمية لقازان: أنت تزعم أنك مسلم، ومعك مُؤذِّنٌ، وقاضٍ، وإمامٌ، على ما بلغنا، فغزوتنا ودخلت بلادنا على ماذا؟ وأبوك وجدُّك هولاكو كانا كافرين، وما غزوا بلاد الإسلام؛ بل عاهَدا فوفَيَا، وأنت عاهدت فغدَرْتَ، وقلتَ فما وفيْتَ، وقرَّب إلى الجماعة طعامًا فأكلوا منه إلا ابنُ تيمية، فقيل له: ألا تأكل؟ فقال: كيف آكُلُ من طعامكم، وكلُّه ممَّا نهبتم من أغنام الناس، وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس؟ قال: وطلب قازان منه الدعاء، فقال ابن تيمية في دعائه: اللهم إن كان عبدُك هذا محمود إنما يُقاتِل لتكونَ كلمتُكَ هي العليا، وليكون الدينُ كُلُّه لك، فانصُرْه، وأيِّدْهُ، ومَلِّكْهُ البلادَ والعبادَ، وإن كان إنما قام رياءً وسُمْعةً، وطَلبًا للدنيا، ولتكونَ كلمتُه هي العليا، وليذلَّ الإسلامَ وأهلَه، فاخذُلْه، وزَلْزِلْهُ، ودمِّرْه، واقطَعْ دابِرَهُ؛ وقازان يُؤمِّنُ على دُعائه، ويرفع يديه، فجعلنا نجمع ثيابنا خَوْفًا من أن تتلوَّثَ بدمه إذا أمر بقتله. قال: فلما خرجنا من عنده، قال له قاضي القضاة نجم الدين ابن صَصْرى وغيره: كدت أن تُهلِكنا، وتُهلِك نفسَكَ، والله لا نصحبك من هنا، فقال: وأنا والله لا أصحبكم، فانطلقنا عُصْبةً، وتأخَّر هو في خاصة نفسه، ومعه جماعة من أصحابه، فتسامَعَتْ به الأمراءُ من أصحاب قازان، فأتوه يتبرَّكُون بدعائه، وهو سائر إلى دمشق، وينظرون إليه، والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه، وكنت أنا من جملة من كان معه، وأما أولئك الذين رفضوا أن يصحبوه، فخرج عليهم جماعةٌ من التتار، فأخذوا منهم أموالهم وثيابهم؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ 14 صـ92:91). ابن تيمية يُطلِق الأسرى النصارى: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: خاطبت قازان - ملك التتار- في إطلاق الأسرى، فسمح بإطلاق الأسرى المسلمين، ثم قال قازان: معنا نصارى أخذناهم من القدس، فهؤلاء لا يُطلَقُون، فقلت له: بل جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمَّتنا؛ فإنا نفكُّهم، ولا ندع أسيرًا، لا من أهل الملَّة، ولا من أهل الذِّمَّة، وأطلقنا من النصارى مَنْ شاء الله، فهذا عملنا وإحساننا، والجزاءُ على الله، وكذلك السبي الذي بأيدينا من النصارى يعلم كل أحدٍ إحسانَنا ورحمتَنا ورأفتَنا بهم؛ كما أوصانا خاتمُ المرسلين؛ حيث قال في آخر حياته: ((الصلاةَ وما مَلَكَتْ أيمانُكُمْ)) قال الله تعالى في كتابه: ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ﴾[الإنسان: 8]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ28 صـ:618:617) . ضوابط العذر بالجهل عند ابن تيمية: • روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ((كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموتُ، قال لبنيه: إذا أنا متُّ فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر عليَّ ربِّي ليُعذِّبني عذابًا ما عذَّبَه أحدًا، فلما مات فُعِل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلتْ، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعتَ؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له))؛ (البخاري، حديث: 6481 / مسلم، حديث: 2756). قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: هذا رجلٌ شَكَّ في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذُرِي؛ بل اعتقد أنه لا يُعاد، وهذا كُفْرٌ باتِّفاق المسلمين، لكن كان جاهلًا، لا يعلم ذلك، وكان مؤمنًا يخاف الله أن يُعاقِبَه، فغفر له بذلك، والمتأوِّل من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول أولى بالمغفرة من مثل هذا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ3 صـ230: صـ231). وقال رحمه الله: هذا الرجل لم يكن عالِمًا بجميع ما يستحقُّه الله من الصفات وبتفصيل أنه القادر، وكثير من المؤمنين قد يجهل مثل ذلك فلا يكون كافرًا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ11 صـ411). • روى مسلم عن عائشة أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم: مهما يكتم الناس يعلمه الله؟ قال: ((نعم))؛ (مسلم، حديث: 974). قال الإمام ابن تيمية: تعليقًا على قول عائشة: "مهما يكتم الناس يعلمه الله"، هذه عائشة أم المؤمنين: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: هل يعلم الله كلَّ ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((نعم))، وهذا يدلُّ على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناسُ كافرةً، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجَّة من أصول الإيمان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قُدْرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممَّنْ يستحِقُّ اللَّوْمَ على الذَّنْب؛ ولهذا لَهَزَها النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((أتخافين أن يَحِيفَ اللهُ عليك ورسُولُه))، فقد تبيَّن أن هذا القول كُفْرٌ، ولكن تكفير قائله لا يُحكَم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحُجَّةُ التي يُكفَّر تاركُها؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ11 صـ412: صـ413). سماحة ابن تيمية مع مخالفيه: (1) قال الإمام ابن تيمية: أنا في سعة صدر لمن يُخالفني، فإنه وإن تعدَّى حدودَ الله بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية، فأنا لا أتعدَّى حُدُودَ الله فيه؛ بل أضبط ما أقوله وأفعله، وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمًّا بالكتاب الذي أنزله الله، وجعلَه هُدًى للناس، حاكمًا فيما اختلفوا فيه؛ قال الله تعالى: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ [البقرة: 213]، وقال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾ [النساء: 59]، وقال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 3صـ:245). (2) قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: لا أُحِبُّ أن يُنتصَر من أحدٍ بسبب كذبه عليَّ أو ظُلْمه وعُدوانه؛ فإني قد أحللْتُ كلَّ مسلم، وأنا أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحِبُّه لنفسي، والذين كذبوا وظلموا فهم في حِلٍّ من جهتي؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ:55). (3) كان بعض أصحاب ابن تيمية الأكابر يقول: ودِدْتُ أني لأصحابي مثل ابن تيمية لأعدائه وخصومه؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ328). (4) قال الإمام ابن القيم: ما رأيتُ ابن تيمية يدعو على أحدٍ من أعدائه قطُّ، وكان يدعو لهم؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ329). (5) كان قاضي المالكية ابن مخلوف من أعداء ابن تيمية، ومع ذلك يقول الإمام ابن تيمية: وابن مخلوف لو عمل مهما عمل، والله ما أقدر على خير إلا وأعمله معه، ولا أعينُ عليه عدوَّه قطُّ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، هذه نيَّتي وعزمي، مع علمي بجميع الأمور، فإني أعلم أن الشيطان ينزغ بين المؤمنين، ولن أكون عونًا للشيطان على إخواني المسلمين؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ:55). (6) قال الإمام ابن القيم: جئتُ يومًا مُبشِّرًا لابن تيمية بموت أكبـر أعدائه، وأشدِّهم عَداوةً وأذًى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزَّاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمرٌ تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتُكم فيه؛ فسُرُّوا به ودعوا له، وعظَّمُوا هذه الحال منه، فرحمه الله ورضي عنه؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ329). (7) كتب الإمام ابن تيمية رسالةً إلى تلاميذه وأحبابه، يتحدَّث فيها عن خصومه، قال فيها: "أنا أُحبُّ لهم أن ينالوا من اللذَّة والسرور والنعيم ما تَقَرُّ به أعينُهم، وأن يفتح لهم من معرفة الله وطاعته والجهاد في سبيله ما يصِلُون به إلى أعلى الدرجات؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 28 صـ:41). (8) قال قاضي المالكية ابن مخلوف: ما رأينا مثل ابن تيمية حرَّضْنا عليه فلم نقدِرْ عليه، وقدر علينا فصفَحَ عنَّا، وحاجَجَ عنَّا؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:54). (9) قال الشيخ علم الدين البرزالي: في العشر الأوسط من رجب من سنة إحدى عشرة وسبعمائة وقع أذًى في حقِّ الشيخ تقي الدين ابن تيمية بمصر، ظفر به بعض المبغضين له في مكان خالٍ، وأساء إليه الأدب، وحضر جماعة كثيرة من الجند وغيرهم إلى الشيخ بعد ذلك لأجل الانتصار له، فلم يُجبْ إلى ذلك، وكتب إلى المقاتلي يذكر أن ذلك وقع من فقيه بمصر يعرف بالمبدي، حصل منه إساءةُ أدَبٍ، ثم بعد ذلك طلب وتودَّد وشفع فيه جماعةٌ، الشيخ ابن تيمية ما تكلَّم، ولا اشتكى، ولو حصل شكوى من ابن تيمية لأُهِينَ ذلك الرجل غايةَ الإهانة، لكن ابن تيمية قال: أنا ما أنتصِرُ لنفسي؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ305). (10) قال الذهبي: في شعبان سنة إحدى عشرة وسبعمائة، وصل النبأ أن الفقيه علي بن يعقوب البكري -أحد المبغضين لابن تيمية - استفرد بابن تيمية بمصر، ووثب عليه، ونتش ثيابه، وقال: احضر معي إلى القاضي، فلي عليك دعوى، فلما تكاثَرَ الناسُ انصرف، فطُلِبَ علي البكري من جهة الدولة، فهرب واختفى، وذكر غير الذهبي: أنه ثار بسبب ذلك فتنة، وأراد جماعة الانتصار من علي البكري، فلم يمكنهم ابن تيمية من ذلك؛ (ذيل طبقات الحنابلة، لابن رجب الحنبلي، جـ4 صـ517). (11) مرض الإمام ابن تيمية أيامًا يسيرة في القلعة بدمشق، وكان الكاتب شمس الدين الوزير في ذلك الوقت موجودًا بدمشق، فلما علم بمرضه، استأذَنَ في الدخول عليه لعيادته، فأذِنَ الشيخُ له في ذلك، فلما جلس عنده أخذ يعتذر له عن نفسه، ويلتمس منه أن يحلَّه ممَّا عساه أن يكون قد وقع منه في حقِّه من تقصير أو غيره، فأجابه الشيخ رحمه الله: بأني قد أحللتُكَ وجميع من عاداني، وهو لا يعلم أني على الحق؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:82:81). احترام ابن تيمية لفقهاء أهل السنة: قال الإمام ابن تيمية: تجوز صلاة المأموم خلف إمامٍ يُخالِفه في المذهب الفقهي المعتبر، وهي صلاة صحيحة، كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان ومَنْ بعدهم من الأئمة الأربعة يُصلِّي بعضُهم خلف بعض مع تنازُعهم في المسائل الفقهية، ولم يقل أحدٌ من السلف: إنه لا يُصلِّي بعضهم خلف بعض، ومَنْ أنكر ذلك فهو مُبتدعٌ ضالٌّ مُخالِفٌ للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها، وقد كان الصحابة والتابعون ومن بعدهم: منهم من يقرأ البسملة، ومنهم مَنْ لا يقرؤها، ومنهم من يجهر بها، ومنهم مَنْ لا يجهر بها، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت، ومنهم من يتوضَّأ من الحجامة والرُّعاف والقيء، ومنهم من لا يتوضَّأ من ذلك، ومنهم مَنْ يتوضَّأ من مَسِّ الذَّكَر ومسِّ النساء بشهوة، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ من ذلك، ومنهم مَنْ يتوضَّأ من القهقهة في صلاته، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ من ذلك، ومنهم مَنْ يتوضَّأ من أكل لحم الإبل، ومنهم مَنْ لا يتوضَّأ من ذلك، ومع هذا فكان بعضُهم يُصلِّي خلف بعض، مثلما كان أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وغيرُهم يُصلُّون خلف أئمة أهل المدينة من المالكية، وإن كانوا لا يقرؤون البسملة لا سرًّا ولا جهرًا، وصلى أبو يوسف خلف الرشيد، وقد احتجم، وأفتاه مالك بأنه لا يتوضَّأ، فصلى خلفه أبو يوسف ولم يُعِدْ، وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرُّعاف، فقيل له: فإن كان الإمام قد خرج منه الدم ولم يتوضَّأ، تُصلِّي خلفه؟ فقال: كيف لا أُصلِّي خلف سعيد بن المسيب ومالك؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ 23صـ 373: صـ 375). أسباب اختلاف الفقهاء في قبول رواية حديث عند ابن تيمية: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إذا وجد لواحد من الفقهاء قولٌ قد جاء حديثٌ صحيحٌ بخلافه، فلا بُدَّ له مِنْ عُذْرٍ في تركه، ويرجع عدم قبول الفقيه لرواية الحديث لأسباب متعددة، وهي: السبب الأول: ألا يكون الحديث قد بلغ الفقيه، ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف أن يكون عالِمًا بموجبه، وإذا لم يكن قد بلغه وقد قال في تلك القضية بموجب ظاهر آية أو حديث آخر، أو بموجب قياس، أو موجب استصحاب، فقد يُوافِق ذلك الحديث تارةً ويُخاِلفُه أخرى، وهذا السبب هو الغالب على أكثر ما يوجد من أقوال السلف مخالفًا لبعض الأحاديث؛ فإن الإحاطة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن لأحدٍ من الأمة. السبب الثاني: أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه لكنه لم يثبُتْ عنده. السبب الثالث: اعتقاد الفقيه ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيرُه. السبب الرابع: اشتراط الفقيه في خبر الواحد العَدْل الحافظ شروطًا يُخالِفه فيها غيرُه. السبب الخامس: أن يكون الحديث قد بلغ الفقيه، وثبت عنده لكن نَسِيَه. السبب السادس: عدم معرفة الفقيه بدلالة الحديث. السبب السابع: اعتقاد الفقيه أن لا دلالة في الحديث، والفرق بين هذا وبين الذي قبله أن الأول لم يعرف جهة الدلالة، والثاني عرف جهة الدلالة لكن اعتقد أنها ليست دلالةً صحيحةً. السبب الثامن: اعتقاد الفقيه أن تلك الدلالة قد عارَضَها ما دَلَّ على أنها ليست مرادةً مثل معارضة العام بخاص، أو المطلق بمقيد، أو الأمر المطلق بما ينفي الوجوب، أو الحقيقة بما يدل على المجاز، إلى أنواع المعارضات، وهو باب واسع أيضًا؛ فإن تعارُضَ دلالات الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحر خضم. السبب التاسع: اعتقاد الفقيه أن الحديث معارضٌ بما يدل على ضَعفه، أو نسخه، أو تأويله إن كان قابلًا للتأويل بما يصلح أن يكون معارضًا بالاتفاق؛ مثل: آية، أو حديث آخر، أو إجماع. السبب العاشر: معارضة الفقيه للحديث بما يدلُّ على ضَعفه أو نسخه أو تأويله ممَّا لا يعتقده غيرُه أو جنسه معارض، أو لا يكون في الحقيقة معارضًا راجحًا؛ كمعارضة كثير من الكوفيين الحديث الصحيح بظاهر القرآن، واعتقادهم أن ظاهر القرآن من العموم ونحوه مُقدَّمٌ على نصِّ الحديث؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ 20 صـ 239: صـ 250). صبر ابن تيمية على البلاء: كتب الإمام ابن تيمية رسالةً إلى تلاميذه يُعبِّر فيها عن رضاه بقضاء الله تعالى، قال فيها: "أنا طيب وعيناي طيبتان أطيب ما كانتا، ونحن في نِعَمٍ عظيمة، لا تُحْصَى ولا تُعَدُّ، والحمدُ لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مُباركًا فيه، كل ما يقضيه اللهُ تعالى فيه الخيرُ والرحمةُ والحكمةُ، إن ربي لطيفٌ لما يشاء، إنه هو القويُّ العزيز العليم الحكيم، ولا يَدْخُل على أحد ضررٌ إلا من ذنوبه؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [النساء: 79]، فالعبد عليه أن يشكُر اللهَ ويحمده دائمًا على كلِّ حالٍ، ويستغفر من ذنوبه، فالشكر يُوجِب المزيدَ من النِّعَم، والاستغفارُ يدفَعُ النِّقَم ولا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبر، فكان خيرًا له؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ383). • حفظ الله تعالى ابن تيمية، فقد كان مُعظَّمًا مُكْرَمًا، يُكْرِمه المسؤول عن القلعة ونائبُها إكرامًا كثيرًا، ويسألانه عن حوائجه، ويُبالغان في قضائها، وكان ما صنَّفَه من كُتُبٍ في هذه المدة قد خرج بعضُه من عنده وكَتَبَه بعضُ أصحابه، واشتَهر وظهَر بفضل الله تعالى؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ379). قبس من كلام ابن تيمية: قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: (1) من سنة الله: أنه إذا أراد إظهار دينه، أقام مَنْ يُعارِضُه فيحق الحقَّ بكلماته، ويقذف بالحَقِّ على الباطل فيدمغه، فإذا هو زاهِق؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:28 صـ:57). (2) إن في الدنيا جنَّةً مَنْ لم يدخلْها لن يدخُلَ جنَّةَ الآخرة؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ452). (3) بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:3 صـ: 358). (4) الذِّكْر للقلب بمنزلة الغذاء للجسد، فكما لا يجد الجسدُ لذَّةَ الطعام مع السقم، فكذلك القلب لا يجد حلاوة الذِّكْر مع حُبِّ الدنيا؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:9 صـ: 312). (5) ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنَّتي وبُستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تُفارِقُني، إن حَبْسي خلوةٌ، وقَتْلي شهادةٌ، وإخراجي من بلدي سياحة؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ42). (6) ما ندم من استخار الخالق، وشاور المخلوقين، وثبت في أمره؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ112). (7) (إياك نعبد) تدفع الرياء (وإياك نستعين) تدفع الكبرياء؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ78). (8) من أراد السعادة الأبديَّة، فَلْيَلْزَم عتبة العبوديَّة؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ429). (9) الخوفُ المحمودُ ما حجزَكَ عن محارِمِ الله؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ511). (10) العارفُ لا يرى له على أحدٍ حقًّا، ولا يشهد على غيره فضلًا؛ ولذلك لا يُعاتِب، ولا يُطالِب، ولا يُضارِب؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 1صـ519). (11) الزُّهْد: تَرْكُ ما لا ينفَعُ في الآخِرة، والوَرَعُ: تَرْكُ ما تخاف ضررَهُ في الآخرة؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ12). (12) غاية الكرامة لزوم الاستقامة؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية، جـ:11 صـ: 298). (13) التكبُّر شَرٌّ من الشِّرْك، فإن المتكبِّر يتكبَّر عن عبادة الله تعالى، والمشْرِكُ يعبُد الله وغيره؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 2صـ316). (14) مَنْ فارق الدَّليلَ ضَلَّ السبيلَ، ولا دليل إلا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ (مفتاح دار السعادة، جـ1 صـ83). (15) العوارض والمحن هي كالحَرِّ والبرد، فإذا عَلِمَ العبدُ أنه لا بُدَّ منهما، لم يغضَبْ لورودهما، ولم يغتمَّ لذلك، ولم يحزن؛ (مدارج السالكين، لابن القيم، جـ 3صـ361). وفاة ابن تيمية: تُوفِّي الإمام ابن تيمية رحمه الله ليلة الاثنين، العشرين من ذي القعدة، سنة ثمانٍ وعشرين وسبعمائة من الهجرة، وذلك بقلعة دمشق التي كان محبوسًا فيها، عاش ابن تيمية سبعًا وستين سنة وأشهرًا؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:141). جنازة ابن تيمية: أُخرِجَتْ جنازة الإمام ابن تيمية إلى جامع دمشق، وصلَّوا عليه الظهر، وكان يومًا مشهودًا، لم يُعْهَدْ بدمشق مثله، وقال رجل بصوت مرتفع: هكذا تكون جنائز أئمة السنة، فبكى الناسُ بُكاءً كثيرًا، واشتدَّ الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلَهم، وصار النعش على الرؤوس يتقدَّم تارةً، ويتأخَّر أخرى، وخرجت جنازتُه من باب الفرج، وازدحم الناسُ على أبواب المدينة جميعًا للخروج، وعظُمَ الأمرُ بسوق الخيل، وتقدَّم في الصلاة عليه هناك أخوه عبدالرحمن، ودُفِن وقت العصر، أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبدالله بمقابر الصوفية؛ (شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، جـ 8 صـ150). بلغ عدد الذين حضروا جنازة الإمام ابن تيمية رحمه الله أكثرُ من خمسمائة ألف شخص؛ قال العارفون بالتاريخ: لم يُسمَعْ بجنازة بمثل هذا الجَمْع إلا جنازة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:84). أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخْرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
التصنيف والتأليف
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
19-06-2018
15,866
https://www.alukah.net//culture/0/127641/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%86%d9%8a%d9%81-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%84%d9%8a%d9%81/
التصنيف والتأليف الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فتصنيف وتأليف الكتب مِن وسائل حفظ العلم، ونقله مِن جيلٍ إلى آخر، فنفعُ المصنفات عظيم، وزمان نفعها طويل، وها هي الأجيال تستفيد مِن كُتب ومصنفات مَن سبَقها من مئات السنين. وتصانيف العالم ولده المخلد كما ذكر أهل العلم، وما يُصنفه العالم إذا كان مفيدًا، فهو صدقة جارية يبقى له أجرها بعد موته، ومن فضل الله الكريم أنَّ أجر وثواب ذلك لا يقتصر على مَن صنَّف المصنفات فقط، بل يدخل في ذلك كل مَن أسهَم في إخراجها وطباعتها ونشرها وتعليمها، تقول اللجنة الدائمة للإفتاء في بلاد الحرمين الشرفين في الفتوى رقم (20062): طباعة الكتب المفيدة التي ينتفع بها الناس في أمور دينهم ودنياهم، هي من الأعمال الصالحة التي يثاب الإنسان عليها في حياته ويبقى أجرها، ويجري نفعها له بعد مماته، ويدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم فيما صح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلا مِن ثلاث، إلا مِن صدقة جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له))؛ رواه مسلم في صحيحة والترمذي والنسائي والإمام أحمد. وكل مَن أسهَم في إخراج هذا العلم النافع يحصل على هذا الثواب العظيم، سواء كان مؤلفًا له، أو معلمًا له، أو ناشرًا له بين الناس، أو مخرجًا أو مسهمًا في طباعته، كل بحسب جهده ومشاركته في ذلك! التصنيف المفيد نعمة عظيمة من الله جل جلاله على عبده، ليس كل أحد يُوفق لها؛ يقول العلامة ابن الجوزي رحمه الله: وليس المقصود جمع شيء كيف كان، وإنما هي أسرار يُطلع الله عز وجل عليها مَن شاء من عباده، ويُوفِّقه لكشفها، فيجمع ما فُرِّق، أو يُرتب ما شُتِّت، أو يشرح ما أُهمل، هذا هو التصنيف المفيد. ولقد كان لأهل العلم منهج في التصنيف تمثل في صورٍ متعددة، من أهمها: الإخلاص في التصنيف: التصنيف له أغراض متنوعة؛ منها: الحصول على المال، ومنها نيل الجاه، ومنها الرغبة في الشهرة، إلى غير ذلك، وهذه المقاصد كان أهل العلم بعيدين عنها، فقد كان مقصدهم من تصنيفهم أن يكون لله عز وجل خالصًا، فالإمام البخاري رحمه الله افتتح كتابه الصحيح بحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((إنما الأعمال بالنيَّات، وإنما لكل امرئ ما نوى))؛ قال الإمام الكرماني رحمه الله: إنما أورد البخاري هذا الحديث قبل الشروع في أبواب الكتاب؛ إعلامًا بأن هذا المصنف منوي فيه الإخلاص لله تعالى، مجنب عن الأغراض الدنيئة والرياء. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: "وقد اعترض على المصنف في إدخاله حديث الأعمال هذا في ترجمة بَدء الوحي، وأنه لا تعلق له به أصلًا"؛ قال ابن رشيد: لم يقصد البخاري بإيراده سوى بيان حُسن نيَّته في هذا التأليف. وقال الإمام العيني رحمه الله: أراد بهذا إخلاص القصد، وتصحيح النية، وأشار أنه قصد بتأليفه ( الصحيح ) وجه الله تعالى، وقد حصل له ذلك. وقال الإمام النووي رحمه الله: بدأ البخاري بهذا الحديث، وإن لم يترجم له؛ لأن عادة السلف ابتداءُ المصنفات به؛ تنبيهًا للطالب على تصحيح النية. وقال الإمام ابن رجب رحمه الله: به صدر البخاري كتابه الصحيح؛ إشارة منه إلى كل عمل لا يراد به وجه الله، فهو باطلٌ لا ثمرة له في الدنيا ولا في الآخرة. لقد ذكر أهل العلم أن مقصدهم من تأليفهم أن يكون خالصًا لوجهه الله تعالى: قال الإمام الكرماني رحمه الله في مقدمة كتابه " الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري " عن تصنيفه: وما توسَّلت به إلى غرض دنيوي؛ من مال، أو جاهٍ... بل جعلته لله، ولوجهه خالصًا. وقال الشاطبي صاحب قصيدة حرز الأماني ووجه التهاني: لا يقرأ قصيدتي هذه أحدٌ إلا نفعَه الله عز وجل بها؛ لأني نظَمتها لله تعالى مخلصًا له في ذلك. من كان تصنيفه لله رفَعه الله، وبقِيت مصنفاته ينتفع بها الناس: قال الإمام الكرماني رحمه الله عن صحيح البخاري: لما صحَّح فيه النية، وصفَّى فيه الطويةَ، جعل الله تعالى كتابه علمًا من أعلام الإسلام، وقال عنه الإمام العيني رحمه الله: أُعطى هذا الكتاب ما لم يُعطَ غيرُه من كتب الإسلام، وقبِله أهل المشرق والمغرب. وقد صنَّف الإمام مالك رحمه الله الموطأ، فعمِل مَن كان في المدينة يومئذ من العلماء الموطآت، فقيل له: شغلت نفسك بعمل هذا الكتاب، وقد شركك فيه الناس وعملوا أمثاله، فقال: ائتوني بما عملوا، فأُتي بذلك، فنظر فيه ثم نبذه، وقال: لتَعْلَمُنَّ أنه لا يرتفع من هذا إلا ما أُريد به وجه الله، فكأنما أُلقيت تلك الكتب في الآبار، وما سمِع لشيء منها بعد ذلك بذكر. ودخل المزني يومًا على الشافعي، وكان يصنفُ كتابًا، فقال له: رحمك الله، إن أصحاب مالك وأصحاب أبي حنيفة، صنفوا الكتب الكثيرة... فقال له: يا إبراهيم، نُصنِّف ويُصنِّفون، وما كان لله تعالى يبقى إلى الدهر، وقد سئل أبو موسى الضرير عن كتب الشافعي: كيف سارت في الناس؟ فقال: أراد الله بعلمه فرفَعه الله. قال الإمام ابن كثير رحمه الله عن منصفات الإمام الشيرازي: انتشرت تصانيفه شرقًا وغربًا لبركة إخلاصه. التصنيف لحاجة الناس وليس للتكاثر أو الاستكثار: التصنيف والتأليف في عصرنا في كثير منه ليس لحاجة الناس إليها، وإنما لحاجة المصنف للكتابة من أجل الظهور والانتشار، والحصول على المال والجاه، ونيل المناصب والألقاب، وسماع المدح والثناء، ولهذا كثُرت المؤلفات، لكنَّ المفيد النافع منها قليلٌ، وأهل العلم يؤلفون لحاجة الناس؛ يقول الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ عن مؤلفات الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله: مؤلفاته المتنوعة إنما كانت بحسب حاجة الناس إليها، ليست للتكاثر، أو للاستكثار، أو للتفنن، وإنما كتب فيما الناس بحاجة إليه، فلم يَكتُب لأجل أن يَكتُب، ولكن لأجل أن يدعوَ، وبين الأمرين فرقٌ. الاستخارة عند التصنيف: لقد كان من منهج بعض أهل العلم الاستخارة عند تصنيفهم للكتب: قال الإمام ابن عقيل رحمه الله: ما صنَّف الإمام الش يرازي مسألةً إلا بعد أن يُصلي ركعتين. قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: استخرت الله تعالى في عمل كتب التفسير. وقال الإمام ابن خزيمة رحمه الله: كنتُ إذا أردت أن أصنِّفَ الشيء، دخلت الصلاة مستخيرًا حتى يفتح لي فيها، ثم أبتدئ التصنيف. وقال القاضي ابن أبي يعلى رحمه الله في مقدمة كتابه " طبقات الحنابلة ": هذا كتاب استخَرنا الله في تأليفه. وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في مقدمة كتابه لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف: وقد استخرت الله تعالى في أن أجمع في هذا الكتاب. سؤال الله عز وجل الإعانة على التصنيف: العبد إذا لم يكن له من الله عون وتسديد وتوفيق، فإن أول ما يقضي عليه هو اغترارُه بنفسه، وعدم افتقاره لربه، وكان أهل العلم يسألون الله عز وجل الإعانة في التصنيف؛ قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: سألت الله العون على ما نويته من تصنيف التفسير، قبل أن أعملَه بثلاث سنين، فأعانني. وقال القاضي ابن أبي يعلى رحمه الله في مقدمة كتابه " طبقات الحنابلة ": هذا كتاب سألنا الله المعونة على تصنيفه. وقال الإمام الحاكم رحمه الله: شربتُ ماء زمزم، وسألت الله أن يرزقني حُسن التصنيف. عدم الاستعجال في إخراج المصنفات: قال الإمام ابن جماعة رحمه الله: لا يخرج تصنيفه من يده قبل تهذيبه وتكرير النظر فيه. وعلى هذا سار أهل العلم، فهم لا يستعجلون في إخراج مصنفاتهم. قال الإمام البخاري رحمه الله: صنَّفت كتبي ثلاث مرات. والتصنيف الجاد عمل يحتاج لجهد كبير، ووقت طويل، قد يصل إلى سنين عديدة، ولا يخرج من ذلك إلا مَن منَحه الله موهبة عظيمة على التصنيف؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي ذُكِر أنه صنَّف كتابه العظيم: العقيدة الواسطية في جلسة بين المغرب والعشاء، فذلك فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء، نسأل الله من فضله وجوده وكرمه. لقد مكث بعض أهل العلم في التصنيف أعوامًا عديدة. فممن مكث أربعين سنة: الإمام مالك رحمه الله في كتابه: الموطأ. والإمام أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله في كتابه: غريب الحديث. والحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه: الإصابة في تميز الصحابة. والشيخ محمد بن الطاهر بن عاشور رحمه الله في كتابه: التحرير والتنوير. والشيخ عبدالرحمن بن قاسم رحمه الله في حاشيته على كتاب: الروض المربع شرح زاد المستقنع. وممن مكث ثلاثين سنة: الإمام ابن عبدالبر رحمه الله في كتابه: التمهيد. والإمام المزي رحمه الله في كتابه: تهذيب الكمال في أسماء الرجال. ومحمد حمزة الفنري الرومي رحمه الله في مصنف له في أصول الفقه. وممن مكث أكثر من خمس وعشرين سنة: الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله في كتابه: فتح الباري شرح صحيح البخاري. والشيخ محمد عبدالخالق عضيمة رحمه الله في كتابه: دراسات لأسلوب القرآن الكريم. وممن مكث عشرين عامًا: الإمام المزني رحمه الله في مختصره في الفقه. وممن مكث خمسة عشر عامًا: الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله في كتابه: الصحيح. والزجاج النحوي رحمه الله في كتابه: معاني القرآن. والإمام محمد السجستاني رحمه الله في كتابه: نزهة القلوب في تفسير غريب القرآن. والإمام الشيرازي رحمه الله في كتابه: المهذب. والإمام السرخسي رحمه الله في كتابه: المبسوط. فما أحسن التأني في التصنيف، وعدم الاستعجال في إخراج المؤلفات؛ قال الدكتور عبدالرحمن العثيمين رحمه الله: أنا أكتشف كلَّ يوم جديدًا، وكلما تعمقتُ في البحث وتوسعت في دائرة التحري، تبيَّنَ لي أنني كنتُ في أوائل البحث.. فأحمَد الله تعالى على أنني لم أنشُر ما توصلت إليه، وإن كان كثيرًا ونافعًا، لكن كثرة البحث والتحري والجمع المتأني أكثر نفعًا وأعظم فائدة. التعب وبذل الجهد من أجل جودة التصنيف: لقد بذل أهلُ العلم جهدَهم في التصنيف؛ قال الإمام الطبراني رحمه الله عن كتابه المعجم الأوسط: هذا الكتاب روحي؛ لأنه تُعِبَ عليه، وقال الإمام المزني رحمه الله عن مختصره في الفقه: مكثت في تأليفه عشرين سنة، وألَّفتُه ثلاث مرات وغيَّرته. عرض مصنفاتهم على أهل الاختصاص: بعد أن ينتهي العالم من التصنيف يقوم بعرض مُصنفه على أهل الاختصاص لأخذ رأيهم فيه، فالإمام البخاري رحمه الله بعد أن صنَّف كتابه الصحيح، عرَضه على أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني رحمه الله، فاستحسنوه، وشهِدوا له بالصحة، إلا في أربعة أحاديث؛ قال العقيلي رحمه الله: والقول فيها للبخاري وهي صحيحة. والإمام ابن ماجه القزويني رحمه الله عرض كتابه السنن على علي أبي زرعة الرازي. والإمام أبو داود السجستاني رحمه الله عرَض كتابه السنن على الإمام أحمد بن حنبل، فاستجاده واستحسَنه. سؤال الله عز وجل أن ينفع بمصنفاتهم: بعد أن يبذل العالم وسعَه في التصنيف، يسأل الله جل جلاله أن ينفع به؛ قال الإمام البخاري رحمه الله: أنا أرجو أن يبارك الله تعالى للمسلمين في هذه المصنفات. وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الإمام الترمذي سأل الله عند فراغه من كتابه العلل النفعَ بما فيه، وألا يجعله وبالًا عليه برحمته. وبعضهم صنَّف في حال سفره، فالإمام ابن القيم رحمه الله صنَّف كتابه " زاد المعاد في خير المعاد " في حال سفره بعيدًا عن مكتبته.
إضاءات من مكارم أخلاق الشيخ حمد الشايع واجتهاده في الدعوة إلى الله
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
13-06-2018
9,129
https://www.alukah.net//culture/0/127584/%d8%a5%d8%b6%d8%a7%d8%a1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%83%d8%a7%d8%b1%d9%85-%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%8a%d8%b9-%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%87%d8%a7%d8%af%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
إضاءات من مكارم أخلاق الشيخ حمد الشايع واجتهاده في الدعوة إلى الله توفي عصر أمس السبت 25 رمضان 1439 الشيخ حمد بن عبدالله بن حمد الشايع ، الداعية الإسلامي والواعظ الشرعي عن عمر يناهز الثانية والثمانين، قضاها في العلم والتعليم والدعوة إلى الله وأفعال الخير. بعد أن ألزمه المرض الفراش الأيام الأخيرة. وقد صُلي على الشيخ حمد الشايع عصر اليوم الأحد 26 رمضان 1439 بجامع الأمير عبدالله بن محمد بن عبدالرحمن في عتيِّقه بمدينة الرياض. وتم مواراته في مقبرة المنصورية جنوب الرياض بحضور جمع غفير من أهله وذويه ومحبيه وزملائه وطلاب العلم. نودع الشيخ حمد الشايع صابرين محتسبين راجين له عند الله حسن الجزاء لسيرته الحميدة استقامةً وصلاحاً وخدمة للإسلام، ولا نزكيه على الله، والله لا يضيع أجر المحسنين. وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون. وقد كانت بدايات الشيخ حمد في الدعوة إلى الله عندما كان مندوباً من رئاسة تعليم البنات في محافظة رماح شرق مدينة الرياض، قبل أكثر من ثلاثين عاماً، وارتبط هناك بفضيلة قاضيها آنذاك الشيخ عبدالله بن ناصر الموسى - رحمه الله- وكان الشيخ حمد يثني عليه كثيراً ويذكر مدارسته العلم وإياه واستفادته منه في العلم والخطابة. بعدها انتقل لملاك الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، ثم تحصل على ترخيص من سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - للدعوة والوعظ والإرشاد إبان رئاسته لإدارة الدعوة والإرشاد بالمملكة. كما كان للشيخ حمد طالب علم في حلقات الشيخ عبدالله ابن جبرين رحمه الله. وقد عرف الشيخ حمد الشايع بتركيزه الدعوة والتعليم والوعظ في البوادي والقرى والهجر. وكان رحمه الله يستثمر كل مجلس بالوعظ والتذكير، إضافة إلى المواعظ الشرعية في المساجد عقيب الصلوات. ومن فقه الشيخ حمد عنايته بالأصول، فكان يُبين فضل توحيد الله وأهميته ويحذر من الشرك ويبين خطورته، ويبين ما يتعلق بأصول الإيمان وأركان الإسلام، كما كان يؤكد كثيراً على الاهتمام بالصلاة وإقامتها وعلى بر الوالدين وصلة الأرحام وحقوق الجار، ويحذر من ظلم الآخرين ومن بخسهم حقوقهم. الشيخ حمد بن عبدالله العمّ وابن العم، نعم الرجل الصالح، ونعم الداعية إلى الله تعالى منذ بواكير شبابه. كان رحمه الله عفّ اللسان، سليم الصدر، طَلق المحيَّا، بشوش الوجه، همه الدعوة إلى الله، وهاجسه الصلاة والتذكير بها. كان رحمه كثير الذكر لله، واصلاً للرحم، محبَّاً للناس، جمّ التواضع في مجالسه ولباسه وتعامله.. وكان زاهداً في الدنيا، متباعداً عن الشهرة.. وكان كارهاً للغيبة والنميمة مبغضاً للخصومات، مجانباً للسيئات.. وكان حريصاً على الإصلاح بين الناس وجمع القلوب. هكذا أحسبه ولا أزكيه على الله... فاللهم تقبله قبولاً حسناً.. واجعل نزله الفردوس الأعلى من الجنة اللهم اسقه من حوض نبيك محمد عليه الصلاة والسلام واجعله في زمرته... اللهم تغمده بواسع رحمتك وأحلَّ عليه رضوانك.. اللهم اخلفه في عقبه وارزق أهله الصبر والبر والاحتساب. (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون) نشر في صحيفة سبق الإلكترونية https://mobile.sabq.org/xTGPR5
متعة القراءة (PDF)
أحمد بن غانم الأسدي
13-06-2018
11,370
https://www.alukah.net//culture/0/127580/%d9%85%d8%aa%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-PDF/
عنوان الكتاب: متعة القراءة. المؤلف: أحمد بن غانم الأسدي. عدد الصفحات: 16. متعة القراءة هذه كلمات معدودة في متعة القراءة، وبعض صور هِمم السلف فيها، وطُرق وُلوجها، وتنكُّب آفاقها، لتؤتي أُكلَها كلَّ حين بإذنِ ربها.
الازدواجية السلوكية وأثرها على الأمة الإسلامية
د. أسماء جابر العبد
10-06-2018
6,829
https://www.alukah.net//culture/0/127528/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b2%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%88%d9%83%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/
الازدواجية السلوكية، وأثرها على الأمة الإسلامية في الوقت الذي تنتظر فيه الأمَّةُ من شبابها النهوضَ بأعبائها، والوصولَ إلى مكانةٍ مرموقةٍ لائقةٍ بها، تجد الازدواج قد أصبح سِمةَ العَصْر، حتى بِتْنا نشكُّ أنه السِّمة الحديثة للشخصية الحضارية، تراه في المسجد مُصلِّيًا صلاةَ المسلمين، ثم هو خارج المسجد يتبنَّى كلَّ فِكْرٍ دخيلٍ على الإسلام؛ سواء كان فكرًا اشتراكيًّا أو شيوعيًّا أو رأسماليًّا، أو غير ذلك من الأفكار، فلماذا نُؤمِن ببعض الكتاب ونكفُر ببعض؟! وتراه يأكل أموال الناس بالباطل، أو يكتسب مالَه من حرامٍ، ثم يذهب به للحج، أليس من أُمِر بالصلاة أُمِر باتِّباع التشريعات، ومن أُمِر بالعبادات أُمِر بالمعاملات؟! يفرط في العبادات ولا يُبالي بتربية أبنائه ومراعاة أخلاقهم، يُصلِّي ويحج ويعقُّ والديه، ويظلم زوجه ويُسيء عِشْرتها، أيُّ دِينٍ هذا؟! تراه في الشرق مع أهل الشرق، ثم تراه في الغرب متبنِّيًا أفكارَ أهل الغرب، يعتبر السلوك الدخيل على الإسلام مَغْنَمًا سلوكيًّا، ﴿ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ ﴾ [النساء: 143] ، تراه في الفرح والنعيم حامدًا شاكرًا، ثم تراه في المصيبة مُتسخِّطًا جازِعًا. كم من ناصحٍ بليغٍ ينصَحك ولا ينتصِح، لا وازعَ دينيَّ ولا سلوكَ اجتماعيَّ، فكيف - بالله - يُؤثِّر في الناس؟! ازدواجية سلوكية، وتناقضات أخلاقية لمسناها في الأفراد، فانعكست سَلْبًا على المجتمعات، نُفْرِطُ في جانب، ونُفرِّط في جوانب، ألسنا خيرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ للناس؛ لوسطيتها وإنصافها، إننا بحاجة ماسَّة لفقه السلوك عِلْمًا وتطبيقًا، وإلى الرجوع إلى الدين الحق، وما يُمليه من قواعد وشرائع، فهو كَالسورٍ يَعْصِمُ السالكَ في الظلام من التردِّي في هاوية سحيقةٍ. كم من مفاهيمَ وأفكارٍ وقِيَمٍ وتصوُّراتٍ لا تمُتُّ للإسلام بصِلَةٍ اقتبسناها من غير المسلمين، وأصبحنا نَدين بها أكثر منهم دون تمييزٍ بين النقي الأصيل والقادم الدخيل، وقد تحطَّمَتْ أخلاقُنا أمام سَيْل التطوُّر الجارف، ثم ندَّعي ولاءَنا للإسلام. إن هذه الازدواجية يَلْفِظُها الإسلامُ، ويرفُضها رَفْضًا تامًّا؛ فهي لا تُؤثر فقط في المجتمع برُمَّته؛ بل في الوجود الإنساني بعمومه وكُلِّيَّتِه. فأي نهوض للأمة وأفرادُها متناقضون سلوكيًّا، ومتخبِّطون خُلُقيًّا، ومُتذبْذِبون في مُعاملاتهم، ومتأرجحون في مبادئهم، وقد انهار عندهم كلُّ اليقين والْمُثُلِ، وفُقِدَتْ الثقةُ بين الأفراد، فاهتزَّ الصَّفُّ بكامله. نعم، قد تعصف الحياة بالإنسان فتُؤثِّر سَلْبًا في سلوكه، وتَجرفه بعيدًا عن مساره الصحيح؛ فهناك فِتَنٌ في السراء، ومِحَنٌ في الضراء، تجعل الحليمَ حيرانَ، لكن المسلم الحق يحاسب نفسَه، ويردُّها سريعًا كلما ابتعدت قليلًا عن منهج ربِّها، وتجاوزتْ حدودَها. إنه فنُّ التفوُّق على المغريات، تُفتَحُ له الدنيا، فَيَركُل كلَّ أمجادها الباطلة، وزخارفها الزائلة، ويظل لائذًا بمسلكه وعبادته، ومبادئه ورسالته، واقفًا أمامها في يقين الحق وثباته، لا يتلعثم عَزْمُه، ولا يبرح نهجه، ولا يتخلَّى عن مبادئه؛ فلا ترى العين في طول حياته وعرضها من تفاوت. ويصبر على الأهوال في سبيل الله؛ لا في سبيل نفسه ونَفْعِه، ولا يزيغ، ويظل ثابتًا على مبدئه حتى يطويه الموتُ، ويُطوِّح به إلى أعماق النسيان؛ لعلمه علمًا يقينًا أن الإسلام لا يَقبَل أن تنقسِمَ الذات، وتنفصم النفس، ويخالف القولُ الفعلَ. إذا أمرت غيرك بشيء فكُنْ أوَّلَ مُبادرٍ لفعله، وإذا نهيْتَ عن شيء، فكُنْ أوَّلَ مُنْتهٍ عنه ومجتنبٍ له، واجعَل باطِنَكَ كظاهِركَ، بل أحلى، وسِرَّكَ كعَلانِيَتِكَ، بل أجْلَى، والله الموفِّق، وهو الهادي إلى سواء الصراط.
صرخة في أذن المدخلات
د. محمد علي السبأ
06-06-2018
3,379
https://www.alukah.net//culture/0/127480/%d8%b5%d8%b1%d8%ae%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%b0%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84%d8%a7%d8%aa/
صرخة في أذن المدخلات تتمتَّع أيُّ حركةٍ مهما قلَّ شأنُها ومجالُها أو عظُمَ - بمُدْخلاتٍ مُعيَّنة، وكذا بمُخْرَجاتٍ ناتجة عن تلك المدخلات، وأمْر النجاح والتميُّز فيهما يعتمد على كيفية إدارة المدْخَلات، وماهيَّة وجودة المخرجات، ثم استدامة الاستفادة من كلٍّ منهما، مع استمرار التحسين والتطوير. والناظر إلى فشل أيِّ عملٍ - سواء كان فرديًّا، أو من قِبَل كيانٍ - يجد السبب عائدًا في الغالب إلى سوء إدارة الأُولى، وضَعف الاهتمام بجودة الثانية، بل قد يصل الأمر إلى ضياع الممكنات بينهما، وضياع كل شيء. والنجاح في هذه وتلك هو المطلوب، وهو الدافع للمزيد من النجاح والتميُّز، والمغْري للجميع باستمرار السَّيْر؛ إذْ يكون ترجمةً واقعيةً لـ (توفير الوقت والجهد والمال) ، مع حصد أفضل النتائج بمقابل هَدْرها أو عدم استثمارها في الحالة الأولى. وحين نُمعِن النظر في هذا الأمر لدى الجهات الخيرية، نجد أنه من الواجب إعادة النظر فيه؛ إذْ هو أوْلى من كلِّ ما عداه، فالمحسِنُ يضع أمواله ثقةً في هذه الجهة أو تلك، كما تأخذ هي من أموال الصدقات والزكاة، ووجُوه الخير بأنواعها، وهي تُعَدُّ كُلُّها من المدخلات التي لا بدَّ أن تنضوي تحت خُطط المؤسسة، وبشكلٍ مؤسَّسي ومُرتَّب للغاية، ثم تأخُذ دوْرَتَها التنظيمية الشفَّافة والدقيقة والمنظَّمة، وصولًا لإنفاقها في وجُوهِها، والحرص على ترتيب نتائجها بشكلٍ كامل؛ حتى تُناسب حجمها، وتُناسب حجم العمل المؤسَّسي، والأهمُّ من هذا أن تُناسب ثقةَ المحسِنِ الكريم، وأعظمُ أمرٍ أن تُناسب نظرَ اللطيف الخبير، فهل مُخْرَجاتُنا هكذا؟! دعونا نُفكِّر بصوتٍ عالٍ - كما يُقال - وننظر: حينما يُنفَق على برنامجٍ من البرامج الخيرية - مثل أن يكون برنامجًا تعليميًّا تربويًّا - عشرات الآلاف من الدولارات مدَّةَ كذا، وقد يسير حسب خطَّة يتمُّ وَضْعُها من قِبَل الجهة المنفِّذة وتَقبَلُها الجهة الداعمة، وقد لا يسير أيضًا حسب خطَّة، المهمُّ هو ماذا نجد في النهاية المفترضة للبرنامج؟ لن أقول: إنَّ المخرجات مُنعدِمةٌ تمامًا، ولكن هل تتناسب تلك المخرجات مع عِظَم تلك المدخلات التي ذكرناها؟! حينما نقول مثلًا: إنه تَمَّ تخريج مائة أو مائتين حافظٍ لكتاب الله تعالى ببرنامج استهدفهم مدَّةَ كذا سنة، هل ذلك فعلًا ما كنَّا نودُّ الوصول إليه بالبرنامج؟ وهل أولئك المتخرِّجون - حُفَّاظًا - هم حقًّا يَحفظون كتاب الله عن ظَهْرِ قلب؟ وهل صاحَبَتْهم برامجُ وأنشطة تربوية تؤهِّلهم إلى ما يليق بالحافظ لكتاب الله تعالى؟ وهل استفاد من البرنامج - بطرق مباشرة وغير مباشرة - أهاليهم وأولياء أمورهم ومجتمعهم؟ ثم ما مدى استفادتنا من أولئك ( الحفَّاظ ) في المستقبل؟ وهل التجربة فعلًا مُشجِّعة إلى درجة استنساخها في أكثر من مكان، ولأكثر من مجتمع، والاستزادة من برامجها؟ هذا مثال فقط، وهذه دعوة لنا جميعًا أقصد بها التركيز الحقيقي على المخرجات تجويدًا للعمل، وعلى المدخلات تحسينًا لإدارتها، وحِذق التصرُّف فيها... وإلَّا فستبقى برامجنا متواضِعةً جدًّا إلى درجة الضَّعف، كما سنُعرِّض المدخلات دومًا لمشكلة الهدر، ونفقد بجانب ذلك الكثير ممَّا يجب علينا الحفاظ عليه: (ثقة المحسنين، والخبرات المؤهِّلة، والطاقات المخلصة، والمجتمع الذي يرى ويراقب، وغير ذلك) . وبشكل عام لا بدَّ أن نسأل أنفسنا دومًا: هل المخرجات تناسب المدخلات؟
بلى - يا رب - قد آن
عبدالله بن عبده نعمان العواضي
06-06-2018
16,848
https://www.alukah.net//culture/0/127464/%d8%a8%d9%84%d9%89-%d9%8a%d8%a7-%d8%b1%d8%a8-%d9%82%d8%af-%d8%a2%d9%86/
بَلى - يا ربِّ - قدْ آنَ ما أعظم هذا القرآن، وما أحسن تأثيره على النفوس! إنه نور يبحث عن القلوب الغارقة في دياجير الظلام، فيأتيها لينتشلها من ليالي الضلال إلى فجر الهداية والصلاح. آية واحدة منه قد تكون كافية لتغيير مسار إنسان سالكٍ دربَ الغواية، وفي برهة من الزمان يسمع الآية أو يقرؤها وتحضره عناية الله تعالى ساعتئذ فيدع سبل الشر ليسلك بعدها صراط الله المستقيم. فبينا رجل يلاحق الخطيئة، ويركب لها مطايا الليل الدامس، حتى ينال منها بغيته، إذا بالحق يقطع عليه طريقه نحوها، ويقول له: إن بغيتك عندنا ألذ لك وأعظم، فيصل إلى سمعه -وهو يتسلق جدران المعصية- منادي الحق: أنْ انزل؛ فقد آن لك أن تغلق سجل البعد عن ربك، وتفتح سجل القرب إليه، لقد حان هذه الليلة أن تخط على صفحة قلبك بدموع الندامة سطورَ التوبة التي سيشرق منها زهد وعلم يملأ الدنيا نوراً واقتداءً. سمع منادي الحق من غير ميعاد يأتيه فيه، ولا قصدٍ من مناديه وهو يقرأ آية من سورة الحديد، ومن تلك الآية انطلق الفضيل بن عياض، من قاطع للطريق بين أبيورد وسرخس [1] ، وعاشقٍ لجارية يطاردها إلى كناسها، إلى عالم زاهد، وواعظ عابد ملأ سمع الدنيا بزهده وصلاحه. فمن هو الفضيل بن عياض، وما الآية التي هدته إلى الله تعالى، وما خبر ذلك؟ الفضيل بن عياض هو: الإمام القدوة الثبت، شيخ الإسلام، أبو علي الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر، التميمي اليربوعي الخراساني، المجاور بحرم الله. كان عالمًا جليلاً وعابداً صادقًا، من رجال الحديث المعدودين، ومن أعلام الورع المشهورين. قال ابن المبارك: "إن الفضيل بن عياض صدق اللهَ، فأجرى الحكمة على لسانه، فالفضيل ممن نفعه علمه" [2] .وقال إبراهيم بن الأشعث: "ما رأيت أحداً كان الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله، أو ذكر عنده، أو سمع القرآن، ظهر به من الخوف والحزن، وفاضت عيناه، وبكى حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن، شديد الفكرة، ما رأيت رجلاً يريد الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره، كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ، ويذكر ويبكي كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها [3] . وقال محرز بن عون: "أتيت الفضيل بمكة، فقال لي: يا محرز، وأنت أيضًا مع أصحاب الحديث، ما فعل القرآن؟ والله لو نزل حرف باليمن، لقد كان ينبغي أن نذهب حتى نسمعه، والله لأن تكون راعي الحمر وأنت مقيم على ما يحب الله، خير لك من الطواف وأنت مقيم على ما يكره الله" [4] . "كانت قراءته حزينة، شهية، بطيئة، مترسلة، كأنه يخاطب إنسانًا، وكان إذا مر بآية فيها ذكر الجنة تردد فيها وسأل، وكانت صلاته بالليل أكثر ذلك قاعداً، يلقى له الحصير في مسجده، فيصلي من أول الليل ساعة، ثم تغلبه عينه، فيلقي نفسه على الحصير، فينام قليلاً، ثم يقوم، فإذا غلبه النوم نام، ثم يقوم هكذا حتى يصبح، وكان دأبه إذا نعس أن ينام، ويقال: أشد العبادة ما كان هكذا" [5] . دخل على هارون الرشيد فقال له هارون: عظني. قلت: بماذا أعظك؟ هذا كتاب الله بين الدفتين، انظر ماذا عمل بمن أطاعه، وماذا عمل بمن عصاه، إني رأيت الناس يغوصون على النار غوصًا شديداً، ويطلبونها طلبًا حثيثا، أما والله لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها [6] . وجاء عنه قوله: "كفى بالله محبًا وبالقرآن مؤنسًا، وبالموت واعظًا، وبخشية الله علمًا، وبالاغترار جهلاً" [7] . قال محمد بن سعد عنه: "ولد بخراسان بكورة أبيورد، وقدم الكوفة، وهو كبير، فسمع من منصور وغيره، ثم تعبد، وانتقل إلى مكة، ونزلها إلى أن مات بها في أول سنة سبع وثمانين ومئة" [8] [9] . وقصة هداية الفضيل رحمه الله ذكرها غير واحد، منهم البيهقي حيث ساق بسنده إلى الفضل بن موسى قال: "كان الفضيل بن عياض شاطراً [10] يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته: أنه عشق جارية فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تاليًا يتلو: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. قال: فلما سمعها قال: بلى -يا رب- قد آن، فرجع، فآواه الليل إلى خربة وإذا فيها سابلة فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح؛ فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت وقلت: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ههنا يخوفونني! وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام" [11] . نعم، إنها هداية الله تعالى الذي يهدي من يشاء في الوقت الذي يشاء، فما أجل وقع هذه الآية على قلب الفضيل حيث قطعت منه نياط الاستمرار في المعصية، فأرجعته عن قصده السيئ، وجاء حوار أهل الخربة كالتوقيع النهائي على كتاب التوبة لينطلق بعد ذلك من الفضيل الشاطر المطارِد إلى الفضيل العالم الزاهد العابد. إن هذه الآية الكريمة: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]. حينما نتدبرها وننظر في جمال أسلوبها الوعظي نجد أنها آية عظيمة تستدعي الالتفات، وتستهوي الأفئدة، وتزجر الجوارح عن خطاياها وتقصيرها. فتقول: " أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله، أي: تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن، فتفهمه وتنقادُ له وتسمع له وتطيعه" [12] . " ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله، فتخضع قلوبهم له، ولما نزل من الحقّ، وهو هذا القرآن الذي نزله على رسوله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم" [13] . بلى قد " جاء الحين والأوان لذلك؛ لكثرة ما تردد عليهم من زواجر القرآن ومواعظه" [14] . يقول ابن مسعود رضي الله عنه: "ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. إلا أربع سنين" [15] . إن هذه الآية الكريمة قد تدبرها بعض الصالحين، وأنعم النظر فيها، فأثرت عليه تأثيراً بالغًا: فعن نافع قال: "كان ابن عمر رضي الله تعالى عنه إذا قرأ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. بكى حتى يغلبه البكاء" [16] . وقال ابن الجوزي: عن علي بن المحسن المسوحي عن أبيه أن جعفر بن حرب كان يتقلد كبار الأعمال للسلطان، وكانت نعمته تقارب نعمة الوزارة، فاجتاز يومًا راكبًا في موكب له عظيم، ونعمته على غاية الوفور، ومنزلته بحالها في الجلالة، فسمع رجلاً يقرأ: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الحديد: 16]. فصاح: اللهم بلى، يكررها دفعات، وبكى، ثم نزل عن دابته، وفرق جميع ماله في المظالم التي كانت عليه، وردها وتصدق بالباقي، ثم انقطع إلى العلم والعبادة حتى مات [17] . دروس من قصة الهداية: 1- بيان عظم جمال الأسلوب القرآني في وعظه وعتابه، ودعوته إلى التوبة ومراجعة النفس. 2- قوة تأثير القرآن الكريم على النفوس، مهما كانت موغلة في العصيان والانحراف. 3- على العاصي مراجعة نفسه، والتعرض لنفحات التوبة، فرحمة الله واسعة. 4- رأينا أثر قيام الليل وقراءة القرآن فيه كيف كانت سببًا للهداية. لا يقنطن أحد من توبة عاصٍ ولو بلغت ذنوبه عنان السماء. [1] شعب الإيمان، البيهقي (5/ 468). [2] سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/ 425). [3] سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/ 426). [4] المصدر السابق (8/ 427). [5] المصدر السابق (8/ 428). [6] المصدر السابق (8/ 436). [7] المصدر السابق (8/ 440). [8] المصدر السابق (8/ 424). [9] تنظر ترجمة الفضيل في: سير أعلام النبلاء، الذهبي (8/ 421) وما بعدها، الوافي بالوفيات، الصفدي (7/ 186)، وفيات الأعيان، ابن خلكان (4/ 47). [10] يعني: قاطعًا للطريق. [11] شعب الإيمان، البيهقي (5/ 468). [12] تفسير ابن كثير (8/ 19). [13] تفسير الطبري (23/ 187). [14] أضواء البيان، الشنقيطي (7/ 547). [15] رواه مسلم (4/ 2319). [16] حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني (1/ 305). [17] صفة الصفوة (2/ 469).
العباس بن عبدالمطلب
الشيخ صلاح نجيب الدق
04-06-2018
96,881
https://www.alukah.net//culture/0/127438/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%b3-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b7%d9%84%d8%a8/
العباس بن عبدالمطلب الحمد لله الذي جعَل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسلَه ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أما بعد: فإن العباس بن عبدالمطلب، وهو أحد أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذين مدَحهم الله تعالى في كتابه العزيز قائلًا: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100]، من أجل ذلك أحببتُ أن أذكِّر نفسي وأحبابي طلاب الكرام بشيءٍ من سيرته العطرة، وتاريخه المشرق المجيد، لعلنا نسير على ضوئه، فنَسعَدَ في الدنيا والآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: النسب: هو: العباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كنية العباس: أبو الفضل؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ3). صفات العباس الجسمية: كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، جميلًا، أبيضَ، وكان من أطول الرجال، وأحسنهم صورةً، وأبهاهم؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ79). ميلاد العباس بن عبدالمطلب: وُلِدَ العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، قبل عام الفيل بثلاث سنين، وكان أكبر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ3). أولاد العباس: كان للعباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه من الولد: الفضل، وكان أكبر ولده، وبه كان يُكنَّى، وعبدالله (وهو الإمام الحبر)، وعبيدالله، وعبدالرحمن، وقثم، ومعبد، وأم حبيبة، وأُمُّهم جميعًا أم الفضل، وهي لبابة الكبرى بنت الحارث، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، كان للعباس أيضًا من الولد من غير أم الفضل كثير، وتمام، وصفية، وأميمة، وأُمُّهم أُمُّ ولدٍ - (أي جارية تباع وتشترى) - والحارث، وأمه حجيلة بنت جندب بن الربيع، فكان للعباس من الولد عشرة ذكور، سوى الإناث؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ4:3). إسلام العباس: أسلم العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه قبل فتح خيبر، وكان يكتُم إسلامه، ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ96). هجرة العباس: جاء العباس بن عبدالمطلب مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبيل فتح مكة؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ96). منزلة العباس في الجاهلية عند أهل مكة: كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه في الجاهلية رئيسًا في قريش، وإليه كانت عمارة المسجد الحرام والسقاية في الجاهلية، فأما السقاية فكان هو المسؤول عن سِقاية الحجاج والمعتمرين لبيت الله الحرام، وأما العمارة فإنه كان لا يدع أحدًا يسب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجرًا؛ أي: كلامًا قبيحًا، يَحمِلُهم على عمارته في الخير، لا يستطيعون لذلك امتناعًا؛ لأن أشراف قريش قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك، فكانوا له أعوانًا عليه، وسلموا ذلك إليه؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ95:94). حضور العباس قبل إسلامه بيعة العقبة الثانية لمناصرة النبي صلى الله عليه وسلم: كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه أنصرَ الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أبي طالب، وحضر مع النبي صلى الله عليه وسلم العقبة الثانية يشترط له على الأنصار، وكان على دين قومه يومئذ؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ96). قال كعب بن مالك: اجتمعنا في شِعب أبي طالب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جاءنا ومعه عمُّه العباس بن عبدالمطلب، وهو يومئذ على دين قومه، إلا أنه أحبَّ أن يَحضُرَ أمر ابن أخيه ويتوثَّق له، فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب، فقال: يا معشر الخزرج، إن محمدًا منا حيث قد علمتُم، وقد منعناه مِن قومنا، ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزٍّ من قومه ومَنعةٍ في بلده، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم، واللحوق بكم، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه، ومانعوه ممن خالَفه، فأنتم وما تحمَّلتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مُسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم، فمن الآن فدَعوه، فإنه في عزٍّ ومَنعة مِن قومه وبلده، قال: فقلنا له: قد سمِعنا ما قلت، فتكلم يا رسول الله، فخُذ لنفسك ولربِّك ما أحببتَ؛ (سيرة ابن هشام جـ2صـ51:50). العباس أسيرًا في غزوة بدر: قال عبدالله بن عباس: كان الذي أسر العباس أبو اليسر: كعب بن عمرو أخو بني سلمة، وكان أبو اليسر رجلًا ضعيف الجسم، وكان العباس رجلًا جسيمًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي اليسر: كيف أسرتَ العباس يا أبا اليسر؟ فقال: يا رسول الله، لقد أعانني عليه رجلٌ ما رأيتُه قبلُ، هيئتُه كذا وهيئته كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لقد أعانك عليه مَلكٌ كريم))؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ8). حزن النبي صلى الله عليه وسلم من أجل العباس: (1) قال يزيد بن الأصم: لَمَّا كانت أسارى بدر، كان فيهم العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسهر النبي صلى الله عليه وسلم ليلته، فقال له بعض أصحابه: ما أسهرك يا نبي الله؟ فقال: ((أنينُ العباس))، فقام رجل، فأرخى مِن وثاقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما لي لا أسمعُ أنينَ العباس؟))، فقال رجل من القوم: إني أرخيتُ مِن وثاقه شيئًا، قال: ((فافعَل ذلك بالأسارى كلِّهم))؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ9). (2) قال مجاهد بن جبر: أسَر العباس رجلٌ مِن الأنصار، ووعَدوه أن يَقتُلوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني لم أنَمْ الليلة من أجل العباس؛ زعمتِ الأنصار أنهم قاتلوه))، فقال عمر: آتيهم يا رسول الله؟ فأتى الأنصار، فقال: أرسلوا العباس، قالوا: إن كان لرسول الله رضًا، فخُذه؛ (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ26صـ290). معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم مع العباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبدالمطلب حين انتُهِي به إلى المدينة - (وذلك بعد الرجوع من غزوة بدر) -: ((يا عباس، افدِ نفسك وابن أخيك عقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر، فإنك ذو مالٍ))، قال: يا رسول الله، إني كنت مسلمًا ولكن القوم استكرهوني، قال: ((الله أعلم بإسلامك، إن يك ما تذكر حقًّا، فالله يَجزيك به، فأما ظاهر أمرك فقد كان علينا، فافدِ نفسَك))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخذ منه عشرين أُوقيةً من ذهبٍ، فقال العباس: يا رسول الله احسِبها لي مِن فداي، قال: ((لا، ذاك شيء أعطاناه الله منك))، قال: فإنه ليس لي مال، قال: ((فأين المال الذي وضعتَ بمكة حين خرجتَ عند أمِّ الفضل بنت الحارث ليس معكما أحد، ثم قلت لها: إن أصبتُ في سفري هذا، فللفضل كذا وكذا، ولعبدالله كذا وكذا؟))، قال: والذي بعثك بالحق، ما علِم بهذا أحدٌ غيري وغيرها، وإني لأعلم أنك رسول الله، ففدى العباس نفسه وابن أخيه وحليفه؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ10:9). كان أكثر الأسارى فداءً يوم بدر العباس، افتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ83). جهاد العباس: شهِد العباس بن عبدالمطلب فتح مكة، وحُنينًا والطائف وتبوك؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ96). روى مسلم عن العباس بن عبدالمطلب، قال: شهِدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمتُ أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلم نُفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفِق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركُض بغلته؛ (أي: يضربها برجله) قبل الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بَغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أَكُفُّها؛ إرادةَ ألا تسرعَ، وأبو سفيان آخذٌ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أي عباس، نادِ أصحاب السمرة))، فقال عباس: وكان رجلًا صَيِّتًا - (أي قويَّ الصوت) - فقلتُ بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة؟ (هي الشجرة التي بايعوا تحتها بيعة الرضوان، ومعناه: نادِ أهل بيعة الرضوان يوم الحديبية، قال: فوالله، لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها، فقالوا: يا لبيك، يا لبيك، قال: فاقتَتلوا والكفارَ، والدعوة في الأنصار - (يعني الاستغاثة والمناداة إليهم) - يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثم قُصِرتِ الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا حين حمي الوطيس)) - التنور، وهو مثل يضرب لشدة الحرب - قال: ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حصيات فرمى بهنَّ وجوهَ الكفار، ثم قال: ((انهزِموا وربِّ محمد))، قال: فذهبتُ أنظُر فإذا القتال على هيئته فيما أرى، قال: فوالله، ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلتُ أرى حدَّهم كليلًا - (أي ما زلتُ أرى قوتهم ضعيفةً) - وأمرهم مدبرًا؛ (مسلم حديث: 1775). عِلم العباس: روى العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه عدة أحاديثَ؛ منها: خمسة وثلاثون في مسند بَقِي بن مخلد، وفي البخاري، ومسلم حديث، وفي البخاري حديث، وفي مسلم ثلاثة أحاديث. وروى عن العباس: ابناه عبدالله وكثير، والأحنف بن قيس، وعبدالله بن الحارث بن نوفل، وجابر بن عبدالله، وأم كلثوم بنت العباس، وعبدالله بن عميرة، وعامر بن سعد، وإسحاق بن عبدالله بن نوفل، ومالك بن أوس بن الحدثان، ونافع بن جبير بن مطعم، وابنه عبيدالله بن العباس، وآخرون؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ79). مناقب العباس: (1) روى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العباس عم رسول الله، وإن عم الرجل صِنوُ أبيه))؛ (حديث صحيح)؛ (صحيح الترمذي للألباني حديث:2960). قال الإمام النووي رحمه الله: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((عم الرجل صنو أبيه))؛ أي: مثل أبيه، وهذا الحديث فيه تعظيم حق العم؛ (مسلم بشرح النووي جـ43صـ64). (2) روى الترمذي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ((إذا كان غداة الاثنين، فأْتِني أنت وولدُك حتى أدعو لهم بدعوة يَنفَعك الله بها وولدَك))، فغدا وغدَونا معه، فألبَسنا كساءً، ثم قال: ((اللهم اغفِر للعباس وولدِه مغفرةً ظاهرةً وباطنةً، لا تغادر ذنبًا، اللهم احفَظه في ولده))؛ (حديث حسن)؛ (صحيح الترمذي للألباني حديث:2962). • قوله صلى الله عليه وسلم: ((مغفرةً ظاهرةً وباطنةً))؛ أي: ما ظهَر من الذنوب وما بطَن منها. • وقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تُغادر))؛ أي: لا تترك تلك المغفرة ذنبًا؛ أي: غير مغفور. • قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم احفَظه في ولده))؛ أي: أكرِمه وراعِ أمرَه؛ كيلا يضيع في شأن ولده؛ (تحفة الأحوذي للمباركفورى جـ10صـ178). (3) روى أحمد عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: ((هذا العباس بن عبدالمطلب أجود قريش كفًّا وأوصلها))؛ (حديث حسن)؛ (مسند أحمد جـ3صـ161 حديث:1610). (4) روى أبو بكر محمد بن عبدالله بن إبراهيم البزاز عن عائشة، قالت: «ما رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم يُجل أحدًا ما يُجل العباس أو يُكرم العباس»؛ (الفوائد لأبي بكر البزاز صـ269 حديث: 266). (5) روى الحاكم عن ابن عباس قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل العباس إجلال الولد والدَه، خاصة خصَّ الله العباس بها من بين الناس»؛ (مستدرك الحاكم جـ3صـ367حديث: 5410). (6) قال علي بن عبدالله بن عباس: أعتَق العباس عند موته سبعين مملوكًا؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ22). (7) صار المُلك في ذُريَّة العباس بن عبدالمطلب، واستمر ذلك، وتداوَله تسعةٌ وثلاثون خليفةً إلى وقتنا هذا، وذلك ستمائة عام؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ99). قوة صوت العباس: (1) كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه جَهْوري الصوت جدًّا، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين: يا أصحاب الشجرة؛ (مسلم حديث: 1775). (2) كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه يقف على جبل سلع، فينادي غِلمانه في آخر الليل، وهم في الغابة (اسم مكان)، فيسمعهم، وبين سلع والغابة ثمانية أميال؛ (مسلم بشرح النووي جـ6صـ360). (3) قال الأصمعي: كان للعباس رضي الله عنه راعٍ يرعى له على مسيرة ثلاثة أميال، فإذا أراد منه شيئًا صاح به، فأسمعه حاجته؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ95). تكريم الصحابة للعباس: (1) كان العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه لم يمر بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا بعثمان بن عفان رضي الله عنه - وهما راكبان - إلا نزَلا حتى يجوز العباس إجلالًا له، ويقولان: عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ98:97). (2) روى أحمد عن عبيدالله بن عباس بن عبدالمطلب، قال: كان للعباس ميزاب على طريق عمر بن الخطاب، فلبس عمر ثيابه يوم الجمعة، وقد كان ذُبِحَ للعباس فَرخان، فلمَّا وافى المِيزاب، صُبَّ ماءٌ بدم الفرخين، فأصاب عمر وفيه دمُ الفرخين، فأمَر عمر بقلعه، ثم رجع عمر، فطرَح ثيابه، ولبس ثيابًا غيرَ ثيابه، ثم جاء فصلَّى بالناس، فأتاه العباس، فقال: "والله إنه للموضع الذي وضَعه النبي صلى الله عليه وسلم"، فقال عمر للعباس: وأنا أَعزِمُ عليك لَمَّا صعِدتَ على ظهري حتى تضَعَه في الموضع الذي وضَعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعَل ذلك العباس رضي الله عنه؛ (حديث حسن)؛ (مسند أحمد جـ3صـ309 حديث:1790). (3) قال محمد بن شهاب الزهري: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون للعباس رضي الله عنه فضلَه، ويقدمونه ويشاورونه ويأخذون برأيه؛ (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ100). التوسل بدعاء العباس: روى البخاري عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحَطوا استسقى بالعباس بن عبدالمطلب، فقال: اللهم إنا كنا نتوسَّل إليك بنبيِّنا فتَسقينا، وإنا نتوسَّل إليك بعم نبيِّنا فاسْقنا، قال: فيُسقون؛ (البخاري حديث 1010 ). صفة دعاء العباس عند الاستسقاء: قال العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنبٍ، ولم يُكشف إلا بتوبةٍ، وقد توجَّه القوم بي إليك لمكاني مِن نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسْقِنا الغيثَ، فأرخَت السماءُ مثلَ الجبال حتى أخصَبت الأرض وعاش الناس، وكان ذلك عام الرمادة؛ (التوسل للألباني صـ63:62). قبس من كلام العباس: روى أبو نعيم عن عامر الشعبي عن ابن عباس، قال: قال لي أبي: "أي بني، إني أرى أمير المؤمنين يدعوك ويُقرِّبك ويَستشيرك مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحفَظ عني ثلاثَ خصال: اتَّق الله، لا يُجرِّبَنَّ عليك كذبةً، ولا تُفشِيَنَّ له سرًّا، ولا تَغتابنَّ عنده أحدًا"؛ قال عامر: فقلتُ لابن عباس: كلُّ واحدة خير من ألف، قال: كل واحدة خير من عشرة آلاف درهم"؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني جـ 1صـ 318). جنازة العباس: قالت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص: جاءنا رسول عثمان بن عفان رحمه الله - ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة - أن العباس قد توفِّي، فنزَل أبي ونزل سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ونزل أبو هريرة، قالت عائشة: فجاءنا أبي بعد ذلك بيوم فقال: ما قدرنا على أن نَدْنُوَ من سريره من كثرة الناس، غُلِبْنا عليه، ولقد كنتُ أُحب حملَه؛  (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ24). حضر عثمان بن عفان غسلَ العباس، وغسله: علي، وابن عباس، وأخواه: قثم، وعبيدالله؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ101). توفِّي العباس بن عبدالمطلب يوم الجمعة لأربع عشرة ليلة خلَت من رجب سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان، وهو ابن ثمان وثمانين سنةً، وصلَّى عليه عثمان بن عفان، ودُفِن بالبقيع في مقبرة بني هاشم؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ22) (الاستيعاب لابن عبدالبر جـ3صـ100). قال الإمام الذهبي رحمه الله: لم يبلغ أحدٌ هذه السن مِن أولاد العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه، ولا أولادهم، ولا ذريته الخلفاء؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ100). رحِم الله تعالى العباس بن عبدالمطلب رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يَجمَعَنا به في الفردوس الأعلى من الجنة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
موقف مع أحد العشرة المبشرين بالجنة - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: دروس وفوائد (PDF)
د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان
04-06-2018
11,446
https://www.alukah.net//culture/0/127437/%d9%85%d9%88%d9%82%d9%81-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%ad%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b4%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a9-%d8%b3%d8%b9%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d9%82%d8%a7%d8%b5-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87-%d8%af%d8%b1%d9%88%d8%b3-%d9%88%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-PDF/
♦ عنوان الكتاب: موقف مع أحد العشرة المبشرين بالجنة - سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: دروس وفوائد. ♦ المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان. ♦ عدد الصفحات: 11. هذه الورقات عبارة عن حديث يحكي موقفًا حصل لصحابي جليل، عظيم القدر، كبير المقام مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -، أحد المبشرين بالجنة، وأحد القادة العظام في التاريخ الإسلامي، نستلهم من هذا الحديث الدروس، ونأخذ منه العبر.
الكتاب المقفص
د. محمد بن حميد العوفي
29-05-2018
3,925
https://www.alukah.net//culture/0/127319/%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d9%81%d8%b5/
الكتاب المُقَفَّص الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد: فهذا مبحث لطيف في نمط من أنماط التصنيف استعمل له شمس الدين السخاوي (ت 902هـ) " التقفيص " وسماً ووظَّفَه لبعض تصانيف عصره [1] . وقد جاء المبحث في ثلاثة مطالب وخاتمة. ♦ المطلب الأول: تعريف المقفص. قال ابن فارس: "قفص: القاف والفاء والصاد كلمات تدل على جُمَعٍ واجتماع. يقولون: تَقَفَّصَ؛ إذا تجمَّع. وقفَّصْتُ الظبيَ؛ إذا شددت قوائمه جميعاً" [2] . قال ابن منظور: "قَفِصَ الفرسُ قَفْصَاً؛ لم يُخْرِج كل ما عنده من العَدْوِ" [3] . وقد وظَّفَ السخاوي " الـمُقَفَّص "؛ فخص به: ( الكتاب المستل من كتاب أو كُتب كاتب مخصوص لذاته، في موضوع مخصوص ) [4] . والمراد: هو أن يأتي المُقَفِّصُ إلى كتاب مخصوص أو كتب كاتب مخصوص فينتزع منه نصوصاً دون النظر إلى غيره من الكتب (بخلاف كتب الزوائد)، وأن تكون النصوص في موضوع واحد. وعليه فحدود هذا النمط من التصنيف هو الآتي: 1- أن يكون الكتاب المقفَّصُ كتاباً واحداً، أو كتب كاتب واحد. 2- أن تكون عامة ما في التقفيص هي النصوص المستلة من الكتاب المخصوص أو من كتب كاتب مخصوص، وقد يزيد المُقفِّصُ شيئاً يسيراً. 3- عناية المُقفِّص بنص الكتاب المخصوص أو كتب الكاتب المخصوص دون غيره. 4- الوحدة الموضوعية للنصوص المُقَفَّصَةِ. ♦ المطلب الثاني: توظيف المقفص. وظَّف السخاوي (ت 902هـ) هذا المصطلح؛ فوسم بعض المؤلفات بـ" التقفيص "، وفيه مسائل: الأولى: مقفصات السخاوي؛ وقد ذكر لنفسه الآتي: 1- "تقفيص ما اشتمل عليه الشفا من الرجال ونحوهم" [5] . 2- "تقفيص قطعة من طبقات الحنفية؛ كان الشروع فيه لسائل" [6] . 3- "الكنز المدَّخر في فتاوى شيخه ابن حجر؛ قفَّص منه الكثير" [7] . الثانية: مقفَّصات شيخه ابن حجر (ت852هـ)؛ وقد ذكر له الآتي: 1- "الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع... قفَّصها في أسبوع" [8] . 2- "التخريج الواف بآثار الكشاف -في مجلدين-... ما زاد غالباً على تقفيص الآثار، ويكتب تخريج الأحاديث من المصنَّف قبله" [9] . 3- "زهر الفردوس؛ قفَّصه. وهو عبارة عن الأحاديث المخرَّجة من غير الكتب المشهورة" [10] . وموضوع " الزهر " كما قال ابن حجر -في مقدمته-: " وغالبها من غير الكتب المشهورة ". وليس الكتاب من باب الزوائد وإن كان أكثر ما في الكتاب منه، وإنما هو تقفيص الغرائب من ( مسند الفردوس ) لأبي منصور الديلمي. الثالثة: ما قفَّصه ابن قطلوبغا (ت 879هـ)؛ وقد ذكر له الآتي: " تعليق مسند الفردوس؛ كله مقفَّص، والذي خرَّجه منه قليل جداً " [11] . ♦ المطلب الثالث: موارد الكتاب المقفص. للكتاب المقفص نوعان من الموارد بحسب المقفّص منه؛ وهما: الأول: الكتاب المخصوص المقفص منه؛ وهو الغالب: كـ" زهر الفردوس " لابن حجر. الآخر: مصنفاتُ مُصَنَّفٍ مخصوص يُقفَّصُ منها؛ كـ" الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع " لابن حجر. الخاتمة وبعد؛ فهذه أبرز نتائج المبحث: 1- الكتاب المقفص: "هو الكتاب المستل من كتاب أو كتبِ كاتبٍ مخصوصٍ لذاته، في موضوع مخصوص". 2- السخاوي هو من وظَّف هذا المصطلح. 3- موارد " الكتاب المقفَّص " تختلف باختلاف المقفَّص منه؛ وهما نوعان. والحمد لله على مَنِّه وبلوغ التمام. [1] هذه إبرازة مهذبة عن سابقتها الأولى. [2] مقاييس اللغة: 5/ 115. [3] لسان العرب: 7/ 78. [4] الصبابات على معجم المصطلحات؛ غير منشور. [5] الضوء اللامع: 8/ 17. [6] الضوء: 8/ 17. [7] الجواهر: 1/ 30. [8] الجواهر: 2/ 669. [9] الجواهر: 2/ 666. [10] الجواهر: 2/ 667. [11] الضوء اللامع: 6/ 186.
قصيدة ثائية في أسماء المجددين وأن منهم الحافظ السيوطي جلال الدين للعلامة بدر الدين الغزي
محمد آل رحاب
26-05-2018
24,072
https://www.alukah.net//culture/0/127253/%d9%82%d8%b5%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%ab%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%af%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a3%d9%86-%d9%85%d9%86%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%88%d8%b7%d9%8a-%d8%ac%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b2%d9%8a/
سلسلة إتحاف الأماجد بنفائس المنظومات والأراجيز والقصائد قصيدة ثائية في أسماء المجدِّدين وأن منهم الحافظ السيوطي جلال الدين للعلامة بدر الدين الغزي (904-984 هـ) الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد: فكنتُ قد نشرت من قبل على شبكة الألوكة أرجوزة: ( تحفة المهتدين بأسماء المجددين )، نظم العلَّامة المجدِّد جلال الدين السيوطي (ت:911 هـ) رحمه الله وطيَّب ثراه، وبعد مدة عثرت على قصيدة ثائية نفيسة ونادرة في نفس الباب للعلامة أبي البركات بدر الدين محمد بن العلامة شيخ الإسلام رضي الدين محمد الغزي العامري الدمشقي الشافعي (ت 984) رحمه الله، وأكرم مثواه، وهو من بيت علم شهير، وأبوه وجده من العلماء النحارير، فوجدته قد عَدَّ ضمن المجددين الحافظ السيوطي رحمه الله، ولعزَّتها وعدم توافرها بين أيدي أهل العلم والباحثين خاصة في تراجم المجدِّدين من العلماء الربَّانيِّين الراسخين، أحببْتُ أن أضبطها وأنشرها؛ ليعم النفع بها، والله الموفِّق والمستعان، وهو حسبي وعليه التكلان. ♦   ♦   ♦ قال رحمه الله: وقصيدتي الثائية المثلثة، الجامعة لأسماء مَنْ قيل فيه: إنه من المبعوثين لتجديد دين الأُمَّة في رأس كل قَرْنٍ، وهي هذه: 1-قد صحَّ في الأخْبارِ أن إلهَنَا في أوَّلٍ من كُلِّ قَرْنٍ باعِثُ 2-مَنْ جَدَّد الدِّينَ القويمَ، وقد رأوا عُمَرَ الخليفةَ أوَّلًا يا حارِثُ 3-والشافعيَّ برأْسِ قَرْنٍ بَعْدَه ُ ويُقالُ: إنَّ الأشْعَرِيَّ الثَّالِثُ 4-والأسْتراباذيُّ قِيلَ ورَجَّحُوا أن السريجيَّ الإمام الوارِثُ 5-والإسفراييني مَعْ سَهْلٍ قَضَى في رابِعٍ فقَضَى بكُلٍّ باحِثُ 6-ورأيْتُ مَنْ عدَّ الإمامَ الباقِلَا نيَّ المجَدِّدَ وهْوَ قَولٌ ثالِثُ 7-والخامسُ: الطوسيُّ [1] حُجَّتنا فَكَمْ خفِيَتْ بطِيبِ ظُهْورِ ذاك خبائِثُ 8-والفَخْرُ [2] سادِسُهم، أو الحَبْرُ الإما مُ الرافعيُّ فَذَاكَ غَيْثٌ غائِثُ [3] 9-والسَّابِعُ: الشَّيخُ الإمامُ ابنُ دَقِيـ قِ العِيدِ جَزْمًا فَهْوَ لَيْثٌ لائِثُ 10-والثامنُ: البلقينيْ قد بَعَثَتْ على إعطائه هذا المقامَ بواعِثُ 11-أو أحمد الغزِّيُّ جدِّي فهْو مَنْ جادَتْ له عِنْدَ الجِدالِ مباحِثُ 12-أو حافِظُ العَصْرِ العِرَاقيُّ الذي زالَتْ بنُصْرَتِه الحدِيثَ حَوادِثُ 13-أما السيوطيُّ الجلالُ فمَنْ يقلْ هو تاسِعٌ لهمُ فما هو عابِثُ 14- ولئن حلفْتُ بأنَّه شيخي الإما مُ الشيخُ زينُ الدينِ ما أنا حانِثُ 15-فبه أغاثَ اللهُ جُلَّ عِبادِه فلجا [4] له العافي ولاذ اللاهِثُ [5] 16-وأظنُّ أنَّ العاشِرَ المهديُّ أوْ عيسى يجيء بدينِ قَرْنٍ حادِثُ [6] 17- فالأمْرُ أقْرَبُ ما يكُونُ فَقَدْ بَدَتْ أشراطُ أُخْرى [7] ، والمسيرُ حثاحثُ 18-فالعالِمُ المحمودُ مَدْحُورٌ وذو ال جَهْلِ الظَّلُوم كذِئْبِ سوءٍ عائِثُ 19- والكِذْبُ فاشٍ والأمانةُ ضُيِّعَتْ والشرُّ فاشٍ [8] والمُعاهِدُ ناكِثُ 20- والقَبْضُ للعِلْمِ ابْتَدَا أوَ ما ترى قبْضَ الأئمة وهْو خطْبٌ كارِثُ 21- والعلمُ يُرفَعُ إذْ أُهِينَ ورَفْعُهُ في الأرْضِ إنْ لم يَبْقَ مِنْهُمْ لابِثُ [9] [1] يعني: الإمام أبا حامد الغزالي صاحب الإحياء (ت 505هـ) رحمه الله. [2] الفخر الرازي. [3] غيث علم وفضل كما لا يخفى [4] بدون همز لأجل الوزن. [5] أي: أغاث بعلمه الجهَّال، فهُرِعوا إليه يَنهَلون مِن مَعين علمه، ويرتوون من عذب سلسبيل فقهه، كما لا يخفى أن العلماء بهم حياة العباد، حياة قلوبهم وأرواحهم، وهم سُرُج العباد الذين ينيرونها بعد ظُلْمة الجَهْل. [6] ولم يصدق ظنه، ولا ظن مَنْ قبله من العلماء في ذلك، والعلم عند الله تعالى، والأمر آتٍ لا محالة، وكل ما هو آتٍ قريب! [7] بالنقل لأجل الوزن. [8] في المطبوع: ناش. [9] يقول هذا في زمنه رحمه الله، فكيف لو رأى ما أحاط بنا من الفتن، وما فشا في أمة الإسلام من البلايا والمحن، واستضعاف العلماء، وتصدُّر الجُهَلاء السقطاء، ونزع البركة من الزمان، وسرعة انقضاء الوقت، وتفشِّي أسباب السخط والمقت؟! وإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا به، نسأله العفو والعافية والنجاة والسلامة من جميع الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وحسن الختام.
أخلاقيات مهنة الإدارة
محمد بن فوزي الغامدي
22-05-2018
79,866
https://www.alukah.net//culture/0/127181/%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%87%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9/
أخلاقيات مهنة الإدارة تعتبر الأخلاقيات عنصرًا مهمًّا في نجاح أي وظيفة في العالم، فالأخلاقيات مطلوبة في جميع الوظائف والمراتب، ومنها الإدارة، فعلى الرغم من تطوُّر وتقدُّم المجتمعات، ومعها الوظائف والإدارات في كل مجتمع، فإننا نرى بعض الممارسات اللاأخلاقية في المؤسسات والوظائف؛ مثل: الفساد الإداري، والرشوة، والكذب، وغيرها من الأمور التي تفسد الرؤساء، وتُضعِف معنويات المرؤوسين، وقد دفعت تلك الممارسات اللاأخلاقية الباحثين والمؤلفين إلى بذل جهودهم في الدراسات والأبحاث والمقالات، لتوعية الإداريين إلى ( تمهين الإدارة أخلاقيًّا )، وتوضيح مفهوم أخلاقيات مهنة الإدارة وأهدافها وأهميتها ومصادرها. ١- مفهوم أخلاقيات مهنة الإدارة: مفهوم الأخلاقيات: هي صفات مستقرة في النفس البشرية، قد تكون فطريةً أو مكتسبةً، ذات تأثير في السلوك، مذمومة أو محمودة. ويُعرِّف ( لنجمان ) في قاموسه الأخلاقيات بأنها مبادئ السلوك أو الآداب التي تحكم الفرد أو الجماعة، وترتبط هذه المبادئ بتحديد ما هو صواب وما هو خطأ في موقف معين. مفهوم أخلاقيات المهنة: هي الصفات السلوكية الحسنة المطلوب تَحْلِيةُ النفس بها في مجال العمل المهني المشروع. مفهوم أخلاقيات مهنة الإدارة: هي الأخلاقيات التي يجب توافرها في الإداري؛ ليُدير بها المنظمة والمرؤوسين نحو الأهداف. وهي عملية إنسانية تحتوي على مجموعة من المبادئ والأُسس التي يعمل بها الإداري، ويتَّخذها معاييرَ تَحكُم سلوكياته في إدارته. ٢- أهمية أخلاقيات مهنة الإدارة: لأخلاقيات مهنة الإدارة أهمية بالغة تكمُن أهميتها في: ♦ تحقيق الأهداف الأخلاقية داخل المنظمة، وزيادة مستوى الوعي الأخلاقي لدى المرؤوسين. ♦ زيادة الإنتاجية في المنظمة من خلال رضا الموظَّفين على أخلاقيات مديرهم وطريقة تعامُله معهم. ♦ تقوية الروابط والعلاقات العملية بين المدير والمرؤوسين. ♦ تساعد أخلاقيات مهنة الإدارة على إيقاف هدرِ الوقت والمال، والاستخدام الأفضل للموارد البشرية والمالية. ٣- الأخلاقيات المطلوبة في مهنة الإدارة: الأخلاقيات الإدارية لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وسنذكر جزءًا يسيرًا؛ منها: ♦ الإخلاص. ♦ الصدق. ♦ الأمانة. ♦ الرحمة. ♦ التواضع. ♦ الصبر. ♦ التسامح. مراعاة الفروق الفردية بين الموظفين. ٤- الأخلاقيات المرفوضة في مهنة الإدارة: كما يوجد أخلاقيات مطلوبة في مهنة الإدارة، يوجد كذلك أخلاقيات مذمومة ومرفوضة لدى الإداري؛ مثل: ♦ الغش. ♦ التدليس. ♦ الخداع. ♦ الكذب. ♦ الظلم. ♦ الرشوة. ♦ سوء التعامل. ♦ الفساد. ♦ إهدار المال. ♦ استغلال المنصب. ٥- مصادر أخلاقيات مهنة الإدارة: يمكن تقسيم مصادر أخلاقيات مهنة الإدارة إلى: ♦ المصدر الديني. ♦ الذات. ♦ الأسرة. ♦ المجتمع. ♦ القدوة الحسنة. ♦ القوانين والأنظمة واللوائح.
التفكير الهادف وضرورته
أشرف الدين خان
17-05-2018
13,440
https://www.alukah.net//culture/0/127085/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d9%83%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%af%d9%81-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%aa%d9%87/
التفكير الهادف وضرورته التفكير هو أحد المميِّزات لبني البشر، ومن العسير أن نجد أحدًا ممن يتمتَّعون بالصحة العقلية، لا يمارس التفكير في شؤونه وشؤون ما حوله؛ من البيئة، والمحيط المكوَّن من الزمان والمكان والأشخاص والأشياء، والمعارف والنظريات، ولكن ما ينقصنا في التفكير هو أن نجعل عادة التفكير مُطَّرِدةً وعامةً في كل شأنٍ من شؤوننا؛ حيث إننا أحيانًا نقوم بعملٍ ما دون تفكيرٍ سابق، والنقص الآخر أننا نُمارس التفكير بطريق غير منهجي؛ مما يؤدي بنا إلى نتيجة غير مرغوبٍ فيها. من مظاهر التفكير اليومي الذي نُمارسه بشكل عادة، أننا - على سبيل المثال - قبل التوجُّه إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة، ننظر إلى الوقت ونظنَّ أن الذَّهاب إلى المسجد والحضور فيه، سوف يستغرق قدرًا معينًا من الوقت، فنخرج من البيت قبل الوقت بقدر ما نصل إلى المسجد قبل قيام الصلاة، وكذلك نحن نَحسِب الوقت المستغرق في الذَّهاب من البيت إلى المكتب؛ حتى لا نتأخَّرَ عن الدوام؛ هذا كلُّه مظهرٌ من مظاهر ممارستنا للتفكير، ولكنه تفكير طبيعي، يمارسه الإنسان بشكل عفوي، لا يحتاج فيه إلى طريقة منهجية علمية. التفكير هو أحد المميِّزات لبني البشر كما بدأنا به هذا المقال؛ حيث إننا لو لاحظنا حياتنا ومحيطنا، نجد أنفسنا محصورين في إطار الاختيارات والتحديات والابتلاءات، والمطلوب منا دائمًا أن نصيب الاختيار، وننجح في التحديات والابتلاءات. ولو فكَّرنا في موضوع اختيار اللباس قبل الخروج إلى العمل مثلًا، فإنه ينبغي علينا أن نختار اللباس حسب الوقت، والموسم، والمهمة ... ومن التجارب الثابتة لنا أننا كثيرًا من الأوقات نُوفَّق في اختيار ذلك، وأحيانًا نُخفِق فيه؛ حيث يتم اختيار نوعٍ من اللباس لا يناسب المقام والبيئة، ولنا أن نقيس على هذا اختيارنا أنواعَ الأطعمة من المائدة التي بين أيدينا، فإننا لا نستطيع أن نتناول كلَّ ما نرغب في تناوله، وإنما يعتمد اختيارُنا على نوعية الطعام وملاءمته لصحَّتنا، فهذا يدل على أن الإنسان ليس محكومًا بالغريزة، ولكنه مُخيَّرٌ، أمامه اختيارات، وله قوة الاختيار ضمن تلك القوائم، وهذا ما يُميِّز بني البشر عن غيرهم من المخلوقات، ويشير إلى هذا قوله عز وجل: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10]. وتكميلًا للفائدة من سَرْد الآيات المذكورة، نقول: إن الله سبحانه وتعالى ذكر بعد ذِكْر هذه الآيات الكريمة نتيجة ثمود التي تعرَّضوا لها بسبب إنكارهم لبعثة الرسول الذي بُعِث فيهم، وإنكارهم أوامرَه، وهذا يدل على أن ثمود لم يُوفَّقوا في الاختيار الصحيح، وتحديد موقفهم تجاه دعوة النبي المبعوث فيهم؛ صالح عليه السلام، وكانت النتيجة تدميرهم، تَحكي الآيات الكريمة: ﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ [الشمس: 11 - 15]. هذا التفكير الذي تحدَّثنا عنه وأشرنا إليه - هو التفكير الطبيعي، يمارسه الإنسان من غير اتِّباع منهجية معينة، وإنما يُفكِّر فيه بحكم الطبيعة والضرورة والتجربة، وهذا يدل على أن مَلَكة التفكير موجودةٌ في طبيعة بني البشر، ولكن المشكلة أننا لا نهتمُّ بأن نُحوِّل هذه الملَكة من حيِّز الطبيعة إلى حيِّز العادة والممارسة؛ حيث لا نتَّخذها عادةً نمارسها في كل وقتٍ، أو في كل حادثٍ من الأحداث، أو في كل ظاهرة من الظواهر التي تتمثَّل أمامنا؛ حيث إن هذا النوع من التفكير يحتاج إلى اتِّباع منهجية معينة، وهذا النوع من التفكير نقصده هنا، وهو التفكير الهادف، مقابل التفكير الطبيعي الذي به بدأنا حديثنا. ويعرف أهل الاختصاص في التفكير بهذا النوع من التفكير بأنه: "نشاط عقلي مَرِن منظَّم، يحاول لأجل حَلِّ مشكلة، أو تفسير ظاهرة، أو التنبُّؤ بها، أو الحكم عليها باستخدام منهج معين؛ من الملاحظة والتحليل والتجريب، للوصول إلى قوانين ونظريات". فمن خلال التعريف المذكور يبدو لنا أن التفكير الهادف له صفات وله أهداف، ومن تلك الصفات أن يكون التفكير مَرِنًا غير مُتصلِّب على نتيجة سابقة أو رؤية شخصية، أو على عاطفة وقتية، لا يتحوَّل عنها إلى غيرها، ويكون التفكير مُنظَّمًا غير عشوائي؛ حيث يتبع هذا النوع من التفكير منهجية معينة، ويعتمد على تفسير وتحليل وأدلَّة وبراهين، دون التخمين والتأمُّل الذاتي والعاطفي، ومن أهداف هذا التفكير: بيان حلٍّ لمشكلة نحن فيها، أو تفسير ظاهرة من الظواهر، أو التنبُّؤ بحدث أو ظاهرة، أو الحكم عليها، ويهدف التفكير الهادف إلى نقل الوضع الموجود إلى وضعٍ أحسنَ منه، وهذا النوع من التفكير ضروري جدًّا؛ حيث بالتفكير وحده وصل بنو البشر إلى هذا التقدُّم الهائل والحضارة الشامخة، وفي المقابل ما ضاعت الحضارة إلا بالإعراض والزُّهْد في التفكير الصحيح، وإعمال العقل في مساره الطبيعي. نجد كثيرًا من الآيات الكريمة من القرآن تحثُّنا على التفكير والتأمُّل والملاحظة والتحليل، ولو نُدقِّق في هذه الآيات، نجد أنها جاءت على طبقات تتناسب مع عصر المخاطبين ومستوياتهم العقلية، ومن الآيات التي تدل على ذلك: قوله تعالى: ﴿ أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 - 20]، وقوله تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 - 32]، وقوله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ ﴾ [الملك: 3، 4]. لو ننظُر في الآيتين الأُولَيَينِ نجد أن ما توحي إليه الآيتان يمكن لمعظم الناس ملاحظته والنظر إليه؛ حيث يبدو لكل ناظرٍ خلقةُ الإبل، ورفعُ السماء، ونصبُ الجبال، وسطحُ الأرض، وكذلك يبدو لكل ناظرٍ صبُّ الماء من السماء، وانشقاقُ الأرض، وإنباتُ الحَبِّ والزروع؛ فالناس ينظرون ويلاحظون هذه الحالات، ويمكن لهم أن يتَّعظوا بها، ولكن الآية الثالثة وما يشبهها من آيات كثيرة يُحتاج في فهْمِها إلى ملاحظات دقيقة وعميقة؛ ذلك أن النظر إلى السماء وطبقاتها لا يتم إلا من خلال ملاحظة عميقة، ولم يكن هذا النوع من الملاحظة ميسورًا لكثيرٍ من الأجيال، حتى تنكشف هذه الحقائق أمام بني البشر، ولكن القرآن الكريم رغَّب المسلمين وبني البشر في مثل هذه الملاحظة؛ ليعلَموا ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ [الطلاق: 12]. وليس التفكير محصورًا على العلماء والباحثين فقط، وإنما يعمُّ التفكير كلَّ عاقل من بني البشر، والتفكير ضروري على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد الأُممي؛ فإننا في شؤوننا العديدة نحتاج إلى التفكير؛ لفهم حياتنا وظروفنا، وحل مشاكلنا، ولتحسين أوضاعنا، وكذلك نحتاج إلى التفكير بوصفنا أُمَّةً؛ للأهداف المذكورة، ولأجل تعميم ضرورة التفكير أحبَبْنا أن نجعل عنوان البحث ( التفكير الهادف ) بدل التفكير العلمي؛ حتى لا يُظَنُّ أن التفكير خاصٌّ بأهل العلم أو العلماء فقط. عملية التفكير - في مستوًى ما - طبيعية، كما أننا نتنفَّس لنعيش، كذلك نحن نمارس التفكير بشكل طبيعي، ولكن هذا التفكير على طبقات وعلى مستويات، ومع هذا نودُّ أن نقتبس بعض الأسباب التي تُوجب علينا هذا النوع من التفكير: بعض الأسباب والمجالات التي توجب علينا العناية بالتفكير: الأول: القرآن يحثنا على التفكير: نظرًا لأهمية التفكير في حياة الناس، فإن الكتاب العزيز جاء حافلًا بالآيات التي تحثُّ المسلمين على تقليب النظر في ملكوت السموات والأرض؛ ليستدلوا بذلك على وجود الخالق المبدع، كما حثَّهم على النظر في أحوال البشر وبدايات خلق الأشياء، وتحريك عقولهم بقياس أحوالهم على أحوال مَنْ سَبَقَهم من الأُمَم؛ حتى لا يُعرِّضوا أنفسهم لمثل ما تعرَّضوا له من عقاب وتدميرٍ، وأمرَهم باكتشاف السُّنَن العليا التي تحكُم حركة الإنسان والكون؛ حتى يختصروا الجهد والوقت، ويُجنِّبوا أنفسهم التصادُمَ معها، وعند قراءة القرآن الكريم نجد عشرات الآيات تحثنا على التفكُّر والتأمُّل؛ يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]. الثاني: التفكير هو علامة الوجود والبقاء: التفكير هو علامة الوجود والبقاء، وخاصية التفكير هي التي تُميِّز بين البشر في المستويات العليا، وحين تُحْرَم أُمَّة أو مجتمع أو جماعة أو فرد من هذه النِّعْمة، فإن الحياة تُصاب بالقَحْط والجدب، وتصبح الأعداد البشرية الهائلة أكداسًا من اللحم والعظم، وكل مشكلة تصيب المجتمع تصبح إحدى لوازمه الثابتة فيه، وتظل تتضاعف حتى إذا شعَر الناس بضرورة الخروج من النفق المظلم، وجدوا أن ذلك لن يحدث إلا بعد تكاليف باهظة مع تضاؤل إمكاناته. الثالث: أحوال العالم الإسلامي اليوم توجب علينا التفكير الهادف، ومن تلك الأحوال: أ ـ كثير من دول العالم الإسلامي يعيش اليوم تحت مستوى الفقر. ب ـ على المستوى الثقافي الشكلي الكمي، فإن نسبة الأُميَّة بين المسلمين البالغين تعني أن أعلى نسبة للأُمِيَّة بين البالغين في العالم، هي من نصيب الدول الإسلامية المعاصرة، وأسباب هذا الخلل كثيرةٌ، يأتي في مقدمتها خللٌ وخطلٌ في مناهج التفكير المتَّبعة في معالجة المشكلات والأزمات. ج ـ الجمود الحضاري: منذ أكثر من قرن وجدنا أن الأفكار النهضويَّة التي نادى بها المصلحون في شتى ميادين الحياة، ما زالت مطالبَ لنا حتى اليوم، ونحن ما زلنا نشكو من العِلَل نفسها؛ من الفقر والجهل والمرض، والتفرُّق والأنانية والظُّلْم، والاستخفاف بالإنسان، ونحن في حالة الانحباس هذه لا نملك سوى التلاوم الدائم؛ كل شريحة تُلقِي اللَّوم على الشرائح الأخرى، وقد يكون اللوم موجَّهًا إلى جيلٍ بأكلمه مع تبرئة جيل آخر على فلسفة ( مشكلاتنا صنعها الجيل السابق، وسوف يحلُّها الجيل اللاحق )؛ هذا الانحباس سببه الرئيس هو عدم القدرة على إدراك طبيعة المشكلة؛ إذ إن وجود أية مشكلة لا يؤدي بالضرورة إلى حلِّها؛ حيث يَملِك أكثر الناس الجَلَد والقدرة على التعايش مع تلك المشكلات مهما تكن قاسية، والوعي بالمشكلات لا يكفي ما لم نتمكَّن من تجزئتها إلى أسباب أساسية وثانوية مثلًا، وهذا لا يتمُّ إلا عن طريق الفكر المتحفِّز الذي لا يعرف طعم الراحة حتى يصل إلى الهدف، فنحن في هذا المقام نحتاج إلى التفكير على الصعيد الأُمَمي. د ـ انعدام فاعلية المبادئ والْمُثُل العليا: لا تشكو أمتنا فَقْرًا في المبادئ أو القيم؛ حيث إن المبادئ التي جاء بها الإسلام سوف تظلُّ قادرةً على تلبية الأشواق الفطرية للإنسانية، وتظلُّ قادرةً على بناء الشخصية العالمية، ولكن المشكلة التي نعاني منها هي انخفاض مستوى فاعلية تلك الْمُثُل والمبادئ في تحريك طاقات المسلمين وجذبها نحوها. من المعروف أن الأُمَّة حين تأخذ في التراجع وتكفُّ مثلَها عن الفعل، تنسحب المضامينُ من كل أنشطتها وجوانب حياتها، وتظل الأشكال رموزًا على المنظومات العقدية، بل قد تؤدي إلى عكس ما أُوجِدت من أجله، وقد صدق الإمام الشاطبي عندما قال: "المقاصد روح الأعمال"؛ حيث إذا فقدت الأعمالُ مقاصِدَها أصبحت أشكالًا بلا معنًى وهياكلَ بلا رُوحٍ، والتفكير السديد هو الذي يساعدنا على إيجاد المخرج من هذه الأزمات. من الضروري أن نُدرك أن هناك علاقةً انعكاسيةً مُطَّرِدةً بين واقع النُّظُم الاجتماعية وبين إطارها المرجعي ومستندها الفلسفي، فحين تصبح النُّظُم الاجتماعية عاجزةً عن إشباع حاجات الناس المعنوية والمادية والارتقاء بهم، فإن النتيجة ستكون قطعًا هي الشكُّ في المبادئ والقيم التي أفرزت تلك النُّظُم؛ إذ إن النظم الاجتماعية تُمثِّل خطَّ الدفاع الأول عن القيم والمبادئ، فإذا ما انهارتْ بدأ العَطَبُ يسري إلى المبادئ نفسها، وقد أدرك السلف هذا وعبَّروا عنه تعبيًرا دقيقًا حين قالوا: "المعاصي برِيدُ الكُفْر"، وحين تقوم النظم الاجتماعية بوظائفها التي أُوجِدت من أجلها، فإن هذا سيعود على القيم التي تستند إليها بمزيد من التمكين والترسيخ؛ إذ إن فلسفة عصرنا يزداد اعتمادُها على مقولة: "دعونا نلمس"، فإذا أمضى الناس وقتًا أطولَ مما ينبغي لقطف ثمار شجرة، يَئِسُوا منها، وجعلوها حطبًا. الرابع: التفكير من أجل اكتشاف السُّنَن: بثَّ الله تعالى في الكون سُنَنًا تتَّصف بالاطِّراد والشمول والثبات، وهذه السُّنَن مبثوثةٌ في الكون والأنفس والمجتمعات، ومن هذه السنن في المجتمعات أن التحوُّل في أكثر الظواهر الاجتماعية يتمُّ ببطءٍ، وعمر الإنسان إذ ما قيس بعمر الحضارات فهو قصيرٌ جدًّا؛ مما يجعل الإنسان يُبصِر مقدمات الحَدَث دون أن يراه، أو يُبصِر نتائجه دون أن يرى مُقدِّماته، وحينئذٍ فإن من السهولة بمكانٍ أن يُصاب المرء باضطراب الرؤية وضلال الأحكام؛ ولذا جاء الأمر الإلهي بالضرب في الأرض: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ [آل عمران: 137]؛ إن الهدف من السير في الأرض هو اكتشاف السُّنَن ما دام الواقع المعيش لا يُتيح للمرء أن يرى الصورة كاملةً بكُلِّ أبعادها، والسير في الأرض ليس سيرًا في المكان فقط، ولكنه أيضًا سيرٌ في الزمان؛ حتى نرى قصة البشرية كاملةً في رُشْدها وغيِّها والعواقب التي آلَتْ إليها. إن السنن توطِّد العلاقة بين الماضي والحاضر والمستقبل، وحين نكتشف سُنَنًا في مجالٍ ما، فإن ذلك يعني سهولة فهم الماضي والحاضر، كما يعني استشرافًا حسنًا للمستقبل؛ مما يجعل المسلم يخرج من عالم التوقُّعات والتخمينات إلى عالم العلم الراسخ الذي يُعتمَد عليه في البناء والعمل، وحين نتجاهل وجود السُّنَن التي تحكمنا، وتحكم الوجود من حولنا، فإن أخطارًا كبيرةً سوف تُحيط بنا، فحين لا ندرك مثلًا أن السُّنَّة في التحوُّل الاجتماعي هي التدرُّج وليست الطَّفْرة؛ فإننا سوف نعتمد أساليبَ ووسائل تُخالف الِفطْرة وسُنَّة التدرُّج، وسوف يؤدي ذلك إلى الاصطدام بالسُّنَّة، وسنحصد عاقبة ذلك. الخامس: تجسيد القِيَم في أشكال وأساليب عملية: في بعض الحالات يجعل الإخلاصُ والحماسةُ الأُمَّةَ تتجاوز مشاكلها من خلال تحمُّل الأفراد، ومن خلال التضحية والعطاء السَّخي، ولكنه لا يستمر إلى فترة طويلة؛ حيث تتراجع العاطفة والتوثُّب الرُّوحي، ليحل محلَّه تيارٌ من الأنشطة العقلية، وبالإضافة إلى هذا فإن اتِّساع القاعدة يجعل إمكانات التواصُل والتأثُّر العاطفي أقلَّ؛ مما يجعل الأمة محتاجةً إلى بلورة مبادئها وقِيَمها في إجراءات يومية تجعل حضورَها ملموسًا، وهذه الإجراءات والأشكال تتمُّ بلورتها من خلال عملية اجتهادية مستمرة، تستهدف إيجاد وظائف محددة للمُثُل العليا، وإيجاد المحفِّزات التي تُنشِّط تلك الوظائف إذا ما اعتراها الفتور، أو انخفضت درجةُ فاعليتها لسببٍ من الأسباب. من الأمثلة على تحويل القِيَم إلى أشكال وأساليب علمية: المبادئ والقِيَم لا تتبدَّل، ولكن تجسيد تلك المبادئ والقِيَم من زمانٍ إلى زمانٍ قد يتغيَّر، نضرب على ذلك مثالًا في تحديد المراد من بعض آيات القرآن الكريم؛ يقول الله عز وجل: ﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ [الماعون: 7]، وفي آية أخرى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، لو ندقِّق في تحديد المراد من كلمتي "الماعون" و"الفاحشة"، نجد أن المراد بهما قد يختلف باختلاف الأزمنة والأعراف؛ فالماعون الذي كان رائجًا في زمان قبل مائة سنة، لم يبق رائجًا في الزمان الحاضر، وكذلك ما نعتبره اليوم ماعونًا قد لا يعتبره الناس ماعونًا بعد 50 سنة على سبيل المثال، وكذلك يختلف المراد بالفاحشة في الآية الثانية من زمان إلى زمان؛ فالفاحشة التي كان الكفَّار يُشيعونها في مجتمعات الأمة الإسلامية قبل مائة سنة، من الممكن أن تكون غير موجودة أو رائجة في الزمان الحالي، وما يُشاع اليوم من الفواحش من الممكن أن يختفي بعد فترة من الزمان، ولكن الكلمة الأساسية وهي الماعون والفاحشة، لا تزال تُطلَق، ولكنَّ الكلمتين الأساسيتين - وهما: الماعون والفاحشة - ما تزالان تُطلَقان على ذلك المراد، كذلك في المبادئ والقيم؛ حيث إنها لا تتغيَّر، ولكن تجسيدها وصور تطبيقها قد يختلف في زمان وفي بيئة، قد يختلفان في زمان آخر وبيئة أخرى، ونقتبس مثالين على هذا: أ ـ الشورى: الشورى مبدأ من أهم المبادئ الإسلامية، وحين كان المجتمع ضيق الرُّقعة، فإنه كان بالإمكان الاعتماد على الشورى العفوية المعتمدة على معرفة الخليفة بأهل الحَلِّ والعَقْد، وحين اتَّسعت رُقعة الدولة الإسلامية كان لا بد من تطوير الصِّيغ الشورية بما يتناسب مع الأوضاع الجديدة، ولكن الذي حدث هو بقاء الشورى عفويةً .. ونظرًا لضَعف خبرتنا التاريخية، فإن الإحساس بضرورة بلورة هذا المبدأ في أشكال مُنظَّمة ما زال ضعيفًا، والأضعف منه المقدرة الفنية على ابتكار الطرق الملائمة لأوضاعنا الخاصة، ولن نتمكَّن من عمل شيءٍ في هذه السبيل إلا بالتفكير الجادِّ المرتكز على قاعدة جيدة من المعلومات. ب ـ الوحدة: الوحدة هو هي المحور الذي ينحاز إليه أهل السنة والجماعة، ولكن مع ذلك فإن الفُرْقة والاختلاف نالا القسط الأوفر من شكايات المسلمين على مدى التاريخ الإسلامي، وكان كثير من الغيورين يسعون إلى معالجة ذلك الداء بالاتجاه إلى توكيد مبدأ الوحدة، من خلال سوق نصوص الكتاب والسنة، وأدبيَّات الوحدة والجماعة، ولم يكن ذلك هو الحل ولا ما يقاربه؛ حيث إن الوحدة مبدأ ثابت عند المسلم، ولكن كان المطلوب دراسات مطولة، وإعمالًا مستمرًّا للفكر في البحث عن الأسباب التي تُؤدي إلى الشقاق؛ من الجهل والهوى والظُّلْم، كما كان المطلوب أن نأخذ عينات من نماذج الانشقاقات الكبرى في تاريخنا لدراستها، واستخلاص العِبَر منها، وكان من جملة المطلوب كذلك أن نتَّجه إلى الأُطُر الوحدوية التي تتناسب مع الظروف المعقَّدة، والمعطيات الجغرافية الجديدة، بما يُحقِّق شكلًا من أشكال التوحُّد، ويسمح في الوقت نفسه بمرونة الحركة للشعوب الإسلامية وَفْق خصوصياتها والمراحل الحضارية التي تمرُّ بها. إن كل ما ذكرناه من مجالات التوظيف للقيم، وما ذكرناه من الأزمات والمشكلات - لا يمكن حلُّه إلا من خلال التفكير المنظَّم الواعي المدرك لأسباب تلك المشكلات وجذورها، يمدُّه استقراءٌ واسعٌ لحاجات المسلمين المعاصرة، من أجل استخلاص العِبَر من الماضي وتخفيف عناء الحاضر. وكل هذا يدل بوضوح على أن التفكير شيء حيوي في حياة الأفراد والأمة؛ فبهذا التفكير يرتقي الأفراد والأمة، وبالابتعاد عنه أو الانحراف فيه تنحَطُّ الأُمَّة والأفراد، وإن كل شيء يتمثَّل في الذهن والفكر أولًا، فإذا أراد إنسان أن يبني شيئًا، فإنه يُفكِّر فيه ويَحلُم به، ثم يتمثَّل هذا الشيء الحلم في الواقع، فنحن إن لم نفكر في شيء، فلن نحصل عليه، ولن يتمثَّل هذا الشيء أمام أعيننا، فإننا في أَمَسِّ الحاجة إلى التفكير وتفعيله وتوسيعه؛ ليشمل كل مجالٍ من مجالات الحياة، وكل مستوى من مستويات الحياة.
العشرة المبشرون بالجنة (PDF)
مسعد حسين محمد
16-05-2018
50,678
https://www.alukah.net//culture/0/127062/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b4%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d9%88%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a9-PDF/
♦ عنوان الكتاب: العشرة المبشرون بالجنة . ♦ المؤلف: مسعد حسين محمد. ♦ دار النشر: دار الدعوة للنشر والتوزيع. ♦ سنة النشر: 1436 هـ - 2015 م. ♦ عدد الصفحات: 154. ذكر مناقب العشرة المبشرين بالجنة من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وطرفًا من جهادهم وسيرتهم العطرة، وهم المذكورون في الحديث الذي رواه كل من عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد عن النبي أنه قال: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة".
حلقة نقاشية بعنوان: من أنا؟ ما هويتي؟
أ. منى مصطفى
16-05-2018
5,988
https://www.alukah.net//culture/0/127061/%d8%ad%d9%84%d9%82%d8%a9-%d9%86%d9%82%d8%a7%d8%b4%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d8%b9%d9%86%d9%88%d8%a7%d9%86-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d9%86%d8%a7%d8%9f-%d9%85%d8%a7-%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%aa%d9%8a%d8%9f/
حلقة نقاشية بعنوان: من أنا؟ ما هويتي؟ تصلُح أيضًا مسرحية يُمثلها الطلاب في أنشطتهم، ستدير الحلقة طالبةٌ ويُشاركها عشر طالبات. ( الطالبات يَجلسْنَ على شكل نصف دائرة فوق المسرح، وتتوسَّطُهنَّ مديرة الحلقة ). البداية: تقف مديرة الحلقة (إيمان) وتُلقي هذه المقدمة: إيمان: في إحدى حصص التحدُّث طرَحت المعلمة سؤالًا أخذ من نفسي ومن تفكيري، وفكَّرت كثيرًا فيه، ثم قررت مناقشتكم فيه، بل أريد أن يسأله كلٌّ منَّا لنفسه، السؤال هو: مَنْ أنت؟ • فكرت كثيرًا: حقًّا، مَنْ أنا؟ مَنْ أكون؟ في الحقيقة جلست أفكِّر كثيرًا في الإجابة عن هذا السؤال، ولأنه سؤال صَعْب يبعَث الحيرة في النفس، أخذتُ أبحثُ حتى توصَّلتُ إلى أن معرفة النفس شيءٌ صَعْبٌ حقًّا، فالإنسان لديه رُوح وجسدٌ، وكلاهما عظيم، فالرُّوح حجَب كُنْهَها ربُّ العباد عن البشر، وقال: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]، أما الجسد فهو عظيم أيضًا، غير أن الله كشَف لنا شيئًا من سرِّه، وجعله مدادًا للتأمُّل؛ حيث أمرنا سبحانه بالوصول لقُدرته وعظمته من خلال هذا الجسد المعقَّد في تركيبه، والعظيم في صناعته؛ فقال تعالى: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ ﴾ [الذاريات: 20، 21]. وحتى أخرُجَ من دائرة الأفكار الواسعة هذه، أعَدْتُ السؤال على معلمتي: مَنْ أنا؟ فقالت: اعرِفي هُويَّتك تَعرِفي من أنت. لقد أخذتني إلى زاوية بعيدة عن الجسد وعن الرُّوح أيضًا، لكنها مهمة! فبات السؤال: ما هُويَّتي؟ توجَّهت بالسؤال إلى صديقاتي لعلِّي أجد عندهنَّ ما يَشْفي غُلَّتي، فنظَّمْتُ هذه الحلقة النقاشية تحت عنوان: ما هُويتي؟ (تستدير لأعضاء الحلقة): إيمان: زميلاتي الحبيبات، أتوجَّه بالسؤال إليكم: ما هويتنا؟ • تَستأذن ربا وتقول: الإجابة يسيرة يا إيمان، فأنت عربية! إيمان: ما معنى عربية؟! ربا: تعني أنك تتحدثين العربية، وتسكنين شبه جزيرة العرب! إيمان: نعم، نعم، أتحدَّث العربية، يا لها من لغة، أتدرين يا ربا كم تأخذني أشعارها، ويَخفُق قلبي لتعبيراتها! تذوَّقي معي قول الشاعر: وأشَدُّ ما لاقَيْتُ مِنْ ألَمِ الجَوَى قُرْبُ الحَبِيبِ وما إليه وُصُولُ كالعِيسِ في الْبَيْداءِ يَقْتُلُها الظَّمَا والماءُ فوق ظُهُورِها مَحْمُولُ ربا: معنًى جليلٌ حقًّا ومؤثِّر، أما أنا فيُعجبني قولُ أمير الشعراء في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم: وُلِدَ الهُدى فالكائِناتُ ضِياءُ وَفَمُ الزَّمانِ تَبَسُّمٌ وثَناءُ نِعْمَ اليَتيمُ بَدَتْ مَخايِلُ فَضْلِهِ واليُتْمُ رِزْقٌ بَعضُهُ وَذَكاءُ يا مَنْ لَهُ الأخْلاقُ ما تَهوى العُلا مِنْها وما يَتَعَشَّقُ الكُبَراءُ زانَتْكَ في الخُلُقِ العَظيمِ شَمائِلٌ يُغْرَى بِهِنَّ ويُولَعُ الكُرَماءُ أمَّا الجَمالُ فأنْتَ شَمْسُ سَمائِهِ وَمَلاحَةُ الصِّدِّيقِ مِنكَ أَياءُ وَالحُسْنُ مِن كَرَمِ الوُجوهِ وخَيْرُهُ ما أُوتِيَ القُوَّادُ وَالزُّعَماءُ تستأذِن ريان فيُؤذن لها: أتدرين يا إيمان، لغتنا أعظم اللُّغات على وجه الأرض؛ فقد قال عنها الإمام ابن تيمية رحمه الله: "إن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظمِ شعائر الأُمَم، وبها يتميَّزون، فاعلَموا - حفِظكم الله - أن اعتياد اللغة يُؤثِّر في العقل والخُلُق والدين تأثيرًا قويًّا بيِّنًا، ومعرفتها فرضٌ وواجبٌ؛ لأن فَهْمَ الكتاب والسُّنة فرضٌ، ولا يُفْهَم إلا بفَهْم اللغة العربية". أميرة: هل تسمحون لي بمداخلة؟ إيمان: تفضَّلي يا أميرة. أميرة: اللغة أيضًا قوة؛ قوة تَحمي كالسلاح، أَمَا سَمِعْتم قول مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: ما ذَلَّت لغةُ شعبٍ إلا ذَلَّ، ولا انْحَطَّتْ إلا كان أمره في ذَهابٍ وإدبارٍ، وأن هذه العربية بُنِيَتْ على أصلٍ يجعل شبابها خالدًا أبدَ الدهر، فلا تَهرَمُ ولا تموت، ليس هذا فحَسْب، بل شهِد لها غيرُ أهلها أيضًا، أما قرأتُم أقوالَ المستشرقين عنها؟ • يقول المستشرق مرجليوث الأستاذ بجامعة أُكسفورد: "اللغة العربية لا تزال حيَّةً حياةً حقيقيةً، وهي واحدة من ثلاث لغات استولت على سكان المعمورة استيلاءً لم يَحصُل عليه غيرها". • يقول المستشرق جاك بيرك: "اللغة العربية لغةٌ المستقبل، ولا شكَّ أنه يموت غيرُها، وتبقى حيَّةً خالدة". روان تستأذن فيُؤذَن لها: أنا يُعجبني قول الخليفة عمر بن الخطاب: " تعلَّموا العربية؛ فإنها من دينكم، وتعلُّمُها يَزيد مِن المُروءة" ، حقًّا فما رأيت بارًّا بهذه اللغة إلا فيه مِن المُروءة ما يَجعله مميَّزًا في خُلُقه عما سواه. تعلِّق إيمان: فما بالكم بالله عزَّ وجل الذي امتدَحها عندما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 192 - 195]. جوزاء: العجيب يا صديقاتي أن الله تفضَّل على أهل العربية خاصةً بنعمة عظيمة، ربما لم يَلتفت إليها أحدٌ، سأسألكم سؤالًا: هل مِن السهل أن يتحدَّث أحدٌ بكلام الله؟ • بالطبع لا، ولا يكون أبدًا إلا بِمِنحةٍ إلهية، فمَنْ هذا المخلوق الذي يُمكن له أن يتحدَّث بكلام الخالق؟! فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: لولا أن الله يسَّر القرآن على لسان الآدميين، ما استطاع أحدٌ مِن الخلق أن يتكلَّم بكلام الله عز وجل، وقد أقرَّ هذه الحقيقة قوله تعالى: ﴿ فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا ﴾ [مريم: 97]. إيمان: بارَك الله فيك يا جوزاء، ذكَّرتِني برائعة حافظ إبراهيم (اللغة العربية تتحدَّث عن نفسها)، أيوجد بينكم مَنْ يحفظُها؟ رؤى: نعم يا إيمان، أنا أحفَظُها ومستعِدَّة لإلقائها عليكم الآن. إيمان: تفضَّلي يا رؤى. محمد: هذه من أحبِّ القصائد إلى نفسي، كلَّما قرأتُها، شعَرتُ بهيبة اللغة وكأنها أمٌّ تشكو أبناءها وتَنصَحُهم وتُحذرهم، فاستمعوا لقولها: أنا البَحْرُ في أحْشائه الدُّرُّ كامِنٌ فهل ساءَلُوا الغوَّاصَ عن صَدَفاتي أَيَهْجُرُني قومِي عفا الله عنهمُ إلى لغةٍ لَمْ تتَّصِلْ برُواة ِ وسِعْتُ كتابَ اللهِ لَفظًا وغايةً وما ضِقْتُ عن آي به وعِظاتِ فكيف أَضِيقُ اليومَ عن وَصْفِ آلةٍ وتَنْسِيقِ أسماءٍ لِمُخْترَعاتِ فلا تَكِلُوني للزَّمانِ فإنَّني أخافُ عليكمْ أنْ تَحِينَ وَفاتي إلى مَعْشَرِ الكُتَّابِ والجَمْعُ حافِلٌ بَسَطْتُ رجائِي بَعْدَ بَسْطِ شكاتِي فإمَّا حَياةٌ تَبْعَثُ الْمَيْتَ في البِلَى وتُنْبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي وإمَّا مَماتٌ لا قيامَةَ بَعْدَهُ مَماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بِمَماتِ إيمان: بارَك الله فيك يا رؤى، أحسنتِ الإلقاء والانتقاء أيضًا. رؤى: شكرًا إيمان، ولكني أرى هُويَّة أخرى توقَّد ذِهني لها الآن بسبب حديثكم، أنت يا إيمان مسلمة، هُويَّتُك الإسلام! إيمان: وهل في ذلك شكٌّ؟ هل تقصدين أن هُويتي تكون: أنني عربية مسلمة. رؤى: حقًّا، نحن عرب مسلمون، جدُّنا عمر؛ عمر الفاروق، رجل يَخافه الشيطان، فإن وجده في طريق ذهَب من طريقٍ آخَرَ. تقف مريم دون استئذان رافعةً صوتها: أثْقَلْتُم علينا، أنا كويتيةٌ وكفى. ترد جوزاء: وأنا مصرية أيضًا وكفى. تضيف شام: أما أنا فمن سوريا؛ سوريا المقتولة من الوريد إلى الوريد. ترد رؤى: لأجل سوريا وفلسطين وليبيا وبورما. نحن مسلمون، فإن تألَّم مسلمٌ في قطب الأرض الشمالي، بكيتُ له ودعَمتُه، وإن كنتُ في قطبها الجنوبي، ألَم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاُطفِهم، كَمَثَلِ الجَسَدِ الواحد، إذا اشتكى منه عُضْوٌ تداعى له سائرُ الجَسَدِ بالسَّهَر والحُمَّى)). ولا نستطيع أن نُنكر حبَّ الأوطان؛ فإنه يَسري في الدماء، ومثلُه حبُّ المسلمين مهما كان وطنُهم، وتزيد جوزاء: صدقتِ يا رؤى، والله إني أتألَّم لهم كأنهم إخواني، من أبي وأمي ويزيد، اللهم كُنْ للضُّعفاء في بقاع الأرض، (يعود الجميع لمقاعدهم). أميرة: هل تسمحون لي بمداخلة؟ مريم: تفضَّلي يا أميرة. أميرة: ألا تذكرون خُطبة الوداع لرسول الله صلى الله عليه وسلم التي قال فيها: ((أيها الناس، إن ربَّكم واحد، وإن أباكم واحدٌ، كُلُّكم لآدمَ، وآدمُ من تراب، أكرمُكُم عند الله أتقاكم، وليس لعربيٍّ على عَجَمِي فضْلٌ إلا بالتقوى)). مريم: أنا أحب التسامح، أنا عربية مسلمة كويتية، ولكني إنسانة، أَرِقُّ لهذا المخلوق الذي كرَّمه ربُّه، وجعله خليفةً في الأرض مهما كانت هُويَّته، وأَشعُر أن هذا من الدين، هل نسيتُم المرأة البغيَّ التي غفَر الله لها بسبب كلب؟ لقد تذكَّرتُ موقفًا من السيرة حول معنى الإنسانية، موقف السيدة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أجارت زوجَها وهو ما زال كافرًا، فأجارَه رسول الله ولم يَخذُل ابنته، بل ردَّ عليه صحابة رسول الله أمواله كاملةً إكرامًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أنه كان كافرًا ولم يُسلِم بعْدُ! ريماس: إذًا أفهَم من هذا الحوار المثمر النافع أنني إنسان، أنا إنسان أتحلَّى بكل قيم الإنسانية كما علَّمها لنا مثال الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم؛ مثل: (الصدق، والأمانة، والرحمة، والكرم، والتواضع، والتفاؤل...). رؤى: نعم يا ريماس، ولكن في حدود الولاء لهذا الدين المبارك، فلا أستحيي من تعاليمه بحجَّة أنني إنسان أُشارك كل إنسان في المبادئ والقيم الإنسانية. إيمان: يا حبيبات، لا تَأْخُذْنَني في النقاش بعيدًا كما تَفْعَلْنَ مع أ. منى، حديثي عن الهُويَّة فقط، وليس عن علاقتك بالآخرين، فمن المعروف أن ديننا نظَّم علاقتنا بكل شيء، حتى الحيوان والجماد، ألا تَذْكُرْنَ المرأة التي دخلت النار بسبب قطة حبَسَتْها، لا هي أطعمَتْها، ولا هي تركتها تأكُل من خشاش الأرض. وكذلك نظَّم علاقتنا بالجمادات عندما قال حبيب الله صلى الله عليه وسلم عن جبل أحد: ((أُحُدٌ جبلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّه)). لكن لو لَخَّصْنا ما خرَجنا به من هذا النقاش، فستكون هُويتنا أنني عربية مسلمة، وهي هُويَّة تحت مظلَّة الإنسانية، فأنا إنسان، أنا إنسان أحمِل القيم الإنسانية بمفهوم الإسلام!
صراع الحوارات
أ. عاهد الخطيب
14-05-2018
4,948
https://www.alukah.net//culture/0/127010/%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa/
صراع الحوارات الأصل في أي برنامج حواري بين طرفين أو أكثر - أن يَعرِضَ كلُّ شخصٍ وجهةَ نظره عن المسألة المطروحة للبحث بأسلوب حضاري هادئ، بعيدٍ عن التشنُّجات والإثارة والتعصب والألفاظ النابية، بهدف تسليط مزيدٍ مِن الضوء عليها، ورفْعِ وعي المتابع، ومَدِّه بمعلومات جديدة؛ لكسبِ تأييده بتقديمه للأدلة والشواهد التي تَدْعَمُ رؤيتَه، ومِن ثَمَّ كَسْبُ رأي عموم الجمهور المتابع لصالح وجهة نظره عن الموضوع، ولا بأسَ طبعًا مِن بعض الاندفاع أو الحماس التلقائي غير المتكلف ضمن حدود معقولة؛ لتأكيد مسائلَ أو نقاط معينة يراها المتحاورُ بالغةَ الأهمية. لكنَّ ما نراه منذ زمنٍ - وما زال في بعض برامجنا الحوارية العربية الساخنة، وربما الملتهبة في بعض الأوقات - هو تقريبًا نقيضُ ذلك؛ حيث يَستميت كلُّ طرفٍ في الدفاع عن وجهة نظره بشتَّى الوسائل، بتسخيفه للآخرين وتَحقيرهم، وشَتْمِهم أحيانًا برفْع الصوت الذي يصل إلى حدِّ الصُّراخ، مع الانفعال الشديد الذي قد يَقلِبُ الحوارَ مِن تلاسُن عنيفٍ إلى تراشُق بما هو متوفر من أشياء على طاولة الحوار، وأحيانًا يتطوَّر الأمرُ إلى عراك جسدي ومضاربات تستدعي تدخُّلَ المقدِّم وطاقمِ عمل الأستوديو؛ لفضِّ الاشتباك، وإنهاء منظر هذا الصراع المخجل المثير للاشمئزاز. السبب واضحٌ، وهو أن أغلب هؤلاء المتحاورين لم يَحضُر أصلًا لهدفِ النقاش البنَّاء؛ ليُعطي ويأخذ، ليُقنِع ويَقتنع، بل جُلُّ همِّه تسجيلُ أكبرِ عددٍ من النقاط ضد خَصْمه كما يَحصُل في المنافسات الرياضية، ولو بطريقة غير قانونية قد تَنطلي على الحَكَمِ؛ ليَبدوَ أمام مؤيِّديه بمظهر الفائز في النهاية، وحتى لو قدَّم الطرفُ الآخر من الحُجج والبراهين الموضوعية ما يُدحِضُ وجهةَ نظره. للأسف الجمهور نفسُه في أحيانٍ كثيرة ليس بأفضلِ حالًا مِن المتحاورين، فطيفٌ واسع مِن المتابعين لهذه البرامج الحوارية، ليستْ غايتُهم الفائدةَ والاستماع بالدرجة الأولى، بل الاستمتاع بقيام مَن يَصْطَفُّون معَه مسبقًا من الأطراف المتحاورة بسَحْق خصومه بأيَّة طريقة كانت، حتى لو تجاوَز الحدودَ، وخرَج عن الموضوعية تمامًا، كما تؤيِّد الغالبيةُ فريقَها، وتُهلِّل له، وتتعصَّب عندما يُسجِّل هدفًا تَحومُ حولَه الشكوكُ.
أثر النص المدرج في الكتاب العربي المخطوط
د. محمد بن حميد العوفي
13-05-2018
4,215
https://www.alukah.net//culture/0/126971/%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%ac-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7/
أثر النص المدْرَج في الكتاب العربي المخطوط الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد: فهذا مبحث لطيف في النص المدرج في الكتاب العربي الخطوط ( ترجمة سعيد بن سعد البخاري -أنموذجاً- ). وقد جاء المبحث في أربعة مطالب وخاتمة. المطلب الأول: النص المدرج في الكتاب. قال الأزهري (ت370هـ): "أدرجت الكتاب في الكتاب: إذا جعلته في دَرْجِه؛ أي: في طَيِّه" [1] . والنص المدرج في الكتاب: "هو النص الدخيل في الكتاب دون تمييز" [2] . المطلب الثاني: زيادات أبي الحسن القطان القزويني (ت345هـ) على كتاب ابن ماجه (ت273هـ). جاء في ( سنن ابن ماجه ): "حدثنا أبو عثمان البخاري سعيد بن سعد..." [3] . قال المزي (ت742هـ): "من زيادات أبي الحسن بن سلمة الراوي عن ابن ماجه، ولكنه وقع في بعض النسخ مدرجاً في الأصل غير مميز؛ فظنه بعض الكتبة من شيوخ ابن ماجه، فكتبه ولم يذكر أبا الحسن بن سلمة في أوله، ومن أدل دليل على صحة ما قلناه أنه ليس له ذكر في رواية إبراهيم بن دينار عن ابن ماجه، ولو كان من أصل التصنيف لذكره إبراهيم بن دينار كما ذكره غيره، فلما سقط من رواية ابن دينار، ولم يذكر أحد المتقدمين أن ابن ماجه روى عنه، وذكروا أن أبا الحسن بن سلمة روى عنه، ووجدنا لأبي الحسن عدة أحاديث قد زادها عن مشايخه، علمنا أن هذا مما زاده. والله أعلم" [4] . وبيّن ابن العراقي (ت 826هـ) عبارة المزي، فقال: "لم يفصل بينه وبين أحاديث السنن بما يميزه" [5] . المطلب الثالث: استدراك أبي موسى عبد الله بن عبد الغني (ت 629هـ) الترجمة على كتاب أبيه. استدرك أبو موسى الترجمة على كتاب ( الكمال في أسماء الرجال ) [6] لأبيه الحافظ عبد الغني المقدسي (ت 600هـ) -عملاً بالزيادات المدرجة-. قال المزي: "قال في الأصل: سعيد بن سعد أبو عثمان البخاري، روى عنه ابن ماجه. وهو مما زاده أبو موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني -رحمه الله-" [7] . وتبعه الذهبي (ت 748هـ) [8] ، وابن العراقي [9] . المطلب الرابع: استدراك الضياء المقدسي الترجمة على ابن عساكر -عملاً بالزيادات المدرجة-. قال الضياء (ت643هـ):"سعيد بن سعد أبو عثمان البخاري؛ شيخ (ق) ولم يذكره. روى عنه في (السنن) في الجزء الأول حديثين موقوفين" [10] . قال المزي: "ذكره الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي؛ فيما استدركه على صاحب (الشيوخ النبل)" [11] . وقال ابن العراقي: "استدرك هذا الضياء المقدسي" [12] . وقال ابن حجر: "ذكره الحافظ الضياء؛ فيما استدركه على ابن عساكر في (الشيوخ النبل)" [13] . الخاتمة وبعد؛ فهذه أبرز نتائج البحث: 1- النص المدرج في الكتاب: هو النص الدخيل في الكتاب دون تمييز. 2- وَقَعَ إدراج زيادات أبي الحسن في ( سنن ابن ماجه ) دون تمييز في بعض النسخ دون بعض؛ فظنه بعض الكتبة من شيوخ ابن ماجه فلم يذكر أبا الحسن في أوله. 3- استدرك أبو موسى بن عبد الغني والضياء المقدسي ما زاده أبو الحسن في ( سنن ابن ماجه )؛ فاستدرك أبو موسى على كتاب أبيه ( الكمال في أسماء الرجال )، واستدرك الضياء على كتاب ابن عساكر (ت571هـ) ( الشيوخ النبل ). 4- مكانة الإمام المزي في نقد نُسَخِ الكتاب، وأنّ مَنْ بَعْدَه عيال عليه فيه. 5- صيانة النصوص بمقابلة النسخ الصحيحة بعضها ببعض. 6- محاكمة النصوص المشكلة إلى الدلائل العلمية الثابتة. 7- الإفادة من آراء العلماء النقدية المعنية بالنصوص. والحمد لله على منّه وبلوغ التمام. [1] تهذيب اللغة: 10/ 339. [2] الصبابات على معجم المصطلحات -غير منشور-. [3] سنن ابن ماجه: ح 74. [4] تهذيب الكمال: 10/ 461. [5] الإطراف: ح 402. [6] الكمال: ترجمة 2859. [7] تهذيب الكمال: 10/ 460. [8] التذهيب: ترجمة 2311. [9] الإطراف: ح 402. [10] جزء الأوهام في المشايخ النبل: ترجمة 16. [11] التهذيب: 10/ 461. [12] الإطراف: ح 402. [13] تهذيب التهذيب: 4/ 36.
حمى الاستهلاك
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
10-05-2018
4,565
https://www.alukah.net//culture/0/126937/%d8%ad%d9%85%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%87%d9%84%d8%a7%d9%83/
بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) حمَّى الاستهلاك ♦ تمر بقصور الأفراح المنتشرة في أرجاء البلاد فتجد الحضور الكثير والعدد الغفير من النساء اللاتي يصرفن على حضورهن الغالي والنفيس والثقافة السائدة والعادة المشتهرة لديهن ( لكل ليلة زواج فستانها الجديد واستعدادها الفريد وطابعها الحديث الذي لا يتكرر مرة أخرى ولا يشاهد في ليلة ثانية ). ♦ يقترب شهر رمضان وموسم الصيام فتتوافد الجموع لمراكز البيع ومواقع التموين الغذائي في تنافس محموم وتزاحم مشاهد لملأ المنازل والبيوت بأصناف الأغذية وأنواع الأطعمة وكأن البلد مقبل على أزمة جوع أو فترة مسغبة. ♦ عند نهاية مواسم الطاعات واقتراب الأعياد الشرعية يلهث الكبير والصغير والرجل والمرأة خلف الألبسة الجديدة والموديلات الحديثة والماركات الجذابة بثقافة ( البس جديداً لكل عيد ). ♦ وعند نهاية الإجازة وبداية الدراسة تنطلق جحافل المشترين لتجوب محلات القرطاسية والأدوات المكتبية لتزويد الأبناء بالجديد من الاحتياجات المدرسية وإن كانت القديمة صالحة للاستعمال أو قابلة للاستخدام. ♦ هذه جملة من المواقف اليومية والمشاهد الموسمية التي عشناها خلال الثلاثة عقود الأخيرة والتي تدل على أزمة اجتماعية ومشكلة ثقافية تؤرق المفكرين وتقلق المصلحين ألا وهي ( حمَّى الاستهلاك ). ♦ هذه المشكلة وتلك المعضلة جعلت الفرد بطريقة إرادية أو عفوية - شيئاً فشيئاً - يتمركز حول المادة ويتمحور عند المنتَج، فيسعى ويحفد ويكد ويكدح ويستدين ويقترض ويصارع ويقارع من أجل التميز والتفرد والتحضر والتمدن والترف والتنعم والاستعلاء والتكبر والسمعة والرياء، في غياب واضح وأفول متدرج للقيم المعنوية والمبادئ الأخلاقية والقواعد الدينية والمعايير الإنسانية أمام تشيؤ الذات وسطوة المادة وسلطة المدنية وإحساس الفوقية وشعور النرجسية. ♦ ومضة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا، وتصدقوا، والبسوا في غير إسراف، ولا مخيلة».
بسام عبد الوهاب الجابي.. قلب لم يعرف الزيف
إبراهيم عمر الزيبق
09-05-2018
9,228
https://www.alukah.net//culture/0/126932/%d8%a8%d8%b3%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d9%8a..-%d9%82%d9%84%d8%a8-%d9%84%d9%85-%d9%8a%d8%b9%d8%b1%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d9%81/
بسام عبد الوهاب الجابي قلبٌ لم يعرفِ الزَّيف [1] وكأنَّه حاضرٌ بيننا، رحتُ ألملم أوراقي على عَجَل، وأواري كلماتي بخجل، فلم يكُ بسام ممن يحبُّ الحديث عن نفسه، أو أن يتحدَّث عنه الناس، فقد عاش ما عاش مؤثراً العيش في ظلِّ عُزلة هادئة، على صَخَب الحياة وضجيجها. ولعلَّ ما أملى عليه طريقته في العيش هذه، وهو المحبُّ للناس، على صفاء ودِّه لهم، صراحته غير المعهودة، وصدقه المتناهي في التعبير عن آرائه، حتى إنه أحياناً يصدمك بكَلِمِه، الصادر عن قلبٍ نقي، ولا يبالي ما دام قد عبَّر بصوته الخفيض عما يريدُ بعبارة موجزة، لا مجاز فيها ولا تورية. وكم جرَّت عليه هذه الصَّراحة من متاعب بين عارفيه. صراحتُه الصَّادمة هذه كانت وراء تعميقِ صلتي به، يوم عرفته أولَّ ما عرفتُه في أوائل الثَّمانينيات من القرن الماضي؛ فقد رأيتُ فيه إنساناً أطمئنُّ إلى صداقته، في زمنٍ قلَّ فيه الأصدقاء. وازدادت علاقتي به رسوخاً حين اكتشفتُ ما تنطوي عليه روحه من شفافية وسمو. فبسَّام، على خلافِ كثيرٍ من النَّاس، لا تشي ملامحُه بصدق مشاعره، فقد تراه مقطِّبَ الجبين، وهو في غاية الانشراح، وتُخفي أحياناً برودة لقائه حرارة أشواقه، ولكنه أبداً صادقُ اللهجة فيما يشعر به ويقول. وأوَّلُ ما اكتشفتُ من صفاته براءته من حَسَدِ الأقران، هذا الدَّاءُ الدَّوي الذي يفتكُ بالصَّداقات، فكان يفرح بكل عملٍ جديد، وكأنَّه عمله، بل إنه يسعى إلى إفادتك في سبيل تجويده بكلِّ ما في قلبه من حبٍّ وإخلاص، ولا أنسى له مواقف تجلَّى فيها هذا الحبُّ أروعَ ما يكون التجلي. فمن أوائل ما كتبتُ، تلك المقدِّمة المطوَّلة التي صدَّرتُ بها تحقيقي لكتاب " طبقات علماء الحديث " لابن عبد الهادي الدِّمشقي الصَّالحي، فلا تسأل عن فرحِ بسام واهتمامه بها. وقد تطوَّع، وكان على جَناح سَفَر إلى عَمَّان، بحَمْلها إلى شيخي العلامة شعيب الأرنؤوط، ليطَّلع عليها. وحين عاد نقل إليَّ رأي الشيخ بها بشفافيةٍ وصِدْق. وعقب صدور الكتاب بادر إلى نشرها في مجلته " البصائر ". ثم إنني تشوَّفْتُ في تلك الأيام إلى تحقيق " كتاب الرَّوْضتين " ومذيَّله لأبي شامة، وبثثتُ رغبتي لبسام في ذلك، فقال لي: لا عليك، سآتيك بمخطوطات الكتابين من مكتبات العالم. وكذلك كان، فقد انكبَّ على التفتيش عنهما في فهارس المكتبات، وهو الخبيرُ بذلك، ثم داوم على مراسلتها ومتابعتها بصمت، حتى كان يومٌ دخل عليَّ، ويداه تنوءان بحمل تلك المخطوطات مظهَّرة على الورق، ولم يتلبَّث حتى يسمع مني كلمة شكر. وحين أثنيتُ عليه في مقدِّمة تحقيقي لكتاب " المذيَّل على الرَّوْضتين "، بكلمةٍ قلتُ فيها: " كانت خدمة كتاب الروضتين ومذيله لأبي شامة حلماً من أحلامي، ومن مِنَن الله عليَّ - وهي لا تحصى - أن وفقني لتحقيقه، وما كان ليوطَّأ العمل لي فيهما لولا جهودٌ مباركة من صديقي الأستاذ الباحث بسام عبد الوهَّاب الجابي، الذي ما ونى في تأمين مصورات لي لمخطوطاتهما من مكتبات أوربة وغيرها، مراسلة ومتابعة، فجزاه الله خيراً كِفاء ما أنعم به وتفضَّل " [2] . قرأ ما كتبتُ وظلُّ ابتسامة لاح على شفتيه، ثم طوى الكتاب، وما سمعته من بعد يتحدَّث عن ذلك. ♦♦♦♦♦ وما زلتُ أعجب من ذلك الطموح الذي سَكَن بين جَنْبَيْه، حين تصدَّى وحيداً لإصدار مجلتيه: " المرآة "، و" البصائر "، فكان دائم العمل على تجميع موادِّهما، ومستكتباً لأهل العلم فيهما، ثم الوقوف على تصحيح تلك المقالات بدأب لا يعرف الملل، مع ضبطها الضَّبْط التَّام، كشأنه في كل ما يُصدر من أعمال. ولم تَشْغَلْه هاتان المجلتان عن سائر أعماله في التحقيق والتأليف، التي تنوَّعت تنوعاً يدعو إلى العَجَب كذلك، فتارة يعمل على إصدار " مجلة الأحكام العدلية " في فقه المعاملات في المذهب الحنفي، وأخرى يؤلف " دليل الباحث في التراث العربي "، و" المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية "، وثالثة يحقق " كاشفة السَّجا في شرح سفينة النجا " للجاوي الشَّافعي، وهو في العبادات على مذهب الشافعي، إلى تصدِّيه لتحقيق " وحي القلم " رائعة أديب العربية مصطفى صادق الرَّافعي. وتنمُّ مقدِّمته الوجيزة له على اطِّلاعٍ واسعٍ على أدبه، مهَّد له سبيلَ الكشف عن سرِّ المغاضبة التي باعدت بينه وبين تلميذه محمد سعيد العُريان، بل إنه يَعِدُنا لتفصيل ما أجمل بنشر كتابٍ بعنوان " مقالات مجهولة للرَّافعي "، وليته فعل. وكان قد جمع مقالات الرَّافعي التي نُشرت في مجلة الرِّسالة تحت عنوان " كلمة وكليمة "، في كتابٍ ماتع يحمل ذلك العنوان، وصدَّره بمقالاتٍ ثلاث للعُرْيان عن الرَّافعي كتبها قبل أن يقع ما وقع بينهما من خصامٍ وجفوة. ويميلُ أحياناً إلى تحقيق كتب هي إلى أدب المُلَح والسَّمَر أقرب، مثل " نوادر جحا الكبرى "، و" أخبار الظِّراف والمتماجنين "، و" غذاء الأرواح بالمحادثة والمُزاح ". ومن أطرف ما ألف في هذه البابة " أخبار الحمير في الأدب العربي ". والغالبُ فيما يحققه من كتب ندرتها بين أيدي الباحثين. وعلى غزارة إنتاجه، كان من المحقِّقين المُتقنين، ومقدِّمات تحقيقاته تدلُّ على إحاطة بموضوعاتها، ومعرفة بدقائقها، ولا تكاد حقاً تحيط بكل ما حققه من كتب، أو نشره من أبحاث. وهو فيما يحقق أو يؤلف لا أسرار لديه، فتراه يحدِّثك عن مشاريعه وما ينوي عمله، لا يُجمجم ولا يورِّي، كحال كثيرٍ من المشتغلين بهذا الفن. ♦♦♦♦♦ ولن أنسى زياراتنا معاً إلى منزل أستاذنا العلامة أحمد راتب النَّفَّاخ، وكان أكثرنا جرأة عليه، على محبةِ أستاذنا له، وأُنْسه به، إذ كثيراً ما كان يؤثره على خُلَّص محبِّيه، ويدعوه في ساعات ضيقه، ليبوح له بما يؤرِّقه من شؤونه. ولم تكن يدُ بسام تخلو في كلِّ زيارة من هدية يقدِّمُها لنَجْله عبدِ الله. وكان أستاذنا يعتمد عليه الاعتماد كله في معرفة الكتب، وتحصيلها له، إنْ أعوزه بعضها في بحث من أبحاثه. وكشأن الكبار دائماً كان أستاذنا في حواشيه ينوِّه باسمه فيما يستفيده منه. ومن أجمل ما يُحفظ له في هذا الباب، أنَّ أستاذنا في أثناء كتابته سلسلته الماتعة " نظرات في نظرات "، التي ردَّ فيها على الأستاذ صبحي البصَّام في مقالته " نظرات في كتاب التعليقات والنوادر "، لأبي علي هارون بن زكريا الهَجَري - وهي سلسلة فيها إلماع إلى أصول من أصول النظر في الرِّوايات والنصوص ونقدها - لم يكن كتاب الهَجَري بين يديه في طبعته التي اعتمدها الأستاذ البصَّام؛ وهي طبعة جامعة الموصل سنة 1981م، بتحقيق الدكتور حمُّود عبد الأمير حمادي، وكانت قريبة عهد بالصُّدور. فما كان من أخينا الأستاذ بسام، وقد عرف رغبة أستاذنا في اقتنائه، ومسيسَ حاجته إليه، إلا أن بحث عنه جاهداً بصمت، حتى أعثره البحثُ عليه، ووافاه ذات يوم بنسخةٍ منه. وكم كانت فرحة أستاذنا غامرة برؤية الكتاب بين يديه، فأمسك القلم، وصدَّر مقالته الثانية من " نظراته " بحاشية، قال فيها، اعترافاً بفضله: " كتبتُ معظم هذه المقالة ولمَّا يقع إليَّ كتابُ الهجري الذي كتب عنه الأستاذ البصَّام، ثم وافاني به الأخ المفضال الأستاذ بسام الجابي. ولمَّا قابلتُ ما نقله عنه الأستاذ البصَّام بما جاء فيه رأيتُ الأستاذ سها في النقل عنه في بعض ما علَّقت عليه من مقالته، فتركتُ ما كنتُ كتبته على حاله، ونبَّهتُ على ما سها الأستاذ في نقله في الحواشي " [3] . ومن تعليق أستاذنا هذا تكتشفُ الخدمة التي أدَّاها له بسام بصمتٍ وتواضع. وأستاذنا النَّفَّاخ كان من قِلَّة قليلة قد أحاطتْ بكتاب سيبويه عِلْماً، فعرضنا عليه ذات يوم أن يقرأ لنا الأبواب الأولى منه، فكانتْ جلسات لا تُنسى، امتدَّت نحو ثلاثة أشهر، وكان يزيِّن حضورها صديقنا الأثير الشيخ محمد نعيم العرقسوسي، وسمعنا فيها من أستاذنا تعليلاتٍ لمسائل في النَّحْو، لا عهد لنا فيها في كتب المتأخرين. ♦♦ ♦ ♦♦ ووفاء لشيخه مؤرِّخ دمشق محمد أحمد دُهْمان، رغب إليَّ بسام أن نتشارك في كتابة مقالة ضافية عنه، تكريماً له، يُفرد لها عدداً من أعداد مجلته " المرآة ". فذهبنا إلى منزل الشيخ في حي أبي رمانة - وكان قد أقعده مرضُ الشيخوخة - وتجاذبنا معه أطراف الحديث عن بداياته في طريق العلم وما عاناه، وعن تلمذته على علامتي الشام: بدر الدِّين الحسني، وعبد القادر بدران، وما كان لصحبته لبدران من أثر في اهتمامه بآثار دمشق التاريخية، وصالحيتها. ودوَّنا ما عنَّ لنا من ملاحظات، والتقطنا له صُوَراً بجُبَّته وعِمامته. ثم حدث ما لم نكن نتوقعه، فقد رحل الشيخ دُهْمان عن دنيانا، وحِيْل بيننا وبين ما كتبنا عنه، بل حِيْل ما بين بسام ومكتبته، لأمرٍ طرأ في عائلته. ثم بعد عقودٍ من السِّنين، أُفرج عن مكتبته وأوراقه، وفي لقائنا الأخير جدَّدْنا العهد على وصلِ ما انقطع، ولم نكن ندري أن سيفَ المنيَّة أقطع. ♦♦ ♦ ♦♦ وعلى وفائه لمشايخه، وكرمه في العلم وبذله، كان بسام سخيَّ اليد على أصدقائه، ولن أنسى نزهاتنا في دارته في مَصِيْف جديدة الشَّيباني في وادي بردى، وما كانت تضم تحت أفيائها من علماء وباحثين، على اختلاف توجهاتهم، منهم المؤرِّخ المحقق الدكتور عدنان درويش، والخطيب البليغ الشيخ هشام الحِمْصي. ولقاءاتنا كلَّ أربعاء قبيل العصر في باحة المدرسة العادلية الكبرى؛ قرب الجامع الأموي، حيث يظلِّل غداءنا أشجارُ الليمون والنارَنْج، مع ثُلَّة من الأصدقاء، منهم الشيخ محمد نعيم العرقسوسي، والأخ زياد السُّروجي. وحتى في أوقات ضيق ذات يده لم يكن يتخلى عنه كرمُه، ومن المواقف التي حُفرت في ذاكرتي، والتي تدلُّ على جَلَده وتجلُّده، ذلك الموقف الصَّعيب، وقد تعرَّض فيه بسام لخسارة مادية جسيمة، يومها أتى لزيارتي، فرحتُ أواسيه بمُصابه، فقال لي بلهجة المؤمن المطمئن: أنا قادمٌ لأدعوك إلى الغداء، وما دامتْ صحتي معي، فلا أبالي، سأعوِّض كل ما خسرته، إن شاء الله. وما هي إلا سُنَيَّات حتى نهض الجَوَاد من كبوته. وبعد، ماذا أقول عن هذا الصَّديق الحبيب، الذي كنتُ لطمعي ببقائه، أُرخي لأملي العِنان في لقائه، وتمادتْ بي الأيامُ حتى فُجعتُ بنبأ وفاته، فهاضَ قلبي ألمُ النَّدمِ على فِراقه، ولاتَ حين نَدَم. أخي بسام .. عزائي فيك أنك عشتَ ما عشت مُخْلصاً لعلمك، وفيًّا لأساتذتك وأصدقائك، أميناً على نشر تراث أمتك، لم تنخدع بسرابِ ربحٍ سريع، ولا ببريق شهرةٍ زائفة. رحمك الله أبا حسَّان، ورضي عنك، وغفر لك، وأسأله تعالى أن يُعلي مقامك في الآخرة، وأن ينزلك منازل الأبرار، إنَّه سميع قريبٌ مجيب. [1] صديقنا الأستاذ بسام عبد الوهَّاب الجابي، باحثٌ، محقق، ناشر، ولد في دمشق سنة 1372هـ/ 1953م، وتوفي 19 شعبان 1438هـ/ 16 أيار 2017م، وله أربع وستون سنة، رحمه الله رحمة واسعة، وأحسن عزاءنا فيه. [2] المذيل على الروضتين: 1/ 22. [3] مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق: مج 60/ 336.
كرونولوجيا كبرى الأحداث في شهر شعبان
د. محمد ويلالي
09-05-2018
23,811
https://www.alukah.net//culture/0/126925/%d9%83%d8%b1%d9%88%d9%86%d9%88%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%a7-%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d9%87%d8%b1-%d8%b4%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d9%86/
كرونولوجيا كبرى الأحداث في شهر شعبان مِن لُطف الله تعالى بعباده المسلمين أن جعَل لهم مواسمَ لعظيم الطاعات، ومواطنَ لجليل النَّفحات، يَعظُمُ أجرُها بعِظَم زمانها، وما أودَعه الله تعالى فيها من الفضل، وما خصَّه بها من الخير، ومنها هذا الشهر الكريم الذي يُظِلُّنا: شهر شعبان الذي قيل: إنَّ مِن أسباب تسميته بذلك أنه شَعَب - أي: ظَهَر - بين شهري رجب ورمضان، وهو شهر يَكفيه شرفًا أن جعَله الله قبلَ شهر رمضان، فجعَل الصيامَ فيه دُرْبةً للصيام في شهر رمضان، وجعل قراءةَ القرآن فيه مقدمةً لعظيم أجرِ قراءته في شهر القرآن؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كان أحَبَّ الشُّهُور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يَصُومَه: شعبانُ، ثُمَّ يَصِله برمضان"؛ صحيح سنن أبي داود. وقال ابن رجب - رحمه الله -: " أفضل التطوُّع ما كان قريبًا من رمضان قبلَه وبعدَه "، وقال أيضًا - رحمه الله -: "ولَمَّا كان شعبان كالمقدِّمة لرمضان، فإنه يكون فيه شيءٌ ممَّا يكون في رمضان من الصيام، وقراءة القرآن، والصَّدقة". وقال أبو بكر البَلخي - رحمه الله -: "شهر رجب شهر الزَّرع، وشهر شعبان شهرُ سَقْي الزَّرع، وشهر رمضان شهرُ حصاد الزَّرع". مضَى رَجَبٌ وما أحْسَنْتَ فيهِ وهذا شهرُ شعبانَ الْمُبارَكْ فَيا مَنْ ضَيَّعَ الأوْقاتَ جَهْلًا بِحُرْمَتِها أَفِقْ واحْذَرْ بَوارَكْ فسوف تُفارِقُ اللَّذاتِ قَهْرًا ويُخْلي الموتُ قَهْرًا مِنْكَ دَارَكْ تَدارَكْ ما اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطايا بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ واجْعَلْ مَدارَكْ على طَلَبِ السَّلامةِ مِنْ جَحِيمٍ فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرائِمِ مَنْ تَدارَكْ لقد شهِد شهرُ شعبان أحداثًا جليلةً على مدار التاريخ، قديمًا وحديثًا، والحَدَث يعظُم بعِظَم الزمان والمكان: ♦ ففي العاشر من شعبان سنة اثنتين للهجرة، وقبل غزوة بدر ، فرَض الله - عز وجل - على المسلمين صيام شهر رمضان؛ قال ابن كثير - رحمه الله -: "وفي شعبان فُرِضَ صومُ رمضان، وفُرِضتْ لأجلِه زكاةُ الفِطْرِ قُبَيلَه بيومٍ". ♦ وفي الثاني من شعبان من السنة الخامسة للهجرة، كانت غزوة بني المصطلق، بعد أن بلغ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّ المشركين يَتهيَّؤون لقتاله والقضاء عليه، فخرَج لهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- فهزَمهم، وكان مِن أعظم دروسِها: نشرُ السِّلم الاجتماعي بين الناس، وإشاعةُ رُوح التآزُر والمحبَّة، فقد وقَعت جُويريَةُ - وهي ابنة سيد الحي الحارث بن ضرار - أسيرةً عند المسلمين، فحرَّرها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتزوَّجها بعد أن استأْذَنها؛ قالت عائشة - رضي الله عنها -: "فتَسامَع الناس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد تزوَّج جويريَةَ، فأرسلوا ما في أيديهم من السَّبي، فأعْتَقوهم، وقالوا: أصهارُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فما رأينا امرأةً كانت أعظمَ بركةً على قومها منها، أُعتِق في سببها مائةُ أهلِ بيتٍ من بني المصطلق"؛ صحيح سنن أبي داود، وكان ذلك سببَ إسلامِهم. كما تَمخَّضت الغزوة عن افتضاح سافرٍ للمنافقين الذين يَنخُرون المجتمعَ من الداخل؛ تحريضًا، وكذبًا، وزرعًا للفتن؛ حيث استغلُّوا خِصامًا وقَع بين مُهاجِريٍّ وأنصاريٍّ بعد الفراغ من الغَزوة، فحسَم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الأمرَ، وقال: ((دعُوها فإنها مُنْتِنةٌ))، فأراد المنافقون أن يُؤجِّجوا الخصامَ، وأن يَجعلوها عداوةً وتوتُّرًا، واتِّخاذَ مواقفَ، فقال عبدالله بن أُبَي: "أو قد فعَلوا؟ والله لئنْ رجَعنا إلى المدينة، ليُخرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ"؛ متفق عليه. وفي (تفسير البغوي) أنه قال مُحرِّضًا ضد المسلمين: "هذا ما فعلتُم بأنفسكم، أحْلَلتُموهم بلادَكم، وقاسَمْتُموهم أموالَكم، أما واللهِ لو أمسَكتُم عنهم ما بأيديكم، لتَحوَّلوا إلى غير داركم‏". وفي شهر شعبان تحوَّلت القِبْلة إلى الكعبة، بعد سنة ونصف من الصلاة إلى بيت المقدس، فكان أولُ شيءٍ نُسِخ من الشريعة القِبْلةَ؛ حيث نزَل قوله تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ﴾ [البقرة: 144]. وهي قضية علَّمتنا كيف كان الصحابة الكرام يَمتثلون أوامرَ الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- مِن غير تردُّدٍ، فعن البراء - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا، أو سبعة عشر شهرًا، وكان يُعجِبه أن تكون قِبلتُه قِبَلَ البيت، وأنه صلَّى صلاة العصر - أي: إلى الكعبة بعد تحويل القِبلة - وصلَّى معه قوم، فخرَج رجلٌ ممَّن كان صلَّى معه، فمرَّ على أهل المسجد وهم راكعون، قال: أَشهدُ بالله لقد صليتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- قِبَلَ مكةَ، فداروا كما هم قِبَلَ البيت"؛ متفق عليه. وفي الثالث والعشرين من شعبان سنة 492هـ، استولى الصليبيُّون على بيت المقدس، ليَقتلوا 70 ألفًا من المسلمين في يوم واحد؛ منهم: جماعةٌ كبيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم، وعُبَّادهم وزُهَّادهم، ممَّن فارَقوا الأوطان وأقامُوا في هذا الموطن الشريف. وها هو بيت المقدس اليوم - وفي شهر شعبان - يعيشُ حصار الصهاينة الذين عَثَوْا فيه فسادًا، ونشَروا فيه الرُّعبَ والترويع، ليَخرج علينا أحدُ الكُبراء الغربيين أَمْسِ، مُصرِّحًا بأن القدس يَجبُ أن تبقى عاصمةً للديانات الثلاث. وكتَب الله أن يستعيدَ صلاح الدين الأيوبي مدينة حِمص السورية من يد الصليبيين في 21 من شعبان 559هـ، ليَصير أكثرُ الشام تحت يده، هذه المدينة وغيرها من مدن الشام التاريخية العريقة، هي التي تَعرِف اليومَ في شهرنا هذا - شهر شعبان - ألوانًا من التدمير والتخريب والتهجير، لا على يد الصليبيين، ولكن على يد بعض أبنائها الظالمين المعتدين. وفي شعبان وُلِدَ عبدالله بن الزبير - رضي الله عنه - الذي كان أولَ مولودٍ بعد الهجرة في المدينة النبوية؛ قالت أمُّه أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما -: "ففرِحوا به فرحًا شديدًا؛ لأنهم قيل لهم: إن اليهود قد سحَرتْكم، فلا يُولَدُ لكم"؛ البخاري. وفي شهر شعبان تُوفِّي حبيبٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - وهو أول المهاجرين وفاةً في المدينة، وأول مَن دُفِن في بَقيعِ الغَرْقَدِ، وكان ممَّن حرَّم الخمرَ في الجاهلية، وقال: "لا أَشرُب شرابًا يُذهِب عقلي، ويُضحِك بي مَن هو أدنى مني"، فلما حُرِّمت الخمرُ، قال: "تبًّا لها، قد كان بصري فيها ثاقبًا"، وعن طريقه - رضي الله عنه - تعلَّمنا جوازَ تعليم القبر بحجرٍ ونحوه؛ ليُدفَن إليه مَن يموت مِن الأهل؛ فعن المطلب بن أبي وداعة - رضي الله عنه - قال: لَمَّا مات عثمان بن مظعون، أُخرِجَ بجنازته فدُفِن، فأمَر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رجلًا أن يأتيَه بحجرٍ، فلم يستطع حملَه، فقام إليها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- وحَسَرَ عن ذراعيه... ثم حمَلها، فوضَعها عند رأسه، وقال: ((أتعلَّمُ بها قبرَ أخي، وأَدْفِنُ إليه مَن مات مِن أهلي))؛ صحيح سنن أبي داود. وفي التاسع من شعبان سنة 591 هـ، وقعتْ معركةُ الأرك التاريخية بين المغاربة في عهد الموحِّدين بقيادة السلطان أبي يوسف يعقوب المنصور، وقوات ملك قشتالة ألفونسو الثامن، وسمَّاها النصارى "كارثة الأرك" لعظيم مُصابهم فيها؛ حيث كان كبيرُهم يَستهزئ بالقائد المغربي حين أرسل له رسالةً استنقاصٍ واستخفافٍ؛ ليَشتدَّ غَيظُ يعقوب المنصور، ويكتُب له على ظهر الرسالة: " ﴿ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [النمل: 37]، الجواب ما ترى لا ما تَسمَع"، وسار إليه بجيش قِوامه 100 ألف؛ يقول المؤرِّخون: كانت المسافة بين مقدمة الجيش ومؤخِّرته مسيرة 3 أيام، وكان خطابه لهم: "جدِّدوا نيَّاتِكم، وأحضِروا قلوبَكم"؛ فكان النصرُ حليفَهم. هذا هو بلدنا المغرب الذي أغاظ بعض الأطراف أنه اليوم يَنعَمُ بالاستقرار، ويسير في طريق الازدهار، فحاوَلوا التشويشَ على وَحْدته، وزَرْعَ الفتنة بين مكوِّناته، وغَزْوَه في عقيدته السُّنيَّة التي عاش عليها الأجدادُ، ويَتنفَّسُها اليومَ الأبناءُ والأحفادُ، مُحاولين التأثيرَ فيها بعقيدةٍ مُوغلةٍ في البُطلان والفساد، تُزوِّر التاريخَ، وتَطعُنُ في الصحابة، وتُشكِّك في القرآن الكريم، وتدَّعي أنه مُحرَّف وناقصٌ، وتَزدري نصوصَ السُّنة، وترى لبعض الأئمة قُدسيةً تفوق قُدسيةَ الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأيُّ أَمنٍ يَبقى للبلاد إن لم يُحْفَظْ أَمنُها الرُّوحي واستقرارُها الإيماني؟! يقول الله تعالى: ﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 81- 82]. تَمَسَّكْ بحَبْلِ الله واتَّبِعِ الهُدَى ولا تَكُ بِدْعِيًّا لعلَّكَ تُفْلِحُ ودِنْ بِكتابِ اللهِ والسُّنَنِ التي أتَتْ عن رسُولِ الله تَنْجُ وَتَرْبَحُ
عش بطلا
عامر الخميسي
09-05-2018
5,118
https://www.alukah.net//culture/0/126922/%d8%b9%d8%b4-%d8%a8%d8%b7%d9%84%d8%a7/
عش بطلًا المحافظةُ على العزِّ محافظةٌ على الكرامة الإنسانيَّة ، فإذا أردتَ الهروبَ مِن المَهانة ومِن شَماتةِ الأعداء، فعِشْ عزيزًا، حتى وإن كنتَ أقلَّ عددًا وعُدةً مِن عدوِّك، ومَن فَهِمَ هذا المغزى عرَف طريقَه إلى النصر، ومَن أتقَنَ هذا المبدأَ عرَف صناعةَ البطولة! وضريبةُ العزَّة ضريبةٌ باهظةٌ، لكن لن يتردَّد العقلاءُ في البحث عنها والوصولِ إليها، وليستْ هناك مشكلةٌ في الهزيمة على الإطلاق، إنما المشكلةُ أن تكون خانعًا، وأن تُسلِّمَ رقبتَك لعدوِّك وأنت لن تعيشَ غيرَ حياةٍ واحدة، وعُمُرُك لن يتكرَّر مرةً ثانيةً، فلماذا لا تَعزِم على أن تَعيشَه عزيزًا عظيمًا بَطَلًا؟! كثيرٌ مِن الأبطال صمَدوا إلى آخر لحظةٍ، فقد قاتَل عمر المختار عشرين سنةً، ولَمَّا أُسِرَ كان إلى جانبه مِن رِفاقه الأبطال ما يَقرُبُ من أربعين بطلًا من جنوده، ومع ذلك أنْصَتتْ له الدنيا، وأذعَن له التاريخُ، وما زال أعداؤه يَرتجفون مِن اسْمِه إلى اليوم، وعندما حُوكِمَ وجاء الأمرُ بالإعدام، لم يَفُتَّ ذلك في عَضُدِه، ولم يَهِنْ أو يَضْعُفْ، بل مشى مبتسمًا إلى حبلِ المِشْنقةِ، ثابتَ القلب رافعَ الهامَةِ، ولو أنه انكسَر في تلك اللحظة، لَمَا سطَّرتْه حروفُ التاريخ، وكان نتيجةَ استشهادِه قيامُ ثورةٍ منتصرةٍ على خُطاه، وهكذا الأبطالُ! تَذكُر لنا كتبُ التاريخ أن آخر ملوك الأندلس - وهو أبو عبدالله الصغير - لَمَّا عاش في التَّرف، وضاع في لَهْوِه ولَعِبِه، وأحاطَ به الأعداءُ من كلِّ جانبٍ، دبَّت الهزيمةُ في قلبه، وسيطَر عليه الخوفُ؛ لأنه كان يُحِبُّ الحياة ولو على حساب دينه ووطنه وأُمَّته وشعبِه، وكان عاشقًا للمُلك ولو على حساب العيشِ في هَوانٍ وذِلَّةٍ، فأَذلَّه الله بالملكة إيزابيلا عندما أهانتْ كرامتَه، ووافَق على تسليم الأندلس لها، بشرط أن يتولَّى هو وأحفادُه الملك مِن قِبَلِها ومِن قِبَلِ زوجِها فرديناند، وكانت قد أقسَمت للقسيس - الذي كفَلها ورعاها، وقام بتربيتِها - أن سقوط عرش المسلمين في الأندلس سيكون على يديها! ولقد أقسَمتْ هذا القسم، ثم نالَت ما أرادتْ في ظلِّ ضَعْفِ وخَوَرِ أبي عبدالله الصغير، ففي الأدب الإسباني - وهذه الرواية واقعية في تاريخ إيزابيلا - أن هذه المرأة أقسَمتْ ألا تَخلَعَ قميصَها الداخلي حتى تدخُلَ غرناطة، وسُمِّي قميصُها القميصَ العتيق، ولَمَّا اشترَط عليها أبو عبدالله الصغير أن يكون له المُلك ولأحفادِه مِن بعدِه بشكلٍ صُوري فخري - وافَقتْ، وتَمَّ الاتفاق على هذا في سبيل ضياع مملكة المسلمين في الأندلس، وقد كانت جيوشُ المسلمين قد وصلَت قبل ذلك إلى جنوب باريس على يد الفاتحين العُظماء، وكانت جيوشُ سليمان القانوني قد وصلَت إلى وسط ( فيينا ) عاصمة النمسا، ودخلَت ( بودابست ) في بلاد المجر، فلمَّا دخلوا قصر أبي عبدالله الصغير، بكى وندِم على تلك المَهانة والذِّلة، فقالت له أُمُّه عائشة قولتَها المشهورة: ابْكِ مثلَ النساءِ مُلكًا مُضاعًا لَم تُحافِظْ عليه مثلَ الرِّجالِ. يقول كاتب مغربي شهير دوَّن التاريخَ وهو يبكي على تلك المأساة: والله لقد رأيتُ أحفادَه عالةً يتسوَّلون، ويَسألون الناس في شوارع المغرب العربي، ضيَّع مُلكَ الأندلس في سبيل أن يبقى الملكُ له ولأحفادِه، فتسوَّل أحفادُه في شوارع المغرب، ولقد عاش بعد ذلك شريدًا فقيرًا ومات فقيرًا. لم يَحترم النصارى أيَّة اتفاقية عندما دخلوا الأندلس، فجرَّموا الإسلام، وذبَحوا المسلمين، ومثَّلوا بالجُثث، وكانوا يَبقرون بطونَ الحوامل، ويُحرِّقون بيوتَ الناس على ساكنيها! العُمرُ لن يتكرَّر، والحياةُ لا تكون إلا مرةً؛ فاصْمُدْ إلى النهاية، تَعِشْ بطلًا حرًّا كريمًا، رافعَ الرأس، شامِخًا، وإن حنيتَ رأسَك اليوم، فلن تُواتِيَك الفرصةُ مرةً أخرى لتَرفَعَه: فإمَّا حياةٌ تَسُرُّ الصَّديقَ *** وإمَّا مَماتٌ يَغيظُ العِدَا وهناك عبارة لا بدَّ أن تكون نُصْبَ عينيك، وهي: " ما دُمتَ ستموتُ، فعِشْ بطلًا ".
عمرو بن العاص رضي الله عنه
الشيخ صلاح نجيب الدق
07-05-2018
106,071
https://www.alukah.net//culture/0/126885/%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b5-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/
عمرو بن العاص الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، أما بعد: فإن عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، هو المهاجرين المجاهدين، الذين مدحهم الله تعالى قائلاً: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ (الأنفال: 74) من أجل ذلك أحببت أن أُذكر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرته العطرة. الاسم النسب: هو: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) كُنية عمرو: أَبُو عَبْدِ اللَّهِ، وَيُقَالُ: أَبُو مُحَمَّدٍ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ27) منزلة عمرو في الجاهلية: كَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَحَدُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلُوهُ إِلَى النَّجَاشِيِّ لِيَرُدَّ عَلَيْهِمْ مَنْ هَاجَرَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى بِلَادِهِ، فَلَمْ يُجِبْهُمْ النَّجَاشِيُّ إِلَى ذَلِكَ لِعَدْلِهِ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ27) إسلام عمرو وهجرته: قال: عمرو بن العاص: لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق، جمعت رجالاً من قريش كانوا يرون رأيي، ويسمعون مني، فقلت لهم: تعلمون والله أني لأرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا وإني قد رأيت رأيا فما ترون فيه؟ قالوا: وماذا رأيت؟ قلت: رأيت أن نلحق بالنجاشي، فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي، فلان نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد، وإن يظهر قومنا فنحن من قد عرفوا، فلا يأتينا منهم الا خير فقالوا: إن هذا لرأي قلت: فاجمعوا له ما نهدي إليه- وكان أحب ما يهدى إليه من أرضنا الأدم (الجلد)- فجمعنا له أدماً كثيراً، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه، فو الله إنا لعنده، إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري - وكان رسول الله ص قد بعثه إليه في شأن جعفر بن أبي طالب وأصحابه- قال: فدخل عليه ثم خرج من عنده قال: فقلت لأصحابي: هذا عمرو بن أمية الضمري، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه، فأعطانيه فضربت عنقه! فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد فدخلت عليه، فسجدت له كما كنت أصنع، فقال: مرحبا بصديقي! أهديت لي شيئا من بلادك؟ قلت: نعم، أيها الملك، قد أهديت لك أدماً كثيراً، ثم قربته إليه، فأعجبه واشتهاه، ثم قلت له: أيها الملك، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا قال: فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره- يعني النجاشي- فلو انشقت الأرض لي لدخلت فيها فرقا منه ثم قلت: والله أيها الملك لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه، قال: أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى، لتقتله! فقلت: أيها الملك، أكذاك هو؟ قال: ويحك يا عمرو! أطعني واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وليظهرن على من خالفه كما ظهر موسى على فرعون وجنوده. قال: قلت: فتبايعني له على الإسلام؟ قال: نعم، فبسط يده، فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابي، وقد حال رأيي عما كان عليه، وكتمت أصحابي إسلامي، ثم خرجت عامدا لرسول الله لأسلم، فلقيت خالد ابن الوليد- وذلك قبل الفتح- وهو مقبل من مكة، فقلت: إلى أين يا أبا سليمان؟ قال: والله لقد استقام المنسم، وإن الرجل لنبي، أذهب والله أسلم، فحتى متى! فقلت: والله ما جئت إلا لأسلم، فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع، ثم دنوت فقلت: يا رسول الله، إني أبايعك على أن تغفر لي ما تقدم من ذنبي، ولا أذكر ما تأخر! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو، بايع فإن الإسلام يجب ما قبله، وإن الهجرة تجب ما قبلها فبايعته ثم انصرفت. (تاريخ الطبري ـ جـ3 ـ صـ31: 29) أسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قبل فتح قَبْلَ فَتْحِ مكة بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثمُّ هَاجَرَ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ، مُرَافِقاً لِخَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ، وَحَاجِبِ الكَعْبَةِ عُثْمَانَ بنِ طَلْحَةَ، فَفَرِحَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُدُوْمِهِمْ وَإِسْلاَمِهِم. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) (الاستيعاب لابن عبد البر2صـ501) علمُ عمرو بن العاص: روى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ نَحْوَاً مِنْ أرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً. اتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَحَادِيْثَ مِنْهَا. وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِحَدِيْثٍ، وَمُسْلِمٌ بِحَدِيْثَيْنِ.حَدَّثَ عَنْ عَمْرُو بْنِ الْعَاصِ: ابْنُهُ؛ عَبْدُ اللهِ، وَمَوْلاَهُ؛ أَبُو قَيْسٍ، وَقَبِيصَةُ بنُ ذُؤَيْبٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ، وَعُلَيُّ بنُ رَبَاحٍ، وَقَيْسُ بنُ أَبِي حَازِمٍ، وَعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ، وَجَعْفَرُ بنُ المُطَّلِبِ بنِ أَبِي وَدَاعَةَ، وَعَبْدُ اللهِ بنُ مُنَيْنٍ، وَالحَسَنُ البَصْرِيُّ مُرْسَلاً، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهْرِيُّ، وَعُمَارَةُ بنُ خُزَيْمَةَ بنِ ثَابِتٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ، وَأَبُو مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيْلٍ، وَأَبُو عَبْدِ اللهِ الأَشْعَرِيُّ، وَآخَرُوْنَ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ3صـ55). مناقب عَمْرُو بْنٍ الْعَاصِ: (1) روى الشيخانِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ. (البخاري حديث: 4358/مسلم حديث: 2384) (2) روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السُّلَاسِلِ فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلِكَ فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي الصُّبْحَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟» فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي مَنَعَنِي مِنَ الِاغْتِسَالِ وَقُلْتُ إِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) (النساء: 29) فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا. (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث: 323) (3) روى أحمدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ، فَأَتَيْتُ عَلَى سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَهُوَ مُحْتَبٍ بِحَمَائِلِ سَيْفِهِ، فَأَخَذْتُ سَيْفًا فَاحْتَبَيْتُ بِحَمَائِلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا كَانَ مَفْزَعُكُمْ إِلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ؟ " ثُمَّ قَالَ: " أَلَا فَعَلْتُمْ كَمَا فَعَلَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ الْمُؤْمِنَانِ" (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ29صـ344 حديث: 17810). (4) روى أحمدٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يَا عَمْرُو اشْدُدْ عَلَيْكَ سِلَاحَكَ، وَثِيَابَكَ، وَأْتِنِي " فَفَعَلْتُ فَجِئْتُهُ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَصَعَّدَ فِيَّ الْبَصَرَ وَصَوَّبَهُ، وَقَالَ: " يَا عَمْرُو، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَكَ وَجْهًا، فَيُسَلِّمَكَ اللهُ وَيُغْنِمَكَ، وَأَرغَبُ لَكَ مِنَ الْمَالِ، رَغبَةً صَالِحَةً "، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّي لَمْ أُسْلِمْ رَغْبَةً فِي الْمَالِ، إِنَّمَا أَسْلَمْتُ رَغْبَةً فِي الْجِهَادِ، وَالْكَيْنُونَةِ مَعَكَ، قَالَ: " يَا عَمْرُو، نَعِمَّا بِالْمَالِ الصَّالِحِ، لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ. " (حديث صحيح) (مسند أحمد جـ29صـ337 حديث: 17802) (5) روى الترمذيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ» (حديث حسن) (صحيح الترمذي للألباني حديث: 3020) (6) روى أحمدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ابْنَا الْعَاصِ مُؤْمِنَانِ: عَمْرٌو، وَهِشَامٌ. (حديث حسن) (مسند أحمد جـ13صـ409 حديث: 8042) (7) روى ابنُ عساكر عَن أبي قيس مولى عمرو بن العاص أن عمرو بن العاص كان يسرد الصوم وقل ما كان يصيب (أي يأكل) من العَشَاء أول الليل أكثر ما كان يصيب من السحر. قال وسمعته: يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول إن فصلا بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ180) جهاد عمرو بن العاص: (1) روى ابنُ عساكر عَنْ إِبْرَاهِيْمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: عَقَدَ رَسُوْلُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَاءً لِعَمْرٍو عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَسَرَاةِ أَصْحَابِهِ، فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ146) (2) بَعْثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنِ العَاصِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ إِلَى سُوَاعٍ صَنَمِ هُذَيْلٍ فَهَدَمَهُ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) (3) بَعْثَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنِ العَاصِ إِلَى عُمَانَ يَدْعُو أهْلَها إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَمْرٌو بِعُمَانَ، فَخَرَجَ مِنْهَا، فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) (4) بَعَثَ أَبُو بَكْرِ الصِّدِّيقُ عَمْرَو بْنِ العَاصِ كَأَحَدِ الْأُمَرَاءِ إِلَى الشَّامِ، فَتَوَلَّى مَا تَوَلَّى مِنْ فَتْحِهَا، وَشَهِدَ معركة الْيَرْمُوكَ ضد الروم. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) (5) جَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَمْرَو بْنِ العَاصِ أميراً عَلى فِلَسْطِينَ وَمَا وَالَاهَا، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ إِلَى مِصْرَ، فَسَارَ إِلَيْهَا فِي الْمُسْلِمِينَ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ، فَفَتَحَ مِصْرَ، وَولَّاهُ عُمَرُ مِصْرَ إِلَى أَنْ مَاتَ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) خبرة عمرو العسكرية: (1) روى ابنُ عساكر عَنْ قَيْسِ بْنِ أبي حَازِم، قَالَ: بَعَثَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَصَابَهُم بَرْدٌ. فَقَالَ لَهُم عَمْرٌو: لاَ يُوْقِدَنَّ أَحَدٌ نَاراً. فَلَمَّا قَدِمَ شَكَوْهُ، قَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ! كَانَ فِيْهِم قِلَّةٌ، فَخَشِيْتُ أَنْ يَرَى العَدُوُّ قِلَّتَهُم، وَنَهَيْتُهُم أَنْ يَتَّبِعُوا العَدُوَّ مَخَافَةَ أَنْ يَكُوْنَ لَهُم كَمِيْنٌ. فَأَعْجَبَ ذَلِكَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ144) (2) روى ابنُ عساكر عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ: قَالَ عُمَرُ لأَبِي بَكْرٍ (وذلك فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ): لَمْ يَدَعْ عَمْرُو بنُ العَاصِ النَّاسَ أَنْ يُوْقِدُوا نَاراً، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا صَنَعَ بِالنَّاسِ، يَمْنَعُهْم مَنَافِعَهُم؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَعْهُ، فَإِنَّمَا وَلاَّهُ رَسُوْلُ اللهِ لِعِلْمِهِ بِالحَرْبِ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ145) حوار عمرو مع قائد الروم: قَالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: خَرَجَ جَيْشٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ أَنَا أَمِيْرُهُم حَتَّى نَزَلْنَا الإِسْكَنْدَرِيَّةَ، فَقَالَ عَظِيْمٌ مِنْهُم: أَخْرِجُوا إِلَيَّ رَجُلاً أُكَلِّمْهُ وَيُكَلِّمْنِي. فَقُلْتُ: لاَ يَخْرُجُ إِلَيْهِ غَيْرِي. فَخَرَجْتُ مَعِي تَرْجُمَانِي، وَمَعَهُ تَرْجُمَانٌ، حَتَّى وُضِعَ لَنَا مِنْبَرَانِ، فَقَالَ: مَا أَنْتُم؟ قُلْتُ: نَحْنُ العَرَبُ، وَمِنْ أَهْلِ الشَّوْكِ وَالقُرْظِ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ اللهِ، كُنَّا أَضْيَقَ النَّاسِ أَرْضاً، وَشَرَّهُ عَيْشاً، نَأْكُلُ المَيْتَةَ وَالدَّمَ، وَيُغِيْرُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، كُنَّا بِشَرِّ عَيْشٍ عَاشَ بِهِ النَّاسُ، حَتَّى خَرَجَ فِيْنَا رَجُلٌ لَيْسَ بِأَعْظَمِنَا يَوْمَئِذٍ شَرَفاً وَلاَ أَكْثَرِنَا مَالاً، قَالَ: أَنَا رَسُوْلُ اللهِ إِلَيْكُم، يَأْمُرُنَا بِمَا لاَ نَعْرِفُ، وَيَنْهَانَا عَمَّا كُنَّا عَلَيْهِ.فَشَنِفْنَا لَهُ، وَكَذَّبْنَاهُ، وَرَدَدْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ غَيْرِنَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُصَدِّقُكَ، وَنُقَاتِلُ مَنْ قَاتَلَكَ. فَخَرَجَ إِلَيْهِم، وَخَرَجْنَا إِلَيْهِ، وَقَاتَلْنَاهُ، فَظَهَرَ عَلَيْنَا، وَقَاتَلَ مَنْ يَلِيْهِ مِنَ العَرَبِ، فَظَهَرَ عَلَيْهِم، فَلَو تَعْلَمُ مَا وَرَائِي مِنَ العَرَبِ مَا أَنْتُم فِيْهِ مِنَ العَيْشِ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ إِلاَّ جَاءكُم. فَضَحِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ رَسُوْلَكُم قَدْ صَدَقَ، وَقَدْ جَاءتْنَا رُسُلٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَكُنَّا عَلَيْهِ حَتَّى ظَهَرَتْ فِيْنَا مُلُوْكٌ، فَعَمِلُوا فِيْنَا بِأَهْوَائِهِم، وَتَرَكُوا أَمْرَ الأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْتُم أَخَذْتُمْ بِأَمْرِ نَبِيِّكُمْ، لَمْ يُقَاتِلْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبْتُمُوْهُ، وَإِذَا فَعَلْتُم مِثْلَ الَّذِي فَعَلْنَا، فَتَرَكْتُمْ أَمَرَ نَبِيِّكُم، لَمْ تَكُوْنُوا أَكْثَرَ عَدَداً مِنَّا، وَلاَ أَشَدَّ مِنَّا قُوَّةً. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ160: 159) عمرو في خلافة عثمان: جَعَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَمْرَو بْنِ العَاصِ أميراً عَلى مِصْرَ سِنِينَ، ثُمَّ عَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، فَقَدِمَ عَمْرٌو الْمَدِينَةَ، فَأَقَامَ بِهَا، فَلَمَّا نَشِبَ النَّاسُ فِي أَمْرِ عُثْمَانَ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ، فَنَزَلَ بِهَا فِي أَرْضٍ لَهُ بِالسَّبَعِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ، حَتَّى قُتِلَ عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) اجتهاد عمرو في تأييده لمعاوية: لمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَحِمَهُ اللَّهُ، سَارَ عَمْرُو إِلَى مُعَاوِيَةَ، فَلَمْ يَزَلْ مَعَهُ يُظْهِرُ الطَّلَبَ بِدَمِ عُثْمَانَ، وَشَهِدَ مَعَهُ معركة صِفِّينَ ضد علي بن أبي طالب، وعندما تنازلَ الحسن بن علي عن الخلافة لمعاوية، جَعَلَ مُعَاوِيَةُ بن أبي سُفيان عَمْرَو بْنِ العَاصِ أميراً عَلى مِصْرَ، فَخَرَجَ عَمْرٌو إِلَيْهَا، فَلَمْ يَزَلْ بِهَا وَالِيًا، وَابْتَنَى بِهَا دَارًا، وَنَزَلَهَا إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 493) وجوب التوقف عما شجر بين الصحابة: إن وقوفَ عمرِو بنِ العاص بجوار مُعاوية بن أبي سفيان ومناصرته له ضد علي بن أبي طالب في معركة صِفِّينَ، إنما هو اجتهادٌ من عمرو بن العاص، كما اجتهد غيره من الصحابة في فتنة معركة الجمل، التي حدثت بين علي بن أبي طالب، وبين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام، رضي الله عنهم جميعاً. ويجب علينا السكوت وعدم الخوض في الفتن التي جرت بين الصحابة. ومن عقيدتنا أن نستغفر للقتلى من كلا الفريقين ونترحم عليهم، ونحفظ فضائلهم ونعترف لهم بسبقهم وننشر مناقبهم عملاً بقول الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر: 10) قال الإمامُ ابن تيمية (رحمه الله) عن عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة في أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أهل السُّنَّة والجماعة لَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ تَجُوزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ وَلَهُمْ مِنْ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ إنْ صَدَرَ حَتَّى إنَّهُ يُغْفَرُ لَهُمْ مِنْ السَّيِّئَاتِ مَا لَا يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ لِأَنَّ لَهُمْ مِنْ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ. (مجموع فتاوى ابن تيمية جـ3 صـ155) فتح عمرو لمصر: كانَ فتحُ المسلمين لمصر سَنَةَ عِشْرِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ. فقد بَعَثَ الخليفةُ الراشدُ، عُمَرُ بْنُ الخطاب، عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ لفتح مِصْرَ، ثُمَّ لحِقَه الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ، وَبُسْرُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَخَارِجَةُ بْنُ حُذَافَةَ، وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ، فَاجْتَمَعُوا عَلَى بَابِ مِصْرَ، فَلَقِيَهُمْ أَبُو مَرْيَمَ رَاهِبُ مِصْرَ، وَمَعَهُ الْأُسْقُفُ أَبُو مَرْيَامَ، بَعَثَهُ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ إِسْكَنْدَرِيَّةَ لِمَنْعِ بِلَادِهِمْ، فَلَمَّا تَصَافُّوا قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَا تَعْجَلُوا حَتَّى نُعْذِرَ إِلَيْكُمْ، لِيَبْرُزْ إِلَيَّ أَبُو مَرْيَمَ وَأَبُو مَرْيَامَ رَاهِبَا هَذِهِ الْبِلَادِ، فَبَرَزَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَنْتُمَا رَاهِبَا هَذِهِ الْبِلَادِ فَاسْمَعَا: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْحَقِّ، وَأَمَرَهُ بِهِ، وَأَمَرَنَا بِهِ مُحَمَّدٌ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَدَّى إِلَيْنَا كُلَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ، ثُمَّ مَضَى وَتَرَكَنَا عَلَى الْوَاضِحَةِ، وَكَانَ مِمَّا أَمَرَنَا بِهِ الْإِعْذَارُ إِلَى النَّاسِ، فَنَحْنُ نَدْعُوكُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَمَنْ أَجَابَنَا إِلَيْهِ فَمِثْلُنَا، وَمَنْ لَمْ يُجِبْنَا عَرَضْنَا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ وَبَذَلْنَا لَهُ الْمَنَعَةَ، وَقَدْ أَعْلَمَنَا أَنَّا مُفْتَتِحُوكُمْ، وَأَوْصَانَا بِكُمْ؛ حِفْظًا لِرَحِمِنَا مِنْكُمْ، وَأَنَّ لَكُمْ إِنْ أَجَبْتُمُونَا بِذَلِكَ ذِمَّةً إِلَى ذِمَّةٍ، وَمِمَّا عَهِدَ إِلَيْنَا أَمِيرُنَا: اسْتَوْصُوا بِالْقِبْطِيِّينَ خَيْرًا؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْصَانَا بِالْقِبْطِيِّينَ خَيْرًا؛ لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا وَذِمَّةً. فَقَالُوا: قَرَابَةٌ بَعِيدَةٌ لَا يَصِلُ مِثْلَهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، مَعْرُوفَةٌ شَرِيفَةٌ، مَرْحَبًا بِهِ وَأَهْلًا، أَمِّنَّا حَتَّى نَرْجِعَ إِلَيْكَ. فَقَالَ عَمْرٌو: إِنَّ مِثْلِي لَا يُخْدَعُ، وَلَكِنِّي أُؤَجِّلُكُمَا ثَلَاثًا لِتَنْظُرُوا وَلِتُنَاظِرَا قَوْمَكُمَا، وَإِلَّا نَاجَزْتُكُمْ. قَالَا: زِدْنَا. فَزَادَهُمْ يَوْمًا، فَقَالَا: زِدْنَا، فَزَادَهُمْ يَوْمًا، فَرَجَعَا إِلَى الْمُقَوْقِسِ فَأَبَى أَرْطَبُونُ (قائد جيوش الروم) أَنْ يُجِيبَهُمَا وَأَمَرَ بِمُنَاهَدَتِهِمْ (أيْ بمقاتلتهم)، وَقَالَ لِأَهْلِ مِصْرَ: أَمَّا نَحْنُ فَسَنَجْتَهِدُ أَنْ نَدْفَعَ عَنْكُمْ وَلَا نَرْجِعَ إِلَيْهِمْ، وَقَدْ بَقِيَتْ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ. وَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُبَيِّتُوا (أي يقاتلوا) الْمُسْلِمِينَ. فَقَالَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ: مَا تُقَاتِلُونَ مِنْ قَوْمٍ قَتَلُوا كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَلَبُوهُمْ عَلَى بِلَادِهِمْ؟! فَأَلَحَّ الْأَرْطَبُونُ فِي أَنْ يُبَيِّتُوا الْمُسْلِمِينَ، فَفَعَلُوا فَلَمْ يَظْفَرُوا بِشَيْءٍ بَلْ قُتِلَ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأَرْطَبُونُ، وَحَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ عَيْنَ شَمْسٍ مِنْ مِصْرَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ، وَارْتَقَى الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ عَلَيْهِمْ سُورَ الْبَلَدِ، فَلَمَّا أَحَسُّوا بِذَلِكَ خَرَجُوا إِلَى عَمْرٍو بنِ العَاص مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ فَصَالَحُوهُ، وَاخْتَرَقَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ الْبَلَدَ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الَّذِي عَلَيْهِ عَمْرٌو بنُ العاص، فَأَمْضَوُا الصُّلْحَ. (تاريخ الطبري جـ4صـ108: 107) (البداية والنهاية لابن كثير جـ7صـ 100) معاهدة صلح عمرو مع المصريين: كَتَبَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ كِتَابَ أَمَانٍ للمصريين، قالَ فيه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا أَعْطَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ أَهْلَ مِصْرَ مِنَ الْأَمَانِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَمِلَّتِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَصُلُبِهِمْ، وَبَرِّهِمْ وَبَحْرِهِمْ، لَا يُدْخَلُ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُنْتَقَصُ، وَلَا يُسَاكِنُهُمُ النُّوبَةُ(أي أهل صعيد مصر)، وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ إِذَا اجْتَمَعُوا عَلَى هَذَا الصُّلْحِ، وَانْتَهَتْ زِيَادَةُ نَهْرِهِمْ، خَمْسِينَ أَلْفَ أَلْفٍ درهم، وَعَلَيْهِمْ مَا جَنَى لُصُوصُهُم، فَإِنْ أَبَى أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يُجِيبَ، رُفِعَ عَنْهُمْ مِنَ الْجَزَاءِ بِقَدْرِهِمْ، وَذِمَّتُنَا مِمَّنْ أَبَى بَرِيئَةٌ، وَإِنْ نَقَصَ نَهْرُهُمْ مِنْ غَايَتِهِ إِذَا انْتَهَى، رُفِعَ عَنْهُمْ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ دَخَلَ فِي صُلْحِهِمْ مِنَ الرُّومِ وَالنُّوبَةِ(أي أهل صعيد مصر)، فَلَهُ مِثْلُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ أَبَى وَاخْتَارَ الذَّهَابَ، فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ أَوْ يَخْرُجَ مِنْ سُلْطَانِنَا، عَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ أَثْلَاثًا، فِي كُلِّ ثُلُثِ جِبَايَةُ ثُلُثِ مَا عَلَيْهِمْ، عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ وَذِمَّةُ الْخَلِيفَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذِمَمُ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَلَى النُّوبَةِ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا أَنْ يُعِينُوا بِكَذَا وَكَذَا رَأْسًا، وَكَذَا وَكَذَا فَرَسًا، عَلَى أَنْ لَا يَغْزُوا، وَلَا يَمْنَعُوا مِنْ تِجَارَةٍ صَادِرَةٍ وَلَا وَارِدَةٍ. فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مِصْرَ كُلُّهُمْ، وَقَبِلُوا الصُّلْحَ، وَاجْتَمَعَتِ الْخُيُولُ بِمِصْرَ، وَعَمَّرُوا الْفُسْطَاطَ، وَظَهَرَ أَبُو مَرْيَمَ وَأَبُو مَرْيَامَ فَكَلَّمَا عَمْرًا فِي السَّبَايَا الَّتِي أُصِيبَتْ بَعْدَ الْمَعْرَكَةِ، فَأَبَى عَمْرٌو أَنْ يَرُدَّهَا عَلَيْهِمَا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، أَمَرَهُ أَنْ يُخَيِّرُوا مَنْ فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ، فَمَنِ اخْتَارَ الْإِسْلَامَ فَلَا يَرُدُّوهُ إِلَيْهِمْ، وَمَنِ اخْتَارَهُمْ رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوا مِنْهُ الْجِزْيَةَ، وَأَمَّا مَا تَفَرَّقَ مِنْ سَبْيِهِمْ فِي الْبِلَادِ وَوَصَلَ إِلَى الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِمْ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى مَا يَتَعَذَّرُ الْوَفَاءُ بِهِ. فَفَعَلَ عَمْرو بنُ العاص مَا أَمَرَ بِهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَجَمَعَ السَّبَايَا وَعَرَضُوهُمْ وَخَيَّرُوهُمْ، فَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَارَ الْإِسْلَامَ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَادَ إِلَى دِينِهِ، وَانْعَقَدَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ. (تاريخ الطبري جـ4صـ109) (البداية والنهاية لابن كثير جـ7صـ101: 100) معاملة عمرو لابنة المقوقس: لما سَارَ عَمْرُو بْنُ العَاص إلى مصر، نزل على مدينة بلبيس، ففتحَها اللهُ تعالى على المسلمين، وأُسِرَ من القبط خلقٌ كثيرٌ، وكان في الأسرى أرمانوسة، ابنة المقوقس، عظيم القبط. كانَ المقوقس زوّجَ ابنته أرمانوسة من قسطنطين بن هرقل، وجهزها بأموالها وجواريها وغلمانها لتسير إليه، فخرجت أرمانوسة إلى زوجها في مدينة قَيْسَارِية بفلسطين، وفي أثناء الطريق وصلت إلى مدينة بلبيس، فوقعت في الأسْرِ هي ومن معها. فقال عمرو بن العاص لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اللهَ سُبحانه وتعالى قد قال: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60) وهذا الملك قد علمتم أنه كاتبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث هدية ونحن أحق بمن كافأ عن نبيه صلى الله عليه وسلم هديته وكان يقبل الهدية ويشكر عليها وقد رأيت أن ننفذ إلى المقوقس ابنته وما أخذنا معها ونحن نتبع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستصوبوا رأيه فبعث بها مُكَرَّمَة مع جميع ما معها مع قيس بن سعد رضي الله عنه، فسُرَّ المقوقس بقدوم ابنته. (الخطط للمقريزي جـ1 صـ 340: 339) فتح الإسكندرية: أَرْسَلَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، جَيْشًا إِلَى إِسْكَنْدَرِيَّةَ - وَكَانَ الْمُقَوْقِسُ صَاحِبُ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ قَبْلَ ذَلِكَ يُؤَدِّي خَرَاجَ بَلَدِهِ وَبَلَدِ مِصْرَ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ - فَلَمَّا حَاصَرَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ جَمَعَ أَسَاقِفَتَهُ وَأَكَابِرَ دَوْلَتِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْعَرَبَ غَلَبُوا كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَزَالُوهُمْ عَنْ مُلْكِهِمْ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ، وَالرَّأْيُ عِنْدِي أَنْ نُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ إِلَيْهِمْ. ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ أُؤَدِّي الْخَرَاجَ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْكُمْ؛ فَارِسَ وَالرُّومِ. ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ، وَبَعَثَ عَمْرٌو بِالْفَتْحِ وَالْأَخْمَاسِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ7صـ101) مصر في عهد عمرو بن العاص: (1) كتبَ أميرُ المؤمنين، عمر بن الخطاب، إلى عمرو بن العاص (أمير مصر) يَقْدُمُ عليه هو وجماعة مِن أهل مصر، فقدموا عليه. فقال أمير المؤمنين، عمر: يا عمرو؛ إن اللهَ قد فتحَ على المسلمينَ مصر، وهي كثيرةُ الخير والطعام، وقد أُلْقِيَ في نفسي ـ لما أحببت مِن الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم ـ أن أحفرَ خليجًا مِن نيلها حتى يسيل في البحر(وهو البحر الأحمر)، فهو أسهل لما نريد مِن حمل الطعام إلى المدينة ومكة؛ فإن حمله على الظهر يَبْعدُ ولا نبلغ معه ما نريد؛ فانْطَلِقْ أنتَ وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم.فقامَ عمرو بن العاص بحفر خليجٍ من النيل إلى البحر الأحمر؛فلم يأت عَامٌ حتى فَرَغَ المصريونَ مِن حَفْره، وجرت فيه السفن، فحملَ فيه عمرو بن العاص ما أراد مِن الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع اللهُ تعالى بذلك أهل الحرمين، وسُمي خليج أمير المؤمنين. ثم لم يَزَلْ يُحمل في هذا الخليج، الطعام، حتى حُملَ فيه بعد عمر بن عبد العزيز، رضي الله عنه، ثم ضَيَّعَهُ الولاةُ بعد ذلك، فتُركَ وغَلَبَ عليه الرملُ، فانقطع، وصار منتهاه إلى بحيرة التمساح، التي أصبحت الآن جزءاً مِن قناة السويس. (حسن المحاضرة للسيوطي جـ1صـ125) (2) في خلافة أمير المؤمنين، عمر بن الخطاب، وَفِي عَامِ الرَّمَادَةِ، عَمَّ جَدْبٌ أَرْضَ الْحِجَازِ، وَجَاعَ النَّاسُ جُوعًا شَدِيدًا، فكتب أميرُ المؤمنين، عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، وهو بمصر، يطلب منه المساعدة. فكتب إليه عمرو بن العاص: " لعبد الله عمر أمير المؤمنين: أما بعد، فيا لبيك ثم يا لبيك! قد بعثت إليك بعيرٍ(الإبل) أولها عندك وآخرها عندي. والسلام عليك ورحمة الله." فبعث عمرو إليه بعيرٍ عظيمة، فكان أولها بالمدينة وآخرها بمصر، يتبع بعضها بعضًا، فلما قَدِمَتْ على أمير المؤمنين عمر وسَّعَ بها على الناس، فأعطى كلَّ أهل بيتٍ بالمدينة وما حولها بَعيراً بما عليه مِن الطعام. (حسن المحاضرة للسيوطي جـ1صـ124) أقوال السلف الصالح في عمرو بن العاص: (1) روى ابنُ عساكر عَنِ اللَّيْثِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ: مَا يَنْبَغِي لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى الأَرْضِ إِلاَّ أَمِيْراً. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ155) (2) قَالَ قَبِيصَةُ بنُ جَابِرٍ: صَحِبْتُ عَمْرَو بْنَ العَاصِ، فَمَا رَأَيْتُ رَجُلاً أَبْيَنَ، أَوْ أَنْصَعَ رَأْياً، وَلاَ أَكْرَمَ جَلِيْساً مِنْهُ، وَلاَ أَشْبَهَ سَرِيْرَةً بِعَلاَنِيَةٍ مِنْهُ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ180) (3) قَالَ الشَّعْبِيُّ: دُهَاةُ العَرَبِ أَرْبَعَةٌ: مُعَاوِيَة بْنُ أَبِي سُفْيَان، وَعَمْرٌو بْنُ العَاص، وَالمُغِيْرَةُ بْنُ شُعْبَة، وَزِيَادُ بْنُ أبيه، فَأَمَّا مُعَاوِيَةُ: فَلِلأَنَاةِ وَالحِلْمِ؛ وَأَمَّا عَمْرٌو: فَلِلْمُعْضِلاَتِ؛ وَالمُغِيْرَةُ: لِلمُبَادَهَةِ؛ وَأَمَّا زِيَادٌ: فَلِلصَّغِيْرِ وَالكَبِيْرِ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ19صـ182) (4) قَالَ أَبُو عُمَرَ بنُ عَبْدِ البَرِّ: كَانَ عَمْرٌو بنُ العَاصِ، مِنْ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ وَأَبْطَالِهِم فِي الجَاهِلِيَّةِ، مَذْكُوْراً بِذَلِكَ فِيْهِم. وَكَانَ شَاعِراً، حَسَنَ الشِّعْرِ، حُفِظَ عَنْهُ مِنْهُ الكَثِيْرُ فِي مَشَاهِدَ شَتَّى. (الاستيعاب لابن عبد البر جـ3صـ505) (5) قال الذهبي (رحمه الله): عَمْرُو بنُ العَاصِ دَاهِيَةُ قُرَيْشٍ، وَرَجُلُ العَالَمِ، وَمَنْ يُضْرَبُ بِهِ المَثَلُ فِي الفِطْنَةِ، وَالدَّهَاءِ، وَالحَزْمِ. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ3صـ55) (6) قَالَ ابنُ كثير (رحمه الله): كَانَ عَمْرُو بنُ العَاصِ مَعْدُودًا مِنْ دُهَاةِ الْعَرَبِ وَشُجْعَانِهِمْ وَذَوِي آرَائِهِمْ، وَلَهُ أَمْثَالٌ حَسَنَةٌ وَأَشْعَارٌ جَيِّدَةٌ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ8صـ27) قبس من كلام عمرو بن العاص: (1) قَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: لَيْسَ العَاقِلُ مَنْ يَعْرِفُ الخَيْرَ مِنَ الشَّرِّ، وَلَكِنْ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ خَيْرَ الشَّرَّيْنِ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ186) (2) قَالَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ: عَجَباً لِمَنْ نَزَلَ بِهِ المَوْتُ وَعَقْلُهُ مَعَهُ، كَيْفَ لاَ يَصِفُهُ؟ فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، ذَكَّرَهُ ابْنُهُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ: صِفْهُ. قَالَ: يَا بُنَيَّ! المَوْتُ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُوْصَفَ، وَلَكِنِّي سَأَصِفُ لَكَ؛ أَجِدُنِي كَأَنَّ جِبَالَ رَضْوَى عَلَى عُنُقِي، وَكَأَنَّ فِي جَوْفِي الشَّوْكَ، وَأَجِدُنِي كَأَنَّ نَفَسِي يَخْرُجُ مِنْ إِبْرَةٍ. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ4صـ 260) (3) قال عَمْرُو بْنُ العَاصِ: أربعة لا أملّهم أبداً؛ جليسي ما فهم عنّي، وثوبي ما سترني، ودابّتي ما حملتني، وامرأتي ما أحسنت عشرتي. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ183) (4) قال عمرو بن العاص لعبد الله ابنه: يا بنيّ، سلطان عادل خير من مطر وابل، وأسد حطوم خير من سلطان ظلوم، وسلطان غشوم ظلوم خير من فتنة تدوم؛ يا بنيّ، زلّة الرّجل عظم يجبر؛ وزلّة اللّسان لا تبقي ولا تذر. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ184) (5) قال عَمْرُو بْنُ العَاصِ لمعاوية بن أبي سفيان: يا أمير المؤمنين، لا تكوننّ لشيء من أمر رعيّتك أشدّ تعهداً منك لخصاصة الكريم حتى تعمل في سدّها، ولطغيان اللّئيم حتى تعمل في قمعه؛ واستوحش من الكريم الجائع ومن اللّئيم الشّبعان؛ فإن الكريم يصول إذا جاع، واللّئيم يصول إذا شبع. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ185) (6) قال معاوية لعمرو بن العاص: ما البلاغة؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على الإيجاز. قال: فمن أصبر النّاس؟ قال: من كان في رأيه رادّاً لهواه. قال: فمن أسخى النّاس؟ قال: مَن بذل دنياه في صلاح دينه. قال: فمن أشبع النّاس؟ قال: من ردّ جهله بحلمه. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ185). (7) قال عَمْرُو بْنُ العَاصِ ما وضعت عند أحدٍ من الناس سراً فأفشاه فلمته، أنا كنت به أضيق صدراً حتى استودعته إياه. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ188). وصية عمرو عند موته: روى مسلمٌ عَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، فَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْحَائِطِ يَبْكِي طَوِيلًا، وَابْنُهُ عَبْدُ الله يَقُولُ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم بِكَذَا، أَمَا بَشَّرَكَ بِكَذَا؟، قَالَ وَهُوَ فِي ذَلِكَ يَبْكِي وَوَجْهُهُ إِلَى الْحَائِطِ قَالَ: ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إِلَيْنَا، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مِمَّا تَعُدُّ عَلَيَّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَلَكِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ قَدْ رَأَيْتُنِي مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ أَحَدٍ أَبْغَضُ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم، وَلَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَسْتَمْكِنَ مِنْهُ فَأَقْتُلَهُ، فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، ثُمَّ جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم لِأُبَايِعَهُ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَبَسَطَ يَدَهُ، ثُمَّ إِنِّي قَبَضْتُ يَدِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: فَقُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، فَقَالَ: «تَشْتَرِطُ مَاذَا؟» فَقُلْتُ: أَشْتَرِطُ أَنْ يُغْفَرَ لِي، فَقَالَ: " أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنُّ الْهِجْرَةُ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، فَقَدْ رَأَيْتُنِي مَا مِنَ النَّاسِ أُحُدٌ أَحَبُّ إِلِيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَلَا أَجَلُّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَنْعَتَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنِي إِجْلَالًا لَهُ، فَلَوْ مِتُّ عَلَى تِلْكَ الطَّبَقَةِ رَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، ثُمَّ وُلِيِّنَا أَشْيَاءَ بَعْدُ فَلَسْتُ أَدْرِي مَا أَنَا فِيهَا أَوْ مَا حَالِي فِيهَا، فَإِذَا أَنَا مِتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ، فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي، فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا، فَإِذَا فَرَغْتُمْ مِنْ قَبْرِي، فَامْكُثُوا عِنْدَ قَبْرِي قَدْرَ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ، وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا فَإِنِّي أَسْتَأْنِسُ بِكُمْ حَتَّى أَعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي. (مسلم حديث: 121) حسنُ الخاتمة: (1) روى أحمدٌ عَنْ أبي نَوْفَلِ بْنِ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ: جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ قَالَ أَيْ بُنَيَّ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا ابْنُ سُمَيَّةَ(عمار بن ياسر) وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ(عبد الله بن مسعود) فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ، وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ(أي هذا شأنه) حَتَّى مَاتَ.( صحيح) (مسند أحمد جـ 29صـ 320حديث: 17781 ) (2) روى ابنُ عساكر عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ، قَالَ: كَانَ عَمْرٌو بنِ العاص عَلَى مِصْرَ، فَثَقُلَ (اشتد مرضه)، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: أَدْخِلْ وُجُوْهَ أَصْحَابِكَ. فَلَمَّا دَخَلُوا، نَظَرَ إِلَيْهِم، وَقَالَ: هَا قَدْ بَلَغْتُ هَذِهِ الحَالَ، رُدُّوْهَا عَنِّي. فَقَالُوا: مِثْلُكَ أَيُّهَا الأَمِيْرُ يَقُوْلُ هَذَا؟ هَذَا أَمْرُ اللهِ الَّذِي لاَ مَرَدَّ لَهُ. قَالَ: قَدْ عَرَفْتُ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَتَّعِظُوا، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ. فَلَمْ يَزَلْ يَقُوْلُهَا حَتَّى مَاتَ. (تاريخ دمشق لابن عساكر جـ46صـ198) تُوُفِّيَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِي لَيْلَةِ عِيدِ الْفِطْرِ، سَنَةَ ثَلاَثٍ وَأَرْبَعِيْنَ من الهجرة، وصَلَّى عَلَيْهِ ابنه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو يومَ العيد، ولَمْ يَبْقَ أَحَدٌ شَهِدَ الْعِيدَ إِلا صَلَّى عَلَيْهِ، ودُفِنَ بالمقَطَّمِ بمصر، وكان لَعمرِو بنِ العَاص يَوْم مات تسعون سنة. (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ7صـ 343) (الاستيعاب لابن عبد البر جدـ3صـ505) رَحِمَ اللهُ تعالى عَمْرَو بْن الْعَاصِ، رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خيرَ الجزاء. ونَسألُ اللهَ تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة. وآخرُ دعوانا أن الحمدُ لله رَبِّ العالمين. وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
رأي الشيخ ابن عثيمين في كتب ومصنفات
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
07-05-2018
90,894
https://www.alukah.net//culture/0/126884/%d8%b1%d8%a3%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%ab%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%88%d9%85%d8%b5%d9%86%d9%81%d8%a7%d8%aa/
فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين (18) رأي الشيخ في كتبٍ ومصنفات الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد: فإن مما يفيد طالب العلم في التعامل مع الكتب والمصنفات، معرفة ما قاله العلماء فيها، والعلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، عالم له آراء في مجموعة من الكتب والمصنفات، ولكلام الشيخ أهميته، لأنه يصدر من عالم لا يتكلم إلا بعلم فالشيخ إذا لم يكن لديه علم بالكتاب قال: لا أعلم. سئل: ما هو تقويمكم لكتاب: حياة الصحابة من حيث الصحة والفائدة الموثقة؟ فأجاب رحمه الله: لا أستطيع أن أقول في هذا الكتاب شيئاً لأني لم أقرأه. وسئل عن مجموعة من الكتب، فأجاب رحمه الله: غالب هذه الكتب التي ذكرها السائل لم أستوعبها قراءة أو مطالعة فلا يمكنني أن أحكم على كل واحد منها بعينه. وسئل رحمه الله عن رأيه في مجموعة من الكتب، فذكر رأيه في بعضها، ثم قال رحمه الله: وأما كتاب خزينة الأسرار، وكتاب تعليم الصلاة، فلم أطلع عليهما. وسئل عن كتاب زبده التفاسير، فأجاب رحمه الله: أنا ما قرأته، ولا أدري من مؤلفه. وسئل رحمه الله عن ثلاثة كتب فأجاب عن اثنين منهما، أما الثالث فقد قال رحمه الله: وأما كتاب الروض الفائق، فلا أعرفه. وسئل عن مجموعة من الكتب، فذكر رأيه في بعضها، ثم قال رحمه الله: أما كتاب الحصن الحصين، وكتاب المأثورات، فلم أقرأ فيها شيئاً. هذا وقد منَّ الله عليَّ فجمعتُ شيئًا من آرائه في تلك الكتب والمصنفات، أسال الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرها. الموطأ للإمام مالك (ت 179) قال الشيخ رحمه الله: كتاب مشهور، من أصح الكتب... –لأنه رحمه الله تحرى فيه صحة السند. المسند للإمام أحمد (ت 241) قال الشيخ رحمه الله: كتاب كبير في الحديث وحُجة عظيمة. وقال: من أعظم المسانيد قدراً وأكثرها نفعاً، مسند الإمام أحمد، فقد شهد له المحدثون قديماً وحديثاً بأنه أجمع كتب السنة، وأوعاها لما يحتاج إليه المسلم في دينه ودنياه. الصحيح الجامع للإمام البخاري (ت 256) قال الشيخ رحمه الله: ليس تحت أديم السماء بعد القرآن كتاب أصحُّ من البخاري، وقال: تعب رحمه الله في تنقيحه وتهذيبه والتحري في صحته. التاريخ للإمام البخاري قال الشيخ رحمه الله: فيه الصحيح والحسن والضعيف. الصحيح للإمام مسلم (ت 261) قال الشيخ رحمه الله: ذكر العلماء أن سياقه... أحسن من سياق البخاري لأنه رحمه الله يذكر الحديث ثم يذكر شواهده وتوابعه في مكان واحد والبخاري رحمه الله يفرق، ففي الصناعة مسلم أفضل وأما في الرواية والصحة فصحيح البخاري أفضل. مصنفات محمد بن يزيد بن عبدالله بن ماجة (ت 273) قال الشيخ رحمه الله: له عدد من التصانيف النافعة رحمه الله. مصنفات أبي داود سليمان بن الأشعث الازدي السجستاني (ت275) قال الشيخ رحمه الله: خلف علماً كثيراً في مؤلفاته رحمه الله. تأويل مختلف الحديث للإمام ابن قتيبة (ت 276) قال الشيخ رحمه الله: مُختلف الأحاديث يعني: أحاديث التي ظاهرها الاختلاف والتخلف، وقد ألف فيه العلماء كُتُباً، ومن أحسن ما رأيت " تأويل مُختلف الأحاديث " لابن قتيبة، يذكر الأحاديث التي ظاهرها التعارض ثم يجمع بينها. مصنفات محمد بن عيسى بن سورة السلمي الترمذي (ت 279) قال الشيخ رحمه الله: صنف تصانيف نافعة في العلل وغيرها. كتابه السنن قال الشيخ رحمه الله: جاء في هذا الكتاب من الفوائد الفقهية والحديثية ما ليس في غيره كتابه العلل قال الشيخ رحمه الله: جمع فيه فوائد هامة. النقض على المريسي الجهميّ العنيد للإمام الدارمي (ت 280) قال رحمه الله: من طالع هذا الكتاب بعلم وعدل تبين له ضعف حجة هؤلاء المعطلة سنن أحمد بن شعيب بن علي النسائي (ت 303) قال ألف السنن الكبرى وضمنه الصحيح والمعلول ثم اختصره في.. السنن الصغرى وسماه المجتبى جمع فيه الصحيح عنده وهو المقصود بما ينسب إلى رواية النسائي من حديث والمجتبى أقل السنن حديثاً ضعيفاً ورجلاً مجروحاً ودرجته بعد الصحيحين فهو من حيث الرجال مقدم على سنن أبي داود والترمذي لشدة تحرى مؤلفه في الرجال. جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري (ت 310) قال رحمه الله: أصل التفسير بالأثر ومرجع لجميع المفسرين بالأثر ولا يخلو من بعض الآثار الضعيفة...وقد أضاف إلى تفسيره بالأثر التفسير بالنظر روضة العقلاء للإمام محمد بن حبان بن أحمد ابن حبان البستي (ت 354) قال الشيخ رحمه الله: من أحسن ما رأيت كتاب (روضة العقلاء).. وهو كتاب مفيد على اختصاره، وجمع عدداً كبيراً من الفوائد ومآثر العلماء والمحدثين وغيرهم. عقوبة أهل الكبائر لأبي الليث نصر بن محمد بن أحمد السمرقندي (ت375) قال الشيخ رحمه الله: فيه الكثير من الأشياء التي لا تصح. المحلى للإمام علي بن أحمد بن سعيد ابن حزم (ت456) قال الشيخ رحمه الله: فيه من الآثار الكثيرة ما لا تجده في كثير من الكتب بل لا تجده إلا في النادر فهو في الحقيقة مرجع بقطع النظر عن آرائه فآراؤه له...لكن كتابه المحلى كنز عظيم لولا سلاطة لسانه لكان يثنى عليه بلا استثناء... وكتابه المحلى من أجمع ما يكون لكن عنده شذوذ في الرأي في مسائل كثيرة. التمهيد للإمام ابن عبد البر (ت463) قال الشيخ رحمه الله: أجلُّ كتبه...وهذا الكتاب على جلالته وغزارة علمه يصعبُ أن تحصل منه الفائدة لأنه غير مرتب، وقال رحمه الله: الموطأ..شرحه كثير من أهل العلم من أوسع شروحه وأحسنها في الرواية والدراية: التمهيد. المهذب للإمام إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي (ت 476) قال الشيخ رحمه الله: من أكبر كتب الشافعية قدراً. الورقات للإمام عبد الملك بن عبدالله بن يوسف الجويني (ت 478) قال الشيخ رحمه الله: صغيرة الحجم، قليلة الكلمات، لكنها كبيرة في معناها ومغزاها. المستصفى للإمام محمد بن محمد بن أحمد الغزالي (ت 505) قال الشيخ رحمه الله: سهل الأسلوب، جيد في عرض الآراء ومناقشتها، وهو أحسن ما قرأت من جهة التبيين والتوضيح، والحقيقة أن الإنسان يرتاح لقراءته. الفنون للإمام علي بن عقيل بن محمد ابن عقيل (ت513) قال الشيخ رحمه الله رأينا شيئاً منه ولا بأس به لكن ليس بذاك الكتاب الذي فيه التحقيق الكامل في مناقشة المسائل إنما ينفع طالب العلم بأن يفتح له الأبواب في المناقشة، وقال رحمه الله: على اسمه فنون، فكُلُّ فنون العلم موجودة فيه. معالم التنزيل للإمام الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي (ت516) قال الشيخ رحمه الله: تفسيره فيه من الإسرائيليات وهي كثيرة ولا يذكر لها سنداً و لا يتعقبها ولكنه في اللغة جيد. المقامات للقاسم بن علي بن محمد بن محمد عثمان الحريري (ت 516) قال الشيخ رحمه الله: مقاماته... مقامات معروفة جيدة فيها كثير من المواعظ وكثير من الكلمات اللغوية التي يستفيد منها الإنسان. الكشاف لمحمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري (538) قال رحمه الله: تفسير جيد في تحرير المعنى وفيما يرمي إلى البلاغة.. كل من جاء بعده ممن ينهجون هذا المنهج كلهم عيال عليه لكنه في مسألة العقيدة سيئ يجب الحذر منه العواصم من القواصم للإمام محمد بن عبد الله، المعروف بابن العربي (ت543) قال الشيخ رحمه الله: كتاب جيد ينبغي للإنسان قراءته. الموضوعات للإمام ابن الجوزي (ت 597) قال الشيخ رحمه الله: رحمه الله يتساهل في إطلاق الوضع على الحديث عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي المقدسي (ت600) قال الشيخ رحمه الله: كتاب مُبارك مختصر أحاديثه صحيحة. المغني للإمام ابن قدامه المقدسي (ت620) قال الشيخ رحمه الله: مختصر الخرقي.. شرحه أمم عظيمة من العلماء، وأحسن شرح رأيناه عليه هو المغني. لمعة الاعتقاد للإمام ابن قدامه المقدسي قال الشيخ رحمه الله: لمعة الاعتقاد... هذا الكتاب جمع فيه مؤلفه زبده العقيدة منتقى الأخبار للإمام أبي البركات عبدالسلام ابن تيمية (ت652) قال الشيخ رحمه الله: كتاب قيِّم مفيد. الجامع لأحكام القرآن للإمام محمد بن أحمد بن فرح القرطبي (ت 671) قال الشيخ رحمه الله: تفسير القرطبي رحمه الله تعالى، من أحسن التفاسير وخيرها إلا أنه لا يسلم من بعض الأحاديث الضعيفة أو الآراء الضعيفة الألفية في النحو للإمام ابن مالك الطائي الحياني (ت672) قال الشيخ رحمه الله: خلاصة علم النحو، وقال رحمه الله:ألفية مباركة فيها خير كثير. الأربعين النووية للإمام النووي (ت 676) قال الشيخ رحمه الله: كتاب طيب لأن فيه آداباً ومنهجاً جيداً وقواعد مفيدة جداً. رياض الصالحين والأذكار للإمام النووي قال الشيخ رحمه الله: الأذكار ورياض الصالحين.. فيهما فائدة عظيمة كبيرة لكن لا يخلوان من بعض الأحاديث الضعيفة لاسيما كتاب الأذكار.ولكنها أحاديث قليلة جداً، وأرى أن يقرأ فيهما الإنسان لما فيهما من الفوائد الكثيرة، المجموع شرح المهذب للإمام النووي قال الشيخ رحمه الله: من خير ما كُتِبَ في هذا الباب. قصيدة البردة (الكواكب الدرية في مدح خير البرية) للبوصيري (ت694) قال الشيخ رحمه الله: فيها من الكفر الصريح ما هو ظاهر. إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد (ت 702) قال رحمه الله شرح قوي متين يستفيد منه طالب العلم المرتفع قليلاً انتفاعاً عظيماً الأجرومية لمحمد بن محمد داود الصنهاجي المشهور بابن آجروم (ت723) قال الشيخ رحمه الله: كتاب مبارك وجامع...من أحسن متون النحو، كتاب مختصر مركز غاية التركيز، وقال رحمه الله: من أحسن وأبرك وأنفع ما قرأنا مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728) وقال رحمه الله: مؤلفاته عظيمة مفيدة غاية الفائدة. كتابه الرد على المنطقيين قال الشيخ رحمه الله: كتابه الرد على المنطقيين صعب جداً كتابه العقيدة التدمرية قال الشيخ رحمه الله: من أحسن وأجمع ما كتبه في موضوعها على اختصارها. كتابه منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية. قال الشيخ رحمه الله: الكتاب لا يوجد له نظير فيما نعلم في الرد على الروافض. كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح قال الشيخ رحمه الله: ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه لأنه بيَّن عوار النصارى الذين بدلوا دين المسيح عليه السلام وخطأهم أي بيَّن خطأهم...وضلالهم.. فيه فوائد عظيمة كتابه نقض أو نقد المنطق قال الشيخ رحمه الله: فيه قواعد عظيمة في إبطال كلام أهل المنطق وقواعدهم. كتابه رفع الملام عن الأئمة الأعلام قال الشيخ رحمه الله: كتاب مختصر نافع. كتابه المقدمة في التفسير قال الشيخ رحمه الله: كتاب مختصر جيد مفيد. كتابه السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية قالت اللجنة العلمية في تقديم الكتب: أن الشيخ رحمه الله قال فيه: ينبغي لكل مسؤول في أي مصلحة أن يقرأه وأن يعتبر بما فيه لأنه مفيد جداً. كتابه بيان الدليل على بطلان التحليل قال الشيخ رحمه الله: كَتَبَ فيه كتابات عظيمة لا ينبغي لطالب العلم أن يجهلها. كتابه العقيدة الواسطية قال الشيخ رحمه الله: خير ما نره في باب الأسماء والصفات من الكتب المختصرة: العقيدة الواسطية...لأنها عقيدة مختصرة جامعة شاملة نافعة..كتاب جامع مبارك مفيد. كتابه شرح الأصفهانية قال الشيخ رحمه الله: شرح مختصر لكن مفيد جداً كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم قال الشيخ رحمه الله: كتابه القيم....من أفيد ما يكون ولاسيما في الوقت الحاضر. كتابه قاعدة في الأحكام التي تختلف بالسفر والإقامة قال الشيخ رحمه الله: رسالة جيدة. كتابه الاستقامة قال الشيخ رحمه الله: كتاب جيد في موضوعه. كتابه القواعد النورانية. قال رحمه الله: يُعتبر قواعد وضوابط لأصول مسائل الفقه في العبادات...في المعاملات كتابه درء تعارض العقل والنقل. قال الشيخ رحمه الله: كتابه العظيم، وقال رحمه الله: من أحسن الكتب. كتابه مجموع الفتاوى والرسائل قال الشيخ رحمه الله: من خير ما كتب لأنها من عالم فقيه ناصح. كتابه الفتوى الحموية قال الشيخ رحمه الله: الفتوى العظيمة كتابه حقيقة الصيام قال الشيخ رحمه الله: رسالة صغيرة.. مفيدة، وقال رحمه الله: كبيرة الفائدة. كتابه تفسير سورة الإخلاص قال الشيخ رحمه الله: جمع فيه بحوراً زاخرة. آداب العالم والمتعلم لمحمد بن إبراهيم بن سعدالله ابن جماعة (ت733) قال الشيخ رحمه الله: كتاب مفيد لطالب العلم والمعلِّم أيضاً. قواعد الأصول ومعاقد الفصول لعبد المؤمن بن عبد الحق ابن الخطيب (ت739) قال الشيخ رحمه الله: كتاب مختصر مفيد، صالح للطالب بين المبتدئ وبين المنتهى مشكاة المصابيح لمحمد بن عبدالله الخطيب التبريزي (ت 741) قال الشيخ رحمه الله: هذا الكتاب يعتبر من كتب الأحاديث الواسعة العظيمة النفع. الكبائر للإمام الذهبي (ت 748) قال الشيخ رحمه الله: الذهبي في كتابه " الكبائر" قد أورد كثيراً من القصص التي لا أصل لها، بل فيها كثير مما يُخالفُ الشرع، فلا ينبغي اعتمادها، وبالنظر إلى حال الذهبي رحمه الله وأنه إمام في هذا الشأن فربما تكون هذه القصص مدخولةً عليه. قال جامعه: وما ذكره الشيخ رحمه الله صحيح، فطبعة الكتاب المشهورة المتداولة مكذوبة على الإمام الذهبي رحمه الله سير أعلام النبلاء للذهبي قال الشيخ رحمه الله: كتاب مفيد فائدة كبيرة ينبغي لطالب العلم أن يقرأ فيه ويراجع. الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: كتاب مفيد... وذَكَرَ فيه فوق مئة فائدة من فوائد الذكر. الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية (القصيدة النونية) للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: قصيدة رائعة...من أحسن ما نظم في التوحيد وأجمعه. التبيان في أقسام القرآن للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: كتابه الصغير وهو كبير في المعنى الروح، وحادي الأرواح للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: كتابان نافعان، فيهما خير كثير، وإن كانا لا يخلوان من الشيء الذي يكون سبباً للتردد في صحته، لكنهما بلا شك مفيدان عظيمان. جلاء الأفهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام. قال الشيخ رحمه الله: صيغ الصلوات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، من خير ما ألف في ذلك كتاب العلامة ابن القيم رحمه الله، المسمى جلاء الأفهام. بدائع الفوائد للإمام ابن القيم قال رحمه الله: في الحقيقة على اسمه فيه من الفوائد شيء كثير لا تكاد تجده في غيره. زاد المعاد في هدى خير العباد للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: من أحسن الكتب.. كتاب نافع جامع...كتاب مفيد جداً يذكر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ثم يستنبط الأحكام الكثيرة. الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، أو الداء والدواء للإمام ابن القيم قال رحمه الله: كتاب جيد فيه مواعظ عظيمة. إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: لم يؤلف مثله في بابه فهو كتاب عظيم. إغاثة اللهفان في عدم وقوع طلاق الغضبان للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: كتاب جيد في هذا الموضوع الروح للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: هذا الكتاب فيه أشياء قد يشك في صحتها الإنسان. مفتاح دار السعادة للإمام ابن القيم قال رحمه الله: من أراد...الاطلاع على قدرة الله تعالى فيما أنفسنا من الآيات فعليه بمطالعة كلام ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة يجد العجاب العجاب. الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة للإمام ابن القيم قال الشيخ رحمه الله: عنوان قوي...كتاب إذا قرأه الإنسانُ استفاد منه فائدة كبيرة. مغنى اللبيب لابن هشام الأنصاري (ت 761) قال الشيخ رحمه الله: كتاب جيد في بابه. الفروع لمحمد بن مفلح بن محمد ابن مفرج المقدسي (ت763) قال الشيخ رحمه الله: يعتبر جامعاً...وفيه مباحث ما تكاد تجدها في غيره تفسير القرآن العظيم لابن كثير (ت774) قال الشيخ رحمه الله: جيد بالنسبة للتفسير بالأثر ومفيد ومأمون، ولكنه قليل العرض لأوجه الإعراب والبلاغة، وقال رحمه الله:يذكر أشياء إسرائيلية ويتكلم على كثير منها البداية والنهاية لابن كثير قال الشيخ رحمه الله: من خير ما هو مؤلف في السيرة، وقال: جيد ومفيد. فضائل القرآن الكريم لابن كثير قال الشيخ رحمه الله: رسالة مفيدة. شرح الطحاوية لابن أبي العز (ت 792) قال الشيخ رحمه الله: كتاب جيد مفيد ينتفع به طالب العلم. تقرير القواعد وتحرير الفوائد لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب (ت 795) قال الشيخ رحمه الله: حوي من الحسن وجمع المعاني ما به عن غيره تفرَّد، أصَّل فيه قواعد بني عليها من فروع الفقه ما تبدَّد...من أحسن ما اطلعنا عليه القواعد الفقهية فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن رجب قال الشيخ رحمه الله: نافع لطالب العلم. مصنفات أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت852) قال الشيخ رحمه الله: صاحب..المؤلفات العظيمة النافعة، في كتب الرجال والحديث كتابه نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر قال الشيخ رحمه الله: الصغير لفظاً، الكثير معنى، لأنه نخبة علم المصطلح كتابه فتح الباري شرح صحيح البخاري قال الشيخ رحمه الله: لكتاب نافع جداً، وإذا كان فيه بعض الآراء المنحرفة التي يسوقها إما إقراراً أو إنكاراً، فهذا لا يوجب أن نُغفل الحسنات التي تُغطي السيئات. كتابه الإصابة في تمييز الصحابة سئل ما الكتب التي تنصح بقراءتها لمعرفة الصحابة؟ فأجاب رحمه الله: الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر رحمه الله، وهو من خير ما كُتِبَ فيما أعلم. كتابه بلوغ المرام من أدلة الأحكام قال الشيخ رحمه الله: هذا الكتاب المبارك..كتاب مختصر لكنه مفيد فائدة عظيمة. كتابه التلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير قال رحمه الله: العلماء.. ألفوا في.. تخريج الأحاديث وكان من أحسن ما رأيت كتابه كتابه تقريب التهذيب قال الشيخ رحمه الله: الكتاب الذي هو كاسمه...خلاصة في الواقع وإن كان فيه بعض الشيء لكنه أحسن ما صنف في هذا الباب. الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف لعلي بن سليمان المرداوي (ت885) قال الشيخ رحمه الله: الكتاب المشهور الأشباه والنظائر في اللغة لعبد الرحمن بن محمد بن عثمان السيوطي (ت911) قال الشيخ رحمه الله: لا بأس به. بدائع الزهور في وقائع الدهور لمحمد بن أحمد بن إياس (ت حدود 930) قال الشيخ رحمه الله: رأيت فيه أشياء كثيرة غير صحيحة...و لا أرى أن يقتنيه الإنسان.. لما فيه من الأشياء المنكرة. زاد المستقنع في اختصار المقنع لموسى بن أحمد بن موسى الحجاوي (ت 968) قال الشيخ رحمه الله: قليل الألفاظ كثير المعاني...كتاب مبارك مختصر جامع. مختصر التحرير المسمى الكوكب المنير للفتوحي الشهير بابن النجار (ت 972) قال الشيخ رحمه الله:أصول الفقه..من أحسن ما أُلِّف فيه بل من أجمعه مختصر التحرير الروض المربع لمنصور بن يونس بن حسن بن أحمد بن علي البهوتي (ت 1051) قال الشيخ رحمه الله: أرى أنه من خيرة الكتب، لأنه جامع بين المسائل والدلائل، لكن ليس كلُّ أحدٍ معصوماً، قد يكون فيه الخطأُ، وقد يكون فيه الصواب إتحاف الفاضل في الفعل المبني لغير الفاعل لابن علان الصديقي (ت 1057) قال الشيخ رحمه الله: رسالة صغيرة لكنها جيدة في موضوعها. الإشاعة لأشراط الساعة لمحمد بن رسول الحسيني البرزنجي (ت 1103) قال الشيخ رحمه الله: فيه أشياء كثيرة غير صحيحة. الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية للسفاريني (ت 1188) قال الشيخ رحمه الله: نظمها.. على مذهب أهل السنة والجماعة على أن فيها بعض الأشياء التي تحتاج إلى بيان، وقال: فيها بعض الإطلاقات التي تخالف مذهب السلف البرهانية لمحمد بن حجازي بن محمد البرهاني الحلبي (ت 1205) قال الشيخ رحمه الله: كتاب مختصر مفيد جامع لكل الفرائض.. هذه المنظومة المباركة كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب (1206) قال الشيخ رحمه الله: أحسن كتاب في التوحيد... من أحسن ما قرأناه كتاب التوحيد. الأصول الستة للشيخ محمد بن عبد الوهاب قال الشيخ رحمه الله: هذه الأصول مهمة جديرة بالعناية. كشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب قال الشيخ رحمه الله: أورد فيه... بضع عشرة شبهة لأهل الشرك وأجاب عنها بأحسن إجابة مدعمة بالدليل مع سهولة المعنى ووضوح العبارة وسيلة الراغبين.. في شرح البرهانية (الشرح الصغير لها) لابن سلوم (ت1246) قال الشيخ رحمه الله: له شرح مطول ومختصر مفيد جداً. الفوائد المجموعة لمحمد بن علي للإمام الشوكاني (ت 1250) قال الشيخ رحمه الله: من أحسن ما يكون. فتح القدير للإمام الشوكاني قال الشيخ رحمه الله: لا باس به، وأظنه لا يخلو من الملحوظات. حاشية على شرح ابن عقيل لألفية ابن مالك لمحمد مصطفى الخضري (ت1287) قال الشيخ رحمه الله: الحاشية مفيدة فتح البيان في مقاصد القرآن لصديق خان بن حسن الحسيني القنوجي (ت 1307) قال الشيخ رحمه الله: تفسيره من أجمع التفاسير للأقوال مع اختصاره، لكنه مفيد جداً قواعد اللغة العربية لحنفي ناصف (ت 1337) قال الشيخ رحمه الله: أحسن كتاب مرَّ عليَّ بالنسبة للطالب كتاب حنفي ناصف قواعد اللغة العربية لكن فيه شيء من التعقيد. المُنجِد في اللغة للويس نقولا ضاهر المعلوف اليسوعي (ت 1365) قال الشيخ رحمه الله: هذا الكتاب عليه مؤاخذات كثيرة. القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن للعلامة السعدي (ت 1376) قال رحمه الله: اشتملت على قواعد مهمة وفوائد جمة يظهر ذلك لمن قرأها بتدبر وتمهل الأجوبة النافعة عن المسائل الواقعة للعلامة السعدي قال الشيخ رحمه الله: كنز ثمين وعلم غزير. الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للعلامة السعدي قال الشيخ رحمه الله: رسالته القيمة. تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للعلامة السعدي قال الشيخ رحمه الله: أحسن ما أرى من التفاسير فيما اطلعت عليه تفسير ابن السعدي فوائد مستنبطة من قصة يوسف للعلامة السعدي قال الشيخ رحمه الله: استنبط من هذه السورة حِكَماً وأحكام كثيرة القواعد والأصول الجامعة والفروق والتقاسيم البديعة النافعة للعلامة السعدي قال الشيخ رحمه الله: الكتاب زاخر بالفوائد الكبيرة لطالب العلم. بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني لأحمد البناء الساعاتي (ت1378) قال رحمه الله: اسم مطابق لمسماه، فإنه مفيد جداً من الناحتين الحديثية والفقهية المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبدالباقي (ت1388) قال الشيخ رحمه الله: جيد ونافع وأنا أنتفع به وعندي في مكتبتي أرجع إليه كثيراً ومفيد هذه هي الصوفية لعبدالرحمن بن عبدالوهاب الوكيل (ت 1390) قال الشيخ رحمه الله: أنا أنصح السائل أن يقرأ كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبدالرحمن الوكيل رحمه الله لأنه بين في هذا الكتاب ما كان عليه الصوفية. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي (ت 1393) قال رحمه الله: تفسير الشيخ.. رحمه الله جيد لكن لا يصلح إلا لطالب علم مُتمكن دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشيخ محمد الأمين الشنقيطي قال رحمه الله: من أحسن ما ألف في الجمع بين الآيات المتعارضة.. كتاب جيد ومفيد الدعاء المستجاب لأحمد عبد الجواد (ت 1408) قال الشيخ رحمه الله: فيه أشياء بدعية لا صحة لها، فلا أشير أن يقرأه إلا شخص طالب علم يعرف ما فيه من البدع حتى يجتنبها، وفيه أشياء مفيدة. فقه السنة للشيخ سيد سابق (ت 1420) قال الشيخ رحمه الله: من خير الكتب لأنه فيه مسائل كثيرة مقرونة بالأدلة لكنه لا يسلم من الأخطاء حكم الاستهزاء بالمؤمنين للشيخ عبدالسلام برجس العبدالكريم (ت 1425) قال رحمه الله: ألفيتها مفيدة في بابها ميسرة لطلابها أسال الله أن ينفع بها إنه جواد كريم مرويات دعاء ختم القرآن الكريم للعلامة بكر بن عبدالله أبو زيد (ت 1429) قال الشيخ رحمه الله: قرأتُ الرسالة.. فألفيته قد أجاد فيها وأفاد في بحث علمي رصين حلية طالب العلم للعلامة بكر بن عبدالله أبوزيد قال الشيخ رحمه الله: مفيدة ونافعة لطالب العلم، وينبغي للإنسان أن يحرص عليها. إسراج الخيول بنظم القواعد الأربع وثلاثة الأصول للشيخ سعود إبراهيم الشريم قال رحمه الله: ألفيته نظماً مفيداً يعين على حفظ معنى القواعد الأربع، وثلاثة الأصول. منهج الأشاعرة في العقيدة للشيخ سفر بن عبدالرحمن بن أحمد بن صالح الحوالي قال الشيخ رحمه الله: تكلم فيها بكلام جيد.. من أحبَّ أن يطلع عليه فإنه يستفيد. فتح المعبود في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود للشيخ صالح فريح البهلال قال الشيخ رحمه الله: أجاد فيها وأفاد. الهدي النبوي الصحيح في صلاة التراويح وأنها ثلاث وعشرون ركعة للصابوني قال الشيخ رحمه الله: اطلعت على الكتاب فلم أجده جاء بدليل يقوم به قوله. عودة الحجاب لمحمد أحمد إسماعيل قال رحمه الله: فيه بحوث جيدة طيبة كتاب مطول وفيه ما يشفي العليل ويروي الغليل تفسير الجلالين للجلال المحلي والجلال السيوطي قال الشيخ رحمه الله: لطالب العلم جيد لأنه في الحقيقة زبدة... يتمشى في مسألة الصفات على مذهب الأشاعرة فلا يوثق به، بل يُردّ قوله، لكن في غير ذلك جيد جداً المعراج المنسوب لابن عباس رضي الله عنه قال الشيخ رحمه الله: كتيب مطول ولكن أكثره ليس بصحيح ولا تجوز قراءته.. وفيه أشياء منكرة قطعاً فيجب الحذر من هذا الكتاب لأنه موضوع على ابن عباس. الدُّررُ السنية في الأجوبة النجدية لمجموعة من أئمة وعلماء الدعوة السلفية قال الشيخ رحمه الله: نافعة جداً فيها رسائل صغيرة وفيها أجوبة كثيرة نافعة. البلاغة الواضحة لمصطفى أمين وعلي الجارم قال الشيخ رحمه الله: البلاغة... من أراد أن يمتع ذهنه قليلاً فليذهب إليها لأنها فيها متعة وأحسن كتاب مرَّ عليّ بالنسبة للطالب كتاب البلاغة الواضحة. ملحق: كتب أوصى الشيخ بحفظها: عمدة الأحكام للحافظ عبدالغني المقدسي قال رحمه الله: عمدة...كتاب مختصر جداً في الأحكام.. ينبغي لطالب العلم أن يحفظه. بلوغ المرام للحافظ ابن حجر قال الشيخ رحمه الله: إذا ترقى الإنسان شيئاً فليحفظ " بلوغ المرام " وهو أحسن ما ألف في الحديث، لأنه يذكر الحديث ويذكر مرتبته. الأربعين النووية للإمام النووي قال رحمه الله: فنحث كل طالب علم على حفظها وفهم معناها والعمل بمقتضاها. التوحيد للإمام محمد بن عبدالوهاب قال الشيخ رحمه الله: حفظ مختصر...فإذا كنت تطلُبُ..التوحيد، فمن أحسن ما قرأناه (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية قال الشيخ رحمه الله: فيها فوائد عظيمة ينبغي لطالب العلم أن يحفظها النونية للإمام ابن القيم قال رحمه الله قصيدة مهمة ينبغي حفظها من كان صاحب همَّةٍ فإنه يسهل عليه حفظها زاد المستقنع في اختصار المقنع للحجاوي قال رحمه الله: يحفظ من متون الفقه ما يناسبه ومن أحسن المتون التي نعلمها زاد المستقنع في اختصار المقنع.أشار علينا شيخنا العلامة السعدي رحمه الله تعالى بحفظه. الآجرومية، ألفية ابن مالك سئل الشيخ: عن أفضل متون النحو للحفظ؟ فأجاب رحمه الله: متن الآجرومية، للمبتدئين، ثم: الألفية، لمن أخذ حظاً وافراً من النحو، ويا حبذا لو أن الطالب حفظ هذه المتون المختصرة حتى ينتفع بها بعد أن يحتاج إليها في المستقبل.
كيف تصبح مليونيرا في...!
أ. عاهد الخطيب
06-05-2018
6,113
https://www.alukah.net//culture/0/126877/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d8%b5%d8%a8%d8%ad-%d9%85%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a%d8%b1%d8%a7-%d9%81%d9%8a.../
كيف تصبح مليونيراً في...! الإعلانات المزعجة التي تظهر عند تصفح الإنترنت مشكلة يومية يعاني منها الجميع، ونسبة لا بأس بها من مادة هذه الإعلانات تحاول شد الانتباه بالتركيز على إيهام الناس بكسب الأموال بأسهل الطرق وأسرعها، بوضع أموالهم في استثمارات أو مضاربات أو مشاريع أخرى تحقق عوائد وأرباحاً مجزية دون مخاطر تذكر في أوقات قياسية. أيضاً، مئات بل آلاف الكتب التي تباع عبر الإنترنت وتحقق نسب مبيعات ممتازة قد تحقق لمؤلفيها شيئًا من الثراء تتحدث عن الموضوع ذاته، وتستخدم عادة عناوين جذابة وبراقة مشابهة للعنوان أعلاه مع تحديد مدة قد تطول أو تقصر لدرجة يسيل لها اللعاب، وهذه الكتب وإن كانت مضيعة للوقت من ناحية المساعدة في تحقيق الثراء السريع كما تدّعي عناوينها؛ ولكن قراءتها على أي حال تفيد في تحقيق الثراء في جوانب أخرى ولا تخلو من الحكمة النافعة والتجارب. وسوف يجد قارئها على الأغلب عقب الانتهاء منها أن تطبيق ما فيها أمر شاقٌّ وشبه مستحيل وقد يحتاج لرأس مال كبداية ربما هو غاية ما يطمح في الوصول إليه يوماً من الأيام، وأن ما جناه فعلاً هو قضاء بعض الوقت الممتع محلقاً في فضاء الأحلام والأوهام من جهة تحقيق للملايين الموعودة. أما بخصوص الإعلانات المغرية فهي تُسقط البعض أحياناً في شباكها بسبب الطمع والجهل بأبسط قواعد التعاملات المالية الآمنة وتحولهم إلى ضحايا نصب واحتيال عندما يخسرون كل مدخراتهم أو بعضها لأصحاب هذه المواقع غير الموثوقة التي تدار من قبل أفراد لا ضمير لهم أو عصابات محترفة في عالم الإنترنت. ما أراه: أن سر جمع المال بسرعة والتحول للثراء الفاحش بالحرام يكمن فيما يقوم به أصحاب هذه المواقع المشبوهة أنفسهم من خداع الناس والاحتيال عليهم لسلب ما في جيوبهم بأسهل الطرق، فهم يعلمون يقيناً أن المخاطر عالية وأن عملاءهم الذين وثقوا بهم هم من يجب أن يدفع الثمن، فهي أحياناً ليست سوى مقامرة بأموال غيرهم، يربح فيها الجميع إن نجحت ويخسر العملاء فقط إن خابت، وأحياناً أخرى تكون عملية نصب محبوكة جيداً من البداية تضيع فيها الأموال ويختفي اللصوص. لا بد من الإشارة أن هناك شركات معروفة وموثوقة ومرخص لها بالشرع والقانون بالعمل وتساعد عملاءها بوسائل وأدوات مختلفة على تحقيق دخل إضافي وأرباحا معقولة، ولكن الواجب على المرء التحري جيدا والتدقيق قبل الدخول في أي استثمارات مالية مع أي جهة كانت. وكذلك فإن هناك الكثير من الكتب والمقاطع وغيرها التي تقدم نصائح وتوصيات وطرق مفيدة للادخار والاقتصاد في النفقات والتوفير وزيادة الدخل بالحلال، لكنها لا تعد بتحقيق الثراء الفاحش في وقت قصير كما الكتب آنفة الذكر.
المنهج النبوي في تصحيح المفاهيم
سليمان بن أحمد السويد
02-08-2018
19,343
https://www.alukah.net//culture/0/128451/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85/
المنهج النبوي في تصحيح المفاهيم دعا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لهذه الأمة فقالا: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]، فكان النبي المختار والرسول المصطفى محمد بن عبدالله مَنْ تحقَّقتْ فيه هذه الاستجابة؛ فقال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. وقال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 151]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وانظر التأكيد على دور المصطفى صلى الله عليه وسلم في التزكية والتعليم، لما في الكتاب والسنة؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ((...إن الله لم يبعثني مُعَنِّتًا ولا مُتَعَنِّتًا؛ ولكن بعثني مُعلِّمًا مُيسِّرًا)) [1] . فمن الجوانب التي ينبغي النظر والتأمُّل فيها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لاستلهام الأفكار والأساليب والنظريَّات - الجانب التعليمي، وهو متعدد المجالات والأبواب، لو تضافرت الدراسات الجزئية وأُبرِزت بشكلها الحقيقي [لا المتكلف لموافقة نظرية تربوية هنا أو هناك]، لاستطعنا في النهاية الخروج بنظرية متكاملة يُعرَف فيها قدر وحجم كل جزء تمَّ دراسته سابقًا بالنسبة للنظرية الكلية؛ ولهذا فهذه تأملات في إحدى هذه الجوانب، وهي: منهج النبي صلى الله عليه وسلم في تصحيح المفاهيم والتصورات لدى المتلقين. قال عدي بن حاتم رضي الله عنه: «لما نزلت هذه الآية: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾ [البقرة: 187] - عَمَدْتُ إلى عِقالَينِ: أحدُهما أسود، والآخَرُ أبيض، فجعلتُهما تحت وِسادي، قال: ثم جعلْتُ أنظُرُ إليهما فلا تَبيَّنَ لي الأسودُ من الأبيضِ، ولا الأبيضُ من الأسودِ، فلمَّا أصبحْتُ غَدَوْتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبَرْتُه بالذي صنعتُ، فقال: ((إنْ كانَ وِسادُكَ إذًا لعريضًا [2] ؛ إنما ذلك بَياضُ النهار من سَوادِ الليل))» [3] . فهذا الموقف على لطافته إلا أنه بيَّن أن التصوُّرات والمفاهيم التي في الذهن هي التي يَبني عليها الفرد أحكامَه وتصرُّفاتِه، وهي التي تُؤثِّر في علاقاته بما حوله: أشخاصًا كانوا، أو أدوات، أو بيئة... فعلى هذا تظهر لنا خطورة المفهوم، وضرورة أن تبدأ المعالجات من خلال تصحيحه، وها هنا مثال جزئي صحَّح فيه النبي صلى الله عليه وسلم مفهومًا لدى شخص، ولو تخيَّلنا أثناء القراءة: ما الذي كان سيقع لو استمرَّت ردودُ الأفعال دون تصحيح المفهوم. قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَهْ، مَهْ!))، قال: قال رسول الله: ((لا تُزْرِمُوه، دَعُوه))، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دَعاهُ، فقال له: ((إن هذه المساجد لا تصلُح لشيء من هذا البول، ولا القَذر؛ إنما هي لذِكْر الله عز وجل والصلاة، وقراءة القُرآن))... فأمر رجلًا من القوم، فجاء بِدَلْوٍ من ماء فَشَنَّهُ عليه» [4] . وفي رواية «جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد، فزجَرَهُ الناس فنهاهم النبي، فلما قضى بولَه أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذَنُوبٍ من ماء فأُهريقَ عليه» [5] . فهذا السلوك من الأعرابي جرى على ما اعتاده في البادية من قضاء حاجته في أي مكان لتَساوي الأمكنة، فكُلُّها فضاء وخلاء، فلم يكن السلوك منه عِنادًا؛ ليكون عِلاجُه بالوَعْظ أو الرَّدْع، بل أخطأ في مفهوم المكان فاحتاج إلى معالجة هذا المفهوم. ومن الممارسات النبوية المتعلقة بالمفهوم موقفٌ كان المفهوم فيه غائبًا لا للجهل به؛ بل لطُغيان وسُلْطان مفهوم أو رغبة أخرى، فيأتي هنا التذكير بالمفهوم المعروف لدى الشخص، وتتجلَّى هذه الصورة في حادثة الشابِّ الذي طلب الإذن بالزنا؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه، قال: «إن فتًى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذَنْ لي بالزنا، فأقبل القومُ عليه فزَجَرُوه، وقالوا: مَهْ مَهْ، فقال: ((ادْنُهْ))، فَدَنا منه قريبًا، قال: فجلس قال: ((أتحبُّه لأُمِّكَ؟)) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونَه لأُمَّهاتهم))، قال: ((أفتحبُّه لابنتك؟)) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لبناتهم))، قال: ((أفتُحِبُّه لأختِكَ؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبُّه لعَمَّتِكَ؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لعَمَّاتهم))، قال: ((أفتحبُّه لخالتك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبُّونه لخالاتهم))، قال: فوضَع يده عليه وقال: ((اللهم اغْفِرْ ذَنْبَه وطهِّرْ قلبَه، وحصِّن فَرْجَه)) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفِتْ إلى شيء» [6] . فَطَلَبُ الإذن بالزنا دالٌّ على أنه ليس معاندًا ليكون علاجُه بالرَّدْع، وكذا دلَّ على أن مفهوم حُرْمة الزنا متقرَّر في ذهنه، إذًا أين المشكلة؟ المشكلة كانت في حجم المفهوم في تصوُّره وأثر هذا المفهوم، فلم يكن يربط بين مفهوم الحُرْمة، والآثار المترتبة على انتهاك هذه الحُرْمة عليه هو نفسه، فاحتاج إلى تصحيح المفهوم من خلال بيان هذه الآثار عليه، حينها تبيَّن له أن حاجته لتلبية رغبته الجسدية لا تُعادِل حجم الضَّرَر المترتِّب على انتشار الزنا. فلو تخيَّلنا بقاء هذه المفاهيم في أذهان أصحابها، ثم إصرارهم على فعل ما يتصوَّرونه كحقٍّ لهم، فما الذي سيحدث؟ ففي حديث الأعرابي سيحدث الاختلاف والفُرْقة والنِّزاع، وفي حديث الشابِّ ستبقى هذه الرغبات مكبوتةً في النفس، ثم تظهر بأشكال متنوِّعة من النقمة على المجتمع ونظامه [7] . وبعد النظر فيما أمكن من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم والتي فيها تصحيح للمفاهيم، اجتهدت في تقسيمها إلى ثلاثة مجالات، وهذا بحسب نوع التغيير الذي أحدثه النبي صلى الله عليه وسلم في المفهوم السابق وهذه المجالات الثلاثة هي: ♦ تغيير المفهوم السابق : والمراد منه: إلغاء المفهوم السابق لعدة اعتبارات، وإبداله بمفهوم جديد لا يتوافق مع الأول. ♦ توسيع المفهوم السابق : والمراد منه: اعتبار المفهوم السابق وعدم إلغائه، ثم إضافة معنى جديد؛ فيتَّسِع المفهوم السابق ليتضمَّن المعنى الجديد. ♦ تنويع المفهوم السابق : والمراد منه: اعتبار المفهوم السابق، وإضافة معنى جديد لا علاقة له بالمعنى القديم؛ بل يكون على جهة الاستقلال مع دخوله تحت مصطلح المفهوم السابق [8] . المجال الأول: تغيير المفهوم السابق : عن أنس رضي الله عنه، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصُرْ أخاكَ ظالِمًا، أو مظلومًا))، قالوا: يا رسول الله، هذا ننصُرُه مظلومًا، فكيف ننصُرُه ظالِمًا؟ قال: ((تأخُذْ فوق يديه))» [9] . حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم على نُصْرة الأخ ظالِمًا كان أو مظلومًا، ممَّا أثار تعجُّبَهم وانتباههم لما سيُقدِّم لهم، فلما طرحوا تعُّجبَهم من نُصْرة الأخ ظالِمًا، جاء المفهوم الجديد والمخالف للمفهوم القديم بأن تكون نُصْرتُه أخْذًا على يده وكفًّا له عن الظلم، وفي هذا المفهوم الجديد تغيير جذري للمفهوم السابق، فمن اكتفى بعدم مشاركة الأخ الظالم في ظلمه؛ لا يُعَدُّ سالِمًا؛ بل هو مُقصِّر في عدم نُصْرة أخيه بمنْعِه من الظلم، فانظر لهذا المفهوم الجديد للنُّصْرة، وتأمَّلْ أسلوب التشويق المقدَّم به. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشديدُ بالصُّرَعة؛ إنما الشديد الذي يملِكُ نفسَه عند الغَضَب)) [10] . الغالب على مفاهيم الناس أن الشديد والقوي هو الذي يصرع الناس ويغلبهم في بدنه، هنا بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المفهوم خاطئ؛ لأن عدم قدرة المرء على السيطرة على انفعالاته ضَعْفٌ وليست قوة؛ إنما القوة الحقيقية عندما يُسيطر المرءُ على الانفعالات الغضبيَّة مع قدرته البدنية. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانت لنا شاةٌ أرادَتْ أن تموتَ، فذبحناها، فقسمناها، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يا عائشة، ما فَعَلَتْ شاتُكم؟)) قالت: أرادت أن تموت فذبحناها، فَقَسَمْناها، ولم يَبْقَ عندنا منها إلا كَتِفٌ، قال: ((الشاةُ كُلُّها لكم إلا الكَتِف))» [11] . مفهوم البقاء والنفاد مرتبط لدى البشر بالمحسوسات؛ لذا عبَّرت عائشة رضي الله عنها بأن ما بقي عندها هو الكَتِف؛ لغياب بقية الشَّاة عنها، فبدَّلَ النبي صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم إلَّا معنى آخر للبقاء والنفاد مرتبطًا بالآخرة والأجر المتبقِّي عند الله، وما ينفع الإنسان على الحقيقة، وهذا المفهوم مُعاكس تمامًا للمفهوم السابق. وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «مرَّ رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((ما تقولون في هذا؟))، قالوا: حريٌّ إن خَطَبَ أن يُنْكَحَ، وإنْ شَفَعَ أن يُشَفَّعَ، وإنْ قال: أن يُسْتَمَعَ، قال: ثمَّ سكَتَ، فمرَّ رجلٌ من فقراء المسلمين، فقال: ((ما تقولون في هذا؟))، قالوا: حريٌّ إنْ خَطَبَ ألَّا يُنكَحَ، وإنْ شَفَعَ ألَّا يُشَفَّعَ، وإنْ قال ألَّا يُسْتَمَعَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هذا خيرٌ من ملء الأرض مثل هذا))» [12] . هنا بدَّل النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم المعايير التي يُقَدِّمُ ويُعظِّم الناسُ بعضَهم على بعض من خلالها، وبيَّن أن المعيار ليس بالمكانة الاجتماعية، ولا بالمال؛ لا، بل بالخيريَّة عند الله، وهذا المعيار قد لا يكون ظاهرًا في الحكم النهائي؛ لأن هذا في علم الله، ولكن هذا التغيير للمفهوم الذي طرحه النبي صلى الله عليه وسلم يجعل المسلم يرفُض المعيار الأول، ولا يعتبره معيارًا للحكم، ثم هو يحكُم بما ظَهَرَ له من معايير القُرْب والبُعْد من طاعة الله، وكم في هذا من معالجة للكِبْر وأسبابه، ودَفْع عن خُلُقِ احتقار الضُّعَفاء. وقريب من هذا المفهوم ما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما امرأة تُرضِعُ ابنَها إذ مَرَّ بها راكبٌ وهي تُرضِعُه، فقالت: اللهمَّ لا تُمِتِ ابْني حتى يكونَ مِثْلَ هذا، فقال: اللهم لا تجعلْني مثلَه، ثم رجع في الثدي، ومُرَّ بامرأة تُجَرَّرُ ويُلْعَبُ بها، فقالت: اللهمَّ لا تجعلْ ابني مِثْلَها، فقال: اللهم اجعلني مِثْلَها، فقال: أما الراكب فإنه كافر، وأما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني، وتقول: حسبي الله، ويقولون: تَسْرِقُ، وتقول: حَسْبي الله» [13] . المجال الثاني: توسيع المفهوم السابق : عن مصعب بن سعد قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلًا على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل تُنصَرُون وتُرزَقُون إلَّا بضُعفائكم)) [14] . غيَّر النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم النصر ومعاييره لدى سعد رضي الله عنه من كونها مرتبطةً بالسبب المادي، إلى كونها مرتبطة بالتوفيق من الله، وأن معايير التوفيق ليست جميعها ممَّا لا يملِكُها إلَّا الأقوياء؛ بل هي أيضًا مِلْكٌ للضُّعفاء، والذين قد يَعُدُّهم مَنْ يُقدِّم المعيار المادي عالةً على النَّصْر والمجتمع، بينما جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم سببًا في النصر. وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وفي بُضْعِ أحدِكُم صَدَقةٌ))، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدُنا شهوتَه ويكونُ له فيها أجْرٌ؟ قال: ((أرأيتُم لو وَضَعَها في حرامٍ أكان عليه فيها وِزْرٌ؟ فكذلك إذا وَضَعَها في الحلال كان له أجْرٌ))» [15] . كان مفهوم الأجر يضيق عند الصحابة رضي الله عنهم عن أن يدخُلَ فيه ما كان فيه للإنسان رغبة وشهوة بشرية، فبيَّن لهم الرسول صلى الله عليه وسلم اتِّساع المفهوم ليشمله، ثمَّ دلَّل بالقياس على ذلك، بأنه لو فَعَلَه بالحرام لأثِمَ، ففعله له بالحلال مع احتساب النيَّة في البُعْد عن الحرام، وإحصان النفس والزوجة كل هذا يكون به أجر، وفي هذا فَتْح لأفق أوْسَع في احتساب الأجر من الله. وقال عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تدرون مَن المسلم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((مَنْ سَلِم المسلمون من لسانه ويده))، قال: ((تدرون مَنِ المؤمن؟))، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((مَنْ أمِنَه المؤمنون على أنفسهم وأموالهم، والمهاجِرُ مَنْ هَجَرَ السُّوءَ فاجْتَنَبَهُ))» [16] . لا شَكَّ في معرفة الصحابة رضي الله عنهم معنى مفارقتهم للكُفْر ودخولهم في الإسلام وإيمانهم بالله سبحانه تعالى ربًّا ومعبودًا، وبأن محمدًا هو رسول الله، وأن هذا مقتضى الشهادتين التي قالوها وقاتلوا عليها؛ ولكنهم لما سألهم عن ماهية المسلم، والمؤمن، علموا أنه سيذكر لهم مفهومًا جديدًا هو من مقتضيات كونهم مسلمين ومؤمنين، فقالوا: الله ورسوله أعلم، عندها قدَّم لهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإضافة على المفهوم القديم والذي لا يخالفه؛ بل يتوافَقُ معه؛ ألَا وهو مخالطة المسلمين والمؤمنين بالأخلاق الحسنة، وعدم خيانتهم في أنفسهم وأموالهم، فبهذا تعدَّدَتْ شُعَب الإيمان وزاد مفهومه، وأثَّرَ في الحياة الاجتماعية. وعن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تعُدُّون الشهيد فيكم؟))، قالوا: يا رسول الله، من قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، قال: ((إن شهداء أُمَّتي إذًا لقليلٌ))، قالوا: فمَنْ هم؟ يا رسول الله؟ قال: ((مَنْ قُتِل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البَطْنِ فهو شهيد... ))» [17] . وفي هذا توسيع لمفهوم الشهيد؛ مما يساعد في الصبر على من وقعت عليه هذه الأمور لما يعلمون ما في الشهادة من أجر. وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: ((استحيوا من الله عز وجل حقَّ الحياء))، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا نستحي، والحمد لله، قال: ((ليس ذلك، ولكن مَنِ استحيا من الله حقَّ الحياء، فليحفَظ الرأس وما حوى، وليحفَظ البَطْن وما وعى، وليذكُر الموت والبِلى، ومن أراد الآخرة، ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك، فقد استحيا من الله عز وجل حق الحياء))» [18] . في الحديث وسَّع النبي صلى الله عليه وسلم مفهوم الحياء من الله، ليحافظ على جوارحه من المعاصي وفعلها، ويحافظ على كَسْبِه ورِزْقِه من الحرام. المجال الثالث: تنويع المفهوم السابق : عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما تَعُدُّون الرَّقُوبَ فيكم؟))، قال: قلنا الذي لا يُولَد له، قال: ((ليس ذاك بالرَّقُوب، ولكنه الرجل الذي لم يُقَدِّمْ من وَلَدِه شيئًا))» [19] . ذكر الصحابة أن الرَّقُوب: هو من لم يُولَد له ولد، فهو يترقَّب وينتظر، ولا يخفى ما في هذا من معاني الأسى والحزن، فانظر كيف بدَّلَه النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى ينبُض بالحيوية والاحتساب، بأن جعله ذلك الرجل والمرأة التي تحتسب الأجر وتترقَّبُه من الله في مصيبتها بوفاة ولدها الصغير. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلِسُ؟))، قالوا: المفلِسُ فينا مَنْ لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقال: ((إن المفلِسَ مِنْ أُمَّتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شَتَمَ هذا، وقذف هذا، وأكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضرب هذا، فيُعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فَنِيَتْ حَسَناتُه قبل أن يُقْضَى ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فَطُرِحَتْ عليه، ثم طُرِحَ في النار))» [20] . المعروف من مسمى المفلس هو ما يتعلق بالمال في الدنيا، وهذا صحيح؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له معنًى آخَرَ ليس من جنس الأول، ولا يدخُل في معناه؛ بل هو معنى مستقل، تنشأ عنه مراقبة الأفعال والخوف من التعدي على حقوق الآخرين، كما أنه في المفلس الدنيوي يوقف ليأخذ الدائنون حقَّهم ممَّا بقي معه من المال، فكذلك يوقف في الآخرة ويؤخذ منه، لكن من الحسنات، فإن فنيتْ، طُرِح عليه من ذنوبهم، وهذا مالا يقع في الدنيا. وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((البخيل الذي من ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عليَّ))» [21] . وظَّف النبي رضي الله عنه هذا المصطلح الذميم لمعنى جديد، وهو بخل المسلم بأن يدعو لنبيِّه صلى الله عليه وسلم والذي كانت هداية الله له بطريق دعوته، وهذا أشدُّ البخل؛ لأنه لا يُكلِّفه سوى بالنُّطْق. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليسَ الغِنى عن كَثْرةِ العَرَضِ، ولكن الغِنى غِنى النَّفْس)) [22] . عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق صلاتَه))، قالوا: يا رسول الله وكيف يسرقها؟ قال: ((لا يُتِمُّ ركوعَها ولا سجودَها)) [23] . عادة ما يسرق اللِّصُّ مال غيره؛ ولكنه في هذا الصورة يسرِق من صلاته هو، فأي تبشيع لتحقير تصرُّف هذا الذي يسرِق من نفسه، ويضُرُّها في آخرتها؟! ختامًا: هذه نظرات وتأملات في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما كان فيها من صوابٍ فمن توفيق الله وحده، وما كان من خطأ فمن تقصيري، وتزيين الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وصلى الله وسلم وبارك على الهادي الأمين محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه الغُرِّ الميامين. [1] مسلم برقم 1478. [2] قال النووي: «وأما معنى الحديث فللعلماء فيه شروح أحسنها كلام القاضي عياض رحمه الله تعالى، قال: إنما أخذ العِقالين وجعلهما تحت رأسه، وتأوَّل الآية به، لكونه سَبَق إلى فهمه أن المراد بها هذا، وكذا وقع لغيره ممَّن فعل فعله، حتى نزل قوله تعالى: ﴿ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187]، فعلمُوا أن المراد به بَياض النهار وسواد الليل؛ قال القاضي: معناه: أن جعلت تحت وِسادك الخيطَينِ اللذَينِ أرادهما الله تعالى، وهما الليل والنهار، فوِسادك يعلوهما ويُغطِّيهما وحينئذٍ يكون عريضًا». [3] الحديث متفق عليه واللفظ لأحمد في المسند: 4/ 377. [4] مسلم برقم 285. [5] البخاري برقم 221. [6] مسند أحمد 5/256، قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح؛ مجمع الزوائد:1/ 129، قال الأرناؤوط: إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الصحيح، مسند أحمد، ط الرسالة (36/ 545). [7] ومع الأسف أن مثل هذه الحالات يتمُّ توظيفُها من قِبَل أعداء الأُمَّة، وإبرازها على أنهم ضحايا للتشدُّد والانغلاق، وغرضُ أعداء الأُمَّة تفتيتُ الصَّفِّ وضَرْبُ المجتمع المسلم بعضه ببعض، لا علاج حاجات هذه الفئة؛ ولذا يتمُّ توظيفه للغرض، ثم رَمْيه خارج دائرة اهتماماتهم متى ما وجدوا ما هو أكثر تأثيرًا في إضعاف الأُمَّة. [8] اجتهدت في تسمية هذا النوع دون الرضا التام عن هذا الاسم. [9] صحيح البخاري برقم 2444. [10] صحيح البخاري برقم: 6114. [11] السنن الكبرى للبيهقي: 9/ 250. [12] البخاري برقم 5091. [13] صحيح البخاري برقم: 3466. [14] صحيح البخاري برقم: 2896، وفي رواية عند أحمد في المسند عن سعد بن مالك رضي الله عنه، قال: «قلت: يا رسول الله، الرجل يكون حامية القوم، أيكون سَهْمُه وسَهْمُ غيره سواءً؟ قال: ((ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يابن أُمِّ سَعْد، وهل تُرْزَقُونَ وتُنْصَرُونَ إلَّا بِضُعَفائكم))»، وفي سندها مقالٌ، وفي سنن النسائي برقم: 3178: ((إنما ينصُرُ اللهُ هذه الأُمَّةَ بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم)). [15] صحيح مسلم 1006، وأول الحديث عن أبي ذر رضي الله عنه: «أنَّ ناسًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، ذهب أهل الدُّثُور بالأجور، يُصلُّون كما نُصلِّي، ويصومُون كما نصُوم، ويَتَصَدَّقُونَ بفُضُولِ أموالهم، قال: ((أو ليس قد جعل الله لكم ما تَصَّدَّقُون؟ إن بكل تسبيحةٍ صَدَقةً، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بُضْع أحدكم صدقة...». [16] مسند أحمد: 2/ 206. [17] صحيح مسلم برقم 1915. [18] مسند أحمد: 1/ 387. [19] صحيح مسلم برقم: 2608. [20] صحيح مسلم برقم 2581. [21] رواه أحمد مسند:1/ 201، والترمذي برقم: 3546، وقال:حديث حسن صحيح غريب. [22] صحيح مسلم برقم 1051. [23] مسند أحمد: 3/ 56.
آراء ابن مفلح الحنبلي العقدية
د. زياد بن حمد العامر
31-07-2018
18,924
https://www.alukah.net//culture/0/128395/%d8%a2%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%85%d9%81%d9%84%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9/
آراء ابن مفلح الحنبلي العقدية مقدمة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجـمعين، أما بعد: فإن علم العقيدة أنفع العلوم، وذلك راجع إلى شرف المعلوم، لتعلقه بالله سبحانه وتعالى وأسـمائه وصفاته، ففيه بيان حقوقه سبحانه وتعالى على عباده. ولقد قام أهل العلم - على مر العصور - ببيان علم العقيدة والدفاع عنه، وتقرير مسائله، وردع مخالفه، فساروا على هذا الطـريق مدة من الزمن حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فبين كثيراً مما التبس على الناس في عصره، وناظـر في مسائل العقيدة، وكان من مدرسته ابن مفلح الحنبلي رحمه الله، بل كان من أعرف طلاب ابن تيمية رحمه الله باختياراته، فلذلك - وبعد استخارة واستشارة - اخترت الكتابة في موضوع: آراء ابن مفلح الحنبلي العقدية أهمية الموضوع وأسباب اختياره: أولاً: أن فيه إبرازاً لآراء ابن مفلح رحمه الله العقدية، إضافةً إلى ما نقله عن أهل العلم من النقولات العقدية الكثيرة. ثانياً: أن ابن مفلح رحمه الله يعد من أبرز الأعلام في مدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وكان يقول له: (ما أنت ابن مفلحٍ أنت مفلحٌ) [1] . وكان من أخبر الناس بمسائل شيخه رحمه الله واختياراته حتى إن ابن القيم رحمه الله كان يراجعه في ذلك [2] ، وقد وصفه بقوله: (ما تحت قبة الفُلك أعلم بمذهب الإمام أحمد من ابن مفلح) [3] ، وهذه التزكيات من هؤلاء الأئمة تُبرز أهمية هذا الإمام ومكانته العلمية، كما أنه تتلمذ أيضاً على أبرز علماء عصره الآخرين كالإمام الذهبي، والمزي، والمرداوي، وغيرهم. ثالثاً: انتشار كتب ابن مفلح رحمه الله كالآداب الشرعية، وكتاب الفروع، الذي قيل فيه: ( هو مكنسة المذهب ) [4] ، فكتابه الآداب رأس في الأدب، وكتابه الفروع مكنسة للمذهب. رابعاً: كون الموضوع شاملاً لِجُلِّ أبواب العقيدة، مما يستلزم من الباحث أن يمر أثناء بحثه على كثيرٍ من المسائل العقدية، فيعود ذلك عليه بالنفع الكبير. خامساً: أن في ذلك إبرازاً لجهود الحنابلة في هذا الباب، حيث اشتهروا بنصرة مذهب إمام أهل السنة الإمام أحمد في الأصول والفروع. سادساً: أن هذا الموضوع - رغم أهميته - لم يتناوله أحد بالبحث حسب علمي وبحثي. الدراسات السابقة: لم أجد بعد البحث عن دراسة تتعلق ببيان جهود ابن مفلح رحمه الله في تقرير العقيدة، غير أن هناك دراسات تناولت شخصية ابن مفلح رحمه الله وبعض الجهود الأخرى غير العقدية هي: 1) تحقيق كتاب أصول الفقه لابن مفلح رحمه الله. حققه د/ فهد السدحان بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة بالرياض، وقد تكلم في مقدمة تحقيقه عن ترجمة لابن مفلح رحمه الله وعن الكتاب المحقق، ولكنه لم يتطرق في تحقيقه إلى الجانب العقدي عند ابن مفلح رحمه الله. 2) تحقيق كتاب الفروع لابن مفلح رحمه الله. وهو مشروع قام به مجموعة من طلاب الماجستير في قسم الفقه بكلية الشريعة في جامعة أم القرى، وقد تكلموا في مقدمة تحقيقهم عن ترجمة لابن مفلح رحمه الله وعن الكتاب المحقق، ولكنهم لم يتطرقوا في تحقيقهم إلى الجانب العقدي عند ابن مفلح رحمه الله. 3) تحقيق كتاب الآداب الشرعية لابن مفلح رحمه الله. وهو مشروع قام به مـجموعة من طلاب الدكتوراه في قسم الحديث بكلية أصول الدين في جامعة أم القرى، وقد تكلموا في مقدمة تحقيقهم عن ترجمة لابن مفلح رحمه الله وعن الكتاب الـمحقق، ولكنهم لم يتطرقوا في تحقيقهم إلى الجانب العقدي عند ابن مفلح رحمه الله. خطة البحث: تتكون خطة بحث هذه الرسالة من: مقدمة، وتمهيد، وتسعة فصول، وخاتمة، وفهارس، وتفصيل ذلك كما يلي: المقدمة: وتشتمل على ما يلي: ♦ أهمية الموضوع وأسباب اختياره. ♦ الدراسات السابقة. ♦ خطة البحث. ♦ منهج البحث الذي سرت عليه في هذه الرسالة. التمهيد: نبذة موجزة عن جهود الـحنابلة في تقرير عقيدة السلف. الفصل الأول: عصر ابن مفلح وحياته: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: عصر ابن مفلح. المبحث الثاني: حياته الشخصية. المبحث الثالث: حياته العلمية. الفصل الثاني: منهج ابن مفلح في التلقي والاستدلال: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: مصادر ابن مفلح في التلقي. المبحث الثاني: منهج ابن مفلح في الاستدلال. المبحث الثالث: موقف ابن مفلح من المجاز. المبحث الرابع: منهج ابن مفلح في النقل عن الآخرين: وفيه مطلبان: المطلب الأول: منهجه في النقل عن العلماء المتقدمين. المطلب الثاني: منهجه في النقل عن العلماء المتأخرين. الفصل الثالث: جهود ابن مفلح في تقرير التوحيد العلمي والعملي: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: جهود ابن مفلح في تقرير توحيد الربوبية. المبحث الثاني: جهود ابن مفلح في تقرير توحيد الأسماء والصفات: وفيه مطلبان: المطلب الأول: تقرير أسماء الله الحسنى. المطلب الثاني: تقرير صفات الله تعالى. المبحث الثالث: جهود ابن مفلح في تقرير توحيد الألوهية: وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: تقرير توحيد الألوهية. المطلب الثاني: أول واجب على المكلف. المطلب الثالث: تقرير مسائل الولاء والبراء. المطلب الرابع: ما ينافي توحيد الألوهية الفصل الرابع: جهود ابن مفلح في تقرير الإيمان بالملائكة والكتب والرسل: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: جهود ابن مفلح في تقرير الإيمان بالملائكة. المبحث الثاني: جهود ابن مفلح في تقرير الإيمان بالكتب: وفيه مطلبان: المطلب الأول: الإيمان بالكتب السابقة. المطلب الثاني: الإيمان بالقرآن. المبحث الثالث: جهود ابن مفلح في تقرير الإيمان بالرسل: وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم. المطلب الثاني: تقرير الإيمان بكرامات الأولياء. المطلب الثالث: الإيمان بالجن. الفصل الخامس: جهود ابن مفلح في تقرير الإيمان باليوم الآخر: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تقرير الإيمان بالحياة البرزخية. المبحث الثاني: تقرير الإيمان بأشراط الساعة. المبحث الثالث: تقرير الإيمان بالحياة الآخرة. الفصل السادس: جهود ابن مفلح في تقرير الإيمان بالقدر: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: تقرير الإيمان بالقدر. المبحث الثاني: التحسين والتقبيح. المبحث الثالث: التكليف بما لا يطاق. المبحث الرابع: أفعال العباد. الفصل السابع: جهود ابن مفلح في تقرير مسائل الإيمان: وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: تقرير حقيقة الإيمان. المبحث الثاني: تقرير زيادة الإيمان ونقصانه. المبحث الثالث: العبادات القلبية. المبحث الرابع: إيمان المقلد. المبحث الخامس: الآداب الشرعية وصلتها بالإيمان. الفصل الثامن: جهود ابن مفلح في تقرير مسائل الأسماء والأحكام: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: الكبائر والصغائر. المبحث الثاني: الوعد والوعيد. المبحث الثالث: التكفير. الفصل التاسع: جهود ابن مفلح في تقرير المسائل المتعلقة بالصحابة والإمامة وغيرها: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مسائل الصحابة. المبحث الثاني: مسائل الإمامة. المبحث الثالث: مسائل متفرقة. الخاتمة: وفيها ذكر أهم النتائج التي توصل إليها الباحث، وخلاصة للبحث. الفهارس: وتشتمل على ما يلي: 1) فهرس الآيات. 2) فهرس الأحاديث والآثار. 3) فهرس الأعلام. 4) فهرس الفرق والمذاهب. 5) فهرس الألفاظ المُعَرَّف بها. 6) فهرس المراجع والمصادر. 7) فهرس الموضوعات. منهج البحث: 1) استقراء المسائل العقدية التي نص ابن مفلح رحمه الله على رأيه فيها، في كتبه، أو الكتب الناقلة عنه، وترتيب هذه المسائل حسب خطة البحث. 2) دراسة هذه المسائل ونقدها وفق ما يأتي: أ / عرض قول ابن مفلح رحمه الله في كل مسألة. ب / الاستدلال على المسائل بنصوص الكتاب والسنة وكلام أهل العلم. ج / بيان مدى موافقة ابن مفلح رحمه الله في المسألة لمذهب السلف. 3) عزو الآيات القرآنية. 4) تخريج الأحاديث من كتب السنة، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به، وإلا خرجته من المصادر الأخرى، مع نقل حكم الأئمة عليه. 5) تخريج الآثار الواردة في البحث. 6) التعريف بالأعلام غير المشهورين. 7) التعريف بالفرق والأماكن غير المشهورة. 8) شرح الألفاظ الغريبة. 9) وضع الفهارس العلمية اللازمة. شكر وتقدير وفي ختام هذه المقدمة أشكر الله عز وجل على ما من به في إعداد هذه الرسالة، فله الحمد والشكر أولاً وآخراً، وظاهراً وباطناً، ثم أشكر والـديَّ الكريمين الذين ربَّياني صغيراً، ثم أشكر أهل بيتي الذين صبروا علي أثناء إعداد هذه الرسالة، والشكر موصول لكل من أفادني بقول أو عمل. وقد كان أصل هذا الموضوع رسالة علمية للماجستير بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، اجتهدت في تهذيبها والزيادة عليها، وإخراجها بما يتناسب مع العرض للنشر رجاء أن تعم الفائدة. وبعد فهذا جُهد المقل فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من نقص أو خطأ فمن النفس والشيطان. [1] السحب الوابلة 3 /1092. [2] انظر: المرجع السابق 3 /1092. [3] المرجع السابق 3 /1092. [4] ذيل ابن عبد الهادي على طبقات ابن رجب ص 71.
الإسلام والطب
الشيخ صلاح نجيب الدق
30-07-2018
10,703
https://www.alukah.net//culture/0/128374/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a8/
الإسلام والطب إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِلْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فإن الإسلام هو دين الطب، وهذه حقيقة ثابتة، لا يستطيع أحد أن يُنكِرَها، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الإسلام يأمر بالتداوي: روى أبو داود عن أسامة بن شريك، قال أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وأصحابُه كأنما على رءوسهم الطير، فسلَّمْتُ ثم قعدت، فجاء الأعراب من ها هنا وها هنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى، فقال: ((تداووا؛ فإن الله عز وجل لم يَضَعْ داءً إلا وَضَعَ له دواءً، غير داء واحد الهرم))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود للألباني، حديث:3264). روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما أنزل اللهُ داءً إلا أنزل له شفاءً))؛ (البخاري، حديث 5678). روى الحاكم عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له دواءً، علِمَه من علِمَه، وجهِلَه من جهِلَه إلَّا السام))، قالوا: يا رسول الله، وما السام؟ قال: ((الموت))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني، حديث 1809). التحذير من التداوي بالمحرمات: روى مسلم عن وائل الحضرمي، أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه أو كرِهَ أن يصنعها؛ فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال: ((إنه ليس بدواء ولكنه داء))؛ (مسلم، حديث 1984). قال الإمام النووي: هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر وتخليلها، وفيه التصريح بأنها ليست بدواء؛ فيُحرَّم التداوي بها. روى أبو داود عن عبدالرحمن بن عثمان أن طبيبًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود، حديث 3279). روى البخاري عن عبدالله بن مسعود، قال في السكر: إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرَّم عليكم؛ (البخاري، كتاب الأشربة، باب شراب الحَلواء والعسل). ويُحرَّم التداوي بالرُّقى والتمائم الشِّركية، والرقية المنهي عنها هي ما كانت بغير اللغة العربية، أو ما لا يُفهَم معناها، والتميمة المنهي عنها هي ما يُعلَّق بأعناق الصبيان من خرزات وعِظام لدفع العين؛ (شرح كتاب التوحيد، صـ 148). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: في الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا يُنافي التوكُّل على الله، كما لا يُنافيه دَفْعُ داءِ الجوع والعطش والحر والبرد بأضْدادِها، بل لا تَتِمُّ حقيقةُ التَّوْحِيدِ إلَّا بِمُباشَرةِ الأسباب التي نَصَبَها اللهُ مُقْتَضَياتٍ لمسبِّباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكُّل كما يقدح في الأمر والحكمة ويضعفه من حيث يظُنُّ مُعطِّلُها أن تركها أقوى في التوكُّل، فإنَّ تَرْكَها عَجْزًا يُنافي التوكُّل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضرُّه في دينه ودنياه، ولا بُدَّ مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب والأركان معطلًا للحكمة والشَّرْع، فلا يجعل العبد عجزَه توكُّلًا، ولا توكُّله عجزًا. وفي الأحاديث الصحيحة ردٌّ على من أنكر التداوي، وقال: إن كان الشفاء قد قُدِّر، فالتداوي لا يفيد، وإن لم يكن قد قُدِّر فكذلك، وأيضًا فإن المرض حصل بقَدَر الله، وقَدَر الله لا يُدفَع ولا يُرَدُّ، وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما أفاضل الصحابة فأعلمُ بالله وحكمته وصفاته من أن يُوردوا مثل هذا، وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما شفى وكفى، فقال: "هذه الأدوية والرُّقى والتُّقَى ((هي مِن قدر الله، فما خرج شيءٌ عن قَدَره، بل يُرَدُّ قَدَرُه بقَدَره، وهذا الردُّ من قَدَره))، فلا سبيل إلى الخروج عن قَدَره بوجهٍ ما، وهذا كرَدِّ قَدَر الجوع والعطش والحرِّ والبرد بأضدادها، وكرَدِّ قدر العدوِّ بالجهاد، وكُلٌّ مِن قَدَر الله، الدافع والمدفوع والدَّفْع؛ (زاد المعاد؛ لابن القيم، جـ4 صـ16:15). روى مسلم من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: ((لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أُصيبَ دواءُ الداء، بَرَأ بإذن الله عز وجل))؛ (مسلم، حديث 2204). قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "في قوله صلى الله عليه وسلم : ((لكل داءٍ دواءٌ)) تَقويةٌ لنفس المريض والطبيب، وحثٌّ على طلب ذلك الدواء والتفتيش عليه، فإن المريض إذا استشعرَتْ نفسُه أن لدائه دواءً يُزيله، تعلَّق قلبُه برُوح الرجاء، وبردت عنده حرارةُ اليأس، وانفتح له باب الرجاء، ومتى قويَتْ نفسُه انبعثَت حرارتُه الغريزية، وكان ذلك سببًا لقوة الأرواح الحيوانية والنفسانيَّة والطبيعية، ومتى قويَتْ هذه الأرواح، قويتِ القوى التي هي حاملةٌ لها، فقهَرت المرضَ ودفَعته، وكذلك الطبيب إذا علِم أن لهذا الداء دواءً أمكَنه طلبُه والتفتيشُ عليه، وأمراض الأبدان على وِزان أمراض القلوب، وما جعل الله للقلب مرضًا إلَّا جعل شفاءً بضدِّه، فإن علِمَه صاحبُ الداء واستعمَله، وصادَف داءَ قلبه، أبرأَه بإذن الله تعالى"؛ (زاد المعاد، جـ4، صـ17). علاج الأطباء للنساء: يجوز للأطباء الرجال علاجُ النساء من غير المحارم، وكذلك يجوز علاج الطبيبات للرجال من غير المحارم، عند الضرورة، وتُقدَّرُ بقَدْرها؛ روى البخاري عن الربيع بنت معوِّذ، قالت: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونردُّ القتلى إلى المدينة؛ (البخاري، حديث 2882). قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: في هذا الحديث جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجلَ الأجنبيَّ للضرورة؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ6، صـ94)، وقال رحمه الله أيضًا: تجوز مداواة الأجانب عند الضرورة، وتُقدَّر بقَدْرها فيما يتعلَّق بالنظر والجس باليد وغير ذلك؛ (فتح الباري؛ لابن حجر، جـ10، صـ143:142). روى مسلم عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو بأُمِّ سليم ونسوة من الأنصار معه إذا غزا، فيسقين الماء ويُداوين الجرحى؛ (مسلم، حديث 1810). قال الإمام النووي رحمه الله: "في هذا الحديث خروج النساء في الغزو، والانتفاع بهنَّ في السقي والمداواة ونحوهما، وهذه المداواة لمحارمهنَّ وأزواجهنَّ، وما كان منها لغيرهم لا يكون فيه مَسُّ بَشَرةٍ إلا في موضع الحاجة؛ (شرح النووي، جـ6، صـ428). وروى مسلم عن أمِّ عطية الأنصارية، قالت: غزوتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أخلفهم في رحالهم، فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى، وأقوم على المرضى؛ (مسلم، حديث 1812). قال الإمام ابن مفلح الحنبلي رحمه الله: إن مرضت امرأة ولم يوجد من يَطُبُّها غير رجل، جاز له منها نَظَرُ ما تدعو الحاجةُ إلى نظره منه حتى الفَرجين، وكذا الرجل مع الرجل، قال ابن حمدان: "وإن لم يوجد مَنْ يَطُبُّه سوى امرأة، فلها نظر ما تدعو الحاجةُ إلى نظره منه حتى فَرجيه؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، جـ2، صـ442-443). العلاج عند طبيب غير مسلم: يجوز للمريض المسلم أن يذهب للعلاج عند طبيب غير مسلم في حالة الضرورة بشرط أن يكون هذا الطبيب خبيرًا بالطِّبِّ وموثوقًا فيه عند الناس؛ (فتاوى ابن عثيمين، جـ1، صـ54). قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إذا كان اليهودي أو النصراني خبيرًا بالطِّبِّ ثِقةً عند الإنسان، جاز له أن يستطِبَّ، كما يجوز له أن يُودِعَه المال، وأن يعامِلَه كما قال تعالى: ﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ﴾ [آل عمران: 75]. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلًا من بني الدِّيل هاديًا خِرِّيتًا، وهو على دين كفار قريش، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صُبْح ثلاث؛ (البخاري، حديث 2264). الخِرِّيْت: الماهر بالهداية. فالنبي صلى الله عليه وسلم قد ائتمن هذا المشرِكَ على نفسه وماله، وكانت خزاعه عيبة (مؤيدة) لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ مسلمهم وكافرهم، وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يستطِبَّ الحارث بن كلدة، وكان كافرًا، وإذا أمكنه أن يستطبَّ مسلمًا، فهو كما لو أمكَنه أن يُودعه أو يُعامله، فلا ينبغي أن يَعدل عنه، وأما إذا احتاج إلى ائتمان الكتابي أو استطبابه، فله ذلك، ولم يكن من ولاية اليهود والنصارى المنهي عنها، وإذا خاطبَه بالتي هي أحسن كان حَسَنًا؛ فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ﴾ [العنكبوت: 46]؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، جـ2، صـ 442:441). قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: في استئجار النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن أُريقط الدؤلي في وقت الهجرة، وهو كافر، دليلٌ على جواز الرجوع إلى الكافر في الطب والكحل والأدوية والكتابة والحساب والعيوب ونحوها، وما لم يكن ولاية تتضمَّن عدالة، ولا يلزم من مجرد كونه كافرًا ألَّا يُوثَق به في شيء أصلًا، فإنه لا شيء أخطر من الدلالة في الطريق، ولا سيَّما في مثل طريق الهجرة؛ (بدائع الفوائد، جـ3، صـ208). قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله وهو يتحدث عن حديث صلح الحديبية (البخاري حديث 2731): وفيه جواز الاعتماد على خَبَرِ الكافر إذا قامت القرينةُ على صدقه؛ قاله الخطابي مستدلًّا بأن الخزاعي الذي بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عينًا له ليأتيَه بخبر قريش كان حينئذٍ كافرًا، قال: وإنما اختاره لذلك مع كُفْره؛ ليكون أمكنَ له في الدخول فيهم، والاختلاط بهم، والاطِّلاع على أسرارِهم، قال (أي الخطابي): ويُستفاد من ذلك جوازُ قَبول قول الطبيب الكافر؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ5، صـ415). قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: ذكرنا عبدالله بن أُريقط الذي دلَّ النبي صلى الله عليه وسلم على الطريق في الهجرة، يُؤخَذ من ذلك أنه لا بأس من استئجار الكافر فيما يؤتمن عليه، سواء في دلالة أو في علاج، أو في الصنعة أو في البناء، أو غير ذلك، لكن بشرط أن يكون أمينًا. ويتفرَّع على ذلك أنه يجوز للمسلم أن يعمَل بقول الطبيب الكافر بألَّا يصلي قائمًا مثلًا أو ألَّا يركع إذا كان العلاج يحتاج إلى عدم الركوع والسجود، فلا يركع، وذلك يقع كثيرًا، فإن كثيرًا من الأطباء يقولون للمعالَج: لا تركع ولا تسجُد، فهذا يُؤخَذ بقوله ولو كان كافرًا ما دام أمينًا، وكذلك في الإفطار، وما اشترط بعضُهم أنه لا بد أن يكون الطبيب مسلمًا، ففيه نظر، والصواب أنه لا بد أن يكون الطبيب أمينًا، سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، وكثير من الكفار يكون عنده أمانة، وإن كان لا يريد بها التقرُّب إلى الله عز وجل؛ لكنه يريد أن يعرف الناس نصاحتَه وصَنْعَتَه، ويتجهون إليه، فإذا قال قائل: ما دليلكم على هذا؟ قلنا: الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم على الطريق هو عبدالله بن أريقط، وكان كافرًا؛ فقال رحمه الله أيضًا: لو أن طبيبًا نصرانيًّا ماهرًا قال للمسلم: لا تَصُمْ، ولكن خالَفه طبيبٌ مسلمٌ هو أدنى منه في المهارة، فقال: لا يضُرُّكَ الصوم، فبأي قول يأخذ؟ الجواب: بالأول ما دام أحذقَ منه ومأمونًا، فيأخُذ بقوله؛ (شرح زاد المستقنع؛ لابن عثيمين، جـ9، صـ 332:331). ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا - أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
ثبت المؤلفات القرآنية في سورة يس
عبدالعزيز سالم شامان الرويلي
30-07-2018
13,061
https://www.alukah.net//culture/0/128366/%d8%ab%d8%a8%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d9%8a%d8%b3/
ثبت المؤلفات القرآنية في سورة يس 1- تفسير سورة يس/ لابن الحاج حمدون بن عبدالرحمن مخطوط؛ انظر: الفهرس الشامل (٨٠٣). 2- تفسير سورة يس/ محمد الأمين بن صدر الدين ملا زاده الشرواني ( مخطوط ). 3- من عجائب سورة يس/ بكر محمد إبراهيم. 4- من أسرار التنزيل في سورة يس/ محمد الأمير محمد سيد. 5- المهذب في تفسير سورة يس/ لعلي الشحود. 6- تفسير سورة يس/ للحاج حسن يحيى. 7- أضواء على سورة يس/ حنان اللحام. 8- شفاء الظمآن بسر قلب القرآن/ للدمنهوري أحمد عبدالمنعم، منظومة مخطوطة؛ انظر: الفهرس الشامل (٧٨٠). 9- أساليب الحجاج في القرآن الكريم من خلال سورة الإسراء إلى سورة يس: دراسة تحليلية/ آمنة عوض الكريم عبدالرحمن محمد. 10- أسرار ومعجزات سورة يس وآية الكرسي/ أسامة عبدالعزيز عطية باشا. 11- أسرار ومعجزات سورة يس وآية الكرسي/ عصام يوسف. 12- أصول العقيدة في سورة يس وأثرها في الفرد والمجتمع/ ليليا شنتوح. 13- أصول ما في القرآن الكريم مع دراسة تطبيقية على سورة يس/ إبراهيم بن سعيد بن حمد الدوسري. 14- إطلالة على سورة يس/ محمود بن محمد حسن الشريف. 15- الإعراب الكامل لسورة يس/ عبدالفتاح السيد سليم. 16- التيسير في فهم سورة يس/ أحمد محمد شاور. 17- الدر الرصين في تفسير سورة يس: دراسة تحليلية موضوعية / صديق خليل الصالح الجميلي. 18- القول الحصين في تفسير سورة يس/ محمد طه الباليساني. 19- القول المبين في تفسير سورة يس/ عبدالمجيد البيانوني. 20- القول المبين في تفسير سورة يس/ حسن يونس حسن عبيد. 21- القول المبين في خواص ودعوات وفوائد سورة يس/ رمضان عبداللطيف. 22- تأملات في سورة يس قلب القرآن/ حسن محمد أحمد باجودة. 23- تفسير سورة يس/ محمد علي الصابوني. 24- تفسير القرآن الكريم (سورة يس)/ محمد بن صالح العثيمين. 25- تفسير سورة الكهف وسورة يس/ إسماعيل بن عمر بن كثير بن زرع البصروي ثم الدمشقي. 26- تفسير سورة يس/ يحيى بن سلام بن أبي ثعلبة البصري. 27- تفسير سورة يس/ حسنين محمد مخلوف. 28- تفسير سورة يس/ حسن محمد سعيد الشناوي. 29- تفسير سورة يس/ الغزالي خليل عيد. 30- تفسير سورة يس/ حمامي زاده أفندي ( مخطوط ). 31- زهور ورياحين في تفسير سورة يس/ السيد فاروق محمد عبدالرحمن. 32- سورة يس فضلها وكيفية الدعاء بها/ طيف عرفات. 33- سورة يس الجامعة لأصول العقيدة وشعب الإيمان/ يوسف البدري. 34- فضائل سورة يس/ طارق الطنطاوي. 35- التركيب النحوي في سورة يس/ محمد حسن حسن جبل. 36- تفسير سورة يس/ محمد علي بن أحمد القراجه داغي ( مخطوط ). 37- حاشية على تفسير البيضاوي لسورة يس/ علي بن محمد الحضروي الآمدي ( مخطوط ). 38- شفاء الظمآن بسر قلب القرآن ( منظومة في سورة يس )/ أحمد بن عبدالمنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري المذاهبي الأزهري ( مخطوط ). 39- تفسير سورة يس/ الشيخ مصطفى الخلوتي ( مخطوط ). 40- تفسير سورة يس/ أيوب بن أحمد بن أيوب الخلوتي البقاعي الصالحي الدمشقي ( مخطوط ). 41- تفسير سورة يس من روح البيان/ إسماعيل حقي بن مصطفى الإستنبولي أصلًا الآيدوسي مولدًا البروسوي ( مخطوط ). 42- دراسات لغوية في سورة يس/ شرف الدين علي الراجحي. 43- صور شاملة لسورة يس/ محمد الغزالي أحمد السقا. 44- مع سورة يس/ إبراهيم الدسوقي محمد خميس. 45- نظرات في سورة يس/ محمد المغازي سيف الدين. 46- التراكيب اللغوية في سورة يس ( دراسة نحوية وصفية )/ سيف البحرين بن فيغران حاج كولا. 47- التفسير بالمأثور في سورة يس جمعًا وتحقيقًا ودراسةً/ محمد عبدالغني عبدالعزيز سلامة. 48- الدعوة الإسلامية من خلال سورة يس/ عبداللطيف شاكر موسى شحاته. 49- الخصائص البلاغية في سورة يس/ حسني محمد سيد عثمان. 50- العقد الثمين في التفسير الموضوعي لسورة يس/ شادي محمد فارس راضي. 51- الغيبيات وأثرها على الفرد والمجتمع في سورتي الكهف/ ويس وفاء حجو. 52- تفسير سورة يس/ علي حسن العريض. 53- تفسير سورة يس/ لمصطفى بن محمد الأنقراوي. 54- سورة يس ومنهجها في إثبات التوحيد والرسالة والبعث/ منال قاسم محمد. 55- معالم الدعوة في سورة يس/ نعيمة عبدالعزيز حجازي محمد. 56- موقف القرآن من خصومه كما تُصوِّره سورة يس/ ريهام طلعت إسماعيل. 57- سورة يس دراسة دلالية/ ثلجة شتاح. 58- المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها - دراسة تطبيقية لسورة لقمان، السجدة، يس، الصافات، ص/ فاطمة محمد محمود شلدان.
معركة حماة سنة 573 هـ
د. محمد منير الجنباز
30-07-2018
7,747
https://www.alukah.net//culture/0/128362/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%ad%d9%85%d8%a7%d8%a9-%d8%b3%d9%86%d8%a9-573-%d9%87%d9%80/
معركة حماة في جمادى الأولى سنة 573 هـ سببها: وصول قائد صليبي كبير [1] إلى ساحل الشام ومعه جيش ضخم، وكان يبحث عن مدينة يحتلها ليَغيظَ صلاح الدين، كما أن حملة صلاح الدين على الرملة من مصر فشِلت وعاد إلى مصر، وأصبحت بلاد الشام خالية من جيش كبير يمنع مدنها؛ لهذا قصد هذا الجيش مع مَن ساعده من الصليبيين بالشام مدينة حماة، وكان واليها خال صلاح الدين شهاب الدين محمود، وهو من الشجعان المعدودين، إلا أنه كان مريضًا مرض الموت، فأحاط الصليبيون بالمدينة وجرت معارك شديدة على الأسوار، وجند حماة النظامي يدافعون ببسالة، إلا أنهم قلة أمام الهجوم الصليبي، مما أدى إلى اختراقهم لبعض الأسوار ودخولهم طرف البلد الجنوبي، وكادت تؤخذ حماة عَنوة لولا أن هب رجالها يساندون القوات النظامية ويحامون عن النفس والأهل، فدارت رحى حرب طاحنة حتى صدوا الإفرنج من تلك الناحية، وأخرجوهم إلى ظاهر المدينة، ثم تابعوهم خارج المدينة يقتلون منهم ويأسرون، وفرَّ الإفرنج خائبين، وقد دامت تلك المعارك أربعة أيام، وبعد رحيلهم توفي شهاب الدين محمود. وفي سنة 574 في ربيع الأول عاد الإفرنج لغزو حماة، فزحفوا بفارسهم وراجلهم وأسروا ونهبوا من قُراها، فخرج لهم جيش حماة، وهو قليل العدد، لكنه توكَّل على الله، فالتقوا معهم فهزموهم بإذن الله، فأسروا وقتلوا الكثير، وأعادوا جميع الأسرى المسلمين وما نهبه الإفرنج، وكان صلاح الدين بحمص، فحملت إليه الرؤوس والأسرى، فسُرَّ بذلك. [1] ذكره ابن الأثير باسم كند كبير، من أكبر طواغيت الإفرنج، ولعل كند تعني "ملك".
تعريف بكتاب آيات العقيدة المتوهم إشكالها
د. زياد بن حمد العامر
29-07-2018
25,323
https://www.alukah.net//culture/0/128327/%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%a8%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a2%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%88%d9%87%d9%85-%d8%a5%d8%b4%d9%83%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7/
تعريف بكتاب آيات العقيدة المتوهم إشكالها الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فإن علم العقيدة أنفع العلوم، وذلك أنَّ شرف العلم من شرف المعلوم، ففيه بيان حقوقه سبحانه وتعالى على عباده، وما يجب على خلقه من توحيده وإفراده. ومع مرور الأزمنة وانقضاء جيل الصحابة الذين هم أعرف الناس بدلالات الكتاب والسنة وأقدرهم على إزالة ما يتوهم إشكاله منها، كثر السؤال عما يتوهم إشكاله من دلالات الكتاب والسنة، واشتدت الحاجة إلى بيانه وكشفه. وعندما كثر الطاعنون في الكتاب والسنة ووجِد المتبعون لما تشابه منهما ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، انبرى لهم حراس الشريعة، وأمناء الملة، وعلماء الأمة، فأزالوا الشكوك، وأبطلوا الشبهات، وبينوا المتشابهات، وأوضحوا المستشكلات، سواء ما يتعلق منها بالكتاب العزيز، أو السنة المطهرة، ومن هنا اهتم أهل العلم بجمع النصوص المشكلة، وإزالة الإشكال عنها، فمما يتعلق بكتاب الله: • تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة. • تفسير آيات أشكلت لشيخ الإسلام ابن تيمية. • دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي. ولما كان من لوازم مرحلة الدكتوراه اعداد بحث علمي في التخصص، ورغبة مني المساهمة في هذا الموضوع اخترت الكتابة فيه تحت عنوان: آيات العقيدة المتوهم إشكالها ( جمعاً ودراسة ) أهمية الموضوع وأسباب اختياره: أولاً: أهمية هذا الموضوع فهو متعلق بكتاب الله الذي هو أشرف الكتب وأجلها قدراً. ثانياً: أهمية هذا النوع من العلوم وشدة الحاجة إليه، ولذا قال النووي رحمه الله: (هذا من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف) [1] . ثالثاً: القيام بواجب الدفاع عن كتاب الله عز وجل، والذود عن حياضه ضد تشكيك الأعداء وشبهاتهم. رابعاً: تشجيع من استشرته من أهل العلم المختصين لدراسة هذا الموضوع. خامساً: أن بحث هذا الموضوع يعتبر إسهاما فاعلاً في سد الحاجة في المكتبة العقدية. سادساً: شمول مسائل البحث لكثير من أبواب الاعتقاد مما يفيد الباحث في الرجوع إليها. هدف البحث: هذا البحث يهدف إلى دفع ورفع الإشكال المتوهم في آيات القرآن العقدية. الدراسات السابقة: لم أجد بعد البحث دراسة في الجانب التطبيقي عن آيات العقيدة المتوهم إشكالها، غير أن هناك رسائل علمية لها ارتباط بالموضوع مثل المشروع العلمي في دفع إيهام التعارض في الآيات العقدية، وقد شارك فيه برسالته الماجستير / خالد بن عبد الله الدميجي المحاضر بقسم العقيدة بجامعة أم القرى وكانت بعنوان ( دفع إيهام التعارض عن الآيات الواردة في الإيمان بالرسل والقدر )، والرسالة الثانية كانت للأخت / حياة المحمادي وكانت بعنوان ( آيات العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه )، والرسالة الثالثة كانت للأخت / حنان العمري وكانت بعنوان ( آيات العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في مسائل الإيمان باليوم الآخر ). وبعد الاطلاع على هذه الرسائل اتضح بأن هذا المشروع يعتبر نوعاً من أنواع الإشكال خاصاً بالآيات التي يوهم ظاهرها التعارض، دون باقي الآيات التي يتوهم إشكالها. ولا يخفى الفرق بين باب التعارض وباب الإشكال فالأول يعتبر نوعاً من أنواع الإشكال، فبينهما عموم وخصوص. ومن الكتابات التي لها ارتباط بالموضوع كتاب ( مسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة ) للدكتور عبد الرزاق بن طاهر معاش، وهي رسالة دكتوراه من قسم العقيدة بجامعة الإمام، وهي دراسة نظرية تأصيلية لما يشكل من نصوص العقيدة، ويلاحظ أن هذه الرسالة مهتمة بالجانب النظري والتأصيلي بخلاف هذا البحث فإنه مهتم بالجانب التطبيقي فهو مكمل لهذه الرسالة وغيرها. ومن الكتابات في غير باب الاعتقاد كتاب ( مشكل القرآن الكريم ) تأليف عبد الله المنصور، وهي رسالة ماجستير من قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام، وهي دراسة نظرية تأصيلية لمشكل القرآن بشكل عام، وتكونت من أربعة فصول: الفصل الأول عن مقدمات في مشكل القرآن، والفصل الثاني عن أسباب وقوع الإشكال في القرآن، والفصل الثالث عن أنواع مشكل القرآن، والفصل الرابع عن طرق دفع الإشكال عن آيات القرآن. خطة البحث: تتكون خطة بحث هذه الرسالة من: مقدمة، وتمهيد، وعشرة فصول، وخاتمة، وفهارس، وتفصيل ذلك كما يلي: المقدمة: وتشتمل على ما يلي: • أهمية الموضوع وأسباب اختياره. • هدف البحث. • الدراسات السابقة. • خطة البحث. • منهج البحث. التمهيد: وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: التعريف بالمُشْكِل. المبحث الثاني: التعريف بأشهر المؤلفات في مشكل القرآن. المبحث الثالث: ظواهر الكتاب والسنة كلها حق. المبحث الرابع: العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه. المبحث الخامس: مكانة القرآن عند أهل السنة والجماعة. الفصل الأول: الآيات المتوهم إشكالها في الأسماء والصفات: وفيه أربعة عشر مبحثاً: المبحث الأول: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ﴾ [الحجر: 29] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ ﴾ [البقرة: 29] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾ [ق: 16] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الخامس: ﴿ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ﴾ [البقرة: 210] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث السادس: ﴿ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 115] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث السابع: ﴿ عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 56] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثامن: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث التاسع: ﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ [القصص: 88] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث العاشر: ﴿ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ﴾ [البقرة: 255] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الحادي عشر: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني عشر: ﴿ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ﴾ [الشورى: 29] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث عشر: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع عشر: ﴿ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 51] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل الثاني: الآيات المتوهم إشكالها في الألوهية: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: ﴿ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾ [الكهف: 21] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ ﴾ [سبأ: 13] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ﴾ [النساء: 1] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ﴿ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود: 77] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل الثالث: الآيات المتوهم إشكالها في الملائكة: وفيه مبحث واحد: المبحث الأول: ﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى ﴾ [النجم: 8] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل الرابع: الآيات المتوهم إشكالها في الكتب: وفيه مبحثان: المبحث الأول: ﴿ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا ﴾ [آل عمران: 93] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ ﴾ [الأنبياء: 2] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل الخامس: الآيات المتوهم إشكالها في الرسل: وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: ﴿ وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الأعراف: 190] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ ﴾ [يوسف: 110] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﴾ [التوبة: 117] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الخامس: ﴿ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ ﴾ [الفتح: 9] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث السادس: ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل السادس: الآيات المتوهم إشكالها في القدر: وفيه مبحث واحد: المبحث الأول: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ [الأعراف: 172] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل السابع: الآيات المتوهم إشكالها في اليوم الآخر: وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ﴾ [الأنعام: 128] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا ﴾ [الفرقان: 24] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ﴾ [المدثر: 48] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل الثامن: الآيات المتوهم إشكالها في الإيمان: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: ﴿ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ﴾ [المائدة: 113] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ﴾ [النساء: 136] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ﴾ [المائدة: 60] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 106] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل التاسع: الآيات المتوهم إشكالها في الولاء والبراء: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص: 56] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ﴾ [آل عمران: 28] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ﴾ [المائدة: 82] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ﴿ وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ﴾ [الأعراف: 73] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الفصل العاشر: الآيات المتوهم إشكالها في الأسماء والأحكام: وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾ [يوسف: 100] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثاني: ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ [الأنبياء: 87] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الثالث: ﴿ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ ﴾ [المائدة: 112] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الرابع: ﴿ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث الخامس: ﴿ فَحَقَّ وَعِيدِ ﴾ [ق: 14] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. المبحث السادس: ﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ﴾ [الحجرات: 14] وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. الخاتمة: وفيها ذكر أهم النتائج التي توصل إليها الباحث، وخلاصة للبحث. الفهارس: وتشمل الفهارس العلمية اللازمة. منهج البحث: 1) المتبع في هذا البحث منهجين أساسيين هما: أولاً: المنهج الاستقرائي: وذلك بتتبع واستقراء الآيات التي يتوهم إشكالها، واستقراء كلام أهل العلم حولها ، ثم ترتيبها وتقسيمها حسب خطة البحث. ثانياً: المنهج التحليلي: وذلك بتحليل معاني النصوص ببيان وجه الإشكال فيها، ثم إتباع ذلك بأقوال أهل العلم وأدلتهم وتوجيهاتهم في دفع الإشكال المتوهم وذلك داخل الأقوال والتوجيهات المقبولة ضمن منهج أهل السنة والجماعة في التلقي والاستدلال، ثم الترجيح بين تلك الأقوال. 2) دراسة الآيات المتوهم إشكالها على النحو التالي: أ- بيان وجه الإشكال في الآية. ب- أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. ج- الترجيح. 3) عزو الآيات القرآنية. 4) تخريج الأحاديث والآثار من كتب السنة، فإن كانت في الصحيحين أو أحدهما اكتفيت به، وإلا خرجته من المصادر الأخرى، مع نقل حكم الأئمة عليه قدر المستطاع. 5) إذا وجدت لأحد أهل العلم كلاماً يفي بالغرض في المسألة فإني أقتبس محل الشاهد منه، وذلك لأني اعتقد أن كلام المتقدمين من أهل العلم أقوى في بيان المراد، وأسلم من الخطأ، وأولى من إنشاء كلام جديد يعتبر تكراراً لما سبق، ولذلك فقد اجتهدت في ادراج كلامهم ضمن سياق واحد مترابط. 6) وضع الفهارس العلمية اللازمة. [1] التقريب للنووي 1 /20.
أوهام ديكارت
علي العولقي
28-07-2018
4,449
https://www.alukah.net//culture/0/128302/%d8%a3%d9%88%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%af%d9%8a%d9%83%d8%a7%d8%b1%d8%aa/
أوهام ديكارت كل ابن آدم خطَّاء، ولأنه كذلك فالأَحْرى به أن يتحرَّى عيوبَه قبل عيوبِ غيره، وقد تحرَّيتُ عيوبي، فوجدتُني ممن تَغلبه نفسُه، وقد أثقلتْه ذنوبُه، وزاد سهوُه، ولا عذرَ له إلا أن يتغمَّده الله برحمةٍ، ويتوب عليه، فلا ريبَ أن يكون هذا القولُ، إن بانَ فيه مِن الصواب، ونسأل الله من فضله أن يكون هذا الصواب بِمَنِّ الله وعطائه، ولا شأنَ لي فيه أبدًا. ولأنني مُخطئٌ على الدوام، فقد عاملتُ نفسي بألا أَثِقَ بها بتاتًا، ورغم ذلك فإني أجدني أنساقُ لها من حين لآخر ضرورةً لا اختيارًا، غير أن هذه الضرورة قد باتت اختيارًا منذ الوَهلة التي اخترتُ فيها الحياةَ على الموت، فإن تذمَّرتُ كان العيب عيبي: ونَهجو ذا الزمانَ بغير ذنبٍ ♦♦♦ ولو نطَق الزمانُ لنا هجَانَا وإن نفسي الخاطئة مهما ادَّعيتُ عمقَ إيماني، لا أراني أقوى على دَرْءِ شُبهاتها؛ كيف وكل اختبار أُجريه عليها لا يُثبت براءَتَها؛ إذ متى كانت النفس تعمَل لغير صالحها؟! وعلى الأقل إن لم يَثْبُتْ عليها اتِّهامي، فما انتفَت عنها شكوكي، غير أني لو شَكَكْتُ بنفسي، فبِمَ عساي أثِق إن لم أعتصِم بحبل الله؟! لقد رأيتُ ديكارت عندما لم يراهن على نفسه ولو بدانق، فقد شكَّ هو الآخر في الوجود بأسْره، ولكنه ما إن وصَل عند عتبات نفسه، حتى توقَّف [1] ! فهل هالَه المشهدُ، أم راعَه التفكيرُ، أم أخذتْه العِزةُ بالأثم؟ أم ماذا حلَّ به عند تلك اللحظة الفارقة التي أبصَر فيها شكَّه؛ لينعطف مباشرةً دون أيِّ تأمُّل، ويَجزِمُ بأنْ لا شكَّ في شكِّه! لقد كان هيغل أقلَّ سوءًا منه عندما تكلَّم عن ديالكتيك الأفكار، وبيَّن أن كل فكرة تَلِدُ معها نقيضتها [2] ، فبمصطلح هيغل، وقبل هيغبل بمصطلح الواقع، كل الظروف تؤكد أن شك ديكارت يَحتمل الشكَّ هو الآخر، فأي عصمةٍ توهَّمها ديكارت في نفسه عندما نصَب منها ميزانًا للحقيقة، وجزَم أن شكَّه مِفتاحُ اليقين! قد يرى البعض ديكارت وشَعرَه المتدلي في تلك الصورة المنتشرة على صفحات الإنترنت، فيلسوفًا عريقًا أحدَث نَقلةً في مجال العلم والفلسفة، وأسَّس لفكرة محورية سار على نهجها كثيرٌ من المفكرين حول العالم، عندما شكُّوا في تلك الثوابت الراسخة. غير أني أتساءل: هل نَسِيَ ديكارت أم تناسى قصورَ معرفته بذاته؟ فلو أنه سأل نفسَه وقال: مَن أنا؟ أكان يُحسِنُ أن يُجيبَ؟ وهل نَسِيَ غلبةَ المشاعر وتبدُّلَها الآني، وهو نفسُه الذي قال: ليس من الحكمة أن نَثِقَ بحواسِّنا؟ وهل تجاهل ديكارت أم نَسِي أيضًا عاملَ الظروف المحيطة بالإنسان؟ فهل هذا الشك الذي قرَنه بالحقيقة ليس إلا استجابة لواقع الحال؟ وماذا عن النزعات السوداوية التي تتأَرْجَح في نفس ابن آدم، وتغلب على ظنونه، تلك التي أسماها فرويد بالهو [3] ( Id ) ، فهل خَفِيَ على ديكارت ذلك الجانبُ المستور من أنفسنا؟ وماذا عن الخوف من المجهول الذي يُساوره شبحُ الندم؟ فأي ذنبٍ نَسِيناه وتَنسَاه ديكارت؟ وماذا عن تلك اللحظة التي يتوقف معها الزمانُ عندما نلتمس الخطرَ؛ ليتبخَّر هذا اليقين الديكارتي، وكأن هذه الثقة المفرطة لم تكن إلا حُلمًا عابرًا؟ وأخيرًا وليس آخرًا: الموت، وهو اللحظة التي تُقهَر فيها هذه النفسُ، فتُسلَبُ إرادتُها وتُطوى صفحتُها، فهل كان يقينُ ديكارت نفسه إلا عُمرًا انتهى مع وفاته، وبَقِيتْ بذورُه عند أمثاله من المتشكِّكين؛ ليعيشوا هم عليه حتى يَموتوا وينتهيَ معهم؟ وبالرغم من هذا اليقين الديكارتي الذي لا أراه إلا صورةً مقتطفة لتلك العنجهية التي لطالَما تكرَّرت على وجوه الغربيين - فإنه بَقِيَ وما زال القلقُ الوجودي متجذرًا في الإنسان كسؤالٍ بلا جواب، ولقد رأيتُ من الوجوديين - مِن أمثال كريغورد وهايدغر - أنهم قد استشعروا شيئًا من حقيقة النفس، فقال هايدجر: "ما القلق إلا حالةُُ الخوف المطلق أمام العَراء المطلق" [4] ، وعنَى بالعراء المطلق الوجودَ الذي تصوَّروه عدمًا، وليس العراء المطلق في حقيقته إلا هذه النفس التي تسعى بكلِّ حِيلةٍ لتبرير وجودها تبريرًا يضمَن لها الاستمرارَ في لذة الحياة، بعيدًا عن الألم الوِجداني الذي يُساورها كلَّما تكشَّفت سَوْءَاتُها! فمتى تجاوز الإنسانُ نفسَه؛ لكي يفنِّد القول في غيره، وأعني هذا الوجود الذي لا نتلقَّاه إلا عن حواسِّنا القاصرة، ونتأمَّله بمصطلح مجازي اسمه العقلُ، فهل عرَفنا ما هو العقل حتى نُحكِّمه هو الآخر، ونصرِّح بكل اعتباطية بأن الوجود عدمٌ، ونحن الوجود؟ أليستْ خيانة للقيم وتواطئًا مع النفس مرَّرته الجماهير الثقافية في ظلِّ ظروف غامضة تُحتِّم علينا القول بأنهم إما أن يكونوا شركاءَ في هذه الخديعة، أم أنهم على درجة من اللاوعي تؤهِّلهم لأن تَنطلي عليهم فبركاتُ المتفلسفين؟ لقد مضى على تاريخ الغرب رجالٌ نُحِتَتْ صورُهم على الرخام والبرونز؛ تخليدًا لفرط دهائهم وإقدامهم على أعسر الأمور، ولكني لا أكاد اليوم أرى منهم واحدًا قد ملَك من الشجاعة ما يؤهِّله لأن يقفَ أمام نفسه وقفةً صادقة، باستثناء سقراط الذي لم يُطيقوا صراحتَه، فقتَلوه! فلا يَغُرَّنَّك بُعدُ النظر ودقةُ الفَهم، ولسانٌ أجرى أساطيل البحار وجحافل الأرض، فقد غفَل مثل هؤلاء أو تغافلوا عن شُبهات هذه النفس، ولمن شاء أن يُعرب عن رأيه حينما يعلَم أنهم هم أنفسهم قد وصَل بهم الغرورُ إلى حد أن آمنوا بأنَّ مصدر أمجادهم يَنبُع مِن سليل أنفسهم، وهي في الحقيقة أقلُّ مِن أن تكون أمجادًا، امتدادًا مِن عصر الإسكندر المقدوني. ولَمَّا كانت النفس لا تَفتُر عن نرجسيَّتها، فإن الإنسان ما زال محورَ الكون في ثقافتهم، ولأنه كذلك، وفي وقت من الأوقات عندما كان الجهل أقلَّ تركيبًا في أوروبا، آمَن بعضهم بأن الوحي ما أُنزل إلا ليَنسجمَ مع إرادة هذا الإنسان ويُحرِّره من عبوديته، وهي فِريةٌ يتداولها بعض مَن ينتمون إلى الإسلام اليومَ، غير أن هذا العبد ما لَبِثَ أن تَحرَّر، حتى كان أول قرارٍ له هو إلغاء الوحي مِن مُخيلتِه، ولكن هَيهات لمن انزاح عن عبادة الله لعبادة نفسه أن تَذَرَه نفسُه حرًّا، فإذا به يُسْلِمُ  شأنَه لرغباتها، وإذا بها - بمكر الليل والنهار - تَدفَعُه دفعًا ليحرِّر شرًّا أعظمَ، فإذا بالفاسق يأتيك بنبأ الإلحاد، ولم يتريَّث هذه المرة حتى تَستبين أمره، فقد أتى لك ومعه برهانُ العلم؛ لكي تعلمَ أنه لم يَعُدْ فاسقًا، بل صار كافرًا . [1] يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة (٢٠١٢)،صـ٨٨، مؤسسة هنداوي للتعليم والنشر، المنصورة. [2] د. جاسم سلطان، فلسفة التاريخ: الفكر الإستراتيجي في فهم التاريخ (٢٠٠٦)، صـ٨٩ مؤسسة أم القرى للترجمة والتوزيع، القاهرة. [3] K. Cehrry (2017) What Are the Id, Ego, and Superego?, verywellmind Retrived from [4] يوسف عدنان، ا لأنطولوجيا الوجودية بين مارتن هايدغر وجاك لاكان، يونيو 29, 2017.
نعمة حاسة الشم
أ. د. علي فؤاد مخيمر
27-07-2018
15,578
https://www.alukah.net//culture/0/128276/%d9%86%d8%b9%d9%85%d8%a9-%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%85/
نعمة حاسَّة الشمِّ إن لحاسَّة الشم أهميةً كبيرة في حياة كلٍّ مِن الإنسان أو الحيوان على حدٍّ سواء، فعن طريقِ حاسَّة الشمِّ يستطيع الإنسان أن يتعرَّف على الطعام الجيِّد فيُقبِل عليه، أو الطعام الفاسد فيتحاشاه، وعن طريقه أيضًا يستطيعُ التمييز بين الروائح الزكية التي تنبعث من الأزهار أو العطور، والروائح الكريهة التي تتصاعد من البِرَك والمياه الراكدة أو غيرها، فبهذه الحاسة يستعين بعض مصانع العطور والمشروبات والمرطِّبات والشاي وغيرها - ببعض الأشخاص الذين يستطيعون التمييز بدقةٍ بين الروائح والنَّكهات المختلفة. وقد ثبت علميًّا أن حاسَّة الشم عند الإنسان أشدُّ حساسية من حاسة الذوق؛ إذ تستطيع تبيُّنَ ما يزيد على 10000 رائحة. وعند الموازنة بين الشم والبصر يتبيَّن لنا أن العين لا ترى إلا بوسيطٍ وهو الضوء، ولكن الشم لا يحتاج إلى وسيط، فالإنسان يشمُّ ليلًا ونهارًا، في ضوء شديد وفي ظلمة شديدة، فهذه الحاسة تُعطي دائرةَ أمانٍ واسعةً جدًّا، فمثلًا وأنت نائمٌ قد تشم رائحة الغاز في البيت بلا صوت ولا ضوء ولا قرب مباشر. مُستقبلات الشمِّ: تقع مُستقبلات الشمِّ في مِنطقة منخفضة من الغِشاء المخاطي الأنفي، وهي مِنطقة مميزة يَميل لونها إلى الاصفرار، وتحتلُّ هذه المنطقة في بعض الحيوانات - كالكلب مثلًا - مساحةً واسعة، بينما في الإنسان لا تزيد مساحتها على سنتيمتر مربع، وتقع في سقف الأنف قرب الحاجز الأنفي. آلية الشم: تذوب جزئيات الروائح التي تدخل الأنف في المخاط الأنفي، وتنبه النهايات العصبية الشَّعرية في الخلايا المستقبِلة مُولِّدة دَفعةً عصبيةً، وتسير هذه الدفعة على طول ألياف الخلايا التي تخترقُ الصفيحة الغربالية، وهي ( عظمة غربالية ) لتصل إلى البصيلة الشمِّيَّة؛ حيث تتشابك مع الأعصاب الشمِّية، لتصل إلى المنطقة الشمية في المخ. وفي حقيقة الأمر ما زال موضوع آلية الشم سرًّا يكتنِفُه الغموض حتى الآن! ومِن النظريات التي وُضِعت لتُفسِّر هذه الظاهرة أن المواد النفَّاذة تقوم بتثبيت أنزيمات مُعيَّنة في الغشاء المخاطي الأنفي، ونظرية أخرى تفترض أن المواد الطيارة تُغيِّر النشاط الكهربائي لمُستقبلات الشمِّ؛ حيث يوجد في الأنف 100 مليون خلية عصبية شمية، وكل خلية لها سبعةُ أهداب، عليها مادة دهنية مُذيبة، تتفاعل مع الروائح تفاعلًا كيماويًّا، فينشأ من هذا التفاعل شكل هندسي يرسل إلى مركز الشمِّ في المخ على شكل إشارة، ويستعرض مركز الشم في المخ هذه الرائحة فيُدرِكها أولًا، ثم يتعرف عليها ثانيًا، وهناك نظريات أخرى كثيرة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى. والواقع أن الروائح التي تصل إلى الأنف تكونُ على شكل أبخرة أو غازات، تتصاعد مِن مختلف الأشياء المحيطة بنا، أو التي نتداولها بين أيدينا، فلا تستطيع الخلايا الشمِّية إدراكَ هذه الغازات والتعرُّف عليها إلا بعد ذوبانِها في الغشاء المخاطي؛ ذلك لأن حاسَّة الشمِّ هي حاسَّةٌ كيميائية، وهذا هو السبب في أننا قد نفقِدُ حاسَّة الشمِّ تمامًا عندما نُصاب بالبرد؛ إذ ينتفخ الغشاء المخاطي، فيمنع الروائح الغازية من الوصول إلى الخلايا الشمية الموجودة داخل الأنف. وحاسة الشم عند الإنسان تعدُّ ضعيفةً عند مقارنتها بحاسَّة الشم عند بعض الحيوانات لتمييزها للروائح بصورة دقيقة.. كالكلاب مثلًا، وقد عجَز الإنسان حتى الآن عن تفسير ذلك بصورة مقبولة، وأوضح مَثَل على ذلك هو ما يشاهد في كلاب الصيد، أو في الكلاب البوليسية التي تُستخَدم في التعرُّف على الجُناة أو المجرمين، فهي تستطيع التمييز بين رائحة إنسان معين ورائحة مئات آخرين من البشر، لكلٍّ منهم رائحتُه المميزة، فيكفي الكلبَ المُدرَّبَ أن يشمَّ أيَّ شيء يتعلق بهذا الإنسان المجهول؛ كالمنديل أو القُفَّاز، فيُخرِجه من بين المئات.
بين الجيل الذهبي والجيل الرقمي
زهير اتباتو
25-07-2018
11,713
https://www.alukah.net//culture/0/128244/%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a/
بين الجيل الذهبي والجيل الرقمي إنه لا يَخْفى على ذي العين العُقابيَّة أن بِساطَ الحياة يتحرَّكُ من عصر إلى عصر، ومن جيل إلى جيل، بعقليَّات مختلفة وأفكار متنوعة، سواء كانت هدَّامةً أو بنَّاءةً، في كلٍّ مِن البَدْو والحَضَر؛ لكن لا يختلف اثنان، ولا يتخاصَمُ عاقِلانِ، على فكرة أساسية أصبحَت المشتركَ في عَصْرِنا، ألا وهي أن قِيَمَ العَصْر قد تغيَّرَتْ بشكلٍ عجيبٍ ما بين جيل التسعينيَّات وجيل الألفيَّة الجديدة من القرن الواحد والعشرين. تغيَّرَ العالم، وتغيَّرَت العقليَّات والأفكار والمنطلقات، إلَّا أن السؤال المطروح: نحو أي اتِّجاه يَصُبُّ هذا التغيُّر؟ سؤال يصعُب الإجابةُ عنه بشكل مباشر؛ إذ يحتاج إلى تدقيق في نوعيَّة التغيير ومجاله والمنطلقات التي يُبْنى عليها، ولا سيَّما أن العالم في الآونة الأخيرة قد شهِدَ طفرةً نوعيَّةً على مستوى العلوم، ما أدَّى إلى انتقالة نوعيَّة في المجتمع، وهذا أسْفَر بشكلٍ مباشرٍ إلى تغيير على مستوى السلوك والأفكار. هذه الانعكاسات التي انبثقَت من رَحِمِ هذه الطَّفْرة العلمية في حقيقة الأمر، انقلبَتْ بوجهَينِ: أوَّلهما إيجابي، وهذا أمر لا يُنكِره لبيبٌ ولا عاقلٌ؛ إذ سهَّلَتْ أساليبَ العيش على المعمورة، ويسَّرَت التواصُل، وخصوصًا على مستوى الثورة التكنولوجية في مجال الاتِّصال والتواصُل، ومع انتشار وسائل الإعلام، ما أدَّى إلى توسيع المعرفة عالميًّا ومشاركة الثقافات بعضها لبعض. لكن من جانب آخر، فقد انعكس سَلْبًا هذا التطوُّر على الجيل الحالي على المستوى الفكري، وهنا نضرِب المثال بما أثَّرت به الأفلام الغربية التي تحمِل ثقافةً خاصةً في العالم العربي؛ إذ نرى انحلالًا على المستوى الخُلُقي، وفِقدانًا للموروث الثقافي بتجلِّياته المادية والمعنوية، والمقصود بهذا الكلام أننا على المستوى المادي فَقَدْنا تلك الروابط القائمة بين الجماعات، أو كما يُسمِّيه علماءُ السوسيولولجيا بالعَقْد الاجتماعي، فلم تُعَدُّ روابط الأُخوَّة والمحبَّة والصَّداقة كما سبق العَهْد بها، فبعدما كُنَّا نرى الأصدقاء يلتقُون على جلسة فنجان شاي لمناقشة الأوضاع الاجتماعية والأفكار ومُسْتجدَّات الحياة والتآزُر فيما بينهم على الحلوة والمرَّة، أضحى الحال على فُرْقة قائمة بين صديقَينِ على طاولة واحدة، كل واحد يُعانِق بحميميَّة هاتفه النقَّال، ما جعل جلسة الشاي بحلاوتها الاجتماعية في مقبرة كان. أما على المستوى المعنوي، فحتى أفكار هذا الجيل تختلف عن أفكار السابقين من الأجيال، وخصوصًا جيل التسعينيَّات وأنا من بين أبناء تلك الحِقْبة، فالمنطلقات الفكرية التي تربَّت عليها أجيالُ ما قبل القَرْن الواحد والعشرين مختلفةٌ تمامًا عن جيل ما بعد هذا القرن، فبعدما كان الاحترام للكبير قبل الصغير هو أساسُ تربيتنا، أضحى الآن عنوان التربية: "الحرية المطلقة"، وحتى وإن كان الفلاسفة والعلماء لا أحد منهم قال بها، ولكن هذا الجيل أخذ الحرية بمفهوم جِد رديءٍ، فالحرية ليست أن تلبَس ما تريد، وأن تقول ما تريد، وأن تعيش كيفما تريد، فهذا يُسمَّى بقانون الغاب؛ لأن المجتمع إذا سار على هذا النهج، أصبحنا وسط زوبعة لا بَرَّ لها؛ ولهذا وُضِعَت القوانين لتحمي السلوك البشري من سيطرة الغريزة عليه. فالحرية هي أخْذٌ بزمام الحياة والتصرُّف في شؤون الدنيا، وَفْق ما يروقُك مع الانضباط لقوانين المجتمعات، وكذا مع احترام خصوصيات الآخر، ففعلًا لكَ حرية ما تلبَس، لكن ليست لكَ الحرية في أن تلبَس ما لا يقبله المجتمع كيفما كان نَمَط المعيشة فيه. زِدْ على ذلك أن قِيَم هذا الجيل لا تُراعي مبادئ المحبَّة الحقيقية، ( وهذا نموذج من نماذج كثيرة للقِيَم )، فبينما كُنَّا نرى في زماننا أن الحبَّ مفردةٌ تشتمل على كل الأحاسيس، لا نستطيع البَوْح بها أبدًا، وإن نطقناها احمرَّتْ وَجَناتُنا خجلًا، أضحت الآن كلمة "أحبُّك" كأي عنوان لمقهى أو أي اسم لحيوان يُطلَق عبثًا... فاقدًا لحمولته الحقيقية والمركزية. ولا أنسى أن أُركِّز على أمر أساسي كاد أن يفُوتني، لولا أنني أثناء كتابتي لهذا المقال وجَدْتُ أمامي رسالةً قديمةً، أحبَبْتُ من خلالها أن أُوَصِّلَ لهذا الجيل المعنى الحقيقي لتجلِّيات الحياة من خلال هذه الرسالة؛ إذ ليس المهم مضمونها؛ ولكن أسلوبها ودلالاتها، ففي زماننا وليس بالزمن البعيد، كنا لا نعرف هواتفَ ولا رسائلَ رقميَّةً، فكانت الرسالة المخطوطة هي الوسيلة الوحيدة للتواصُل عن بُعْد، وما أجمل أدب الرسالة! إذ حاليًّا لا أحد يعرِفه، أو لربما ما سمِع عنه أحدٌ من جيل القرن الجديد، دعني أُحدِّثكَ عنه ولو لهنيهة؛ لتعرف الفَرْق الصادم بين جيلَينِ لا يفصِل بينهما إلا عقدانِ: كانت للرسالة حمولةٌ رمزيةٌ كبيرةٌ، ومَنْ يُتقِنها يُعَدُّ فنَّانًا في الكتابة والأسلوب، فقبل كتابتها تجد نفسَكَ تائهًا بين نوعية المفردات التي ستكتُب وباختصار، ما يدفع كاتبَها ليُصبِح فنَّانًا في اختيار المفردات، ومُبدِعًا في انتقاء أحلاها وأكبرَها استيعابًا للمعاني. تأخُذ القلم وتبدأ بعبارات السلام، وكلُّها لَحْنٌ يلتصِق بالآذان، وتبدأ في التحيَّة بوِجدان، وتنتقل للتعبير عن مكنون الفؤاد، ولا سيَّما إذا كانت لمحبوبة تائهة بين جُدْران الحياة، أما إذا كانت لفَرْد من العائلة، فهنا يبدأ وابلٌ من الوَصْل بين الأرحام، وتتفنَّن في الوَصْف ونَقْل الأخبار، وتنتهي بعبارات السؤال عن الحال، وتُغلق أبيات رسالتك بأزكى التمنيات بدوام الصحة وطول العمر والحال. وبين إرسال الرسالة وانتظار جوابها، كان حاجز من الزمن يجعلُكَ دائمًا في ترقُّب واشتياق لمدة طويلة، كحبيبة تنتظر زوجَها ليعُودَ من ساحة الوَغى، وما أجملها من لحظةٍ حين يأتي الجواب من عند ساعي البريد! فإمساك الرسالة يُعَدُّ إفراجًا عن سجين، وقراءتها يُعتبر حُكْمًا بالبراءة. أعتقد أن في قولي هذا اختصارًا لحال جيلَينِ، لكلٍّ قِيَمُه ومعتقداته ومنطلقاته، فالقديم يبكي على الطَّلَل والجديد لا عِلْمَ له لا بما مضى ولا بما سيأتي؛ لانشغاله بالتفاهات والثانويَّات من أمور الحياة والإغفال عن أساسيَّاتها، أصبحنا وسط دوَّامة من تخبُّط العقليَّات وجفاف الألباب، وسفسطائية المنطلقات وعبثية الأهداف، فشتَّان بين جيل يبحث عن حلول واقعية لمشاكله، وبين جيل يرى في العُزْلة والتعاسة والانتحار سَهْلًا مُنبسِطًا للهروب من المشاكل دون احتساب العواقب.
جزء في القبر الذي عند باب جيرون بدمشق للإمام الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (777 هـ - 842 هـ) (WORD)
عبدالله الحسيني
23-07-2018
6,718
https://www.alukah.net//culture/0/128212/%d8%ac%d8%b2%d8%a1-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a8%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%8a-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%86-%d8%a8%d8%af%d9%85%d8%b4%d9%82-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85%d8%b4%d9%82%d9%8a-777-%d9%87%d9%80-842-%d9%87%d9%80-WORD/
جزء في القبر الذي عند باب جيرون بدمشق للإمام الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (777 هـ - 842 هـ) ♦ عنوان الكتاب: جزء في القبر الذي عند باب جيرون بدمشق للإمام الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (777 هـ - 842 هـ) . ♦ المؤلف: عبد الله الحسيني. ♦ عدد الصفحات: 34. هذا الجزء المفرد الوجيز النَّفيس الذي بين يدَيك: "جزء في القبر الذي عند باب جَيْرُوْن بدمشق" للإمام ابن ناصر الدِّين الدِّمشقي -رحمه الله تعالى- فيُعدُّ توثيقًا لمواقف أهل العلم الذين حكموا عليه بالبُطلان، ومرجعًا مهمًّا في بيان حقيقته على توالي الأزمان، حتَّى يستمرَّ بذلك إن شاء الله تعالى طريقًا عامَّا للمسلمين كما كان، محفوظًا من محدثات أهل البدع والبهتان، زادهم اللهُ الذُّلَّ والهوان. وقد قدَّمتُ بين يدي الجزء مبحثَين: الأوَّل: ترجمة المؤلِّف الإمام ابن ناصر الدِّين الدِّمشقي. الثَّاني: دراسة الجزء. وألحقتُ به: صورةً لما تبقَّى من باب جَيْرُوْن، ومخطَّطًا تقريبيًّا لأبواب مدينة دمشق وسورها وأبراجها، ومبحثًا في قُبور وأمكنة منسوبة للأنبياء وغيرهم، ولم تصح تلك النِّسبة إليهم.
قراءة في أدب الاختلاف على عهد الصحابة رضوان الله عليهم
د. يوسف كرواوي
23-07-2018
66,575
https://www.alukah.net//culture/0/128192/%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b9%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b1%d8%b6%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%85/
قراءة في أدب الاختلاف على عهد الصحابة رضوان الله عليهم [1] إن الاختلاف سُنة كونية، سنَّها الله تعالى لعباده لأخذ العبرة والعظة، ولِما في ذلك من التدبر والتفكر في خلقه ؛ حيث جاء في محكم كتابه: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ﴾ [الروم: 22]، فجعل الاختلاف آيةً من آياته؛ لتكون لنا عبرة ودليلًا على عظيم خلقه. والاختلاف موجود منذ بَدء الخليقة، فلا يُمكن جمعُ البشر جميعًا على كلمة واحدة أو رأي واحد، ولذلك قال العليم الخبير: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119]؛ قال ابن كثير: "أي ولا يزال الخلفُ بين الناس في أديانهم واعتقادات مِللهم ونِحلهم، ومناهجهم وآرائهم؛ قال الحسن البصري: الناس مختلفون على أديان شتى، إلا مَن رَحِمَ ربُّك، فمَن رَحِمَ ربُّك غيرُ مختلف" [2] . وإذا كان الاختلاف بين الناس من ثوابت النظام الكوني، يُقِرُّه القرآن والعلم والتاريخ، فإنه ليس غريبًا اختلاف البشر؛ نظرًا لاختلاف ظروف عيشهم وبيئاتهم، ومستوى وعيهم وثقافتهم، وتجاربهم وتصوُّراتهم، وكذا اختلافهم في العمر والخبرة في الحياة، واختلاف الأمزجة والنفسيات، زيادة على اختلاف الحجج والبراهين والمسوغات... والمتأمل في تاريخ الأمة الإسلامية يجد أن الاختلاف العلمي المحمود الذي لا يَمس أصول الدين الثابتة، هو الذي أثرى الحياة الفكرية، وأسهَم في تقدُّم العلوم وزادَها تطورًا وتنوعًا، كما كان سبيلًا لنشأة الحضارات ونمو المدارس الفكرية، والمذاهب الفقهية المختلفة التي عاشت في تعايش وتكامُل، وتيسير على الأمة، ورفع الحرَج عنها؛ لمرونة أحكام الشريعة الإسلامية، ومسايرة أحكامها لكلِّ مستجدات العصر؛ لتستوعب كل قضايا الناس في سائر الأزمنة والأمكنة. لكن للأسف الشديد، فإنه حلَّ محلَّ الاختلاف المحمود الاختلافُ المذموم، وانتشر في الأمة عموديًّا وأفقيًّا، وفي كل الفئات وعلى مختلف المستويات، واستُعمِلت فيه كلُّ الوسائل القدحية من تنقيص وتحقير، بل من تكفيرٍ وتفسيق، حتى كاد يصل الأمر عند بعض المختلفين إلى الاستنصار والتقوي بأعداء الدين على صاحب الرأي المخالف، وترسَّخ ذلك في اللاشعور نتيجة للتخلف والتأخر الذي عرَفته مجتمعاتنا الإسلامية؛ لأن المختلفين ابتعدوا عن القصد من الاختلاف، ولم يلتزموا آدابَه التي سار عليها بناةُ الدعوة الإسلامية الأولون؛ من صحابة راشدين مهديين، وتابعين متقين وأئمة وفقهاء، ومفكرين التزموا الموضوعية حول الاختلاف وأسبابه ومبرراته، فتقارب فكرُهم ووِجدانهم، وابتعدوا عن التباين والتضاد. أما اليوم فنجد أنفسنا قد شرَدنا كثيرًا عن الجادة، وأصبح البعض يسطو على أفكار البعض الآخر، ويَحجمها تارة، وتاهتْ بنا معطياتُ العصر عن الحقيقة الناصعة، فسلَكنا دروبَ الفرقة المنبوذة، حتى تشدَّد البعض وتحيَّز وتعصَّب، فغاب الحوار القائم على النقاش، وقَبول الاختلافات الفكرية والفقهية الإسلامية وغيرها، بروح أخوية عالية، كما كان عليه السلف الصالح؛ يقول يونس الصدفي: "ما رأيتُ أعقلَ مِن الشافعي؛ ناظرتُه يومًا في مسألة تم افترَقنا، ولقيتُه فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإن لم نتَّفق في مسألة، قال الذهبي: هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام وفِقه نفسه، فما زال النُّظراءُ يختلفون" [3] . ويبدو أن هذه الاختلافات لا علاقة لها لا من قريبٍ ولا من بعيد بالاختلاف في الرأي الذي هو سُنة كونية، بل ما هو إلا صراع على المصالح وبوسائل متدنية، لا علاقة لها بأي شيء من الفكر، ولا تَمُتُّ بصلة إلى ما يسمى بالرأي والرأي الآخر، وبالتالي فهي تعود بنا إلى ما كان سائدًا في المجتمعات البدائية. وأمام هذا الوضع، فنحن في أَمَسِّ الحاجة إلى تنمية ثقافة الاختلاف، والتحلي بآدابه عبر احترام وجهة نظر ورأي واختيار مخالف لآرائنا وأفكارنا، وسماعه ومناقشته في أجواء يسود فيها الاحترامُ والهدوء وسَعة الصدر؛ لأن هذه الثقافة هي وحدَها القادرة على فتح آفاق جديدة لنا جميعًا في تقبُّل الآراء الأخرى، والاستفادة منها فيما لا يتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف، وتحويلها إلى فكرٍ مستنير تشترك فيه عقولٌ مختلفة؛ لأن أعقل الناس من جمع إلى عقله عقول الناس. لذلك سأحاول من خلال هذه الورقة إلقاء نظرات على أدبيات الاختلاف التي جرى عليها الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، التي كانت سببًا في تحصينهم من الفُرقة، رغم الاختلاف في وجهات النظر؛ لأن وَحدةَ القلوب والغايات والأهداف، كانت عندهم أكبرَ مِن أن ينال منها شيءٌ من الاختلاف، وهي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المسلمون في العصر الحاضر؛ ليتَّضح ما التبس، ويُزال ما غبش، فيكون الحوار مثمرًا ومفيدًا، فيسهموا في إثراء الساحة العلمية بكثير من الفوائد والمسائل على مر العصور، ويجعلوا من الاختلاف مصدرَ قوةٍ، لا وهنًا وضَعفًا وتشرذمًا، كما سأعزز ذلك بنماذج وشواهد نستشف منها الآداب التي تربَّى عليها جيل الصحابة رضوان الله عليهم، آملًا العودة للموضوع لتقديم قراءة في أدبيات الاختلاف على عهد الأئمة الأربعة في دراسة لاحقة إن شاء الله، ومن الله نستمد العون والتوفيق والسداد. وتبعًا لذلك سأتناول هذا الموضوع انطلاقًا من مطلبين أساسيين: المطلب الأول: قراءة في أدب الاختلاف على عهد الصحابة رضوان الله عليهم، أما المطلب الثاني: فسأتناول فيه بعض النماذج والشواهد من آداب الاختلاف التي تربى عليها جيل الصحابة الكرام. المطلب الأول: قراءة في أدب الاختلاف على عهد الصحابة رضوان الله عليهم: إن نشأة الاختلاف في الأحكام الشرعية العملية، ترجع إلى نشأة الاجتهاد الذي بدا يسيرًا في عهد النبوة؛ إذ لم يحتج الناس إليه في زمنه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه السلام مرجع الجميع، فلم يكن في عهده ما يؤدي إلى الاختلاف، باستثناء البعيدين عن المدينة المنورة، فكان يقع بينهم الاختلاف لاختلافهم فيما يَعرفونه من تفسير كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وعلى الرغم مِن نُدرة الاختلاف على عهده صلى الله عليه وسلم، فإنه كان حريصًا على تعليم صحابته الكرام رضوان الله عليهم آدابًا مهمة من آداب الاختلاف؛ كالاختلاف في قراءة القرآن، ومن ذلك ما رواه جندب بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((اقرؤوا القرآن ما ائتلفتْ قلوبُكم، فإذا اختلفتُم فقوموا عنه)) [4] ؛ قال ابن بطال رحمه الله في شرح الحديث: "فيه الحثُّ على الأُلفة والتحذير من الفرقة في الدين، فكأنه قال: اقرؤوا القرآن، والزَموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه، فإذا اختلفتم فقوموا عنه؛ أي: فإذا عرض عارضٌ بشُبهة توجب المنازعة الداعية إلى الفُرقة، فقوموا عنه؛ أي: فاتركوا تلك الشبهة الداعية إلى الفرقة، وارجعوا إلى المحكم الموجب للأُلفة، وقوموا للاختلاف وعما أدى إليه، وقاد إليه، لا أنه أمر بترك قراءة القرآن باختلاف القراءات التي أباحها لهم؛ لأنه قال لابن مسعود والرجل الذي أنكر عليه مخالفتَه له في القراءة: (كلاهما محسن)، فدل أنه لم ينهَه عما جعله فيه محسنًا، وإنما نهاه عن الاختلاف المؤدي إلى الهلاك بالفرقة في الدين" [5] . ومثل ذلك قال به عياض [6] : كان صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تَختلفوا فإن مَن كان قبلكم اختلفوا فهلَكوا)) [7] . والمتأمل للقرآن الكريم يجده قد تولَّى التنبيه على أدب الاختلاف في مواضع كثيرة، فعن ابن أبي مليكة قال: "كاد الخيران أن يهلكا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركبُ بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس، وأشار الآخر بالقعقاع بن معبد بن زرارة، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال عمر: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾ [الحجرات: 2]"، قال: ابن الزبير فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه [8] . وإذا كان الاجتهاد يسيرًا من طرف الصحابة رضوان الله عليهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بحيث لم يُكثروا من المسائل والتفريعات التي تؤدي إلى الاختلاف، بل كانوا يعالجون ما يقع من النوازل في ظل هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه بعد التحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى، توسَّع الاختلاف في عهد الصحابة رضوان الله عليهم لانقطاع الوحي ولتوزعهم في الأمصار، ومن البديهي أن يتوسع الاختلاف في الأحكام الشرعية؛ وذلك لأن النصوص الشرعية محدودة متناهية؛ حيث انقطعت بانقطاع الوحي، والأحداث غير متناهية؛ إذ يستجد في دنيا الناس كل يوم أحداث وقضايا جديدة. والمتأمل للاختلاف على عهد الصحابة يجده يرجع في طبيعته إلى أصلين اثنين: • الأصل الأول: احتمال النصوص الشرعية لمعان متعددة، وقد اقتضت حكمة الله تعالى في شرعه أن يكون الكثير من نصوص الكتاب والسنة محتملة لأكثر من معنى واحد، بل إن اللفظ العربي ذاته معرَّض لاحتمالات عديدة، وهذا الأمر مما امتازت به اللغة العربة على سائر اللغات. • الأصل الثاني: اختلاف المدارك والأفهام والعقول؛ حيث اقتضت حكمة الخالق سبحانه وتعالى أن خلق الناس بعقول ومدارك متباينة، إلى جانب اختلاف الألسنة والألوان والتصورات والأفكار، وكل تلك الأمور تفضي حتمًا إلى تعدُّد الآراء والأحكام المستنبطة؛ لأن إعمار الكون لا يتحقق لو أن البشر سواسية في كل شيء، كما أن طبيعة الاجتهاد تقتضي وجود اختلاف في وجهات النظر. وإذا وقع هذا الاختلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم - مع تحاشيه - نجدهم يسارعون في رده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، متمسكين بقوله سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ﴾ [النساء: 59]، فيرتفع بذلك الخلاف بينهم، ويخضعون لأمر الله ورسوله؛ لأنهم جميعًا على الهدى ما دام الاختلاف لم ينجم عن هوى أو شهوة، أو رغبة في الشقاق؛ مما رفع عنهم الملام فيما اختلفوا فيه من الأحكام، وكانوا مع اختلافهم في وجهات النظر إخوةً متحابين متعاونين، يتقبلون الاختلاف برحابة الصدر والاحتياط في الأمر، وعذر بعضهم البعض الآخر فيما اختلفوا فيه، مع إجلالٍ وتقدير بعضهم للبعض الآخر؛ لأن لدى كلٍّ منهم شعورًا بأن ما ذهب إليه أخوه يحتمل الصواب، وهذا الشعور كفيلٌ بالحفاظ على احترام كل من المختلفين لأخيه، والبعد عن التعصب للرأي، وكانوا يلتزمون بالتقوى والبعد عن الهوى، فكان لا يهم أحدهم أن تظهر الحقيقة على لسانه أو لسان أخيه، وكانوا يتجنبون الألفاظ الجارحة، ويستمع كلٌّ منهم إلى الآخر، وكانوا يبذلون جهدهم، وما في وسعهم في موضوع البحث، ولا هدف لهم إلا إصابة الحق وإرضاء الله جل علاه، مما أعطى لرأي كل من المختلفين صفةَ الجد، كما كانت نظرتهم إلى استدراكات بعضهم على بعض أنها معونة يقدمها المستدرك منهم لأخيه، وليست عيبًا أو نقدًا؛ يقول الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه: "ما أُحِبُّ أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنه لو كان قولًا واحدًا كان الناس في ضيق، وإنهم أئمة يُقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان في سعة" [9] . كما أن طبيعة هذا الاختلاف منحصرة في الأولوية بين فروع الشريعة؛ كما يقول الدهلوي: "وكان السلف لا يختلفون في أصل المشروعية، وإنما كان اختلافهم في أَولى الأمرين، ونظيره اختلاف القراء في وجوه القراءات" [10] ، فكانت اختلافاتهم محكًّا لتلاقح الأفكار وتوسُّعها، وتكامُلها بما يرأب الصدع ويجمَع الشتات، ويحفظ للدين جدوته وشكوته، يجتمعون فيما اتَّفقوا عليه، ويرحم بعضهم بعضًا فيما اختلفوا فيه؛ مما عاد عليهم وعلى الأمة الإسلامية بالخير والنفع، وقدوتهم في ذلك الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه الباري جل وعلا: ﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]. المطلب الثاني: بعض النماذج والشواهد من أدب الاختلاف التي تربى عليها جيل الصحابة رضوان الله عليهم : هناك نماذجُ فريدة في أدب الاختلاف على مر العصور، منها ما وقع بين الصحابة رضوان الله عليهم؛ كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وما حدث بين عمر وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وكذلك ما كان في العصور التالية لعصر الصحابة والتابعين، لكن هذه الاختلافات لم تؤدِّ إلى بُغض أحدهم للآخر، بل أدَّت إلى زيادة في الحب فيما بينهم مع التوقير والاحترام المتبادل؛ لأنهم إلى الحق يقصدون، وفي سبيله يجتهدون، فلا يحيدون عنه تنطعًا، ولا يحملون الناس على مسلك واحد إذا كانت لهم مندوحة عنه في نص صريح، أو فَهم صحيح أوتيه رجلٌ لا يُتَّهم في دينه، ولا يألو جهدًا في فقهه وتبيينه، فكانوا في الأرض بمنزلة النجوم في السماء يهتدي بهم الحيران في الظلماء. وسأقتصر خلال هذا المطلب على ذكر بعض النماذج من أدب الاختلاف على عهد الصحابة الكرام، محاولًا الوقوف على بعض العبر المستفادة منها، ومن هذه النماذج ما يلي: • ما أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب: ((لا يُصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة))، فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتيها، أي ديار بني قريظة، وقال بعضهم: بل نصلِّي لم يرد منا ذلك، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يعنِّف واحدًا منهم" [11] . ويبدو أن كلًّا الفريقين من الصحابة اجتهد فأصاب، فالذين أخروا صلاة العصر حتى وصلوا إلى بني قريظة، تمسَّكوا بظاهر لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، والذين صلَّوا العصر في وقتها نظروا إلى المعنى المقصود، وهو الإسراع في السير لا حقيقة اللفظ، ولذلك لم يعنِّف النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا من الفريقين؛ لأنهم مجتهدون، وبالتالي فلا لوم ولا تعنيف للمجتهد فيما فعَله باجتهاده إذا بذَل وُسعَه، وكان مؤهلًا لهذا النوع من الاجتهاد. • اختلافهم في وفاته عليه الصلاة والسلام، وهو أول اختلاف بينهم بعد التحاقه صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى؛ حيث أصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت، واعتبر القول بوفاته ارجافًا من المنافقين، وظن أنه سيبقى في أمته حتى يشهد على آخرها بآخر أعمالها، حتى جاء أبو بكر؛ لأنه لم يكن حاضرًا، وقال بصوت مرتفع: "أيها الحالف على رِسلك"، وهو تنبيه لطيف وحميمية في جذب الأنظار وتحويلها من فرد لآخر، لأجل التأثير، وتحويل دفة القيادة من عمر رضي الله عنه إليه، فالصِّديق رضي الله عنه لم يعنِّف عمر، ولم يَحطَّ من قدره كأن يقول: دعوه يهذي، وهلمُّوا إليَّ، أو دعوه فهو لا علم لديه، وغير ذلك من كلمات التقريع والحط من قدرة الناس، بل ذكر رضي الله عنه عبارته اللطيفة: أيها الحالف على رسلك؛ لأن الحشود بحاجة ماسَّة إلى الإيجاز في القول وانتقاء العبارات التي تحدِّد الموقف بالتفصيل، بما يلائم عقولهم وظرف الزمان والمكان، ويرضي فكرهم، ولذلك فالصديق رضي الله عنه أوجز العبارة، ولَما تكلَّم سكت عمر، فقال الصديق: "ألا من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت"، ثم تلا قوله تعالى: ﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُون ﴾ [الزمر: 30]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ﴾ [آل عمران: 144]، فسقط السيف من يد عمر، وخرَّ إلى الأرض، وقال عن هذه الآيات التي تلاها أبو بكر: كأني والله لم أكن قرأتها قطُّ، واستيقَن فِراقَ الرسول صلى الله عليه وسلم وانقطاعَ الوحي. • اختلافهم في خلافة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث اختلفوا فيمن تكون الخلافة: أفي المهاجرين أم في الأنصار؟ أتكون لواحد أم لأكثر؟ كما وقع الاختلاف حول الصلاحيات التي ستكون للخليفة، أهي الصلاحيات نفسها التي كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصفته حاكمًا وإمامًا للمسلمين، أم تنقص عنها وتختلف؟ حتى أوشكت فتنة كبرى أن تقع، لكن الرجال الذين تربَّوا في ظلال النبوة قد حكمتُهم آدابُها في سائر الأحوال: حال الاتفاق وحال الاختلاف، وفي سائر شؤون الحياة؛ لأنهم تحلَّوْا بكل خصال الحكمة والحنكة وأدب الاختلاف، والحوار العقلاني الهادئ القائم على إثارة أنبل المشاعر وأفضلها لدى الطرفين - الأنصار والمهاجرين - وبذلك تجاوزوا العقبة، واحتووا الأزمة، وخرجوا منها بسلام دون أن تبقى في النفوس رواسب الإحن. • اختلافهم في قتال مانعي الزكاة: ويعد ذلك من الأمور الخطيرة التي اختلف فيها الصحابة، لكنهم استطاعوا التغلب عليها بما تحلَّوا به من صِدق النية إلى جانب أدب الاختلاف. ومجمل القول في ذلك أنه لَما بويع أبو بكر رضي الله عنه بالخلافة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ارتدَّت بعض القبائل حديثة العهد بالإسلام، وامتنعت أخرى عن أداء الزكاة فقط؛ حيث زعموا أنها في أصل الشريعة لا تدفع لغير رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو المخاطب بأخذها في قوله تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]، وحرصًا من أبي بكر الصديق رضي الله عنه على استمرار مسيرة الإسلام، قاتَلهم لحملهم على التوبة وأداء الزكاة، والعودة إلى حظيرة الإسلام، لكن سيدنا عمر تراءى له للوهلة الأولى عدم جواز مقاتلة مانعي الزكاة، مستشهدًا بحديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أُمرت أن أُقاتل الناس حتى يَشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني مالَه ونفسَه إلا بحقِّه، وحسابه على الله تعالى))، فقال أبو بكر: والله لأقاتِلَنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقاتلتُهم على منعها، قال عمر: فو الله ما هو إلا أن قد شرَح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه للقتال، فعرَفتُ أنه الحق" [12] ، وبذلك استطاع الصديق رضي الله عنه أن يقنع بقية الصحابة بصواب اجتهاده، ووجوب قتال مانعي الزكاة، فارتفَع الخلاف في هذه المسألة [13] ، وعدل عمر عن رأيه لَما رأى الحق، وصدَع بعدوله أمام الآخرين، ولا شك أن في ذلك تربية ونهجًا إسلاميًّا بليغ؛ ليقتدي به الناس. • ومن الخلافات الحاصلة بين الصحابة الكرام والتابعين من بعدهم - أن منهم مَن كان يقرأ البسملة، ومنهم مَن لا يقرؤها، ومنهم مَن يجهر بها، ومنهم مَن يُسر، وكان منهم من يقنت في الفجر، ومنهم من لا يقنت، ومنهم مَن يتوضأ من الرعاف والقيء والحجامة، ومنهم من لا يتوضأ من ذلك، ومنهم من يرى في لمس المرأة نقضًا للوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتوضأ من أكل لحم الإبل، أو ما مسَّته النار مسًّا مباشرًا، ومنهم من لا يرى في ذلك بأسًا إن هذا كله لم يمنع من أن يصلِّي بعضهم خلف بعض [14] . لأن اختلافاتهم لا يؤثر فيها تباينُ الاجتهادات، وتلك أدبُ الرجال الذين تخرَّجوا من المدرسة المحمدية؛ بحيث لم يَعُد للهوى عليهم سلطان؛ لأنهم أدركوا حقيقة الروح العلمية الكامنة وراء أسباب اختلافهم، وتحرَّوا الحق، وأصابوا الهدف الذي رمى إليه الشارع الحكيم، قال القاسم بن محمد: "لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العاملُ بعمل رجل منهم، إلا رأى أنه في سَعة، ورأى أن خيرًا منه قد عمله" [15] ، وقال بمثل ذلك جماعة من العلماء. وحري بنا ونحن نعيش الشتات في كل أمورنا - أن نعود إلى فيء تلك الدوحة المباركة، ونلتقي على الآداب الكريمة التي خلَّفها لنا السلف الصالح، إن كنا جادين في السعي لاستئناف الحياة الإسلامية الفاضلة. إذا كانت هذه بعض النماذج الدالة على ثبوت الاختلاف على المستوى الجماعي، وما تحلَّى به الصحابة رضوان الله عليهم من آداب عالية في الاختلاف فيما بينهم، فإن هناك أيضًا نماذجَ من الاختلاف على المستوى الثنائي بين بعض فقهاء الصحابة رضوان الله عليهم ومن ذلك: اختلاف عمر مع عبدالله بن مسعود حول مسائل فقهية عديدة؛ حيث ذكر ابن القيم أن المسائل الخلافية الفقهية التي وقعت بين ابن مسعود وعمر رضي الله عنها بلغت نحو مائة مسألة، وذكر منها: 1- موضوع التطبيق في الصلاة؛ حيث كان ابن مسعود يطبق، وعمر يضع اليدين على الركبتين. 2- ومنها أن ابن مسعود كان يقول في الحرام: هي يمين، وعمر كان يقول: طلقة واحدة. 3- مسألة زواج الرجل بزانيته، فعُمر يأمر الزاني أن يتزوَّج التي زنَى بها، وابن مسعود يرى أنهما ما يزالان زانيين [16] . ثالثًا: اختلاف الإمام علي كرم الله وجهه مع الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وذلك في مسألة القِران في الحج؛ حيث بنى بها عليًّا قاصدًا معلنًا، بينما عثمان يرى خلافه [17] . وبالرغم من هذه الخلافات الثنائية بين الصحابة الكرام، فإننا نجد عدم تأثيمهم وتخطئتهم للمخالف فيما اختلفوا فيه، كما أن أحدهم لم ينقض حكم الآخر في حياته، بالرغم مِن اختلافهم في المسائل الظنية الاجتهادية، بل نجد بعضهم يصف البعض الآخر بأحسن ما يقال، حكى الإمام الهادي ابن إبراهيم الوزير في كتابه المعروف بـ"تلقيح الألباب في شرح أبيات اللباب"، وما نظمه أيضًا في قصيدته المشهورة بالبسامة أن عليًّا كرم الله وجهه كان يترضى على الخلفاء رضوان الله عليهم [18] ، كما ذكر الإمام أحمد يحيى بن المرتضى في كتابه "يواقيت السير شرح الجواهر والدرر" - أنه حين مات أبو بكر رضي الله عنه، قال علي عليه السلام رضي الله عن أبي بكر: والله لقد كان بالناس رؤوفًا رحيمًا [19] ، ومما يدل على التسامح والوقوف مع الحق، ما أخرَجه البيهقي في سُننه [20] عن أبي حبيبة مولى طلحة رضي الله عنه قال: "دخلت على علي رضي الله عنه مع عمران بن طلحة، بعدما فرغ من أصحاب الجمل، قال: فرحب به وأدناه، وقال: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ﴾ [الحجر: 47]. وبنفس الروح الإسلامية الطيبة يأتي قول عبدالله بن مسعود: والله لقد علم أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام أني أعلمُهم بكتاب الله عز وجل، ولو أعلم أن أحدًا أعلم مني لرحلتُ إليه [21] ، وروى حارثه بن مضرب أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: "أما بعد فإني بُعثتُ إليكم عمارًا أميرًا، وعبدالله قاضيًا ووزيرًا، وإنهما مِن نُجباء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ممن شَهِدَ بدرًا، فاسمعوا لهما وأطيعوا، فقد آثَرتُكم بها على نفسي" [22] . ومن ذلك أيضًا وصف عبدالله بن مسعود لعمر بن الخطاب بقوله: "إنه كان للإسلام حصنٌ حصين، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فلما أُصيب عمر انثلم الحصن"، وقال فيه أيضًا: "لو أن علم عمر وُضِعَ في كفة ميزان، ووُضِعَ علمُ أهل الأرض في كفة، لرجَح عليهم"، وقال لَما مات عمر: "إني لأحسَب هذا قد ذهب بتسعة أعشار العلم، وإني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب مع عمر يوم أُصيب" [23] ، كما كان عمر يصف عبدالله بن مسعود بأنه: "كنيف مُلِئَ فقهًا وعلمًا" [24] . هكذا كانت نظرة بعضهم للبعض الآخر، بالرغم من ثبوت اختلافهم في مسائل اجتهادية كثيرة. نخلص مما سبق أن آداب الاختلاف لدى الصحابة الكرام كانت مبنيَّة على شدة احترام بعضهم البعض الآخر، فكانوا بذلك مثالًا لإكرام كبرائهم وفقهائهم، لا يجاوز أحد فيهم قدر نفسه، ولا يغمط حقَّ أخيه، وكلٌّ منهم يرى أن الرأي مشترك، وأن الحق فيما ذهب إليه هو المرجوح، ولا مانع أن يكون ما ظنه راجحًا هو المرجوح، ولاشيء يمنع من أن يكون ما ظنه مرجوحًا هو الأرجح، كما كان من آدابهم التسليم للحق بالحق، مع التمسك بالأخوة الإسلامية، والدعوة لها قبل الاختلاف، وما نظرتهم إلى استدراك بعضهم على بعض إلا من باب المعونة والمشورة يُقدمها المستدرك منهم لأخيه، وليس نقدًا يصوبه عليه؛ لأنه لا سياسة لهم دنيوية إلا نشر الدعوة ونصرة الرسالة النبوية بأسلوب عقلاني حضاري مجرد عن هوى النفوس؛ لأن آدابهم وسماتهم عند الاختلاف آدابُ الإسلام، لا تفارقهم حين الدعوة إلى الحق، ولا يتجردون عنها حين الأخذ والرد. لائحة المصادر والمراجع: • القرآن الكريم. 1) إعلام الموقعين عن رب العالمين؛ ابن القيم ( ت 751 هـ)، قرأه وقدَّم له، وعلَّق عليه، وخرَّج أحاديثه وآثاره، أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، المملكة العربية السعودية ط/1، 1423 هـ. 2) الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف؛ الدهلوي بدون طبعة ولا تاريخ. 3) أسباب النزول؛ الواحدي (ت 468هـ)؛ تحقيق كمال بسيوني، زغلول، الناشر، دار الكتب العلمية، ط/1 1411 هـ - 1991 م. 4) تفسير القرآن العظيم؛ الحافظ ابن كثر (700-774 هـ)؛ تحقيق، د. محمد السيد وآخرين طبعة دار الحديث، القاهرة، 2002. 5) الموافقات؛ الشاطبي (ت 790 هـ)، دار ابن القيم دار ابن عفان، طبعة 1424 هـ 2003 م. 6) جامع بيان العلم وفضله؛ ابن عبدالبر؛ تحقيق أبي الأشبال الزهيري، الناشر، دار ابن الجوزي، الدمام طبعة 1414 هـ - 1994. 7) الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، البخاري أبو عبدالله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ)؛ تحقيق اللجنة العلمية بدار الكمال المتحدة طبعة 1437، دمشق. 8) حياة الصحابة؛ الكاندهلوي (ت 1384هـ)؛ حقَّقه وضبَط نصَّه وعلَّق عليه، د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، ط / 1، 1420 هـ - 1999م. 9) سير أعلام النبلاء؛ شمس الدين محمد أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748هـ)؛ حقَّقه وخرَّج أحاديثه شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط/1، 1402 هـ 1982. 10) السيرة النبوية؛ ابن هشام (ت 210 هـ)، علَّق عليها وخرَّج أحاديثها، وصنَع فهارسها، د. عمر عبدالسلام تدمري، الناشر، دار الكتاب العربي بيروت ط /3. 11) السيرة النبوية؛ ابن كثير (ت 774 هـ)؛ تحقيق مصطفى عبدالواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان طبعة 1395 هـ - 1976م. 12) السنن الكبرى؛ البيهقي ( ت458هـ)؛ تحقيق محمد عبدالقادر عطا، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط/3، 1424 هـ - 2003م. 13) شرح صحيح البخاري؛ ابن بطال؛ ضبَط نصَّه، وعلَّق عليه وحقَّقه، أبو تميم ياسر بن إبراهيم مكتبة الرشد، الرياض. 14) طبقات الفقهاء؛ الشيرازي الشافعي (ت 476 هـ)؛ حقَّقه وقدَّم له د. إحسان عباس، الناشر، دار الرائد العربي، بيروت لبنان طبعة 1970م. 15) فتح الباري؛ ابن حجر العسقلاني (ت 752 هـ)؛ تقديم وتحقيق وتعليق عبدالقادر شيبة الحمد، ط / 1، 1421 هـ 2001 م. 16) كتاب يواقيت السير في شرح الجواهر والدرر من سيرة سيد البشر وأصحابه العشرة الغرر وعترته المنتجبين الزهر، جامعة الملك سعود 1957م. 17) الكامل في التاريخ؛ ابن الأثير (ت 630هـ) تحقيق أبي الفداء عبدالله القاضي، طبعة دار الكتب العلمية بيروت، لبنان ط/1، 1407 هـ - 1987 م. 18) المستدرك على الصحيحين؛ النيسابوري، الناشر دار المعرفة، 1418 هـ 1998 م. 19) منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية؛ ابن تيمية، تحقيق، د. محمد رشاد سالم، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، سنة النشر 1406 هـ 20) نيل الأوطار؛ الشوكاني، دار الحديث، ط / 1، سنة النشر 1413 هـ - 1993 م. [1] د. يوسف كرواوي: باحث في قضايا الأسرة، عضو مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث - المغرب. [2] تفسير القرآن العظيم: الحافظ ابن كثير (700-774 هـ)؛ تحقيق، د. محمد السيد وآخرين، المجلد الرابع، طبعة دار الحديث، القاهرة، 2002، ص 371-372. [3] سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748 هـ)، حقَّقه وخرج أحاديثه، شعيب الأرنؤوط، حقق هذا الجزء، محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، ط/1 1402هـ - 1982، ج/10، ص 16-17. [4] الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه؛ البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ)، كتاب فضائل القرآن، باب: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليكم قلوبكم"، ط/1، المحقق اللجنة العلمية بدار الكمال المتحدة، تاريخ النشر، 1437، دمشق. [5] شرح صحيح البخاري: ابن بطال، ضبط نصَّه وعلق عليه وحقَّقه: أبو تميم ياسر بن إبراهيم، مكتبة الرشد الرياض، ج/10، ص 284 -285. [6] فتح الباري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 752هـ)، كتاب فضائل القرآن، باب :"اقرؤوا القرآن ما ائتلفت قلوبكم"؛ تقديم وتحقيق وتعليق عبدالقادر شيبة الحمد، ط/1،1421هـ - 2001م، ج/8، ص731 - 732.. [7] الحديث أخرجه البخاري في كتاب الخصومات، باب: ما يذكر في الأشخاص والخصومة بين المسلم واليهود . [8] صحيح البخاري، باب: ﴿ لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ﴾، ج 6، ص 137، حديث رقم (4845). [9] جامع بيان العلم وفضله؛ ابن عبدالبر؛ تحقيق أبي الأشبال الزهيري، الناشر، دار ابن الجوزي، الدمام، سنة النشر 1414 هـ 1994م، ط/1، باب: جامع بيان ما يلزم الناظر في اختلاف العلماء، م/3، ج/2، ص: 902. [10] الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف: الدهلوي، بدون طبعة ولا تاريخ، ص: 65-66. [11] صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب: مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بني قريظة ومحاصرته إياهم. [12] أخرجه البخاري في كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة. [13] نيل الأوطار: الشوكاني، باب الحث على الزكاة والتشدد في منعها، دار الحديث، ط/1، سنة النشر 1413 و 1993 م ج/4، ص: 144، وما بعدها؛ أخرج ابن عساكر عن أبي رجاء العطاردي: قال: أتيت المدينة، فإذا الناس مجتمعون، وإذا في وسطهم رجل يقبِّل رأس رجل، ويقول: أنا فداك لولا أنت هلكنا، فقلت من المقبل؟ ومن المقبل قال: ذاك عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقبِّل رأس أبي بكر رضي الله عنه في قتال أهل الردة الذين منعوا الزكاة"؛ انظر: حياة الصحابة: الكاند هلوي (ت 1384 هـ)، حقَّقه وضبط نصَّه، وعلَّق عليه د. بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، ط/1 1420هـ 1999م، المجلد 3، ص: 248. [14] الإنصاف: الدهلوي، ص ص: 66 - 67 بدون طبعة، لا تاريخ. [15] الموافقات: الشاطبي ( ت 790 هـ)، دار ابن القيم، دار ابن عفان، طبعة 1424 هـ 2003 م، ج / 5، ص: 68، وما بعدها. [16] المرجع نفسه، ص 424 – 426. [17] فتح الباري شرح صحيح البخاري: ابن حجر العسقلاني، كتاب الحج، باب: التمتع والقران والأفراد بالحج، وفسخ الحج كمن لم يكن معه هدي، دار الريان للتراث، القاهرة، ط / 1، 1407 هـ 1986 م، ج / 3، ص ص: 421 – 422. [18] أورد ذلك أحمد محمد هاشم في مقالة: "أدب الاختلاف لدى الصحابة رضوان الله عليهم، موقع الحوار اليوم. [19] أحمد يحيى بن المرتضي: كتاب يواقيت السير في شرح الجواهر والدرر من سيرة سيد البشر وأصحابه العشرة الضرر وعترته المنتجبين الزهر، جامعة الملك سعود، 1957، الكتاب عبارة عن محفوظ غير مرقم الصفحات. [20] السنن الكبرى: البيهقي (ت 458 هـ)، كتاب قتال أهل البغي، باب: الدليل على أن الفئة الباغية منها لا تخرج بالبغي عن تسمية الإسلام؛ تحقيق، محمد عبدالقادر عطا، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان ط / 3، 1424 هـ 2003 م، ج /8، ص 300 – 301. [21] فتح الباري: ابن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)؛ تحقيق وتعليق، عبدالقادر شيبة الحمد، ط / 1، 1421 هـ 2001م، ج / 8، ص: 677 وما بعدها، وانظر أيضًا: سير أعلام النبلاء: الذهبي؛ حقَّقه شعيب الأرنؤوط وآخرون، الناشر، مؤسسة الرسالة طبعة 1402 هـ 1982، ج / 1، ص: 473. [22] طبقات الفقهاء: الشيرازي الشافعي ( ت 476 هـ)؛ حقَّقه وقدم له د. إحسان عباس، الناشر، دار الرائد العربي، بيروت لبنان طبعة 1970، ص: 43 وما بعدها. [23] منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة القدرية، ابن تيمية، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، سنة النشر 1406 هـ - 1986 م؛ تحقيق د. محمد رشاد سالم، ج / 6 ص ص: 59 - 61، وللمزيد من التوسع حول الموضوع انظر: السيرة النبوية؛ ابن كثير (ت 774 هـ)؛ تحقيق مصطفى عبدالواحد، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان طبعة 1395هـ - 1976م، ج/2 ص: 465 وما بعدها. [24] المرجع نفسه ص: 43، وفي رواية عن أسد بن وداعة أن عمر ذكر ابن مسعود، فقال: "كنيف مُلئ علمًا، آثرت به أهل القادسية"؛ سير أعلام النبلاء ج /1 ص: 491، مرجع سابق، وروى أبو البختري أن عليًّا كرم الله وجهه قيل له: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه فقال: عمن تسألني؟ قالوا: عن عبدالله، قال: علم القرآن والسنة، وروى يزيد بن عميرة قال: لَما حضر معاذ بن جبل الموتُ، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصِنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام، وقال هذيل بن شريح: سئل أبو موسى عن رجل ترك بنتًا وبنت ابن، وأختها، فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وليس لابنة الابن شيء، قال: أبو موسى إيتِ ابن مسعود ... فجاء إليه، فقال: للبنت النصف ولبنت الابن السدس تَكملة للثلثين، وما بَقِيَ للأخت، فأتيتُ أبا موسى وأخبرته، فقال: لا تسألني عن شيء ما دام هذا الخبر فيكم، وقال علقمة: قدمتُ الشام، فلقيت أبا الدرداء، فسألته فقال: تسألني وفيكم عبدالله بن مسعود؛ (انظر طبقات الفقهاء، الشيرازي، ص ص: 43-44 مرجع سابق).
إدارة الوقت في الإسلام
محمد بن فوزي الغامدي
23-07-2018
28,007
https://www.alukah.net//culture/0/128204/%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
إدارة الوقت في الإسلام إن للوقت أهميةً كبرى في حياة الإنسان، فعلى المسلم أن يُدرك قيمته، واغتنامَه بما ينفعه في الدنيا والآخرة، لذلك حثَّ الإسلام على المحافظة على الوقت وإدراك أهميته، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ))؛ [صحيح البخاري: 6412]. فهذا قول سيد وأفضل البشر، مَن لديه الوقت والصحة، فهما أعظمُ النِّعم المحسودِ عليها صاحبُها، وقد أقسَم الله عز وجل على الأوقات - وهو الخالق سبحانه وتعالى - في كتابه، فقال تعالى: ﴿ وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ ﴾ [الفجر: 1، 2]، وقال سبحانه: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴾ [الضحى: 1، 2]. وقال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴾ [العصر: 1، 2]. وقال عز جل: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ﴾ [الليل: 1، 2]. فقد نزَل القرآن الكريم وفيه كثيرٌ من الشرائع المرتبطة بوقت معينٍ، فيستطيع من خلالها المسلمُ التعوُّدَ على إدارة وقته من خلالها، ومن هذه الشرائع: أ - الصلاة: قال سبحانه: ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ [الإسراء: 78]. وقال سبحانه: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ﴾ [هود: 114]. وأخبَرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عن أوقات الصلاة؛ فعن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وقتُ الظُّهرِ إذا زالت الشَّمسُ، وكان ظِلُّ الرجُل كطولِه، ما لم يحضُر العصرُ، ووقتُ العَصرِ ما لم تَصفَرَّ الشَّمسُ، ووقت صلاةِ المغربِ ما لم يَغِبِ الشَّفَقُ، ووقتُ صلاةِ العِشاءِ إلى نصفِ اللَّيلِ الأوسَطِ، ووقت صلاة الصُّبحِ من طلوعِ الفَجرِ ما لم تَطلُعِ الشَّمسُ، فإذا طلَعَت الشَّمسُ، فأمسِكْ عن الصَّلاةِ، فإنها تَطلُعُ بين قَرنَي شَيطانٍ))؛ [صحيح مسلم: 612]. ب - الصيام: قال تعالى عن الصيام: ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184]، وقال عز وجل: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ﴾ [البقرة: 185]. وقال سبحانه في وقت الأكل والشرب برمضان: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187]. قال الحافظ: وَمَعْنَى الآيَةِ: حَتَّى يَظْهَرَ بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ, وَهَذَا الْبَيَانُ يَحْصُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. ج - الحج: قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ [البقرة: 197]. د - التسبيح والاستغفار: أخبرنا الله تعالى عن أفضل أوقات التسبيح والاستغفار، فقال تعالى: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ ﴾ [ق: 39]، ويقول سبحانه: ﴿ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ ﴾ [آل عمران: 17]. ومن هذه الآيات والأحاديث نجد أن الدين الإسلامي قد اهتمَّ بمسألة الوقت، ولا توجد أي ديانة أخرى اهتمَّت بالوقت كما اهتمَّ الإسلام به؛ فعلى المسلم أن يَحرِصَ عليه بعبادة الله، وفِعل الخير، وطلب العلم، والاجتهاد في حياته الدينية والدنيوية؛ ليحصل على ما يريد؛ قال تعالى: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾ [النجم: 39]، وقال سبحانه: ﴿ إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى ﴾ [طه: 15]. وقد أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سيَسألنا عن نعمة هذا الوقت، وكيف قضيناه؛ فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‎((لنْ تَزُولَ قَدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسْأَلَ عن أَرْبَعِ خِصالٍ: عن عُمُرِهِ فيمَ أَفْناهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعَنْ َمالِهِ من أين اكْتَسَبَهُ؟ وفيمَ أنْفَقَهُ؟ وعَنْ علمِهِ ماذا عمِلَ فيهِ))؛ [صحيح الترغيب للألباني: 3593].