article_title
stringlengths
1
185
author_name
stringlengths
2
70
date_added
stringlengths
10
10
read_count
int64
24
10.8M
article_link
stringlengths
45
1k
text
stringlengths
6
254k
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (132)
أ. د. محمد بن تركي التركي
22-01-2019
6,394
https://www.alukah.net//culture/0/132240/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-132/
صدر حديثاً من كتب السنة وعلومها (132) 1- مسند الإمام أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وأيامه وأحكامه، لابن كثير، تحقيق السيدة غالية بنت سالم آل سعيد، مكتبة الوراق العامة، سلطنة عمان. 2- الوفاء بفضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، لابن الجوزي، طبعة جديدة مسندة، تحقيق أ.د. عامر حسن صبري، مطبوعات وزارة الأوقاف في البحرين، 5 ج. 3- الاكتساب في معرفة الأنساب، لقطب الدين الخيضري، تحقيق جهاد المرشدي، علم لإحياء التراث، ١١ ج. 4- أساليب الاحتياط في الحكم على الحديث، دراسة استقرائية تحليلية، تأليف د. محمد إبراهيم العشماوي، دار الإحسان للنشر والتوزيع. 5- تعقبات الإمام الذهبي في الميزان على الإمام ابن عدي في الكامل، دراسة استقرائية نقدية، تأليف د. أحمد عيد بصابصة، دار الفاروق، الأردن. 6- الأربعون من العزيز الذي علا مسلم البخاري برجل في كل إسناد، انتقاء الحافظ ابن حجر، ومعه عدة رسائل للمحقق، تحقيق عمرو عبدالعظيم الحويني، علم لإحياء التراث. 7- مجموع الأجزاء الحديثية لأبي بكر بن العربي، ويحتوي على: طرق حديث "ليس من البر الصيام في السفر"، جزء في حديث عقبة بن عامر بعلله ووجوهه، مصافحات البخاري ومسلم، جواب عن حديث: "لا تصروا الإبل"، جزء طرق حديث أم زرع، مجلس الروضة لطراد الزينبي، تحقيق نظام يعقوبي، دار الحديث الكتانية. 8- من ألقم الحجر إذا كذب وفجر وأسقط عدالة من قال من الصحابة: ماله أهجر، لا بن دحية الكلبي، تحقيق د. عبد العزيز فارح، دار الحديث الكتانية. 9- برنامج روايات أبي حسن ابن الأزرق المالقي، تحقيق د. عبد الله التوراتي، دار الحديث الكتانية. 10- مسألة في الكلام على حديث السبحات والحجاب، لأبي بكر بن العربي المعافري، تحقيق د. يونس بقيان، دار الحديث الكتانية. 11- تدلي الثمر في تخريج أحاديث إجابة الدعاء عند نزول المطر، تخريج علي بن حسن العُريفي الأثري، مكتبة أهل الحديث، البحرين. 12- إضاءة الفجر في معرفة علامة ليلة القدر تأليف علي بن حسن العُريفي الأثري، مكتبة أهل الحديث، البحرين. 13- شرح عمدة الأحكام، لشهاب الدين الأقفهسي، تحقيق عثمان بن زامل الندى، لطائف لنشر الكتب والرسائل العلمية، الكويت. 14- أحكام القرآن، للبيهقي، طبعة جديدة بتحقيق أبي عاصم الشوامي، دار الذخائر. 15- جمع الوسائل في شرح الشمائل، لملا علي القاري، طبعة جديدة بتحقيق محمد حسين الدمياطي، دار ابن القيم، دار ابن عفان، ٣ ج.
قيد سماع لكتاب "الأذكار" مقرونا بالإجازة، كتبه الإمام النووي لتلميذه العلامة ابن العطار سنة 676هـ
عبدالله الحسيني
22-01-2019
10,807
https://www.alukah.net//culture/0/132238/%d9%82%d9%8a%d8%af-%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b9-%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-"%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b0%d9%83%d8%a7%d8%b1"-%d9%85%d9%82%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%b2%d8%a9%d8%8c-%d9%83%d8%aa%d8%a8%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d9%88%d9%8a-%d9%84%d8%aa%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%b0%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b7%d8%a7%d8%b1-%d8%b3%d9%86%d8%a9-676%d9%87%d9%80/
قيدُ سماعٍ لكتاب «الأذكار» مقرونًا بالإجازة كتبَهُ الإمام النَّووي لتلميذه العلَّامة ابن العطَّار سنة 676 ه (نصٌّ محقَّق) الحمد لله، وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد: فهذا قيدُ سماعٍ نفيسٌ لطيفٌ لكتاب: «الأذكار من كلام سيِّد الأبرار» المسمَّى: «حِلية الأبرار وشِعَار الأَخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار» [1] نَقَلَهُ لنا الشَّيخان: أبو العبَّاس شهاب الدِّين أحمد بن قراجا بن عبد الله الميداني [2] ، وأبو سُليمان جمال الدِّين داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي (665 هـ-752 هـ) شقيق علاء الدِّين [3] ، من خطِّ الإمام أبي زكريا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مِرَى النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي (631 هـ-676 هـ) [4] ، كما شَاهَدَاهُ على نُسخة العلَّامة أبي الحسن علاء الدِّين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي (654 هـ-724 هـ) [5] ، والتي قابلا عليها نُسختَيهما، وهو يشتمل على ما يلي: 1- سماع ابن العطَّار لجميع كتاب « الأذكار » في عدَّة مجالس على مصنِّفه وشيخه الإمام النَّووي، وقيامه بمقابلة نسخته مع الأصل الذي بيد المصنِّف. 2- إجازة الإمام النَّووي لتلميذه في كلِّ ما يجوز له تسميعه. 3- ثناء الإمام النَّووي على تلميذه ابن العطَّار، ودعاؤه العَطِر له، رغم أنَّه كان يبلغ وقت قيد السَّماع (22) عامًا تقريبًا، يدلُّ على مكانته العلميَّة الجليلة لديه، لا سيَّما مع تفرُّغ ابن العطَّار بالتَّتلمذ عليه وحده من أول سنة 670 هـ إلى حين وفاته، ومثل هذا يعزُّ وجوده في مظانِّ التَّراجم. 4- إحياء أهل العلم لمجالس السَّماع والمقابلة، ومدى دقَّتهم، وضبطهم، وتقييدهم لتفاصيلها. 5- من أواخر تقييدات السَّماع والإجازة التي كتبها الإمام النَّووي، وذلك قبل وفاته بشهرين ونصف تقريبًا. ولهذا القيد نُسختان تامَّتان نفيستان: الأولى: محفوظةٌ بمكتبة تشستربيتي في دبلن بإيرلندا رقم (3049)، ضمن النُّسخة الخطِّيَّة لكتاب « الأذكار »، التي نسخها الشَّيخ أبو العبَّاس شهاب الدِّين أحمد بن الأمير زين الدين أبي يوسف قراجا بن عبد الله الميداني، وفرغ منها في 2 رجب سنة 706 هـ، وقرأ جميعها على العلامة ابن العطَّار في مدة آخرها 18 شوال سنة 706 هـ، وقابلها بأصله المسموع على المصنِّف، وأذن له بروايته عنه وأجازه، وفيها بلاغات بخطِّه، ويقع القيد في آخرها في وجه واحد [279/ أ] في (7) أسطر، وقد نقله النَّاسخ من خطِّ الإمام النَّووي كما شاهده على نسخة ابن العطَّار التي قابل عليها نُسخته، فقال: «شاهَدتُ على النُّسخةِ الَّتي قابَلتُ عليهَا نُسختِي هذه ما مثالهُ بخَطِّ مُصنِّفهِ -رحمهُ الله تعالى-»، فساق قيد السَّماع بحروفه، ثم قال: «نقلَهُ العبدُ الفقيرُ إلى رحمة ربِّه القدير-كما شَاهَدَهُ-:أحمد بن قراجا الميداني، عفا الله عنه، وعن والدَيهِ، وعن مشايخهِ، ومَن أحسنَ إليهِ، والمسلمين أجمعين، آمين». الثَّانية: محفوظةٌ بمكتبة عاطف أفندي رقم (1524)، ضمن النُّسخة الخطِّيَّة لكتاب « الأذكار »، التي نسخها الشَّيخ أبو سُليمان جمال الدِّين داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي، وفرغ منها في 5 ربيع الآخر سنة 712 هـ، وسمع جميعها بقراءة الشيخ أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم بن علي بن إبراهيم المناخلي على أخيه لأبويه العلامة ابن العطَّار في مجالس آخرها 13 رجب سنة 712 هـ، وعارضها بأصله المسموع على المصنِّف، وأجاز لهما روايته ورواية ما يجوز له تسميعه، وفيها بلاغات بخطِّ النَّاسخ، ويقع القيد في أولها في وجه واحد [ I / ب] في (8) أسطر، وقد نقله النَّاسخ من خطِّ الإمام النَّووي كما شاهده على نسخة ابن العطَّار التي قابل عليها نُسخته، فقال بعد النَّقل: «ومن خطِّه نقلتُ»، وزوَّدني بهذه النُّسخة الشَّيخ المبارك عادل بن عبد الرَّحيم العوضي، جزاه الله خيرًا كثيرًا. وهناك نُسخةٌ خطِّيَّةٌ ثالثةٌ مختصرةٌ محفوظةٌ بمكتبة تشستربيتي أيضًا رقم (4962)، من إملاء العلَّامة ابن العطَّار لكتاب «الأذكار»، وبخطِّ الشَّيخ محمد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري ابن الزَّملكاني، فرغ منها في 22 صفر سنة 695 هـ. وقد قمتُ بنسخ القيد على الطَّريقة الإملائيَّة الحديثة، ثم قابلتُ المنسوخ بالمخطوط، وجعلتُ نسخة أحمد بن قراجا الميداني هي الأصل، وأثبتُّ الفرق بينها وبين نسخة داود ابن العطَّار في الهامش، وأحلتُ إلى أهمِّ المترجمين للأعلام المذكورين، وضبطتُ بالشَّكل ما يحتاج إلى ضبط من النَّص، وأضفتُ بعض الفوائد في الهامش. أسألُ الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحُسنى وصفاته العُلى أن ينفع بقيد السَّماع هذا الإسلام والمسلمين، وأن يغفر للمُجيز وللمُجاز ولنا ولوالدينا ولمشايخنا ولإخواننا ولأحبابنا ولأهلينا ولذرِّيَّاتنا ولتلامذتنا وللمُسلمين أجمعين. [قيد السَّماع بخطِّ أحمد بن قراجا الميداني] [قيد السَّماع بخطِّ داود ابن العطَّار] [إجازة بخطِّ العلَّامة علي ابن العطَّار لأخيه داود والقارئ] [قيد السَّماع المحقَّق] [6] [279/ أ] الحمدُ لله رَبِّ العالمينَ. سَمِعَ عَلَيَّ جميعَ هَذا الكتاب: «كتاب الأذكار» [7] ، صَاحبهُ، كاتبهُ: الفقيهُ، الإِمَامُ [8] ، العَالمُ، الفَاضلُ، الوَرِعُ، المُتفَنِّن، علاءُ الدِّين، أبو الحسن، عليّ بن إبراهيم بن داود الدِّمشقيّ الشَّافعيّ، أدامَ الله الكريمُ لهُ الخيراتِ المُتظاهراتِ، وتوَلَّاهُ بالحسناتِ المُتكاثراتِ، ولَطَفَ بهِ في جميع أمورهِ، وبَارَكَ لهُ في كلِّ أحوالهِ. وقابَلَ نُسختَهُ هذه مَعِي، وأنا مُمسِكٌ بأصلِي [9] في جميع سَماعِهِ [10] . وذلك في مجالس، آخرُها: يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من جمادى الأولى سنة ستةٍ [11] وسبعين وستمئة [12] . وأَجَزتُ لَهُ كُلّ ما يجُوزُ لي تَسميعهُ . كتبَهُ مؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّواوي [13] ، عفا الله عنه، آمين. الحمد لله ربِّ العالمين. اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، وسلَّم [14] . [1] طُبع عدَّة مرَّات، منها: طبعة دار الملاح بدمشق، بتحقيق: عبد القادر الأرناؤوط، وطبعة دار المنهاج بجدَّة، بعناية: صلاح الدين الحمصي وعبد اللطيف أحمد عبد اللطيف ومحمد محمد طاهر، وطبعة دار البشائر الإسلامية ببيروت، بتحقيق: عبده علي كوشك. [2] اعتنى بنسخ الكتب والأجزاء بخطِّه الجميل لنفسه، ولازم أهل العلم كالعلامة ابن العطَّار، وقرأ عليهم، وحضر مجالس العلم والقراءة والسَّماع كدار السُّنَّة النُّوريَّة بدمشق، ففي شهر رجب سنة 706 هـ فرغ من نسخ كتاب الأذكار وأتمَّ قراءته ومقابلته على شيخه ابن العطَّار في شهر شوال الذي وصفه في قيد السَّماع بـ: «الأخُ، الصَّالحُ، المحصِّل، اللَّبيب، الأديب، المقرئ « ، ودعا له، فقال: «وفَّقهُ الله توفيق العارفين، وجعلهُ من عباده المخلصين « ، وأثنى على قراءته ومقابلته، فقال: «قرأَ عليَّ جميع هذا الكتاب .. قراءةً متقنةً مضبوطةً مُصحَّحة، مُقابلًا معي بأصلي « ، وأذن له في الرواية عنه وأجازه له رواية ما يجوز له تسميعه، وفي شهر ذي القعدة حضر مجلس سماع لرسالة ابن العطَّار عن «قوم من أهل البدع يأكلون الحيات والضفادع وينزلون النيران ويؤاخون النساء والصبيان وغير ذلك « (ص 61-62)، وفي شهر ذي الحجة نسخ جزءًا فيه فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه لأبي طالب العشاري سماعًا من شيخه ابن العطَّار، وفرغ من نسخ جزء تساعيات ابن العطَّار، وأتمَّ قراءته ومقابلته على شيخه ابن العطَّار في ٤ ذي الحجة ٧٠٦ هـ الذي وصفه وأثنى عليه ودعا له في قيد السَّماع (ص ١١٠) فقال: «الولد المبارك.. نفعه الله ورفعه، وزاده من فضله وجمعه، ومن حمده وشكره أوزعه، قراءةً حسنةً بروايتي فيها عن مشايخي « وأجازه له رواية ما يجوز له تسميعه.. [3] انظر: «معجم الشيوخ الكبير « (1/ 236-237) ، و«المعجم المختص بالمحدثين « (ص 94) لأخيه من الرضاعة الذهبي، و«أعيان العصر وأعوان النصر « (2/ 341)، و«الوافي بالوفيات « (13/ 285) للصفدي، و«معجم الشيوخ « (ص 179-182) للتاج السبكي، و«ذيل الحسيني على العبر « (4/ 158-159)، و«الوفيات « (2/ 143-144) لابن رافع، و«ذيل التقييد « (1/ 527-528) للتقي الفاسي، و«الدرر الكامنة « (2/ 219-220) لابن حجر العسقلاني. [4] أفرده جماعة من المتقدِّمين والمتأخِّرين بالتَّرجمة في تصنيفٍ مستقلٍّ، كـ: «تحفة الطَّالبين في ترجمة الإمام محيي الدِّين « لتلميذه الخاص ابن العطَّار، وهو عُمدة كل من أتى بعده، و«ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي « لتقي الدِّين اللَّخْمي، و«بغية الرَّاوي في ترجمة الإمام النَّواوي « لابن إمام الكامليَّة، و«المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي « للسُّيوطي، و«المنهل العذب الرَّوي في ترجمة قطب الأولياء النَّووي « للسَّخاوي، و«الإمام النَّووي « لعلي الطَّنطاوي، و«الإمام النَّووي شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدِّثين وصفوة الأولياء والصَّالحين « لعبد الغني الدقر، و«الإمام النَّووي وأثره في الحديث وعلومه « لأحمد الحداد، و«الإمام النَّووي شيخ المحدِّثين والفقهاء « لكامل عويضة، أما من ترجم له ضمن كتاب من غير إفراد، فـ «استيفاء الكلام في هذا المعنى يَعسُرُ « ا.هـ كما نصَّ السَّخاوي في «المنهل العذب الروي « (ص 158). [5] انظر: «معجم الشيوخ الكبير « (2/ 7-8) ، و«ذيل تاريخ الإسلام « (ص 281-283)، و«تذكرة الحفاظ « (4/ 198)، و«ذيل العبر « (4/ 71)، و«المعجم المختص بالمحدثين « (ص 156-157)، و«المعين في طبقات المحدثين « (ص 235) لأخيه من الرضاعة الذهبي، و«برنامج الوادي آشي « (ص 86-88)، و«أعيان العصر وأعوان النصر « (3/ 245-248)، و«الوافي بالوفيات « (20/ 10) للصفدي، و«مرآة الجنان « (4/ 204-205) لليافعي، و«طبقات الشافعية الكبرى « (10/ 130) للتاج السبكي، و«البداية والنهاية « (18/ 251-252) لابن كثير، و«العقد المذهب في طبقات المذهب « (ص 428) لابن الملقن، و«ذيل التقييد « (2/ 183-184) للتقي الفاسي، و«التبيان لبديعة الزمان « (3/ 1457-1459) لابن ناصر الدين الدمشقي، و«طبقات الشافعية « (2/ 270-271) لابن قاضي شهبة، و«الدرر الكامنة « (4/ 4-6) لابن حجر العسقلاني، وغيرهم، وقد توسّع في ترجمته جمع من المعاصرين، منهم: شيخنا مشهور آل سلمان في تحقيقه لـ«تحفة الطالبين « (ص 26-33) و«الإيضاح في تحريم الحرير والذهب « (ص 31-99)، والدكتور محمد السليماني في تحقيقه لـ«أدب الخطيب « (ص 21-59)، وشيخنا المحقِّق نظام يعقوبي في عنايته بـ«العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام « (1/ 13-21)، والدكتورة إيمان بنت محمد علي في تحقيقها لـ«أحكام النساء « (1/ 29-136). [6] قال الناسخ الشيخ أحمد بن قراجا الميداني بعد فراغه من نسخ كتاب الأذكار: «شاهَدتُ على النُّسخةِ الَّتي قابَلتُ عليهَا نُسختِي هذه ما مثالهُ بخَطِّ مُصنِّفهِ -رحمهُ الله تعالى - » ا.هـ فساق قيد السَّماع أعلاه، بينما ساقه الناسخ الشيخ داود ابن العطَّار مباشرة: «سمعَ جميع هذا الكتاب .. ». [7] في نسخة الناسخ الشيخ داود ابن العطَّار: «سمعَ جميع هذا الكتاب: كتاب الأذكار عليَّ »، وقد رغَّب فيه الإمام النووي في غير ما كتاب من كتبه المشهورة، فقال في «المجموع « (4/ 643): «باب الأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار وعند الأحوال العارضة، هذا الباب واسعٌ جدًّا، وقد جمعتُ فيه مجلَّدًا مشتملًا على نفائس لا يُستغنى عن مثلها « ا.هـ، وقال في «الإيضاح « (ص 203)، و«المجموع « (2/ 36): «كتاب الأذكار الذي لا يَستغني طالب الآخرة عن مثله « ا.هـ، وقال في «روضة الطالبين « (2/ 95) و(7/ 29) و(10/ 233، 238)، و«المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج « (4/ 82): «كتاب الأذكار الذي لا يَستغني مُتديِّن عن معرفة مثله « ا.هـ، وقال تقي الدين اللخمي في «ترجمته للنووي « (ص 49) والسخاوي في «المنهل العذب الروي « (ص 56): «كتاب رياض الصالحين: مجلد ضخم، وكتاب الأذكار، وهما جليلان، لا يَستغني مسلمٌ عنهما « ا.هـ، وقد اعتنى به أهل العلم شرحًا، ونكتًا، وتخريجًا، واختصارًا، فمن ذلك: «نتائج الأفكار في تخريج الأذكار « لابن حجر العسقلاني، و«القول البار « للسخاوي وهو تكملة لتخريج ابن حجر، و«تحفة الأبرار بنكت الأذكار « للسيوطي، و«الأسرار النبوية مختصر الأذكار النووية « لابن المبارك الحضرمي، و«الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية « لابن علان الصديقي، و«الأنوار المضية مختصر الأذكار النووية « للبلتاجي، و«تحفة الأخيار بمختصر الأذكار « لأبي بكر الأحسائي، و«نيل الأوطار بتخريج أحاديث كتاب الأذكار وبيان صحيحه من سقيمه « لسليم الهلالي. [8] كلمة: «الإمام » زيادة من نسخة الناسخ الشيخ داود ابن العطَّار. [9] في نسخة الناسخ الشيخ داود ابن العطَّار: «أصلي ». [10] ممَّن وصلنا قيد سماعه لجميع كتاب الأذكار منقولًا من خطِّ الإمام النَّووي: الشَّيخ نجم الدِّين أبو علي حسن بن هارون بن الهذَباني الدِّمشقي الشَّافعي (المتوفى 699 هـ) حيث كَتبَ له ما نصُّه: «الحمدُ لله رَبِّ العالمينَ، قَرَأَ عَلَيَّ جميعَ هَذا الكتاب، وهو: حِليَةُ الأَبرارِ وشِعَارُ الأخيارِ في الأذكَارِ، صَاحبُهُ: الفقيهُ، الفَاضلُ، المُجتهدُ، المُحصِّلُ، النَّبيهُ، الوَرِعُ، نجمُ الدِّين، أبو علي، حسن بن هارون الهذَبَاني ثمَّ الدِّمشقيّ الشَّافعيّ، وفَّقه اللهُ الكريمُ لطاعتهِ، وتولَّاهُ بكرامتهِ، وأدامَهُ على الخيراتِ، وضاعفَ لديهِ الطَّاعاتِ والمحاسِنَ والكراماتِ، قراءةً صحيحةً مُحقَّقةً مُجوَّدةً مُتقنةً أكملَ إتقانٍ، وأنا مُمسِكٌ أصلِي في حالِ قراءتهِ في مجالسَ، آخرُها: يوم الخميس الثَّالث من شهر ربيع الأوَّل سنة ثمان وستِّين وستّمائة بدارِ الحديثِ الأشرفيَّة بدمشقَ، حَمَاها اللهُ الكريمُ وصانَها، وسائرَ بلادِ الإسلامِ، وأهلَهُ، آمين، وأَجَزتُ لَهُ رِاويةَ جَميعِ ما يجُوزُ لي رِوايتُهُ وتَسميعُهُ، كتبَهُ مُصنِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّواوي، عفا الله عنه، والحمد لله « ا.هـ، نقل ذلك ناسخ النُّسخة الخطِّية لكتاب الأذكار شمس بن محمد الخنجي سنة 910 هـ المحفوظة بمكتبة طرخان والدة السلطان رقم (180) حيث قال [240/ ب]: «صورة خطِّ الشَّيخ المصنِّف رحمه الله على النُّسخة المنقول منها، ثمَّ المقابل عليها « ، فساقه بحروفه، والشَّيخ شهاب الدِّين أبو عبد الله محمَّد بن عبد الخالق بن عثمان بن مُزهِر الأنصاري الدِّمشقي الشَّافعي (625 هـ-690 هـ) حيث كَتبَ له ما نصُّه: «قابلتُ جميعَ هذا الكتاب بأَصلي مع صاحبه كاتبه: الشَّيخُ، الإمامُ، العالمُ، الفاضلُ، العاملُ، الصَّدر شهاب الدِّين أبي عبد الله محمَّد بن عبد الخالق بن عثمان بن مُزهِر الأنصاري الشَّافعي الدِّمشقي، أدامَ اللهُ لهُ الخيراتِ، وضَاعَفَ لهُ الحسناتِ، وأمدَّهُ في طاعتهِ بالمعوناتِ، وَتولَّاهُ بالحُسنى، وجَمعَ لهُ بينَ خَيرات الآخرة والأُولى، وجَمَعني وإيَّاهُ وسائر أحبابنا في دارِ كَرامتِهِ بفضلِهِ ورحمتِهِ، فسمعهُ الشَّيخ الإمام شهاب الدِّين المذكور سماعًا مُتقنًا، وقَابلتُ معهُ نُسخته هذه مقابلةً مرضيةً بأصلي، في مجالس آخرها: يوم الاثنين، الرَّابع والعشرين من ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وستمئة، وأَجزتُ لهُ كلّ ما يجوزُ لي تسميعهُ، كتبَهُ: يحيى بن شَرَف بن مِرَى بن حسن النَّواوي، عفا الله عنه « ا.هـ، ساق السخاوي هذا القيد في «المنهل العذب الروي « (ص 102-103) ثم قال: «نقلتُ جميع ذلك من خطِّه على نسخة بالأذكار « ا.هـ. [11] في نسخة الناسخ الشيخ داود ابن العطَّار: «ست ». [12] كتب الإمام النَّووي قيد السَّماع هذا قبل وفاته بشهرين ونصف تقريبًا، فقد توفي ليلة الأربعاء ثلث الليل الأخير 24 من شهر رجب سنة 676 هـ عن 45 عامًا حُفَّت بالبركات، وحُفلت بالإنجازات، ومُلئت بالطَّاعات، رحمه الله تعالى وإيَّانا وجمع بيننا وبينه وبين من نحبُّهم في الله في دار كرامته بفضله ومنِّه وجوده ورحمته. [13] إلى هنا انتهى نقل الناسخ الشيخ داود ابن العطَّار، وختم ذلك بقوله: «ومن خطِّه نَقَلتُ »، وقد كتب له أخوه العلَّامة علي ابن العطَّار قيد سماع لكتاب الأذكار وإجازة له ولقارئه هذا نصُّها [242/ ب]: «الحمدُ لله، سمعَ منِّي جميع كتاب الأذكار لشيخنا العالم الربَّاني أبي زكريا النووي، قدَّس الله روحه، بقراءته له عليَّ، وهذه النسخة تعارض معي بأصلي بيد كاتبها صاحبُ هذه النسخة مالكها: الأخُ، الصَّالحُ، المقرئُ، الأديبُ، اللبيبُ، برهان الدين، أبو إسحاق، إبراهيم بن الحاج الصالح الكبير علي بن إبراهيم المناخلي الدمشقي دارًا الحلبي أصلًا، نفعه الله، ونفع به، ولطف به، وله، وبسببه، وجعله من عباده الصالحين، والعلماء العاملين، ورَويتُهُ له ولمن سمعه معه أو شيئًا منه عن مؤلِّفه رحمه الله تعالى، وسمعهُ معه من أوله إلى آخره، كاتبُ هذه النسخة، والمعارض معي لها: أخي لأبويَّ الصلب، جمال الدين، أبو سليمان، داود، لطف الله به، وصحَّ ذلك في مجالس، آخرها: يوم الثلاثاء ثالث عشر شهر رجب سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، أحسن الله خاتمتها، وذلك بدار السُّنَّة النُّوريَّة بدمشق المحروسة، وأجزتُ لهما روايته، ورواية ما يجوزُ لي تسميعهُ، كتبهُ: علي ابن العطَّار، عفا اللهُ عنهما، آمين» ا.هـ. [14] قال الناسخ الشيخ أحمد بن قراجا الميداني بعد نقله لقيد السَّماع أعلاه: «نقلَهُ العبدُ الفقيرُ إلى رحمة ربِّه القدير-كما شَاهَدَهُ-:أحمد بن قراجا الميداني، عفا الله عنه، وعن والدَيهِ، وعن مشايخهِ، ومَن أحسنَ إليهِ، والمسلمين أجمعين، آمين» ا.هـ، وقد كتب له العلَّامة ابن العطَّار قيد سماع لكتاب الأذكار وإجازة له هذا نصُّها: «الحمدُ لله، قرأَ عليَّ جميع هذا الكتاب، مالكهُ كاتبهُ: الأخُ، الصَّالحُ، المحصِّل، اللَّبيب، الأديب، المقرئ، شهابُ الدِّين، أبو العبَّاسُ، أحمد بن الأمير زين الدِّين أبي يوسف قراجا بن عبد الله الميداني، وفَّقهُ الله توفيق العارفين، وجعلهُ من عباده المخلصين، قراءةً متقنةً مضبوطةً مُصحَّحة، مُقابلًا معي بأصلي، بروايتي عن مؤلِّفه، تغمَّدهُ الله برحمته، وأذنتُ له في روايته عنِّي، وأجزتُ له رواية ما يجوزُ لي تسميعهُ، وكانت القراءة المذكورة في مدةٍ آخرها الثامن عشر من شوال سنة ست وسبعمئة، كتبهُ: علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار، عفا اللهُ عنهم، بمدينة دمشق المحروسة بدار السُّنَّة النُّوريَّة؛ والحمدُ لله ربِّ العالمين، اللَّهم صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، وصحبه، وسلَّم» ا.هـ.
أمور يستحسن مراعاتها في كتابة ملخصات البحوث
د. إبراهيم عبداللطيف العبيدي
21-01-2019
4,492
https://www.alukah.net//culture/0/132219/%d8%a3%d9%85%d9%88%d8%b1-%d9%8a%d8%b3%d8%aa%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d9%85%d9%84%d8%ae%d8%b5%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d9%88%d8%ab/
أمور يستحسن مراعاتها في كتابة ملخصات البحوث بسم الله، والحمد لله، والصلاة على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فإن من فضل الله تعالى علينا في عصرنا ورحمته: توسُّع المؤسسات العلمية الأكاديمية وتنوُّع نشاطاتها البحثية، وإن كان النوع هو المطلوب والمفضل على الكم، إلا أن هذه النشاطات في النهاية لا تخلو من فائدة، وحتى تكون المشاركة ذات قيمة، وتنال القبول من قِبَل اللجنة العلمية الخاصة بالفعالية البحثية ( مؤتمرًا كان أو ندوة أو ملتقى )، فلا بد من التركيز من لحظة النية في المشاركة على أمرين مهمين: الأول: اختيار العنوان المناسب، المنسجم مع أحد محاور النشاط البحثي، والمتوافق مع عناصر المحور المختار الاسترشادية. الثاني: العناية بملخص البحث والتركيز على الأمور الفنية التي يجب مراعاتها عند كتابة الملخص، على وَفق التفصيل الآتي: 1- اختصر فكرة البحث في أسطر معدودة. 2- لا تسترسل ولا تُسهب بالتفاصيل. 3- التزم الشروط المطلوبة في كتابة الملخص، والتي تتراوح غالبًا بحدود الثلاثمائة إلى السبعمائة وخمسين كلمة عادة. 4- اعتنِ بصياغة عبارات الملخص، وأعدْ قراءته أكثر من مرة قبل أن تُرسله إلى الجهة المعنيَّة. 5- طبِّق علامات الترقيم: ( النقطة والفاصلة، والفاصلة المنقوطة، والأقواس وغيرها )، وضعها في أماكنها الصحيحة بدقة. 6- ركِّز على الجديد الذي جاء به بحثك وأظهِره وأبْرِزْه بشكل لافت. 7- لا تذكر أهمية البحث وهدفه ومشكلته ومنهجك فيه، فهذه الأمور تذكر في مقدمته وليس بالملخص. 8- اطبع ملخص البحث في ورقة بعد الانتهاء، ولا تقتصر النظر إليه من خلال شاشة الحاسبة فقط، وحاول أن تعرضها على أحد المختصين للاستئناس برأيه حول ما أوردتَه من أفكار. 9- احذَر من الأخطاء الإملائية والطباعية والأسلوبية، واهتمَّ بطريقة كتابة الهمزة وغيرها، وتذكر أن الاهتمام بهذه الأمور دليل حرص الباحث ودقة طرحه. 10- تذكر أن ملخص البحث هو عبارة عن إبراز شخصية الباحث ومقدرته؛ من خلال تلخيص فكرة البحث ومعالجتها من دون إسهاب. وختامًا لا تنسَ استحضار النية في عملك، وتجديدها في مرضاة الله عز وجل في عملك، وتقديم ما ينفع الناس بعملك. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارَك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
"تدبير المشايخ" جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين (ق3 - 10هـ/9 - 16م)
د. نجلاء سامي النبراوي
20-01-2019
6,341
https://www.alukah.net//culture/0/132202/"%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d8%a7%d9%8a%d8%ae"-%d8%ac%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%84-%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%86%d9%8a%d9%86-%d9%823-10%d9%87%d9%80-9-16%d9%85/
"تدبير المشايخ" جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين (ق3- 10هـ/9-16م) المؤتمر العالمي الأول لتاريخ العلوم الطبية والتطبيقية - جامعة الإمام محمد بن سعود، السجل العلمي 3 - 2017م، (ص 352 - 387 ). الملخص: يتناول البحث جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنِّين من القرن الثالث حتى القرن العاشر الهجريين/ التاسع إلى السادس عشر الميلاديين. وتنقسم الدراسة إلى شقين رئيسين: الشق الأول منها: نبذة عن طب المسنِّين أو طب الشيخوخة ( Geriatrics ) كما هو معروف في العصر الحالي، ثم مفهوم الشيخوخة كما عرَّفها علماء وأطباء العرب والمسلمين من حيث بدايتها ومظاهرها وأعراضها وسماتها، وتتبع جهود علماء العرب والمسلمين في مجال طب المسنين سواء في مؤلفاتهم الطبيَّة الجامعة، أو في مؤلفاتهم المتخصِّصة، ويُلاحظ أن معظمها قد أخذ مصطلحًا واحدًا هو مصطلح "تدبير المشايخ"، ويلي ذلك تتبُّع كل عالِمٍ بالترتيب الزمني لوفاته بترجمة عامة له، ثم عرض مُؤلَّفه في هذا المجال، وبيان ما كتب فيه من تناول وتقسيمات. ويأتي الشق الثاني من الدراسة في تتبُّع أوجه العناية بصحة المسنِّين من خلال المؤلفات العلمية، حيث تم تقسيمه إلى قسمين: اختصَّ القسم الأول منها بأوجه الرعاية والاهتمام البدني من تعريف المؤلفين - سواء للقرَّاء أو المحيطين بالمسن - بالحالة العامة التي تتَّصف بها مرحلة الشيخوخة، ثم كيفية العناية بغذائه طعامًا وشرابًا، وبيان ما هو مسموح أو ممنوع منها، ثم الوسائل العلاجية التي تقدم للمُسنِّ من أدوية سواء نباتات أو أعشاب طبية أو غذائية، أو معالجته بالحَقْن أو معالجات أخرى، إلى جانب بعض الممارسات الصحية اليومية التي يجب أن تتوفر له، وكذلك ما كتبه هؤلاء عن أهمية التدليك وممارسة الرياضة البدنية الملائمة للمسنِّين للحفاظ على لياقتهم قدر الإمكان. واختص القسم الثاني بأوجه الرعاية والاهتمام بالحالة النفسية للمُسنِّين، التي أكَّد الأطباء على شدة أهميتها؛ مثل الاهتمام البدني، خاصة أنها المرحلة الأخيرة من عمره. وتأتي خاتمة البحث بتقييمٍ لجهود علماء العرب المسلمين - من خلال أعمالهم الواردة بالدراسة - في مجال طب المسنِّين في العصور الوسطى، مع ذكر التوصيات التي خلص إليها البحث.
وقفات على بلاد شنقيط (‏PDF‏)‏
مسعد حسين محمد
17-01-2019
9,325
https://www.alukah.net//culture/0/132145/%d9%88%d9%82%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a8%d9%84%d8%a7%d8%af-%d8%b4%d9%86%d9%82%d9%8a%d8%b7-%e2%80%8fPDF%e2%80%8f-%e2%80%8f/
♦ عنوان الكتاب: وقفات على بلاد شنقيط . ♦ المؤلف: مسعد حسين محمد. ♦ دار النشر: الدار العالمية للنشر والتوزيع. ♦ سنة النشر: الطبعة الثانية، 1440 هـ - 2019 م. ♦ عدد الصفحات: 129. كتاب عن مدينة شنقيط بموريتانيا الحبيبة، تاريخها وحاضرها، وعاداتها وأعلامها بأسلوب شيق ومنهجية ماتعة، بشكل يجعل هذا المؤلف رغم أنه صغير في الحجم، فهو كبير في المضمون.
فوائد صحية للصيام والقيام
أ. د. علي فؤاد مخيمر
17-01-2019
10,945
https://www.alukah.net//culture/0/132141/%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%8a%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d8%a7%d9%85/
فوائد صحية للصيام والقيام أولًا: الصيام: لقد فرض الله عز وجل الصيام على المسلمين، كما فرضه على الأمم السابقة، والله سبحانه وتعالى لا يفرض على عباده فرضًا، ولا يأمرهم بأمر إلا وهو يعلم سبحانه أن في ذلك مصلحةً وفوائدَ تعود عليهم في عاجل أمرهم وآجله؛ وذلك لأنه خلق العباد، وهو وحده العليم بما يصلح شؤون حياتهم، وصدق ربُّ العزة القائل: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، ففرض الصيام ليكون إصلاحًا للجسد لا تعذيبًا كما يظنُّ الواهمون، فالصوم مصحَّةٌ للأبدان والأذهان والقلوب، وقد روي حديث: ((صوموا تصحُّوا))؛ رواه الطبراني وهو حديث ضعيف. وفي ضوء هذا الهدي الرباني والنبوي برَع كثيرٌ من العلماء والباحثين في البحث والتنقيب عن حقائق علمية إعجازية في الصيام وسنة القيام، وتوصَّلوا مبدئيًّا إلى أن الجسد خلقه الله تعالى مُهيَّأً لقبول الصيام الذي فرضه الله عليه من غير ضررٍ يقع عليه، بل في الصيام منافعُ روحيةٌ وصحيةٌ عظيمة، فالامتناع عن الطعام والشراب وجميع الشهوات والمفطرات فترةً تتراوح بين 12 - 16 ساعة يوميًّا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية، مع توجيه الإسلام أتباعه إلى الاعتدال في تناول الطعام والشراب، يعود عليهم بالفوائد الروحية والصحية، فالامتناع عن الطعام يؤدي إلى تحسُّن وظائف الأعضاء، وإحداث تمثيل غذائي جديد بطريقة مغايرة، لما كانت عليه الأعضاء قبل الدخول في شهر رمضان. فوائد الصيام الطبية: أثبت الأطباء أن فراغ المعدة والأمعاء يؤدي إلى فوائد صحية كثيرة؛ منها: 1 - إتاحة راحة فسيولوجية لجميع أعضاء الجسم. 2 - طرح السموم والفضلات من الدهون والمواد الغذائية الأخرى خارج الجسم، عن طريق البول والإفرازات التي تخرج من الجسم. 3 - تتخلَّص الأمعاء من الجراثيم الضارة التي تراكمت فيها. 4 - المحافظة على الأنسجة والخلايا، وخصوصًا الجهاز المناعي. 5 - تجديد خلايا الأنسجة للأعضاء الحيوية في الجسم. 6 - تقوية الذاكرة وتحسُّن أعضاء الحس والشعور. 7 - الشفاء من الأمراض المزمنة، فقد عجز الطب عن علاج أمراض كثيرة مزمنة، واكتشفوا أن الصوم علاجٌ لهذه الأمراض، ومنها: الربو والسعال، والتهاب القصبات الهوائية، وبعض أمراض القلب والروماتيزم، والتهاب الوريد المزمن، وحب الشباب، وارتفاع الكوليستيرول في الدم، وعسر الهضم وسوء الامتصاص، والبول السكري، والجيوب الأنفية، وغير ذلك. 8 - تخليص الجسم من الشحوم وتراكمها في الجسم، وهي التي تؤدي إلى مرض السمنة، وهو مرض عصري يؤدي إلى أمراض كثيرة تنتهي بوفاة الإنسان، ومن هذه الأمراض قصور القلب أو حدوث مرض الشريان التاجي (الجلطة في القلب أو المخ)، وارتفاع الضغط الدموي، وغير ذلك. وأكد العلماء أن الصوم قد عالج هذه الأمراض الخطيرة، إضافة إلى فاعليته الكبيرة في علاج السمنة بدلًا من النُّظُم الغذائية والتجارب التي أجريت لعلاج السمنة التي آلت كلُّها إلى الفشل، بل إن بعضها عاد على الجسد بمضاعفات جلَبت بعض الأمراض الأخرى الخطيرة. 9 - عالج بعض حالات العقم؛ لأنه يُنشِّط إفراز الهرمونات المنشطة للجريبات fsh )) وهرمون اللوتنة وهرمون البرولاكتين ( prolactin )، ويُحسِّن أداء هرمون الذكورة testostex – one ))، ويُنشِّط النطف، وقد لوحظ ازدياد حالات الحمل في شهر شوال الذي يلي رمضان. 10 - الصيام وقاية وتقوية لجهاز المناعة والكبد، فالجهاز المناعي يُجدِّد نشاطه وخلاياه عن طريق الصيام؛ حيث يعد هذا الجهاز الخطَّ الدفاعيَّ للجسم ضد أي ميكروب أو فيروس، والكبد هو ذلك العضو الظاهر البارز في جسم الإنسان الذي يتحدَّى الله تعالى به أطباء الدنيا، فهو يعد الجهاز الرئيسي لتنقية الجسم من السموم بإبطال مفعولها الضار، وتحويلها إلى مواد نافعة مثل «اليوريا، والكرياتين، وأملاح الأمونيا وغيرها»، فالكبد يقوم بأداء مهامه الوقائية وخدمة الجسم طوال العام؛ من التمثيل الغذائي، وتحويل الشحوم إلى جزئيات تذوب في الماء غير سامة، فيفرزها الكبد عن طريق الجهاز الهضمي، أو تخرج عن طريق الكلى، وكذلك الكبد ينتفع من الدهون المتجمِّعة أثناء الصيام والقادمة من مخازنها المختلفة، فيؤكسد الأحماض الدهنية حتى تصبح غير فعَّالة، ويتخلَّص منها الجسم، من هنا نعلم أن عمليات الهدم في الكبد أثناء الصيام تغلب عمليات البناء في التمثيل الغذائي، فيؤدي ذلك إلى طرح السموم والزوائد من الكبد، ويشفى الكبد الدهني، ويزداد نشاط خلايا الكبد. الصيام شهادة صحية للجسم: يُعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة من الأمراض؛ إذ لولا الصيام لظلَّت أعضاء الجسم غارقةً في المواد الدهنية والسموم بسبب امتلاء المعدة والأمعاء، ومن هنا وجد الأطباء أن الصيام أو ما أطلقوا عليه التجويع، فيه فوائد صحية، ففتحوا له مصحَّات علاجية، وأيقن الجميع أن الصيام هو الأصل في علاج كثير من الأمراض، وأنه هو النظام الغذائي الأمثل في تحسين الكفاءة الكبدية، وما زال البحث جاريًا في الجامعات العالمية للوقوف على مزيد من فضل الله تعالى وأسراره التي وضعها في فريضة الصيام. الحكمة من وراء الإفطار على الرطب أو التمر أو الماء: من توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم الحكيمة أنه دعا إلى الإفطار على رطب أو تمر أو ماء؛ كما جاء في سنن أبي داود والترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور))، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن فحسوات من ماء، وهناك أحاديث أخرى بروايات مختلفة من خلالها أثبت الطب أن التمر به نسب عالية من السكريات التي توفِّر الطاقة للجسم خلال فترة الصوم، ويقضي على صداع الجوع الذي ينتج من هبوط نسبة السكر في الدم؛ ولهذا ننصح بالسحور، وأن يتضمَّن طعامًا حلوًا كالتمر ونحوه؛ لما فيه من السكريات والبروتينات والدهون والفيتامينات، والمعادن التي تُمتصُّ مباشرة من الجهاز الهضمي ليَروي ظمأ الجسم من الطاقة، خصوصًا تلك الأنسجة التي تعتمد أساسًا على السكريات كخلايا المخ والأعصاب، وخلايا الدم الحمراء وغيرها. ومن الهدي النبوي أداء صلاة المغرب بعد الإفطار على التمر والماء؛ ليعطي للمعدة فرصة في الهضم والامتصاص، لتأخذ جميع الأعضاء من الطاقة ما يعينها على أداء وظائفها، وتسلم من الهدم والدمار، والأمر يكون على العكس من ذلك لو بدأ الصائم فطره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية، فالجسم لا تعود إليه الحيوية والنشاط؛ حيث إن المواد البروتينية وغيرها لا تُمتصُّ إلا بعد فترة طويلة من الهدم والتحلُّل. نصائح مهمة: 1 - الاعتدال وعدم الإسراف في إعداد الأطعمة والحلويات للاحتفال برمضان. 2 - مراعاة الأشخاص المصابين بأحد الأمراض المزمنة، وذلك بإعداد بعض الأصناف التي تتناسب مع مرضهم ومع حميتهم الغذائية. 3 - إذا كنت شخصًا بدينًا، ونقص وزنك أثناء صيام شهر رمضان، فعليك المحافظة على هذا الوزن والاستمرار في ممارسة نفس العادات الغذائية والسلوك الغذائي. 4 - الاعتدال في إقامة الولائم بالمنزل، وفي تلبية الدعوات إليها من قِبل الآخرين؛ فالترشيد في الطعام والشراب هو دواءٌ وعلاجٌ لأمراض البطن المستعصية، وصدق من قال: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء» [1] . 5 - تنفيذ وصية الإسلام للصائم الذي يفطر بعد جوع نهاره ألا يسرف في الأكل لقوله تعالى: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأعراف: 31]، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((بحسب ابن آدم لُقيمات يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان ولا بد فاعلًا، فثُلُث لطعامه، وثُلث لشرابه، وثُلث لنفسه)) [2] ؛ رواه النسائي، ورحم الله الشافعي في قوله: «البطنة تذهب الفطنة»، وما أصدق الحكمة القائلة: «قليل من الصوم يصلح المعدة»، فهذا قليل من كثير عن فوائد الصيام، وعما أثبته العلم الحديث عن أهمية الصوم للجسم الإنساني وتفاديه لأمراض كثيرة. وأخيرًا أوجِّه نصيحتي للإخوة الصائمين بأن يفهموا المنهج الرباني في حكمة الصيام، وأن ينبذوا العادات والتقاليد السيئة التي سادت في مجتمعاتنا، ولا يجعلوه شهر طعام وشراب، فيفقدوا الحكمة من وراء فرضيته. ثانيًا: قيام الليل وصلاة التراويح: يقول الإمام الشافعي: «العبادات مُعلَّلة بمصالح الخلق»؛ أي: إن العبادات لو أُدِّيَتْ على النحو الذي أراده الله لجعلت من المؤمن شخصيةً سويةً صاحبة أُفق واسع ونظر ثاقبٍ، فالصلاة عمومًا تُبرئ مِن ألم الفؤاد والمعدة والأمعاء وكثير من الآلام، ففيها فائدة روحية، واطمئنان قلبي وهدوء نفسي، كذلك توجد فيها صحة جسمية إذا ما أُقيمت على وجهها الصحيح، ولقد أحسن الله تعالى إلينا كثيرًا بأن فرض علينا خمس صلوات في اليوم والليلة؛ لأن في الصلاة تطهيرًا للنفس وحفظًا للصحة وسلامةً للجسم، ومن هنا تتضح حكمة من صلاة التراويح في شهر رمضان المبارك، ذلك أن الصائم يكون قد أكل وشرِب، ولعله قد زاد في كمية طعامه وشرابه عند تناول وجبة الإفطار؛ لذا كانت هذه النافلة في شهر رمضان من خير أنواع العلاج لما قد يَنجُم من خطر زيادة الدهون في الطعام، ومِن ثَمَّ فإن الصلاة عمومًا تعد صِمامَ أمانٍ في حياة المؤمن الذي يؤديها على الوجه الذي بيَّنه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه حقيقة علمية سوف نُبيِّنها إن شاء الله في فوائد قيام الليل وصلاة الفجر، وما يعود على الإنسان من استقرار نفسي ورُوحي وبدني. نعم تعد صلاة المسلم في الدرجة الأولى التزامًا بأمر الله تعالى، كما أنها تصل العبد بربه، وهي سبب لرُّقِيِّه في الدنيا والآخرة، وتجعله دائمًا في حالة نظافة وطهارة؛ لأن من شروط صحة الصلاة طهارة المصلي من الحدث، وطهارة بدنه وثوبه ومكان صلاته من الخبث. قيام الليل وأثره في بناء الرجال: لقد اهتمَّ الإسلام ببناء الرجال في ظل العبادات: الفرائض منها والنوافل، وعلَّمنا أن المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، فمقام العزة والقوة لا يتأتَّى من فراغ، ولكن لا بد من تربية عالية في ظل طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فكانت الصلاة هي باب العبودية لله عز وجل، فهي صيانة للنفس وتحصين لها من هواجس الشيطان، وقد شرعت صلاة قيام الليل لتربية الرجال، ونظرًا إلى ما فيها من فوائد خاطب الله حبيبه بقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴾ [المزمل: 1 - 4]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6] ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأْبُ الصالحين من قبلكم، ومَنْهاةٌ عن الإثم، وقُرْبةٌ إلى الله تعالى، وتكفيرٌ للسيئات، ومَطْردةٌ للداء عن الجسد)) [3] ؛ (رواه الترمذي). هذا ولقد أرشدنا سيدُ البشر صلى الله عليه وسلم إلى أعدل النوم، وهو نوم سيدنا داود عليه السلام؛ حيث كان ينام من أول الليل، ثم يقوم منه، ثم يعاود النوم قليلًا، ثم يقوم لوقت السحر [4] ، وكذلك كان نوم رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخي القارئ، يجب علينا أن ننتبه إلى حديث أبي هريرة رضى الله عنه الذي أخرجه ابن ماجه وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَعْقِد الشيطان على قافِيَة رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عُقَد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عُقْدة، فإذا قام فتوضَّأ انحلَّت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلَّت عُقَدُه كلُّها، فيُصبح نشيطًا طيب النفس، قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا، خبيثَ النفس، لم يُصِب خيرًا)) [5] . فالنشاط لا يناله الجسدُ إلا بعد الوضوء وأداء الصلاة بحركاتها الرياضية التي يذهب في ظلِّها الخمول والكسل، فتعود للجسد حيويتُه ونضارتُه وقوته التي يُمارس بها شؤون حياته. ولا شك أن الشيطان يستحوذ على كل من نام على غير وضوء، ولم يصلِّ العشاء والذين لم يذكروا الله عند نومهم، أما من قرأ آية الكرسي عند نومه، فقد ثبت أنه يُحفظ من الشيطان حتى يصبح، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [الحجر: 42]. الفوائد الصحية لقطع النوم لأداء قيام الليل وصلاة الفجر: إذا نام الإنسان طويلًا تقلُّ نبضات قلبه؛ فيجري الدم ببطء شديد، فإذا قطع المسلم نومه لأداء ركعات قيام الليل وصلاة الفجر في وقتها، وقى نفسه من أمراض القلب وتصلُّب الشرايين وحدوث الجلطات. وأكد خبراء وأطباء القلب أن أداء صلاة الفجر في موعدها المحدَّد يوميًّا خيرُ وسيلةٍ للوقاية والعلاج من أمراض القلب وتصلُّب الشرايين، بما في ذلك احتشاء عضلة القلب المسببة للجلطة القلبية وتصلُّب الشرايين المسببة للسكتة الدماغية. وأكَّدت الأبحاث العلمية والطبية أن مرض احتشاء القلب هو أخطر الأمراض، وكذلك مرض تصلُّب الشرايين وانسداد الشريان التاجي وسببها الرئيسي هو النوم الطويل لعدة ساعات سواء في النهار أو الليل، وأظهرت نتائج الدراسة أن الإنسان إذا نام طويلًا، قلَّت نبضات قلبه إلى درجة قليلة جدًّا لا تتجاوز «50 نبضة» في الدقيقة، وحينما تقلُّ نبضات القلب يجري الدم في الأوعية الدموية والشرايين ببطء شديد، الأمر الذي يؤدي إلى ترسُّب الأملاح والدهنيات على جدران الأوردة والشرايين خاصة الشريان التاجي؛ مما يؤدي إلى انسداده، ومن هنا جاءت نصيحة الأطباء بالامتناع عن النوم لفترات طويلة؛ بحيث لا تزيد فترة النوم على أربع ساعات حيث يجب النهوض من النوم وأداء جهد حركي لمدة 15 دقيقة على الأقل، وهو الأمر الذي يوفِّره أداء صلاة القيام وصلاة الفجر بصورة يومية. طرد الداء من الجسد بقيام الليل وصلاة الفجر: • يؤدي قيام الليل إلى تقليل إفراز هرمون الكورتيزون، وهو هرمون طبيعي «يفرزه الجسد»، خصوصًا بعد الاستيقاظ بعدة ساعات، وهو ما يوافق وقت السحر «الثلث الأخير من الليل»؛ مما يقي من الزيادة المفاجأة في مستوى سكر الدم الذي يُشكِّل خطورة على مرضى السكر، ويُقلِّل كذلك من الارتفاع المفاجئ في ضغط الدم الذي يؤدي إلى السكتة الدماغية والأزمة القلبية. • يقلل قيام الليل من مخاطر تخثُّر الدم في وريد العين الشبكي الذي يحدث نتيجة لبطء سريان الدم أثناء النوم، وزيادة لزوجة الدم بسبب قلة تناول السوائل أو زيادة فقدانها، أو بسبب السمنة المفرطة وصعوبة التنفُّس. • يؤدي قيام الليل إلى تَحسُّن وليونة العمود الفقري ومفاصل الجسد، نتيجة الحركة الخفيفة والتدليك بالماء عند الوضوء. • قيام الليل يُخلِّص الجسم من الدهون الثلاثية التي تتراكم في الدم خصوصًا بعد تناول العشاء المحتوي على نسبة عالية من الدهون التي تؤدي إلى أمراض شرايين القلب. • يُقلِّل قيام الليل من مخاطر الموت المفاجئ بسبب اضطراب ضربات القلب، لما يصاحبه من تنفُّس هواء نقي خالٍ من ملوثات النهار، وأهمُّها عوادم السيارات. • قيام الليل يُنشِّط الذاكرة ويُنبِّه وظائف المخ الذهنية المختلفة لما فيه من قراءة وتدبُّر للقرآن، وذكرٍ للأدعية وأذكار الصباح والمساء، فيقي الإنسان المسلم من أمراض الزهايمر وخرف الشيخوخة والاكتئاب. • يقلل قيام الليل من شدة حدوث مرض طنين الأذن. أخي القارئ، هذه فوائد الصلاة في جوف الليل، تربَّى الصحابة رضوان الله عليهم في ظلِّها، وفي ساحة المسجد النبوي، فخرَج من بينهم الأبطال والقادة في المعارك الحربية، وقد كانوا رهبانًا بالليل فرسانًا بالنهار؛ كما وصفهم القرآن الكريم في قوله: ﴿ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴾[الذاريات: 17 - 19] . فهل آن الأوان لتصحيح الأخطاء وتقويم المسار، فنَعِيَ قيمة الصلاة بالعبودية لله الواحد القهار، ونتمسَّك بذلك، فارِّين إلى الله تعالى ليأخذ بأيدينا ويُنجينا من هذا التيه. [1] قال السخاوي في «المقاصد الحسنة»: (ص: ٦١١/ برقم: ١٠٣٥): حديث: «المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء»، لا يصحُّ رفعُه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب أو غيره، نعم عند ابن أبي الدنيا في الصمت من جهة وهب بن منبه قال: أجمعت الأطباء على أن رأس الطب الحمية، وأجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت، وللخلال من حديث عائشة: الأزم دواء، والمعدة داء، وعودوا كل بدن بما اعتاده، وأورد الغزالي في الإحياء من المرفوع: ((البطنة أصل الداء، والحمية أصل الدواء، وعودوا كل بدن بما اعتاد))، وقال مخرجه: لم أجد له أصلًا، وللطبراني في الأوسط من حديث يحيى بن عبيدالله البابلتي عن إبراهيم بن جريج الرهاوي عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: ((المعدة حوض البدن، والعروق إليها واردة، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة، وإذا فسدت المعدة صدرت العروق بالسقم))، وقال: لم يروه عن الزهري إلا زيد بن أبي أنيسة، تفرَّد به الرهاوي، وقد ذكره الدارقطني في العلل من هذا الوجه، وقال: اختلف فيه على الزهري، فرواه أبو قرة الرهاوي عنه فقال عن عائشة، قال: وكلاهما لا يصحُّ، قال: ولا يعرف هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، إنما هو من كلام عبدالملك بن سعيد بن أنجر، وقال العجلوني في «كشف الخفاء»: (٢٥٣/ ٢): ومثله في "اللآلئ"، وزاد: ولم يرو هذا مسندًا، عن إبراهيم بن جريج، وكان طبيبًا؛ فجعل له إسنادًا، ولم يسند غير هذا الحديث؛ انتهى. [2] أخرجه الترمذي، كتاب: الزهد، باب: ما جاء في كراهية كثرة الأكل(4/ 590/ 2380) من حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه بلفظ: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن، بحسْب ابن آدم أكلات يُقِمْن صُلْبه، فإن كان لا محالة، فثُلُث لطعامه، وثُلُث لشرابه، وثُلُث لنفسه))، وقال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح». [3] أخرجه الترمذي في جامعه، كتاب: الدعوات، باب: (5/ 552) من حديث بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (....)؛ هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث بلال، إلا من هذا الوجه، ولا يصح من قبل إسناده. [4] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الجمعة، باب: من نام عند السحر(2/ 50/ 1131)، ومسلم في صحيحه، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر لمن تضرر به أو فوَّت به حقًّا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم (2/ 816/ 1159)، كلاهما من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما بلفظ: ((أحب الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)). [5] أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الجمعة، باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل (2/ 52/ 1142)، ومسلم في صحيحه، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: ما روي فيمن نام الليل أجمع حتى أصبح (1/ 538/ 776) كلاهما من حديث عمرو بن عبدالله بن العاص رضي الله عنه.
العبث الوجودي!
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
16-01-2019
8,647
https://www.alukah.net//culture/0/132113/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%88%d8%af%d9%8a/
العبث الوجودي! من العبَث الروحي - في عمومه - السَّعي إلى اكتناه الوجود، وما سمِّي لدى الفلاسفة بعبث الوجود، وهذا مفهوم أدَّى إليه عدمُ إدراك الوجود؛ فذهب الباحثون عن الحكمة إلى مفهومات شتَّى، كلها تدخل في مفهوم العبث، وإنْ بدا على بعضها قدر من العقلانية، التي تترجم قدرات عقلية ذاتية محدودة بالمكان والزمان والعقل نفسه، إلا أنَّها محاولات جادَّة، مع أنَّها أدَّت في النهاية إلى مفهوم العبَث في نتيجتها، ويقول لنا المناطقة: إنَّ النتيجة القائمة على مقدِّمة خاطئة تكون هي - بدورها - خاطئة، وينبني عليها سلوكيات خاطئة. البحث عن الحكمة أمرٌ مشروع، وهي ضالَّة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق بها، والله تعالى ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]، والذي ظهر للعالم - قديمه وحديثه - أنَّه بدَت هناك مبالَغات في طلب الحِكمة، منذ اليونان والرومان إلى يومنا هذا، وظهر من يحمل بيده مصباحًا في وضح النهار يبحث عن الحكْمة. في سبيل البحث عنها ربَّما خرج المرء المفكِّر العبقري عن المألوف، وأطلَق نظريات حول الوجود؛ لأنَّه لا يعلم حقيقة الوجود، أو لأنَّه يتجاهل حقيقة الوجود، ولا اعتبار للفريق الثاني الذي يريد أنْ يتجاهل حقيقة الوجود. من منطلقنا نحن المسلمين أنَّنا ندرك حقيقة الوجود، ولا نحتاج في معرفته إلى التنظير، ولا إلى المصابيح في وضح النهار، وندرك أنَّه وجود من موجِد، والذي أوجده أقوى منه، فهو القادر وحده على الإيجاد من العدم، وهو القادر وحده على العدم بعد الوجود، لا سيما أنَّنا نوقن - تمامًا - أنَّ الوجود المتمثِّل في الحياة الدنيا مؤقَّت وزائل، والوجود المتمثِّل في الحياة الآخرة دائم مستمرٌّ، وبالتالي فإنَّنا - نحن المسلمين - نعمل للوجودَين؛ المؤقَّت والدائم، ولا نغلِّب أحدهما على الآخر، إلَّا ما يحصل من رغبات ذاتية لدى أفراد آثروا تغليبَ السَّعي على الوجود الدائم، ليس على حساب الوجود الزائل، ولكنه مجرَّد تغليب. لأنَّنا كُفينا معرفة حقيقة الوجود؛ بالنصوص الشرعية من القرآن والسنة، رأى بعض علمائنا أنَّ البحث في الوجود إنَّما يدخل في مفهوم العبَث، حتى لكأنَّك تعلم أنَّ واحدًا مضافًا إلى مثله يساوي اثنين، ولكنك تظل مع هذا تبحث عن النتيجة؛ لأنك تريد أنْ تتوقَّع أنَّها قد تساوي واحدًا ونصفًا أو اثنين ونصفًا أو ثلاثة...، وهكذا، وإنَّما يقال ذلك ضربًا بالمثل، تريد منه أنْ تشكِّك مَن تخاطبه في حقيقة ثابتة لديه، على طريقة بعض الفلاسفة؛ من أمثال الفيلسوف الفيزيائي الرياضي ديكارت (1590 - 1650م)، الذي اعتمد مفهوم الشكِّ المنهجي، وتحديد منطق الرأي الواضح الصريح المبني على الحدس والاستنتاج [1] . تبع هذا أنْ كره بعضُ علمائنا الفلسفة، ونفروا منها، ونفَّروا الناس منها، عندما رأوا أن الحاجة إليها ليست قائمة، وأنَّ في النصوص ما يوصل إلى الحكمة، مما لا يُحتاج معه إلى الفلسفة، ومع هذا وجد بيننا - في ماضينا وحاضرنا - من تأثَّر بالفلسفة اليونانية، ولمع منهم نجومٌ في تاريخ التراث الإسلامي [2] ، وظهر كذلك مَن سعى إلى الردِّ على الفلاسفة، وسمَّى جهودهم بالتهافُت [3] ، فظهر منا من ردَّ عليه، وسمَّى جهوده في ذلك تهافُت التهافُت [4] . لا تزال طروحاتهم التي طرحوها مجال دراسة في الشرق والغرب، واشتهروا على أنَّهم باحثون عن الحِكمة، في مجتمعات لا تزال تبحث عن الحكمة، فكان لهم صدًى في تلك المجتمعات أكثر من الصَّدى في المجتمعات التي أدركَت مصادر الحكمة، فكان الرازي والكندي، وابن سينا وابن رشد، وابن خلدون والخوارزمي ، وغيرهم من العلماء الموسوعيين، الذين كانت الفلسفة من اهتماماتهم، ولم تكن هي وحدها اهتماماتهم، ولا تنتهي هذه الوقفة دون التعريج على جهود الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر (1905 - 1980م)، في معرفة الوجود، حتى أضحى من روَّاد الوجودية المعاصرين، مما يدخل - كذلك - في مفهوم البحث عن حقيقة الوجود [5] . [1] انظر : المنجد في اللغة والأعلام - ط 23 - بيروت: دار المشرق، 1998م - ص (254)، الأعلام. [2] انظر: عبدالحليم محمود: موقف الإسلام من الفنِّ والعلم والفلسفة - القاهرة: دار الرشاد، 2003م - 262 ص. [3] انظر: محمد الغزالي، أبا حامد: تهافت الفلاسفة / تقديم وضبط وتعليق جيرار جهامي - بيروت: دار الفكر اللبناني، 1993م - 231 ص، وانظر أيضًا الكتاب بتحقيق سليمان دنيا - ط 7 - القاهرة: دار المعارف، 1987م - 371 ص. [4] انظر: محمد بن رشد، أبا الوليد : تهافُت التهافُت ، تحقيق: سليمان دنيا - ط 4 - 2 مج - القاهرة: دار المعارف، 1999م - 1006 ص. [5] جان بول سارتر، فيلسوف وناقد فرنسي، من روَّاد الوجودية المتشائمة، قال: إنَّ الإنسان مطلق الحرِّية في الاختيار، ثم مال إلى بعض مبادئ كارل ماركس، فاز بجائزة نوبل سنة 1384هـ/ 1964م، لكنه رفضها، انظر: المنجد في اللغة والأعلام - مرجع سابق - ص (285)، الأعلام.
رحمة للعالمين: مؤلف هام حول سيرة نبي الإسلام
مشتاق عالم الندوي
15-01-2019
8,454
https://www.alukah.net//culture/0/132096/%d8%b1%d8%ad%d9%85%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81-%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
رحمة للعالمين: مؤلف هام حول سيرة نبي الإسلام [1] لقد ألفت إلى الآن ألوف من الكتب في موضوع السيرة النبوية التي تزخر بها المكتبات العالمية والإسلامية عبر العالم، ولا يزال العمل على تأليف الكتب حول موضوعات السيرة متواصلًا، وهي كما قال عنها مارجليوث: " إن السلسلة الذهبية لتأليف الكتب في موضوعات السيرة النبوية لن تنقطع أبدًا، ولا يزال كاتبها يتشرف ويعتز بإسهامه فيها " [2] . وبالفعل لم تنقطع هذه السلسلة قط؛ إذ ما زال المسلمون منذ فجر الإسلام إلى يومنا هذا يعتنون بسيرة نبيِّهم ومختلف جوانبها تأليفًا وتصنيفًا وتحقيقًا ونشرًا، وهم مدفوعون في ذلك بمحبة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ إذ جعله الله قدوة للبشرية، وأعطاه الشفاعة والدرجة الرفيعة، وجعل اتِّباعه من محبته تعالى؛ حيث قال: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، فتسابق المسلمون في إبراز محاسن نبيهم ونشر سيرته العطرة المتمثلة في أقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة حتى أصبحت السيرة أكثر فنون الكتابة تناولًا ونشرًا في العالم كله. كما أن كتابة السيرة النبوية لم تقتصر على لغة دون غيرها؛ بل تكرمت معظم لغات العالم بتناول سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ومن بينها لغة " أردو " التي تحظى بامتلاك بعض أهم وأوثق الكتب في هذا الموضوع، والتي ألَّفها علماء جهابذة من إقليم الهند، والتي لا غنى عنها لباحث ودارس للسيرة النبوية. عن الكتاب "رحمة للعالمين": يعد هذا الكتاب من أشهر المؤلفات في مجال السيرة النبوية باللغة الأردية، وأكثرها قبولًا وتداولًا بين العلماء والباحثين في شبه القارة الهندية، ألفه العلامة القاضي محمد سليمان سلمان المنصور فوري في الربع الأول من القرن العشرين في ثلاثة مجلدات بالحجم المتوسط، ويبلغ عدد صفحاتها إلى ما يقارب ألف صفحة [3] . ويتفرد هذا الكتاب عما سبقه من كتب السيرة بعدة أوجه؛ فهو نتاج جهود مضنية ومثابرة جدية طوال ثلاثة وعشرين عامًا قضاها المؤلف عاكفًا على تأليف هذا الكتاب الفريد لإضافته إلى خزانة كتب السيرة النبوية، كما أنه يتصدر قائمة تلك الكتب في موضوع السيرة التي رُوعيت فيها صحة الحقائق والبيان التي أقر بها كبار الكتاب والعلماء والباحثون، واعتمدوا عليها في كتاباتهم. إنه من الكتب الأولى التي تم تأليفها في موضوع السيرة النبوية باللغة الأردية، واستفاد منه معظم كُتَّاب السيرة الذين أتوا من بعده، وأرادوا تأليف كتاب في هذا الموضوع، ونظرًا إلى ما يحمله الكتاب من مرتبة عظيمة في الأوساط العلمية، أعرب المولوي إن شاء الله خان، رئيس تحرير جريدة " وطن " الشهيرة، الصادرة من مدينة لاهور، وذلك لَمَّا سمِع أن العلامة شبلي النعماني مقبلٌ على تأليف كتاب في السيرة النبوية، عن رأيه قائلًا إنه: "سبق أن ألَّف القاضي سليمان المنصور فوري كتابًا في السيرة، ولم تعد الحاجة إلى تأليف مثله الآن؛ لأنه لا يمكن إضافة شيء ذي قيمة إلى ما أتى به القاضي المنصور فوري" [4] . الكتاب من حيث المحتوى: يقع هذا الكتاب في ثلاثة مجلدات؛ ويبدأ المجلد الأول منه بمقدمة بليغة مسهبة توفر خلفية واضحة عن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يتعرض لبيان سيرة النبي ومسيرته الدعوية وجهوده في نشر الدين وتنفيذ أحكامه بشيء من الشمول والتفصيل، ويحيط هذا المجلد بأهم موضوعات السيرة، وهو كامل في نفسه حتى ولو لم تصدر المجلدات اللاحقة من الكتاب؛ صدر هذا الجزء من الكتاب في عام 1912م. ويبدأ المجلد الثاني بذكر نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى آدم عليه السلام، وبذل المؤلف جهودًا كبيرة في الوصول إلى ذلك مراعيًا في ذلك المنهج العلمي في البحث والتحقيق، وقد ورد في أثناء ذلك بيان لحياة أشخاص مرموقين من قبيلة قريش بالإيجاز، وفيه بيان مفصل عن السرايا والمغازي التي حصلت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم التي يبلغ إجمالي عددها 82. كما أن المؤلف قام بتفنيد الأفكار الخاطئة والمضللة للمستشرقين حول زوجات النبي؛ فقدم سيرة أمهات المؤمنين بالإيجاز، في الباب الخامس ذكر المؤلف أوجه الشبه والمماثلة بين حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وحياة الأنبياء الآخرين، وفي الباب السادس وردت دلائل وموجبات كونه رحمة للعالمين بغاية من الدقة والجمال وفي ضوء ما ورد في الكتب السماوية الأخرى، وفيه رد على ما روَّج المستشرقون من الاتهامات والأفكار المسمومة للنيل من النبي ودين الإسلام؛ صدر هذا الجزء في عام 1918م. أما المجلد الثالث فهو يخص بمميزات وخصائص اختص بها الله النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث ذكرت المعجزات والخصائص في ضوء القرآن الكريم والكتب السابقة والأحاديث، كما ذكرت حالات عدد من الأنبياء الآخرين بالإيجاز، وصدر هذا المجلد بعد مماته، ويتضمن الكتاب في تضاعيفه ردودًا علمية قاطعة على ما ورد من الأفكار الخاطئة والمضللة للمستشرقين وغيرهم تجاه الإسلام ونبيه بحيث ينكشف زيف تلك المزاعم، وتتضح حقائق الإسلام في صورتها الصافية النقية. كما أن اطِّلاع المؤلف على مختلف العلوم والفنون وثقافته الواسعة وشغفه العميق بتاريخ الأمم والأديان وقدرته على مراجعة المصادر والمراجع بلغتها الأصلية؛ كالإنجليزية والهندية والفارسية والأردية والعبرانية تزيد من قيمة الكتاب ومصداقيته. اللغة والأسلوب: تتميز لغة الكتاب بالوضوح والسلامة، واستخدام المفردات المناسبة للموضوع، كما أن أسلوب الكتاب يتميز بالسلاسة وخلوه من الإطناب الممل والإيجاز المقل، وبالرزانة والاحتراس الشديد كأنه ينبع عن قلب نابض مفعم بالإيمان وحب النبي، فينفذ إلى داخل النفوس والقلوب بقوة بيانه السحرية، ويترك تأثيرًا عميقًا في الأذهان، يشعر به المرء طول حياته. أعرب السيد أبو الحسن علي الندوي عن انطباعه حول هذا الكتاب قائلًا: "مرة وقع نظري على اسم كتاب (( رحمة للعالمين )) في قائمة مكتبة شبلي التجارية في لكهنؤ؛ للقاضي محمد سليمان المنصور فوري، ووجدت في نفسي فور قراءة اسمه انجذابًا وشوقًا إليه، فطلبت الكتاب بالبريد، وجاء الكتاب، ولم يكن عند والدتي ما تدفع به ثمن الكتاب، فاعتذرت عن تسلُّم الكتاب، فلجأتُ إلى البكاء وهو ملجأ الأطفال الأخير، والشفيع الذي لا يرد شفاعته، وتطوَّع أحد الأقارب الشيوخ فدفع الثمن حتى تسلَّمت الكتاب، وقرأته في شغف وشوق وانقطاع إليه وتفانٍ فيه، وقلَّما كان لكتاب آخر من التأثير في قلبي وعقلي مثل ما كان لهذا الكتاب، فكان إخلاص المؤلف وإيمانه، وطرازه الخاص في الدعوة والتربية، وبساطة حوادث السيرة وجمالها وتأثيرها الذي نفذ منه إلى جسمي وروحي تيار كهربائي، وأرى أن هذا الكتاب من الكتب التي لها منَّة جسيمة عليَّ، وأنا دائم الترحُّم على المؤلف، والدعاء له بالقبول عند الله تعالى، ورفع الدرجات [5] ، وهو يعتبر هذا الكتاب من أغلى الأشياء عنده، وأقر في قراءته من اللذة التي تستغني عن بيانها الكلمات [6] . ثناء العلماء الآخرين على الكتاب: وقد أثنى عليه عدد كبير من العلماء الكبار من أمثال العلامة سيد سليمان الندوي رحمه الله الذي قال: "لو وقع نظري على الكتاب " رحمة للعالمين " قبل إقدامي على تأليف كتاب " سيرة النبي " لما شعرت بحاجة إلى أن يؤلف كتاب آخر في السيرة" [7] ، وكذلك قال الآخرون مما يدل على ما يحتل الكتاب من منزلة رفيعة في قلوب أهل العلم والعلماء بمحتوياته القيمة وسماته المتميزة، بما في ذلك إضافة موضوعات أخرى جديدة في مجال السيرة النبوية، وبالتزام مؤلفه لأعلى مستوى من التوثيق العلمي. ترجمة حياة المؤلف: هو محمد سليمان بن قاضي أحمد شاه بن قاضي باقي بالله بن قاضي معز الدين أحمد، ولد في عام 1284هــ (1867م) في قرية منصور فور بمديرية باتياله ( ولاية بنجاب ) [8] ، ونشأ في أسرة كانت تتصف بالعلم والورع والتقوى والصدق والإخلاص في سبيل الله، ولها مواقف مشهودة ومآثر محمودة في نشر العلم والدين، عمل جده الأكبر بير محمد بالقضاء في عهد سلاطين المغول بدلهي، وهكذا تلقبت الأسرة بـ" القاضي ". اهتم والده بتربية ابنه تربية دينية؛ فعلَّمه القرآن واللغة العربية، كما أن العلامة تتلمذ على الشيخ العلامة عبدالعزيز، واستفاد منه في اللغة العربية، كما أنه تعلم الفارسية من منشي سكهن لال، الذي كان يدرِّس الفارسية في كلية ماهندرا في بتياله ( ولاية بنجاب ). حصل القاضي المنصور فوري على درجة منشي فاضل من نفس الكلية في عام 1884، وفاق زملاءه، وحاز المرتبة الأولى بين طلاب الكلية؛ مما أكسبه سمعة طيبة على مستوى المنطقة، توظف في دائرة التعليم الرسمية وهو ما زال فتى لم يناهز 17 سنة، وارتقى في وظيفته وعمل بالقضاء حتى استقال منه عام 1924م. كان رحمه الله عالِمًا جليلًا متبحِّرًا في عدد من اللغات العالمية الحية؛ مثل: الأردية والفارسية والعربية والهندية والإنجليزية والعبرانية وما إلى ذلك، كما أنه كان متضلعًا من أكثر العلوم الإسلامية والعصرية؛ كالتفسير والحديث والفقه والتاريخ ومقارنة الأديان والمناظرة، وعارفًا بتاريخ الأمم والأديان، كان كاتبًا بارعًا وخطيبًا مفوهًا وشاعرًا موهوبًا في لغتي الفارسية والأردية، وقد أثبت علوَّ كعبه في كثير من العلوم الشرعية التي جعلها القاضي مسرحًا لأعماله، وأقر به الكثير من أقرانه ومعاصروه. ونتمثل في هذا المقام ما قاله العلامة السيد سليمان الندوي رحمه الله في شأنه إنه: "كان العلامة المنصور فوري جامعًا بين العلم والعمل، والزهد، والفضل والورع، متمتعًا بتوقُّد الخاطر ووفور العقل، معتدلًا في نظرته إلى القديم والجديد، ذا بصيرة تامة وإدراك واسع باللغة العربية وعلوم الدين، مُطَّلِعًا على الأديان اطِّلاع الناقد البصير الخبير، راغبًا في الحوار مع غير المسلمين، ملتزمًا بالرزانة والوقار في المناظرات مع أصحاب الديانات والفرق، وكان يحترم كثيرًا الأئمة والمجتهدين ويُقدِّر جهودهم وأعمالهم العلمية" [9] ، فهذه شهادة من أحد معاصريه الذي كان له باع طويل في شتى ميادين العلم والمعرفة والثقافة والبحث والتحقيق. مؤلفات القاضي المنصور فوري: ألف القاضي المنصور فوري حوالي 80 كتابًا في مختلف المواضيع الإسلامية، وأثرى المكتبة الإسلامية بمؤلفاته القيمة التي لا تزال موضع إعجاب الباحثين والمتخصصين وأهل العلم، ويعتبر كتاب "رحمة للعالمين" من أشهر تلك المؤلفات التي ترجمت إلى عدة لغات حية، توسع بها نطاق الاستفادة منه، وتكاثر عدد المراجعين له من الدارسين والباحثين في جميع أنحاء العالم. الترجمة العربية لكتاب "رحمة للعالمين": تتوفر ترجمتان عربيتان لهذا الكتاب؛ قام بأولهما الدكتور مقتدى حسن ياسين الأزهري، واشترك معه الأستاذ عبدالسلام عين الحق السلفي في إكمال الجزء الثاني من الكتاب، وعنيت الدار السلفية، بومباي ( الهند ) بترجمة ونشر هذا الكتاب المترجم إلى العربية، والتزمت بإصداره في حلة قشيبة رائعة لأول مرة في عام 1989، وأخرى هاتين الترجمتين قام بها الأستاذ سمير عبدالحميد إبراهيم، أستاذ بجامعة الأمام محمد بن سعود؛ ولكن ترجمة الأخير استفادت كثيرًا من ترجمة الدكتور الأزهري حسب مضمون كلامه [10] . اسم الكتاب المترجم إلى العربية هو نفس اسم الكتاب بالأردية " رحمة للعالمين "، أما أهمية الترجمة العربية فهي تتمثل في إثرائها للمكتبة العربية الإسلامية بكتاب فريد في مجال السيرة النبوية، وله من المميزات والخصائص ما ذكرناه أعلاه، وبهذه الترجمة لم تعد الاستفادة من الكتاب حصرًا على من كان له إلمام باللغة الأردية؛ بل توسع نطاقه بشكل كبير، وتكاثر عدد من استفاد من الكتاب، وراجعه من الكُتَّاب والباحثين العرب كما يظهر ذلك من الاقتباسات والإحالات التي وردت في هذا الكتاب في الكتب العربية الكثيرة ذات العلاقة. أما مؤلفاته الأخرى الشهيرة فهي كالآتي: • سفرنامه حجاز (تاريخ الحرمين). • تاريخ الحرمين. • الجمال والكمال (تفسير سورة يوسف). • أصحاب بدر. • تأييد الإسلام (في رد القاديانية). • غاية المرام (أيضًا في رد القاديانية). • مهر النبوة (كتاب في السيرة النبوية للأطفال). • تبيان الإسلام. وتوفي رحمه الله في يوم الجمعة المصادف 30 مايو عام 1930 على متن الباخرة في أثناء عودته من سفر الحج قرب يلملم داخل حدود الحرم، وأم صلاة جنازته سيد محمد إسماعيل الغزنوي، ثم تم تسليم جثمانه للبحر [11] . [1] مشتاق عالم الندوي: باحث في قسم اللغة العربية وآدابها: الجامعة الملية الإسلامية، نيودلهي. [2] مرجليوث؛ ديفيد صمويل؛ محمد صلى الله عليه وسلم ونهضة الإسلام، لندن، 1905، مقدمة الكتاب، ص .1. [3] من مطبوعات "مطبعة اعتقاد" دلهي، الهند، عام 1981. [4] انظر المقالة: قاضي محمد سلیمان منصور فوري اور ان کی کتب سیرت؛ لمحمد ساجد صديقي: جريدة "الواقعة"، كراتشي، العدد (5/6)، أغسطس-سبتمبر 2012. [5] الندوي، أبو الحسن علي، في مسيرة الحياة، دمشق: دار القلم، ط/1، عام 1987. [6] انظر : "شخصيات وكتب" للم ؤلف نفسه، الصفحات 139-145 (الجزء "الكتب التي عشت فيها" من الكتاب)، دمشق: دار القلم، ط/1 عام 1990. [7] محمد أسلم، قاضي، تحریک ا ہ ل حدیث تاریخ ک ے آئين ے میں ، نيودلهي: الکتاب انٹرنیشنل، ص 399 [8] بهتي، محمد إسحاق، تذکر ہ قاضي محمد سلیمان منصور فوري ، نيودلهي: الکتاب انٹرنیشنل، ص 65، [9] یاد رفتگاں (ذكرى المرتحلين)، ص 106 بالأردية، نقلًا عن: رحمة للعالمين، ترجمة الدكتور الأزهري. [10] انظر: "رحمة للعالمين"، تأليف: محمد سليمان سلمان المنصور فوري، القاضي؛ ترجمة: إبراهيم سمير عبدالحميد، الناشر: دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، السعودية، ط/1، 1995، مقدمة المترجم ص 7-8. [11] انظر: بهتي، محمد إسحاق، بر صغیر کے اہل حدیث خدام قرآن، مكتبة قدوسية، لاهور – باكستان، صفحة 583.
مسلمة الفتح والمؤلفة قلوبهم من الصحابة رضي الله عنهم (PDF)
د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان
15-01-2019
7,043
https://www.alukah.net//culture/0/132077/%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d8%ad-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81%d8%a9-%d9%82%d9%84%d9%88%d8%a8%d9%87%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87%d9%85-PDF/
♦ عنوان الكتاب: مسلمة الفتح والمؤلفة قلوبهم من الصحابة رضي الله عنهم . ♦ المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان ♦ عدد الصفحات: 120. قرابة 300 ترجمة في ذكر الصحابة من مسلمة الفتح والمؤلفة قلوبهم، موثقة من كتب التراجم والسيرة والتاريخ، وقد اجتهد الكاتب في استنباط من لم يكن منصوصًا عليه من خلال قراءة سيرته.
دفاع عن الإمام الكسائي
د. إسلام بن نصر الأزهري
14-01-2019
17,316
https://www.alukah.net//culture/0/132059/%d8%af%d9%81%d8%a7%d8%b9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%8a/
دفاع عن الإمام الكسائي نعوذ بالله من تحاسُد الأقران أن نُبتلى به، فنرمي غيرَنا بسوء، أو يرمينا غيرُنا بسوء. الإمام الكسائي الكوفي (المتوفَّى سنة 189هـ)، هو أبو الحسن علي بن حمزة بن عبدالله بن بَهْمَنْ بن فيروز الأسدي، ولُقِّب بالكسائي؛ لإحرامه في كساء. قرأ على حمزة بن حبيب الزَّيات، وأقرأ ببغداد بقراءته زمانًا، ثم اختار لنفسه قراءة فأقرأ بها النَّاس، وحُفظت عنه، وقرأ عليه خَلْقٌ كثيرٌ ببغداد وبالرقة وغيرهما من البلاد، ومنهم: راوياه: أبو الحارث الليث بن خالد البغدادي المقرئ، (المتوفَّى عام 240هـ)، وأبو عمرو حفص بن عمر بن عبدالعزيز بن صهبان الأزدي الدوري، (المتوفَّى عام 246هـ)، وسمع من سليمان بن أرقم، وأبي بكر بن عيَّاش، ومحمد بن عبيد اللَّه العرزمي، وسفيان بن عيينة، وغيرهم. ومن تلامذته الذين تخرجوا على يديه: أبو زكريا الفرَّاء، وأبو عبيد القاسم بْن سلام وغيرهما. مات الكسائي ومحمد بْن الحسن الشيباني فِي سنة اثنتين وثمانين ومائة، فرثاهما اليزيدي، فقال: تَصَرَّمت الدُّنيا فليس خلود وما قد ترى من بهجة سيبيد سيفنيك ما أفنى القرونَ الَّتي مضت فكن مستعدًّا فالفناء عتيد أسيت على قاضي القضاة محمدٍ فأذريت دمعي والفؤاد عميد وقلت إذا ما الخطب أشكل من لنا بإيضاحه يومًا وأنت فقيد وأوجعني موت الكسائيِّ بعده وكادت بي الأرض الفضاء تميد وأذهلني عن كلِّ عيش ولذَّة وأرَّق عيني والعيون هجود هما عالمانا أوديا وتخرَّما وما لهما في العالمين نديد كان الإمام الكسائي أحدَ القُرَّاء العشرة الذين طَوَّقوا بجميلِهم أعناقَ القُرَّاء بعدهم، بما حفظوا لهم من الأحرف المتواترة التي نزل بها القرآن الكريم. • قال ابن مجاهد: «كان الكسائيُّ إمام النَّاس في القراءة في عصره، وكان يأخذ النَّاسُ عنه ألفاظَه بقراءته عليهم». وكان إمام مدرسة السَّعَة في علوم العربية؛ المدرسة الكوفيَّة، وما ظنُّك برجل غلامُه الفرَّاء؟! قال الشَّافعي: «من أراد أن يتبحَّر في النَّحو فهو عيال على الكسائيِّ». وقال الفرَّاء: «ناظرت الكسائيَّ، فكأنِّي كنت طائرًا أشرب من بحر». وقال إسحاق الموصليُّ: «ما رأيت أعلم بالنَّحْو قطُّ منه، ولا أحسن تفسيرًا، ولا أحذق بالمسائل... المسألة تُشَقُّ من المسألة، والمسألة تدخل على المسألة». ويذكر ابن الأنباريِّ أنَّه قد اجتمع فيه ما لم يجتمع في غيره، فكان واحدَ النَّاس في القرآن، وأعلمَهم بالنَّحو، وأوحدهم في الغريب. • جاء أميرٌ كوفيٌّ، عاملًا على البصرة، فجمع علماء من شتَّى الفنون، وسألهم عدَّة أسئلة، في تخصُّصات متعدِّدة - في الفقه والحديث واللُّغة والنَّحْو والأدب والبلاغة - فلم يُتقنوا الجوابَ، واعتذر كلُّ واحد منهم بأنَّ السؤال الذي وُجِّه إليه ليس من تخصُّصه! فقال الأميرُ: ما أقبح الرجل يتعاطى العلم خمسين سنةً، لا يعرف إلا فنًّا واحدًا! فإذا سُئل عن غيره لم يُجب! ولكنَّ عالمنا بالكوفة الكسائيَّ، لو سُئل عن كلِّ هذا لأجاب. وكان فاضلًا، عظيم القدر، صادق اللَّهْجة؛ قال يحيى بن معين: «ما رأيت بعينيَّ هاتين أصدق لهجةً من الكسائيِّ»، وقال الخطيب البغداديُّ: «كان عظيم القدر في دينه وفضله». وكان ثقة مأمونًا، يأنف من الكذب؛ قال للفراء: «قطع الله لساني إن قلتُ ما لا أعلم». وكان سخيًّا جميل الأخلاق، متواضعًا، يقضي حاجتَه بنفسه. • افْتَرَى حُسَّادُه عليه، وأشاعوا أنَّه كان يشرب الخمر وغير ذلك! وقد ذكر ذلك في بعض تراجمه، وهذا باطل دافِعُهُ: حسدُ الأقران، وتطاوُلُ الأقزام، فقد كانوا كثيرًا ما يغتابونه، ويقعون فيه؛ لِسَعةِ علمه، وقربه من هارون الرشيد، وحظوته عنده، لا سيَّما أنَّه لم يكن له زوجة ولا جارية، فكان مظِنَّة الحسد، وغرضَ الحُسَّاد، ولم يكتفِ حُسَّادُه بهذا؛ بل طعنوا عليه في علمه. ويدلُّ على أن ما أشيع عنه من كذا وكذا إفكٌ وكذبٌ، أمور : الأوَّل: أن الذي ذكر هذه الرِّواية، ذكرها بصيغة التَّمريض: «حُكِيَ» الدَّالَّة على مرض الرِّواية، وأنَّها فريةٌ لا تثبتُ. الثَّاني: أن ابن أبي حاتم (المتوفَّى عام 327هـ)، والخطيب البغداديَّ (المتوفَّى عام 463هـ)، وابن الأنباريِّ (المتوفَّى عام 577هـ) والذَّهبيَّ (المتوفى عام 748هـ)... وغيرهم - قد ترجموه، وأكثروا من الثَّناء عليه، ولم يذكروا قالةَ السُّوء المصنوعةَ تلك؛ لعلمهم بقرائن الأحوال الدَّالَّة على كذبها. الثَّالث: أنَّ مثل هذا الذي اتَّهموه به بين العامَّة من الأمور التي تتوافر الدَّواعي على نقلها، فلو كانت ثابتة، لاستفاضت شهرةً وذياعةً، لا سيَّما مع إمام مشهور كالكسائيِّ الذي كان غرضًا لسهام أعدائه. وأوَّل من تكلَّم بهذه الفرية: ابنُ الأعرابيِّ، وكان بينه وبين الكسائي خصومةٌ (والظَّنُّ - وأرجو أن يكون صادقًا - أنه لم يختلقها هو؛ بل نقلها على سبيل الحكاية بدافع الخصومة عن بعض العامَّة) ، ونقَلَها ياقوتُ الحمويُّ عن أحمد الخزَّاز وحده بصيغة التَّمريض، ونقلها مَنْ بَعْدَ ياقوت عنه، وهذه دلائلُ بُطلانِها. الرَّابع: سيرةُ الكسائي العطرة، ومسيرته العلمية والتربوية التي شهد بها القاصي والدَّاني والتي لا يَتصوَّر أحدٌ بعد الاطِّلاع عليها، أن يُثبت ذلك عليه - تدلُّ على فسادها. الخامسُ: أنه كان مؤدِّبَ الرَّشيد - وناهيك به علمًا وخُلُقًا وتقوى وغيرة على الإسلام - وولديه: الأمين والمأمون، وكان الرَّشيد يُحَكِّمُه في المنازعات العلميَّة؛ ثقةً منه بعلمه. ولما مات الكسائيُّ قال الرشيدُ: اليوم دفنت الفقه والعربيَّة بالرَّيِّ، وهل يُظنُّ بمؤدِّب الرَّشيد وولديه أن يكون كذلك ويسكت عنه الخليفة؟! السَّادس: أن المحدِّثين - وهم لا يُوَثِّقون من ثُلِمت عدالتُه بفسقٍ أو خارم للمروءة - قد وَثَّقُوهُ، ومرَّ بنا قول يحيى بن معين، وابن حِبَّان: مستقيمُ الحديث، وذكره ابن قُطلوبغا في الثِّقات. السَّابع: أنَّ هذه الفرية وغيرها، هي التي أشار بها اليزيديُّ إلى الكسائيِّ في وليمة جمعتهما عند خلف بن هشام البزَّار؛ حيث قال له اليزيديُّ: «أمورٌ بلغتنا عنك ننكر بعضَها!» فغضب الكسائيُّ غضبًا شديدًا، وقال له: "أوَمثلي يُخاطَب بهذا؟!"... إلى آخر الخبر. الثَّامن: أنَّه كان يُعلِّم الصبيانَ القرآنَ، وكان النَّاس يتكاثرون عليه، ويدفعون صبيانَهم إليه، فلو كان كذلك لمنعوا صبيانهم، أو لرفعوا أمره إلى الخليفة، لا سيَّما وقد كان العلماءُ يحمون عرين العلم أن يدخله أربابُ الفساد والإفساد. التَّاسع: كتب الله عز وجل أنَّ من عاش للقرآن عاش كبيرًا، ومات كبيرًا، وبُعِث على رؤوس الناس يوم القيامة كبيرًا، ولا يصطفي الله لكتابه - مُتعلِّمًا ومُعلِّمًا -إلا من طهُر قلبُه، وسلمت جوارحه، وكان الكسائيُّ قامةً من قاماتهم الذين اصطفاهم الله عز وجل؛ ليكونوا من أسباب حفظ الوحي الشَّريف. العاشر: أن الله سبحانه قد خلَّد ذكره في العالمين، وجعل له لسان الصِّدق في الآخِرين، واصطفاه لحفظ حروف نزل القرآن الكريم بها، فكان أجرُه غيرَ ممنون، كلُّ من قرأ القرآن بحرفه الذي اختاره، عاد الأجر إليه كاملًا، وهل يصطفي ربُّنا لحفظ كتابه من فسدت أخلاقه؟! ثم يُخَلَّد ذِكْرُه! الحادي عشر: قال أبو جعفر: كان رجلٌ يجيئنا فيغتاب الكسائيَّ، ويتكلَّم فيه، فكنت أنهاه، فما كان ينزجر، فجاءني بعد أيام، فقال لي: يا أبا جعفر، رأيتُ الكسائيَّ في النوم أبيضَ الوجه، فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بالقرآن، إلا أني رأيت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: لي: أنت الكسائي؟ فقلت: نعم يا رسول اللَّه، قَالَ: اقرأ، قلت: وما أقرأ يا رسول اللَّه؟ قَالَ: اقرأ: ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا ﴾ [الصافات: 1]، قَالَ: فقرأت: ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ ﴾ [الصافات: 1 -4]، فضرب بيده كتفي، وقال: لأُباهينَّ بك الملائكة غدًا. ورأى رجلٌ الكسائيَّ في المنام كأنَّ وجهه البدرُ، فقال له: ما فعل ربُّك بك؟ قال: غفر لي بالقرآن، فقال: فما فعل بحمزة؟ قال: ذاك في عِلِّيِّين، ما نراه إلَّا كما يُرى الكوكبُ. وقد تواترت الرُّؤى التي رُؤيت له على هذا الحال، رضي الله عن سيِّدنا الكسائيِّ، وقطع دابر من مسَّ بسوءٍ أهلَ القرآن. اللهمَّ طهِّر ألسنتنا وقلوبنا، واحفظنا أن نؤذِي أو نُؤذَى.
تعطيل الانتفاع بكتب الشيوخ
د. محمد بن حميد العوفي
12-01-2019
3,428
https://www.alukah.net//culture/0/131998/%d8%aa%d8%b9%d8%b7%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%b9-%d8%a8%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d9%88%d8%ae/
تعطيل الانتفاع بكتب الشيوخ الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد: فهذا مبحث لطيف في تعطيل التلاميذ الانتفاع بكتب شيوخهم. وقد جاء المبحث في ثلاثة مطالب وخاتمة. المطلب الأول: حَبْس كتب الشيخ. قال السخاوي (ت902هـ) - في ترجمة ابن الغرس (ت888هـ) وحَبْسه تصانيف شيخه ابن ناصر الدين (ت842هـ) -: "عنده من الكتب والأجزاء وتصانيف شيخه مالم ينتفع به، بل وعطل على غيره الانتفاع بها لعدم سماحه بعاريتها حسبما استفيض عنه" [1] . المطلب الثاني: عدم العناية بضبط وتصحيح كتاب الشيخ. قال ابن القيم (ت751هـ): "قال شيخنا أبو الحجاج الحافظ المزي: ... كتاب ابن ماجه إنما تداولته شيوخ لم يعتنوا به، بخلاف صحيحي البخاري ومسلم؛ فإن الحفاظ تداولوهما واعتنوا بضبطهما وتصحيحهما؛ قال: ولذلك وقع فيه أغلاط وتصحيف" [2] . المطلب الثالث: تبديد تعليقات الشيخ على الكتب. قال المحبي (ت1111هـ) في الشَّبْرامَلِّسي (ت1087هـ): "كان يكتب على جميع ما يقرؤه من الكتب، ولو جمع ما كتبه لجاوز الحَدَّ؛ ولكنه تبدَّد بين يدي طلبته، فمنهم من نسب ما بيده له، ومنهم من مات وذهب ما كتبه" [3] . الخاتمة: وبعد؛ فهذه أبرز نتائج البحث: 1- تعطيل بعض التلاميذ انتفاع غيرهم من كتب شيوخهم بحبسها وعدم عاريتها. 2- من التعطيل عدم عناية التلاميذ بضبط وتصحيح كتاب شيخهم. 3- نسبة بعض التلاميذ تعليقات شيوخهم على الكتب التي آلت إليهم إلى أنفسهم. والحمد لله على مَنِّه وبلوغ التمام. [1] الضوء اللامع: 1 /13. [2] زاد المعاد: 1 /420. [3] خلاصة الأثر: 3 /176.
عبدالله بن عمرو بن العاص
الشيخ صلاح نجيب الدق
01-01-2019
92,144
https://www.alukah.net//culture/0/131781/%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b5/
عبدالله بن عمرو بن العاص الحمد لله، الذي وسع كل شيء رحمةً وعلمـًا، وأسبغ على عباده نعمـًا لا تُعَدُّ ولا تُحصى، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومُبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أحد أصحاب نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذين مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز، وأثنى عليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة، فأحببت أن أُذكِّر نفسي وأحبَّائي طلاب العلم الكِرام بشيء من سيرته العطرة، لعلَّنا نسير على ضوئها، فنسعد في الدنيا والآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: اسمه ونسبه: هو: عبدالله بن عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي السهمي، وكان أصغر من أبيه باثنتي عشرة سنة. وكنيته: أبو محمد، وأمه: هي ريطة بنت الحجاج بن منبه السهمية؛ (أسد الغابة؛ لابن الأثير، جـ 3، صـ 244). إسلام عبدالله بن عمرو: أسلم قبل أبيه، وهاجر إلى المدينة؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ 1، صـ 655). روى عبدالله بن عمرو سبعمائة حديث، اتفق له الشيخان على سبعة أحاديث، وانفرد البخاري بثمانية، ومسلم بعشرين، وحمل عن النبي صلى الله عليه وسلم علمًا جمًّا، وله مقام راسخ في العلم والعمل؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ 3، صـ 80). روى البخاري عن أبي هريرة قال: ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثًا عنه مني، إلا ما كان من عبدالله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب؛ (البخاري، حديث:113). روى أبو داود عن عبدالله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشرٌ يتكلَّم في الغضب والرضا، فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بأصبعه إلى فيه، فقال: ((اكتب؛ فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث 3099). الصحيفة الصادقة: قال مجاهد: رأيت عند عبدالله بن عمرو بن العاص صحيفة فسألت عنها، فقال: هذه الصادقة، فيها ما سمِعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه فيها أحد؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ 4صـ198) عبادة عبد الله بن عمرو: (1) روى الشيخان عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: كنت أصوم الدهر، وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإمَّا ذُكِرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإمَّا أرسل إليَّ فأتيتُه، فقال لي: ((ألم أُخبر أنك تصوم الدهر، وتقرأ القرآن كل ليلة؟))، فقلت: بلى يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير، قال: ((فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام))، قلت: يا نبي الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزَوْرِكَ عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا))، قال: ((فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أعْبَدَ الناس))، قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟ قال: ((كان يصوم يومًا، ويفطر يومًا)) قال: ((واقرأ القرآن في كل شهر))، قال قلت: يا نبي الله، إني أُطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشرين))، قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل عشر))، قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك، قال: ((فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك؛ فإن لزوجك عليك حقًّا، ولزورك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا))، قال: فشدَّدْتُ فشدَّدَ عليَّ، قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنك لا تدري، لعلك يطول بك عمر))، قال: فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبِرت وَدِدْتُ أني كنت قبلت رخصةَ نبي الله صلى الله عليه وسلم؛ (البخاري، حديث:1975/مسلم حديث:1159). (2) روى أحمد عن عبدالله بن عمرو، قال: زوجني أبي امرأةً من قريش، فلما دخلت عليَّ جعلتُ لا أنحاش لها مما بي من القوة على العبادة من الصوم والصلاة، فجاء عمرو بن العاص إلى كَنَّته حتى دخل عليها، فقال لها: كيف وجدت بَعْلَك، قالت: خير الرجال أو كخير البعولة، من رجل لم يفتِّش لنا كَنَفًا (الكنف: الجانب، أرادت أنه لم يقربها) ولم يعرف لنا فراشًا، فأقبل عليَّ فعَذَمني وعضَّني بلسانه، فقال: أنكحتُكَ امرأةً من قريش ذات حسب فَعَضَلْتها، وفعلت وفعلت، ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكاني، فأرسل إليَّ النبي صلى الله عليه وسلم فأتيتُه، فقال لي: ((أتصوم النهار؟)) قلت: نعم، قال: ((وتقوم الليل؟)) قلت: نعم، قال: ((لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأمس النساء؛ فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني))؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ 13، صـ 266، حديث:6188). (3) قال مجاهد وكان عبدالله بن عمرو حين ضعف وكبر يصوم الأيام كذلك، يصل بعضها إلى بعض؛ ليتقوَّى بذلك، ثم يفطر بعد ذلك الأيام، قال: وكان يقرأ من أحزابه كذلك، يزيد أحيانًا، وينقص أحيانًا غير أنه يوفي به العدة، إما في سبع، وإما في ثلاث، ثم كان يقول بعد ذلك: لأن أكون قبلت رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ مما عدل به أو عدل؛ لكني فارقته على أمر أكره أن أخالفه إلى غيره؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ286). (4) قال يعلى بن عطاء بن أبي رباح: كان عبدالله بن عمرو يكثر من البكاء، ويغلق عليه بابه، ويبكي حتى رمصت عيناه (ما يجتمع في زوايا الأجفان من رطوبة العين)؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ290). (5) قال عبدالله بن عمرو بن العاص: لخير أعمله اليوم أحبُّ إليَّ من مثليه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهمُّنا الآخرة، ولا تهمُّنا الدنيا، وأن اليوم قد مالت بنا الدنيا؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ287). حرص عبدالله بن عمرو على أن يكون من أهل الجنة: روى أحمد عن أنس بن مالك، قال: كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة)) فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد تعلق نعليه في يده الشمال، فلما كان الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث، قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم، تبعَه عبدالله بن عمرو بن العاص، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت ألَّا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: وكان عبدالله يحدث أنه بات معه تلك الليالي الثلاث، فلم يره يقوم من الليل شيئًا، غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله عز وجل وكبَّر حتى يقوم لصلاة الفجر، قال عبدالله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث ليال، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبدالله، إني لم يكن بيني وبين أبي غضب، ولا هجر ثم؛ ولكن سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار: ((يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة))، فطلعت أنت الثلاث مرار، فأردتُ أن آوي إليك؛ لأنظر ما عملك، فأقتدي به، فلم أرك تعمل كثيرَ عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هو إلا ما رأيت، قال: فلما وليت، دعاني، فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًّا ولا أحسد أحدًا على خيرٍ أعطاه الله إيَّاه، فقال عبدالله: هذه التي بلغت بك، وهي التي لا نطيق؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ 20، صـ124: 125، حديث:12696). كرم عبدالله بن عمرو: قال سليمان بن ربيعة حدَّثه أنه حجَّ في إمرة معاوية ومعه المنتصر بن الحارث الضبي في عصابة من قرَّاء أهل البصرة، فقالوا: والله، لا نرجع حتى نلقى رجلًا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مرضيًّا يُحدِّثنا بحديث، فلم نزل نسأل حتى حُدِّثنا أن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه نازِلٌ في أسفل مكة، فعمدنا إليه، فإذا نحن بثقل عظيم يرتحلون ثلاثمائة راحلة منها مائة راحلة ومائتا زاملة (البعير القوي)، قلنا: لمن هذا الثقل؟ فقالوا: لعبدالله بن عمرو، فقلنا: أكل هذا له؟ وكنا نحدث أنه من أشد الناس تواضُعًا، فقالوا: أما هذه المائة راحلة فلإخوانه يحملهم عليها، وأما المائتان فلمن نزل عليه من أهل الأمصار له ولأضيافه؛ فعجبنا من ذلك عجبًا شديدًا، فقالوا: لا تعجبوا من هذا، فإن عبدالله بن عمرو رجل غني، وإنه يرى حقًّا عليه أن يكثر من الزاد لمن نزل عليه من الناس، فقلنا: دلونا عليه، فقالوا: إنه في المسجد الحرام، فانطلقنا نطلبه حتى وجدناه في دبر الكعبة جالسًا رجل قصير أرمص (والرمص مما يجتمع في زوايا الأجفان من رطوبة العين) بين بردين وعمامة وليس عليه قميص قد علق نعليه في شماله؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ291). قبس من كلام عبدالله بن عمرو: (1) قال عبدالله بن عمرو: لو تعلمون حق العلم لسجدتم حتى تنقصف ظهوركم، ولصرختم حتى تنقطع أصواتكم، فابكوا فإن لم تجدوا البكاء فتباكوا؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ1، صـ 658). (2) وقال: لأن أدمع دمعة من خشية الله عز وجل أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّقَ بألف دينار؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ1 صـ 658). (3) وقال: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحبُّ إليَّ من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدَّق يمينًا وشمالًا؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني جـ1، صـ288). (4) قال رجل لعبدالله بن عمرو: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال: ألك امرأة تأوي إليها؟ فقال: نعم، قال: أفلك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فلست من فقراء المهاجرين، فإن شئتم أعطيناكم، وإن شئتم ذكرنا أمركم للسلطان، فقال الرجل: نصبر ولا نسأل شيئًا؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ289). (5) قال عبدالله بن عمرو: جلست من رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا، ما جلست منه مجلسًا قبله ولا بعده، فغبطت نفسي فيه، ما غبطت نفسي في ذلك المجلس؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ287). (6) قال عبدالله بن عمرو بن العاص: إن الجنة حرامٌ على كل فاحش أن يدخلها؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ288). (7) قال عبدالله بن عمرو بن العاص: كان يقال: دع ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ288). (8) قال عبدالله بن عمرو بن العاص: من سقى مسلمًا شربة ماء، باعده الله من جهنم شوط فرس (مسافة من الأرض يعدوها الفرس؛ كالميدان ونحوه)؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصفهاني، جـ1، صـ288). وفاة عبدالله بن عمرو: توفي عبدالله بن عمرو بن العاص سنة خمس وستين، وهو يومئذٍ ابن اثنتين وسبعين سنة؛ (الطبقات الكبرى، لابن سعد، جـ 4، صـ203). رحم الله عبدالله بن عمرو بن العاص رحمةً واسعةً، ورضي عنه، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، كما أسأله سبحانه أن ينفع بهذه الرسالة طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أرجوزة تبصرة الأصحاب ممن يزور معرض الكتاب (WORD)
محمد آل رحاب
01-01-2019
6,131
https://www.alukah.net//culture/0/131777/%d8%a3%d8%b1%d8%ac%d9%88%d8%b2%d8%a9-%d8%aa%d8%a8%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8-%d9%85%d9%85%d9%86-%d9%8a%d8%b2%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-WORD/
♦ عنوان الكتاب: أرجوزة تبصرة الأصحاب ممن يزور معرض الكتاب . ♦ المؤلف: محمد آل رحاب. ♦ عدد الصفحات: 41. - أول منظومة في بابها -ولله الحمد- حسَبَ علمي. 9. وَبَعْدُ إِنَّ هَذِهِ أُرْجُوزَهْ نَادِرَةٌ في بَابِهَا وَجِيزَهْ 10. سَمَّيْتُهَا: ((تَبْصِرَةَ الأَصْحَاْبِ مِمَّنْ يَزُوْرُ مَعْرِضَ الكِتَاْبِ)) 11. لِيَغْنَمُوا مِنْ أَعْظَمِ المَغَانِمِ وَيَسْلَمُوا مِنْ حَالِ كُلِّ نَادِمِ
الورقتان في علم الأنساب
د. محمد بن علي بن جميل المطري
30-12-2018
8,238
https://www.alukah.net//culture/0/131724/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b1%d9%82%d8%aa%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a8/
الورقتان في علم الأنساب الحمد لله الذي خلق الناس شعوبًا وقبائل؛ ليتعارفوا، وجعل ميزان التفضيل بين أفرادهم التقوى؛ ليؤمنوا ويعملوا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد عليه الصلاة وأتم التسليم، الذي فضَّله الله على العالمين، وعلى آله وصحبه ومَنِ اتَّبَع هُداه إلى يوم الدين، أما بعدُ: فهذه نبذة يسيرة في علم الأنساب، اختصرتها وهذَّبْتُها للمبتدئين؛ ليسهل حفظها وضبطها، وبدأتها بنسب خير الأولين والآخرين، وأسأل الله أن ينفع بها المسلمين. محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خاتم النبيين، هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصي بن كِلَاب بن مُرَّة بن كعب بن لُؤي بن غالب بن فِهر بن مالك بن النضر بن كِنانة بن خُزيمة بن مدرِكة بن إلياس بن مُضَر بن نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان. وفِهر بن مالك بن النضر هو الملقَّب بقريش، وإليه تجتمع أنساب جميع قبيلة قريش، وعدنان من نسل النبي إسماعيل الملقَّب بالذَّبيح ابن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. ووُلِد لإبراهيم أيضًا إسحاق بعد إسماعيل، ووُلِد لإسحاق يعقوب الملقَّب بإسرائيل، ووُلِد ليعقوب اثنا عشر ابنًا، وهم: يوسف وإخوته الأحد عشر، فالنبي يوسف أكرم الناس نسبًا، فهو نبي ابن نبي ابن نبي ابن إبراهيم الخليل عليهم الصلاة وأتم التسليم. وكان في بني إسرائيل كثير من الأنبياء؛ مثل: موسى وأخيه هارون ابنَي عِمران، وداود وابنه سليمان، وزكريا وابنه يحيى، وعيسى بن مريم بنت عِمران، وعِمران أبو موسى، وهارون غير عِمران أبي مريم، فبينهما دهر طويل. والنبي نوح عليه الصلاة والسلام أول الرسل إلى أهل الأرض، وكان له ثلاثة بنين، جعل الله نسل جميع أهل الأرض منهم؛ وهم: سام، وحام، ويافث. فمِن نسل سام: عاد الذين أرسل الله إليهم نبيه هودًا، وثمود الذين أرسل الله إليهم نبيه صالحًا، والنبي إبراهيم الخليل وجميع ذريته من العرب والإسرائيليين الذين ينتسبون إلى إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم. ومِن نسل حام: القِبط والهند والسودان، والمراد بالسودان: أصحاب البشرة السوداء، وهم قبائل منتشرون في أفريقيا، ومِن نسل يافث: الترك والفرنج واليونان والصين والتتار ويأجوج ومأجوج وغيرهم. واختلف علماء الأنساب في الفُرس؛ فقيل: هم من ذرية يافث، وقيل: من ذرية سام، والله أعلم. والعرب كلهم قسمان: عدنانيون، وقحطانيون؛ فالعدنانيون من ذرية عدنان المذكور في عمود النسب النبوي، وهم ينقسمون إلى قبيلتين عظيمتين هما: مُضَر وربيعة، وهما أخوان، أبوهما نِزار بن مَعَدِّ بن عدنان. فأكثر قبائل الحجاز من مُضَر، وأكثر قبائل نجد وشرق الجزيرة العربية من ربيعة، وقَحْطان من نسل سام بن النبي نوح عليه الصلاة والسلام، وأكثر قبائل اليمن تنتسب إلى سبأ بن يَشجُب بن يَعرُب بن قحطان. ولسبأ ابنان مشهوران هما: حِمْيَر وكَهْلان، ومِن نسل حِمْيَر: أبين ولحج ويافع ووصاب ويريم، ومِن نسل كهلان: الأزد وهمدان ومذحِج وكِندة، ومن نسل كهلان أيضًا: الأوس والخزرج، وهما أخوان، ومن ذريتهما الصحابة الأنصار رضي الله عنهم، ومن نسل كهلان أيضًا: الأشعريون. فهذه نبذة مختصرة في ذكر أعظم القبائل التي تفرَّعت منها قبائل أصغر منها، وإذا أردت معرفة نسب أي قبيلة تفرَّعت من هذه القبائل العظمى، فارجع إلى كتب الأنساب، فإن بحثت مثلًا عن أصل قبيلتَي حاشد وبكيل، فستجد أنهما كانا أخوين، وأنهما من همدان، وهمدان من نسل كهلان بن سبأ، وهكذا. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. أهم المراجع: 1) جمهرة أنساب العرب؛ لابن حزم. 2) عجالة المبتدي في الأنساب؛ للحازمي. 3) اللباب في تهذيب الأنساب؛ لابن الأثير. 4) السيرة النبوية؛ لابن كثير. 5) نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب؛ للقلقشندي. كتبه/ محمد بن علي بن جميل المطري البكيلي الهمداني الكهلاني السبئي القحطاني غفر الله له ولوالديه، ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
مقدمة كتاب الاستفصال في الفتوى: دراسة تأصيلية
د. إسماعيل عبد عباس
30-12-2018
10,325
https://www.alukah.net//culture/0/131715/%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%b5%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d9%88%d9%89-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%a3%d8%b5%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9/
مقدمة كتاب الاستفصال في الفتوى: دراسة تأصيلية الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الميامين، أما بعد: فإنَّ الاستفتاء ضرورة دينية يتحقَّق به الامتثال لأحكام الله عز وجل، وبه يعرف العامي مراد الله تبارك وتعالى في كتابه، ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سُنَّته؛ لهذا فإن الاستفتاء مشروع؛ بل المكلف مأمور بطلب الإجابة عمَّا يشكل عليه من أمور دينه ودنياه بدليل قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، ولما كانت أحكام الاستفتاء كثيرة، اقتصرتُ على ما يتعلَّق بالاستفصال منها، سواء كان الاستفصال صادرًا من المفتي - وهو الأصل- أو من المستفتي. ومعلوم أنَّ مسألة الاستفصال في الفتوى من المسائل الهامة التي يجب على المفتي أن يحيط بها علمًا قبل الإقدام على الفتوى؛ ولذلك تكلَّم العلماء عن أصول الاستفتاء ومناهج الإفتاء؛ فقد ذكر الكرخي - قبل ما يزيد عن ألف ومائة عام في الأصول التي عليها مدار فقه أبي حنيفة - أنه يجب على المفتي ألَّا يتسرَّع في الجواب حتى يستفصل، ويتعقَّل السؤال، وينظر ويتفكَّر، إلى كم قسم يقسم؛ ليعلم أنَّ سؤال السائل من أي الأقسام، ثم معرفة ما يقابل كل قسم من الأحكام، ثم يعدُّ الجواب؛ لأن إطلاق الكلام ربما يؤدي إلى الانتقاض؛ إذ قلما تجد لفظًا يجري على عمومه وإطلاقه، فلو قيل: إن رجلًا وضع الطيب في الحج؟ فيُستفصل: أكان ذاك قبل التحلُّل الأصغر أم بعده؟ لأن الحكم يختلف، وكذا لو قيل: إن رجلًا أكل في حالة الصيام، هل يفسد صومه؟ فيُستفصل: هل كان سهوًا أم عمدًا؟ وهكذا لأن الأحكام تختلف تبعًا لحال الشخص أو صفته، وهذه غالبًا لا تعرف إلا باستفصال المفتي من المستفتي. وإذا كان الواجب على المفتي أن يسير وفق منهج علمي منضبط صحيح، فإنه ينبغي له أمران: الأول: فهم سؤال المستفتي، واستفصاله عما يشكل؛ ليتضح له المراد قبل إصدار الحكم. الثاني: إصدار الحكم الشرعي لسؤال المستفتي بجواب واضح يُحقِّق له الامتثال، وكذا الإجابة عن استفصال المستفتي عما أشكل له من جواب المفتي. ومن هذا يتَّضح أن الاستفصال من المفتي للمستفتي، وربما يكون من المستفتي للمفتي؛ لذا فإني درست الاستفصال من جهتي المفتي والمستفتي، ثم بيَّنْتُ أن الاستفصال له ضوابط من الجهتين، ولا ينبغي أن يُستفصل عن كل شيء، مع بيان حكمه، وكل ذلك معلوم من الاستقراء لاستفصالاته صلى الله عليه وسلم؛ فنظمت ما جمعته في عقدٍ اسميته: ( الاستفصال في الفتوى: دراسة تأصيلية) . أما الدراسات السابقة: فلم أعثر على أي دراسة تناولت الاستفصال في الفتوى كدراسة مستقلة، ولا أعرف دراسة متخصِّصة في هذا الموضوع قبل هذه الدراسة، إلا أن ما سبق من دراسات قديمًا وحديثًا بعضها تناول الموضوع عرضًا، ولم تبحثه تفصيلًا، فاكتفت بالإشارة عن التفصيل، وبعضها الآخر اقتصر فيه الباحث على جانب من الاستفصال دون الآخر، وجميع هذه الدراسات أفادت الموضوع بكثير من المعلومات، وسهَّلت على الباحث كثيرًا من الصعوبات، ويمكن هنا أن أشير إلى أهم الدراسات في موضوع الاستفصال: ♦ قاعدة ترك الاستفصال - دراسة أصولية تطبيقية -: وهي بحث للدكتور عبدالرحمن محمد القرني [1] تناول فيه ترك الاستفصال، ولا علاقة له بما كتبته من جهتين: • أني كتبت عن طلب الاستفصال، ودراسته عن ترك الاستفصال. • أني كتبت عن الاستفصال من المفتي، وهو كتب عن ترك الاستفصال من النبي صلى الله عليه وسلم. ♦ الاستفصال في الفتوى حكمه وضوابطه: وهو بحث يقع في عشرين صحيفة لأخي الدكتور عمر عبد عباس الجميلي لم ينشر بعدُ، وهو أيضًا تناول ترك الاستفصال في أكثر المواضع، وتكلم عن بعض الضوابط، فجمع في دراسته بين الاستفصال وتركه، وهو لا يشبه ما كتبته - لما أسلفته - ولم يتناول صدور الاستفصال من المفتي أو المستفتي، وكذلك لم يبين حكمه تفصيلًا؛ وإنما اكتفى بالإشارة. وهناك مؤلفات ذكرت في طيَّاتها موضوع الاستفصال أشرت إليها في طيَّات هذا المؤلف. أما خطة البحث: فقد رتبت المادة بعد هذه المقدمة في أربعة مباحث وخاتمة: تكلمت في المبحث الأول عن: مفهوم الاستفصال والفتوى والاستفتاء، وجعلته في ثلاثة مطالب. أما المبحث الثاني: فتكلمت فيه عن حكم الاستفتاء والإفتاء، وجعلته في مطلبين. والمبحث الثالث: تكلمت فيه عن مشروعية الاستفصال وضوابطه، وجعلته في ثلاثة مطالب. أما المبحث الرابع فتكلمت فيه عن: استفصال المستفتي عن دليل المفتي، وحكم إجابته، وجعلته في مطلبين. وختمت البحث بأبرز النتائج التي توصَّلت إليها. وأنا هنا لا أدَّعي لعملي الكمال والتمام؛ إنما قصدي إخراج البحث بالوجه الصحيح، فإن أكُ قد وفقت فلله الحمد والمنة، وإن تكن الأخرى فحسبي أني حاولت الوصول إلى الحق، وبذلت ما بوسعي من جهد. وختامًا: أسأل الله عز وجل الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل هذا الجهد خالصًا لوجهه الكريم، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم. [1] هناك العديد من الدراسات على النت عن ترك الاستفصال، وأنه ينزل منزلة العموم، وهو عكس موضوعي الذي أبحث فيه، فأنا أتكلم عن طلب الاستفصال؛ وليس عن تركه، وأبحثه من جهة المفتي والمستفتي، وهم درسوه من جهة المشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
بناء الكعبة قبل الإسلام
د. محمود بن أحمد الدوسري
27-12-2018
70,279
https://www.alukah.net//culture/0/131672/%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b9%d8%a8%d8%a9-%d9%82%d8%a8%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
بناء الكعبة قبل الإسلام الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده: اختلف العلماء في تحديد أوَّل مَنْ بنى الكعبة، وكم مرَّة بُنيت قبل الإسلام؟ والأدلة التي يوردها المفسرون والمحدثون والمؤرخون في بناء الكعبة، منها: ما يكون صحيحاً قطعياً فيُقْبَل، ومنها: ما يكون بخلاف ذلك فلا يُقبل؛ لأنها من مسائل الغيب، التي وقعت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تؤخذ إلاَّ بوحي، وليس للاجتهاد فيها نصيب [1] . قال الفاسي رحمه الله: (لا شكَّ أن الكعبة المعظَّمة بُنيت مرات، وقد اختُلِف في عدد مرات بنائها، ويتحصَّل من مجموع ما قيل في ذلك: أنها بُنيت عشر مرات، منها بناء الملائكة - عليهم السلام، ومنها بناء آدم - عليه السلام، ومنها بناء أولاده، ومنها بناء العمالقة، ومنها بناء جرهم، ومنها بناء قُصَي، ومنها بناء قريش، ومنها بناء الخليل - عليه السلام، ومنها بناء عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي - رضي الله عنهما، ومنها بناء الحجاج بن يوسف الثقفي) [2] . وقال علي بن عبد القادر الطبري [3] - رحمه الله: (وبُنيت الكعبة الشريفة إحدى عشرة مرة، أولها: بناء الملائكة، ثم بناء آدم هو وشِيث وصيُّ أبيه، ثم بناء إبراهيم الخليل، ثم بناء العمالقة، ثم بناء جرهم، ثم بناء قصي، ثم بناء قريش، ثم بناء ابن الزبير - رضي الله عنهما، ثم بناء الحجاج الثقفي، وفي عدِّه تجوُّز؛ لأنه لم يَبْنِ إلاَّ الجهة الشمالية، ثم بناء السلطان مراد خان) [4] . وفي أبيات منسوبة إلى علي بن عبد القادر الطبري - رحمه الله - قال فيها: بَنَى البيتَ خَلْقٌ، وبيتُ الإلهِ مدى الدهرِ مِنْ سابقٍ يُكرمُ ملائكةٌ، آدم، ولده خليلٌ، عمالقةٌ، جرهمُ قصيٌ، قريشٌ، ونَجْلُ الزُّبير وحََّجاجُ بَعدهمُ يُعلمُ وسُلطاننا المَلِكُ المُرْتَجي مُرادٌ هو الماجدُ الأعظمُ [5] خلاصة ما ذُكِرَ في بناء الكعبة قبل الإسلام [6] : 1- بناء الملائكة - عليهم السلام. 2- بناء آدم - عليه السلام. 3- بناء شِيث بن آدم - عليه السلام. 4- بناء إبراهيم - عليه السلام. 5- بناء العمالقة [7] . 6- بناء جُرْهُمَ. 7- بناء قُصي بن كلاب [8] . 8- بناء عبد المطلب [9] . 9- بناء قريش. القول الرَّاجح في بناء الكعبة قبل الإسلام: الثابت أن الكعبة بُنيت قبل الإسلام أربع مرات فقط [10] ، وهي على النحو التالي: 1- بناء إبراهيم - عليه السلام، وهو أول بناء للكعبة المشرفة. 2- بناء العمالقة. 3- بناء جُرْهُم. 4- بناء قريش. والقول ببناء الملائكة - عليهم السلام - للكعبة ليس عليه دليل صحيح [11] ، وكذا بناء آدم - عليه السلام - لم يثبت فيه شيء، ولا يستطيع أحد أن يجزم به [12] ، وكذا بناء شِيث بن آدم - عليه السلام [13] ، وكذا بناء قصي بن كلاب - وإن ذكره بعض المؤرِّخين - إلاَّ أنه لا يُعتمد فيه على مُجَرَّد الذِّكر [14] ، ولا يثبت أيضاً بناء عبد المطلب للكعبة [15] . التَّحقيق العِلمي للرَّاجح من بناء الكعبة: أولاً: بناء إبراهيم - عليه السلام: سبب البناء: بنى إبراهيم - عليه السلام - الكعبة المشرفة بأمرٍ من الله تعالى، وكان بناؤه من الحجارة، وجعل ارتفاعها: (9 أذرع - أي: 5ر4م)، وطولها من الجهة الشرقية: (32 ذراعاً - أي: 16م)، ومن الجهة الغربية: (31 ذراعاً - أي: 5ر15م)، ومن الجهة الجنوبية: (20 ذراعاً - أي: 10م)، ومن الجهة الشمالية: (22 ذراعاً - أي: 11م)، ولم يجعل للكعبة سقفاً، وفتح لها بابين ملاصقين بالأرض بدون مصراع يُغلق، ونزل جبريل - عليه السلام - بالحجر الأسود، فوضعه إبراهيم - عليه السلام - في مكانه [16] . ومن خلال استقراء نصوص الكتاب والسنة نجد أنها تُشير إلى أنَّ إبراهيم - عليه السلام - هو أول مَنْ قام ببناء الكعبة المشرفة [17] . الأدلة : 1- قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة:127]. قال ابن كثير - رحمه الله: (فإن ظاهر القرآن يقتضي: أن إبراهيم أول مَنْ بناه مبتدئاً، وأول مَنْ أسَّسه، وكانت بقعته معظمة قبل ذلك، معتنىً بها، مشرَّفة في سائر الأعصار والأوقات) [18] . 2- وقوله سبحانه: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ [الحج:26]. قال ابن كثير - رحمه الله: (ولم يَجِئْ في خبر صحيح عن معصوم، أن البيت كان مبنياً قبل الخليل - عليه السلام، ومَنْ تمسَّك في هذا بقوله: ﴿ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ [الحج:26]، فليس بناهض ولا ظاهر؛ لأن المراد مكانه المُقَدَّر في علم الله، المُقَرَّر في قدرته، المُعَظَّم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم - عليه السلام) [19] . 3- ما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - مرفوعاً، والشاهد منه: قول إبراهيم - عليه السلام: «فإن اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا - وَأَشَارَ إلى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ على ما حَوْلَهَا - قال: فَعِنْدَ ذلك رَفَعَا الْقَوَاعِدَ من الْبَيْتِ، فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي، حتى إذا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جاء بهذا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ له، فَقَامَ عليه وهو يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ، وَهُمَا يَقُولاَنِ : ﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾» [20] . ثانياً، ثالثاً: بناء العمالقة، وجُرْهُم [21] : ذُكِرَ هذا البناء بروايات وطُرق مُتعدِّدة وصحيحة ، ومنها: 1- ما جاء عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه، قال: (فمرَّ عليه الدهرُ فانهدم فبنته العمالقةُ، قال: فمرَّ عليه الدهرُ فانهدم فبنته جُرْهُمُ، فمر عليه الدهرُ فبنته قريشٌ) [22] . 2- ما جاء أيضاً عن عليِّ بن أبي طالب - رضي الله عنه، قال - بعد أن ذَكَرَ بناءَ إبراهيم - عليه السلام - للكعبة: (ثم انهدم فبنته العمالقةُ، ثم انهدم فبنته قبيلةٌ من جرهم، ثم انهدم فبنته قريشُ) [23] . وهذا الأمر ليس محلاً للاجتهاد والنظر، فلا يمكن أن يقوله عليٌّ - رضي الله عنه - دون أن يكون سَمِعَه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.. رابعاً: بناء قريش: سبب البناء: ذكرت كتب التاريخ: أنَّ امرأةً ذهبت تُجمِّر الكعبة، فطارت من مجمرتها شرارة، فاحترقت كِسوة الكعبة، ثم جاء سيل عظيم فدخل الكعبة، وصدَّع جدرانها، ففزعت قريش من ذلك، وعزمت على تجديد بناء الكعبة المشرفة، وكان ذلك السنة الخامسة قبل البعثة النبوية، واشترطوا: ألاَّ يُدخِلوا في بنائها مالاً حراماً، فقصرت بهم النفقة الطيبة عن إكمال البناء، فأنقصوا من جهة الحِجْر ستة أذرع وشبراً (أي: 23ر3م) أي: حوالي ثلاثة أمتار وربع [24] ، وأداروا عليه جداراً قصيراً؛ ليطوف الناس من ورائه، وأحدثوا بعض التغيرات فيها، فزادوا ارتفاعها إلى: (18 ذراعاً - أي: 9م)، وسَقَفوها، ولم تكن من قبل مسقوفة، وجعلوا لها ميزاباً من خشب، وسدُّوا الباب الغربي، ورفعوا الباب الشرقي عن مستوى الأرض، حتى يُدخِلوا فيها مَنْ شاءوا، ويمنعوا مَنْ أرادوا، وقد شاركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البناء، فكان يحمل معهم الحجارة. ولمَّا انتهى البناء، وأرادوا وضع الحجر الأسود، وقع بينهم نزاع شديد، كلُّ قبيلة تُريد أن تحظى بشرف وضْعِ الحَجَر في مكانه، ورضُوا بأن يَحْكُم فيهم أوَّلُ داخل إلى البيت، وكان الداخل هو النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الحَجَرَ ووضَعَه على رداء، وأمَرَ كلَّ قبيلة أن تأخذ بطرفٍ منه فرفعوه، وقام صلى الله عليه وسلم بوَضْعِه مكانَه، وأنهى بهذه الحكمة السامية نِزاعاً كاد أن يُمزِّق وِحدتهم، ويودي بحياة عدد كبير منهم [25] . ذُكِرَ هذا البناء بروايات وطُرق مُتعدِّدة وصحيحة ، ومنها: 1- ما جاء عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها - قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَوْلاَ حَدَاثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ، وَلَجَعَلْتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ، فَإِنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ الْبَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، وَلَجَعَلْتُ لَهَا خَلْفًا [26] ) [27] . 2- ما جاء أيضاً عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: (أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوُا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ) [28] . 3- أمَّا مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البناء، فهي ثابتة أيضاً، فقد جاء عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: (لَمَّا بُنِيَتِ الْكَعْبَةُ ذَهَبَ النَّبِيُّّ صلى الله عليه وسلم وَعَبَّاسٌ يَنْقُلاَنِ الْحِجَارَةَ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اجْعَلْ إِزَارَكَ عَلَى رَقَبَتِكَ، فَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: (أَرِنِي إِزَارِي) فَشَدَّهُ عَلَيْهِ) [29] . قال ابن كثير - رحمه الله: (والمشهور: أن هذا كان ورسول الله صلى الله عليه وسلم عمره خمس وثلاثون سنة، وهو الذي نص عليه محمد بن إسحاق - رحمه الله) [30] . ومن هذه الأدلة الصحيحة يتبيَّن أنَّ بناء قريش للكعبة ثابت، وأنَّ ذلك كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات. [1] انظر: بيت الله الحرام الكعبة، محمد بن عبد الله ثابت شبالة (ص73). [2] شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، محمد بن أحمد الفاسي (1/ 175). [3] مؤرِّخ شافعي مكِّي توفي في مكة عام 1070هـ (انظر: معجم المؤلفين، لكحالة 7/ 126). [4] الأرج المسكي في التاريخ المكي، نقلاً من: تاريخ الكعبة المعظمة، لحسين باسلامة   (ص55). وقد ذَكَرَ أنَّ كتاب الطبري مخطوط. [5] انظر: المصدر نفسه، والصفحة نفسها. [6] انظر: بيت الله الحرام الكعبة، (ص80). [7] العمالقة أو العماليق: نسبةً إلى جدِّهم عِمْليق بن لاوذ بن سام بن نوح، وكانوا من سكان اليمن. انظر: الكامل، لابن الأثير (1/ 61). [8] هو الجد الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم، واسمه: زيد. انظر: سيرة ابن إسحاق، (2/ 60). [9] هو جدُّ النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه: شيبة الحمد. انظر: سيرة ابن إسحاق، (1/ 43). [10] انظر: بيت الله الحرام الكعبة، (ص103). [11] انظر: المصدر نفسه، (ص83). [12] انظر: المصدر نفسه، (ص90). [13] انظر: المصدر نفسه، (ص91). [14] انظر: المصدر نفسه، (ص97). [15] انظر: المصدر نفسه، (ص98). [16] انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، عمارتها وكسوتها وسدانتها: حسين بن عبد الله باسلامة، (ص70-75)؛ مكة المكرمة تاريخ ومعالم، محمود محمد حمو (ص43). [17] انظر: المصدر نفسه، (ص92). [18] البداية والنهاية، لابن كثير (2/ 298). [19] المصدر نفسه، (1/ 163). [20] رواه البخاري، (3/ 1229)، (ح3184). [21] انظر: بيت الله الحرام الكعبة، (ص96،95). [22] رواه الحاكم في (المستدرك)،( 1/ 629)، (رقم1684). وصححه، ووافقه الذهبي. والبيهقي في (شعب الإيمان)، (3/ 238)، (ح3991). و(دلائل النبوة)،(2/ 56). والأصبهاني في (دلائل النبوة)، (1/ 204)، (ح272). والذهبي في (تاريخ الإسلام)، (1/ 69). [23] رواه الأزرقي في (أخبار مكة)، (1/ 62). [24] انظر: الإيضاح والتبيان لمعرفة المكيال والميزان، لابن الرفعة، تحقيق: د. محمد أحمد الخاروف (ص77). [25] انظر: تاريخ الكعبة المعظمة، (ص87-94)؛ مكة المكرمة تاريخ ومعالم، (44). [26] المراد به باب من خلفها، وقد جاء مفسَّراً في رواية: (وَجَعَلْتُ لها بَابَيْنِ: بَابًا شَرْقِيًّا، وَبَابًا غَرْبِيًّا) رواه مسلم، (2/ 969)، (ح1333). وفي الرواية الأخرى: (بَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ  منه وَالآخَرُ يُخْرَجُ منه) رواه مسلم، (2/ 970)، (ح1333). انظر: شرح النووي على  صحيح مسلم، (9/ 89). [27] رواه مسلم، (2/ 968)، (ح1333). [28] رواه البخاري، (2/ 573)، (ح1506). ومسلم، (2/ 969)، (ح1333). [29] رواه البخاري، (2/ 573)، (ح1505). [30] البداية والنهاية، (2/ 300).
الغلاء وحسن التدبير
د. شريف فوزي سلطان
27-12-2018
25,705
https://www.alukah.net//culture/0/131666/%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%84%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%a8%d9%8a%d8%b1/
الغلاء وحسن التدبير مشكلة الغلاء: إن مشكلة غلاء الأسعار مما عمَّ بها البلوى، وكثرت منه الشكوى، وطار خبره وانتشر، وصار حديث الناس في مجالسهم ومنتدياتهم. وهذه المشكلة لا بد من النظر إليها بمنظار الشريعة؛ لأنها إذا لم تعالج معالجةً صحيحةً أدَّتْ إلى كوارث ونتائج سيئة؛ كانتشار الفقر، والبطالة، واليأس، والسرقة، والإجرام، وإلحاق كثير من الطبقة المتوسطة بالفقراء، وشيوع الربا والزنا، وقلة الزواج والعفاف، وكثرة الأيامى، وحصول الهم والغم والحزن وغيرها، فكان لا بد من الوقوف على أسباب هذه الأزمة لنقدر على علاجها. أسباب الأزمة: 1- التمادي في الذنوب والمعاصي: إن المؤمن ليعلم علمَ يقينٍ أن ما يقع في الناس من مصائب وكوارث ووباء وبلاء وغلاء؛ إنما يكون ابتداءً بسبب ذنوبهم وإعراضهم عن ربهم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾ [الشورى: 30]، وقال تعالى: ﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [آل عمران: 165]، وقال تعالى: ﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [السجدة: 21]؛ أي: لنُذيقَنَّ هؤلاء الذين خرجوا عن الطاعة من المحن والبلاء والغلاء في الدنيا قبل العذاب المُعدِّ لهم في الآخرة، لعلهم بذلك يرجعون إلى رشدهم، وينيبون إلى ربهم. فكيف يُستغرب الغلاء وقد كثر الربا وشاع الزنا؟! كيف يُستغرب الغلاء، والغش والرشوة صارا هما الأصل في المعاملات؟! كيف يُستغرب الغلاء وقد ضُيِّعت الصلوات، واتُّبِعت الشهوات؟! كيف يُستغرب الغلاء وقد شاع الظلم والتبرُّج والسفور والخمور والقطيعة والعقوق؟! كيف يُستغرب الغلاء وقد تُرك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما ظهر الربا والزنا في قوم إلا أحلُّوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل)) [1] . ويعم العقاب إذا لم يُنكر المُنكر؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الناس إذا رأوا المنكر، فلم يُغيِّروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه)) [2] . ويقول صلى الله عليه وسلم: "يا معشر المهاجرين، خمسُ خصال إذا ابتليتم بهن - وأعوذ بالله أن تدركوهن - لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يُعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان، إلا أُخذوا بالسنين، وشدة المؤنة، وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدوًّا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" [3] . العلاج: وعلاج ذلك بالعودة الصادقة إلى الله: العودة الصادقة إلى القرآن، وإلى السنة، وإلى دين الله؛ قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123]. ورسم القرآن طريق الحياة الطيبة؛ حياة النعيم والرغد والغِنى الحقيقي والسعادة الفعلية، فيقول الله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. فالغلاء والوباء وسائر البلاء يعالج بالتفرُّغ للعبادة، والتفرغ للعبادة ليس معناه الانقطاع عن الكسب؛ وإنما معناه: أن يكون العبد حاضر القلب والجسد أثناء العبادة، وألا ينشغل بالعمل عن العبادة، وألا يترك الصلاة من أجل العمل، وألا يؤخر الصلاة من أجل العمل، وألا يقف في الصلاة شارد الذهن مشغولًا بالدنيا. قال تعالى: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 11]، قال ذلك بعد أن قال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يقول: يا بن آدم تفرَّغ لعبادتي، أملأ صدرك غنًى وأسد فقرك وإلا تفعل؛ ملأت يديك شغلًا ولم أسد فقرك)) [4] . وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الآخرة همَّه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همَّه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قُدِّر له)) [5] . علاج الغلاء والوباء وسائر البلاء بالتوبة إلى الله والاستغفار: قال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: 31]، فالبلاء لا ينزل إلا بذنب ولا يُرفع إلا بتوبة. والاستغفار من أعظم مفاتيح الرزق لمن يداوم عليه، ويجعله من أوراده؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10، 12]. قال القرطبي: "هذه الآية دليل على أن الاستفغار يُستنزل به الرزق والأمطار" [6] . وفي الحديث: ((من أكثر من الاستغفار، جعل الله له من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ورزقه الله من حيث لا يحتسب)) [7] . ومن أسباب الغلاء: 2- كفران النعم: إن لله تعالى في هذه الدنيا سننًا وقواعد لا تتغيَّر ولا تتبدَّل، ومن هذه السنن أن الطاعة والشكر سببٌ للنعمة ودوامها، وأن المعاصي والجحود سببٌ للعذاب بالنعمة وزوالها؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، فكثير من الناس ما داموا في نعمة، ينشغلون بها عن المنعم، ولا يشكرون الله على فضله وجوده وإحسانه، فيسلبهم الله النعمة! وقال تعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنفال: 53]. وتأمل لتُصدِّق: قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112]. وتأمَّل كذلك لتتيقَّن: قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ ﴾ [سبأ: 15 -17]. كانت سبأ من الحضارات العريقة والقوى العظمى التي ليس لها مثيل في زمانها، كانت تملك قوةً عسكرية جبارة، تأمل ثقتهم بأنفسهم كما في سورة النمل؛ قالوا لملكة سبأ "بلقيس": ﴿ نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴾ [النمل: 33]. قال قتادة: إن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار، وعلى رأسها المكتل فتتساقط الثمار من الأشجار حتى تملؤه دون قطاف؛ وذلك لكثرته ونضوجه واستوائه [8] . وقيل: لم يكن ببلدهم شيء من الذباب ولا البعوض، ولا شيء من الهوام؛ وذلك لاعتدال الهواء وصحة المزاج [9] . أعطاهم الله كل هذه النعم؛ ليعبدوه ويشكروه: ﴿ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ ﴾ [سبأ: 15]. فماذا كان منهم؟ انشغلوا بالنعمة عن المنعم، وأعرضوا عن طاعة الله، واستخدموا النعمة فيما يُغضب الله! فماذا كانت النتيجة؟ سلب الله منهم النعمة، وضيق عليهم في الرزق، وأبدلهم بهذه الرفاهية والرخاء صعوبة وبلاء وشدة، أرسل عليهم سيل العرم - وهو سيل جارف يحمل في طريقه من شدَّته الحجارة - فأغرق أرضهم، وماتت أشجارهم وثمارهم، وأبدلهم بهذه الجنان صحراء قاحلة، تتناثر فيها الأشجار الخشنة، وما ذلك من الظالمين ببعيد. العلاج: قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا النعم بالشكر" [10] . إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم وحافظ عليها بشكر الإله فإن الإله سريع النقم والشكر حقيقته عمل؛ لذلك لما أمر الله آل داود أن يشكروه قال: ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا ﴾ [سبأ: 13]؛ أي: اعملوا عملًا تكونون قد أدَّيتم به شكر الله عليكم. قال ابن القيم عليه رحمة الله: "وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده ثناءً واعترافًا، وعلى قلبه شهودًا ومحبة، وعلى جوارحه انقيادًا وطاعة. والشكر مبنيٌّ على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وألا يستعملها فيما يكره، فهذه الخمس: هي أساس الشكر، وبناؤه عليها، فمتى عُدِم منها واحدة، اختلَّ من قواعد الشكر قاعدة" [11] . ♦ ومن العلاجات الناجعة لهذه الأزمة: الدعاء واللجوء لرب الأرض والسماء: الدعاء أقصر الطرق لقضاء الحاجات، يختصر لك المسافات؛ قال رب الأرض والسماوات: ﴿ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 43]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء، فيعتلجان إلى يوم القيامة)) [12] . وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك)) [13] . ♦ ومن العلاجات الناجعة لهذه الأمة: صلة الرحم: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: ((من سرَّه أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصِل رحمه)) [14] . إن قطيعة الرحم سببٌ للعقوبة في الدارين، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والبغي)) [15] . وفي المقابل: صلة الرحم سبب للغنى والبركة والزيادة والنماء في الأموال والأولاد وفي كل شيء. يقول صلى الله عليه وسلم: ((إن أعجل الطاعة ثوابًا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا)) [16] . إن كثيرًا منا بحاجة ماسة إلى أن يعيدوا حساباتهم مع أنفسهم تجاه أقاربهم وذوي أرحامهم، فالقطيعة داءٌ وبيل شر مستطيل. ♦ ومن العلاجات الناجعة لهذه الأزمة: إحياء حقوق الأخوة بين المسلمين: وأقصد إحياء معاني الجود والكرم والبر والإيثار والإحسان، حتى يُغيِّر الله ما بنا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطُفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى)) [17] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نفَّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) [18] . وحقوق الفقراء والضعفاء قبل غيرهم؛ فقد روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم))، فعدم الاعتناء بالفقراء، وإهمال حقوقهم، من أسباب الوباء والغلاء والحرمان، وفي قصة أصحاب الجنة في سورة القلم لما بخل الأغنياء ببعض ثمار بستانهم على الفقراء، ماذا حدث لبستانهم؟ قال تعالى: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ [القلم: 19، 20]؛ أي: محترقة فانية. ومن العلاجات الناجعة لهذه الأزمة: • الاقتصاد وحسن التدبير وترك الإسراف: قال الله تعالى: ﴿ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [الأنعام: 141]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كلوا، واشربوا، وتصدَّقوا، والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة)) [19] . تعاهدوا المسرفين في كل زمان ومكان، تجدوا أن الله حوَّل عليهم النعمة، مَرَّ جابر بن عبدالله، ومعه لحم، على عُمرَ رضي الله عنهما، فقال: ما هذا يا جابر؟ قال: هذا لحم اشتهيته فاشريته، فقال: "أو كلما اشتهيت شيئًا اشتريته! أما تخشى أن تكون من أهل هذه الآية ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ ﴾ [الأحقاف: 20]؟! [20] . كما لا بد من تربية الأولاد على هذا المبدأ؛ ليسايروا سائر الأحوال، ولتكون الأسرة متحدة في هذه التدابير، وذلك مما يعالج به الغلاء. قيل لإبراهيم بن أدهم: إن اللحم قد غلا! فقال: "أرخصوه"؛ أي: لا تشتروه، وأنشد في ذلك وإذا غلا شيء عليَّ تركته *** فيكون أرخص ما يكون إذا غلا فليس المسلم الحكيم بالذي يُرهق نفسه بكثرة الشراء، ويهدر الأوقات والأموال والأعمار، وفي كثير من الأحيان يكون مصير ما اشتراه براميل القمامة. كان أبو الدرداء يقول: "إن من فقه الرجل رفقه في معيشته" [21] ، كما قال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فالذين يقتصدون في المآكل نعيمهم بها أكثر من نعيم المسرفين فيها، فإن أولئك إذا أدمنوها وألفوها لا يبقى لهذا عندهم كبير لذَّة مع أنهم لا يصبرون عنها وتكثر أمراضهم بسببها" [22] . ومن العلاجات الناجعة لهذه الأزمة: • حسن إدارة الأزمة: فيتم اختيار المسلم صاحب الكفاءة والعلم والأمانة؛ إذ إن الأزمة ليست أزمة موارد، إنما هي أزمة أمانة وعلاقة بالله وإدارة؛ فقد مرت بكثير من البلاد في كثير من العصور أزمات ونكبات وسنون عجاف، ففي مصر مثلًا في عهد يوسف عليه السلام، كانت السنون العجاف؛ لكن الملك جعلها في عنق يوسف حين قال: ﴿ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 55]، فنجا بالأمة من الأزمة. وفي عام الرمادة - في بداية العام الثامن عشر من الهجرة – في عهد عمر رضي الله عنه، وقعت أزمة طاحنة تمثلت في حصول قحط شديد حتى تجمَّع في المدينة من غير أهلها قرابة الستين ألفًا، قلَّ الطعام وجفَّت الينابيع، وغارت المياه حتى كانت الوحوش تأوي إلى الناس، واستمرت هذه الأزمة تسعة أشهر، وسمَّوه عام الرمادة، قيل لأن الريح كانت تأتي على الأرض فلا تسفي إلا ترابًا كالرماد. ماذا فعل عمر رضي الله عنه؟ 1- حث الناس على التوبة والإكثار من الدعاء، واللجوء إلى الله والصلاة. 2- طلب الغيث من الله. 3- كتب إلى عُمَّاله في الأمصار طالبًا الإعانة، فبعث إليه عمرو بن العاص - والي مصر - ألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر عشرين سفينة تحمل الدهن، وبعث بخمسة آلاف كساء، كما أمدَّه سعد بن أبي وقاص ومعاوية رضي الله عنهما. 4- أما عن عمرَ رضي الله عنه، فكما قال مولاه أسلم: كنا نقول: لو لم يرفع الله المَحْلَ عام الرمادة، لظننا أن عمر يموت همًّا لأمر المسلمين. ومن العلاجات الناجعة لهذه الأزمة: الصدق في المعاملات: فالمسلم لا يحتال، ولا يكذب ولا يغش؛ بل يكون صادقًا أمينًا صافيًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى، وإذا قضى وإذا اقتضى، والتاجر له دورٌ عظيم، فالتاجر المسلم يتحلَّى بحسن النية والرفق بالمسلمين، وأن يوفر لهم الجيد بالثمن المناسب، وليحذر أن يزداد ربحه على حساب معاناة الآخرين. فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى البقيع والناس يتبايعون، فنادى: ((يا معشر التجار، فاستجابوا له، ورفعوا إليه أبصارهم، فقال: إن التجارَ يُبعثون يوم القيامة فجارًا إلا من اتقى وبرَّ وصدق)) [23] . وفي رواية: "إن التجار هم الفجار، فقالوا: يا رسول الله، أليس قد أحلَّ الله البيع؟ فقال: بلى؛ ولكنهم يحلفون فيأثمون، ويُحدِّثون فيكذبون)) [24] . ومن أعظم ما يعالج به الأزمة: القناعة والرضا: فلقد أوصانا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننظر في أمور دنيانا إلى من هو دوننا، ونهانا أن ننظر إلى من هو فوقنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله)) [25] ، وقال صلى الله عليه وسلم: ((قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه)) [26] . هي القناعة فالزمها تعش ملكًا لو لم يكن لك إلا راحة البدن وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير القطن والكفن [1] متفق عليه. [2] أخرجه أحمد، وابن حبان، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع. [3] رواه ابن ماجه، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع، وصحيح الترغيب والترهيب. [4] رواه الترمذي وابن ماجه، وصحَّحه الألباني. [5] رواه الترمذي، وصححه الألباني. [6] الجامع لأحكام القرآن. [7] أخرجه الإمام أحمد، وصحَّحه الشيخ أحمد شاكر. [8] تفسير ابن كثير. [9] تفسير ابن كثير. [10] حلية الأولياء: أبو نعيم. [11] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين. [12] رواه الترمذي، وحسنه الألباني. [13] رواه مسلم من حديث ابن عمر. [14] رواه البخاري. [15] رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني. [16] رواه ابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع. [17] رواه مسلم. [18] رواه مسلم. [19] رواه أحمد وابن ماجه والنسائي والحاكم، وصححه الألباني. [20] الزهد: الإمام أحمد. [21] نضرة النعيم، نقلًا عن الزهد؛ لهناد السري. [22] قاعدة في المحبة: ابن تيمية. [23] رواه ابن حبان، وصححه الألباني في الصحيحة. [24] رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب. [25] رواه مسلم. [26] رواه مسلم.
المقالات المنشورة (PDF)
د. محمد بن ناصر الشثري
27-12-2018
14,985
https://www.alukah.net//culture/0/131659/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b4%d9%88%d8%b1%d8%a9-PDF/
♦ اسم الكتاب: المقالات المنشورة. ♦ المؤلف: د. محمد بن ناصر الشثري. ♦ دار النشر: دار الحبيب للنشر والتوزيع. ♦ سنة النشر: 1425 هـ - 2004 م. ♦ عدد الصفحات: 115. هذه المقالات نُشِرتْ خلال عقدين من الزمان في بعض الصحف والمجلات السعودية وهي في مختلف الفنون من حديث وفقه وتاريخ وغير ذلك، فلا تخلو من فائدة، وقد جمعت ما وجدته منها وضاع منها الكثير وقد حرصت على نشرها للفائدة العامة، وحفظًا لها من الضياع، وقد رتبتها حسب تاريخ نشرها الأقدم فالأقدم.
أثر استخدام المكتبة الشاملة في خدمة السنة النبوية (PDF)
د. محمد علي أحمد الأعمر
27-12-2018
6,992
https://www.alukah.net//culture/0/131657/%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%af%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%aa%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%85%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ae%d8%af%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9-PDF/
♦ عنوان الكتاب: أثر استخدام المكتبة الشاملة في خدمة السنة النبوية. ♦ المؤلف: د. محمد علي أحمد الأعمر. ♦ عدد الصفحات: 43. على الرغم من أهمية المكتبة الشاملة وكثرة فوائدها وميزاتها في خدمة علوم السنة، إلا أنها تحتاج إلى شيء من التقويم، ووضع القيود والضوابط الهامة؛ للاستفادة القصوى منها مع الحفاظ على مصادر الشريعة والكتب التي تناولتها بالخدمة والعناية، كما أن الخطأ فيها وارد من الباحثين وفريق العمل.
زمن عجائب العلم بين الخوف والأمل
أ. عاهد الخطيب
26-12-2018
4,593
https://www.alukah.net//culture/0/131650/%d8%b2%d9%85%d9%86-%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%88%d9%81-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%84/
زمن عجائب العلم بين الخوف والأمل قبل بزوغ عصر الإنترنت الذي جعل التحقق والتحري عن أي معلومة مستجدة أو غريبة أو غير ذلك - أمرًا هينًا في متناول اليد ضمن ثوان أو دقائق معدودة، حدثنا أحدهم في جلسة عن وجود باذنجان أبيض اللون؛ مما أثار عاصفة من الاستهجان والإنكار بين الحضور، لاستخفافه بعقولنا على ما كنا نتصوَّر، وهو المسكين المغلوب على أمره الواثق مما يقول، ليس في حوزته وسيلة لإثبات ما يزعم سوى مصداقيته التي شكك بها غالبية الموجودين، واعتبروا كلامه ضربًا من الطرافة لغرابة الأمر؛ لأن منطقتنا التي نعيش فيها آنذاك لم تعرف قط من قبلُ مثل هذا النوع من الخَضروات. أتذكر هذه الواقعة كل مرة أسمع فيها عن شيء غريب لا يكاد يصدق، حتى يُشاهَد بأمِّ العين، لكنني تعلمت جيدًا ألا أستعجل بالاستهانة والتشكيك حتى أتأكد، وما أسهل الأمر هذه الأيام! في الصين يصنعون بيض المائدة الذي يشق على الشخص العادي تمييزه عن بيض الدجاج الطبيعي من مظهره الخارجي أو الداخلي، وربما تحتاج لإعداده وتناوله حتى تدرك الفرق، واللحوم المصنعة التي تشبه الطبيعية إلى حد بعيد في شكلها ومذاقها، موجودة أيضًا، وغيرها الكثير من الأغذية التي تدخل ضمن مكوناتها مواد كيماوية وغير عضوية مشكوك في أمان وصلاح استخدامها للبشر، فهل كانت مثل هذه الأمور تُصَدَّق لو حدَّثك أحدهم بها قبل وجود كل هذه الوسائل الميسرة للوصول للمعلومة، ربما سترتاب في قواه العقلية! نعيش الآن في عالم عجيب يتسارع فيه التقدم التقني في كل مجال، بما فيها تطوير الطعام الحيواني والنباتي للجنس البشري، فأصبح أمرًا عاديًّا لا يثير الدهشة أن ينتج المختصون محصولًا زراعيًّا عن طريق الهندسة الوراثية، وتعديل الجينات بصفات أخرى غير تلك التقليدية التي يعرفها الناس، فالفلفل على سبيل المثال صار متوفرًا بكل الألوان وبدرجات متعددة للون الواحد، وغيره العديد من الثمار والمحاصيل الأساسية في تغذية البشر والحيوان، صرنا نراها بمظاهر جديدة وأحجام لم نعهدها من قبلُ. رغم مرور زمن طويل نسبيًّا على انتشار المحاصيل المعدلة وراثيًّا، فما زالت موضع جدل وخلاف بين المؤيدين الذين يرون فيها الحل الأمثل لزيادة الإنتاج وتلافي حدوث المجاعات مع النمو السكاني المضطرد، وبين المعارضين الذين يخشون آثارًا سلبية على صحة الإنسان وسائر المخلوقات التي تتغذى على هذه المحاصيل، إضافة إلى أن طريق التعديلات الوراثية أحادي الاتجاه لا رجعة فيه، كون بذور المحاصيل المعدلة ذات خصائص وصفات مسيطرة وأكثر مقاومة للظروف البيئية الصعبة والآفات؛ مما يجعلها تحل تدريجيًّا مكان البذور التقليدية التي هي أصلًا لم تعد طبيعية بالكامل، بسبب كثافة استخدام المبيدات الحشرية، والأسمدة الكيميائية والمضادات الحيوية، والهرمونات وغيرها من وسائل تحسين الإنتاج، فهذه بدورها سيتقلص وجودها وتختفي مع الزمن. فلك الآن أن تتصور ما سوف يحل بنا إن امتد هذا التدخل العلمي بالجينات إلى البشر، بعد أن طال النبات والحيوان بشكل أعمق، وتمادَى العلماء بهذا الأمر بصورة غير منضبطة بالتلاعب بمنظومة الجينوم البشري تحت أي ذريعة كانت، كما ظهرت بوادر ذلك في الصين بلد العجائب، فأي مصير ينتظر أجيال المستقبل؟ وهل ستبقى هذه التدخلات محصورة ضمن مجال الطب وتطوير العلاج، أم سندخل في مجالات أكثر خطورة!
أساسيات مرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف
عباس سبتي
26-12-2018
6,003
https://www.alukah.net//culture/0/131631/%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%b1%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%87%d8%a7%d9%8a%d9%85%d8%b1-%d9%88%d8%a3%d8%b4%d9%83%d8%a7%d9%84-%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%89-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d9%81/
أساسيات مرض الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف The Basics of Alzheimer’s Disease and Other Forms of Dementia إعداد الباحث / عباس سبتي من الطرق الجيدة لفهم مرض الزهايمر هي معرفة مرض الخرف، ووفقًا للمعاهد الوطنية للصحة، فإن الخرف هو مصطلح عام يُشير إلى الأعراض التي تنشأ من مجموعة متنوِّعة من الأمراض والاضطرابات الدماغية في حين أن مرض الزهايمر هو أكثر أشكال الخرف شيوعًا (60٪ إلى 70٪ من جميع حالات الخرف)، هناك أكثر من 100 نوع من هذه الحالة. يُعطِّل الخرف أكثر من مجال من مجالات الوظائف المعرفية، مما يجعله مختلفًا عن اضطرابات الدماغ التي تُؤثر في مجال واحد فقط؛ مثل: فقدان الذاكرة ( يؤثر في الذاكرة ) وفقدان الكلام ( يؤثر في المهارات اللغوية ) ليس فقدان الذاكرة بدلًا من ذلك، ينطوي على فقدان العقل ككل. السمة المشتركة هي فقدان وظيفة الدماغ التي تتدهور ببطء مع مرور الوقت، وتتمثَّل الأعراض المعتادة في فقدان الذاكرة، والارتباك، والصعوبات المعرفية ( خاصةً مع قدرات الكلام والاتِّصال والتفاهُم ). أسباب الخرف " Causes of dementia ": العديد من الأمراض المختلفة يمكن أن تؤدي إلى الخرف؛ مثل: السرطان، وارتفاع ضغط الدم، والسكتة الدماغية، وقصور الغدة الدرقية، والإيدز، ونقص الفيتامينات وسوء التغذية، والاكتئاب الشديد، ومرض باركنسون، وغيرها من بين الأسباب الأكثر شيوعًا: • مرض الزهايمر " Alzheimer’s disease" (AD) : وفقًا للمعهد الوطني الأمريكي للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية ( NINDS )، "في البداية، يعاني الناس فقدان الذاكرة والارتباك، ومع ذلك، فإن أعراض هذا المرض ( AD ) قد تؤدي تدريجيًّا إلى تغيُّرات في السلوك والشخصية لدى المسنِّ، وانخفاض في القُدْرات الإدراكية؛ مثل: اتِّخاذ القرار والمهارات اللُّغوية، ومشاكل التعرُّف على الأسرة والأصدقاء، ويؤدي المرض في نهاية المطاف إلى فقدان شديد للوظيفة العقلية، وتتعلَّق هذه المشكلات بضعف العلاقات بين بعض الأعصاب المعينة في الدماغ وموتها بعد ذلك، هذا هو السبب الأكثر شيوعًا؛ لأن المرض يُغيِّر بنية الدماغ والتوازُن الكيميائي في الدماغ، مما يُؤدِّي في النهاية إلى موت خلايا الدماغ. • الخرف الوعائي " Vascular dementia ": ينشأ هذا المرض الأكثر شيوعًا للخرف بسبب نقص الإمداد بالأكسجين لخلايا الدماغ، وعادةً ما تتعرَّض الأوعية الدموية في الدماغ للتلف بعد السكتة أو سلسلة من السكتات الدماغية الخفيفة التي تحدث مع مرور الوقت. • مرض كروتزفيلد جاكوب " Creutzfeldt-Jakob disease ": العوامل المعدية ( تُسمَّى بريونز - prions ) تغزو الجهاز العصبي المركزي، وتهاجم الدماغ في النهاية، مسببةً مرض الخرف. (مرض تنكسي مميت يُؤثِّر في الخلايا العصبية في الدماغ، مما يُسبِّب اضطرابات عقلية وجسدية وحسية؛ مثل: الخرف ، والنوبات المرضية، ويعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى " prions " هذه الكلمة عبارة عن جسيم بروتيني يعتقد أنه سبب أمراض الدماغ؛ مثل: مرض جنون البقر، ومرض كروتزفيلد جاكوب. البريونات غير مرئية بشكل مجهري، ولا تحتوي على حمض نووي، وهي شديدة المقاومة للتدمير، ومن ثم أن يكون مرتبطًا بمرض جنون البقر وغيره من الاعتلالات الدماغية الإسفنجية؛ مثل: الكورو، وداء سكريبي " kuru and scrapie " - المترجم ). • الخرف مع أجسام ليوي " Dementia with Lewy bodies ": وفقًا للمعاهد NIH ، فإن الميزة المركزية لـ DLB هي التدهور المعرفي التدريجي، جنبًا إلى جنب مع ثلاث سمات تعريف إضافية: (1) وضوح " التقلبات " في اليقظة والانتباه؛ مثل: النعاس المتكرِّر، والخمول، وفترات طويلة من الوقت الذي يقضيه في الفضاء أو الكلام غير المنظَّم. (2) الهلوسة البصرية المتكرِّرة. (3) أعراض الحركة الهوائية؛ مثل: الصلابة، وفقدان الحركة التلقائية. "تتطور بنى شبيهة بالكرة الأرضية في الخلايا العصبية في الدماغ، مما يتسبب في النهاية في انحلال نسيج الدماغ، ويؤثر في وظائف الذاكرة والتركيز واللغة. • متلازمة كورساكوف " Korsakoff’s syndrome ": عبارة عن اضطراب دماغي ناجم عن شرب الخمر على مدى فترة طويلة، وهو ( مرض عقلي خطير، وعادة ما يكون نتيجة إدمان الكحول المزمن، ويتميَّز بالضياع، والميل إلى اختراع التفسيرات لتغطية فقدان الذاكرة للأحداث الأخيرة – المترجم ). • الخرف الجبهي الصدغي " Fronto-temporal dementia ": تلف الفصوص الأمامية في الدماغ، مما يؤدي إلى تغييرات كبيرة في الشخصية والسلوك. • الضعف المعرفي المرتبط بالإيدز ( AIDS ): قد يُسبِّب مرض الإيدز أضرارًا في الدماغ في مراحله المتأخِّرة؛ مما يضعف وظائف الدماغ المعرفية. • ضعف إدراكي معتدل" Mild cognitive impairment ": وهو مصطلح تم صياغته لوصف أولئك الذين يعانون مشاكل في الذاكرة أكثر من المعتاد بالنسبة للعمر؛ ولكن أقل حدة من تلك المرتبطة بمرض الزهايمر. انتشار الخرف " Prevalence of dementia ": تصبح معظم أشكال الخرف أكثر انتشارًا مع تقدُّم السن، تقدر معاهد الصحة الوطنية أن 10٪ تقريبًا من الأشخاص فوق 65 عامًا لديهم ظروف تؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر، ويتأثَّر ما يقرب من نصف الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 85 سنة. الأعراض " Symptoms ": يصاحب ظهورَ الخرف أعراضٌ دقيقةٌ للغاية، وقد تمرُّ سنوات قبل أن تصبح الأعراض ملحوظة. فقدان الذاكرة على الرغم من أنه شائع؛ لكن لا يشير دائمًا إلى الخرف، فقد تتأثَّر أولًا مناطق الدماغ المسؤولة عن اللغة، والمنطق، والمفاهيم الحسية، والشخصية، خاصةً تلك التي تبدأ أعراضُها قبل سن 65، وبصرف النظر عن فقدان الذاكرة، فإن مشاكل التواصل ( سواء كان في الكلام أو الكتابة أو القراءة ) والمزاج المتقلِّب التغييرات يمكن أن تشير أيضًا إلى مرض الخرف. "إن الخاصية الشائعة للخرف هي فقدان وظائف المخ، وتتقدَّم ببطء؛ ولكن تزداد شدَّتُها بمرور الوقت، وأكثر الأعراض شيوعًا هي فقدان الذاكرة، والارتباك، والصعوبات المعرفية ( خاصةً مع قدرات الكلام والتواصُل والتفهم )". الخرف عمومًا ليس له علاج، بعض الأدوية تُؤخِّر استفحال المرض لدى بعض الأفراد المسنِّين، وتُوفِّر الإغاثة المؤقتة من أعراض أنواع معينة من الخرف.
جدول في علم الحرث على حساب الشثور (PDF)
د. محمد بن ناصر الشثري
26-12-2018
7,955
https://www.alukah.net//culture/0/131628/%d8%ac%d8%af%d9%88%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%ab-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ad%d8%b3%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ab%d9%88%d8%b1-PDF/
♦ عنوان الكتاب: جدول في علم الحرث على حساب الشثور. ♦ المؤلف: د. محمد بن ناصر الشثري. ♦ سنة النشر: 1427 هـ - 2006 م. ♦ عدد الصفحات: 71. بين يديك أخي الكريم رسالة مخطوطة في علم النجوم والفلك والحراثة أحضرها لي بعض الإخوان الفضلاء وعنوانها (جدول في علم الحرث على حساب الشثور) وهي من تأليف الشيخ صالح بن محمد الشثري والذي قال في مقدمتها: (سألني بعض الأقارب والإخوان ممن له في القلب مكان أن أجمع له مصطلح سلفنا الشثريين من الحساب المنسوب إليهم في علم الحراثة وأسامي الأنواء وما يتبع ذلك من معرفة فصول السنة وأوقات الزرع ولقاح الأشجار وحصاد الثمار.. إلخ).
زاد الطالب من النحو العربي: القواعد والتطبيقات
عبدالله بخيت الحربي
25-12-2018
14,651
https://www.alukah.net//culture/0/131607/%d8%b2%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d9%82%d8%a7%d8%aa/
زاد الطالب من النحو العربي القواعد والتطبيقات ♦ اسم المؤلف: عبدالله بخيت الحربي. نبذة عن الكتاب: هذا الكتاب من منشورات دار: عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع - إربد - الأردن. ولقد جاء الكتاب في ألفين وثمانين صفحة موزعة على أربعة مجلدات. وهذا الكتاب يستوعب جميع أبواب النحو العربي، وكان عملي فيه على هذا النحو: أولاً: استقرأتُ قواعد النحو العربي ومسائله من خلال ما ذكره العلماء الثقات في هذا العلم، تتبعتُ هذا في كتبهم وأقوالهم المنقولة عنهم. ثانيًا: قدَّمْتُ بمقدمة لكل باب من أبواب النحو قبل الدخول فيه، ذكرْتُ فيها تعريفه لغة واصطلاحًا، ثمَّ شرحْتُ هذا التعريف وبيَّنْتُ محترزاته. ثالثًا: عُنِيت بذكر ما يتعلق بالباب من قواعد وأحكام ومسائل معنْونًا لكلٍّ بعنوان يناسبه. رابعًا: عُنِيت بتقريب هذه القواعد وما يتبعها من أحكام ومسائل، وكشفت الغامض منها، وأظهرت الخفي من أسرارها موضحًا وممثلاً لكلٍّ بمثال يتناسب مع الحياة العصرية. خامسًا: أتبعتُ الأمثلة بشاهد أو أكثر من الكتاب العزيز، فإنْ لم يكن هناك شاهد من القرآن اكتفيْتُ بما مُثِّل له من كلامنا. سادسًا: ضبطْتُ الشواهد القرآنية بحسب القراءة التي قُرئت بها. سابعًا: كان للعل النحوية وأسرار النحو نصيب في هذا الكتاب، إذْ بذكر العلَّة يُطمأنُّ إلى الحكم أو القاعدة أو نحو ذلك. ثامنًا: لم أهمل الشواهد الشعرية في هذا الكتاب، لكن لم يكنْ جُلُّ التعويل عليها في التمثيل كالقرآن الكريم، وليس معنى ذلك أنَّه لا تعويل عليها أبدًا، بل قد لا يكون المسموع غيرها، فتكون هي الحجة والدليل في حكم أو مذهبٍ ما. تاسعًا: ذكرتُ موطن الشاهد في البيت ووجه الاستشهاد به. عاشرًا: خرَّجْتُ الشواهد الشعرية من ديوان الشاعر إنْ وجِد، وإلا ذكرتُ المصدر المنقول منه، وكانت طريقتي في ذلك أنْ أذكر المصدر الأقدم ثمَّ الذي يليه. الحادي عشر: تعرَّضْت كثيرًا لمسائل الخلاف بحكم طبيعة هذا الكتاب، فأذكر أقوال النحاة ناقلاً أدلتهم، وما يرِد على بعضها، موثقًا أقوالهم من مصادرها الأصلية قدر الإمكان وإلا ذكرتُ الناقل عنهم. الثاني عشر: بالنسبة للشاذ من الأمثلة التي يُظَنُّ أنَّها ترد على القاعدة أو يُعترض بها على مذهب نحوي لم أتركها بالكلية ولم أكثر من ذلك، فذكرت ما لا بدَّ من ذكره حتى يُتنبَّهَ له، فلا يُظنُّ وروده على القاعدة أو المذهب ونحو ذلك. الثالث عشر: أتبعْتُ ما أذكره من القواعد والأحكام بالتطبيقات الإعرابية. الرابع عشر: عملت فهرسًا مفصلاً في آخر الكتاب، لتسهيل عملية البحث في الكتاب. والخلاصة: أنَّ هذا الكتاب يغني الطالب أو الباحث عن كثير من كتب النحو، إذْ جمعت فيه قواعد النحو العربي، وما يندرج تحتها من أحكام ومسائل، وخلافات، وآراء، وما يرد عليها، شارحًا وموضحًا ما يحتاج لشرح وتوضيح، ملتقطًا المفيد من العلل، ممثلاً لذلك من كلامنا، متبعًا هذه الأمثلة بشواهد من كلام الله عز وجل، مذيلاً ذلك بالتطبيقات الإعرابية، موثقًا المنقول من مصادره الأصلية قدر الإمكان وإلا ذكرت المصدر المنقول عنه.
بوابة التقدم: قفزات إنسانية
د. جمال يوسف الهميلي
23-12-2018
4,552
https://www.alukah.net//culture/0/131560/%d8%a8%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%af%d9%85-%d9%82%d9%81%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9/
بوابة التقدم " قفزات إنسانية " كان هذا عنوان البرنامج الوثائقي الذي اجتمعت عائلة أبي همام لمتابعته بشغف، وبعد جولة تاريخية، وصل البرنامج في الحديث عن القرن العشرين: " انتبهوا، إنه يتحدث عن وقتنا القريب جدًّا "؛ هكذا قال الابن الأوسط حارث، صمت الجميع، فقال المتحدِّث: وفي القرن العشرين، حدثت قفزات إنسانية كبيرة على مستوى الدول، ولن يكون حديثنا عن أوربا وأمريكا؛ بل عن آسيا بداية، فمثلًا: هذه الدولة (ظهرت خارطة) ، جزيرة لا تتعدَّى مساحتها 716كم 2 ، ومحرومة من النفط والثروات الباطنية استطاعت خلال أربعة عقود (أربعين سنة) بقيادة لي كوان يو أن ترفع دخل الفرد من 400 دولار عام 1959 إلى 22 ألف دولار عام 1999، إنها معجزة حقيقة، إنها سنغافورة. ومثالنا الثاني دولة صرَّح الجنرال دوغلاس ماك آرثر بأنها: "ليس لها أي مستقبل، ومن الصعب أن تنهض بنفسها حتى لو بعد مئات من السنين"، في بداية الستينيات الميلادية من القرن الماضي كان دخل الفرد 82 دولارًا، وصادراتها أقل من 40 مليون دولار، بعد سنوات من الكفاح أصبح دخل الفرد 27 ألف دولار سنويًّا، وزادت صادراتها عن 560 مليار دولار،إنها كوريا الجنوبية التي كانت نتيجة حروب مزَّقت كوريا إلى دولتين، هذه واحدة منها. ونختم برنامجنا بالحديث عن دولة أفريقية اسمها يعني بلد الألف تل، مساحتها 26000كم²، عدد سكانها 12 مليون نسمة، 1994م دخلت في حرب أهلية راح ضحيتها أكثر من مليون شخص، وبحسب تقارير الحكومة الرواندية، فإن دوامة القتل بين إبريل ويوليو 1994، أودت بحياة عشرة آلاف مواطن في اليوم ؛ أي: 400 في الساعة و7 في الدقيقة؛ لكنها خرجت بعدها لتبدأ عملية النهضة، وقد نشرت محطة سي إن إن تقريرًا أظهرت فيه قصة نجاح رواندا العظيم؛ حيث حقَّقت الاستقرار والنمو الاقتصادي (متوسط الدخل قد تضاعَفَ ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة) ، لتحقق المركز السابع في النمو الاقتصادي على مستوى العالم ، وأصحبت جديرة بمقولة: " رواندا من الإبادة إلى الريادة ". انتهى البرنامج ليلتفت همام مندهشًا مستغربًا حائرًا ليقول: يا أبي، لقد تقدَّمت أوربا وأمريكا وآسيا وأفريقيا، فمتى نتقدَّم نحن؟ ليقفز حارث ويشاركه: لماذا لا نتقدَّم نحن مثل أولئك؟ وقبل أن يتكلم الوالد، تسبقه علياء لتقول: يا أبي، ألسنا مسلمين، ولدينا تراث عظيم، ودين قويم، ولدينا ثروات هائلة، كان الأجدر بنا أن نكون في الريادة والسيادة، فكيف نتقدَّم؟ وأمام حرقة الأبناء وتلهُّفهم، التفت الأب إلى الأم، فأشارت إليه وأنا منهم، لتصبح الكرة في مرمى الأب، وأمام العاطفة الجيَّاشة الباحثة عن الحقيقة، قرَّر الأب أن يتحدث: فقال: الموضوع ليس بهذه السهولة، فقضية التقدُّم تتطلَّب منظومة متكاملة من الأمور، كما أن أسباب عدم التقدُّم كثيرة ومتنوعة ومتشابكة؛ لكن السبب الرئيس هو ضعف الإيمان والتزامنا بهذا الدين؛ لذا - قبل أن يكمل- قاطعه حارث بأدَبٍ قائلًا: هل سنغافورة وكوريا الجنوبية ورواندا والصين وغيرها أكثر منا إيمانًا والتزامًا بالدين الحق؟ احتار الأب قليلًا، ثم قال: لا، ليسوا أكثر منا إيمانًا، ولا تديُّنًا؛ لكنا نحن ارتبط تقدُّمنا بالتزامنا بديننا، فكما قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "نحن قومٌ أعزَّنا اللهُ بالإسلام، فمهما ابتغينا العزَّة بغيره أذلَّنا الله". عليا: وهل قانون التقدُّم ونظرياته تختلف من أمةٍ إلى أخرى، أعني هل شروط تقدُّمنا نحن المسلمين تختلف عن شروط تقدُّم غيرنا من الأمم؟ أليست البشرية متساوية، ومن أصل واحد؟! الأب: إن ما نقع فيه من الذنوب والمعاصي على المستوى الفردي والجماعي، هو المعيق الأكبر لتقدمنا، فمن عقوبات المعاصي الحرمان من التقدم والنهوض، فلا سبيل لنهضتنا إلا بترك المعاصي في مختلف جوانب الحياة. همام: إذا كان هذا الكلام صحيحًا، فإن أكبر ذنب ومعصية هو الشرك بالله، وكما يقولون ليس بعد الكفر ذنب، ومع ذلك نرى الأمم المشركة والكافرة تتقدم وتتطور، بل وتتفوق علينا، أم أن لنا معادلة خاصة؟! فانبرت الأم لتقول: علينا التمسُّك بالإسلام وتطبيقه في كل مناحي الحياة وعندها سنتقدم، وسنسود العالم، كما كان أجدادنا، أنسيتم تاريخ المسلمين وتفوُّقهم على سائر الأمم بما فيها أوربا. حارث: إني أرى الملايين من المسلمين يصلُّون ويصومون ويحجُّون ويزكُّون ويذكرون الله، وأرى تلك الصورة الجميلة للمسلمين وهم يبكون في رمضان تأثُّرًا بالقرآن، وأتأمَّل مكتبتنا الإسلامية التي تحوي الآلاف من الكتب الكبيرة والضخمة، وأسمع عن الآلاف من خريجي الدراسات الشرعية في كل عام، وفي كل جمعة يردِّد الملايين على المنابر دعاء الله بنصرة الدين وتقدُّم المسلمين؛ لكني لم أرَ أثَرَ ذلك في تقدُّمنا؛ بل على العكس أحيانًا. همام: لا داعي للاسترسال، فكلنا يلاحظ ذلك، وكلنا يؤمن بقدرة الله، وكلنا متيقنون بقَدَر الله، ومع هذا فأنا أوافقك على هذه المظاهر، مظاهر التديُّن للملايين من المسلمين، ولا نشك في اخلاص الكثير منهم - نحسبهم ولا نزكِّي على الله أحدًا - لكن أين آثار التقدُّم؟! الأب: إنها مظاهر كما قلت وليست جواهر، نحن نحتاج إلى جواهر ومظاهر، نحتاج إلى مراقبة الله في الصغيرة والكبيرة، نحتاج إلى حقيقة التديُّن وليس إلى قشوره، نحتاج إلى فهم الدين الشامل للحياة وليس في جزئيات، متى ما تجذر الإيمان في القلوب وصدَّقه العمل، عندها انتظروا التقدم، والآن سأذهب إلى النوم، فلدي عملٌ شاقٌّ غدًا. علياء: لحظة واحدة يا أبي، دقيقة فقط، إذا كان التقدُّم الإنساني لأي أمةٍ مرتبطٌ بتمسُّكها بالدين جوهرًا ومظهرًا، فما بال الشيوعية والرأسمالية وعُبَّاد الأصنام والهندوس وغيرهم يتقدمون؛ بل ويتسابقون للريادة؟ التفت إليها الأب، ثم قال: تصبحون على خير، السلام عليكم ورحمة الله. وبعد قليل، تدخل الأم الغرفة لترى الأب وهو جالسٌ متأمِّل، حتى إنه لم يشعُر بها، وعندما اقتربت منه قليلًا سمعته يقول: متى نتقدَّم؟ لماذا لم نتقدَّم؟ كيف نتقدَّم؟ كنت أظن أني مستوعب الإجابة، فما بالي اليوم أمام أبنائي، هل صحيح ما كنت أعرفه أن طريق تقدُّمنا يمرُّ عبر بوابة الدين لا غير؟! إذن كيف سبقنا الكفار؟ فقاطعته الأم قائلة: نعم ما تُفكِّر فيه صحيح. قال: كيف؟! ونحن في ذيل القائمة، وفي آخر السباق العالمي! قالت: قبل أن نتقدم، لابد من مراجعة بنيتنا الفكرية والثقافية، فهي الأرضية التي ستقوم عليها الحضارة والتقدم، فقبل العمل لابد من العلم، فلا تقدُّم بلا أرضية علمية وثقافية وفكرية تُمهِّد طريق التقدُّم، وتجعله واضحًا، لا لبس فيه، فلا تكفي سلوكيات ظاهرة وقلوب طاهرة حتى تضاف إليها بنية قاهرة، أوربا استنزفت قرون من المداولات والمراجعات والمعارك حتى خرجت بما نراه. الأب: ونحن؟ الأم: نحن لدينا ما يُقلِّل لنا الزمن، ويختصر لنا الطريق، إذا عرفنا أين نضع أقدامنا، وساهمنا في البنيان المتين، فكريًّا ومنهجيًّا وتطبيقيًّا. الأب: وماذا تقصدين بهذا الكلام، وما البنية الفكرية والمنهجية المطلوبة. الأم: هذا ليس الآن، فأنت لديك عمل شاقٌّ غدًا، فلتسترح، وغدًا لنا كلام ولقاء في نفس المكان ومع الأبناء بإذن الله. اطمأن الأب، وذهب إلى فراشه. وها أنت تنظر إليه، وقد وضع رأسه على الوسادة وعلى جنبه الأيمن، ثم تسمع صوته وهو يقول: باسمك اللهم أموت وأحيا، واستسلم للنوم بانتظار الغد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشافعي والحداثيون
مبارك عامر بقنه
23-12-2018
5,943
https://www.alukah.net//culture/0/131555/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d9%8a%d9%88%d9%86/
الشافعي والحداثيون دعونا في البدء نتساءل: هل يمكن للعقل الإسلامي المعاصر أن يتخلى عن فكر الشافعي وعن أصوله المقررة في كتبه؟ وهذا السؤال يأتي للذهن بسبب ما يطرحه الحداثيون من الدعوة للتخلي عن فكر الشافعي، فلماذا؟ الناظر في كتب الشافعي يجد أنه لم يقدم شيئًا مختلفًا عما كان عليه أسلافه، فلم يكن مبتدعًا خارجًا عن سياق السلف، وإنما بذل جهدًا جبارًا في جمع الأصول المتناثرة وتأليفها في عقد منتظم؛ لتكون منارة لطالب العلم، وحصنًا للشريعة، وتكون ضابطة للفكر من عدم الانفلات والخروج عن طريق السلف. وللجواب على السؤال المتقدم، نقول: إن الأصول التي ذكرها الشافعي هي أصول شرعية لا يُمكن تجاوزها؛ لأنه استقاها من الكتاب والسنة، فتجاوزها هي تجاوز للكتاب والسنة، وبقاء هذه الأصول حتى يومنا، هو بسبب أنها مستمدة من الوحي الرباني الباقي لكل زمان ومكان، فموت الشافعي لا يعني موت الأصول التي ذكرها، فهذه الأصول ستبقى حية ما دام الإسلام، وسواء وجد الشافعي أو لم يوجد، فستكون هذه الأصول حاضرة موجودة، فوجودها منبثق من النصوص الشرعية وليست نتاجًا بشريًّا. الفكر الحداثي يعادي الشافعي؛ لأنه يريد أن يفسر الإسلام تفسيرًا حديثًا بعيدًا عن التفسير التراثي، أو التفسير السلفي الذي يتبناه الشافعي، فالشافعي كان حجر عثرة في طريق الحداثيين؛ إذ وضع الأصول على فَهْم الصحابة والتابعين في تفسير النصوص، والحداثيون يريدون أن يقفزوا على هذه الأصول التي قرَّرها الشافعي، ويتجاوزوا الثوابت القديمة؛ ليشكلوا نمطًا معرفيًّا جديدًا، فهم في الأصل يعترضون على أي أصول سواء قرَّرها الشافعي أو غيره؛ لأنهم يريدون دينًا مائعًا هلاميًّا لا صرامة فيه، فالدعوة لتجاوز الشافعي بدلًا من الدعوة لتجاوز الأصول هو من باب قبول القول وتمريره على الناس. لقد أسَّس الشافعي الأصول، وجعل من ذلك ضرورة التمكن من اللغة العربية لمن أراد أن يجتهد، وجعلها آلة الفهم للوحي، فكان هذا الضابط معيقًا لحركة الحداثيين، فهم يريدون لغة متحررة من الضوابط مليئة بالرمزية التي يؤول تفسيرها وفَهْمها للفرد، فهم لا يريدون الالتزام بقواعد اللغة، فاشتراط الشافعي اللغة العربية للاجتهاد يعني إخراج زمرة الحداثيين من الاجتهاد، وأنهم غير مؤهلين لمعرفة الشريعة، فضلًا عن الاجتهاد فيها. الحداثيون يرون أن الشافعي حين جعل القياس من أصول الفقه، قد ضيَّق مساحة الاجتهاد، وأنه جعل العقل أقل تحررًا وانفلاتًا، وهذا أمر مشين عند الحداثيين، فالحداثيون هم أعداء التأصيل، فهم أصحاب فكري نسبي لا يرون شيئًا ثابتًا، فالحقيقة مائعة عندهم، تختلف الحقيقة باختلاف الأشخاص، فالحق هو ما يعتقده الشخص، وليس ما كان في ذاته، لذلك كانت أصول الشافعي ناسفة للفكر الحداثي المائع الذي يدعو للنسبية المعرفية. ومما يأخذه الحداثيون على الشافعي أنه قرر أن الوحي يدل بطرق مختلفة على حلول لكل المشكلات التي وقعت، أو يمكن أن تقع في الحاضر أو المستقبل، فهم يرون أن هذا القول حول العقل العربي إلى عقل تابع، يقتصر دورُه على تأويل النص واشتقاق الدلالات منه، فهم يرون أن الشافعي يؤسس بالعقل "إلغاء العقل"، فالحداثيون يريدون أن تبقى الشريعة في نطاق ضيق لا يتجاوز الفرد، بخلاف ما أصَّله الشافعي. الفكر الحداثي ليس قضيته الشافعي فقط، بل قضيته مع التراث، فهو يريد إعادة تشكيل التراث وَفق قراءة معاصرة مائعة، لذلك يتجه الفكر الحداثي دومًا إلى إعادة تفسير للتراث وَفق منظومته النسبية، محاولًا مع ذلك إلغاءَ الأصول والضوابط التي تجعل هناك صلابة وقوة للفكر الإسلامي، ولا يتم إلغاء هذه الأصول الدقيقة إلا بنقد مؤسِّسي علم الأصول وعلى رأسهم الشافعي. والاستدلال المعاصر بقول الشافعي ليس دلالة على بلادة العقل المعاصر، وإنما كفانا الشافعي مؤنة وضْع هذه الأصول التي سبق تقريرها من قبله، فكانت أسبقيته لتدوينها تستحق الإشادة به، وذكر فضله، ولا يَمنع من الإضافة إن كان متوافقًا مع مقررات الشريعة.
من الإحباط المنكفئ إلى التفاؤل المتطلع
نايف عبوش
23-12-2018
9,237
https://www.alukah.net//culture/0/131546/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ad%d8%a8%d8%a7%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%83%d9%81%d8%a6-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%a7%d8%a4%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b7%d9%84%d8%b9/
من الإحباط المنكفئ إلى التفاؤل المتطلع يلاحظ شيوع مشاعر الإحباط والانكفاء بين أوساط كثير من الناس في مجتمع اليوم، وربما يمكن تلمُّس هذه الظاهرة من خلال السلوكيات المنكفئة، والروح الانعزالية للبعض، والتذمر من العيش، وفي مضمون ما ينشر من كتابات في الصحف، وما يتم تداوله من منشورات في مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية؛ حيث تتسم كل تلك التجليات بمشاعر الاستياء، ويلفها الانزواء والاكتئاب الممعن باليأس، بشكل يسد على الناس منافذ الأمل والتطلع؛ حيث يبدو الواقع في منظورهم سوداويًّا، وتتلاشى في مُخيلتهم آمال النفاذ إلى واقع أفضل. ولا شك أن الكتابات المحبطة تلعب دورًا كبيرًا في مفاقمة تداعيات واقع الناس الحقيقي، بما تشيعه من تسويغ للحال الناكص، وتبرير القبول بالأمر الواقع، وتشجيع الاعتياد على الحال، والرضا بالحرمان من الرفاه، وبالتالي فإن مثل هذه الكتابات تسهم في ترسيخ ظاهرة الانكفاء، وتُنمي مشاعر الاستلاب والضياع، وكراهية الحياة. ولعل من نافلة القول الإشارة إلى أن ظاهرة الانكفاء السوداوية الحسِّ، تقتل في الإنسان روح الطموح، وتجمِّد تفجير الطاقات الكامنة عنده، وبذلك تبدِّد ما يكمُن فيه من الإبداع والإرادة التي يمكن أن تحقِّق ما تزخَر به تلك الطاقات المحبطة من أهداف، فيما لو تم استغلالُها على نحو بنَّاءٍ. وهكذا تتعفن في مثل هذه الأجواء مفردات الحياة، ويتفسخ ما فيها من بقايا جمال، وتنمو في ساحتها العادات والسلوكيات السلبية على حساب قيم التطلع والطموح المنشود، وما يترتب عليها من منافع مرجوة. ويلاحظ أن مضمون الكثير من الكتابات والمنشورات التي يتم تداولها اليوم في مواقع التواصل الرقمي - عبثية، وتفتقر إلى الأغراض النبيلة، وتخلو في أغلب الأحيان من المضامين الاجتماعية النافعة، وتفتقر إلى تبصير المتلقين بمنافذ الخروج من متاهات دهاليز اليأس والإحباط، وبهذا تنعدم آفاق الحل، ويغرق المتلقون في دوامة الضياع، وتتبدد الطاقات، والقدرات، ويتلاشى عندهم الطموح. ولعل من أخطر التداعيات السلبية للإحباط المنكفئ - أن يشيع لدى البعض اليأس والقنوط؛ حيث تسكن الهزيمة دواخلهم؛ لتنعكس عندهم في أفكار نكوصية، تبالغ في اقتناص العيوب، وتضخيم السلبيات، وتثبيط عزيمة الآخرين، لنجد أنفسنا أمام ناس في مجتمع مُحبِط، ومُحبَط في نفس الوقت، لذلك ينبغي أن نتجنب تداعيات ظاهرة الإحباط، ونحرص على تفادي عكسها على الآخرين، وتثبيط هِمتهم، وذلك بالتخلص من الإحباط كلما أمكن ذلك، من خلال محاولة تجاوز كل ما يُضايقنا من مصاعب، والإصرار على عدم الاستسلام لها، وإشاعة روح التطلُّع للمستقبل بعين الأمل والتفاؤل بغد أفضل؛ حتى نتخطى مرحلة اليأس والقنوط بسبب تداعيات ما يواجه المجتمع من إشكالات في واقع الحياة اليومية، الأمر الذي يحجب عن الناس روح التطلع لواقع أفضل. ويقينًا، فإن الإصرار المتواصل على مواجهة الصعوبات، وعدم الاستكانة لها، والعزم على التعاطي معها بروح التحدي، وبهمة عالية، والسعي المتواصل لتجاوزها، هو ما يدفع الإنسان في أي مجتمع للاقتراب من تحقيق أحلامه، ويَمنحه فرصة مغادرة ظاهرة الإحباط والانكفاء التي تقتل فيه رُوحَ الأمل والتطلع.
ترجمة مختصرة لفضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد (رحمه الله)
رباب بنت محمد أحمد سيد أحمد
20-12-2018
12,343
https://www.alukah.net//culture/0/131493/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d9%81%d8%b6%d9%8a%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
ترجمة مختصرة لفضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد (رحمه الله) قالوا عن فضيلة الشَّيخ محمد بن أحمد سيد أحمد رحمه الله: يقول معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد حفظه الله: "إنَّني أعرفُ الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد منذ حوالي خمسة عشر عامًا؛ وذلك من خلال عمله بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة، ومن خلال عمله في موسوعة: (نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، وله جُهد مشكور في مجال الدعوة إلى الله، فهو ممن يصرفُ الكثير من وقته في تحصيل العلم وتعليمه ونشره، وله من المُؤلفات ما يربو على عشرين مُؤلفًا". ويقول سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل رحمه الله: "إنَّ أخي فضيلة الشيخ العلامة محمد بن أحمد سيد أحمد غني عن التعريف بما منَحه الله من شخصية مرموقة، وما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، وما أعطاه الله من العلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وغيرها، وله المؤلفات العديدة في الفنون المُفيدة والثقافة الإسلامية". البيانات الشخصية: اسمه: هو أبو عبدالله محمد بن أحمد سيد أحمد. مولده ونشأته: وُلِد الشيخ مُحمد بمركز إبشواي التابع لمحافظة الفيوم بمصر في الخامس عشر من ذي القعدة عام 1396هـ، الموافق 29/ 8/1950م، ونشأ الشيخ في بيت علم وأدب بين أبوين كريمين يغلب عليهما السماحة والوداعة، مع البُعد عن التعقيد في كافة الأمور المتعلقة بالحياة المعيشية، فتلقى الشيخ محمد المبادئ الأولى من القراءة والكتابة في كُتَّاب القرية بالإضافة إلى حفظ القرآن الكريم؛ فكانت تلك المبادئ التي تلقاها الشيخ محمد أحمد إعدادًا لما بعدها من مراحل التعليم المتقدمة من خلال التحاقه بالأزهر الشريف. المؤهلات العلمية: حصل الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد رحمه الله على العديد من الشَّهادات والإجازات العِلميَّة، وقد كانت مؤهلات الشَّيخ العِلميَّة على النحو التالي: ♦ تَخرَّج الشيخ من الكتاتيب في مرحلة مُبكرة، بعد حفظه لكتاب الله تعالى. ♦ ثم التحق الشَّيخ رحمه الله بالأزهر، وأتمَّ فيه دراسة مراحل التعليم الأساسية. ♦ ثم حصل الشيخ محمد على الإجازة العالية في الشريعة الإسلامية من الأزهر الشريف عام 1398هـ الموافق 1978م. ♦ كما أُجيز الشيخ إجازة علمية عامة بجميع مرويَّات ومُؤلَّفات سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل؛ حيث يقول رحمه الله: "ولمَّا رأيتُ الشيخ محمد أحمد سيد أحمد بهذه الصفات أحببته لله، وأجزتُه بمرويَّاتي ومُؤلفاتي وما حواه ثَبتي المُسمى "فتح الجليل"، وهو أجازني بمروياته ومؤلفاته مُدبَّجًا، واستفدت منه فوائدَ كثيرة"، وكان ذلك في الحادي عشر من محرم عام 1428هـ. ♦ وقد حصل الشيخ محمد على إجازة عامة من فضيلة الشيخ زهير بن مصطفى الشاويش بجميع ما يصح عنه روايته من مقروء ومسموع، وأصول وفروع، ومؤلفات وتحقيقات، ومقابلات ومقالات وتعليقات، وكان ذلك بمكة المكرمة في الثامن والعشرين من شوال عام 1416هـ. ♦ كذلك فإنَّ فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد رحمه الله حاصلٌ على عدَّة تزكياتٍ علمية من عدد من كبار علماء المملكة العربية السعودية ومصر، ومن أبرزها تزكيته من قِبل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله، وسماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل رحمه الله، ومعالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد حفظه الله، وفضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام رحمه الله، والدكتور حامد العابد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وسعادة الدكتور عبدالله بن عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وفضيلة الشيخ يحيى بن عثمان الحسين، وفضيلة الشيخ محمد عمر عبدالهادي، وفضيلة الشيخ محمد صفوت نور الدين رحمه الله الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية، وفضيلة الشيخ صفوت الشوادفي رحمه الله رئيس تحرير مجلة التوحيد، وغيرهم. شيوخه: تلقى فضيلة الشيخ محمد أحمد سيد أحمد رحمه الله العلومَ الشرعية على يد عددٍ من كبار علماء عصره، ولعل من أبرز هؤلاء العلماء الذين تتلمذ الشيخ عليهم ونهل من مَعين علمهم الصالح ما يلي: ♦ الشيخ عبداللطيف حماد رحمه الله. ♦ الشيخ محمود عبدالمتجلي رحمه الله، مدير إدارة شؤون القرآن بالأزهر. ♦ الشيخ عبدالمجيد فرُّوح رحمه الله، مدير منطقة الفيوم الأزهرية. ♦ الشيخ فؤاد مرزوق رحمه الله. ♦ الأستاذ الدكتور محمد السعيد عبد ربه، عميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر. ♦ الأستاذ الدكتور محمود شوكت العدوي رحمه الله. ♦ الشيخ الدكتور محمد محمود فرغلي رحمه الله، وغيرهم وجميعهم من علماء الأزهر الشريف. ومن العلماء الذين عاصرهم الشيخ محمد والتقى بهم واستفاد من علمهم: ♦ فضيلة الشيخ الدكتور عبدالحليم محمود رحمه الله شيخ الأزهر. ♦ الشيخ الدكتور محمد محمود الفحَّام رحمه الله شيخ الأزهر. ♦ الشيخ الدكتور جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله شيخ الأزهر. ♦ سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله. ♦ فضيلة الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي رحمه الله. ♦ فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله. ♦ سماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل رحمه الله. المؤلفات والبحوث العلمية: يقول معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد حفظه الله: "إنَّ فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد، قد يسَّر الله له الكتابة عن جَمعٍ من العُلماء الأعلام، فكان مُوفَّقًا في اختيارِه كما كان مُوفَّقًا في جَمعِه وإعداده، فقد اختار شخصيات أعلامًا كِبارًا في علمهم وأثرهم؛ كما تميز إعداده وجَمعِه بالحِرص على الاستقصاء عن المُترجَم في جميع أحواله وصفاته وأثره وشؤون حياته؛ وقد كان رحمه الله طويل النفس ثريَّ المصادر يُقدِّم لكل فصلٍ أو مبحث بمُقدمة علمية تأصيلية، لو أُفردت لكانت مُصنَّفًا في بابها مُستقلًّا، وقد قصد رحمه الله من مقدمات الفُصول والمباحث التأصيل والإفادة، والتمهيد لما يُريد أن يكتبه في حق المُترجَم من اتِّصافه بتلك الصِّفات والخصال، وتحصيله للنَّصيب الوافر منها" [1] . ويقول الدكتور سعيد بن سعد وكيل وزارة المالية سابقًا: "للشيخ محمد أحمد مؤلفات في مجال العقيدة والدعوة إلى الله عز وجل، ومنها كُتب في الأدب والأخلاق التي تُدرَّس في دار الحديث الخيرية ". وإنَّ من أبرز مؤلفات فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد رحمه الله ما يلي: ♦ المشاركة في إعداد موسوعة (نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم)، التي تقع في اثني عشر مُجلَّدًا [2] ، وقد أشاد فضيلة الدكتور عبدالرحمن بن ملوح بجهود الشيخ محمد أحمد رحمه الله في إعداد هذه الموسوعة؛ حيث قال: "يَسُر ويُسعد دار الوسيلة للنشر والتوزيع أن تُنوه بالجهود الطَّيبة والمُوفَّقة التي قام بها فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد، وذلك من خلال مشاركته الفاعلة وعمله الدَّؤوب في موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم طِيلة عشر سنوات". ♦ كتاب الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي (حياته العلمية وجهوده الدعوية وآثاره الحميدة)، يقع في مجلدين [3] ، وفي معرض الثناء على هذا الكتاب يقول معالي الدكتور عبدالله عبدالمحسن التركي حفظه الله: "تمَّ الاطلاع على مواضع من كتاب الشيخ العلامة عبدالرزاق عفيفي، فوجدته عملًا نافِعًا، بذلتم فيه جهودًا طيبة، وتضمَّن من المعلومات المفيدة الجديدة ما جعله سِفرًا قيِّمًا ومرجعا مُهمًّا في موضوعه". ♦ كتاب محمد نصيف حياته وآثاره، يقع في مجلد واحد [4] ، وقد قدَّم له الشيخ زهير الشاويش رحمه الله بقوله: "ولما جاءني الأخ العالم الفاضل الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد حاملًا معه هذا الكتاب راغبًا في طبعه، فتصَفحتُه ووجدته كِتابًا نافِعًا مُفيدًا بذل فيه هذا الأخ وزميله الأستاذ عبده بن أحمد العلوي جُهدًا كبيرًا، فكان هذا الكتاب من خِيرة كُتب التَّراجم" [5] . ♦ كتاب الشيخ العلامة المُحَدِّث محمد عبدالرزاق حمزة من كبار علماء الحرمين الشريفين، يقع في مجلد واحد [6] . ♦ كتاب الشيخ العلامة الفقيه والإمام القاضي النبيه عبدالله بن محمد بن حميد، يقع في مجلدين [7] ، وقدَّم لهذا الكتاب معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد حفظه الله بقوله: "أما ما كتبه الشيخ محمد أحمد سيد أحمد عن سماحة الوالد رحمه الله، فقد أجاد فيه وأفاد، ويسَّر الله فقرأته كله وراجعته وأشرفت عليه، كما اجتهدت بتزويده بكل ما لدينا من مراجع ومصادر وكتابات حول الوالد رحمه الله، وقد اجتهد المؤلف في الاستيفاء والاستقصاء، واستيعاب ما قيل وكُتب حول الشيخ رحمه الله، وكان مُوفقًا في ذلك" [8] . ♦ كتاب الشيخ العلامة والأديب الرَّحالة محمد بن ناصر العبودي، يقع في مجلدين [9] ، وقد قدم لهذا الكتاب معالي الشيخ الدكتور صالح بن حميد، وسماحة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العقيل بقوله: "قام فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد بتوثيق ترجمة قيِّمة للعلامة محمد بن ناصر العبودي، بيَّن فيه حياة الشيخ العلمية وجهوده الدعوية، ورحلاته العلمية وآثاره الحميدة، وغير ذلك من الجوانب العديدة، مُلحِقًا به تزكيات وشهادات وميداليات استحقها الشيخ العبودي، وقد اطَّلعتُ على هذا السِّفر القيِّم، فاستفدتُ منه فوائدَ كثيرة، فرغم معرفتي الوطيدة بالشيخ محمد العبودي التي بدأت منذ الستينيات من القرن الماضي وتقديري لجهوده، فإنني اطلعت من خلال هذه الترجمة على ما لم أكُن أعلمه من حياة أخي وصديقي الشيخ محمد ومؤلفاته العلمية" [10] . ♦ كتاب الشيخ العلامة الأديب عبدالظاهر أبو السمح إمام وخطيب المسجد الحرام، يقع في مجلد واحد [11] . ♦ كتاب المقاصد العليَّة من القصيدة النونية للعلامة ابن القيم في مجلدين، وقد قدم فضيلة الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله لهذا الكتاب القيم بقوله: "كَتَب فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد تعليقًا موجزًا مُفيدًا، بعبارات واضحة على القصيدة النونية في التوحيد المسمَّاه "الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية"؛ للعلامة أبي عبدالله محمد بن أبي بكر الشهير بابن قيم الجوزية؛ وقد سمى فضيلته التعليق "بالمقاصد العليَّة"، بيَّن في تعليقاته معاني المفردات، والمراد من الآيات بعبارات واضحة دقيقة على طريقة السلف الصالح رضي الله عنهم، وذكر شواهد الأحكام من الآيات والأحاديث التي أشار إليها الإمام ابن القيم في قصيدته مع بيان رقم الآية وسورتها". ♦ كتاب كفاية الإنسان من القصائد الغُرر الحسان، يقع في مجلد واحد [12] ، وأشاد بهذا الكتاب فضيلة الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن البسام عضو هيئة كبار العلماء رحمه الله بقوله: "فقد تصفحت المجموعة القيمة التي قام بجمعها وترتيبها وتهذيبها الشيخ الفاضل محمد بن أحمد سيد أحمد، فألفيتها مجموعة عظيمة النفع؛ فطالب العلم يجد في هذا المجموع القيم من القصائد النفيسة ما يفيده من العلوم النافعة، والعقائد الصحيحة، والأخلاق الكريمة، والمواعظ المُقربة إلى الله تعالى" [13] . ♦ كتاب أدلة علو الله على خلقه من الكتاب والسنة، وأقوال سلف الأمة، يقع في مجلد واحد [14] ، راجعه وقدَّم له فضيلة الشيخ محمد بن سليمان آل بسام، فقال في مقدمته: "اطَّلعت على ما اختاره وعلَّق عليه الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد من الكافية الشافية المشهورة بالنونية للعلامة ابن القيم، وهو "أدلة علو الله على خلقه"، فألفيتُه اختيارًا جميلًا؛ حيث أفرده بمؤلف صغير الحجم عظيم النَّفع لمن وفقه الله، فجزى الله الشيخ محمد على هذا الاختيار خير الجزاء، وجعله عملًا خالصًا نافعًا له يوم الجزاء" [15] . ♦ كتاب المُنتقى من جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، يقع في مجلد واحد [16] ، وقد قدم له الشيخ المحقق عبدالقادر الأرنؤوط رحمه الله بقوله: "لَمَّا كانت لكتاب جلاء الأفهام تلك القيمة العلمية المهمة، فقد قمت أنا والشيخ المحقق شعيب الأرنؤوط بتحقيقه وتخريج أحاديثه والتعليق عليه، ولكن في كتاب جلاء الأفهام من الإطالة والاسترسال ما جعله فوق طاقة العامة من المسلمين، الأمر الذي حمل الأخ الفاضل الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد على اختصاره في هذا المنتقى، واقتصر في إعداده على النصوص الحديثية وبعض الآراء الموضحة لها مما أورده ابن القيم في كتابه القيم، وقدم بعض النصوص وأخَّر أخرى بما يجعل المنتقى أسهل تناولًا لعامة القُراء من المسلمين، وربما استشهد ببعض الآراء المتصلة بالأحاديث لبعض العلماء المعاصرين وغيرهم في مصنفات أخرى، وقد رأيت في عمله ما يُقدِّم الفائدة للقراء إن شاء الله" [17] . ♦ تحقيق وتخريج كتاب الجديد في شرح كتاب التوحيد، يقع في مجلد واحد [18] ، ولوضوح عبارته وسلاسة أسلوبه، قامت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بجعل هذا الكتاب مُقررًا على طلاب المرحلة المتوسطة بالمعاهد والدور بالجامعة. ♦ تحقيق رسالة الاجتماع والافتراق في الحَلف بالطلاق [19] ، يقع في مجلد واحد، وقدم لهذه الرسالة فضيلة الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع [20] حفظه الله بقوله: "قام فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد بتحقيق رسالة "الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق"؛ لشيخ الاسلام ابن تيمية، كما قام بالتعليق عليها بتعليقات مقتبسة من نصوص لشيخ الإسلام من كُتبه، للدلالة على أن ما جاء في هذه الرسالة متفقٌ تمام الاتفاق مع ما يراه الشيخ، ويُفتي به ويُقرره، وقد قدَّم فضيلة الشيخ محمد أحمد بين يدي الرسالة ترجمة وافية لحياة شيخ الإسلام ابن تيمية، وجهاده بقلمه ولسانه في سبيل الله، وقد أشار في ترجمته إلى حياة شيخ الإسلام ابن تيمية الاجتماعية، والعلمية، وإلى الوضع الفكري في عصره؛ فجزى الله الشيخ محمد أحمد خير الجزاء، ووفَّقه للمزيد من تتبُّع جواهر شيخ الإسلام ابن تيمية" [21] . ♦ كتاب مهلًا يا جامع الدنيا، يقع في مجلد واحد [22] . ♦ تحقيق وشرح نونية القحطاني، غلاف [23] . ♦ شرح منظومة سلم الوصول إلى علم الأصول في توحيد الله واتباع الرسول، غلاف [24] . ♦ الثبات على الدين وأثره في حياة الأمة، غلاف [25] . ♦ توجيه المسلمين إلى طريق النصر والتمكين، غلاف [26] . ♦ الذنوب وقبح آثارها على الأفراد والشعوب، غلاف [27] . ♦ عقد اللآلئ والدرر في المواعظ والعبر: مختارات من قصائد السلف، غلاف [28] . ♦ الصلاة خاتمة وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم، غلاف [29] . جهوده في نشر العلم ومناصبه: إنَّ من أبرز الجهود العلمية والدعوية التي قام بها الشيخ محمد أحمد سيد أحمد ما يلي: ♦ التدريس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة قرابة الثلاثين عامًا، وقد اشتمل عمله بدار الحديث على ما يلي: • تدريس مواد العلوم الشرعية (العقيدة والحديث وغيرهما) لطلاب دار الحديث. • أحد أعضاء مجلس إدارة دار الحديث الخيرية. • رئيس لجنة ترشيح الدعاة بالخارج. • رئيس لجنة التحقيق والمراقبة بالدار. • رئيس القسم الثانوي بدار الحديث الخيرية. • نائب رئيس اللجنة العامة للنشاط المدرسي. • عضو لجنة اختيار المدرسين بدار الحديث الخيرية. ♦ تدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية بالمدرسة الثانوية التجارية بمحافظة الفيوم بمصر. ♦ إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والمقدسات الإسلامية بالأردن عام 1982م. ♦ إمام وخطيب جامع البِنيَّان بمكة المكرمة قرابة الثلاثين عامًا، وذلك خلال الفترة 1407هـ- 1434هـ الموافق 1985م- 2014م. ♦ إلقاء الخُطب والمحاضرات المنهجية والندوات العلمية في العديد من المؤسسات الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، والإمارات، والبحرين وغيرها. ♦ عضو الهيئة الاستشارية بمؤسسة مكة المكرمة الخيرية. ♦ كاتب متخصص في العلوم الشرعية والثقافية في المجلات الآتية: • مجلة التوحيد المصرية. • مجلة الدعوة السعودية. • مجلة البيان. • مجلة الفرقان الكويتية. • مجلة الحج السعودية، وغيرها من المجلات التي كانت تُثمِّن كتابات الشيخ محمد أحمد رحمه الله، وتحثه على الاستمرار في إرسال مقالاته وأبحاثه إليهم للعمل على نشرها؛ ليستفيد من أكبر عدد ممكن من القراء والمتابعين. رحلاته الدعوية: قام فضيلة الشيخ محمد بن أحمد سيد أحمد رحمه الله بالعديد من الرحلات الدعوية في الشمال الغربي من إفريقيا؛ حيث كان يقوم بالدعوة إلى الله تعالى في كل من النيجر، وجمهورية مالي، والسنغال، وغانا، وغينيا، وتوجو، والمملكة المغربية، وموريتانيا، وغيرها من البلاد. وكان رحمه الله بعد عودته من تلك البلاد، يُتابع الجمعيات الخيرية التي افتتحها هو وطلابه الذين تعلموا على يديه، ويُرسل لهم التبرعات، ويُقدم لهم المعونة بكل ما استطاع، حتى أسهم رحمه الله في افتتاح العديد من المشاريع الخيرية كمعاهد تحفيظ القرآن، والمساهمة في حفر الآبار في القرى المختلفة، بالإضافة إلى قيامه بتأسيس العديد من المشاريع الصغيرة التي تساعد الشباب على تعلُّم المهن والحِرف الضرورية للحياة اليومية. وفاته: توفي رحمه الله يوم الثلاثاء 13 /5 /1439هـ، الموافق 30 /1 /2018م، وصُلي عليه في الحرم المكي الشريف بعد صلاة العصر، وقد أمَّ المصلين فضيلة الشيخ ماهر بن حمد المعيقلي إمام وخطيب المسجد الحرام حفظه الله؛ وحضر جنازة فضيلة الشيخ محمد أحمد سيد أحمد عدد كبير من تلاميذه ومحبيه من طلاب العلم والمشايخ الأفاضل، ودُفن رحمه الله رحمة واسعة في مقبرة شهداء الحرم بالشرائع بمكة المكرمة. وفيما يلي بعض من صور رحلات الشيخ الدعوية: فضيلة الشيخ محمد أحمد يؤدي صلاة الظهر بمعهد تحفيظ القرآن الكريم والحديث الشريف بأكرا – غانا. مدرسة الحرية الإسلامية، منطقة وأ – غانا بتاريخ 10/4/1421هـ . فضيلة الشيخ محمد أحمد سيد أحمد يوجه طلابه الدعاة عند الوضوء بمجمع الهدى الإسلامي – غانا. الشيخ محمد يتفقد الفصول الدراسية في الثانوية الأولى العثمانية. الشيخ محمد أحمد سيد أحمد رحمه الله أثناء جلوسه مع الشيخ زهير الشاويش رحمه الله في المكتب الإسلامي – بيروت – لبنان . إعداد: رباب بنت محمد أحمد سيد أحمد ماجستير التربية الإسلامية والمقارنة – جامعة أم القرى [1] سيد أحمد، محمد أحمد: الشيخ العلامة الفقيه والإمام القاضي النبيه عبدالله بن محمد بن حميد، دار الصميعي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1437هـ. [2] نشر دار الوسيلة للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الأولى، 1418هـ. [3] نشر المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ. [4] نشر المكتب الإسلامي، بيروت، 1414هـ. [5] محمد نصيف حياته وآثاره، المرجع السابق، ص 9. [6] نشر مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الأولى، 1425هـ. [7] نشر دار الصميعي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1437ه. [8] الشيخ العلامة الفقيه والإمام القاضي النبيه عبدالله بن محمد بن حميد، المرجع السابق، ص 2. [9] نشر مكتبة الثقافة العصرية للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الأولى، 1431ه. [10] الشيخ العلامة والأديب الرحالة محمد بن ناصر العبودي المرجع السابق، المقدمة، ص 4. [11] لا زال الكتاب تحت الطبع في دارة الملك عبدالعزيز. [12] نشر دار ابن القيم للنشر والتوزيع، 1416هـ. [13] كفاية الإنسان من القصائد الغرر الحسان، مرجع سابق، ص 5-6. [14] نشر مكتبة السوادي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1412هـ. [15] أدلة علو الله على خلقه، مرجع سابق، ص 5-6. [16] نشر دار الوسيلة للنشر والتوزيع، 1415ه. [17] المنتقى من جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام، مرجع سابق، ص 5-6. [18] نشر مكتبة السوادي للنشر والتوزيع، الطبعة الخامسة، 1424هـ. [19] نشر وتوزيع مكتبة المنارة، الطبعة الأولى، 1408هـ. [20] عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية. [21] رسالة الاجتماع والافتراق في الحلف بالطلاق، مرجع سابق، ص 5-7. [22] نشر مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الأولى، 1423هـ. [23] نشر مكتبة السوادي للتوزيع، الطبعة الرابعة، 1420هـ. [24] نشر مطبعة سفير، الطبعة الثانية، 1421هـ. [25] نشر دار الوطن للنشر والتوزيع. [26] نشر إدارة المطبوعات، الطبعة الثالثة، د.ت. [27] نشر مكتبة السوادي، الطبعة الرابعة، 1414هـ. [28] نشر مكتبة المنارة، مكة المكرمة، الطبعة الثانية، 1408هـ. [29] الطبعة الأولى، 1414هـ.
قطوف ثقافية: وثائق – تراجم – مقالات - كتب (PDF)
د. محمد بن ناصر الشثري
20-12-2018
9,334
https://www.alukah.net//culture/0/131485/%d9%82%d8%b7%d9%88%d9%81-%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%ab%d8%a7%d8%a6%d9%82-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d9%85-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%83%d8%aa%d8%a8-PDF/
♦ عنوان الكتاب: قطوف ثقافية: وثائق – تراجم – مقالات - كتب. ♦ المؤلف: د. محمد بن ناصر الشثري. ♦ سنة النشر: 1434 هـ - 2013 م. ♦ عدد الصفحات: 266. أما بعد أخي القارئ الكريم كثيرًا ما أكتب مشاركات في بعض الصحف والمجلات، وغالبًا ما أحرص أن تكون في مواضيع مهمة سواء كانت اجتماعية أو تاريخية وغالبًا ما أحرص على أن تكون في مواضيع مهمة سواء كانت اجتماعية أو تاريخية أو غيرها.
ثقافة الاستهلاك والاتزان الاقتصادي
د. زيد بن محمد الرماني
19-12-2018
9,321
https://www.alukah.net//culture/0/131479/%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%87%d9%84%d8%a7%d9%83-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%aa%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a/
ثقافة الاستهلاك والاتزان الاقتصادي إنَّ ثقافة الاستهلاك قد تخدم أدوارًا مختلفة لفئات اجتماعية مختلفة، وحتى لمجتمعات مختلفة، وبشكل واضح فإن ثقافة الاستهلاك غير ضرورية لتوضيح لماذا يطعم الجائعون أنفسهم، ولماذا يكسو المقرورون أنفسهم لكنها تساعد فعلًا في توضيح سبب تناول الوجبات السريعة، ولماذا يغرق الناس في الديون من أجل شراء مجموعات عديدة من الملابس والسيارات الغالية. الأمر الأكثر تحديًا هو اللُّغز الغامض في سبب تحدِّي الفقراء الواضح في البلاد الغنية والفقيرة على السواء، للتعقُّل والاتِّزان الاقتصادي بشرائهم للماركات العالمية الغالية؛ لكي يزوِّروا إحساسًا معينًا بالهوية. إنَّ مضامين انتشار ثقافة الاستهلاك والمؤسسات الثقافية التي تبنى عليها من قلب مركزها في العالم الأول والأماكن الأخرى حيث تبنَّتها الأقليات القليلة المنتفعة، إلى بقية أنحاء العالم، هو تغيير اجتماعي على قدر حقيقي من الأهمية العالمية، فإن من المهم أن نصوغ نظرية حول ثقافة الاستهلاك ودورها في قلقلة وتشويش قضية إرضاء الحاجات الأساسية. إنَّ المشروع الفكري للرأسمالية هو إقناع الناس بأن يستهلكوا أكثر من حاجاتهم البيولوجية الطبيعية؛ ليسهموا في استمرار عملية تراكُم رأس المال بغية الربح الخاص. وبكلمات أخرى للتأكُّد من أنَّ النظام الرأسمالي العالمي مستمرٌّ للأبد؛ إذ تعلن ثقافة فكر الاستهلاك حرفيًّا: أنَّ معنى الحياة يوجد في الأشياء التي تملكها وبذلك، فـ ((أن نستهلك)) يعني: إننا أحياء تمامًا، ولكي نبقى أحياء تمامًا يجب أن نستهلك باستمرار. إنه الآن أمر عادي تقريبًا أن يُصنَّف المجتمع شرقًا أو غربًا، شمالًا أو جنوبًا، فقيرًا أو غنيًّا على أنه مجتمع استهلاكي. فعلى ما يبدو إنه ليس هناك شيء أو أحد محصَّن ضد التحوُّل إلى سلعة، والتحوُّل إلى تجارة، وضد أن يُشرى ويُباع، إنَّ ما يدعى عادة بالثقافات المضادة يندرج في ثقافة الاستهلاك، وتثير تهديدًا صغيرًا. وبالفعل بتقديمها كلًّا من التنوُّع والخيارات الحقيقية والوهمية، فإنها تصبح مصدرًا لقوة عظيمة للنظام الرأسمالي العالمي وللثراء الشخصي لأولئك القادرين على التمتُّع بغزارة ووفرة الصيغ الثقافية المتوافرة بشكل غني عن البيان. لقد استطاعت مجموعات البيئة في بعض صيغها أن تتحدَّى الثقافة الاستهلاكية بالتأكيد؛ لكن دليلًا من قمة الأرض في ((ريو)) عام 1992م برهن على أنَّ بعضًا من نماذجها الرئيسة على الأقل ظهر على أنه على طريق عملية الاندماج، وأنَّ أولئك الذين يرفضون الاندماج يهمشون، إنَّ تحضير الشركة في كل من تظاهراتها الأصلية والمزيفة، جار مجراه بشكل جيد؛ لكن الشركات هي التي تسيطر وبإحكام على العملية وليس الخضر.
عبرات المعاني في رثاء الشيخ عبدالله الشيباني
د. إبراهيم عبدالغفار الطاهري
18-12-2018
5,241
https://www.alukah.net//culture/0/131431/%d8%b9%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ab%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a/
عبراتُ المعاني في رِثاءِ الشيخِ عبداللهِ الشيباني قال تعالى: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]. الشيخ عبدالله أحمد علي الشيباني من المشايخ الذين شرفت بهم دولة الكويت عمومًا، ومنطقة مبارك الكبير خصوصًا. عَرَفَتْهُ قاعات الدرس في المساجد والمنابر والقاعات المعدَّة للمحاضرات والندوات، كان رحمه الله مشاركًا في أكثر من باب من أبواب العمل الإسلامي، انتفع به كثيرٌ من الناس صغارًا وكبارًا، رجالًا ونساءً، لقد فقدنا واحدًا من مشايخ هذا الوطن الذي كانت له مواقف مشرِّفة في كل الجوانب، كان رحمه الله كريمًا؛ فقد كان بيته مفتوحًا للجميع، وخاصة لطلبة العلم. يصدق فيه رحمه الله قول الشاعر: حبيب بن أوس بن الحارث، المعروف بأبي تمام في قصيدته المشهورة التي ذكرها في مدح المعتصم، وهي بعنوان: (أَجَلْ أيُّها الرَّبْعُ الذي خَفَّ آهِلُهْ) [1] هُوَ اليَمُّ مِنْ أَي النَّواحي أتيتَهُ فلُجَّتُه المعروفُ والجُودُ سَاحِلُهْ تعوَّدَ بَسْطَ الكفِّ حتى لَوَ أنَّه ثناها لقبضٍ لمْ تُجبهُ أنامِلُهْ ولو لم يكنْ في كفِّهِ غيرُ رُوحِهِ لجادَ بها فليتَّقِ اللهَ سائلُهْ إنه لمن الصعوبة الإحاطةُ بصفات النُّبْل والأخلاق الكريمة التي كان يتمتَّع بها الشيخ عبدالله الشيباني، وجعلت منه محبوبًا عند الناس، فقد عُرِف في حياته العامة بالتواضُع والبشاشة ولين الجانب، والخلق والسماحة، ومشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم، ومناسباتهم، وإجابة دعواتهم. • كما عرف عنه رحمه الله العبادة، والزهد، وملازمة المساجد. • كان الفقيد رحمه الله من المشايخ المتقنين للمواد الدراسية التي تُدرَّس في مدارس الكويت، وجامعة الكويت، فقد كان لا يألو جهدًا في تدريس مَنْ يحتاج لفهم تلك المواد الدراسية، فكان يُذلِّل الصعاب للطلاب بتدريسها لهم بطريقة سهلة ومتقنة. • كانت له خبرة طويلة في إلقاء الخطب والمواعظ، فكان يُدعى لبعض الدواوين لإلقاء الخطب والمواعظ، وكان يخطب في مسجده فترة عمله إمامًا متطوِّعًا، فانتفع الناس من علمه. • من أجل رحلاته الدعوية للمملكة العربية السعودية وغيرها من دول العالم كثُرَ معارفُه ومحبُّوه في كثير من دول العالم، فقد كان على تواصُلٍ دائمٍ مع معارفه ومُحبِّيه، وكذلك هم كانوا يتواصلون معه للاستفادة من خبرته الكبيرة في شتى مجالات الحياة. • كان ليِّن الجانب، باسم الوجه، يعامل الجميع باللين وطيب الأخلاق، فكسب وُدَّ الناس، واجتنب عداءهم، فقد كان له تلاميذ كُثُر، فقد درس مجموعة من طلبة العلم في مسجد الجويزي في منطقة خيطان خلال الأعوام 1983، 1984، 1985، فقد كان يُدرِّس دليل الطالب، وشرحه منار السبيل لابن ضويان، ودرس القواعد الفقهية، وعلم الرجال، وكانت له دروس مُتفرِّقة في مساجد ودواوين مناطق بيان ومشرف وسلوى والرميثية في فترة الثمانينيات، وفي الفترة الأخيرة كانت دروسه في بيته في منطقة مبارك الكبير. • باحث قدير متمرِّس في العلوم الشرعية، كانت له عناية خاصة بالفقه وعلم الرجال، وخيرُ دليلٍ على ذلك اهتمامه بشراء كتب الفقه وعلم الرجال، ومكتبته العامرة في بيته التي تحتوي على أنفس المطبوعات والمخطوطات في شتى فنون الشريعة واللغة والأدب والشعر العربي لخيرُ دليلٍ على تضلُّعه من علوم الشريعة واللغة، وكانت له دِقَّة متناهية في شراء الطبعات المتقنة والمحقَّقة تحقيقًا علميًّا رصينًا. • كان بسيطًا جدًّا في مأكله ومشربه وملبسه، زُرْتُه كثيرًا في بيته في منطقة مبارك الكبير، وكنت أجلس معه الساعات الطوال بعد صلاة العشاء، نُفتِّش في الكتب، ونتناقش في المسائل العلمية، وكثيرًا ما كان يكرمني بهداياه القيَّمة من الكتب ذات الطبعات النفيسة. كان رحمه الله يدعوني دومًا لزيارته، ويرسل لي رسالته المعهودة (السلام عليكم، حياك عندنا الليلة في البيت) . • صفته المميزة هي التي أوجدت تجانُسًا بيني وبينه وهي محبَّة الكتب، وزيارة المكتبات، فقد تعرَّفت على شخصه المبارك في أروقة المكتبات التجارية، وزيارة معارض الكتب، فقد كان يحبُّني في الله، وكنت أبادله نفس الشعور، مع فارق كبير بيني وبينه في السن. • كانت تُعجبني فيه عفويته وعدم تصنُّعه، فقد كان لا يتسخَّط، ولا يتضجَّر من شيء أبدًا، فقد كان قديرًا على إدارة أمور الحياة وكسبِ وُدِّ الناس، وتحقيق مطالبهم ومآربهم التي كان كثير منها يُستعصى ويُستصعب تحقيقها إلا عن طريقه. • كان بارعًا في علم المعقول، مع عنايته بعلم المنقول، فقد كان له اهتمام خاصٌّ وكبيرٌ بكتب الفقه الحنفي، وكان يُردِّد ويقول: (الأدلة العقلية تفتقُ الذِّهْن ). التقيته مرة في معرض الكتاب الإسلامي، وسألني عن كتب الفقه الحنفي وجديد طبعاتها، فقلت له يا شيخ عبدالله، دار النوادر عندها طبعات محقَّقة وأخرى مصورة عن طبعات قديمة لكتب الفقه الحنفي، وعندهم تخفيضات على الكتب، فاذهب إليهم؛ لأنها فرصة أن تجد ما تريد وبسعر مُخفَّض. فشكرني وتوجَّه لتلك الدار، وأثناء بحثي في المعرض وتفتيشي في الكتب وتقليب النظر في المطبوعات رأيته في دار النوادر، وقد اشترى عددًا كبيرًا من كتب الفقه الحنفي. • ذكر لي رحمه الله أنه كان من أوائل الملتحقين بالجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ومن أوائل خريجيها كذلك، وكان مجتهدًا إبَّان دراسته فيها، وحصل في الامتحان النهائي على شهادة التخرُّج بعلامات ودرجات ممتازة. وذكر لي أنه أيام طلبه للعلم في الجامعة الإسلامية كان طالبًا معروفًا بالجدِّ والمثابرة في التحصيل، وكان يُساعد زملاءه في المذاكرة، وإلى جانب اجتهاده الدراسي، اجتهد في التعليق على بعض الكتب، فقد أراني تعليقاته على بعض الكتب أثناء زيارتي له في بيته، أثناء جلوسي معه في مكتبته العامرة المليئة بنفائس الكتب. • زرتُه في شهر أغسطس/ 2018، في منزله فرأيته يتَّخذ الوقاية الشديدة، ويقول إنه متعب ومريض، ولا يخرج كثيرًا لظروفه الصحيَّة. • كان مُتأنِّيًا، لا يجانب العجلة، وكان في كل أموره هيِّنًا ليِّنًا، لا يُطلِق لسانه إلا عند الحاجة، وإذا تكلَّم لا يتكلم إلا بخير، حديثه عذب حلو، يستأنس به جليسُه وسامِعُه. وكان يكتفي لمن ينتقده في مجلسه بابتسامته المعهودة، لا يُفارقه الحِلْمُ والأناةُ حتى في أصعب المواقف. • ذكر لي رحمه الله أنه دَرَسَ على العلامة محمد المختار الشنقيطي في المدينة المنورة، في فترة الثمانينيات، خلال دراسته في الجامعة الإسلامية، وذكر لي أنه استفاد منه كثيرًا. • لم يتح له رحمه الله تعالى أن يتفرَّغ للكتابة والتأليف؛ لأنه ركَّز عنايته القصوى على التدريس والوعظ والإرشاد، فقد كان الوعظ على لسانه، يَعِظُ في كل مكان حَلَّ فيه. • كان محاميًا، عمل في سلك المحاماة، وكان له حب شديد في قضايا: (إصلاح ذات البَيْن) بين الأزواج، وذكر لي أنه يحاول أن يُصلِحَ بين الأزواج بشتى الطرق قبل أن يُقرِّر أحدُ الطرفين الانفصالَ أو رفعَ القضايا على الطرف الآخر. • يصدق فيه قول مُتمِّم بن نويرة يرثي أخاه مالكًا بن نويرة: لَقدْ لامَنِي عند القُبُورِ على البُكا رَفِيقي لِتَذْرافِ الدُّمُوعِ السَّوافِكِ فقالَ أَتَبْكِي كُلَّ قَبْرٍ رَأَيْتهُ لِقَبْرٍ ثَوَى بَيْنَ اللِّوَى والدَّكادِكِ فقلْتُ له إنَّ الأَسَى يَبْعَثُ الأَسَى ذَرُونِي، فهذا كُلُّهُ قَبْرُ مالِكِ [2] ألَم تَرَه فينا يُقَسِّمُ مالَهُ وتأوي إليه مُرْملاتُ الضَّرائكِ [ 3] . وتذكرت شعرًا للفارعة بنت طريف قالته بعد وفاة أخيها الوليد بن طريف [4] : فقدناك فقدان الربيع وليتنا فديناك من ساداتنا بألوف حليف الندى إن عاش يرضى به الندى وإن مات لا يرضى الندى بحليف فيا شجر الخابور مالك مورقًا كأنك لم تجزع على ابن طريف ويقول ابن دريد في مقصورته المشهورة [5] : وَالنَّاسُ أَلْفٌ مِنْهُمُ كَوَاحِدٍ وَوَاحِدٌ كَالْأَلْفِ إِنْ أَمْرٌ عَنَى وَلِلْفَتَى مِنْ مَالِهِ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لا مَا اقْتَنَى وَإِنَّمَا الْمَرْءُ حَدِيثٌ بَعْدَهُ فَكُنْ حَدِيثًا حَسَنًا لِمَنْ وَعَى لقد كان الشيخ عبدالله الشيباني بحقٍّ حديثًا لمن وعى. فقد تُوفِّي يوم السبت 15/ 9/ 2018م عن عمر يناهز (58) عامًا رحمه الله رحمةً واسعةً، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. أسأل الله عز وجل أن يتقبل منه صالح أعماله، وأن يجعل ما قام به وقدَّمه في ميزان حسناته يوم العرض عليه. [1] ينظر: ديوان أبي تمام1 /15. [2] الأبيات الثلاثة الأولى وردت في حماسة أبي تمام1 /334. [3] الأبيات الأربعة وردت في الأمالي؛ لأبي علي القالي2/1. [4] ينظر الأبيات في: شرح أبيات مغني اللبيب، ج1؛ للبغدادي/277، والوحشيات؛ لأبي تمام، ص150، والأغاني؛ لأبي الفرج الأصفهاني12 /58. [5] ينظر: شرح مقصورة ابن دريد؛ لعيد وصيف محمد، ص139.
إتحاف اللبيب في سيرة الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب (PDF)
د. محمد بن ناصر الشثري
18-12-2018
9,331
https://www.alukah.net//culture/0/131420/%d8%a5%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%ad%d8%a8%d9%8a%d8%a8-PDF/
♦ عنوان الكتاب: إتحاف اللبيب في سيرة الشيخ عبدالعزيز أبو حبيب. ♦ المؤلف: د. محمد بن ناصر الشثري. ♦ دار النشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع. ♦ سنة النشر: 1410 هـ. ♦ عدد الصفحات: 213. هذا الموضوع يتعلق بإبراز جهود علم من أعلام الدعوة إلى الله، وكان له القدح المعلى في القضاء والتدريس والدعوة، وهو الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري، ولعل في تبيين سيرة هذا العالم المعاصر حافزًا لطلبة العلم إلى الاقتداء به في النشاط في الدعوة إلى الله.
معركة العقاب
د. محمد منير الجنباز
17-12-2018
16,350
https://www.alukah.net//culture/0/131413/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%a7%d8%a8/
معركة العقاب في صفر سنة 609هـ قائد المعركة من المسلمين: سلطان الموحِّدين الناصر لدين الله محمد بن يعقوب بن عبدالمؤمن، والده يعقوب قائد معركة الأرك الشهيرة. قائد الإفرنج: الفونش الذي هزمه يعقوب في معركة الأرك. سببها: أن الفونش استغلَّ وفاة السلطان المنصور يعقوب، وقام بغارات على المدن والقلاع الإسلامية، فقتل وأَسَر وسبَى، فاستعدَّ الناصرُ لقتال نصارى الأندلس، وجمع جيشًا كبيرًا من إفريقية، وانضمَّ إليه أمراء الأندلس المسلمون، حتى اجتمع لديه جيش يفوق ستمائة ألف، وهو أكبر جيش إسلامي حُشد أو دخل المعركة حتى ذلك التاريخ، وحشد النصارى جيشًا ضخمًا أيضًا وأتت الإمدادات من كل نواحي أوروبا، وذلك بتشجيع من بابا روما؛ للثأر مما حدث في معركة الأرك، وقسم الناصر جيشه إلى خمسة جيوش، فتقدَّم وحاصر حصنَ سلبطرة، فاستعصى عليه وأبى أن يُغادره رغم نصيحة القادة بذلك؛ لأنه ليس من المعقول أن يحاصر حصنًا في مثل هذا الجيش ويشل حركته، حتى ملَّ أكثر الجند، وفتحه بعد ثمانية شهور، ثم التقى مع جيش النصارى في معركة قرب حصن العقاب، ودارت معركةٌ رهيبة، وكان النصر بادئ الأمر للمسلمين، لكن أشيع عن مقتل الناصر، فاضطرب الجيش ودارت الدائرة على المسلمين، وقتل منهم خلق كثير، وكانت هذه المعركة قاصمةَ الظهر للمسلمين في الأندلس فقد تفرَّق جمعهم، وعاد كلُّ أمير يستقلُّ ببلده ويؤدي الجزية للنصارى، كما توفي الناصر بعدها بأقلَّ من سنة ولم تَقُم للمسلمين بعدها دولةٌ موحَّدةٌ في الأندلس إلى أن سقطت غرناطة، وهذا لا يمنع من وجود معارك مُشرِّفة بين حين وآخر، كما سنرى في المعارك التي سنذكرها. ذكرتُ هذه المعركةَ الخاسرة للعبرة وعدم اغترار المسلمين بالعدد؛ فإنهم لم يهزموا أعداءهم في المعارك المظفرة بكثرة العدد؛ وإنما بالإيمان والاتحاد، والمشورة والخطط الحربية الناجحة، وفي هذه المعركة عُدِم كلُّ ذلك ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
الاختلافات بين مرضي الزهايمر والخرف
عباس سبتي
17-12-2018
5,262
https://www.alukah.net//culture/0/131395/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%87%d8%a7%d9%8a%d9%85%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b1%d9%81/
الاختلافات بين مرضي الزهايمر والخرف The Differences Between Alzheimer’s Disease and Dementia إعداد الباحث / عباس سبتي ديسمبر 2018 سأل الكثير من المرضى أو أفراد الأسرة: "ما مرض الزهايمر؟ وما الذي يجعله مختلفًا عن الخرف؟". يشير مصطلح الخرف إلى حالة صحية تتميَّز بفقدان تدريجي للقدرات المعرفية أو الفكرية، وهناك العديد من أنواع الخرف الناجمة عن أسباب مختلفة، وأكثرها شيوعًا هو مرض الزهايمر، ووفقًا للمعاهد الوطنية للصحة، فإن مرض الزهايمر يتألف من 60٪ من جميع حالات الخرف، في حين يبلغ الخرف الوعائي حوالي 25٪، وتأتي نسبة الــــ 15٪ المتبقية من الأنواع الأخرى. تعريف الخرف: Definition of dementia عرف طبيب الأعصاب الشهير " Marsel-Mesulam " من جامعة نورث وسترن، تعريفًا دقيقًا للخرف، ويصفه بأنه "التدهور التدريجي في القدرات الفكرية أو المواجهة، ممَّا يُؤدِّي في النهاية إلى تقييد أنشطة المعيشة اليومية". التدهور التدريجي يعني: التغييرات التي تحدث على فترات زمنية طويلة، وقد لا يرتبط الانخفاض المفاجئ في القدرات الذهنية بالخرف، في حين أن هذا الانخفاض في القدرات ليس مرضًا محددًا؛ لذا يوصف الخرف بأنه مجموعة من الأعراض التي يمكن أن تُسبِّبها اضطرابات مختلفة تُؤثِّر في الدماغ. إن الشخص المصاب بمرض الزهايمر سوف يُعاني في البداية من فقدان الذاكرة والارتباك، ثم بالتدهور التدريجي وبشكل ثابت في القدرات الفكرية. تشير القدرات الفكرية إلى الوظائف المعرفية التي قد تتأثَّر بشكل منفصل بالخرف؛ مثل: الذاكرة (الحسية، قصيرة المدى، طويلة المدى) ، واللغة، والتفكير المكاني، والوظائف التنفيذية (التخطيط للمستقبل، وتقييم العواقب المستقبلية، واتخاذ القرارات) . تحمُّل سلوك الآخرين هو السلوك الذي يحدث أثناء التفاعُلات الاجتماعية التي تتطلَّب الأداء الطبيعي للفصوص الأمامية في الدماغ، ويؤثر نوع شائع من الخرف (وليس الزهايمر) في البداية في قدرات التفكير الاجتماعي للشخص، وبالتالي في السلوك الاجتماعي. عادة ما تُشير أنشطة الحياة اليومية إلى قدرة الشخص على أداء وظائف الرعاية الذاتية، وقيادة السيارة، وتحقيق التوازُن بين حساب التدقيق، والقيام بالأعمال المنزلية والقيام بنشاط اجتماعي، في حين قد يكون الشخص غير قادر على حلِّ المشاكل العقلية المعقَّدة، فلن يتمَّ وصفه بأنه مُصاب بالخرف إذا كان لا يزال قادرًا على القيام بأنشطة عادية للحياة اليومية. الخرف ليس نتيجة ضرورية للشيخوخة، ومن أسبابها مجموعة متنوِّعة من الاضطرابات والأمراض التي تُدمِّر خلايا الدماغ. تعريف مرض الزهايمر: Definition of Alzheimer’s disease مرض الزهايمر هو السبب الرئيسي للخرف، في مرض الزهايمر يتدهور الدماغ ببطء حيث تتشابك حزم الأنسجة الليفية (وتُسمَّى التشابكات العصبية الليفية) وتتشكَّل كتل غير طبيعية من المواد (تسمى لويحات " amyloid " أو عصبية) ، هذه التكوينات تُؤدِّي إلى تدمير خلايا الدماغ السليمة (الخلايا العصبية) ، وعادة ما تتجمَّع في أجزاء من الدماغ تتحكَّم في وظيفة الذاكرة. يصنَّف مرض الزهايمر إلى عائلة وفردية. إن الصنف العائلي، وهو شكل ينتقل عبر الجينات لمن يُعاني مرض الزهايمر إلى غيره من أفراد العائلة، وهو نادر، ويُمثِّل حوالي 5٪ فقط من حالات مرض الزهايمر، وهذا النوع يحدث عادة قبل سن 65. والصنف الفردي وهو الجزء الأكبر من حالات مرض الزهايمر تشكل نسبة 95٪ من المرضى، ممَّا يعني أن المرض يحدث على أساس عشوائي لدى الناس عامة، على الرغم من أن الوراثة (تاريخ العائلة) هي أحد العوامل المسببة للمرض، تُشير الأبحاث الحالية إلى أن تطوُّر المرض لا يرتبط بأي عادات غذائية أو نوع الشخصية أو نوع العمل والوظيفة. في الختام: يعتبر الخرف حالة طبية تتميَّز بالفقدان التدريجي للذاكرة، في حين أن مرض الزهايمر هو أحد الاضطرابات العديدة التي تؤدي في النهاية إلى مرض الخرف.
رحلة لطيفة مع الكتاب وتأليفه (PDF)
د. محمد بن ناصر الشثري
17-12-2018
7,365
https://www.alukah.net//culture/0/131391/%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d9%84%d8%b7%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%aa%d8%a3%d9%84%d9%8a%d9%81%d9%87-PDF/
♦ عنوان الكتاب: رحلة لطيفة مع الكتاب وتأليفه . ♦ المؤلف: د. محمد بن ناصر الشثري. ♦ دار النشر: دار الحبيب للنشر والتوزيع. ♦ سنة النشر: 1431 هـ - 2010 م. ♦ عدد الصفحات: 172. إليك أيها القارئ الكريم تعريف ببعض الكتب التي ألفتها ونشرتها خلال عقدين من الزمان، وانتشرت في مختلف الأقطار، وهذا بفضل الله وتوفيقه، وأسأله أن يجعلها خالصة لوجهه، وأن يجعلها صدقة جارية، وعلم ينتفع به.
من أحدث إصدارات الكتب في الحديث وعلومه (PDF)
وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
15-12-2018
9,655
https://www.alukah.net//culture/0/131335/%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%a5%d8%b5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87-PDF/
عنوان الكتاب: من أحدث إصدارات الكتب في الحديث وعلومه. المؤلف: وحدة البحث العلمي في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية. عدد الصفحات: 19. من أحدث إصدارات الكتب في الحديث وعلومه يشتمل هذا الكتاب على مجموعة من المؤلفات في علم الحديث في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
قصتي مع مخطوط نادر: عجائب الأشعار وغرائب الأخبار
د. سعد الله المحمدي
13-12-2018
11,691
https://www.alukah.net//culture/0/131316/%d9%82%d8%b5%d8%aa%d9%8a-%d9%85%d8%b9-%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7-%d9%86%d8%a7%d8%af%d8%b1-%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%b9%d8%a7%d8%b1-%d9%88%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1/
قِصَّتي مع مخطوطٍ نادر "عجائب الأشعار وغرائب الأخبار" كانَ من عادة القُدماء من أهل العلم والتأليف ومحبِّي ومقتني الكتب والمخطوطات أنَّهم يدوِّنون بعض المعلومات والأبيات على أغلفة الكتب التي امتلكوها مع وضع الأختام، وكتابة الأسماء والتعليقات عليها، كما كان من عادتهم كتابة التواريخ والعهود والأزمان على المخطوطات الفريدة، ووضع أختام المالكين وخزائنهم عليها؛ للدلالة على الارتباط والامتلاك لهذه النُّسَخ. ويجد الناظر الشيء الكثير من أمثال هذه التواريخ والإثباتات والتوقيعات والأبيات والأختام والأسماء على مخطوط "عجائب الأشعار وغرائب الأخبار"؛ لأمين الدولة أبي الغنائم مسلم بن محمود بن نعمة بن أرسلان الشيزري، المتوفَّى بعد 622هـ، الذي يُعتبرُ من أندر المخطوطات على مستوى العالم؛ حيثُ لا توجد له إلا نسخة واحدة، تنقَّلت بين القصور الملكية، وخزائن السلاطين، وأيادي أهل العلم والأدب، وارتحلت من بلاد العرب إلى شبه القارة الهندية حتى استقرَّت في مكتبة الكلية الإسلامية ببشاور، باكستان، تحت رقم 1155. ومما قرأتُه على هذا المخطوط الفذِّ أبيات جميلة لبعض الشعراء، كتَبها أحد المُلَّاك أعلى اليمين منْ صفحة التعليقات والأختام، ومنها قول الشاعر: وحسبكَ قولُ الناس فيما ملكته ♦♦♦ لقد كانَ هذا مرَّةً لفلانِ وبعده بيت للمتنبي: ولَوْ قَلَمٌ أُلقيتُ في شَقِّ رأسِهِ ♦♦♦ من السُّقمِ ما غيَّرْتُ من خطِّ كاتِبِ وبيت آخر للمتنبي كذلك: كَفَى بجِسْمي نُحُولًا أنَّني رَجلٌ ♦♦♦ لَوْلا مُخاطَبَتي إيَّاكَ لمْ تَرَني وأبيات لشعراء آخرين. بدأتْ علاقتي بهذا المخطوط النادر في عام 1997م عندما كنتُ طالبًا بمرحلة الماجستير في الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد؛ حيثُ حصلتُ على نسخةٍ مصوَّرة منه عن طريق أستاذي الفاضل الشيخ سعيدالرحمن بن سيد أنور الأفغاني، الذي حثَّني على تحقيقه كرسالةٍ لنيل درجة الدكتوراه في الأدب العربي، فأخفيتُ الأمر لحاجةٍ في نفسي، واحتفظتُ بصورة المخطوط، وانشغلتُ عنه ببحثي لمرحلة الماجستير بعنوان "أدب العلَّامة الأمير محمد صديق حسن خان، وآراؤه النقدية" [1] ؛ حيث أخذ البحث منِّي وقتًا أطول؛ وذلك لأنني أخذتُ العَهْد على نفسي أن أصلَ إلى مؤلفات الأمير التي طُبِعت في بهوبال، لأسباب كثيرة، منها تحقيق نسبة بعض المؤلفات إلى الأمير، ولاشتمال تلك النُّسَخ على التقاريظ والمدائح التي قيْلت في الأمير وفي مؤلفاته ممَّا لا وجود لها في معظم النُّسَخ الحديثة للأسف، ومن هُنا نسيتُ المخطوط المذكور وشأنه لعدَّة سنواتٍ، والخيرُ ما اختاره الله كما يقول المثل. وبعد حصولي على درجة الماجستير في الأدب العربي من الجامعة الإسلامية العالمية في عام 2001 وقبولي بمرحلة الدكتوراه في نفس الجامعة، بدأت أُقلِّب النسخة المصورة الموجودة لديَّ من المخطوط، وأقرأ فيها حيث وجدتُها خزانة مليئة بالدُّرر واللآلئ، تتألَّق حُسنًا وجمالًا وبهاءً ورونقًا، تتطلَّع إلى منْ يمسحُ عن جبينها الوضَّاح ووجْهِها المشرق، وثغرها الباسم غبارَ التَّعَب والسفر والحبس في الخزائن. وبما أنني كنتُ طالبًا بالسَّنة المنْهجية لمرحلة الدكتوراه، فإنني جهَّزتُ خطَّةً مبدئية لتحقيق المخطوط، وأرسلتُها عن طريق البريد السريع إلى أحبِّ أساتذتي إلى قلبي - ولكلٍّ منهم محبة ومعزة خاصة - وهو الأستاذ الدكتور شعبان محمد مرسي، أستاذ الأدب والنقد بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة، طالبًا منه توجيهي بشأن المخطوط، ويغلبُ لديَّ أنَّ رسالتي لم تصل إلى الدكتور؛ ولذا لم يأتِني الردُّ. وفي تلك الأثناء وصل إلى علْمي من بعض الإخوة المهتمِّين بالمخطوطات، والرسائل العلمية، أنَّ هذا المخطوط الفريد قدْ تمَّ تسجيلُه من قِبَل باحثٍ أردني بقسْم اللغة العربية بجامعة بنجاب - وهي منْ أعرق الجامعات الباكستانية التي أُنشئت في عام 1882م - ولكنَّه سافرَ أو انقطع عن الجامعة! وهُنا توقَّفْتُ عن موضوع المخطوط وتحقيقه نهائيًّا إلى موضوع آخر؛ لعدم اقتناعي بتكرار الجهود العلمية، قائلًا: قدَّر الله وما شاء فعل، ومعزِّيًا نفسي بقول شاعر أهل الشام، عدي بن الرِّقاع العَاملي: وممَّا شجاني أنني كنتُ نائمًا أُعلِّلُ من بَرْدِ الكَرى بالتَّنَسُّمِ إلَى أَنْ بَكَتْ وَرْقَاءُ في غُصْنِ أَيْكَة ٍ تُرَدِّدُ مَبْكَاهَا بِحُسْنِ التَّرَنُّمِ فَلَوْ قَبْلَ مَبْكَاهَا بَكَيْتُ صَبَابَة ً بسُعْدَى شَفَيْتُ النَّفْسَ قَبْلَ التَّنَدُّمِ ولكِنْ بَكَتْ قَبْلِي فَهَاج لِيَ البُكَا بُكاهَا فقلتُ الفضلُ للمتقدِّمِ [2] ثم قرأتُ شيئًا عن المخطوط ومكانته في كتب التاريخ والأدب، ولكن مما نبَّهني وشدَّني إليه من جديد، هو ما ذكره الباحث والمحقِّق الباكستاني الدكتور أحمد خان في كتابه "فهرس المخطوطات العربية بباكستان" من أنها نسخة فريدة في العالم، ومكثت في خزائن ملوكية وبها أختامهم" [3] ، ومن هنا أصبح موضوع تحقيق المخطوط في عداد الأمنيات كمشروع خارج البيئة الجامعية. مُنًى إِنْ تَكُنْ حَقًّا تَكُنْ أَحْسَنَ الْمُنَى وَإِلَّا فَقَدْ عِشْنَا بِهَا زَمَنًا رَغْدَا أَمَانِيَّ مِنْ سُعْدَى عِذابٌ كَأَنَّما سَقَتْنا بِها سُعْدَى عَلَى ظَمَأٍ بَرْدَا [4] وفي عام 2006م وخلال اطِّلاعي ومشاهدتي لبعض المخطوطات الموجودة في الكلية الإسلامية ببشاور - التي تحدثتُ عنْها وعن نوادرها ضمن مقالي المنشور بمجلة الفيصل، العدد رقم 366 ذو الحجة 1427هـ ديسمبر 2006م - لفت نظري صندوقٌ زجاجيٌّ مُحْكم من كلِّ الجهات لأجدَ فيه المخْطوطَ في شكله الأصلي، وبما أنه يُعتبر من نوادر المخطوطات على مستوى العالم، فإنَّه محميٌّ بشكلٍ خاصٍّ ومعقَّم للحفاظ عليه وسلامته من التَّعرُّض للأضرار والآفات حسب نظام حفظ المخطوطات. وقد ألَّفهُ صاحبه لخزانة صاحب اليمن الملك المظفر إسماعيل بن طغتكين الأيوبي الذي ولي الملك بعد وفاة والده الملك العزيز سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب سنة 593هـ، ويقولُ المصنِّف في مدح كتابه: هذا الكتاب على تأخُّر عصره أضحى لفضلك في البرية مُفْردا يلقى العصور لحُسْن ذكرك ناشرًا حُلل المكارم والثناء مُؤبدا فيه من الآداب كل غريبة تُبْقي نفيس المدح فيك مُخلَّدا [5] وممن تملَّك هذا المخطوط النادر أعظم ملوك شبه القارة الهندية الملك المغولي المسلم (شاه جهان) صاحب تاج محل الذي يُعَدُّ جوهرة الفنِّ الإسلامي في الهند، وإحدى الروائع الخالدة في العالم، ثم تداولته الأيادي، وآخر مَنْ تملَّك هذا المخطوط هو العالم الحافظ غلام جيلاني الذي اشتهر برحلاته العلمية وحرصه على تحصيل الكتب النادرة في صورتها الأصيلة، وكان عالِمًا وكاتبًا، يسكن مدينة بشاور، بمنطقة آسيا كيت (بوابة آسيا)، قبل زمن الطباعة الأتوماتيكية، يجوبُ القرى والْمُدن والأمصار لجمع الكتب النادرة والمخطوطة مجانًا؛ إذ كان من عادة بعض أهل المناطق إخراج الكتب القديمة إلى المقابر، فيجمعها من هناك، أو يطلبها من أصحابها - دينًا - أو يستأذن في استنساخها للقراءة والاحتفاظ بها، حتى تكوَّنَتْ لديه كمية كبيرة، وتُوفِّي رحمه الله، وكان هذا الكتاب في مكتبته الخاصة، وترك وراءه زوجةً وبنتًا فقط [6] . وعندما علم حاكم أفغانستان الأمير حبيب الله خان المتوفَّى 1919م بوفاة الشيخ غلام جيلاني أرسل مائة وخمسين ألف روبية إلى أسرته، والتمس منهم وقف هذه الكتب على إحدى المكتبات الوطنية في كابل؛ لكن الأسرة لم توافق على الطلب؛ بل خصَّت الكليَّة الإسلاميَّة الموجودة في بشاور بهذه التحف الثمينة والكتب والمخطوطات [7] . وتبيَّن لي فيما بعد أن الباحث الأردني الذي سجَّل المخطوط لنيل درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة بنجاب بإشراف الأستاذ الدكتور ظهور أحمد أظهر، هو الأخ د. عطاالله بن يوسف بن محمد قبلان؛ حيث قام بتحقيق الجزء الأول من الكتاب المشتمل على اثني عشر بابًا، وحصل على درجة الدكتوراه في العام الجامعي 1999/2000م أي قبل ثمانية عشر عامًا من الآن. يقع تحقيق الدكتور عطاالله للجزء الأول للكتاب في 391 صفحة، من بينها 365 صحفة للنص المحقَّق والمقدمة، و26 صفحة للفهارس، وقد بذل جهدًا كبيرًا في العمل والبحث والتنقيب فخاطبَ الجهات المعنيَّة بالمخطوطات في الأردن والسعودية والباكستان والهند وغيرها؛ للإفادة بشأن المخطوط أو العمل به، كما تحمَّل عناءً كبيرًا في نَسْخِ المخطوط من جديد بيد الشيخ شير أحمد بن كل زاده الوردجي الأفغاني حسب قواعد نَسْخ المخطوطات إلى أن يسَّر الله تعالى أمر تصْويره على مايكرو فيلم من قبل الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد. وبإلقاء نظرة سريعة على تحقيق الدكتور عطاالله، نجدُ أنه يشتمل على تمهيد من صفحة واحدة بعنوان: بين يدي الكتاب، أشار فيه إلى اطِّلاعه على المخطوط في أوَّل زيارة له إلى مدينة بشاور عام 1988م، ثمَّ تسجيله له بشكلٍ رسمي في عام1992م لنيل درجة الدكتوراه لدى جامعة بنجاب. ثم أورد المقدمة التي أشار فيها إلى قيمة المخطوط العلمية، وموضوعه، وسبب تأليفه، ووصف المخطوط بذكر أوراقه ونوعية الخط، والإشارة إلى الأخطاء الإملائية الواردة فيه، وذكر مصادر المحقق في الضبط، وأسباب اختياره ومنهجه في التحقيق. ثم تطرَّق لحياة مؤلف الكتاب وعصره، وثقافته ومكانته العلمية وصِلاتِه بملوك وعلماء عصره، وبيان لمؤلفاته ووفاته، ثم تحقيق الجزء الأول من الكتاب، ثم ملاحق البحث وفيها مخاطباته ومراسلاته لجهات عديدة حول الكتاب، ثم فهرس المصادر والمراجع المشتمل على 175 مصدرًا ومرجعًا، وفهرس الموضوعات [8] . وتحدثت إليه يوم السبت 16 من ربيع الأول لعام 1440هـ الموافق لــ 24 من شهر نوفمبر لعام 2018م فوضَّح لي أنَّه أكمل تحقيق الجزء الثاني من المخطوط كذلك، وأنه يعملُ حاليًّا على ترتيب الفهارس العامة للجزء الثاني، وقال لي: إن كبير المحققين العرب، الدكتور إحسان عباس رحمه الله قد أثنى كثيرًا على تحقيقي للكتاب. ومن المميزات التي لاحظتها على عمله هي: 1- السبق المطلق إلى تحقيق هذه المخطوطة اليتيمة، وإماطة اللثام عنها، وبذل الجهد والمال في خدمتها. 2- مخاطبة العديد من الجامعات ومراكز البحث العلمي والمهتمِّين بالمخطوطات؛ للبحث عن نسخة ثانية للمخطوط والحصول على معلومات عنها في فترة شحِّ المعلومات عن هذا المخطوط ونَدْرتها. 3- الأسلوب الجميل الذي اختاره الباحث في المقدمة؛ حيث يذكر شيئًا ويتركه، وينتقل إلى جزئية ثانية، ثم يعود إلى الموضوع الأول في سياق كلام آخر على غرار أسلوب الجاحظ أحيانًا. 4- اعتناؤه في تحقيق الكتاب بالجوهر وهو النصُّ وخدمته وتقديمه إلى المكتبة العربية، وذكره لأرقام صفحات المخطوط داخل النصِّ المحقَّق. ثم وجدتُ على الإنترنت أنَّ أخي وزميلي منذ أيام الجامعة، الدكتور إسماعيل بن عمارة عقيب العقلاوي سجَّل الجزء الأول من المخطوط كأطروحة علميَّة لنيل درجة الدكتوراه من قسم الأدبيات بكلية اللغة العربية والحضارة الإسلامية، بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، بإشراف الأستاذ الدكتور مؤيد فاضل، وحصل على درجة الدكتوراه في الأدب العربي في العام الجامعي 2007 - 2008م أي بعد مناقشة بحث الدكتور عطاالله بثماني سنوات تقريبًا. وتحدَّثْتُ إليه بتاريخ 21 ربيع الأول 1440ه الموافق 29 من شهر نوفمبر 2018م، فقال لي: إنه لم يطَّلِع على بحث الأخ الدكتور عطاالله إلا قبل أسبوعين تقريبًا، فالدكتور إسماعيل وإن لم يصل إليه خبر تحقيق الدكتور عطاالله للمخطوط، إلا أن مثل هذا العذر ربما يصعب قبوله في الأوساط الأكاديمية خاصة في بلد واحد وبين جامعتين لا تتجاوز المسافة بينهما عن 700 كيلومتر؛ على أي حال لا نستطيع إلا أن نقول: قدر الله وما شاء فعل، ونتمنَّى الخير لكلا الشيخين المكرَّمين ونشيدُ بجهودهم، ونسألُ الله تعالى أن يثيبهم ويتقبَّل منهم على ما قدَّموا، فإن العلم رَحِمٌ بين أهله. وبتصفُّح بحث الأخ الدكتور إسماعيل بن عمارة عقيب العقلاوي تبيَّن لي أنه يشتملُ على 444 صفحة، من بينها 340 صفحة مخصَّصة للنصِّ المحقَّق مع المقدمة، و104 صفحات للفهارس العامة، وهي فهرس الأشعار، والأعلام، والأماكن والقبائل والفِرق، والمصادر والمراجع، والمحتويات، ويقول في المقدمة: "فإنَّ تحقيق تراث الأجداد وإحياءه، ونشره لطلاب العلم والباحثين من أعظم الأعمال العلمية التي تربط الأجيال المتأخِّرة بالأجيال المتقدِّمة، والحاضر بالماضي والتي تجعل الحضارة الإسلامية موصولةً بسلفها، ومن فضل الله عليَّ أن وجدت مخطوطةً نادرةً وفريدةً، لم تُحقَّق لأديب وشاعر شاميٍّ، لم يحْظ باهتمام الباحثين وطلاب العلم، ورغبة منِّي في إحياء تراث هذا العالم الأديب - ليتبوَّأ مكانه بين علماء عصره وشعراء طبقته ومعاصريه - أحببتُ أن أقوم بدراسة وتحقيق الجزء الأول من هذا المخطوط القيِّم (عجائب الأشعار وغرائب الأخبار) وبالله التوفيق [9] . ثم قسم الدراسة إلى قسمين: القسم الأول: دراسة الكتاب، موزَّعًا على تمهيد وفصلين. فتحدَّث في التمهيد عن العصر الذي عاش فيه المؤلف من الناحية السياسية والاجتماعية والثقافية. وتناول في الفصل الأول التعريف بمؤلف الكتاب، ونشأته وأسرته وأولاده، وذكر أنَّ أسرته كانت عريقةً في المجد، باذخةً في الشرف، مشهورة بالشجاعة والبذل، ثم تطرَّق إلى ثقافته وشيوخه ورحلاته وعلاقته بالملوك وكتبه وآثاره ووفاته. وتطرَّق في الفصل الثاني إلى التعريف بالكتاب ونسبته إلى صاحبه، ووصف المخطوط وسماته ومكانه، وحجمه ومسطرته وخطَّه، وسمات الطريقة الكتابية في المخطوط، وتاريخ تصنيفه، وبيان قيمته العلمية، ومميزاته، ومنهج المؤلف، ومدى التزامه بتطبيق منهجه، والمآخذ على الكتاب، مع الإشارة إلى منهج الباحث في التحقيق، ومصادره ومراجعه التي وصلت إلى 105 مصادر ومراجع. القسم الثاني: تحقيق الجزء الأول من الكتاب، ثم الخاتمة التي يطلب فيها المحقق - بأسلوب أهل العلم والفضل -من المهتمين بالأدب العربي إبداء ملاحظاتهم وتصويباتهم بشأن البحث؛ فجلَّ مَنْ لا يخطئ ولا يسهو ولا يكلُّ ذهنه ولا يجبل [10] . ومن المميزات التي لاحظتها على عمله هي: 1- الأسلوب العلمي في البحث من العناية بوضع العناوين لكل فقرة، والاهتمام على تنظيم وترتيب الأفكار وتسلسلها. 2- المقدمة الجميلة التي تقرِّب الكتاب إلى الباحثين. 3- الفهارس الفنِّية العديدة التي ستُسهِّل سُبُل الاستفادة من الكتاب بشكل أكبر بإذن الله تعالى. 4- تلخيص شامل لأبواب الجزء الأول، وهي: باب في المدح، وباب في الغزل، وباب في المنامات، وباب في النصح والتحريض، وباب في العتاب، وباب في المغتالين بالوجْد، وباب في التخيُّلات، وباب في أشعار الجانِّ وأخبارها، وباب في الهجاء، وباب في الرثاء، وباب في التفاؤل والطيرة، وباب في الإجازة؛ حيث ذكر الباحث ملخَّصًا لهذه الأبواب قبل البدء في تحقيق النص [11] . وبما أن الشيء بالشيء يُذكَر اتَّصل بي أحد الإخوة الأفاضل من المدينة المنورة عن طريق صديقي الغالي الدكتور حياةالله عتيد، خبير التنمية البشرية، يرغب في تحقيق الجزء الثاني من الكتاب، والحصول على نسخة منه، وللأمانة فقد كان الأخ لطيفًا جدًّا في الحديث معي كعادة أهل المدينة المنورة - حرسها الله - ولا أدري ما الذي حصل له، هل بدأ بالعمل على الجزء الثاني أم لا؟ بعد أن شرحتُ له الأمور، واعتذرتُ إليه عن توفُّر النسخة الموجودة لديَّ في البحرين، وأرجو ألَّا يكون قد بدأ؛ لأنَّ الدكتور عطاالله قام بتحقيق الجزء الثاني كذلك، وقال لي: إنه يعملُ حاليًّا على الفهارس، كما أخبرني الزميل الدكتور إسماعيل بن عمارة عقيب إنه مستمرٌّ حاليًّا في تحقيق الجزء الثاني كذلك، وهو سهل بالنسبة للأول الذي قضى وقتًا طويلًا فيه. على أيِّ حال هذه كانت قصتي مع المخطوط سجَّلتها حتى يستفيد منها طلبة العلم في مجال أهمية وضرورة البحث، والتأكُّد من تحقيق المخطوطات قبل البدء بمشاريعهم العلمية، وحتى لا يقع طلبة العلم الآخرون في إحراجات عند تسجيلهم الجزء الثاني من المخطوط كرسائل علمية، وبالله التوفيق. شمعة أخيرة: شكرًا لأخي الدكتور إسماعيل عقيب عمارة الذي تفضَّل بمراجعة المقال، وكتب لي رسالةً بعنوان: الحديث ذو شجون، وشكراً لأخي الدكتور عطا الله بن يوسف بن محمد قبلان الذي قرأ المقال وأثنى عليه ثناءً عطراً، وجزاهم الله خيرًا على جهودهما. [1] انظر نماذج من شعر الأمير في مقالي بعنوان: شعر العربية للأمير صديق حسن خان، دراسة أدبية نقدية في شبه القارة الهندية، سعدالله المحمدي، مجلة آفاق الثقافة والتراث، مركز جمعة الماجد، دبي، العدد التسعون، شعبان 1436هـ يونيو 2015م ص: 134 - 168. [2] ديوان عَدي بن الرِّقاع العاملي، شاعر أهل الشام، الدكتور حسن محمد نور الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1410ه 1990م ص: 101 - 102. [3] فهرس المخطوطات العربية في باكستان، الدكتور أحمد خان، مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض، الطبعة الأولى 1426ه 2005م ص: 316. [4] شعر ابن ميادة، جمعه وحققه الدكتور حنا جميل حداد، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق 1402ه 1982م، ص:245. [5] عجائب الأشعار وغرائب الأخبار؛ لمسلم بن محمود الشيزري، دراسة وتحقيق عطاالله بن يوسف بن محمد قبلان، أطروحة دكتوراه، بجامعة بنجاب 1999م، ص: 365. [6] عجائب الأشعار وغرائب الأخبار، دراسة وتحقيق عطاالله بن يوسف بن محمد قبلان، المرجع السابق، ص: 5- 6، من مقدمة المحقق. [7] بشاور، مدينة التاريخ والتراث والثقافة، سعدالله المحمدي، مقال في مجلة الفيصل، الرياض، العدد 216 ذو الحجة 1427هـ ديسمبر 2006م ص: 50-63. [8] عجائب الأشعار وغرائب الأخبار، دراسة وتحقيق، عطاالله بن يوسف بن محمد قبلان، ص: 1- 22 من مقدمة المحقق. [9] عجائب الأشعار وغرائب الأخبار، صعنة مسلم بن محمود الشيزري، دراسة وتحقيق الجزء الأول، إسماعيل بن عمارة عقيب العقلاوي، أطروحة دكتوراه، بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد 2008م ص: 3 من مقدمة المحقق. [10] عجائب الأشعار وغرائب الأخبار، دراسة وتحقيق، إسماعيل بن عمارة عقيب العقلاوي، المرجع السابق، ص: 3-4، وكذا ص: 319-320 [11] عجائب الأشعار وغرائب الأخبار، دراسة وتحقيق، إسماعيل بن عمارة عقيب العقلاوي، المرجع السابق، ص: 43-58.
الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز
الشيخ صلاح نجيب الدق
12-12-2018
62,424
https://www.alukah.net//culture/0/131289/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2/
الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن الخلفية العادل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله من الشخصيات المهمة في تاريخ الإسلام؛ من أجل ذلك أحببتُ أن أُذكِّر نفسي وأحبَّائي طلابي الكرام بشيء يسير من سيرته العطرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم والنسب: هو عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الأموي. وأمه: أم عاصم، بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما. كنيته: أبو حفص؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ88). ابنة بائعة اللبن: نهى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن مذق (خلط) اللبن بالماء، فخرج ذات ليلة في حواشي المدينة، فإذا بامرأة تقول لابنةٍ لها: ألا تمذقين (تخلطين) اللبن، فقالت الجارية: كيف أمذق وقد نهى أميرُ المؤمنين عن المذق، فقالت الأم: قد مذق الناس فامذقي، فما يدري أمير المؤمنين، فقالت الفتاة: إن كان عمر لا يعلم فإلَهُ عمر يعلم، ما كنت لأفعله وقد نهى عنه، فوقعتْ مقالتُها من عمر، فلما أصبح دعا عاصِمًا ابنَه، فقال: يا بني، اذهب إلى موضع كذا وكذا، فاسأل عن الجارية، ووصفها له، فذهب عاصم فإذا هي جارية من بني هلال، فقال له عمر: اذهب يا بني فتزوَّجْها؛ فما أحراها أن تأتي بفارس يسود العرب! فتزوَّجها عاصم بن عمر، فولدت له أُم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، فتزوجها عبدالعزيز بن مروان بن الحكم، فرزقه الله تعالى منها عمر بن عبدالعزيز الخليفة العادل؛ (سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لابن عبدالحكم، صـ19، صـ20). • لما أراد عبدالعزيز بن مروان أن يتزوج أم عمر بن عبدالعزيز قال لقيمه (وكيله): اجمع لي أربعمائة دينار من طيب مالي؛ فإني أريد أن أتزوج إلى أهل بيت لهم صلاح، فتزوَّج أُمَّ عمر بن عبدالعزيز؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ254). ميلاد عمر بن عبدالعزيز: ولد عمر بن عبدالعزيز بالمدينة، سنة ثلاث وستين من الهجرة، وهي السنة التي ماتت فيها ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ254)، (سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لابن عبدالحكم، صـ21). تربية عمر بن عبدالعزيز: اهتم والدا عمر بن عبدالعزيز بتربيته اهتمامًا كبيرًا؛ بكى عمر بن عبدالعزيز، وهو غلام صغير، فبلغ ذلك أُمَّه، فأرسلت إليه فقالت: ما يبكيك؟ قال: ذكرت الموت؛ فبكت أُمُّه، وكان عمر قد حفظ القرآن كله وهو غلام صغير، كان أبوه قد جعله عند صالح بن كيسان يُؤدِّبه، فلما حجَّ أبوه اجتاز به في المدينة فسأله عنه، فقال: ما خبرت أحدًا الله أعظم في صدره من هذا الغلام؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201). • تأخُّر عمر بن عبدالعزيز عن الصلاة مع الجماعة يومًا، فقال له صالح بن كيسان: ما شغلك؟ فقال: كانت مرجلتي (مسرحة شعري) تسكن شعري، فقال له: أقدَّمْتَ ذلك على الصلاة؟! وكتب إلى أبيه، وهو على مصر يُعلِمه بذلك، فبعث أبوه رسولًا فلم يكلمه حتى حلق رأسه؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201). زوجات عمر وأولاده: كان لعمر بن عبدالعزيز ثلاث زوجات، وواحدة ملك يمين (امرأة تُباع وتُشترى)، وكان له من الأبناء ستة عشر؛ من الذكور: ثلاثة عشر، ومن الإناث: ثلاث؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ254:253). طلب عمر للعلم: إن أول ما استبين من رشد عمر بن عبدالعزيز حرصه على العلم ورغبته في الأدب؛ إن أباه ولي مصر وهو حديث السن، يشك في بلوغه، فأراد إخراجه معه إلى مصر من الشام، فقال: يا أبه، أو غير ذلك لعله يكون أنفع لي ولك؟ ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها وأتأدَّب بآدابهم؛ فعند ذلك أرسله أبوه إلى المدينة، وأرسل معه الخدام، فقعد مع مشايخ قريش، وتجنَّب شبابهم، وما زال ذلك دَأْبه حتى اشتهر ذكرُه، فلما مات أبوه أخذه عمُّه أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان، فخلطه بولده، وقدَّمه على كثير منهم، وزوَّجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشاعر: بِنْت الخليفةِ والخليفة جدُّها *** أُخْت الخلائف والخليفةُ زوجُها (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ 9، صـ201: 202). مكانة عمر العلمية: (1) روى عمر بن عبدالعزيز الحديث عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، والسائب بن يزيد، وسهل بن سعد، واستوهب منه قدحًا شرب منه النبي صلى الله عليه وسلم، وأَمَّ الصلاة بأنس بن مالك، وحدَّث أيضًا عن: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وطائفة، وكان من أئمة الاجتهاد، ومن الخلفاء الراشدين. وروى الحديث عنه: أبو سلمة - أحد شيوخه - وأبو بكر بن حزم، ورجاء بن حيوة، ومحمد بن المنكدر، ومحمد بن شهاب الزهري، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وخلق سواهم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ114: 115). (2) قال مجاهد بن جبر: أتينا عمر بن عبدالعزيز ونحن نرى أنه سيحتاج إلينا فيما خرجنا من عنده حتى احتجنا إليه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ311). (3) قال ميمون بن مهران: إن الله كان يتعاهد الناس بنبي بعد نبي، وإن الله تعاهد الناس بعمر بن عبدالعزيز؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ127). وقال ميمون بن مهران أيضًا: كان عمر بن عبدالعزيز مُعلِّم العلماء؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ100). (4) قال مالك بن دينار: الناس يقولون عني زاهد؛ إنما الزاهد عمر بن عبدالعزيز الذي أتَتْه الدنيا فتركها؛ (حلية الأولياء لأبي نعيم، جـ5، صـ257). (5) قال أحمد بن حنبل: ليس قول أحد من التابعين حجةً إلا قول عمر بن عبدالعزيز؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201). (6) قال محمد بن علي بن الحسين: لكل قوم نجيبة، وإن نجيبة بني أمية عمر بن عبدالعزيز.. (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ254). (7) قال البخاري: قال مالك بن أنس وسفيان بن عيينة: عمر بن عبدالعزيز إمام؛ (تهذيب التهذيب؛ لابن حجر جـ4، صـ300). (8) قال ابن سعد: كان عمر بن عبدالعزيز ثقةً، مأمونًا، له فقه وعلم ووَرَع، وروى حديثًا كثيرًا، وكان إمام عدل، رحمه الله، ورضي عنه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ311). (9) قال سفيان الثوري والشافعي: الخلفاء خمسة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبدالعزيز؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ128: 129). ولاية عمر على المدينة: لما تولى الوليد بن عبدالملك الخلافة جعل عمر بن عبدالعزيز أميرًا على المدينة، فوليها عمر من سنة ست وثمانين، إلى سنة ثلاث وتسعين؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ94). استخلاف عمر بن عبدالعزيز: قال رجاء بن حيوة (رحمه الله): لما اشتد المرض بسليمان بن عبدالملك، رآني عمر بن عبدالعزيز في الدار، أخرج، وأدخل، وأتردَّد، فقال: يا رجاء، أُذكِّرك الله والإسلام أن تذكرني لأمير المؤمنين، أو تشير بي، فوالله ما أقوى على هذا الأمر، فانتهرته، وقلت: إنك لحريص على الخلافة. فاستحيا، ودخلت، فقال لي سليمان: من ترى لهذا الأمر؟ فقلت: اتق الله، فإنك قادم على الله تعالى، وسائلك عن هذا الأمر، وما صنعت فيه، قال: فمن ترى؟ قلت: عمر بن عبدالعزيز، قال: كيف أصنع بعهد عبدالملك إلى الوليد، وإلي في ابني عاتكة، أيهما بقي؟ قلت: تجعله من بعده، قال: أصبت، جئني بصحيفة، فأتيته بصحيفة، فكتب عهد عمر، ويزيد بن عبدالملك من بعد، ثم دعوت رجالًا، فدخلوا، فقال: عهدي في هذه الصحيفة مع رجاء، اشهدوا واختموا الصحيفة، قال: فلم يلبث أن مات، فكففت النساء عن الصياح، وخرجت إلى الناس، فقالوا: كيف أمير المؤمنين؟ قلت: لم يكن منذ اشتكى أسكن منه الساعة، قالوا: لله الحمد؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ123). منهج عمر في خلافته: لما تولَّى عمر بن عبدالعزيز الخلافة جاءه صاحب الشرطة ليسير بين يديه بالحربة على عادته مع الخلفاء قبله، فقال له عمر: ما لي ولك؟ تنحَّ عني؛ إنما أنا رجل من المسلمين، ثم سار وساروا معه حتى دخل المسجد، فصعد المنبر واجتمع الناس إليه، فقال: أيها الناس، إني قد ابتليت بهذا الأمر عن غير رأي كان منى فيه، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإني قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتي، فاختاروا لأنفسكم ولأمركم من تريدون، فصاح المسلمون صيحة واحدة: قد اخترناك لأنفسنا وأمرنا، ورضينا كلنا بك، فلما هدأت أصواتهم حمد الله، وأثنى عليه، وقال: أوصيكم بتقوى الله، فإن تقوى الله خلف من كل شيء، وليس من تقوى الله خلف، وأكثروا من ذكر الموت؛ فإنه هادم اللذات، وأحسنوا الاستعداد له قبل نزوله، وإن هذه الأُمَّة لم تختلف في ربِّها ولا في كتابها ولا في نبيِّها؛ وإنما اختلفوا في الدينار والدرهم، وإني والله لا أعطي أحدًا باطلًا، ولا أمنع أحدًا حقًّا، ثم رفع صوته فقال: أيها الناس، مَنْ أطاع الله وجبت طاعته، ومن عصى الله فلا طاعة له، أطيعوني ما أطعت الله، فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم، ثم نزل فدخل فأمر بالستور فهتكت والثياب التي كانت تبسط للخلفاء أمر بها فبِيعت، وأدخل أثمانها في بيت المال؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ221). نصيحة عبدالملك بن عمر له: لما أخذ عمر بن عبدالعزيز البيعة بالخلافة من الناس، ذهب ليستريح وقت الظهيرة، فأتاه ابنه عبدالملك، فقال: يا أمير المؤمنين، ماذا تريد أن تصنع؟ قال: يا بني أقيل، قال: تقيل ولا ترد المظالم إلى أهلها؟ فقال: إني سهرت البارحة في أمر سليمان، فإذا صليت الظهر رددت المظالم، فقال له: يا أمير المؤمنين، ومن لك أن تعيش إلى الظهر؟ قال: ادن منِّي أي بني، فدنا منه، فقَبَّل بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي مَنْ يُعينني على ديني، ثم قام وخرج وترك القائلة، وأمر مُناديه أن يُنادي: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ2، صـ115). الاقتداء بعمر بن الخطاب: قال سالم بن عبدالله بن عمر بن الخطاب: إن عمر بن عبدالعزيز كتب إليه: من عبدالله عمر أمير المؤمنين إلى سالم بن عبدالله، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: «فإن الله ابتلاني بما ابتلاني به من أمر هذه الأمة عن غير مشاورة مني فيها، ولا طلبة مني لها، إلا قضاء الرحمن وقدره، فأسأل الذي ابتلاني من أمر هذه الأمة بما ابتلاني أن يُعينني على ما ولَّاني، وأن يرزقني منهم السمع والطاعة وحسن مؤازرة، وأن يرزقهم مني الرأفة والمعدلة، فإذا أتاك كتابي هذا فابعث إلي بكتب عمر بن الخطاب وسيرته وقضاياه في أهل القبلة وأهل العهد؛ فإني مُتَّبِع أثر عمر وسيرته، إن أعانني الله على ذلك، والسلام»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ284). استشارة العلماء: لما قدم عمر بن عبدالعزيز المدينة واليًا عليها كَتَبَ حاجِبُه الناسَ، ثم دخلوا فسلَّمُوا عليه، فلما صلى الظهر دعا عشرة نفر من فقهاء البلد: عروة بن الزبير وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة، وأبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث، وأبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبدالله، وعبدالله بن عبدالله بن عمر، وعبدالله بن عامر بن ربيعة، وخارجة بن زيد بن ثابت، فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني دعوتكم لأمر تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى أو بلغكم عن عامل لي ظلامةً، فأُحَرِّج بالله على أحد بلغه ذلك إلا أبلغني، فجزوه خيرًا وافترقوا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ257). • قال محمد بن كعب القرظي، قال لي عمر بن عبدالعزيز: صف لي العدل يا بن كعب، قلت: بخ بخ، سألت عن أمر عظيم: كن لصغير الناس أبًا، ولكبيرهم ابنًا، وللمثل منهم أخًا، وللنساء كذلك، وعاقب الناس بقدر ذنوبهم على قدر احتمالهم، ولا تضربن لغضبك سوطًا واحدًا، فتكون من العادين؛ (الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، جـ1، صـ180). مصاحبة عمر بن عبدالعزيز: قال عمر بن عبدالعزيز لجلسائه: من صحبني منكم، فليصحبني بخمس خصال: يدلني من العدل إلى ما لا أهتدي له، ويكون لي على الخير عونًا، ويبلغني حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ولا يغتاب عندي أحدًا، ويؤدي الأمانة التي حملها مني ومن الناس، فإذا كان كذلك فمرحبًا به، وإلا فهو في حرج من صحبتي والدخول علي؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ336). عبادة عمر بن عبدالعزيز: • روى النسائي عن زيد بن أسلم قال: دخلنا على أنس بن مالك فقال: «صليتم؟» قلنا: نعم، قال: «يا جارية، هلمي لي وضوءًا، ما صليت وراء إمام أشبه صلاةً برسول الله صلى الله عليه وسلم من إمامكم هذا»، قال زيد: وكان عمر بن عبدالعزيز يتم الركوع والسجود، ويُخفِّف القيام والقعود؛ (حديث صحيح لغيره)، (صحيح النسائي؛ للألباني جـ1، صـ322). • كان عمر بن عبدالعزيز يصوم الاثنين والخميس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ256). خوف عمر من الله تعالى: (1) قالت فاطمة بنت عبدالملك: قد يكون من الرجال من هو أكثر صلاةً وصيامًا من عمر؛ ولكني لم أرَ من الناس أحدًا قطُّ كان أشدَّ خوفًا من ربِّه من عمر، كان إذا دخل البيت ألقى نفسه في مسجده، فلا يزال يبكي ويدعو حتى تغلبه عيناه، ثم يستيقظ فيفعل مثل ذلك ليلته أجمع؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ260). (2) بكى عمر بن عبدالعزيز فبكت فاطمة زوجته، فبكى أهل الدار، لا يدري هؤلاء ما أبكى هؤلاء، فلما تجلى عنهم العبر، قالت له فاطمة: يا أمير المؤمنين، ممَّ بكيتَ؟ قال: ذكرت يا فاطمة منصرف القوم من بين يدي الله عز وج‍ل، فريق في الجنة، وفريق في السعير، قال: «ثم صرخ وغشي عليه»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ261). (3) اجتمع بنو مروان على باب عمر بن عبدالعزيز، وجاء عبدالملك بن عمر ليدخل على أبيه، فقالوا له: إما أن تستأذن لنا، وإما أن تبلغ أمير المؤمنين عنا الرسالة، قال: قُولُوا، قالوا: إن من كان قبله من الخلفاء كان يعطينا، ويعرف لنا موضعنا، وإن أباك قد حرمنا ما في يديه، قال: فدخل على أبيه، فأخبره عنهم، فقال له عمر: قل لهم: إن أبي يقول لكم: ﴿ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأنعام: 15]؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ267). (4) قال عطاء بن أبي رباح: حدثتني فاطمة، امرأة عمر بن عبدالعزيز: أنها دخلت عليه، فإذا هو في مصلاه، يده على خده، سائلة دموعه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ألشيء حدث؟ قال: يا فاطمة، إني تقلدت أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، والمظلوم المقهور، والغريب المأسور، والكبير، وذي العيال في أقطار الأرض، فعلمت أن ربي سيسألني عنهم، وأن خصمهم دونهم محمد صلى الله عليه وسلم؛ فخشيت ألا تثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي، فبكيت؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ131). (5) قال مكحول الشامي: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبدالعزيز؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي جـ7، صـ123). زهد عمر بن عبدالعزيز: (1) قال ميمون بن مهران: أقمت عند عمر بن عبدالعزيز ستة أشهر، ما رأيته غيَّرَ رِداءه، كان يغسل من الجمعة إلى الجمعة، ويُتَبَّن بشيء من زعفران؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ313). (2) دخل مسلمة بن عبدالملك على عمر بن عبدالعزيز، فقال لأخته فاطمة بنت عبدالملك، وهي امرأة عمر بن عبدالعزيز: إني أرى أمير المؤمنين قد أصبح اليوم مُفِيقًا، وأرى قميصه دَرِنًا فألبسيه غير هذا القميص حتى نأذن للناس عليه، فسكتت، فقال: ألبسي أمير المؤمنين غير هذا القميص، فقالت: والله ما له غيره؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ314). (3) قال رجاء بن حيوة: كان عمر بن عبدالعزيز من أعطر الناس، وألبس الناس، وأخيلهم مشيةً، فلما استخلف قوَّموا ثيابه باثني عشر درهمًا من ثياب مصر؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ314). (4) قال سعيد بن سويد: إن عمر بن عبدالعزيز صلى بهم الجمعة وعليه قميص مرقوع الجيب من بين يديه ومن خلفه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ314). (5) قال عمر بن عبدالعزيز لامرأته: عندك درهم أشتري به عنبًا؟ قالت: لا، قال: فعندك فلوس؟ قالت: لا، أنت أمير المؤمنين ولا تقدر على درهم! قال: هذا أهون من معالجة الأغلال في جهنم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ134). ما استخلف عمر بن عبدالعزيز نظر إلى ما كان له من عبد، وإلى لباسه وعطره وأشياء من الفضول، فباع كل ما كان به عنه غنًى، فبلغ ثلاثةً وعشرين ألف دينار، فجعله في بيت المال؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ266). (6) قال عبدالعزيز بن عمر بن عبدالعزيز: قال لي أمير المؤمنين، أبو جعفر المنصور: كم كانت غلة عمر حين أفضت إليه الخلافة؟ قلت: خمسون ألف دينار، قال: كم كانت يوم مات؟ قلت: ما زال يردها حتى كانت مائتي دينار، ولو بقي لردها؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ257). ورع عمر بن عبدالعزيز: (1) كان عمر بن عبدالعزيز إذا سمر في أمر العامة أسرج من بيت مال المسلمين، وإذا سمر في أمر نفسه أسرج من مال نفسه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ311). (2) كان لعمر بن عبدالعزيز سراج (مصباح) يكتب عليه حوائجه، وسراج لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين، لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ211). (3) كان لعمر بن عبدالعزيز غلام يعمل على بغل له، يأتيه بدرهم كل يوم، فجاءه يومًا بدرهم ونصف، فقال: «ما بدا لك؟»، فقال: نفقت السوق (كثر الإقبال عليها)، قال: «لا، ولكنك أتعبت البغل، أرحه ثلاثة أيام»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم جـ5، صـ260). (4) أهدي إلى عمر بن عبدالعزيز تفاح وفاكهة، فردَّها، وقال: لا أعلمن أنكم قد بعثتم إلى أحد من أهل عملي بشيء، قيل له: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية، قال: بلى؛ ولكنها لنا ولمن بعدنا رشوة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم جـ5، صـ294). قال خالد بن أبي الصلت: أتي عمر بن عبدالعزيز بماء قد سخن في فحم الإمارة، فكرهه ولم يتوضأ به؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ294). (5) كان عمر بن عبدالعزيز لا يحمل على البريد إلا في حاجة المسلمين، وكتب إلى عامل له يشتري له عسلًا، ولا يُسخِّر فيه شيئًا، وأن عامله حمله على مركبة من البريد، فلما أتى قال: عَلامَ حمله؟ قالوا: على البريد، فأمر بذلك العسل فبيع، وجعل ثمنه في بيت مال المسلمين، وقال: «أفسدت علينا عسلك»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم جـ5صـ293). تواضع عمر بن عبدالعزيز: (1) قال رجاء بن حيوة: سمرت عند عمر بن عبدالعزيز ذات ليلة فعشي (ضعف) السراج، فقلت: ألا أنبه هذا الغلام يصلحه؟ فقال: لا، دعه ينام، فقلت: أفلا أقوم أصلحه؟ فقال: لا، ليس من مروءة الرجل استخدام ضيفه، ثم قام بنفسه فأصلحه، وصب فيه زيتًا، ثم جاء وقال: قمت وأنا عمر بن عبدالعزيز، وجئت وأنا عمر بن عبدالعزيز؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير جـ9، صـ211). (2) قال الأوزاعي: كان عمر بن عبدالعزيز يجعل كل يوم درهمًا من خاصة ماله في طعام المسلمين، ثم يأكل معهم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ270). (3) كتب عمر بن عبدالعزيز لولاته: لا تخصوني بشيء من الدعاء، ادعوا للمؤمنين والمؤمنات عامةً، فإن أكن منهم أدخل فيهم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ294). اهتمام عمر بالعلم والعلماء: (1) قال كان عمر بن عبدالعزيز: تعلموا العلم؛ فإنه زين للغني، وعون للفقير، لا أقول إنه يطلب به؛ ولكنه يدعو إلى القناعة؛ (سيرة عمر بن عبدالعزيز؛ لابن عبدالحكم، صـ151). (2) كان عمر بن عبدالعزيز يعطي من انقطع إلى المسجد الجامع من بلده وغيرها للفقه ونشر العلم وتلاوة القرآن، في كل عام من بيت المال مائة دينار، وكان يكتب إلى عماله أن يأخذوا بالسنة، ويقول: إن لم تصلحهم السنة فلا أصلحهم الله؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ216). (3) كتب عمر بن عبدالعزيز لولاته: لا يستعمل على الأعمال إلا أهل القرآن، فإن لم يكن عندهم خير، فغيرهم أولى أن لا يكون عنده خير؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ216). (4) قال عمر بن عبدالعزيز: لو كان كل بدعة يميتها الله على يدي، وكل سنة ينعشها الله على يدي ببضعة (قطعة) من لحمي حتى يأتي آخر ذلك على نفسي كان في الله يسيرًا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264). (5) قال أبو المليح: جاءت كتب عمر بن عبدالعزيز بإحياء السنة وإماتة البدع؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ293). (6) قال عمر بن عبدالعزيز: إن للإسلام سُنَنًا وشرائع وفرائض، فمن استكملهنَّ استكمل الإيمان، ومَنْ لم يستكملهُنَّ لم يستكمل الإيمان، فإن أعِشْ أُبيِّنْها لكم؛ لتعملوا بهن، وإنْ أمُتْ، فو الله ما أنا على صحبتكم بحريص؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ136). حرص عمر على نشر الإسلام: (1) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عامله (واليه) على خراسان الجراح بن عبدالله الحكمي يأمره أن يدعو أهل الجزية إلى الإسلام، فإن أسلموا قبلَ إسلامَهم ووضَعَ الجزية عنهم، وكان لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، فقال له رجل من أشراف أهل خراسان: إنه والله ما يدعوهم إلى الإسلام إلا أن تُوضَعَ عنهم الجزية، فامتحنهم بالختان، فقال: أنا أردهم عن الإسلام بالختان؟ هم لو قد أسلموا فحسُن إسلامُهم كانوا إلى الطهرة (الختان) أسرع، فأسلم على يده نحو من أربعة آلاف؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ301). (2) كتب حيان بن شريح عامل (والي) مصر إلى عمر بن عبدالعزيز: إن أهل الذمة قد أشرعوا في الإسلام، وكسروا الجزية، فكتب إليه: إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم داعيًا، ولم يبعثه جابيًا (جامعًا للمال)، فإذا أتاك كتابي، فإن كان أهل الذمَّة أشرعوا في الإسلام، وكسروا الجزية، فاطوِ كتابك، وأقبل؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ147). القدوة: (1) جاء أصحاب مراكب الخلافة يسألون عمر بن عبدالعزيز العلوفة ورزق خدمها، قال: ابعثوا بها إلى أمصار الشام يبيعونها، واجعلوا أثمانها في مال الله، تكفيني بغلتي هذه الشهباء؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ118). (2) قال عمر بن عبدالعزيز لامرأته فاطمة بنت عبدالملك، وكان عندها جوهر أمر لها أبوها به لم يُرَ مثله: اختاري؛ إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت وهو في بيت واحد، قالت: لا؛ بل أختارك يا أمير المؤمنين عليه، وعلى أضعافه لو كان لي، قال: فأمر به، فحُمِل حتى وُضِع في بيت مال المسلمين، فلما مات عمر واستخلف يزيد بن عبدالملك، قال لفاطمة: إن شئت يردونه عليك، قالت: فإني لا أشاؤه، طبت عنه نفسًا في حياة عمر، وأرجع فيه بعد موته؟! لا والله أبدًا، فلما رأى ذلك قسمه بين أهله وولده؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 283). (3) قال الليث بن سعد: بدأ عمر بن عبدالعزيز بأهل بيته، فأخذ ما بأيديهم، وسمَّى أموالهم مظالم، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه: إني قد عناني أمر، فأتته ليلًا، فأنزلها عن دابَّتِها، فلما أخذت مجلسها، قال: يا عمَّة، أنت أولى بالكلام، قالت: تكلم يا أمير المؤمنين، قال: إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمةً، ولم يبعثه عذابًا، واختار له ما عنده، فترك لهم نهرًا، شربهم سواء، ثم قام أبو بكر، فترك النهر على حاله، ثم عمر، فعمل عمل صاحبه، ثم لم يزل النهر يشتق منه يزيد، ومروان، وعبدالملك، والوليد، وسليمان، حتى أفضى الأمر إليَّ، وقد يبس النهر الأعظم، ولن يروي أهله حتى يعود إلى ما كان عليه، فقالت: حسبك، فلست بذاكرة لك شيئًا، ورجعت، فأبلغتهم كلامه؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ129). (4) قال عبدالمجيد بن سهيل: رأيت عمر بن عبدالعزيز بدأ بأهل بيته، فردَّ ما كان بأيديهم من المظالم، ثم فعل بالناس بعد؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ263). (5) قال أبو بكر بن أبي سبرة: لما رد عمر بن عبدالعزيز المظالم، قال: إنه لينبغي أن لا أبدأ بأول من نفسي، فنظر إلى ما في يديه من أرض أو متاع فخرج منه حتى نظر إلى فص خاتم، فقال: هذا مما كان الوليد بن عبدالملك أعطانيه مما جاءه من أرض المغرب، فخرج منه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ263). (6) قال الأوزاعي: كان عمر بن عبدالعزيز إذا أراد أن يعاقب رجلًا حبسه ثلاثة أيام، ثم عاقبه، كراهية أن يُعجِّل في أول غضبه؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ121). واستعمل عمر عاملًا (واليًا)، فبلغه أنه عمل للحجاج بن يوسف الثقفي، فعزله، فأتاه يعتذر إليه، فقال: لم أعمل له إلا قليلًا، فقال: حسبك من صحبة شرٍّ يوم أو بعض يوم؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ289). اهتمام عمر برعيته: (1) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قاضي المدينة: إياك والجلوس في بيتك، اخرج للناس فآس (أعدل) بينهم في المجلس والمنظر، ولا يكن أحد من الناس آثر عندك من أحد، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين، فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء؛ بل أنا أحرى أن أظن بأهل بيت أمير المؤمنين أنهم يقهرون من نازعهم، وإذا أشكل عليك شيء فاكتب إليَّ فيه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264). (2) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عبدالحميد بن عبدالرحمن، وهو بالعراق: أن «أخرج للناس أعطياتهم» فكتب إليه عبدالحميد: إني قد أخرجت للناس أعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال، فكتب إليه: أن «انظر كل من أدان في غير سفه ولا سرف فاقْضِ عنه»، فكتب إليه، إني قد قضيت عنهم، وبقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه: أن «انظر كل بكر ليس له مال، فشاء أن تزوجه فزوجه وأصْدِق عنه»، فكتب إليه: إني قد زوجت كل من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال، فكتب إليه بعد مخرج هذا: أن «انظر من كانت عليه جزية فضعف عن أرضه، فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنا لا نريدهم لعام ولا لعامين»؛ (الأموال؛ للقاسم بن سلام، صـ109، رقم: 625). (3) قال: ثابت بن قيس: سمِعت كتاب عمر بن عبدالعزيز يقرأ علينا: ارفعوا كل مولود نفرض له، وارفعوا موتاكم؛ فإنما هو مالكم نرده عليكم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ267). معاملة عمر لغير المسلمين: (1) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عدي بن أرطأة: انظر أهل الذمة فارفق بهم، وإذا كبر الرجل منهم وليس له مال فأنفق عليه؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ296). (2) قال رجل ذمي، أبيض الرأس واللحية، من أهل حمص لعمر بن عبدالعزيز: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله، قال: ما ذاك؟ قال: العباس بن الوليد بن عبدالملك اغتصبني أرضي، والعباس جالس، فقال له عمر: يا عباس، ما تقول؟ قال: نعم أقطعنيها أمير المؤمنين الوليد، وكتب لي بها سجلًّا، فقال عمر: ما تقول يا ذمِّي؟ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك كتاب الله تعالى، فقال عمر: نعم كتابُ الله أحقُّ أن يُتَّبع من كتاب الوليد، قُمْ فارْدُدْ عليه يا عباس ضيعتَه، فردَّها عليه؛ (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ2، صـ115: 116). عمر يرد المظالم إلى أهلها: (1) قال سليمان بن موسى: ما زال عمر بن عبدالعزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلى يوم مات؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ263). (2) قال أبو الزناد: كتب إلينا عمر بن عبدالعزيز بالعراق في رد المظالم إلى أهلها فرددناها حتى أنفدنا ما في بيت مال العراق، وحتى حمل إلينا عمر المال من الشام؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264). (3) قال أبو الزناد: كان عمر يرد المظالم إلى أهلها بغير البيِّنة القاطعة، كان يكتفي بأيسر ذلك، إذا عرف وجهًا من مظلمة الرجل ردَّها عليه، ولم يكلفه تحقيق البيِّنة؛ لما كان يعرف من غشم الولاة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264). (4) قال أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، قال: كتب إلي عمر بن عبدالعزيز أنِ استبرئِ الدواوين، فانظُرْ إلى كل ظلم ظلمه مَنْ قبلي من حق مسلم أو معاهد فرُدَّه عليه، فإن كان أهل تلك المظلمة قد ماتوا، فادفعه إلى ورثتهم؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ264). نصيحة عمر لولاته: (1) كتب بعض عُمَّال (أمراء) عمر بن عبدالعزيز إليه: إن مدينتنا قد خربت، فإن رأى أمير المؤمنين أن يقطع لها مالًا يرمها (يصلح خللها) به فعل، فكتب إليه عمر: قد فهمت كتابك، وما ذكرت أن مدينتكم قد خربت، فإذا قرأت كتابي هذا فحصِّنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم، فإنه مرمّتها والسلام؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 305). (2) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عمَّاله: إذا دعتك قدرتك على الناس إلى ظلمهم، فاذكر قدرة الله تعالى عليك، ونفاد ما تأتي إليهم، وبقاء ما يأتون إليك؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ135). (3) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى أبي بكر بن حزم: أما بعد، فكتبت تذكر أن القراطيس (الأوراق) التي قبلك قد نفدت، وقد قطعنا لك دون ما كان يقطع لمن كان قبلك، فأدق قلمك، وقارب بين أسطرك، واجمع حوائجك؛ فإني أكره أن أُخرِج من أموال المسلمين ما لا ينتفعون به؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ312). (4) كتب عمر إلى بعض عمَّاله (ولاته): «أوصيك بتقوى الله الذي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل»؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ201). (5) كتب عمر بن عبدالعزيز إلى بعض عمَّاله: أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله، ولزوم طاعته، فإن بتقوى الله نجا أولياء الله من سخطه، وبها تحقق لهم ولايته، وبها رافقوا أنبياءهم، وبها نضرت وجوههم، وبها نظروا إلى خالقهم، وهي عصمة في الدنيا من الفتن، والمخرج من كرب يوم القيامة؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 278). (6) قال الأوزاعي: كتب عمر إلى عُمَّاله (ولاته): «اجتنبوا الاشتغال عند حضرة الصلاة، فمن أضاعها، فهو لما سواها من شعائر الإسلام أشد تضييعًا»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 316). (7) كان عمر بن عبدالعزيز يوسع على عُمَّاله (ولاته) في النفقة؛ يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار، وكان يتأوَّل أنهم إذا كانوا في كفاية تفرَّغوا لأشغال المسلمين، فقالوا له: لو أنفقت على عيالك كما تنفق على عُمَّالك! فقال: لا أمنعهم حقًّا لهم، ولا أعطيهم حقَّ غيرهم؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ9، صـ211). قبس من كلام عمر: قال عمر بن عبدالعزيز (رحمه الله): (1) لا ينبغي للقاضي أن يكون قاضيًا حتى تكون فيه خمس خصال: عفيف، حليم، عالم بما كان قبله، يستشير ذوي الرأي، لا يبالي ملامة الناس؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ287). (2) «قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطمع»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ290). (3) قال عمر بن عبدالعزيز لابنه: «يا بني، إذا سمِعت كلمةً من امرئ مسلم، فلا تحملها على شيء من الشر ما وجدت لها محملًا من الخير»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ277). (4) «أيها الناس، أصلحوا سرائركم، تصلح علانيتُكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا دنياكم، واعلموا أن رجلًا ليس بينه وبين آدم أب حي لمغرق له في الموت والسلام عليكم»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 265). (5) «لا ينفع القلب إلا ما خرج من القلب»؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ 5، صـ 288). (6) أيها الناس، إنكم لم تخلقوا عبثًا، ولم تتركوا سدًى، وإن لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم فيكم، والفصل بينكم، وقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كل شيء، وحرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض، ألا واعلموا أن الأمان غدًا لمن حذر الله وخافه، وباع نافدًا بباق، وقليلًا بكثير، وخوفًا بأمان؛ (حلية الأولياء، لأبي نعيم، جـ 5، صـ 286). آثار عدل عمر: (1) قال مالك بن دينار: لما استعمل عمر بن عبدالعزيز على الناس، قالت رعاء الشاء في رؤوس الجبال: من هذا العبد الصالح الذي قام على الناس؟ قيل لهم: وما علمكم بذاك؟ قالوا: إنه إذا قام على الناس خليفة عدل كفت الذئاب عن شائنا؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ301). (2) قال موسى بن أعين: كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبدالعزيز، فكانت الشاء والذئاب والوحش ترعى في موضع واحد، فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذئب لشاة، فقلنا: ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك، فنظروا فوجدوه مات في تلك الليلة؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ301). (3) قال عمر بن أسيد، قال: والله، ما مات عمر بن عبدالعزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم، فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله، قد أغنى عمر الناس؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ131). (4) قال سهيل بن أبي صالح: كنت مع أبي غداة عرفة، فوقفنا لننظر لعمر بن عبدالعزيز، وهو أمير الحاج، فقلت: يا أبتاه، والله إني لأرى الله يحب عمر، قال: لم؟ قلت: لما أراه دخل له في قلوب الناس من المودة، وأنت سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ اللهُ عبدًا، نادى جبريل: إن الله قد أحبَّ فلانًا، فأحبُّوه))؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي جـ5، صـ119). وصية عمر بن عبدالعزيز: دخل مسلمة بن عبدالملك على عمر في مرضه الذي مات فيه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أقفرت أفواه ولدك من هذا المال فتركتهم عالةً (فقراء)، لا شيء لهم، فلو أوصيت بهم إليَّ أو إلى نظرائي من أهل بيتك، قال: فقال: أسندوني، ثم قال: أما قولك: إني أقفرت أفواه ولدي من هذا المال، فإني والله ما منعتهم حقًّا هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، وأما قولك: لو أوصيت بهم إليَّ أو إلى نظرائي من أهل بيتك، فوصيي ووليي فيهم الله الذي نزل الكتاب، وهو يتولَّى الصالحين، بني أحد رجلين: إما رجل يتقي فسيجعل الله له مخرجًا، وإما رجل مكبٌّ على المعاصي، فإني لم أكن لأقوِّيه على معصية الله. ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكرًا قال: فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى، ثم قال: أي بني، إن أمامكم ميل بين أمرين، بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم النار، وأن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة، فكان أن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحبُّ إليه من أن تستغنوا ويدخل النار، قوموا عصمكم الله؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ333). وفاة عمر بن عبدالعزيز: سبب الوفاة: قال مجاهد بن جبر: قال لي عمر بن عبدالعزيز: ما يقول الناس فيَّ؟ قلت: يقولون: مسحور، قال: ما أنا بمسحور، ثم دعا غلامًا له، فقال: ويحك، ما حملك على أن تسقيني السم؟ قال: ألف دينار أعطيتها، على أن أعتق، قال: هاتها، فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد؛ (إسناد الخبر ثقات) (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ45، صـ166) (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ4، صـ175). قال الإمام الذهبي (رحمه الله): كانت بنو أمية قد تبرَّمت (تضايقت) بعمر؛ لكونه شدَّد عليهم، وانتزع كثيرًا مما في أيديهم مما قد غصَبوه، وكان قد أهمل التحرز، فسقوه السمَّ؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ124). حسن الخاتمة: قالت فاطمة بنت عبدالملك، امرأة عمر: كنت أسمع عمر كثيرًا يقول: «اللهم أخف عليهم موتي، اللهم أخف عليهم موتي، ولو ساعةً»؛ فقلت له يومًا: لو خرجت عنك فقد سهرت يا أمير المؤمنين، لعلك تغفي، فخرجت إلى جانب البيت الذي كان فيه فسمعته يقول: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83]، فجعل يرددها، قالت: ثم أطرق فلبثت ساعةً، ثم قلت لوصيف له كان يخدمه: ادخل فانظر، قالت: فدخل فصاح، فدخلت فإذا هو قد أقبل بوجهه إلى القبلة، وغمض عينيه بإحدى يديه، وضم فاه بالأخرى؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم، جـ5، صـ335). • لما جاء نعي عمر بن عبدالعزيز قال الحسن البصري: مات خير الناس؛ (تاريخ الإسلام؛ للذهبي، جـ7، صـ126). مات عمر بن عبدالعزيز في العشرين من شهر رجب سنة إحدى ومائة، وهو ابن تسع وثلاثين سنةً وأشهر، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر؛ (الطبقات الكبرى؛ لابن سعد، جـ5، صـ319). دفن عمر بن عبدالعزيز في قرية دير سمعان التابعة لمدينة حمص بسوريا؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ48، صـ176). رحم الله عمر بن عبدالعزيز رحمةً واسعةً، وجزاه الله عن الإسلام خير الجزاء، ونسأل الله تعالى أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنة. أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اختبار دقيق لتشخيص فقدان الذاكرة
عباس سبتي
12-12-2018
18,831
https://www.alukah.net//culture/0/131273/%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d8%af%d9%82%d9%8a%d9%82-%d9%84%d8%aa%d8%b4%d8%ae%d9%8a%d8%b5-%d9%81%d9%82%d8%af%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9/
اختبار دقيق لتشخيص فقدان الذاكرة The Sage Test for Screening for Memory Disorders: An Update بقلم / Douglas Scharre ترجمة الباحث / عباس سبتي اختبار الفحص المعرفي الذاتي أو اختبار SAGE " The Self-Administered Gerocognitive Exam "، الذي يستغرق أقل من 15 دقيقة لإكماله، هو أداة موثوقة لتقييم القدرات المعرفية لدى المريض المسن. نشرت نتائج البحث التي أجراها باحثون في مركز ولاية أوهايو الطبي التابع لجامعة ولاية أوهايو، التي تؤكد جدوى وكفاءة الأداة لفحص عدد كبير من الأشخاص، في عدد يناير 2014 من مجلة الطب النفسي العصبي وعلم الأعصاب السريري. قام الباحثون بزيارة ( 45 ) حالة مرضية؛ حيث طلبوا من الأشخاص إجراء اختبار بسيط ذاتيًّا، لفحص الفقد المعرفي المبكر أو الخرف، ومن بين 1047 شخصًا خضعوا لاختبار القلم والورق، تم تحديد 28 في المائة من المرضى يعانون من الضعف الإدراكي؛ كما قال الدكتور "دوجلاس شاري، Douglas Scharre " الذي طور الاختبار مع فريقه في ولاية أوهايو وهو عضو في هيئة Parentgiving’s Question An Expert panel ". يمكنك أيضا أن تأخذ اختبار " SAGE " في المنزل، ثم تناقش النتائج مع طبيبك للمساعدة في اكتشاف الأعراض المبكرة للقضايا المعرفية؛ مثل: الخرف المبكر، أو مرض الزهايمر، كما يقول الدكتور " شاري ، Scharre " وهو مدير قسم علم الأعصاب الإدراكي، ويرأس مركز أبحاث اضطرابات الذاكرة في مركز ويكسنر الطبي بولاية أوهايو، وقال: إن الأطباء قد لا يعترفون في كثير من الأحيان بوجود عجز إدراكي خفي أثناء الزيارات المكتبية الروتينية للمرضى لديهم. قال " شاري ": ما وجدناه هو أن اختبار " SAGE "، أو اختبار القلم والورق، يرتبط بشكل جيد للغاية باختبار إدراكي مفصل". "إذا لاحظنا هذا التغيير المعرفي في وقت مبكر حقًّا، فيمكننا بدء العلاجات المحتملة في وقت أبكر مما كنا نفعل بدون إجراء هذا الاختبار". في حين أن الاختبار لا يشخص مرضًا مثل مرض الزهايمر، فإنه يسمح للأطباء بالحصول على خط الأساس للوظيفة المعرفية في مرضاهم؛ حتى يتمكنوا من متابعة هذا المرض مع مرور الوقت. وقال: "يمكن أن نعطيهم الاختبار بشكل دوري، وفي اللحظة التي نلاحظ فيها أي تغيُّرٍ في قدراتهم المعرفية، يمكننا أن نتدخل بسرعة كبيرة. كما يمكن لاختبار SAGE أن يعطي لمقدمي الرعاية الصحية مؤشرًا مبكراً على ما سيحدث للمرضى في المستقبل، في وقت سابق من الأبحاث التي أجراها Scharre ، وجد أن أربعة من أصل خمسة أشخاص (80 في المائة) يعانون من مشكلات التفكير والذكاء المعتدلة، وسوف يتم الكشف عنها بعد إجراء هذا الاختبار، وأن ( 95 في المائة) مِن الذين لا يعانون من هذه المشكلات، سيكون لديهم نتائج SAGE العادية. في هذه الدراسة وجد الباحثون أن ميزة SAGE ذاتية الإدارة، بمعنى أن يؤدي المريض بنفسه اختبار القلم والورق، ويسمح له بأداء هذا الاختبار في أي مكان، ولا يتطلب موظفين للإشراف على الاختبار، أو إعداد جهاز كمبيوتر، ومع سهولة إجراء فحص سريع لعدد كبير من الأفراد في المجتمع في نفس الوقت. كان المشاركون في الدراسة يبلغون من العمر 50 عامًا أو أكثر، وتَمَّ اختيارهم في مجموعة كبيرة من المواقع والفعاليات المجتمعية، بما في ذلك المراكز العليا والهيئات الصحية والمحادثات المباشرة في المرافق العامة والمستقلة، ومن خلال إعلانات الصحف، استبعدت الدراسة الأفراد الذين أشاروا إلى أنهم خضعوا لاختبار SAGE في السابق. يتم اختبار المشاركين للتعرف على اليوم والشهر والسنة واللغة: (الطلاقة اللفظية + تسمية الصور) ؛ المنطق / الحساب (التجريد + الحساب والبناء ثلاثي الأبعاد + الرسم على مدار الساعة، وحل المشكلات وقدرات الذاكرة. يتم تزويد المشاركين بنتائج الاختبار بشكل خطي، وعرض هذه النتائج على الطبيب المختص من أجل التفسير وإمكانية إجراء المزيد من الفحص أو التقييم؛ بناءً على توجيهات الطبيب، ومع أن هذا الاختبار يمثِّل خط الأساس الخاص بهم؛ ليتم إعادة الفحص في المستقبل من قِبَل الطبيب، إن عدم وجود ستِّ نقاط أو أكثر في اختبار SAGE المكون من 22 نقطة، يتطلب عادة متابعة إضافية من قِبَل الطبيب. قال " Scharre " المتخصص في علاج مرض الزهايمر: إن علاج مرض الزهايمر والخرف أكثر فعالية عندما يبدأ العلاج في المرحلة الأولى من المرض، ولسوء الحظ غالبًا ما ينتظر المرضى المصابون بمرض الزهايمر بعد ثلاث إلى أربع سنوات من ظهور الأعراض لأول مرة بحثًا عن العلاج. أضاف " Scharre ": هناك أكثر من 5 ملايين أمريكي مصابين بمرض الزهايمر، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الأرقام ثلاث مرات بحلول عام 2050، ويعتقد أن 3 في المائة إلى 22 في المائة ممن تزيد أعمارهم عن 60 سنة، يعانون من الضعف الإدراكي المعتدل. وقال أيضًا: نأمُل أن يساعد هذا الاختبار في تغيير هذه المواقف، نحن نعثر على علاجات أفضل، ونعلم أن المرضى يقومون بعمل أفضل بكثير مما لو بدؤوا العلاج في وقت أقرب من ذلك". أخيرًا يضم برنامج جامعة ولاية أوهايو في " Wexner " مركز الطب الأعصاب - 170 من الباحثين والأطباء الذين يعملون في مجال علم الأعصاب وجراحة الأعصاب، والطب الفيزيائي، وإعادة التأهيل والطب النفسي، لإنشاء طرق أفضل للكشف والوقاية والعلاج للمرضى.
الفصل بين التراث والواقع
د. أسماء جابر العبد
11-12-2018
3,514
https://www.alukah.net//culture/0/131253/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b5%d9%84-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9/
الفصل بين التراث والواقع التراث: إنه ذلك الإرث الحضاري الذي تركه لنا أجدادنا، ونحمله بشرف لأبنائنا، إنه ذاكرة الأمة بكل تجلياتها الدينية والحضارية والثقافية والاجتماعية، والأدبية والروحية والفنية، سجلٌّ تاريخيٌّ تراكميٌّ على امتداد الزمان والمكان، هوية الأمة وثقافتها، وتاريخها وعنوان حضارتها، جذورٌ تضرب بأطنابها في الأرض عبر الماضي السحيق ثابتةً راسخة، وتمدها بما تحتاجه من غذاءٍ حتى تبقى نضرةً يانعة، إنه الضامن لاستمرارية الأمة وتحقيق التوازن بين ماضيها وحاضرها، وطريفها وتالدها. وفي نفس الوقت ليس قيدًا يكبِّلنا ويعوق سيرنا عن التقدم والتجديد ومسايرة العصر، وفي عصرٍ أصبح فيه شبح الغزو الفكري يطاردنا ويمزِّق أملنا في الانبعاث من جديد، ويجعلنا تابعين لا متبوعين، ومقلدين لا مبدعين. وحين انحطَّت الهِممُ، وشُغِلنا عن إرث آبائنا بأعباء الحياة وماديتها، وجدنا أنفسنا نستيقظ وقد قرعت آذاننا تقنيات الغرب وفنونه، فانبهرنا بها ثم تساءلنا: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟! نعم، ليس في التراث حلول جاهزة لكل مشكلاتنا المعاصرة، ولكننا نجد فيه أصولًا هادية، وفتح آفاق لخبراتٍ معرفية، فالعودة له احتماء وارتكاز ومنطلق، نفكر من خلاله، ونحيا به، ونبني عليه، نستمد منه رؤيتنا للحاضر واستشرافنا للمستقبل، فالانفلات من جذورنا التراثية معناه موتنا حضاريًّا، نُصاب بالتشتت والاغتراب، واختلال التوازن والاضطراب. نريد إحياء تراثنا ونشره وخدمته بما يليق بقيمته وعراقته، نريد ترجمته وتقديمه للأجيال القادمة في صورة مشرفة لائقة، نريد تصفيته من كل شائبةٍ علِقت بمنهله الصافي في عصور الانحراف والتردي، لذا يجب علينا دراسته دراسةً نقديةً هادفةً إيجابيةً لا سلبية، فهذا من وسائل العناية به ولا شك، فالمتأخر لا يجب عليه أن يتبنى كلَّ ما جاء به المتقدم، خاصةً إذا كان اجتهادًا بشريًّا يخضع للنقد وإعادة البناء. بَيْد أنه يجب التفريق بين ما في التراث من عمل إنساني وجهد بشري، أو وحي رباني؛ حتى لا نضفي عليه كله صفة التقديس، فالبشر غير معصومين من الأخطاء. وعليه تُردُّ الجهود البشرية والآراء الفقهية إلى إطارها الصحيح من القرآن والسنة، ثم نعمِد إلى الآداب والفنون، فنرد كلًّا منها إلى حظيرة الدين الحق، ونصحِّح ما ورد من أخطاء فردية نشأت عن انحرافات فكرية. ولكي نكون منصفين لا مخطئين، علينا أن نقرأه قراءة سياقية وظيفية، دون إغفال للجانب التاريخي والبيئة المؤثرة فيه، واستقراء حيثياته مرجعيًّا وتاريخيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا، وننطلق أولًا وآخرًا من نصوص الوحيين فهمًا وتأويلًا وتحليلًا. نعم ننفتح على النتاج الإنساني العالمي، ونفيد من تجارب الآخرين ومعطيات التقدم، وفي نفس الوقت نحافظ على أصالتنا وتراثنا، ثوابت ومتغيرات، وصلابة ومرونة، لا جمود ورعونة. إن التراث قابل للتجديد والتخصيب في كل آن، حين تتوافر أدواته من عقولٍ ناضجةٍ، وضمائر حية تفهَم الإسلام وتخدمه، فوظيفة التراث أن يفتح آثارًا جديدةً للمعرفة، لا أن يغلق باب التفكير والاجتهاد والإبداع، فلقد حث الإسلام على الاجتهاد وجعل لمن يخطئ نصيبًا من الأجر. وانها لإحدى روائع الإسلام أن يثير في الأمة كل نبوغها ويحرِّك كل طاقتها، ويخرج خبء العبقرية المستكنة في أهلها! نريد ثقافة تجمع بين أصالة القديم ومحاسن الحديث، ويتوافق مع إطار الشرع، ويثبت أن هذا الدين صالحٌ لكل زمانٍ ومكان.
الإسلام وازدواجية السلوك
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
11-12-2018
4,839
https://www.alukah.net//culture/0/131248/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a7%d8%b2%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%88%d9%83/
الإسلام وازدواجية السلوك إن القرآن الكريم والسنة المطهرة هما المصدران الأساسيان للتربية الإسـلامية، وإذا أردنا أن نعرض موضوع الازدواجـية في السـلوك على القرآن الكريم والسنة المطهرة نجد الكثير من النصوص الشرعية التي تنبه إلى خطورتها وضرورة البعد عنها، لذلك خصصت هذا الفصل للوقوف على هذه النصوص للخروج بمجموعة من الاستنتاجات حول هذه الظاهرة. أولاً: ازدواجية السلوك في القرآن الكريم: إن أول ما يلفت النظر إلى ازدواج السلوك في الإنسان قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3]، وذلك لأن النداء موجه مباشرة إلى المؤمنين - ونحن هنا نبحث في سلوك المسلم - وهذا النداء وأمثاله في القرآن الكريم يقـول عـنه الصحـابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إذا سمـعت الله تعـالى يقـول: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ] فأعـرها سمعك فإنه خـير يأمر بـه، أو شر ينهى عنه. ( الجزائري، نداءات الرحمن لأهل الإيمان، ص 9 ). وبالرجوع إلى عـدة تفاسير لفهم الآية الكريمة المشار إليها، وجدت آيتين يضمها المفسرون معها، وهي: الأولى: قوله تعالي: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [البقرة: 44]. الثانية: قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88]. ويوضح الشيخ السعدي - رحمه الله - معنى هذه الآية الكريمة بقوله: وهذه الآية وإن كانت نزلت في بني إسـرائيل فهي عامـة لكل أحـد لقـوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2، 3] ( تيسير الكريم الرحمن، ص 34 ). وحول الآية الثانية ذكر السعدي فوائد عدة لقصة شعيب عليـه السلام ومنها: أن من تكملة دعوة الداعي وتمامها أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به، وأول منتهٍ عما ينهى غيره عنه، وكما قـال شـعيب عـليه السلام: ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88]، ولقـــوله تـعـالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2] (المرجع السابق،ص 344). ويتـضح من شرح الآيات السابقـة أنـها كـلها تـدور حول معنى واحد وهو عدم مخالفة الفعل للقول. ومن الآيات التي أشارت إلى ازدواجية سلوك المسلم قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، وقد ذكر القرطبي - رحمه الله - عدة أقوال لقوله تعالى: ﴿ قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ ومن تلك الأقوال: قصداً وحقاً، وقيل صواباً، وقيل لا إله إلا الله، وقيل: هو الذي يوافق ظاهره باطنه، وقيل: هو ما أريد به وجه الله دون غيره... ثم قال: والقول السداد يعـم الخيرات فهو عـام في جميع ما ذكر وغير ذلك ( ج 14، ص 253 ). ومن الآيات التي أشارت إلى ازدواجية سلوك المسلم قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]، وقد سبق أن تناولت الدراسة في الفصل الأول أنواع السلوك، وتم الاستشهاد برأي ابن تيميه رحمه الله بما ذكره استناداً إلى التقسيم الوارد في الآية المشـار إليهـا: (الظالم لنفسه) (المقتصد) (السابق بالخيرات)، واتضح أن ابن تيميه أشار إلى ازدواجية السلوك ضمناً في قسم (الظالم لنفسه). وحول الآية السابقة ومعناها يوضح الشيخ السعدي أن من أمة محمد ظالم لنفسه بالمعاصي التي هي دون الكفر، ومنهم مقتصد على ما يجب عليه، تارك للمحرم، ومنهم مسارع في الخيرات ومجتهد فيها، وهو المؤدي للفرائض المكثر من النوافل التارك للمحرم والمكروه، فكل هؤلاء اصطفاهم الله تعالى لوراثة القرآن الكريم، وإن تفاوتت مراتبهم وتميزت أحوالهم، فلكل منهم قسط من وراثته حتى الظالم لنفسه، فإن مـعه من أصل الإيمان وعلوم الإيمان، وأعمال الإيمان من وراثة الكتاب، لأن المراد بوراثة الكتاب، وراثة علمه وعمله، و دراسة ألفاظه، واستخراج مـعانيه ( تيسير الكريم الرحمن، ص636 ). ثانياً: ازدواجية السلوك.في السنة المطهرة: هناك جملة من الأحاديث الشريفة الدالة على ازدواجية السلوك التي تتوافق معانيها مع الآيات السابقة سالفة الإشارة، وهي: الحديث الأول: عن أسـامة بن زيد رضي الله عنه قـال: سمعت رسـول اللهصلى الله عليه وسلم قول: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار، فتندلق أقتابه فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: أي فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟! قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكــر وآتيه" ( صحيح البخاري، حديث رقم 3094، ج 3، ص 1191). الحديث الثاني: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قـال رسـول اللهصلى الله عليه وسلم: " ثم رأيت ليلة أُسري بي رجالاً تقرض شفاهم بمقاريض من نار، فقلت: يا جبريل من هؤلاء؟ فقال: خطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلــون" ( رواه أحمــد في المـسنــد، ج 3، ص 239 ). الحديث الثالث: عن جندب بن عبد الله الأسدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل المصباح يضئ للناس ويحـرق نفسه " ( رواه الطـبراني في الكـبير، حـديث رقـم 1685، ج 2، ص 167 ). من خلال الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة السابق عرضها، يمكن التوصل إلى الاستنتاجات الآتية: 1 - أن السلوك المزدوج، سلوك انحرف عن منهج الله تعالى، وهو سلوك مذموم وممقوت، بل إن الله تعالى جعل المتصفين به من الظالمين لأنفسهم أي: العاصون المبتعدون عن التطبيق الكلي لتوجيهات الله سبحانه تعالى. 2 - من العقوبات المترتبة على هذه الصفة ( السلوك المزدوج ) سلب حلاوة الإيمان ولذة التعبد، لأن هذه النعمة العظيمة لا تتأتى إلاّ لرجال مـؤمنين ونساء مؤمنات، باطنهم كظواهر هم بل أجلى، وسرائرهم كعلانيتهم بـل أحلى، وهممهم عند الثريا بل أعلى ( ابن الجوزي، صيد الخاطر، ص 17). 3 - ينبغي على الإنسان المسلم أن يكون واضحاً في كل سلوكياته وفي كل الأوقات انطلاقاً من توجيهات الإسلام الواضحة، فالوضوح كما يقول خياط: سمة القرآن الكريم والسنة المطهرة، ولذا جاء الإسلام واضحاً في كل شيء، في مبادئه وأهدافه وقواعده ومناهجه ووسائله، وأيضاً وضوح في العقيدة والتشريع والأخلاق والآداب والمعاملات والعبادات لا غموض ولا رموز ولا أحجية ولا طلاسم ( المبادئ والقيم، ص 83 ). 4 - أن الإسلام يرفض رفضاً قاطعاً ازدواجية السلوك، ولا يقبل انقسام الذات إلى تقوى وفسق، فليس من الإسلام في شيء أن يكون الإنسان المسلم تقياً في المسجد وهو يغش في معاملة الناس، أو أنه يتظاهر بالزهد والتقوى ولكنه يسكر ويزني ويقامر في السر، فالإسلام يوحد وينظم سلوك الإنسان المسلم كما يوحد وينظـم أفـراد المجتـمع الواحد (الجـمالي، نحو توحيد الفكر التربوي، ص 55). لقد حرص الإسلام على أن يكون الإنسان على خلق كريم وسلوك غير مزدوج يليق بكرامة الإنسان، وكل ذلك من أجل إيجاد عناصر قوية وأفراد صالحين يستطيعوا أن يسهموا بقلوبهم وعقولهم في ترقيـة الحيـاة وإعلائها. والإسلام يعلم أن الإنسان يعتريه ضعف فهو طبع لازم لكينونته، لذلك نجد الكثير من الآيات القرآنية الكريمة التي تشخص حالات الضعف البشري، ومن تلك الآيات: 1- قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]. 2- قـال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ ﴾ [هود: 9]. 3- قال تعالى: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 4]، وقـوله: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 77]. 4- قال تعالى: ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28]. 5- قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11]. 6- قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 67]. 7- قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا ﴾ [الإسراء: 100]. 8- قال تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا ﴾ [الكهف: 54]. 9- قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. 10- قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ [المعارج: 19]. 11- قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ [العاديات: 6]. ويؤكد الجمالي: أن ما في النفس البشرية من ضعف أشارت إليه الآيات الكريمة السابقة لا يعني أن الإنسان يولد في الخطيئة كما تقول بعض الأديان المنحرفة عن الصواب، فالطفل يولد بريئاً وخالياً من كل جريرة، وإن توجهه نحو سلوك الخير أو سلوك الشر يرجع إلى تربيته وإلى البيئة المحيطة به وليس إلى طبيعته الأصلية لأن كل مـولود يـولد على الفـطرة، ولذا قـال الرسـول صلى الله عليه وسلم: ( كل مـولود يولد على الفطرة فـأبواه يهـودانه أو ينصـرانه أو يمجسانه..) الحديث، (صحيـح البـخـاري، الـحـديث رقــم 1319، ج 1، ص 465) (نحو توحيد الفكر التربوي، ص 100 ـ 101). ولهذا تقع على عاتق المربين والمسؤولين مسؤولية في غاية الأهمية، إذ إن عليهـم جميعـاً توجيه أفراد الأمة، وعلاج ما يطرأ على أفرادها من سلوكيات ناشزة عن منهج الإسلام.
من مظاهر الضعف المالي
د. زيد بن محمد الرماني
12-11-2018
8,445
https://www.alukah.net//culture/0/130592/%d9%85%d9%86-%d9%85%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%b9%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a/
من مظاهر الضعف المالي للأسف وكما يرى الخبير النفسي الدكتور أكرم زيدان في كتابه ( سيكولوجية المال )، فإن سيكولوجية بعض الأفراد تقوم على النظر إلى الاستدانة بوصفها سلوكًا عاديًّا إيجابيًّا، لا يشعُرون من خلاله بالخَجَل أو القَلَق؛ فيقومون بالاستدانة في كل وقتٍ وحينٍ، سواء تعرَّضوا لضغوط مالية، أو لم يتعرَّضوا، غير مُبالين بمتى وكيف يستطيعون سَدادَ الدَّيْن ورَدَّ حقوق الدائنين، حتى إنهم يتعجَّبُون عند مطالبة الآخرين لهم بسَدادِ الدَّيْن. وقد يُبالغ الفرد في سلوك الدَّيْن بسبب الشعور بالإحباط المادي الذي لا يقوى على تحمُّلِه أو مواجهة آثاره النفسية والاقتصادية والاجتماعية، وعدم قدرته على إدارة الضغوط المالية التي يتعرَّض لها؛ ممَّا يدفعه إلى الدَّيْن الذي يرى أنه يُحقِّق له وظيفتين أساسيتَينِ: القضاء على الشعور بالحرمان؛ إذ يُلبِّي للفرد بعض حاجاته المادية، والمساعدة على الابتعاد عن المصدر الأساس للإحباط من خلال التفكير في كيفية سَدادِ الدَّيْن. إن الفرد عادة ما يقع ضحيةً للديون عندما يكون مدفوعًا بصورة مبالغ فيها إلى شراء الأشياء وتملُّك كل شيء، سواء كانت هذه الأشياء ضروريةً أو غير ضروريةٍ، يحتاج إليها أو لا يحتاج، تُناسب إمكاناته المادية أو تعوق هذه الإمكانات، فهم أفراد مهووسون بالشراء، ويعانون جنون التسوُّق، كلما اشتهى الفرد منهم شيئًا، اشتراه بماله أو مال غيره، المهم أن يشتريه، وبطبيعة الحال يدفع هذا الهوس الفرد إلى استدانة كثيرٍ من المال. والمهووسون بالشراء إذ يشترون اليوم أشياءَ لا يحتاجون إليها، سوف يُضطرون غدًا - تحت وطأة الديون - إلى بيع أشياء قد يكونون في أشدِّ الحاجة إليها. إلى جانب ما سبق، فأحيانًا ما يستدين الفرد من أجل المسايرة الاجتماعية مع الأصدقاء والأقران المحيطين به، خاصة إذا كان الفرد من طبقة اجتماعية واقتصادية أقل من الطبقة التي ينتمي إليها أصدقاؤه وأقرانه، فسلوك الدَّيْن يُحقِّق للفرد مطلبَينِ أساسيين: القضاء على الشعور بالنقص والدونيَّة، والحفاظ على عضوية الفرد في المجتمع؛ لذا فغالبًا ما يكثُر سلوك الدَّيْن بدافع المسايرة الاجتماعية من بداية المراهقة حتى بداية مرحلة الرُّشْد، ويندر أن تجده في مرحلة الرُّشْد كنتيجة للمسايرة الاجتماعية، فهو في هذه المرحلة يكون مدفوعًا بأسباب أخرى بعيدة من المسايرة الاجتماعية، وتتصل مباشرة بأسباب اقتصادية ومالية لمواجهة الأزمات أو تدبير المصروفات اليومية في أوقات الشِّدَّة. ومن هنا قد وجد دافيس ولي في دراسة لهما بعنوان: ( اتجاهات الطلاب نحو الديون ) - أن الديون تكثُر في الطبقات الفقيرة ذات الدخل المنخفض، وأوضحت الدراسة أيضًا أن سلوك الدين يرتبط بالعُمْر، وأن اتجاهات الفرد نحو هذا السلوك تتغيَّر وَفْق المرحلة العمرية التي يمرُّ بها، ففي مرحلة الطفولة ينعدم سلوك الدين تمامًا، حتى إن كثيرًا من الأطفال لا يدركون معنى كلمة دين؛ لكن مع بداية مرحلة المراهقة يدرك الفرد معنى الديون، وقد يتعامل بها ويمرُّ بخبرتها. ويشير الباحثان إلى أن سلوك الديون يزداد في المرحلة الجامعية، وأننا إذا أردنا أن نفهم ديناميات سلوك الدَّيْن، فيجب أن نطبِّقَه وَفْق نظرية دورة الحياة والنظرية السلوكية، وذلك فيما يتصل بتغيير الاتجاهات. ويرى لونت وليفينغستون في دراسة لهما بعنوان: ( التفسيرات اليومية للديون الشخصية ) - أن وسائل الإعلام تمارس نوعًا من الضغط الإعلاني على سلوك المستهلكين، فتدفعهم إلى المزيد من الشراء، فيضطرون تحت ضغط الحاجة والإغراء إلى الاستدانة لتلبية حاجاتهم. باختصار: الدَّيْن هو مظهرٌ من مظاهر الضَّعف المالي والاستسلام لضغط الحاجة، وهو سلوك كثيرًا ما يُؤدي بصاحبه إلى العنت والإرهاق.
السيد محمد الشريف بن عوض الدمياطي
حاتم محمد شلبي
11-11-2018
4,979
https://www.alukah.net//culture/0/130572/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%88%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85%d9%8a%d8%a7%d8%b7%d9%8a/
السيد محمد الشريف بن عوض الدمياطي هو العلامة الحسيب النسيب المحدِّث مسن دمياط، محمد بن عوض بن حسين الدمياطي الحسيني الشريف الشافعي، مؤلِّف، وفقيه شافعي أزهري جليل، وعالم من علماء دمياط وأعلامها، لم أقف على تاريخ مولده؛ لكنه تُوفِّي في القرن الرابع عشر في عام 1321 هـ تقريبًا". حلاه شيخ شيوخنا العلامة محمد عبدالحي الكتاني رحمه الله في فهرس الفهارس [1] في موضع بالشريف، وفي موضع آخر بمسند دمياط، وكذا فعل العلامة عبدالحفيظ الفاسي وغيره. شيوخه: روى عن اثنين من علماء دمياط؛ هما: (1) الشيخ الفقيه عطية عزت القماش الدمياطي بن الشيخ إبراهيم المتبولي المصري، وهو عن مصطفى البدري الدمياطي، وعن الشيخ محمد الصالح الرضوي [2] بأسانيدهم. (2) وشيخ العلماء بدمياط الفقيه النحوي والأديب اللغوي والمحدث العلامة شمس الدين محمد بن مصطفى بن حسن الخضري الكبير الدمياطي الشافعي (1213هـ/ 1798م - 1278هـ/ 1870م)، وهو يروي عن الأمير الكبير. تلاميذه ومن رَوَوْا عنه: 1- أبو علي حسين بن محمد بن حسين الحبشي [3] (1258_1330هـ). 2- محمد فالح بن عبدالله الفالح الظاهري [4] (1258 - 1328هـ). 3- العلامة محمد عبدالحي بن عبدالكبير الكتاني. 4- العلامة الحسن بن الشريف المهدي الحسني العلوي المكناسي [5] ، وغيرهم. مصنفاته: له مؤلفات تدلُّ على اطِّلاعه الواسع، وصبره على عويص العلم ودقائقه، ونفَسِه العميق في فروعه، وقفت له على عدة منها: 1- القول الجلي الوافر في طهارة المريض ومسحه على الساتر [6] ، طبع بتحقيق الشيخ محمد خير رمضان يوسف - دار ابن حزم - بيروت، سنة 1435هـ، في 265 صفحة. 2- حسن السير في بيان أحكام التشبه بالغير، مطبوع في مطبعة السعادة بالقاهرة، سنة 1330، يقع في 39 صفحة، وطبعته دار الحديث الكتانية في 42 صفحة. 3- منحة العلي المتعال في بيان ما يثبت به الهلال مخطوط اطلعت عليه من نسخ إبراهيم أحمد الدمياطي رحمه الله، 1327 هـ. [1] انظر فهرس الفهارس (1 /197). [2] انظر معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب، ص216. [3] نثر الجواهر والدرر في علماء القرن الرابع عشر، وبذيله عقد الجوهر في علماء م1 ص383. [4] أعلام من أرض النبوة، ج2/ص165، وانظُر: هدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين؛ إسماعيل باشا البغدادي، ج 5، ص 814. [5] معجم الشيوخ المسمى رياض الجنة أو المدهش المطرب، ص151، أو انظُر: ترجمة الحسن المهدي في دليل مؤرخ المغرب الأقصى م1ص152، والأعلام الشرقية، م1، ص300، ترجمة رقم 401. [6] هذا الكتاب بحث متخصص وفقه مقارن في موضوع طهارة المريض، جمع فيه المؤلف الأحكام الشرعية واجتهادات الفقهاء على اختلافهم في مسائل وفروع تعرض للمريض الذي لا يقدر على استعمال الماء في وضوئه، وقد ركَّز المؤلف محمد عوض بن حسين الدمياطي على معطيات الفقه الشافعي.
تسلية الأصحاب في سيرة الشيخ عيسوي محمد رحاب
د. إبراهيم عبدالغفار الطاهري
11-11-2018
4,916
https://www.alukah.net//culture/0/130566/%d8%aa%d8%b3%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d9%88%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d8%a8/
تسلية الأصحاب في سيرة الشيخ عيسوي محمد رحاب تذكرتُ شيخًا جليلًا، ذا عقلٍ وقَّاد، وصاحب تحريرات نافعة وتحقيقات ناصعة، نحسبه كذلك، واللهُ حسيبُه، ولا نزكِّيه على الله تعالى. كان له تأثيرٌ كبير عليَّ في حبِّ القرآن الكريم، فهو ممن أثَّر فيَّ، وحبَّب إليَّ هذا العِلْم، فقد كان صاحبَ شخصيةٍ سهلة ودود، يألفُه مَنْ يُعاشره، وفيه عِزَّة المسلم الأبيِّ، وأمانة العالِم السويِّ، صاحب ذكاء يتعجَّب منه كلُّ مَنْ رآه. الشيخ الداعية، المربِّي الفاضل، العَلَّامة الأسوة، العَلَم الأشمُّ، والطود الأهم، الموقوفة حياته لتعليم الناس أمورَهم الدينية، والمبذولة نفسه في نصرةِ الدِّين، معدن المحامد، سليل الأماجد، جوهرة مصر والقاهرة؛ بل حسنة كل البلاد شارقةً وغاربة، الشيخ المفضال (عيسوي محمد رحاب) . بساطته وزهده كنتُ أظنُّه رَجُلًا عاديًّا حتى إذا ما نظرتَ إليه ترى فيه ملامح الريف البسيطة، الزهد سَمْتُه، ثيابه لا رفاه فيها، ومظهره لا يُنبئكَ عن غِنى وكثرة مال، رجل بسيط الهيئة في ملبسه لا يُرى عليه أثرُ التكلُّف. فضله وإحسانه الشيخ عيسوي محمد رحاب ربَّى جيلًا واسعًا من الشباب الملتزم في دولة الكويت في الثمانينيات والتسعينيات، فما من شابٍّ تخرَّج في المعهد الديني في منطقة المنقف إلا وللشيخ عليه مِنَنٌ وأفضال. سَجيَّته الحسنة وإصلاحه بين الناس كان صاحب سجيَّة طيبة، لا يُخادِع، ولا يُخاتل، لا يُورِي، ولا يعرِّض، ما يعتقده ينطق به صريحًا بلا خفاءٍ ولا التباس، كان دائم الإصلاح بين المدرسين في المعهد إذا حصل بينهم ما يؤدِّي لقطعِ المودَّة والمحبَّة، ويسعى في وأْدِ الفتنة بينهم، يحاول دائمًا تجميع الصفِّ ووحدة الكلمة. اهتمامه بالكتب والقراءة والاطلاع دخلتُ أكثر من مرة غرفة المدرسين، وكنتُ أرى فيها مكتبه والمكان المخصَّص له، فما رأيتُ شيئًا إلا المصحف والكتب والكُتيِّبات في رفٍّ وضعه خصيصَى لها، فقد كان الرفُّ مليئًا بالكتب والمطبوعات. نفسه المطمئنة وانشراحها كان صاحب نفْسٍ مطمئنة، أمارات الصلاح بادية عليه، جالسًا في قاعات الدرس يدرِّس طلابه باطمئنانٍ وانشراحِ صدرٍ ونفْسٍ خالية من الضَّجَر والتَّعَب. صوته العذب الشجي إذا سمِعْتَ قراءته كأنَّ في حنجرته جهازَ صدى، وكأنكَ من أول وهلةٍ لَمَّا تسمع صوته تعتقد كأنه يقرأ في الميكروفون، ما رأيتُ أجمل قراءةً ولا أعْذَبَ صوتًا من قراءته، فصوتُه كان رقيقًا عذبًا، وقلبه كان خاشعًا، ولسانه ذاكرًا، ووجه دائم التبشش مع تواضُعٍ جمٍّ، وأدبٍ رفيع. توجهه لحفظ القرآن الكريم في سنٍّ مبكرة لقد اتَّجه الشيخُ حفظه الله لحفْظِ القرآن الكريم كما ذكرَ لي في سنٍّ مبكرة، ولا أدري بالضبط متى ابتدأ حفظ كتاب الله عز وجل، لكن ما أعلَمه وأعرفه من حاله أنه كان في وقتٍ مبكرٍ جدًّا من عمره. حفظه المتقن لكتاب الله عز وجل لم أره حفظه الله يومًا يفتح دفتي المصحف للقراءة منه في قاعات الدرس، ولم أره يومًا يخطئ في الحفظ أو يتردَّد في المتشابهات، فقد كان حافظًا متقنًا، وقراءته كانت مرتلة بتؤدةٍ وطمأنينة. قوة إرادته وكرهه للكسل كان حفظه الله قوي الإرادة، عليه الجد في العمل مع الصراحة في القول والعمل، دقيق الملاحظة، يحبُّ العملَ الدائم المتواصل، ويشتدُّ على الكسالى من تلاميذه، ويُردِّد لهم الآيات مرات ومرات حتى يَفهموا المراد، ويحفظوا المقرَّر بأسهل وبأبسط الطرق. كرم نفسه وحسن معاشرته كان كريم النفس، حسن المعاشرة، حليمًا، بشوشًا، ودودًا، محبًّا لتلاميذه، محترمًا وموقِّرًا لهم، يحبُّهم ويسأل عنهم، ويقضي حوائجهم في مجال التعليم، ويصبر عليهم في التعلُّم ومجالاته المتنوِّعة. تواضعه وعدم حبه للظهور كان متواضعًا لا يحبُّ الظهور ولا الالتفات إليه، رأيته أكثر من مرة يطلب منه إمامُ المسجد في مسجد المعهد أنْ يتقدَّم لكي يصلي بالطلاب صلاة الظهر، وكان يرفض بأدبٍ، ورأيته أكثر من مرةٍ في مسجد المعهد يتأخَّر في الصفوف أو يتوارى عن النظر حتى لا يقدِّمه الإمام للصلاة بالناس. سمته الحسن وخفضه للجناح كان سمتُ الصالحين باديًا على الشيخ حفظه الله، فقد كان يمشي وهو يتلو كتاب الله تعالى، ويراجع وِرْده اليومي، فقد كان يمشي خافضًا لرأسه، ذاكرًا لربِّه، متُواضِعًا، ظاهرةٌ عليه أمارات التقوى والصلاح. ذِكره لله تعالى من أبرزِ صفات الشيخ حفظه الله تعالى ذِكْره لله تعالى في القاعات الدراسية، وفي غرفة المدرسين، وفي سفره وترحاله. رأيتُه كثيرًا بعد فراغه من صلاة الظهر يذكر الله تعالى قرابة النصف ساعة، جالسًا في مصلَّاه، ثُمَّ ما أنْ ينتهي من ذِكْره يتوجَّه لقاعات التدريس لتدريس الطلاب. رأيتُه أكثر من مرة يُردِّد أذكار الصباح، وقال لي: لا أتركها أبدًا، وكان بكَّاءً، كثيرَ الدَّمْع عند سماعه لآيات العَذاب ووصف الجنة والنار، وكثيرًا ما يطلب من طلابه التوقُّف عند تلك الآيات بعد أن تخنقه العَبْرة؛ ليمسحَ دموعه المنهمرة، وكثيرًا ما كان يأمر تلاميذه بالتوقُّف عن القراءة ليذكرَ الله تعالى، ثُمَّ يطلب من الطالب أنْ يستأنفَ القراءة. صبره وجلده وأمانته كان الشيخ حفظه الله صبورًا جدًّا، يعرف ذلك كلُّ مَنْ لازمه، وقرأ عليه وعرَفه، حتى إنَّ كثيرًا في قاعات الدرس يرنُّ جرس انتهاء الحصص والشيخ يكمل درسه في التسميع لحرصه على تلاميذه، ولصبره وجلده وأمانته، كان كثيرًا ما يطلب من مدرس الحصة التالية أنْ يُكمِل هو الحصة التالية، ويطلب ذلك بأدبٍ وخُلُقٍ رفيع، واعدًا إيَّاه بالتعويض بحصة في الغد القادم، وهذا يدلُّ على حرصه الشديد أنْ يسمعَ كل طالب كمية المقرَّر من الحفظ كاملة، كل طالب على حدة، حتى يعمَّ النفع لجميع الطلاب. تدريسه في المعهد الديني وفي مساجد دولة الكويت كانت حياةُ الشيخ حافلةً، قضاها في التعليم والتربية والوعظ والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الإسلام وتعاليم الدين. وكان من ثمار ذلك أنْ تخرَّجَ على يديه ثُلَّةٌ كريمةٌ من طلبة العلم الحَفَظَة لكتاب الله تعالى في فترة الثمانينيات والتسعينيات، درَّسَ الشيخُ في المعهد الديني في منطقة المنقف، وعملَ إمامًا وخطيبًا في مساجد الكويت، وكان فترةً من الزمن إمامًا وخطيبًا في مسجد أُمِّ القرى في منطقة الصباحية، قطعة (3). هذه كانت بعض خِصال وفضائل الشيخ عيسوي محمد رحاب، وهي من حقيقة عايشناها معه فترة من الزمن، فنحن مهما كتبنا عنه، فلن نوفيه حقَّه، ولا يمكننا حصر خِصال الخير التي كانت فيه، فقد كان رجلًا عالِمًا عابدًا صائمًا ذاكرًا تاليًا للقرآن الكريم، نحسبه كذلك، واللهُ حسيبُه، ويشهد الله سبحانه وتعالى وحده علينا أننا ما بالغنا في مدحه ولا ذِكْره إلَّا ما عاينَّاه بأعيننا، ورأيناه منه. كان حفظه الله رَجُلًا مثاليًّا، حرًّا، أبيًّا، وضع حياته كلها في خدمة دِينه وتعليم تلاميذه، مدرسًا ومحاضرًا ومرشدًا نَصُوحًا. كان كالنَّحلةِ المنتجة، لا تراها إلا ساعيةً وراء رحيق زهرة، أو واضعةً مع جماعتها عسلًا شهيًّا؛ لكي يستفيدَ غيره ويكدى ويشقى هو.
من الكتب المؤلفة عن سورة النمل
عبدالعزيز سالم شامان الرويلي
11-11-2018
14,940
https://www.alukah.net//culture/0/130564/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%84%d9%81%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%85%d9%84/
من الكتب المؤلفة عن سورة النمل 1- الإصلاح - الأمانة في التبليغ - العلم النافع - العمل الصالح في سورة الشعراء والنمل والقصص/ يوسف كمال محمد. 2- الإعجاز الإعلامي في القصص القرآني: دراسة تطبيقية على سورة النمل/ محمد وهدان. 3- المعجزة والإعجاز في سورة النمل/ عبدالحميد طهماز. 4- تفسير سورة النمل/ محمد البهي. 5- تفسير سورة النمل المحمدي/ عبدالرحمن الثلث. 6- دراسات قرآنية: منهج الدعوة إلى الله تعالى وتطبيقات من سورة النمل/ عبدالغفور محمود مصطفى جعفر. 7- سورة النمل: دراسة وتحليل/ عبدالله أسود خلف الجوالي. 8- قصة سليمان من خلال ما عرضته سورة النمل/ صديق بكر علي عطية. 9- أصول العقيدة في ضوء سورة النمل/ مخلد عقل المطيري. 10- الأساليب الإنشائية في سورة النمل: دراسة بلاغية تحليلية/ خلود سعد العقيل. 11- الترابط النحوي النصي في القصص القرآني: سورة النمل نموذجًا/ أمين عبدالغفار مسلم نعيم. 12- التفسير بالمأثور لسورة النمل مع (دراسة الوحدة الموضوعية للسورة)/ علي خليل. 13- الجدل في القرآن: دراسة أسلوبية: سورة النمل أنموذجًا/ محمد سعيد كامل. 14- الدعوة إلى الله في سورة النمل/ عبدالرب نواب الدين آل نواب. 15- الصلاح والإصلاح كما تصوره سورة النمل: دراسة موضوعية/ محمود عبدالله عبدالفتاح عبدالمنعم. 16- المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها: دراسة تطبيقية لسورة الفرقان، الشعراء، والنمل/ عدلي أحمد عطية البرش. 17- تفسير سورة النمل: دراسة تحليلية وموضوعية/ حسن محمد حسن البلبيسي. 18- سورة الحجر والنمل والإسراء والكهف: دراسة تفسيرية مقارنة/ حسين عبدالجليل عبدالرحيم. 19- من بلاغة القرآن في سورة النمل/ كوثر سيد يوسف محمد. 20- منهج الدعوة إلى الله تعالى في ضوء سورة النمل/ حسين حامد عمر الديب. 21- منهجيات الإصلاح والتغيير في سورتي النمل والقصص: دراسة موضوعية/ انتصار عطوة حسن الفرا. 22- تفسير الآية (١٥)/ لعبدالرحمن قاضي زاده (مخطوط). 23- تفسير الآية (15)/ لعبدالرحمن حفيد القاضي البيضاوي (مخطوط). 24- تفسير الآية (٦٥)/ لساجقلي زاده محمد بن أبي بكر المرعشي (مخطوط). 25- خصائص الأسلوب في سورة النمل/ أحمد بزيو. 26- تفسير سورة النمل/ لمحمد العثيمين. 27- ظاهرة الانزياح في سورة النمل: دراسة أسلوبية/ هدية جيلي. 28- تفسير سورة النمل/ مختار مرزوق. 29- طرائق التدريس المستنبطة من سورة النمل وتطبيقاتها/ يحيى محمد أبو جحجوح. 30- القائد مؤهلاته وصفاته في المنظور القرآني في ضوء سورة النمل/ طه فريح صالح القيسي. 31- السمات الشخصية للقيادات الإدارية الواردة في سورة النمل وتطبيقاتها في الإدارة المدرسية/ تركية بنت عبدالله الغامدي. 32- تفسير موضوعي لسورة النمل/ سعاد صالح أبو شوشة. 33- المباحث العقدية في تفسير فتح القدير للشوكاني من أول سورة النمل إلى نهاية سورة فصلت: دراسة وصفية تحليلية/ عبدالله أحمد علي. 34- المضامين التربوية المستنبطة من سورة النمل/ عمر العربي امنشار. 35- الوحدة الموضوعية في سورة النمل/ خالدة أحمد أبكر. 36- النموذج الإعلامي للحوار في القرآن: دراسة تحليلية تطبيقية على سورة النمل/ سامية الفاضل حسن. 37- المناهج الدعوية وأساليبها في القرآن الكريم بالتطبيق على سورة النمل: دراسة موضوعية/ محمود أبكر هارون. 38- منهج الدعوة إلى الله تعالى في ضوء سورة النمل/ محمد طلعت محمد أبو صير. 39- خصائص ومعجزات سليمان عليه السلام وأثرهما في تبليغ دعوته من خلال سور الأنبياء - النمل - سبأ - ص/ زينب محمد أحمد. 40- الدلالات الثقافية والحضارية من خلال سورتي النمل وسبأ/ عثمان عبدالرحمن عبدالله.
الامتنان للانتماء
مريم امرابط
11-11-2018
4,011
https://www.alukah.net//culture/0/130561/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%a1/
الامتنان للانتماء إن الانتماء قوة لطيفة وعطيةٌ سخيَّة، وسلطان نافعٌ، فهو الذي جعل الإنسان يتَّخذ أرضًا ليَعمُرها، وبذل لأجل ذلك وُسْعَه الفكري وطاقاته الإبداعية، لخلقِ روابط الانتفاع مع هذه الأرض، لتمويل مختلف الأواصر المكوِّنة لهذه العمارة. الطبيعة عاملٌ أساس في تكريس مبدأ الانتماء، ولقد عمَر الإنسان مختلف جهات الأرض، الشمال والجنوب والشرق والغرب، واستطاع أن يحتوي مناخها وتضاريسها حتى يَمكُث فيها، لذلك سعى إلى ابتكار أساليب للانتفاع من الطبيعة التي يقطنها؛ مثل: الصيد البري والبحري، والزراعة والفلاحة، وتربية الماشية، وتمكَّن من بلوغ الرضا والرفاهية من خلالها. إن مسيرة الانتفاع بالطبيعة خطَّت في سريرة الإنسان وشكلِه ما يدل عليها؛ لأنها قوية، وبانت عليه خصائصُها في لون جلده (فاتح، داكن، أسمر...) ، وتقاسيم وجهه (جبهة عريضة، عيون صغيرة، شعر مُجعَّد...) ، ولون عينيه (أسود، بني، أخضر...) ، وفي لباسه وطعامه وشرابه، وكوَّنت نمط عيشه كله. إن هذا الارتباط المباشر بالطبيعة خلَق في نفس الإنسان شعورًا حقيقيًّا بالانتماء إليها، وصار مرتبطًا بها في كل حالاته ماديًّا ومعنويًّا؛ لتوفير قوته واستعادة راحته، وتنوير فكره، وإنعاش إلهامه، ولا غنى له عنها، فقد شبَّ فيها وشاب معها، وصار جزءًا منها، يبتهج لهدوئها، ويرتعب لاضطرابها. الصلة بالأفراد والجماعات تطبيق للانتماء المتبادل : لم يكن الإنسان ليَعمُر أرضًا ما بمفرده، لولا التواصل مع غيره من الأفراد، هذا التواصل الذي اتَّخذ أشكالًا متنوعة أساسها التعاون على البقاء والنماء، فهناك تواصل عائلي، وتواصل تربوي وتعليمي، وتواصل تجاري، وتواصل مهني، وتواصل ثقافي، وتواصل إداري، وتواصل وطني... لقد أبدع الفرد لصُنع مختلف التواصلات وإنجاحها؛ لأنه أدرَك نفعَها عليه عاطفيًّا وفكريًّا، واجتماعيًّا وماديًّا، وتعلَّق بها كثيرًا؛ لأنه صار ينتسب إليها؛ لأنه طرف فيها، وبادل على أساسها من خلال الأخذ والعطاء. إن مختلف هذه التواصلات كوَّنت شخصية الفرد والجماعة، وأثَّرت على تحوُّلاتها؛ لذلك نجد شخصية معتدلة عائلة محافظة، مؤسسة صارمة، شخصية انطوائية، شخصية مضطربة، تعاونية خيرية، فرقة رُوحية، إدارة نشيطة، وارتبَط بها، يَهنأ ببقائها ويستبشر بنمائها. لا شك أن الارتباط بالطبيعة وانتسابَ الأفراد غرَس في عقل الإنسان ووِجدانه ما يدل عليها، وهو ما يَجذبه إليها كلَّ حين بقوة الحنين.
مقتطفات من سيرة العلامة ابن عثيمين رحمه الله
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
10-11-2018
8,008
https://www.alukah.net//culture/0/130548/%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b7%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%ab%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
مقتطفات من سيرة العلامة ابن عثيمين رحمه الله الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد: فسير الأعلام وعلى رأسهم العلماء، فيها الكثير من الفوائد والعبر والدروس، وكان بعض السلف يرون أن القراءة في سير العلماء مما يستجلب لينَ القلب ورِقتَه، فحريٌّ بالمسلم أن يقرأ في سِيَرهم؛ ففيها خيرٌ كثير. وسيرة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله حافلة، وهناك جوانب من سيرة الشيخ ذكرها الشيخ عن نفسه - وإن لم يقصد بها الحديث عن نفسه - مبثوثة في كتبه ومصنفاته، وهي وإن كانت قليلة إلا أنَّ فيها فوائدَ، يسَّر الله الكريم لي جمعها، أسأله أن ينفع بها كاتبها وقارئها وناشرَها في الدنيا والآخرة، إنه جوَادٌ كريم. تعظيم النصوص الشرعية من أهم ما يُميزُ العلماء أنهم يعظمون النصوص الشرعية، فلا يقدمون عليها عقلًا، ولا رأيًا، ولا ذوقًا، ولا هوى، والعلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله كان من أولئك العلماء، الذين يُعظمون النصوص، ويربي تلاميذه على ذلك، بل يُطلب منهم ألا يأخذوا بقوله متى ما خالف النص، مستنًّا في ذلك بمن سبقوه من العلماء الأئمة؛ قال الشيخ رحمه الله : وإنني بهذه المناسبة أودُّ أن أقول لكم: إنَّ قولي وقول غيري من أهل العلم إذا خالف النص، فلا عبرة به... لأنه لا قول لأحد بعد قول الرسول علية الصلاة والسلام. ولقد قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما فيما روي عنه: يُوشكُ أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر. وإذا كان قول ابن عباس رضي الله عنهما فيمن عارض قول الرسول بقول أبي بكر وعمر، فما بالك بمن عارض قول الرسول بقول من دونهما بمراحل؟ مَن هو في الثرى وهو في الثريَّا، فلا يمكن أن يُعارض قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول أحد، فمتى رأيتمُ من كلامي أو كلام غيري من العلماء ما يخالف النصَّ، فاطرحوه وخُذُوا بالنصِّ، ولا تقولوا: قال فلان وقال فلان الذي يُعارض قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن أمثلة تعظيم الشيخ للنصوص، قوله رحمه الله: أما قول شيخ الإسلام رحمه الله: إن المتمتع يكفيه سعي واحد: السعي الأول، فقول ضعيف غير سديد؛ لأن حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما صريح في هذا، والمعنى يقتضي ذلك؛ لأن العمرة منفردة عن الحج تمامًا، وبينهما حل كامل، وما دام النص والقياس يدل على وجوب السعي في الحج، فلا عبرة بقول أحد كائنًا من كان. رجوع الشيخ عما كان يفعله بعد ما تبيَّن له أن الصواب بخلافه الإنسان قد يظهر له صواب قول فيأخذ به، ثم يتبيَّن له أنه أن ذلك القول غير صحيح، فيتعين عليه الرجوع عنه، وهذا ما فعله الشيخ رحمه الله؛ قال: العجيب أن شيخ الإسلام رحمه الله قال: ينبغي لمن قصد الجمعة أن يتصدق؛ لأنه إذا كانت الصدقة مشروعة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فبين يدي مناجاة الله من باب أولى، لكن هذه المقالة فيها نظر؛ لأننا نقول: أين الحكم في وقت الرسول عليه الصلاة والسلام وفي وقت الصحابة فإننا لا نعلم أنهم كانوا يتعمدون الصدقة بين يدي الصلاة لا الجمعة ولا غيرها ولم يأت ما يدل على ذلك؟ وكنت أعمل بذلك أولًا، فإذا خرجت إلى الجمعة خرجت بما تيسر، ولكني رأيت الأمر بخلاف ذلك؛ لأن شيئًا وُجِد سببُه في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولم يقم بفعله، فالسُّنة تركُه، لكن الصدقة على عمومها مستحبة. أماني الشيخ الموفق من كانت أمانيه في طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلما عظُمت همةُ الإنسان عظمت أمانيه، فكانت فيما ينفعه في دنياه وآخرته، والشيخ رحمه الله كان له أمانٍ ذكرها في بعض مصنفاته؛ منها: وجود كتاب له مثل كتاب رياض الصالحين للإمام النووي: قال الشيخ رحمه الله: الآن كتاب رياض الصالحين يُقرأ في كلَّ مجلس، ويقرأ في كلِّ مسجد، وينتفع الناس به انتفاعًا عظيمًا، وأتمنى أن يجعل الله لي كتابًا مثل هذا الكتاب، كُل ينتفع به في بيته وفي مسجده. وجود كتب لدى الحنابلة لتخريج أحاديث الكتب المتداولة لديهم: قال الشيخ رحمه الله: كتب تخريج الأحاديث من أحسن ما رأيت كتاب "التلخيص الحبير بتخريج أحاديث الرافعي الكبير"، الذي ألَّفه الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الشافعي، رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا. وكنت أتمنَّى لو كان لأصحابنا أهل المذهب الحنبلي كتاب كهذا يُخرِّجُ أحاديث الكتب المتداولة من كُتُب الحنابلة؛ مثل: " الروض المربع شرح زاد المستقنع "، أو " شرح المنُتهى "، أو " شرح الإقناع ". للفائدة: للشيخ رحمه الله كتاب بعنوان: البيان الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع؛ طُبع عام 1437هـ، ذكر الشيخ في خاتمته أنه تم تسويده في 17/7/1385هـ، ثُمَّ مُراجعته في 14/7/ 1393هـ. معرفة اللغة الإنجليزية للدعوة إلى الله عز وجل: قال الشيخ رحمه الله: اللغة الإنكليزية، أنا أتمنى أني أعرفُ هذه اللغة؛ لأني وجدت فيها مصلحةً كبيرةً، يأتي رجل ليسلم بين يديك، فلا تستطيع أن تتفاهم معه، وترى مسلمًا يُخلُّ في أشياء من واجبات الدين في الصلاة أو في الصوم أو الزكاة، أو في الحج، أو في غير ذلك، فلا تستطيع أن تتكلم معه. تنقيح كتب السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين مما يوجد فيها من آثار ضعيفة: قال الشيخ رحمه الله: السيرة النبوية الواقع أن فيها أشياءَ ضعيفة مما نُقل، وفيها أشياء صحيحة، وإنني أتمنَّى أن يوجد طالب علم يحرصُ على هذه المسألة، ويُنقح السيرة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين مما شابها من الآثار الضعيفة، أو المكذوبة. تواضع الشيخ التواضع صفة حميدة، وخلق كريم، يزيدُ المرء عزةً ورفعةً، والشيخ رحمه الله كان متواضعًا، والأمثلة على ذلك كثيرة: • قال الشيخ رحمه الله: إذا سمعتم عني ما تستنكرونه فراجعوني، قد أكون مخطئًا، فيهديني الله على أيديكم، وربما نُقل عني خطأٌ، فأُبيِّن أنه خطأ، وقد يكون صوابًا فأُبيِّن أنه صواب. • قال الشيخ رحمه الله: هذا الأخ السائل أشكره على هذا السؤال، وأرجو أن يكون السائلون صريحين كهذا الرجل، يعني كون الإنسان مثلًا يستنكر مني أو من غيري شيئًا، ولا سيماء الشيء العام، ويخاطبه بالسؤال عن السبب، هذا طيب، وأنا لست بمعصومٍ، فقد أُخطئُ فينبهني بعض الناس على خطئي. فهذه وجهة النظر حيثُ عدلت إلى قولي: صلى الله عليه وعلى آله وسلم. • سئل الشيخ: هل لكم ملحوظات على كتاب "مدارج السالكين" لابن القيم؟ فأجاب رحمه الله في: ابن القيم رحمه الله أكبر من أن يكون لي وأمثالي ملحوظات عليه، وإن كان غير معصوم. • سئل الشيخ: إمام وخطيب جمعة، لا يصلي الفجر مع الجماعة إلا نادرًا، ذهبنا إليه، وكلمناه، ونصحناه، فقال: لا أَقبل قولكم، فهي ليست واجبه - يقصد صلاة الجماعة - ثم قال: لا أقتنع إلا بقول ابن عثيمين؟ فأجاب رحمه الله: قُل له: يسلم عليك ابن عثيمين، ويقول لك: صلاة الجماعة واجبه، أوجبها الله سبحانه وتعالى - ثم ذكر الشيخ الأدلة - وقال: قُل له أيضًا: يُوصيك ابن عثيمين بتقوى الله عز وجل. • وسُئِل رحمه الله: لدي جار عنده أسرة كبيرة، وعنده عامل يعمل داخل البيت، وعند مناصحته يحتج بأنه لا يستطيع إحضار خادمة، خوفًا عليها من الأولاد، وأخيرًا طلب مني أن أسالك، وقال: سوف آخذ بفتوى الشيخ ابن عثيمين، فأجاب رحمه الله في: قل لسائلك هذا: إنه يسلم عليك، ويقول: جزاك الله خيرًا، يأتي بخادمة مسلمة للبيت ومعها مَحرمها ليعمل في السوق. • قال الشيخ رحمه الله: فإن قال قائل: نرى بعض العلماء مع قلة ذات اليد ومع ذلك ينتفع الناس بهم، فهل هذا الانتفاع بما لديهم من علم سببُه صلة الرحم؟ فالجواب: لا شكَّ في هذا، لكن هذا يعود إلى إخلاص النية والتعب، وإلى ما أعدهم الله تعالى له وهيَّأهم الله تعالى له من قوة الحفظ والفَهم وكثرة العلم، أما نحن فالحفظ قليل، والعلم قليل، والفهم قليل. • قال الشيخ رحمه الله في: فهذا هو اللقاء الأول من شهر صفر عام (1414هـ)، وهو اللقاء الأسبوعي الذي نعقده يوم الخميس من كل أسبوع، ونظرًا لتأخرنا هذا اليوم، فإننا نرجو منكم المعذرة أولًا، ثم السماح بعدم الكلمة التي تكون مُقدمة للأسئلة، من أجل أن نستوعب أسئلة الحاضرين إن شاء الله تعالى. قبول الشيخ للنصيحة وشكر الناصح • قال الشيخ رحمه الله: من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ حفظه الله تعالى، وجعله من عباده الصالحين وأوليائه المؤمنين المتقين وحزبه المفلحين آمين، وبعد فقد وصلني كتابكم الذي تضمن السلام والنصيحة. فعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله عني على نصيحتكم البالغة التي الله تعالى أن ينفعني بها، ولا ريب أن الطريقة التي سلكتموها في النصيحة هي الطريقة المثلى للتناصح بين الإخوان، فإن الإنسان محل الخطأ والنسيان، والمؤمن مرآة أخيه، ولا يؤمن أحد حتى يحب لأخيه ما يجبُّ لنفسه. ولقد بلَغت نصيحتكم مني مبلغًا كبيرًا بما تضمنته من العبارات الواعظة والدعوات الصادقة، أسأل الله أن يتقبَّلها، وأن يكتُب لكم مثلها. • قال الشيخ رحمه الله: من محمد العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ، حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: ففي هذا اليوم وصل إليَّ كتابكم، وقد فهِمت ما فيه، وقد تضمَّن ملاحظة فضيلتكم على كلامي..... وإني لأشكر فضيلتكم على ما أتحفتموني به من كلام شيخ الإسلام في نقضه كلام الرازي، فنعم التحفة، ونعم من أتحف بها أصلًا ونقلًا، نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق لما يحب ويرضى إنه جواد كريم. • قال الشيخ رحمه الله: من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: كتابكم المؤرخ في 2/10/1398هـ ورديفه المؤرخ في 6 منه، قرأتهما كليهما، وفهمت ما فيهما، وإني لأشكُر أخي على ما أبداه من النصح ومحبة الخير. ورع الشيخ قال الشيخ رحمه الله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرةٍ، حُطَّت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)؛ [متفق عليه]، قال أهل العلم: وينبغي أن يقول هذا الذكر في آخر اليوم، ولولا أني أخشى أن ابتدع لقلت: يقولها: إذا آوى إلى فراشه؛ لأن عند النوم هو آخر عمله اليوم. عفو الشيخ وصفحه عفو الإنسان عمن أساء إليه يدل على عُلو مرتبته، ورغبته في الأجر والثواب من الله الكريم، كما يدل على سلامة صدره لإخوانه المسلمين، وقد أساء بعض الناس للشيخ رحمه الله، ثم ندموا على ذلك، وطلبوا منه العفو عنهم، فعفا عنهم. • سئل الشيخ رحمه الله: كنتُ أسبُّك بعدم معرفتك، فالآن قد عرفتُ أنك إنسان صالح، ولا أُزكي على الله أحدًا، فأرجوك أن تُسامحني، فأجاب الشيخ رحمه الله: ﴿ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ﴾ [هود: 114]. • وسئل الشيخ: أولًا: إنني أُحبكم في الله، وأطلب من فضيلتكم مُسامحتي والدعاء بالمغفرة والتوفيق؛ لأنني قد اغتبتك في عدة مجالس، والآن أنا أتوب إلى الله فسامحني. فأجاب الشيخ رحمه الله: ونحنُ نحب مَن أحبَّنا في الله، ونسأل الله أن يُحبَّه كما أحبنا فيه، أما في شأن الغيبة، فإن كان هذا الرجل أو غيره من الناس، اغتابني تدينًا، بأن رأى أني أخطأتُ في أمرٍ، واغتابني لذلك، فهذا على كل حال مَعفو عنه، وأمَّا إذا كان اغتابني بدون تثبتٍ، فأقول: عفا الله عنه، وأرجو العفو من الله، وأسأل الله تعالى أن يعاملني وإياه بعفوه، وهو منِّي في حلٍّ. عدم الكلام في الأشخاص عفة اللسان، وعدم إضاعة الأوقات وإهدار الطاقات في الكلام في الناس وتصنيفهم، منهج لمن أنار الله تعالى بصيرته، فابتعد عما يجلب له العداوة والبغضاء، والشيخ رحمه الله كان لا يسمح في مجالسه بالحديث في الناس. سئل رحمه الله أن يبديَ ما يعلمه عن أحد المشايخ، فأجاب: ليس من شأننا في هذا اللقاء أن نتحدث عن شخص بعينه، وهذه هي القاعدة؛ أي: إننا لا نتكلمُ عن الأشخاص بأعيانهم، لا في مجالسنا في مقام التدريس، ولا في اللقاءات، ولا فيما يورد إلينا من أسئلة، هذه القاعدة نحن ماشون عليها، ونرجو الله سبحانه وتعالى أن يُثبتنا عليها؛ لأن الكلام في الأشخاص بعينه قد يثير تحزُّبات وتعصُّبات. وعندما ذُكِرَ للشيخ رأي أحد العلماء في مسألة، قال الشيخ رحمه الله: نحن لا نسمحُ لأيِّ أحدٍ أن يذكر لنا شخصًا مُعينًا من العلماء، وإنما لك أن تقول: قال بعض العلماء، أما فلان وفلان، فلا تذكروه عندنا أبدًا، لا نُريدُ هذا. عدم النوم سريعًا اهتمامًا بأوضاع المسلمين قال الشيخ رحمه الله: ما يُفعلُ بالمسلمين اليوم في البوسنة أمر يُفطِّرُ الأكباد في الواقع، والله إن الإنسان أحيانًا لا ينام سريعًا كما ينامُ في العادة إذا تذكر هؤلاء الإخوان المحصورين على يد هؤلاء الصرب المعتدين الظالمين. تشجيع الشيخ للباحثين سُئل الشيخ رحمه الله كتابةً، فقال السائل: لقد بحثت مسألة الأضحية عن الأموات، وقد اتضح لي من هذا البحث، فكان مما أجابه به الشيخ رحمه الله: وقد قرأتُ ما كتبتَه أنت أعلاه، فأعجبني ورأيته صحيحًا، وفَّق الجميع للعمل بما يرضيه. صبر الشيخ على ما يقول الناس فيه قال الشيخ رحمه الله: وأما ما ذكرت من اعتراض بعض الناس عليَّ، فإني أسأل الله تعالى أن يرزقني الصبر على ما يقولون، وأن يرزقني وإياكم الثبات على الحق، ويجعلنا ممن لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وأن يُبعدنا عن طريق من إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله. كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: • دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين. • فتح ذي الإجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام. • لقاءات الباب المفتوح. • البيان الممتع في تخريج أحاديث الروض المربع. • التعليق على صحيح البخاري. • مجموع فتاوى ورسائل الشيخ. • فتاوى في الطهارة والصلاة. • فتاوى في الصلاة والجنائز.
العضلات في جسم الإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
08-11-2018
62,552
https://www.alukah.net//culture/0/130530/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b6%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%ac%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
العضلات في جسم الإنسان سنتحدث حول الجهاز الهيكلي العضلي بجسم الإنسان الذي يُعرَف باللحم، فهو يُعَد المادَّة الأساسية التي تدخل في تكوين أبدانِ البشر، بل الكائنات الحية كلها، وبها يتمُّ تشكيل العضلات المختلفة؛ حيث يحتوي جسم الإنسان على ما يزيد على ستمائة عضلةٍ مُوزَّعة على مختلف أنحاء الجسم، وهي تكون ما يقرب مِن نصف وزن الجسم، ومِن مجموع هذه العضلات يتكوَّن ما يُعرَف بالجهاز العضلي، فهو جهاز مُنفِّذ لحركة الجسم وحركة الأعضاء، وذلك بسبب بِنيَتها من نسيج قابل للتقلُّص والتمدد، ومِن المعروف أن نقطة اتصال العضلة بالعظم التي هي أكثر استقرارًا تُسمَّى أصلها، كما تسمى نقطةُ الاتصال بالعظم الأكثر تحركًا مغرزَها، وهناك عضلاتٌ لها أكثر مِن نقطة أصل ومغرز واحد، والعكس. ويقع الجزء الأكبر مِن هذه العضلات تحت الجلد مباشرة؛ حيث يتكوَّن منها غلاف سَميك يكسو العظام ويعمل على وقايتها وحمايتها من الصدمات؛ وكذلك تحيط بتجويفِ الجسم المحتوي على الأحشاءِ الداخلية إحاطةً كاملة، ويُطلق على هذه العضلات الخارجية اسمُ العضلات الهيكلية، فهي التي تعمَل على تحريك الجسم وانتقاله من مكان إلى مكان، تبعًا لاحتياجاتنا المعيشية؛ إذ إننا نستطيع بفعلِ هذه العضلات المشي أو العَدْو، أو السباحة، أو القفز، أو غير ذلك من التحركات المعروفة والمألوفة لكل البشر، وتتراكب طبقاتُ العضلات الهيكلية بعضها فوق بعض في أنماط معقدة، وهذا الترتيب الدقيق للعضلات حولَ العظام وُضِع بنظام دقيقٍ؛ حيث تقوم كل طبقة مؤلَّفة من مجموعة من العضلات بالوظيفةِ الموكلة لها، وإذا اختل جزءٌ من هذه الطبقات اختلت وظيفة المَفصِل الذي تُحيط به هذه العضلات. وهذه العضلات في مُجملِها أبدعها الله سبحانه في تناسُقٍ، لإتمام وظائفها الحيوية لحياة الإنسان اليومية، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]. وقد أثبت العلمُ أن العضلات الأشدَّ قوةً هي تلك التي تمتدُّ على طول العمود الفِقْري، وهي تحفظ للعمود الفِقْري قوَّتَه وصلابته، وتُوفِّر القوة اللازمة للرفع والدفع، وأما أصغر العضلات فهي العضلة الركابية داخل الأذن. كيف تعمل العضلات والهيكل العظمي؟ تتصل العضلاتُ الهيكلية بعَظْمتينِ أو أكثر، وعندما تتقلص العضلة، فإنها تُحرِّك العظام المتَّصِلة بها، ودائمًا تتحرك العضلات ضمن مجموعات متناسقة، فتقلُّصُ عضلة يرافقه استرخاءُ عضلة أخرى، في حين لا تتحرك العضلات الأخرى قرب المفاصل. هذه التحركات تؤدي إلى انسجام وتوافق لإتمامِ هذه الحركات على أكمل وجه، كما أننا لا نستطيع ممارسة أعمالنا اليومية - سواء كانت من الأعمال الشاقة أم البسيطة - إلا باستخدام وتحريك هذا الجهاز، حتى يؤدي ما يريده الإنسان، وحتى إذا كنا في راحة تامة واسترخاء لمطالعة الجريدة أو قراءة إحدى المجلات أو الكتب، فإننا نستخدمُ هذا الجهاز في تحريك أيدينا وأعينِنا لمتابعة القراءة؛ حيث تعمَل عضلات كلٍّ مِن اليدين والعينين على التوالي. فهذا الجهاز العضلي لا يقتصر نشاطُه على التحركات الخارجية للجسم كله أو أي عضو من أعضائه في أثناء النهار، بل يمتدُّ هذا النشاط أيضًا إلى عديدٍ مِن التحركات الداخلية التي تُحدِثها بعض أعضاء هذا الجهاز ونحن نيام، ومِن ذلك عضلة القلب الذي لا يتوقَّف عن النبض ليلًا أو نهارًا، ما دام الإنسان على قيد الحياة، وكذلك عضلات الحجاب الحاجز (الذي يفصل التجويف الصدري عن التجويف البطني)، وعضلات الضلوع التي تستمرُّ في عملها في أثناء الليل والنهار؛ حتى لا تنقطع العمليات التنفسية الضرورية لحياة الإنسان. تكوين العضلة: تتألَّف العضلات من خلايا، إلا أنها خلايا مِن نوع خاص، فهي طويلة ورفيعة، ومن المعتاد تجمُّع عدد كبير منها لتكوين وحدة العضلة التي تُسمَّى الليفة العضلية، ويُحيط بكلِّ عضلةٍ غشاءٌ رقيق يُسمَّى الصِّفاق، يفصلها عن غيرها من المجموعات العضلية، ويحيط بها غشاء آخر يعمل على تقليل الاحتكاك العضلي أثناء الحركة، وكذلك كل مجموعة من العضلات تُوضَع مع بعضها البعض في حيِّز واحد، وتنفصل عن مجموعة عضلات أخرى بواسطة حاجز عضلي، وكل حاجز يلتصق بالعظم، كما يوجد شريطٌ مِن النسيج الليفي يصل العضلة بالعظم يُسمَّى الوتر، فهي خيوط متينة ليفية تتَّحِد مع بعضها لتؤلف الوتر. وتخترقُ هذا النسيجَ الضامَّ أوعيةٌ دموية عديدة، تبقى العضلات مُزوَّدة بكميات وفيرة مِن الأكسجين والجلكوز اللازمينِ لتوليد الطاقة لعملية الانقباض، ويتكون النسيج العضلي من خلايا متخصصة تحتوي على بروتينات تُعَد المادةَ الرئيسية في بِناء الخلايا، ولهذا كان لحمُ الحيوان مادة غذائية مهمة لبناء أجسامِنا. وتتألَّف العضلة الهيكلية من ألياف عضلية التي هي عبارةٌ عن حُزَم من الخلايا الأسطوانية الطويلة متعددة النوى؛ حيث يصل طولها إلى 30 سم، وقطرها 10 - 100 ميكرومتر. وتقومُ العضلات الهيكلية بوظائفَ حركيةٍ ترتبطُ أساسًا بالمفاصل، ويمكن تلخيصُ الحركات التي تُؤدِّيها، كما يلي: (الانثناء - المد - الإبعاد عن الجسم - التقريب من الجسم - دوران مركزي - دوران جانبي)، وسبحان العلي القدير، فهذه الألياف العضلية مُنظَّمةٌ ومرتَّبة في اتجاهات معينة، فليست مخلوقةً هباءً، ولكن بحساب دقيق يتناسب مع عملها وقوتها، وهذا يتجلَّى في أشكال العضلات، فلها أشكال مختلفة؛ منها: 1 - المسطحة: مثل عضلات البطن، ويتم ترتيبها بشكل متوازٍ. 2 - المغزلية: مثل عضلات العَضُد، وهي التي يتم ترتيب الألياف فيها بطريقة طولية. 3 - الريشة: عضلات الفَخِذ الأمامية والساق. 4 - الدائرية: وهي التي تُحيط فتحات الجسم، وهي الحارس، وتُنظِّم دخول وخروج السوائل؛ مثل الفم وفتحة الشرج. 5 - مروحية : عضلات الفَخِذ والقمة الجانبية، واتجاهاتُ الألياف مروحية للقيام بوظائفها. عمل العضلة : إن ثَنْي الساعد عمليةٌ مزدوجة، تنقبض فيها العضلة ذات الرأسين، وتنبسط العضلة ذات ثلاثة الرؤوس في نفس الوقت، وبسطُ الساعد عمليةٌ مزدوجة أيضًا عكس ما سبق، ذلك هو سرُّ معظم عضلات الجسم، فهي تعمل مثنى، أو في مجموعات، سواء في ذلك العضلات الساقية أو عضلات الأصابع. فتعاونُ عضلات الجسم مع بعضها واردٌ، فإن أبسط حركة تستدعي نشاط مجموعات بأكملها من العضلات، وقد يكون بعضها بعيدًا عن مكان الحركة، فمثلًا عندما تشدُّ الحبل تجد أن عضلات الساق والظهر وأصابع القدم تشدُّ أزر عضلات الذِّراعين، ولذلك لا نحتاج إلى عضلات كبيرة نامية فوق العادة، وفي الواقع تنمو بعض العضلات عند الرياضيين إلى درجة تعوق العضلات الأخرى عن القيام بعملها! وللعلمِ، فالعضلة لا تتحرَّك إلا عند تلقي الأمر من الدماغ، سواء بالتقلص أو بالتمدد، ويقوم الجهاز العصبي بنقل كل تلك الأوامر من الدماغ عبر الأعصاب إلى العضلات. تقسيم العضلات: تنقسم العضلات إلى ثلاثة أنواع: أولًا: العضلات الإرادية: وقد سُمِّيت هكذا؛ لأنها تخضع في حركاتها لإرادة الإنسان؛ كعضلات اليدينِ والرِّجلين، وتُسمَّى أيضًا العضلات المخططة؛ لأنها تبدو تحت المِجهَر على شكل خطوط ليفية، ويُطلَق عليها أيضًا اسم العضلات الهيكلية؛ نظرًا لالتحامها مع الهيكل العظمي للجسم. ثانيًا: العضلات اللاإرادية: أي التي تتحرَّك بعيدًا عن إرادة الإنسان، ويُطلَق عليها اسم العضلات الملساء؛ لأنها لا تُبدِي أية خطوط ليفية تحت المجهر، وتوجد في الأعضاء التجويفية التي تتقلص آليًّا؛ مثل المَعِدة، والأمعاء، والأوعية الدموية، ورحم المرأة، والجهاز البولي، فحركتُها لا تخضع على الإطلاق لرغبة الإنسان، ولكنها تنبع مِن احتياجات الجسم، وهذه العضلة عبارةٌ عن طبقة داخلية دائرية الشكل، تعمَلُ على تضييق التجويف؛ وطبقة خارجية طولية الشكل تعمل على تقصير التجويف وبالتالي يتم اتِّساعه. ثالثًا: العضلات القلبية: وهي ذات خصائص وسطية بين النوعين السابقين؛ إذ هي لا إرادية، ولكنها مخططة، فنبضُ القلب ما هو إلا انقباضٌ وانبساط متتاليانِ يتمُّ حدوثهما الواحد بعد الآخر في نظام دقيق، لدفع الدم داخل الأوعية الدموية المنتشرة في مختلف أجزاء الجسم. وتُعَدُّ عضلة القلب فريدةً في نوعها، وهي أهم عضلة في جسم الإنسان على الإطلاق؛ إذ تتوقَّف حياة كلٍّ منا على فعلِ هذه العضلة واستمرارها في عمليتَي الانقباض والانبساط، ويتم ذلك بواسطة الألياف العضلية التي يتركَّب منها الجدار السَّميك. ولهذه الألياف العضلية خصائصُ محددةٌ لا تتوافر في الألياف العضلية الأخرى المنتشرة في أنحاء الجسم، ويُطلَق عيها اسم الألياف العضلية القلبية، فهي تنقبض بانتظام بمعدل 70 - 80 مرة في الدقيقة، على عكس الانقباض في العضلات المَلْساء، فهي تنقبض ببُطءٍ منتظم، بينما الانقباض في العضلات المخططة سريعٌ ومتقطع. التغيُّرات التي تُصاحِب الانقباض العضلي: يُوجَد ثلاثة أنواع مِن التغيرات أثناء انقباض أي عضلة بجسم الإنسان: 1 - تغيرات كيميائية: تتكوَّن العضلة كيميائيًّا من بروتين خاص، ويُسمَّى بروتين العضلة كتين وميوسين ومواد مختزنة للطاقة وللنشاط الحيواني، فبنشاط العضلة يتمُّ تغير المواد المختزنة للطاقة، وكذلك تتأثر بعض الإنزيمات المختلفة الموجودة فيها. 2 - التغيرات الحرارية: يصحَبُ انقباضَ العضلة انطلاقُ مقدار من الحرارة. 3 - التغيرات الميكانيكية: عند انبساط العضلة وانقباضها تحدُثُ تغيُّرات ميكانيكية، وهي تحرك الجزء المتصل بالعضلة طولًا أو أن ينقص هذا الجزء؛ مثل: حركة اليد أو الرجل... إلخ. ♦ توتُّر العضلة: يزداد توتر العضلة في الجو البارد، وهذا يؤدي إلى ظهور نتوءات صغيرة في الجلد، مما يؤدي إلى تسمية الجلد بجلد الإِوَزَّة. فجسمُ الإنسان مغطًّى كلُّه بشَعرٍ خفيف جدًّا؛ لدرجة أننا لا نشعر به، وتنمو هذه الشعيرات من بصيلات دقيقة تحت الجلد، ويتصل بجدار هذه البصيلات عضلةٌ دقيقة جدًّا، تنقبض عندما يتعرض الجلد للبرد أو الصقيع، فيقف شعر الجلد، وهذه طريقة مِن طرق الجسم للاحتفاظ بالحرارة، وفي الوقت نفسِه دفع البصيلات إلى الخارج تحت الجلد لدرجة أنك تستطيع رؤيتها على هيئة نتوءات صغيرة. عظمة الله تتجلَّى في عضلة حدقة العين: جعل الله سبحانه عضلةَ العين مُؤلَّفةً مِن ملايين الألياف، وكل ليفة عبارةٌ عن خيط رفيع، وكل ليف ينتهي بعصب، فإذا جاء الأمر مِن المخ أو من الجهاز العصبي إلى هذا الليف، فإنها تنقبض. قال علماء الطب: في كل عضلةٍ متوسِّطةٌ عشرةُ ملايين ليف، وللإنسان 600 عضلة؛ 500 منها إرادية؛ أي: تعمل بإرادتك، ومائة منها لا إرادية. ومِن عظمة الله تعالى في حدقة العين، أنك إذا كنت في غرفة مظلمة، ثم أُضيئت ونظرت إلى عينيك بالمرآة، ترى حدقة العين تضيق وتضيق، وليس بإمكانك أن تبقيها واسعة أو تمنع تضييقها، فالحدقة تتحكم بها عضلة تأخذ أمرَها من المخ، بدخول كمية من الضوء محدودة ومقدَّرة بالقدرة الإلهية، حتى لا يؤثر الضوء المفاجئ على شبكية العين، فتنقبض عضلة الحدقة، فتُقلِّل دخولَ الضوء للعين، والعكس تمامًا عند وجود الإنسان في الظلام؛ حيث تتَّسِع الحدقة، هذا يحدث وأنت لا دخلَ لك فيه، وخارجٌ عن إرادتك، فسبحان الله الذي أتقن كل شيء. عضلات الوجه: لقد أثبت الطبُّ الحديث أن بالوجه 55 عضلةً نستخدمها دون إرادة أو وعي في التعبير عن العواطف والانفعالات، وتحيط بتلك العضلات أعصابٌ تصلها بالمخ، وعن طريق المخ تتَّصِل تلك العضلات بسائر أعضاء الجسم؛ لذلك ينعكس على الوجه كلُّ ما يدور في صدرك، أو تشعر به في أي جزء من جسمك، فالألم يظهر واضحًا أول ما يظهر على الوجه، والراحة والسعادة مكانُ وضوحها وظهورها هو الوجه. فالوجه يعتبره الأطباء المرشِدَ والمُعرِّف بمدى حالة المريض أثناء ظهور الألم، وهذا يتجلَّى في حالات الولادة، فالعضلات الوجهية تعدُّ أعقدَ العضلات في جسمِ الإنسان؛ حيث التعابير الوجهية المتباينة في الإنسان، وتغير الوجه مِن فرح إلى حزن في وقت واحد. وللعلمِ، فعضلات الوجه لها مغارزُ داخل الجلد، فإن أقلَّ قدر من انقباض العضل يُحدِث حركة في جلد الوجه. ولقد ورد في القرآن الكريم حقيقةٌ مُهمَّة، وهي أن الوجه مرآةُ النفس البشرية، وأنه يمكن للإنسان أن يعرف حالة صاحبِه بمجرد النظر إلى وجهه؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنْكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [الحج: 72]، وقوله تعالى: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]، وقوله تعالى: ﴿ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ ﴾ [الرحمن: 41]، وهناك آيات كثيرة تعبر عن الوجه، فهذا إعجاز ربِّ العزة في سيكولوجية النفس البشرية. حقًّا الوجهُ مرآة النفسِ، كما سنجد أن ما أثبته القرآن الكريم منذ ما يزيد على 1400 سنة، أكَّده العلم الحديث، وقررته الأبحاث الطبية في الآونة الأخيرة. ولقد أقر أطباءُ الغرب هذا الأصلَ الثابت في كتاب ربنا، فيقول الدكتور (جايلور دهاروز): منه يمكن أن يتعرَّف الناس على حالك، بل يمكنك إذا نظرت إلى المرآة أن تعرف حالتك تحديدًا، وأن تسأل وجهَك عما يحتاج إليه، فتلك الحلقات السوداء التي تبدو تحت العينين تدلُّ دلالةً واضحة على احتياجِ الإنسان للغذاء وتنقية الجو، وأما التجاعيد التي تظهر على الوجه، فهي علاماتٌ على تقدُّم السن أو تحمُّله الهموم، وغير ذلك من العلامات التي تظهر على الوجه التي تدل على حالة الجسم الداخلية. ويقول كذلك: الوجه هو الجزء الوحيد من جسم الإنسان الذي يفضح صاحبَه، ويخبر عن حاله، ولا يوجد عنصر آخر يمكن به قراءةُ ما عليه الإنسان، بل إن بالإمكان قراءةُ طبع الشخص وخُلُقه في تجاعيد وجهه، فأهل العناد وقوة الإرادة الذين لا يتراجعون عن أهدافهم، من عاداتهم زم الشفاه، وأما التجاعيد الباكرة حول العينين، فترجع إلى كثرة الضحك والابتسام، وأما العميقة فيما بين العينين، فتدل على العبوس والتشاؤم. والنماذج كثيرةٌ في إعجاز محرِّك ودينامو الجسم، ولكن حسبي إشارات سريعة، والآن سوف نعرض بعض الأمراض التي تصيب العضلات؛ حتى نستطيع أن نتفاداها، وعلاجها بإسعافات أولية، حتى نحيا حياة مليئة بالحب والقوة والنشاط. تقلص العضلات : وهو يعرف أيضًا بالشد العضلي، فهي حالة من الانقباض المفاجئ في إحدى العضلات أو مجموعة منها؛ مما يؤدي إلى الشعور بألم شديد وحاد في تلك العضلة أو العضلات، ويكثُرُ حدوث حالة التقلُّص العضلي لدى مُمارِس الرياضة؛ وذلك نتيجة إجهاد العضلات في إحدى مناطق الجسم خاصة بوجود جفاف الجسم، فمثلًا ما يحدث في أصابع الإبهام والسبابة والوسطى لدى الكتابة بالقلم لفترات طويلة، أو الضغط عليه، وكذلك الرسم بالفرشاة لأوقات طويلة، فيحدث الشد العضلي للاستخدام الطويل والمجهد للعضلات، دون إعطاء وقت كافٍ من الراحة. وكذلك يُمكِن أن يصاب الإنسان بتقلُّص العضلة أثناء وقت الراحة، وعدم إجهاد عضلات جسمه بحركات مُتكرِّرة، وأشهر الحالات تلك التي تصيب عضلاتِ خلفيةِ الساق أثناء النوم، وكذلك الآلام الناجمة عن تقلُّص بعض العضلات الناعمة في الرحم، خلال ما قبل وأثناء نزيف الدورة الشهرية، أو خلال عملية الولادة، وكذلك آلام المرارة في حالات تقلص عضلات المرارة عند انقباضها حال احتواء المرارة على حصوات، أو أثناء خروج حصوات الكُلَى عبر الحالِبينِ. آلية تقلُّص العضلة : يرجع ذلك إلى كثرةِ الاستخدام والإجهاد المتكرِّر لتحريكِ العضلة أثناء اللَّعِب، أو القيام بأعمال وظيفية أو منزلية أو ترفيهية، وذلك يرجع إلى اختلال تناغُم عملية انزلاق الألياف العضلية فيما بينها بفعل مركبات كيميائية خاصة لإنتاج الطاقة، ووجود حالة من الجفاف ونقص تروية العضلة بالكمية اللازمة لها من الماء؛ حيث إن السوائل مُهمَّة لحركة العضلات ومنع إصابتها بالتقلص، ووجود الماء يعدُّ عاملًا مُسهِّلًا لسرعة تتابع عملية الانقباض والانبساط، ومنع التوتر والخلل في حركة التركيب والانزلاق الداخلي للألياف، وهناك أسبابٌ كثيرة أخرى للتقلص؛ مثل: بعض أمراض الشرايين التي تُقلِّل أو تمنع تزويد العضلة بالدم؛ مثل: تصلُّب الشرايين وترسيباتِ الكولسترول في جدرانها، والتي تُسبِّب ألمًا شديدًا في العضلات مشابهًا لألم التقلص العضلي أثناء ممارسة الجهد العضلي في الرياضة أو غيرها، وللعلم فأَلَمُ العضلة المصاحِب لأمراض الشرايين يزولُ في الغالب خلال دقيقة أو دقيقتين، من وقف الجهد العضلي وأخذ قسط من الراحة. أسباب تقلُّص العضلات: 1 - الجفاف وقلة تزويد العضلة بالسوائل. 2 - نقص ترويتِها بالدم المحمَّل بالماء والأكسجين والأملاح لإنتاج الطاقة اللازمة للعضلة. 3 - الضغط على أحد الأعصاب في مِنطَقة الظهر، مما يُعرَف بالانزلاق الغُضْروفي، فيسبب تكرار الآلام في عضلات الساق. 4 - نقص أحد أنواع الأملاح والمعادِن في الجسم؛ مثل: نقص البوتاسيوم والكالسيوم والماغنسيوم، ويرجع ذلك إلى عدم تنوع الأغذية. 5 - تناول أحد أنواع الأدوية المُدِرَّة للبول في أمراض القلب وارتفاع ضغط الدم. 6 - وجود أمراض في الكُلى، أو في بعض الغُدَد الصمَّاء، أو غيرها من الأمراض التي تُؤثِّر على خلل الأملاح والمواد المنتجة للطاقة. كيف تتعامل مع التقلص العضلي؟ يمكن لكلِّ واحد منا التعاملُ بشكلٍ صحيح مع تقلص العضلات متى ظهرت علاماته، وأعراضه هي: ♦ الشعور المفاجئ بالألم، وخاصة في الساق. ♦ الإحساس بتكوين كتلة عضلية تحت الجلد أو رؤيتها. ♦ حالات متكرِّرة بشكل شِبه يومي، ويكون الألم فيها شديدًا ومزعجًا، وقد تحصل أثناء أداء أعمال عنيفة. والمطلوب هو معرفةُ السبب، ووضعُ خُطة علاجية تمنع أو تقلل من تلك الإصابات لنوبات تقلص العضلات. وفي حالة الإصابة المنزلية بتقلُّص عضلات الساقين، يكون اللجوء إلى الشدِّ اللطيف والخفيف للعضلات المتقلصة، دون الشد العنيف الذي قد يؤدي إلى تمزُّقها. ♦ وضع كمَّادات باردة - وليست مثلَّجة - لإعطاء العضلة المنقبضة شيئًا من الارتخاء، ويمكن استخدام كمادات دافئة، أو الجلوس في حمام مملوء بالماء الدافئ، مع بعض الأدوية والدهانات الموضعية التي تعمل على استرخاء العضلة. ♦ شرب ماء وسوائل كثيرة. ♦ الكدمات: وهي الرضوض التي تؤدي إلى إصابات مِن النوع المباشر لاحتكاك مباشر بين إنسان وآخر، أو أداة أو جسم صُلب، وتُعَدُّ أكثر الإصابات انتشارًا بين اللاعبين والرياضيين في الملاعب. فالكدم : هو هرس بالأنسجة وأعضاء الجسم المختلفة؛ كالجلد والعضلات، نتيجةً للتأثير المباشر من مؤثر خارجي، وغالبًا ما يصطحب الكدمَ آلمٌ وورم ونزيف داخلي، وارتشاح لسائل بلازما الدم مكانَ الإصابة، وارتفاع درجة حرارة الجزء المصاب. علاجه : يمكن استعمال الكلورايثيل البخاخ، أو كمادات مثلجة فوق الإصابة، ثم عمل رِباط ضاغط لمنع أو تقليل الورم والألم، وتقليل حركة العضلات ودهان موضعي؛ مثل الهيموكلار، فهذا لتنشيط الدورة الدموية مكان كدم العضلات. التمزق العضلي : إذا شُدَّت العضلة بشكل زائد، كما يحدث عند إجبارها على أداء تمرين عنيف؛ فإن الألياف التي تُشكِّل العضلة قد تتمزَّق كليًّا وجزئيًّا، وقد يحدث فيها نزيفٌ داخلي يؤدي إلى انتفاخها، فيشعر الإنسان بألم شديد عند لَمْس العضلة أو الضغط عليها أو استعمالها، وتكون العضلةُ غيرَ قادرة على القيام بوظيفتها المَنُوطة بها، حتى تلتئم أليافها الممزقة تمامًا، مع الراحة التامة ووضع قطعة ثلج مغلَّفة بقطعة قماش فوق المِنطَقة المصابة فورًا؛ لتخفيف الألم ومنع ازدياد التورُّم، وأخذ مُسكِّنات للألم ولبسط العضلات وربط مكان الإصابة، فهذه إسعافات أوَّلية لراحة المصاب لحين الذَّهاب إلى الطبيب لعمل الإجراءات العلاجية الأخرى. هذه نبذةٌ سريعةٌ عن بعض ما يصيب العضلات، وهذا مجالٌ يطول المقام والمقال فيه، إلا أننا نُقدِّم النصيحة التي يجب أن يعرفها صاحب الثقافة العامة، للمحافظة على هذا الجهاز الحركي المهم للحياة؛ بالمشي اليومي، والرياضة المعتدلة، وعدم ممارسة الرياضة العنيفة؛ حتى لا تحدث إصابات وتمزُّق بالعضلات.
تزويق العبارة في مناقب الشيخ عمارة
د. إبراهيم عبدالغفار الطاهري
08-11-2018
5,258
https://www.alukah.net//culture/0/130522/%d8%aa%d8%b2%d9%88%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%b1%d8%a9/
تزويق [1] العبارة في مناقب الشيخ عمارة إنَّ لِسِيَرِ الأعلامِ وتراجم رموزِ كُلِّ أُمَّةٍ، أهميةً بالغةً في تاريخها وحاضرها ومستقبلها؛ إذ يكون الاهتمامُ مُنصبًّا على بعثِ العزائم، واستيقاظ الهِمم في النفوس التي ستُدرك عوامل الصلاح ومكامن الخلل؛ من أجل الإسهام في ترميم حضارة الأُمَّة. في وداع الشيخ العالم المربي عمارة عبدالمطلب رحمه الله: فقدتْ مصرُ عمومًا والكويت خصوصًا عَلَمًا من أعلامها، ورَجُلًا من رجال الرعيل الأول؛ فضيلة الشيخ العالِم العامل المقرئ عمارة عبدالمطلب، لقد أسهمَ الفقيدُ من خلال عمله مدرِّسًّا في مدارس الكويت، وكذلك عمله إمامًا وخطيبًا في مسجد العجيل في منطقة الفحيحيل في تدريس الناس وإلقاء الخطب والمحاضرات، وتدريس القرآن الكريم وعلومه. أذكر للفقيد رُوْحَه المرحة، وسرعة بديهته، وحرصه على تلاميذه، والالتقاء بهم، والسؤال عنهم، والدعاء لهم، فقد كان رَجُلًا عظيمًا يوم وُلِدَ، ويوم سَعيه في الحياة، وكان عظيمًا يوم ماتَ. فقد وافاه الأجلُ على أرضٍ طيبة مباركة هي أرضُ الكويت - حرسها الله تعالى - والشيخ معروفٌ في منطقة الفحيحيل، فهو ممن أقام في الكويت منذ فترة طويلة جدًّا، فقد كان حريصًا على تعليم كتاب الله تعالى، فما ضَعُفَت له قامة، ولا انثنتْ له عزيمة، ولا وَهِنَتْ له إرادة، ولا سكتَ له لسان، ولا اضطربَ له جَنان، ولا خالطَ ذاكرته النسيان على الرغم من نيِّف وثمانية عقود سكنت إهابه. من صفاته الحميدة، وسجاياه الطيبة: 1- الصلابة في الرأي: فقد كان رحمه الله صُلْبًا في رأيه، وهي صفةٌ محمودة فيه، فقد كان صُلْبًا في رأيه في الحق، ولو اجتمعَ الناس ليُزحزحوه عن رأيه ما تَزحزح عن ذلك، وهي صفةٌ ملازمةٌ له، وتُحسَب له في مواطنِ الحق والخير. 2- لا يأبه لما يُقال عنه من مدحٍ أو ذمٍّ: ما كان المدحُ يغريه، وما كان الذمُّ يَثْنيه. 3- كان مدرسةً من طرازٍ متميز وتاريخ قديم. 4- كان متميزًا في العمل والنشاط: فقد كان يأتي عمله مبكرًا سواء في المسجد أو المدرسة؛ ليُعلِّم الناسَ بجدٍّ ونشاطٍ وطُمأنينة. 5- كان وفيًّا لأهله وأقاربه وأصدقائه وتلاميذه ومحبِّيه، وكان يُضرَب به المثلُ في ذلك. 6- تفتُّحه وتفاؤله: إنَّ السرَّ في شخصية الشيخ عمارة رحمه الله وبروزها أكامن الوفاء المتغلل في كِيانه، فقد كان مرتاحًا لأي شخصٍ في أي وسط، وفي جميع الأحوال تراه هو هو، منفتحًا متفائلًا مؤملًا مُسبِّحًا ذاكرًا. 7- وشائج محبَّته بين الناس: كان الشيخ رحمه الله وفيًّا، نشأت فيه وشائجُ محبَّة الناس، فهو لهم في كل مناسبة، يُقاسمهم شواغلهم مُشجِّعًا، ويُشاركهم أفراحهم جذلًا لسعادتهم، ويتألم أسًى لأحزانهم، ويُشاركهم في أتراحهم. 8- شخصيته المتَّزنة: اتَّسمت شخصيته بالذكاء، والفِطنة، وسرعة البداهة، والصدق، وحبِّ العلم، وكما يُقال: (عِندَ الصباحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى) [2] ، فقد حمدت سيرته، وتربيته على الالتزام والتديُّن اللذين كان لهما أثرٌ كبير في نفسه الزَّكية، حتى أورثَ كل صفاتٍ طيبة لتلاميذه. 9- بساطته وتوجيهه: كان في حياته بسيطًا مع أنه كان موجِّهًا وورعًا ومُصْلحًا وتقيًّا، إنْ جالسته أحسستَ أنكَ أمام عملاق في العِلم، وإنِ استشرته وجدته جبلًا على بذْلِ النُّصْح والتعليم بين الناس، فقد كان عالِمًا مُحنَّكًا، إنْ تحدثتَ إليه أُعجبتَ بكلامه وسَمْتِه الْمُوقَّر. 10- كرمه عند استضافته للناس: إذا استضاف أحدًا فقد كان الجودُ والسَّخاء والكرم وحُسْن الاستقبال سجيةً مطبوعةً فيه، يغمر جليسَه في ضيافته بشذا المودَّة، وعبق الكلام الندي. 11- طلبه للعِلْم وتحصيله وصبره على ذلك: فقد ذكرَ لي رحمه الله أنه انشغلَ بطلبِ العلم منذ نعومة أظفاره، ولم يشغله عن تحصيل العلم أي شيءٍ آخرَ، فقد وفَّق الله عز وجل والديه أنْ يُهيِّئوه ليشبَّ على بساط الصلاح والعِلْم والالتزام، فطلبَ العلمَ صغيرًا حتى كان له الباع في كثيرٍ من العلوم كعلمِ القراءات. فقد كان مثابرًا على اقتناص العلوم، وقد وفَّقه الله تعالى وأنعمَ عليه بذاكرةٍ قويةٍ استوعبتْ مجمل فنون المعرفة، فقد تربَّى في مراحل عُمره الأولى وفي عزِّ شبابه في كنفِ العلم والتعليم. 12- نشره للعلم وتعليم الناس: كان رحمه الله قد جنَّد نفسه لتعليم الناس ونشرِ العلم، فقد درَّس في مدارس دولة الكويت من فترة السبعينيات إلى نهاية التسعينيات، ثُمَّ بعد أنْ كبرَ في السنِّ بقي على عمله الوحيد وهو الإمامة والخطابة والتدريس في مسجد العجيل في منطقة الفحيحيل، فكان لا يألو جهدًا في تدريس الناس القرآن الكريم وتحفيظه. فقد أوقف رحمه الله حياته للعلم تعلُّمًا وتعليمًا، إفادةً واستفادةً، وخرَّج بفضل الله تعالى الكثير من الطلبة، وهم الآن يؤطرون القطاع الديني في دولة الكويت وخارجها؛ أئمةً وخطباءَ ومؤذنين ومرشدين ودعاة، بل يُوجد منهم أساتذة جامعيُّون، وإطارات سامية للأُمَّة في مجالاتٍ أخرى. 13- تركه لمصر وإقامته في الكويت: كانت بداية مشواره في مصر لتعليم الناس وتدريسهم؛ لكنه حطَّ عصا الترحال وتوجَّه للإقامة في دولة الكويت في السبعينيات، فعُيِّن في بداية أمره أستاذًا في مدارس الكويت بمراحلها المختلفة، ثُمَّ عُيِّن إمامًا وخطيبًا في مساجد دولة الكويت - حرسها الله تعالى - حتى انتقلَ إلى مسجد العجيل في منطقة الفحيحيل، فقد أثمرَ تدريسه رحمه الله وأينعَ حال حياته، فقد كانت سعادته كبيرة جدًّا لرؤية طلابه وقد حصلوا على أعلى الشهادات والوظائف المرموقة، فقد انتشرَ خيره في جميع ربوع دولة الكويت. 14- صبره وتحمُّله المشاق: كان رحمه الله صابرًا محتسبًا، يجلس الساعات الطويلة في مسجد المدرسة لتعليم الناس وتحفيظهم القرآن الكريم الساعات الطوال دون كَلَلٍ أو مَلَلٍ، فكان مثالًا حيًّا للصبر وتحمُّل المشاق والمعاناة بصدرٍ رحب مع ثقةٍ بالله تعالى بالفرج في كل أموره، والاتِّكال على الله تعالى في تيسيرها، فكيف لا ومَنِ استعان بالله تعالى تيسَّرَتْ مطالبُه ونجحَتْ مآربُه. 15- صلاح نفسه وتقواه: الشيخ رحمه الله أصلح نفسه، فأصلحَ اللهُ تعالى به أناسًا كثيرين، فقد كان أُمَّةً في الأسوة الحسنة؛ بعلمه، وعمله، وكلماته، وسلوكه. 16- مُروءته وهندامه: كان رحمه الله صاحب مروءة، فقد كان معتدلًا في سَمْته وهيئته، وسلوكه ونُطْقه. 17- سمعته الحسنة والمتميِّزة: كانت له رحمه الله سمعةً حسنة وكريمة بين الناس، استطاعَ في فترةٍ وجيزةٍ أنْ يضفي على نفسه الطَّيِّبَة وعلى غيره من الناس: السمعة الطيبة؛ لتميُّزه في سلوكه وهندامه وتقواه. 18- سرعة بديهته، وحضور ذهنه: كان رحمه الله سريع البديهة، وحاضر الذهن في الإجابة عن الأسئلة الشرعية من مصادرها الصحيحة وفق الكتاب والسنة، وكان يجيب عن أسئلة المستفتين برحابةِ صدرٍ، وعِلْمٍ جمٍّ، وخُلُقٍ رفيعٍ. 19- مساعدته للفقراء والمحتاجين والأيتام: كان رحمه الله عضوًا في لجنة زكاة الفحيحيل، وكان يقدِّم يد العون والمساعدة للفقراء والمحتاجين والمعوزين من الأرامل والأيتام. 20- نصحه وإرشاده: في إحدى السنوات زُرته في لجنة زكاة الفحيحيل للسؤال عن حاله وأحواله، ولما رآني رحَّبَ بي واستقبلني بصدرٍ رحْبٍ، وأدخلني مكتبه، واستأذن مني بأدَبٍ أنَّ هذا اليوم مُخصَّص لدراسة حالات تقديم المساعدة للمحتاجين، فكان رحمه الله يستقبل حالات المحتاجين ويدرس حالاتهم ويساعدهم. وقد دخلتْ عليه امرأة لها موعد في نفس يوم زيارتي له، وكانت معها ابنتها الصغيرة وكانت تلبس ملابس غير محتشمة، فأمرَ الشيخُ المرأةَ وقال لها: لماذا لا تلبسين ابنتكِ الصغيرة ملابس محتشمة؟! فقالت المرأة: يا شيخ، هذه صغيرة، لما تكبر تلبس إنْ شاء الله. فقال لها الشيخُ: ألبسيها الملابس المحتشمة في الصِّغَر حتى تعتادها في الكِبر، وقال لها: اذهبي لبيتكِ وألبسي ابنتكِ ملابس محتشمة، وتعالي فموعدكِ محفوظٌ، وسوف ندرس حالتكِ للمساعدة، وكان ذلك كله على مرأى ومسمع مني وأنا جالسٌ في مكتبه شاهدًا على هذه الحادثة. 21- مرضه ووفاته: توفي الشيخ رحمه الله تعالى بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض، وهو صابرٌ محتسبٌ على ذلك، وذلك يوم السبت 24/ 2/ 1440هـ، الموافق 3/ 11/ 2018م، ودُفِن بعد صلاة عصر اليوم التالي يوم الأحد 25/ 2/ 1440هـ، الموافق 4/ 11/ 2018م، في مقبرة صبحان، في دولة الكويت - حرسها اللهُ تعالى - وقد شيَّعه محبُّوه وأصدقاؤه وعائلته وتلاميذه، وقد شارك في تشييعه عددٌ كبيرٌ جدًّا من الناس في جنازةٍ مهيبة لوداعه. وشيخنا الشيخ عمارة عبدالمطلب رحمه الله تعالى كان منارةً للهدى، فقد كان حال حياته أمينًا ناصحًا بيننا، وبعد مماته ذِكره باقٍ على مرِّ الأيام والأزمان. رحمَ اللهُ عمدة المتقين، وقدوة الصالحين، وعُدَّة العلماء العاملين. [1] زوَّقتُ الكلامَ تزويقًا؛ أي: زيَّنته وحسَّنته، والتزويق: التزيين والتحسين، والأصل في التزويق أنْ يجعل الزاوُوق مع الذهب، فيُطلى به الشيء المراد تزيينه، ثُمَّ يُلقى في النار، فيطير الزاوُوق ويبقى الذهب، ثُمَّ توسعوا في معناه حتى قالوا لكلِّ مُنقَّش ومزيَّن: مُزَوَّقٌ، وتزيين الناس للشيء يكون بتزويقهم أو بقولهم ومدحهم وذِكر فضائلهم؛ يُنظر: القاموس المحيط؛ للفيروزآبادي (1/ 892)، وتاج العروس؛ للزبيدي (35/ 163)، والمصباح المنير؛ للفيومي (ص250)، والمعجم الوسيط (ص407). [2] قالها خالد بن الوليد رضي الله عنه، فأرسلها مثلًا، وهو أول مَنْ قالها رضي الله عنه. فهذه العبارة أصبحت مثلًا يُقال، وحكمةً تُروى لأصحابِ الهمم العالية، والنفوس العظيمة الكبيرة؛ يُنْظَر: [البداية والنهاية؛ لابن كثير (4/ 6، 7)].
القواعد الأخلاقية المرتبطة بالمجال الاقتصادي ودورها في تحقيق الأمن
زهراء الشرفي
07-11-2018
7,009
https://www.alukah.net//culture/0/130500/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%aa%d8%a8%d8%b7%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d9%88%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86/
القواعد الأخلاقية المرتبطة بالمجال الاقتصادي ودورها في تحقيق الأمن جديرٌ بالتذكير بأن الرسول صلى الله عليه وسلم نَهَجَ المجتمع المدني بمجموعة من الضوابط الأخلاقية والاجتماعية المنظِّمة للمجال الاقتصادي. ومما ينبغي الإشارة إليه أنه صلى الله عليه وسلم ربط استقرار هذه القوَّة الاقتصادية بتحقُّق شرط الإيمان بالله، فليس في الدين الإسلامي اقتصادٌ منفصلٌ عن الإيمان بالله، وعن القيم الجماعية، وعن صِلَة الرَّحِم، وليس في ديننا اقتصادٌ منخرم عن أخلاق الإسلام الفاضلة، نعم كما أنه ربط النجاح الاقتصادي بالابتعاد عن المعاملات الاقتصادية الفاسدة التي تؤذي الآخرين بأكل حقوقهم بالباطل، وتجعل الربح الاقتصادي يتضخَّم عند فئة قليلة من المجتمع، وفي هذا المطلب سنُحاول معرفة بعض تجليات الأمن المتعلِّقة ببعض هذه القواعد. جديرٌ بالتذكير أن مظهر الأمن الاجتماعي تجلَّى لنا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعل التجارة علاقات تجارية جافَّة؛ بل جعل حركتها تدور مع حركة المجتمع، وجعل القوة الاقتصادية متوقِّفة على توفُّر مجموعة من القيم الاجتماعية؛ كقيم التكافُل والتعاوُن، ونقتصر على بعض هذه القواعد: قاعدة صلة الرحم، والإنفاق، والتقاسم والتشارُك، التيسير والتسامح كالتالي: ♦ مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بصلة الرَّحِم: من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثَّ على صلة الرحم، وربطها لنا بالرزق الكبير؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (( مَنْ سرَّهُ أن يُبْسَطَ له في رزقه، أو ينسأ له في أثره، فليَصِلْ رحِمَه)) [1] من خلال هذا الحديث يتجلَّى لنا مظهر الأمن في كونه صلى الله عليه وسلم ربط توسِعة الرزق بتحقُّق صِلة الرَّحِم؛ أي: إنه صلى الله عليه وسلم بيَّن لنا أن الزيادة في القوة الاقتصادية التي تشكل نوعًا من الأمن الاقتصادي مرتبطةٌ بتحقُّق التواصُل مع الأرحام الذي هو يدخل في نطاق الأمن الاجتماعي، وبتعبيرٍ آخر: إن مظهر الأمن هنا يتجلَّى لنا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم أشار إلى قاعدة مهمة؛ وهي أن الأمن الاقتصادي للأفراد مرتبطٌ بتحقيق أمن اجتماعي بصلة هذه الأفراد لأرحامِها. ♦ مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بالتقاسم : إن المتأمِّل في المجهودات النبوية في المجتمع المدني الموجهة لتحقيق أمن اقتصادي يتبيَّن له التقاسم بين أفراد المجتمع المدني، والحديث التالي يؤكد لنا هذا الأمر ((الناس شركاء في ثلاث: الماء، والكلأ، والنار)) [2] ، ويتجلَّى لنا مظهر الأمن هنا في كونها تحدث نوعًا من اللحمة الاجتماعية، ونوعًا من التعاون والترابُط رغم أنها قد تنتج عنها بعض المشاكل أو النزاعات؛ لكن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع ضوابط ضابطة لحدوث مثل هذه الأمور، والمتأمِّل في تجليات الأمن كذلك لهذه القاعدة يتبيَّن له أنها تؤدي إلى تحقيق أمن اقتصادي؛ لأن التعاون والتشارُك يؤديان إلى ربح في الوقت وزيادة في الإنتاج . ♦ مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بالإنفاق : من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم حثَّ المجتمع المدني على الإنفاق وإغناء الفقراء، كما أنه وضَّح لنا أن القوة الاقتصادية تتضاعف بالإنفاق في سبيل الله تعالى، وقد وردت مجموعة من الآيات بخصوص هذا الأمر، وفيما يلي بعض الأمثلة: ♦ ﴿ أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ﴾ [البقرة: 267]، إن المتأمل في هذه الآية يتبيَّن له أن صورة الأمن تتجلَّى في أمره عز وجل بالإنفاق على الآخرين؛ أي: إن صورة الأمن هنا تتجلَّى لنا في كونها تُحقِّق أمنًا اقتصاديًّا ونفسيًّا للآخرين بواسطة هذا الإنفاق. ♦ ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]، يتجلَّى لنا الأمن الاقتصادي في هذه الآية في كون الله تعالى يُضاعف لنا مقدار ما نتصدَّق به، كما أن مظهر الأمن يتجلَّى لنا في كون الله تعالى ربط لنا القوة الاقتصادية بالإنفاق في سبيل الله تعالى، وبهذا فإن الإنسان قد يصل إلى درجات لا حدود لها من الأمن الاقتصادي بالإنفاق في سبيل الله تعالى، ومما ينبغي الإشارة إليه أن الإنفاق يُحقِّق لنا كذلك نوعًا آخر من الأمن، وهو الأمن النفسي للشخص الذي تم الإنفاق عليه؛ حيث يشعُر بالاطمئنان والأمن نتيجة إنفاق الآخر عليه، كما أن صورة الأمن في هذه الآية تتجلَّى لنا في تحقيق الأمن الاجتماعي بإشاعة رُوح التعاون والتواصُل مع أفراد المجتمع بفلسفة الإنفاق. ♦ ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 262] يمكن ملاحظة تجليات الأمن هنا، في كون هذه الآية يَعِدُ فيها اللهُ عبادَه المنفقين في سبيل الله بالأمن وعدم الخوف، كما أن مظهر الأمن هنا يتجلَّى لنا في تحقُّق أمن اقتصادي للأفراد بالإنفاق، يدل عليه ﴿ لَهُمْ أَجْرُهُمْ ﴾؛ لكن ينبغي الالتزام ببعض الآداب الاجتماعية كعدم المنِّ بالصَّدَقات. والناظر للسيرة يتبيَّن له أن الرسول صلى الله عليه وسلم حقَّقَ أمنًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا، ونفسيًّا ومكانيًّا للآخرين بواسطة الإنفاق، وشجَّع الصحابةَ على الإنفاق، وفيما يلي بعض الأمثلة: ♦ الحديث الذي رواه مسلم: "عن أبي سعيد الخُدْري، قال : أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثُر دَيْنُه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تصدَّقُوا عليه))، فتصدَّقَ الناسُ عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغُرمائه: ((خذوا ما وجدْتُمْ، وليس لكم إلَّا ذلك )) [3] ، إن صورة الأمن هنا تتجلَّى لنا في كون الرسول صلى الله عليه وسلم حقَّق الأمن لهذا الرجل الذي كثر دَيْنُه بإشاعة مبدأ الإنفاق والتكافُل معه. وممَّا ينبغي الإشارة إليه أن الإنفاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بلغ أقصى مراتب الكمال؛ حيث نجد أنه خصَّص الصحابيَّ بِلالًا للقيام بهذه المهمة، وفي هذا السياق يقول الكتاني - كما ورد في "مختصر السيرة لابن جماعة -: " كان بلال المؤذن على نفقات رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وكان يُوصيه صلى الله عليه وسلم بالإنفاق؛ فعن عبدالله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أنفِقْ بلالُ، ولا تَخْشَ من ذي العرش إقلالًا )) [4] . وفيما يلي بعض الأحاديث التالية التي ذكرها الكتاني في كتابه " التراتيب "، باب: المنفق على رسول الله، تبيَّن لنا هذا الأمر ذلك: ♦ في سنن أبي داود والبيهقي عن عبدالله الهوزني، قال: لقيت بلالًا بحلب، فقلت: يا بلال، حدِّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما كان له شيء، وكنت أنا الذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله حتى تُوفِّي، وكان عليه السلام إذا أتاه الإنسان مسلمًا يراه عاريًا، يأمرني فانطلق فأستقرض، فأشتري له البردة، فأكسوه وأطعمه " [5] إن هذا الحديث يكشف لنا على نوع من الأمن النفسي والاجتماعي الذي كان يُحقِّقه الرسول صلى الله عليه وسلم للناس والذي تمثَّل لنا في شكل أمن غذائي ناتج عن الإطعام، واجتماعي ناتج عن كسوة هؤلاء المحتاجين. ♦ في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم أتى قومًا من مضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتمعَّر وجهُه لما رأى بهم من الفاقة، فدخل بيته فلم يجد شيئًا، ثم خطب في الناس ووجههم إلى الصدقة لسدِّ حاجاتهم؛ (راجع الحديث بتمامه في صحيح مسلم)، هذا الحديث يكشف لنا عن نوع من الأمن الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُوفِّره للأفراد بإشاعة فلسفة الإنفاق. ♦ مظهر الأمن من خلال ربط الاقتصاد بالتسامح : من المفيد أن نذكِّر بأنه صلى الله عليه وسلم وجَّه المسلمين في هذه المعاملات إلى قيم التسامُح، وفي هذا السياق يؤكِّد لنا كتاب الإدارة في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الأمر "وكانت توجيهات الرسول صلى الله عليه وسلم تقضي بضرورة التسامُح بين المتبايعين " [6] . والأحاديث التالية تؤكد لنا ذلك: ♦ عن عبيدالله بن عبدالله، أنه سمِع أبا هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (( كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا، قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعلَّ اللهَ أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه ))، يتجلى لنا مظهر الأمن هنا في كون الله تعالى قد حقَّق لهذا التاجر الأمن؛ بسبب تحقيقه الأمن لهذا المعسر. ♦ وروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" [7] ، أي: سمحًا جوادًا متساهلًا، يوافق على ما طلب منه، (اقتضى) طلب الذي له على غيره" [8] . ويتجلَّى لنا مظهر الأمن هنا في تحقيق أمن اجتماعي وأمن نفسي لهؤلاء المعسرين والمحتاجين برحمتهم، والأخذ بعين الاعتبار لظروفهم وأحوالهم. خلاصة: ♦ مما سبق يتبيَّن لنا أن الإسلام ربط لنا الاقتصاد بمجموعة من القواعد الأخلاقية الاجتماعية؛ لتحقيق الأمن لجميع الأفراد، ولتبيان أن المال مال الله، لا ينبغي أن ننسى فيه حق الفقراء والمحتاجين، ولم يجعل الاقتصاد خاليًا من الرُّوح متحجِّرًا، لا صلة له بالدين؛ بل جعل الكفر بأنعم الله سببًا في انعدام الأمن الاقتصادي على الإنسان. وجعل لنا قوة المدخول الاقتصادي مرهونة بتحقق صلة الرَّحِم والإنفاق، وتحقُّق قيم التكافل والتضامن وبتقوى الله تعالى وبذكره. [1] صحيح البخاري، كتاب: البيوع، باب: من أحب البسط في الرزق، ج 3، ص 56، رقم 2067. [2] أخرجه أبوداود، حديث 3477، ابن ماجه، حديث 2472، وأحمد 5 /364. [3] صحيح مسلم. [4] التراتيب؛ للكتاني، ج 1، ص 343. [5] التراتيب؛ الكتاني، ج 1، ص 343. [6] الإدارة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ عجاج الكرعي، ص 180. [7] صحيح البخاري، كتاب: البيوع، باب: السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقًّا فليطلبه في عفاف ، ج 3، ص 57، رقم 2076. [8] صحيح البخاري، كتاب: البيوع، باب: السهولة والسماحة في الشراء والبيع، ومن طلب حقًّا، فليطلبه في عفاف ، ج 3، ص 57.
الشخصية والسلوك
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
06-11-2018
43,189
https://www.alukah.net//culture/0/130465/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ae%d8%b5%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%88%d9%83/
الشخصية والسلوك التعريف اللغوي والاصطلاحي: الشخصية: سواد الإنسان وغيره تراه من بعيد، وكل شيء رأيت جسمانه فقد رأيت شخـصه ( ابن منظور، ج 7، ص 45 ). وفي المعجم الوسيط، الشخص: كل جسم له ارتفاع وظهور وغلب في الإنسان، وعند الفلاسفة: الذات الواعية لكيانها المستقلة في إرادتها، والشخصية: صفات تميز الشخص عن غيره ويقال: فلان ذو شخصية قوية: ذو صفات متميزة وإرادة وكيان مستقل عن غيره. وهي من الألفاظ المحدثة ( ج 1، ص 475). وفي معاجم التربية وعلم النفس تُعَرَّف الشخصية بأنها "نظام متكامل من مجموعة الخصائص البدنية والوجدانية والنزوعية والإدراكية التي تُعيِّن هوية الفرد وتُمَيزه عن غيره من الأفراد تمييزاً بيِّناً، وكما تبدو للناس أثناء التعامـل اليومي الذي تقتضيه الحياة الاجتماعية" ( بدوي، معجم مصطلحات التربية والتعليم، ص 197). كما تُعَّرف بأنها: " تكامل الصفات الجسدية والخلقية المميزة لفرد ما بما في ذلك بناؤه الجسدي وسلوكه، واهتمامه ومواقفه وقدراته وكفاءاته، كلية الشخص كما يراها الآخرون ( عاقل، معجم علم النفس، 83 ). وتُعَّرف بأنها " حاصل جمع كل الاستعدادات والميول والغرائز والدوافع والقوى البيولوجية والفطرية الموروثة، وكذلك الصفات والاستعدادات والميول المكتسبة من الخبرة " ( فرغل، معالم شخصية المسلم، ص 7 ). وعلى ذلك فالشخصية هي: كل الصفات والخصائص الموروثة والمكتسبة التي يتميز بها كل شخص عن الآخر. ثالثاً: السلوك. التعريف اللغوي والاصطلاحي: السلوك: مصدر سلك طريقاً، والمسلك: الطريق، والّسْلكُ: إدخال شيء تسلكه فيه (ابن منظور، لسان العرب، ج10، ص 443). والسلوك: سيرة الإنسان مذهبه واتجاهه ( المعجم الوسيط، ج1، ص 445 ). ويُعَّرف السلوك في معاجم التربية وعلم النفس بأنه " أي فعل يستجيب به الكائن الحي برمته لموقف ما استجابة واضحة للعيان، وتكون عضلية أو عقلية أو كلاهما معاً، وتترتب هذه الاستجابة على تجربة سابقة، وقد يكون السلوك فطرياً أو مكتسباً ( بدوي، مرجع سابق، ص 44 ). أما جون ديوي المربي الأمريكي فَيُعِّرف السلوك بأنه " تفاعل بين عناصر الطبيعة الإنسانية والبيئية الطبيعية والاجتماعية " ( وين، قامـوس جـون ديـوي للتـربية، ص 127 ). إذاً فالسلوك هو كل حركة قولية أو فعلية تصدر من الإنسان نفسه أو تكون رد فعل لموقف معين. العلاقة بين الشخصية والسلوك: وبناءً على ما ذكر آنفاً في تعريف الشخصية نجد أنها نظام متكامل لكل نواحي الإنسان بما فيه سلوكياته، فالسلوك إذاً جزء من الشخصية. أنواع السلوك: هناك تصنيفات للسلوك الإنساني أشار إليها العلماء والمختصون، ومن تلك التصنيفات ما يلي: أولاً: تصنيف ابن تيميه ( رحمه الله ). أشار ابن تيميه إلي أنواع السلوك وقال عنها ( أعمال الأبدان ) وهي: ثلاث درجات: ظالمٌ لنفسه، ومقتصدٌ، وسابقٌ بالخيرات. وهذا التصنيف مأخوذ من قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ﴾ [فاطر: 32]. ويوضح ابن تيميه هذه الأصناف بقوله: فالظالم لنفسه: العاصي بترك مأمور أو فعل محظور. والمقتصد: المؤدي الواجبات والتارك المحرمات. والسابق بالخيرات: المتقرب بما يقدر عليه من فعل واجب ومستحب والتـارك للمـحرم والمكروه ( مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد ابن تيميه، ج 10، ص 6 ). ثانياً: تصنيف محمد دراز ( رحمه الله ). يقول دراز: أنه يمكن تصنيف الناس في سلوكهم إلي ثلاثة أصناف هي: 1- صنف لا يفعل الخير ولكنه يحب أن يحمد به، ويقترف الإثم ثم يرمي به من هو بريء منه، إذا كان عليه الحق ضجر به، وإذا كان له الحق ألح في طلبه ولم يقبل في ذلك معذرة، هذا صنف من الناس شعارهم: كن كلاعب الشطرنج، خذ ولا تعط، فإن لم تستطع فخذ أكثر مما تعطي. وتلك خلة قوم وصفهم الله تعالى بأنهم أحرص الناس على حياة. قال جل وعز: ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة: 96]. 2- الصنف الثاني لا يبخلون بالحق الذي عليهم بل يسارعون إلى أدائه، ولكنهم يحرصون في الوقت نفسه على الحق الذي لهم، ولا يتهاونون في اقتضائه، لا يبدؤون أحداً بظلم ولا عدوان، ولكنهم إن ظلموا انتصفوا ممن ظلمهم، وحرموا مـن حرمـهم، شعـارهم خذ بقدر ما تعطي، قال تعالى: ﴿ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279]. 3- وصنف أخير تجاوز العدل إلى الفضل، لا يظلمون أحداً بل يعفون عمن ظلمهم، ولا يبخسون أحداً حقه، بل يسمحون له ببعض حقوقهم، وشعارهم أعط ولا تأخذ، فإن لم تستطع فأعط من نفسك أكثر مما تأخذ ( دراز، نظرات في الإسلام، ص 104 - 107 ). وبمقابلة التصنيفين السابقين لأنواع السلوك مع موضوع هذه الدراسة ( الازدواجية في السلوك )، نجد أن ابن تيميه رحمه الله أشار إلى ازدواجية السلوك ضمن التقسيم الأول ( الظالم لنفسه ) حيث يقول: " وأما الظالم لنفسـه من أهل الإيمان: فمعه من ولاية الله بقدر إيمانه وتقواه كما معه من ضد ذلك بقدر فجوره إذ الشخص الواحد قد يجتمع فيه الحسنات المقتضية للثواب، والسيئات المقتضية للعقاب، حتى يمكن أن يثاب ويعاقب " ( المرجع السابق، ص 7 ). أما تصنيف دراز رحمه الله فلم يشر إلي ازدواجية السلوك ضمن تصنيفاته التي أشرنا إليها، ويؤكد ذلك قوله: " لو كان لنا أن نرمز لكل واحد منها برمز حسابي، لوضعنا على أولها علامة النقص، وعلى الثاني علامة المساواة، وعلى الثالث علامة الزيادة " (ص 107). وعلى أية حال فالازدواجية وضع قائم في سلوك الإنسان، يلمسها العاقل في ذاته وفي الآخرين.
الادخار من منظور الاقتصاديات النفسية
د. زيد بن محمد الرماني
05-11-2018
10,616
https://www.alukah.net//culture/0/130441/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%af%d8%ae%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%a9/
الادخار من منظور الاقتصاديات النفسية الادخار هو احتفاظ الفرد بجزء من الدخل يفيض عما ينفقه أو يستهلكه، والادخار هو الامتناع عن الإنفاق في الوقت الحاضر للإنفاق في المستقبل. جاء في كتاب ( هوس الثراء وأمراض الثروة ) قول أستاذ علم النفس الدكتور أكرم زيدان: الادخار من الموضوعات التي لم يتطرق إليها البحث السيكولوجي إلا فيما ندر، فعلى قدر علمي المتواضع، أعتقد أنه لا توجد دراسة نفسية عربية واحدة عن الادخار، وأن الدراسات القليلة في هذا المجال هي دراسات غربية بدأت على يد كينز في العام 1936 في كتابه: ( النظرية العامة في التوظيف )، وفي هذا الكتاب وضع كينز بعض هذه التصورات النظرية لتحديد أسباب الادخار وتفسيره تفسيراً سيكولوجياً. ثم انقطعت الدراسات النفسية بعد هذا الكتاب فترة طويلة، وعادت من جديد على يد دوزنبري في العام 1949، ثم كاتونا في العام 1975، حتى جاءت فترة التسعينات، حيث ظهرت بعض الدراسات النفسية على يد كل من ويبلي، وسونغ، وليفنغستون، ولنت ودولباك. وعلى الرغم من أن هذه الدراسات قد أماطت اللثام عن كثير من أسباب الادخار ووضعت عدداً من الأطر النظرية السيكولوجية التي فسرت كثيرا من دوافعه، فإننا ما زلنا في حاجة إلى نظرية شاملة تجيب عن عدد من الأسئلة الخاصة بشخصية المدخرين وسماتهم. وفي أي الظروف يتحولون من الادخار إلى البخل والاكتناز؟ وما هي الأنماط السلوكية للادخار ومحدداته النفسية والاجتماعية؟ ومتى يدخر الفرد؟ وما العمر الذي يدرك فيه الفرد معنى الادخار؟ وهل هناك فروق بين ادخار الكبار وادخار الأطفال؟ ففي محاولة للإجابة عن السؤال التقليدي: لماذا يدخر الأفراد أموالهم؟ يقدم لنا كينز ثمانية أسباب رئيسة لسلوك الادخار تتمثل فيما يلي: 1- الحذر. 2- الحكمة. 3- الرؤية والتفكير المحسوب. 4- التقدم إلى الأحسن. 5- الاستقلالية. 6- حب المغامرة. 7- الافتخار والتباهي. 8- حب المال واكتنازه. ثم تناول دوزنبري السلوك الادخاري بشكل أكثر موضوعية وعلمية من كينز. وذلك في كتابه المعنون (الدخل والادخار وسلوك المستهلك) في العام 1949. وقد أكد أهمية دور العوامل الاجتماعية في تحديد أسباب السلوك الادخاري. فيذكر دوزنبري أن سلوك الادخار يرتبط بالوضع المادي للفرد والمجتمع. باختصار تتحدد أسباب الادخار وفقا للزيادة المالية. وفي العام 1975 أصدر كاتونا كتابا بعنوان: (الاقتصاديات النفسية) حدد فيه أسباب الادخار فيما يلي: 1- الخوف من التعرض لأحداث ومواقف طارئة في المستقبل. 2- التقاعد عن العمل. 3- الرغبة في تلبية احتياجات الأطفال. 4- الرغبة في تحسين أحوال المعيشة. 5- السعي وراء الربح والفائدة المالية. 6- الخوف من الموت قبل تأمين حياة الأسرة. 7- الادخار من أجل الادخار باعتباره قيمة خلقية مرغوبا فيها. وقيمة اقتصادية تزيد من ثروة الفرد. 8- سلوك الادخار يزداد بتحسن الأحوال المالية للفرد والمجتمع وزيادة الفائض المالي. كما يرى دولباك في دراسته المسماة: (الادخار وسلوك المخاطرة) أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين سلوك الادخار وسلوك المخاطرة، بحيث يدخر الفرد المال لحماية ذاته من الأخطار الاقتصادية، وأن سلوك الادخار قد يصبح سمة أساسية في الشخصية في حال ما إذا كان سلوك المخاطرة نمطا ثابتا في الشخصية. ويرى سونغا وويبلي أن سلوك الادخار له أسبابه الاقتصادية والنفسية معا، لكن الأسباب الاقتصادية لا تتعدى مجرد الحصول على الفائدة من الأموال المدخرة ورغبة الفرد في الإنفاق في المستقبل. أما الأسباب النفسية فقد ترجع إلى الطفولة المبكرة وعمليات التطبيع الاجتماعي وطرق المعاملة الوالدية التي تدفع الفرد منذ صغره إلى سلوك الادخار على اعتباره سلوكاً مرغوباً فيه اجتماعياً، ويلقى القبول والاستحسان من الآخرين. وأخيراً ففي دراسة بعنوان: (المدخرون والمدينون: فنيات الإدارة المالية الشخصية) أشار ليفنغستون ولنت إلى أن هناك علاقة بين سلوك الادخار وسلوك الاستدانة. فالذين يدخرون أموالهم بصورة منتظمة ودائمة، عادة ما يكون مستوى الدافعية لديهم أكبر من أولئك الذين اعتادوا الاستدانة والاقتراض.
نبذة عن كتاب: مقاربات لسانية في مسائل من التصريف
أ. د. عبدالحميد النوري عبدالواحد
04-11-2018
6,812
https://www.alukah.net//culture/0/130419/%d9%86%d8%a8%d8%b0%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d9%81/
نبذة عن كتاب مقاربات لسانية في مسائل من التصريف هذا الكتاب صادرٌ عن دار عالم الكتب الحديث للنشر والتوزيع إربد - الأردن، ولقد جاء في 188 صفحة من القطع المتوسط . ويتناول الكتاب مسائلَ متفرقة من التصريف، قيلت أو كُتبت في مناسبات مختلفة، إلا أن محورها واحد، وذلك على امتداد عقدين من الزمان أو أكثر، وما المسائل المطروحة في الكتاب إلا نماذجُ من عموم التصريف، مسائل كنا نحس أنها بحاجة إلى قراءة وإعادة نظر، ولنا فيها رأيٌ أو قول، وهي تمثل التصريف بنوعيه: الاشتقاقي والصوتي، ( أو الإعرابي ). والغرض من دراسة هذه المسائل هو الكشف عن غوامض التصريف ولُطفه، وتبيان مدى التداخل الحاصل بين مسائله وتشابُكها، وتداخل الحقول المعرفية التي ينتمي إليها، ومحاولة وضع حواجز بيِّنة تفصل بين هذه المجالات، أو الحقول المعرفية المنضوية إلى علم التصريف، وهذه المسائل مثلما يتَّضح من خلال فصول الكتاب ومباحثه، تتصل في جوهرها بتصريف الأفعال؛ وذلك تبعًا للصِّيغ والضمائر، وبناء الفعل وإعرابه، مثلما تتعلق بالتغيرات الصوتية الطارئة على الكلمات، وتتعلق بالتمييز الدقيق بين الجوانب الصوتية والصوتية الوظيفية، ونقد بعض المفاهيم والمصطلحات. ولقد اقتضت هذه المادة المقدمة في الكتاب أن تقسَّم إلى أربعة فصول: • يتعلق الفصل الأول منها بالتصريف في حد ذاته، موضوعًا ومجالاتٍ معرفيةً، واصطلاحًا. • في حين يتعلق الفصل الثاني بمسائل من التصريف الاشتقاقي. • في الوقت الذي يتعلق فيه الفصل الثالث بنماذجَ من التغيرات الطارئة على الكلمات، وقد حصرناها أساسًا في ظاهرتي القلب والبدل. • ويتعلق الفصل الرابع والأخير بمسائل صوتية أو مسائل يتداخل فيها الصوتي بالتصريفي. والمباحث المدرَجة في كلِّ فصلٍ من هذه الفصول، يُعد كل مبحث منها عنوانًا قائمًا بذاته، وكل عنوان يَطرح قضية محددة، حاولنا أن نقترحَ من خلالها وجهة نظرٍ لعلها تدَّعي الجدة فيما تُقدِّم، وعساها أن تكون مثار جدلٍ ونقاشٍ لمزيدِ تعميقها. ومن باب المنهج المتوخَّى في طرح هذه المسائل، توسَّلنا في تحليلها أو مقاربتها بأدوات لسانية حديثة، تتكون من مجموعة من المبادئ العامة في الدرس اللساني عمومًا، وذلك بالنظر إلى ما ترسَّخ لدينا من معارفَ في هذا المجال، وإن آثَرنا البقاء في إطار النظرية التصريفية القديمة، ونحن أبعدُ من أن نقوِّض دعائم هذه النظرية، وذلك لما تتمتَّع به من انسجامٍ في التحليل، ومن دقة في الوصف والتعليل، وقدرة على استنباط الأحكام أو القواعد. وليس خافيًا أن المبادئ اللسانية المعتمدة في هذه المقاربة، دعَتنا إلى عدم التقيد بتبعات نظرية لسانية بعينها والتقيُّد الصارم بمبادئها، وذاك لِما قد يترتب عن هذا التطبيق من إسقاطات أو انزلاقات منهجية، وعليه فقد عمَدنا إلى أن نستفيد من المبادئ العامة للسانيات الحديثة بمختلف توجُّهاتها، سواء منها البنيوية الوصفية أو الوظيفية، أو التوليدية التحويلية. ولقد اقتضَت هذه المقاربات - وفي الجانب الإجرائي - أن نلتجئ إلى استعمال جملة من الرموز؛ لكي نتمكَّن من حُسن تحليل بنية الأفعال، والتمييز بين الكلمة ووَحداتها التصريفية المكونة لها، والتمييز بين الجذع والجذر، واللواصق التابعة للكلمة. مثلما التجأنا إلى صياغة بعض القواعد التصريفية صياغةً صورية، تأخُذ أشكالَ معادلات رياضية، تقضي بإعادة كتابة عنصر أو مجموعة من العناصر بعنصرٍ أو عناصر أخرى، وذلك في سياقات محددة، وبشروط معينة، ولا يخفى أن من شأن هذه القواعد أن تساعدنا على وضع أنساقٍ تصريفية (أو نحوية) تُبرز أبعاد حدود النظرية التصريفية القديمة وأهميتها. ولعل من المفيد أن نُشير في هذا المضمار إلى أننا قد التجأنا في الكثير من الحالات إلى التزام الخط العربي في كتابة الكثير من الأمثلة كتابةً صوتية، بُغية تحليلها انطلاقًا من الصِّيغ المجردة المفترضة للوصول إلى الصيغ السليمة المتحققة. ولقد اقتَضَت هذه الكتابة أن نلتزَم بوضع كلِّ الحركات، فضلًا عن السكون، وفك الإدغام، وإبراز التنوين في آخر الكلمة المنونة. وليس مِن غاية هذه المقاربات في حدود ما طبَّقناه، هدمُ مقومات النظرية التصريفية القديمة ومبادئها، أو التشكيك فيها، ولا إيجاد قطيعة معرفية بين القديم والحديث، وإنما الهدف منها إعادة بناء أو حُسن تمثُّل ما بدا لنا ناقصًا، أو بحاجة إلى إعادة صياغة؛ لتكون النظرية التصريفية أكثر تماسكًا وانسجامًا، وحتى لا تظلَّ هذه النظرية في حدود المعارف القديمة، بل تسعى إلى أن تنفتح على علوم العصر، ولا سيما اللسانيات. إن هذه الآراء التي توصَّلنا إليها في بعض المسائل المطروحة، والحق يُقال، ما هي إلا آراء أو وجهات نظرٍ، لا يغيظنا مَن مالتْ حَمِيَّتُه إلى صرف النظر عنها، ولا مَن أقبَل عليها وأحبَّ النظر فيها، ويُهمنا أمرُ مَن سَمَت به نفسُه إلى مناقشتها ومزيد تعميقها وبَلْوَرَتِها، للوصول إلى نتائج أفضل، سواء فيما يخص الجوانب النظرية، أو الإجرائية.
واجب المسلمين نحو الحضارة الإسلامية
أ. د. عبدالحليم عويس
31-10-2018
15,713
https://www.alukah.net//culture/0/130356/%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/
واجب المسلمين نحو الحضارة الإسلامية بين هذا الركام والتِّيه من التصورات التي تزخر بها حضارة العصر، وتجلب معها القلق والاضطراب الفكري والضياع، وتفقد الإنسانية معها طعم الحياة، وتجعلها تعيش في شبه غابة، يدور فيها الصراع بين القطعان، وتدفعها رغائب مادية بحتة، ولا بقاء فيها إلا للأقوى والأكثر مكرًا ودهاءً وفسادًا أخلاقيًّا، بين زحام هذه التصورات التي توشك أن تفقد الإنسان المسلم ذاته وهُوِيته فكرًا وسلوكًا - تبدو أهمية، بل وضرورة ومشروعية، بروز الحضارة الإسلامية. إننا أمَّة لنا خصائصنا المميزة، ولنا كِياننا الحضاري، ولنا تاريخنا العريق الذي يحمل أروع صفحات المجد والعزة، وإن لنا من الأيادي على البشرية ما لا ينكره إلا جاحد، وما زالت المبادئ والأصول التي صنعت لنا هذا التاريخ موجودة بيننا، وقادرة - بإذن الله - على أن تضعنا في نفس المكان الذي كنا فيه؛ إذا غيَّرنا عقولنا ونفوسنا وقرَّرنا الحفاظ على ديننا وحضارتنا. إننا حين نقف في عالم اليوم مدثرين بكِياننا الحضاري الإسلامي متفاعلين به؛ فإننا سنحظى باحترام العالم، إنه عالم مفكر يحترم أصحاب الفكر الأصيل، وليس المستورد الدخيل، إنه يحترم مَن ينافسونه ويتفاعلون إيجابيًّا معه، لا مَن يُقلِّدونه تقليد القرود. إن الحضارة الإسلامية هي الدرع الواقي والحصن المنيع الذي يمنع عنَّا أخطار المجابَهة الفكرية والتحدِّي الحضاري الذي يُهدِّد كِيان أمَّتنا وشخصيتها، ومِن واجب كل فرد منا أن يتحسَّس مخاطر هذه الظاهرة، فيحمي نفسه وأسرته ومجتمعه من ذلك الخطر الذي تحرِص الحضارة المعاصرة على ترسيخه في أذهاننا؛ متمثلًا في توهين القِيَم الرُّوحية والفكرية التي تقوم عليها ثقافتنا، مستخدمة في ذلك جيشًا كثيفًا من المستشرقين، الذين يلبسون مُسُوح الرهبان والقدِّيسين، فيطوفون الأقطار الإسلامية، ويحملون مشاعل المحبة والسلام والوئام، في الوقت الذي ينخرون كالسوس في عظام هذه الأمة؛ ليتساقط هيكلها العظمي بعد حين، وليكون عاجزًا عن مقاومة غزوهم الفكري المدمِّر [1] ، ذلك الغزو الذي يسعى إلى الاستيلاء على عقولنا وقلوبنا ومسخ حضارتنا وتاريخنا، وتحويلنا إلى أشباه مثقَّفين أو أرباع متحضرين؛ نَلُوكُ ثقافة تختلف في روحها وبنائها الفكري ومُثُلها وقِيَمها وأهدافها عن ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية. إنَّ مسؤوليتنا تُجاه هذه الحضارة الإسلامية (الربانية الإنسانية) التي هي حضارتنا - نحن المسلمين - تُوجِب علينا أن نتعرف على خصائصها وقسماتها التي تتميز بها عن غيرها من الحضارات، كما توجب علينا أن نجاهد بكل الوسائل في سبيل بعثها وتقديمها للإنسانية. وإذا كانت هذه الحضارة تُوجِب على المسلم أن يتعرَّف على ذاته المسلمة، ومسؤوليته الإنسانية والكونية، وطبيعة الاستخلاف العمراني الذي كلَّفه الله به وسيحاسبه عليه - فإننا في المقابل مطالَبون بأن نتعرف أيضًا على خصائص هذه الحضارة التي جعَلَت منَّا ذات يوم خيرَ أمة أخرجت للناس، وهي ما زالت مؤهَّلة تمامًا، لبعثنا من جديد (خير أمة) في عصرٍ عجَزت فيه كلُّ الحضارات المعاصرة عن أن تكون إنسانية عادلة، أو أن تكون دينية دنيوية معًا، أو أن تتَّسع في تعاملها الودود لكلِّ العقائد والمنظومات الحضارية. [1] د/ محمد فاروق النبهان: مبادئ الثقافة الإسلامية (77)، نشر دار البحوث العلمية بالكويت.
العبث بالتراث (2)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
31-10-2018
6,547
https://www.alukah.net//culture/0/130352/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-2/
العَبَث بالتراث (2) بدأ الحديث عن كتاب المؤلِّفة مي بنت محمَّد الخليفة: من سواد الكوفة إلى البحرين من منطلق فكري [1] - لا من منطلق علمي تخصُّصي - أُخذَ فيه على الكاتبة اتِّكاؤها على المستشرقين عمومًا، وعلى كل من برنارد لويس ودي خويه بخاصَّة؛ حيث كتبا عن الموضوع الذي ركَّزَت عليه المؤلِّفة، بالإضافة إلى اتِّكائها على محمَّد أركون ومحيي الدين اللاذقاني، وسمَّته في الحواشي محيي الدين اللاذقي، وردَّته إلى اسمه الأصلي في قائمة المراجع، ثم رجعَتْ إلى أمَّهات الكتب الأخرى، وهؤلاء سبقوها في الكتابة عن الموضوع نفسه، والحقُّ أنها - علميًّا ومنهجيًّا - قد توسَّعَت في الرجوع إلى المصادر ثم المراجع. أُركِّز على الناحية الفكرية في اتِّكائها على المستشرقين، لا سيَّما عند حديثهم عن الفِرق، والقرامطة على وجه الخصوص، وجاء في سردها للأحداث تسويغٌ لما قام به القرامطة، حتى احتجازهم للحجر الأسود في هَجَر لمدة اثنتين وعشرين سنة، مرَّ عليها، أو مرَّت عليه، مرور المسوِّغين لأعمال غير قابلة للتسويغ. الاتِّكاء على المستشرقين وعلى المحسوبين عليهم، يوقِع الباحث في مزلق البعد عن الانتماء للتاريخ، أو البيئة التي يكتب عنها، ومهما حاولنا رصدَ الحسنات التي جاء بها المستشرقون إلا أنَّنا لا نملِك الخروج عن الانطباعة التي تؤيِّدها إسهامات موجودة أنَّ المستشرقين لم يكونوا جميعًا - طوال إسهاماتهم هذه - إيجابيين مع التاريخ الإسلامي، وغالبهم كان كذلك، وليس كلهم. الزعم بأنَّهم فهموا تاريخَنا أفضل من فهمنا له زعمٌ له أسبابه الذهنية في عقول المتأخِّرين من علماء التاريخ والحضارة والكاتبين حولها، جلهم، وليس كلَّهم، حتى أصبح من متطلَّبات الكتابة العلمية عن التاريخ الإسلامي رَصدُ مراجع باللغات الأخرى، في نهاية العمل العلمي، وإنْ يكن صاحبه لا يجيد أيًّا من هذه اللغات، ولكن الأمين من هؤلاء هو الذي يلجأ إلى المترجمين. لست خائضًا - مرَّة أخرى - في عمق التاريخ، والنظرة إلى الموضوع الذي طرقَتْه الكاتبة المؤلِّفة، ولكني أنتقدها في منهجيتها التي سارت عليها، واستعملت أسلوب التسويغ لما حلَّ بالتاريخ الإسلامي؛ من الخروج على الخلافة - في مركزها الرئيس، في دمشق ثم في بغداد - وشقِّ عصا الطاعة، ممَّا له حكم في الشرع الإسلامي، لا يحسُن الخوض فيه كذلك، وإنْ كثُر اليوم الخائضون في أحكام الشرع، دون بضاعة تذكر. على أيِّ حال، وللاحتراز مرَّة أخرى؛ فإن هذه الوقفة وسابقتها لا تحجر ولا تملك الحجر على الفِكر والأفكار، والرغبة في إعادة قراءة التاريخ بعامَّة، والتاريخ الإسلامي بخاصَّة ما دام أنَّ عامل الانتماء موجود، وما دامت معايير هذا الانتماء مطبَّقةً على إعادة قراءة التاريخ. إنَّ الانبهار بالآخر سِمة غلبَت على عدد من أنماط حياتنا، حتى الحياة الفكريَّة والثقافية والعلمية لم تسلَم منه، ومردُّ هذا عوامل عدَّة، لا أظن أنَّها تغيب عن فطنة القارئ، إنَّنا نحتاج إلى مزيد من الوقت لتخطِّي مرحلة الانبهار هذه. [1] مي محمَّد الخليفة: من سواد الكوفة دل إيرانشهر إلى البحرين ، القرامطة من فكرة إلى دولة؛ مرجع سابق - 378 ص.
ضعف مواجهة الظواهر والعادات الدخيلة
د. محمد ويلالي
30-10-2018
16,667
https://www.alukah.net//culture/0/130332/%d8%b6%d8%b9%d9%81-%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%88%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%ae%d9%8a%d9%84%d8%a9/
ضعف مواجهة الظواهر والعادات الدخيلة مضى معنا - في مناسبات سابقة - حديثٌ مُفصَّلٌ عن مجموعة من الظواهر والعادات الغريبة التي تسرَّبَتْ إلى بلاد المسلمين، فتأثَّر بها بعضُ شبابنا أيما تأثُّر، وتفاعلوا معها بكثير من الاهتمام والحرص حتى صارت عندهم نمَطَ حياةٍ، وطريقةَ تفكيرٍ، وأجملْنا هذه العادات الدخيلة في ست عادات: ظاهرة الوشم، وظاهرة قصَّات الشعر المعاصرة، وظاهرة ثقب الجسد بالأقراط، وظاهرة لُبْس الثياب الممزَّقة، وظاهرة تشبُّه الرجال بالنساء، وتشبُّه النساء بالرجال، ثم ظاهرة لُبْس ما عليه علامات أو رموز أو عبارات غير شرعية، ثم ذكرنا أن لهذه المظاهر دوافعَ موضوعيةً عديدةً، ذكرنا منها تقصير بعض الأُسَر في تنشئة الأبناء على مواجهة هذه العادات، والاستعمال السيئ للأجهزة الإلكترونية، وبخاصة الهاتف المحمول. ونودُّ اليوم - إن شاء الله تعالى - أن نطرق الدافع الثالث الذي يتجلَّى في ضعف مواجهة هذه العادات، مركزين على جهتين اثنتين: • مؤسسات التعليم والتربية التي يُنتظر منها أن تستنفر جميع المؤهلات الإدارية والتربوية، في منهج تكامُلي يشمل جميع الموادِّ والعلوم - المحضة منها والإنسانية - لتخريج الطلاب الأَكْفَاء، والعلماء الصالحين الذين تنتظرُهم الأُمَّة، مع توسيع الوعاء الزمني لما يُسمَّى بالتربية الدينية المركزة على تعليم أبنائنا أمور عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وسلوكهم، وحدود تقليد غيرهم. يقول الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في وصيَّته لجميع المدرسين: "إنَّكم تجلسون من كراسي التعليم على عروش ممالِك، رعاياها أطفال الأُمَّة، فسُوسُوهم بالرِّفْق والإحسان... إنهم أمانة الله عندكم، وودائع الأُمَّة بين أيديكم، سَلَّمَتْهم إليكم أطفالًا، لتردُّوها إليها رجالًا، وقدَّمَتْهم إليكم هياكلَ، لتنفخوا فيها الرُّوح، وألفاظًا لتعمروها بالمعاني، وأوْعِية لتملؤوها بالفضيلة والمعرفة"، وفي الحديث: ((وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ))؛ مسلم. ومن الإجراءات الإدارية الوجيهة ضرورة تفعيل القانون الداخلي للمؤسسات التعليمية الذي برع بعض المديرين ومساعديهم - جزاهم الله خيرًا - في التنصيص فيه - وبعبارات واضحة - على ضرورة ارتداء اللباس الذي يتماشى مع مقتضيات الوقار والحشمة، مع لُبْس الوزرة للذكور والإناث منسدلةً إلى الركبتين، وذاتَ كُمَّين طويلين، وخاليةً من الكتابات والرسومات، مع التشديد على منع ارتداء السراويل الممزَّقة، والمشقوقة، والمترهِّلة، والتنبيه على المخاطر الاجتماعية والتربوية والصحية للوشوم التي بدأت تغزو بعض شبابنا، والمنع من قصَّات الشعر الغريبة المنافية لعاداتنا وثقافتنا، وبخاصة حلاقة القزع، ومنع استعمال بعض الفتيات لمظاهر الزينة المثيرة، مع الأمر المتكرِّر بحُسْن السلوك والانضباط اللذين يجب أن يحكما علاقة المتعلِّم بغيره داخل المؤسسة التعليمية وفي محيطها، في أفق سَرَيانِهما في علاقاته العامة، وهو عمل يستحقُّ أهلُه كل التقدير والاحترام، فَسقيًا لهم وَرَعْيًا، ﴿ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران: 136]. لقد فطنت بعض المؤسسات الغربية والشرقية إلى خطورة تفشِّي هذه العادات، فبادرت إلى إصدار قوانين زاجرة، ومبادرات رادعة: • ففي بلجيكا، صدر بيانٌ يمنع السراويل الممزَّقة والضيِّقة جدًّا في الثانويات، وينصُّ على طرد أصحابها، وأعلنت بعض المدارس والثانويات هناك عن تغيير قوانينها في بداية الموسم الدراسي الجديد لسنة: 2018 -2019، وتمَّ إشعار أولياء أمور التلاميذ أن الثانويات لا تسمح بارتداء السراويل الممزَّقة والضيقة، وبعض أنواع الأحذية غير العادية، وكلُّ مَنْ يُخالف قوانين الثانويات والمدارس الجديدة المكتوبة في البيان، سيتمُّ طردُه حتى يلتزم بالقانون. • وفي فرنسا منعت إدارة أحدِ المعاهد المعروفةِ المتعلمين من دخول الأقسام بالسراويل الممزَّقة، وأجبرتهم على العودة إلى منازلهم لتغييرها بملابس تليق بالمؤسسة التربوية؛ بل إن بعض المتعلمين أُجبِروا على الانتظار أمام المعهد إلى حين وصول أوليائهم الذين جلبوا لهم ملابس أخرى. • وأُثيرت في إحدى الدول قضية الملابس المشوَّهة التي لا تنسجم مع الفضاء الجامعي، وانضمَّ إليها إطلاق حملة مجتمعية لحظر ارتداء تلك الألبسة التي تخدش الحياء، ولا تتوافق مع تقاليد البلد، مع التنبيه إلى أن الحفاظ على تعاليم الإسلام والأخلاق العامة وتقاليد المجتمع، مطلبٌ مُهِمٌّ يحمي الأسرة والمجتمع جميعًا. وهذا التعاون بين المؤسسة التعليمية والمجتمع، أمرٌ وَجَد له مساغًا في بعض الدول الغربية أيضًا: • ففي ولاية " لويزيانا " يتمُّ تغريم الشخص الذي يرتدي السروال المتدلي 500 دولار أمريكي وَفْقًا لقانون تم إقرارُه عام 2004 م، يمنع الفرد من إظهار ملابسه الداخلية. • وقررت إدارة النقل بمدينة " فورت وورث "، إحدى مدن ولاية "تكساس"، منع مرتدي هذا النوع من السراويل من ركوب حافلاتها؛ استجابةً لشكاوى الركاب، وذلك بعد أن وضعت على الحافلات شعارات توجيهية. • وصوَّت مجلس مدينة " أوكالا " بولاية " فلوريدا " الأمريكية على قانون يمنع هذه السراويل في الأماكن العامة، مع فرض غرامات مالية. الإعلام: لقد أصبح للإعلام تأثيرٌ قويٌّ في تشكيل نمط حياة كثير من الشباب، تأثيرٌ في المظهر الخارجي، وتأثيرٌ في السلوك الاجتماعي، وتأثيرٌ في العلاقات التواصلية بين الأفراد، وبخاصة أفراد الأسرة الواحدة، حين صار لكل فرد جهازه الإعلامي، يُقلِّب فيه ما يراه مناسبًا له من أخبار، أو دعايات، أو إشهارات، أو أفلام ومسلسلات، أو نقاشات لموضوعات معينة غالبًا ما تُحدِث الشقاق والخلاف بين الآباء والأبناء. وبما أن الغرب له السبق في العولمة الإعلامية، حتى إن دولة تجتهد ليلَ نهارَ في إعادة تشكيل أخلاق المسلمين بإنتاج شريط فيديو إباحي جديد كل 39 دقيقة، فإن ثقافة الأجانب صارت حاضرةً في كثيرٍ من البرامج الثقافية والاجتماعية والتحليلية، مما ينعكس على شبابنا بألوان من الظواهر السلبية؛ مثل: الاغتراب، والعزلة، والقلق الذي قد يفضي أحيانًا إلى الاكتئاب، والعدوانية، والميل إلى الانحراف، وسلطة المال والنساء، وحب الاستهلاك، وحب الظهور بمظهر الإنسان المعاصر، المهتم بقضايا الأناقة والجمال. أما البرامج التليفزيونية، فتعرض أفلامًا ومسلسلات وحتى إشهارات غالبًا ما تُظهِر الفتيات ذوات المستوى الاجتماعي الراقي بملابس غير محتشمة، ومع تكرُّر المشهد، يترسَّخ في نفوس كثير من الفتيات أن الاتِّصاف بالرُّقي الاجتماعي، وتحقيق إعجاب الناس، والنعت بالتحضُّر والحداثة؛ إنما هو بالخروج عن هذا اللباس الساتر، والظهور بمظهر المتحرِّرة من القيود، الثائرة على الأعراف. ومن أخطر البرامج، تلك المصورة تصويرًا موسيقيًّا، بحيث تُركِّز على لقطات إيحائية معينة، تُحدِث مفعولًا تأثيريًّا سريعًا في نفوس المهووسين بهذا النمط من اللهو والعبث الذي يُروِّج غالبًا لنمط الحياة الغربية. ففي دراسة ميدانية أُجريت على نحو مائة أغنية من أغاني الشباب المصوَّرة التي جمعت بين حبكة الصورة المروِّجة للأخلاق الهابطة، ولون الموسيقى الذي ابتُلي به هؤلاء الشباب، فتبيَّن أن هذه الأغاني اشتملت على 7353 لقطة، منها 2056 مشهدًا راقِصًا، و1409 لقطات مثيرة، و2400 لقطة قريبة، و146 لقطة يلامس فيها الرجالُ النساءَ. وأثبتت دراسة أخرى على مجموعة من الفضائيات العربية المشهورة، أن نسبة اللقطات المثيرة بلغت 77 % ، أما اللقطات الراقصة والحركية فبلغت 51 % ، وإيماءات الوجه الموحية بلغت 10 % ، وبلغت الألفاظ الهابطة 10 % . فكيف إذا أضفنا إلى كل هذه الدراسات، إغراق العالم بالقنوات الفضائية التي تجاوزت 5000 فضائية، من بينها 520 فضائية تبثُّ باللغة العربية، ووجود أكثر من 20 مليون موقع إباحي مفتوح على الإنترنت، وأكثر من 372 مليون صفحة، تُروِّج موادَّ جنسيةً مختلفةً. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124]. وَغُضَّ عن المحارمِ منكَ طَرْفًا طَمُوحًا يفتِنُ الرجُلَ اللَّبِيبا ‏ فخائنةُ العيونِ كَأُسْدِ غابٍ إذا ما أُهمِلَتْ وَثَبَتْ وُثُوبا ‏ ومَنْ يَغضُضْ فُضولَ الطَّرْفِ عنها يَجدْ في قلبه روحًا وطِيبا
نبذة عن الإمام النووي رحمه الله
حسين لون بللو
30-10-2018
49,541
https://www.alukah.net//culture/0/130323/%d9%86%d8%a8%d8%b0%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d9%88%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
نبذة عن الإمام النووي رحمه الله حظِيت ترجمةُ هذه الشخصية البارزة بعناية واهتمام فعَّال من قِبَل الباحثين والمبدعين، قديما وحديثًا في مشارق الأرض ومغاربها، لِما غَرَس لنفسه من سُمعة طيبة، وذكر رفيع، وعمل مشكور، يفتقر إليه العالم قديمًا وحديثًا، لذلك لم يزل العلماء يرددون اسمه في إبداعاتهم الفنية، وإنتاجاتهم العلمية، فقد استفاد منه معاصروه، وأخذوا منه علومًا كثيرة، ونقل منه اللاحقون وألَّفوا كتبًا قيِّمة. نسبه ومولده: هو محيي الدين أبو زكريا بن شرف بن مري الخزامي الحوراني الشافعي [1] ، شيخ الإسلام، أستاذ المتأخرين، وحُجة الله على اللاحقين، والداعي إلى سبيل السالفين، محرِّر المذهب، ومهذِّبه ومنقِّحه ومرتِّبه [2] . فأما كُنيته بأبي زكريا، فليست على قياس أن له ولدًا يسمى ( زكريا )؛ لأنه لم يتزوَّج في حياته قط، وإنما ذلك من باب الكنية على طبيعة العرب المعروفة أنهم يُكنون كل من كان اسمه يحيى بأبي زكريا، نظرًا إلى نبي الله يحيى وأبيه زكريا عليهما أفضل الصلاة والسلام، كما تُكني العرب من كان اسمه يوسف بأبي يعقوب، هكذا وجد العرب يُكنون، وليس أمرًا قياسيًّا. ولم يختلف المؤرخون في سنة ولادته ومولده، فقد ولِد في المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة [3] في نوا - ( من قرى حوران، بسوريا ) - إليها نسبته بالنووي.... ويجوز كتابتها بالألف " نواوي "... كان يكتبها هو بغير الألف [4] . نشأ ببلده، وكان أبوه من أهلها المستوطنين بها، وكان يلبس ثوبًا قطنًا، وعمامة سنجابية، وكان في لِحيته شعرات بيض [5] . مناقب النووي وحياته العلمية وكان الشيخ محبًّا للعلم وأهله، راغبًا في طلبه، فقدم إلى دمشق..... وسكن الروحية يتناول خبز المدرسة، فحفِظ التنبيه في أربعة أشهر ونصف، وقرأ ربع المهذب حفظًا في باقي السنة على شيخه الكمال، ثم حج مع أبيه وأقام بالمدينة النبوية شهرًا ونصفـًا، فذكر الشيخ أبو الحسن بن العطار أن الشيخ محيي الدين ذكر له أنه كان يقرأ عند شيخه في نوى كل يوم اثنى عشر درسًا على مشايخه شرحًا وتصحيحًا، درسين في الوسيط، ودرسًا في المهذب، ودرسًا في جمع بين الصحيحين، ودرساً في صحيح مسلم، ودرسًا في اللامع لابن جني، ودرسًا في أصول الفقه، ودرسًا في إصلاح المنطق، ودرسًا في التصريف، ودرسًا في أسماء الرجال، ودرسًا في أصول الدين؛ قال: وكنت أعلِّق لجميع ما يتعلق بها من شرح مشكل، ووضوح عبارة، وضبط لغة، وبارك الله في وقتي، وخطر لي أن أشتغل في الطب، واشتريتُ كتاب "القانون"، فأظلم قلبي، وبقيت أيامًا لا أقدر على اشتغالٍ، فأقمتُ على نفسي وبعت "القانون"، فأنار قلبي [6] ... فشرع في طلب علوم الدين والشريعة عند شيخه في نوى. وقد تخرَّج في حلقة النووي العلمية المعروفة بدار الحديث الأشرفية بدمشق مجموعة من العلماء شاع ذكرهم في الكتب، منهم ما يأتي: 1- سليمان الجعفري. 2- شهاب الدين أحمد بن جعوان. 3- شهاب الدين الأربدي. 4- علاء الدين بن العطار. وحدَّث عنه ابن أبي الفتح، والمزي، وابن العطار، عن اجتهاده وحفظه، زهده؛ قال ابن العطار: ذكر لي شيخنا رحمه الله تعالى أنه كان لا يَضيع له وقتٌ لا في ليل ولا في نهار حتى في الطريق، وأنه دام ست سنين في التصنيف والإفادة، والنصيحة، وقول الحق"، مع ما هو عليه من المجاهدة لنفسه، والعمل بدقائق الورع والمراقبة، وتصفية النفس من الشوائب، ومَحقها من أغراضها، كان حافظًا للحديث وفنونه ورجاله وصحيحه، وكان رأسًا في معرفة المهذب [7] ، ولم يقتصر عمله في الحديث فقط، بل كان له حظ وافر في الفقه، وخاصة فقـه الشافعية، ومما يدل على ذلك أن الشيخ حسن القِنَّوْجي ذكره على رأس الفقهاء؛ حيث قال: "واشتَهر منهم محيي الدين النووي من الحلبة " [8] ، وقد قال ذلك في كلامه عن المشاهير الفقهاء الذين بذلوا جهدًا فعالًا في مناقشة القضايا الفقهية المهمة في تكوين إنسانية الإنسان والترقي به نحو مستقبل جيد، وتمكنه من وجود سعادة الدارين، وقال الشيخ قطب الدين اليونيني: "وكان أوحد زمانه في العلم والورع والعبادة، والتقلل وخشونة العيش، وافَق الملك الظاهر بدار العدل" [9] . وقد قال شيخنا الرشيد بن المعلم: "عذلت الشيخ محيي الدين في عدم دخوله الحمام، وتضييق العيش في مأكله وملبسه وأحواله ... من مرضٍ يُعطله عن اشتغال، فقال: إن فلانًا صام وعبَد الله حتى اخضرَّ جلده، وكان يمتنع من أكل الفواكه والخيار، ويـقول: أخـاف أن يرطب جسمي ويجلب النوم، وكان يأكل في اليوم والليلة أكلة واحدة، ويشرب شربة واحدة عند السحر [10] . فإخلاصه هو سبب لاشتياق الناس إليه، وتعلُّق قلوبهم به، ويظهر ذلك فيما قاله ابن العطار، قال: "لَما ودعت الشيخ محيي الدين النووي بنوى - حين أردتُ السفر إلى الحجاز - حمَّلني رسالة في السلام عنه للإمام ابن عساكر... فلما بلَّغتُه سلامَه عليه، ورد عليه السلام، وسألني عنه، وقال: أين تركته؟ فقلت: ببلدة نوى، فأنشدني بديهًا: أمخيمين على نوى أشتاقكم شوقًا يجدِّد لي الصبابة والجوى وأريد قُربكم لأني مرتجى يا سادتي قربَ المقيم على نوى [11] هذان البيتان دليل على ولع ابن العساكر بحبِّ النووي وغموسه في بحر مودته، لما يحمل صدره من علم وفهمٍ، وهذا هو الحب الخالص الحقيقي. وفاة النووي وموقعه في الأمر بالمعروف موقعه في الأمر بالمعروف : كتب مرة: من يحيى النووي، سلام الله ورحمته وبركاته على المـولى المحسن، ملك الأمراء، بدر الدين، أدام الله به الخيرات، وتولَّاه بالحسنات، وبلغه من خيرات الدنيا والآخرة كلَّ آماله، وبارك له في جميع أحواله آمين، وينهى إلى العلوم الشريفة، من أهل الشام في ضيق وضَعف حال بسبب قلة الأمطار، وذكر فصلًا طويلًا وفي طي ذلك ورقة إلى الملك الظاهر، فردَّ جوابها ردًّا عنيفًا مؤلِمًا، فتكدَّرت خواطر الجماعة، وله غير رسالة في الأمر بالمعروف [12] ، وكان شيخنا ابن فرح يشرح الحديث، فقال نوبة: إن الشيخ محيي الدين قد صار إلى ثلاث مراتب، كل مرتبة لو كانت لشخص لشدت إليه الرِّحال: 1- العلم. 2- الزهد. 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر [13] . وفاته : سافر الشيخ فزار بيت المقدس، وعاد إلى نوى، فمرِض عند عودته، فحضرته المنية، فانتقل إلى رحمـة الله في الرابع والعشرين من رجب سنة ست وسبعين وستمائة، وقبره ظاهر يزار [14] . وأُفردت ترجمته في رسائل، إحـداهما للسحيمي، والثانية للسخاوي، والثالثة المنهاج السوي للسيوطي مخطوطتان، والثالثة للسخاوي مطبوعة [15] . فممن ترجموا له ابن عطار، وربمـا لم يصل هذا الكتاب إلى المؤلف، لذلك لم يذكره، أو لم يعتبره كتابًا لقلة حجمه، وقد جمع ابن عطار سيرته في ستة كراريس [16] . [1] أبو عبدالله شمس الدين الذهبي، تـذكـرة الحفـاظ ، ط2،1979م، دار إحياء التراث العربي، ص 14801. [2] عبدالوهاب عزوز؛ شرح الأربعين النووية في الأحاديث الصحيحة النبوية، ط1،1409هـ - 1979، ص 9. [3] الذهبي، المصدر السابق، ص 1480. [4] الزركلي، الإعلام ، ط2، 1409هـ - 1989م، دار إحياء التراث العربي، ج 8، ص 150. [5] عزوز، المصدر السابق، ص10. [6] الذهبي، المصدر السابق، ص292. [7] النووي، شرح المسلم ، ط7، 1407هـ- 1987م دار الكتاب بيروت، ص 10. [8] صديق بن حسن القنوجي، أبجد العلوم الوحشي المرقوم في بيان أحوال العلوم ، تحقيق عبدالجبار زكار، ط2، 1978، ج2، ص411. [9] النووي، المصدر السابق، ص12. [10] النووي، المصدر السابق، ص10. [11] القنوجي، المصدر السابق، ص104. [12] النووي، المصدر السابق، ص 12. [13] المصدر السابق، ص 12. [14] المصدر نفسه، ص 12. [15] الزركلي المصدر السابق، ج 8، ص149. [16] النووي، المصدر السابق، ص 10.
هل السعادة في المال أم المال طريق إلى السعادة؟
د. زيد بن محمد الرماني
29-10-2018
43,598
https://www.alukah.net//culture/0/130297/%d9%87%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%a7%d8%af%d8%a9%d8%9f/
هل السعادة في المال أم المال طريق إلى السعادة؟ إن الناس على اختلاف قيمهم وأفكارهم وتباين اتجاهاتهم ومعتقداتهم، يرغبون في السعادة ويبحثون عنها، حتى إن لم يدركوا معناها، أو لم يعرفوا كيف السبيل إليها، فهم دائماً ينشدونها ويطلبونها. فالشعور بالسعادة هو ما يتفق عليه معظم الناس في أي زمان ومكان. بيد أن ما يختلفون عليه هو الطريقة التي يمكن من خلالها تحقيق تلك السعادة. فنجد بعض الأفراد يعتقد أن السعادة تكمن في تحقيق النجاح والتفوق، أو تحقيق الذات والتغلب على مشاعر الضعف والنقص، أو الشعور بالقوة والأمن، ونجد بعضهم الآخر يعتقد أن السعادة في بلوغ اللذة والمتعة، أو الحب والرفاهية، وقد يجدها بعض ثالث في الصحة النفسية، أو الصحة الجسدية، أو تحقيق العلاقات الاجتماعية الإيجابية. لكن عبثا نجد أن الأغلبية العظمى من الأفراد يختزلون كل ذلك ويحصرون السعادة في المال وتحقيق الثروة والغنى. ولكي ندرك سيكولوجية العلاقة بين الشعور بالسعادة والمال، علينا أولا أن ندرك ماذا عساها أن تكون تلك السعادة؟ يقول الدكتور أكرم زيدان في كتابه (سيكولوجية المال): إن السعادة قيمة انفعالية ووجدانية تصاحب الحالة النفسية، وهي ليست قيمة مستقلة بذاتها، بل هي مصاحبة للسلوك الفردي الذي يحقق للفرد رغبة وقيمة معينة، كما أنها حالة نفسية شعورية ترجع إلى تقييم الفرد لذاته وطبيعة مدركاته. فالسعادة ميل نفسي يدفع الفرد إلى تذوق اللذة والرفاهية وتحقيق الرغبات، وإلى جانب أنها ميل، فهي مهارة وقدرة على إحداث التوافق بين سلوك الفرد وحياته اليومية. وقد اهتمت الدراسات النفسية سنوات طويلة بإزالة الجوانب السلبية التي تؤثر في الشعور بالسعادة، من دون أن تهتم بتنمية الجوانب الإيجابية. حيث يشير أرغايل وفرنهام إلى أن الشعور بالسعادة يتحدد من خلال قدرة الفرد على الاستمتاع بالأنشطة اليومية، ومواجهة المشكلات، والشعور بالثقة بالنفس، والقيام بأعمال مفيدة، والقدرة على اتخاذ القرارات وعلى الاستمتاع في حدود الظروف المتاحة. ومن أهم العوامل التي تؤثر في درجة الشعور بالسعادة تلك التي تتصل بالعلاقات الاجتماعية، سواء كان ذلك في العلاقات الزواجية أو العلاقات بالأبناء والأصدقاء. فالزواج الناجح المتوافق في مقدروه أن يوفر علاقة عاطفية إيجابية تمهد للشعور بالسعادة. أما الأبناء فيؤدون دوراً نفسياً واجتماعياً يؤثر في الشعور بالسعادة، ولو أنهم في بعض الأحيان قد يقللون من درجة الاستمتاع بالأنشطة اليومية، ويُحملون الوالدين أعباء ومسؤوليات تربوية ومادية تقلل كثيراً من الشعور بالسعادة، إلا أن عدم وجود أبناء يؤدي إلى الإحساس بالاكتئاب والنقص والدونية، وعدم الاستمتاع كلية بمباهج الحياة. أما فيما يتصل بالصداقة، فإنها توفر جانبا كبيرا من الشعور بالسعادة، وإن كان يقل بعض الشيء عن الزواج المتوافق، والأبناء، إلا أنه يمنح الفرد التدعيم النفسي والاجتماعي والتعاطف، وإشاعة جو المرح والبهجة والاستمتاع بالوقت، وذلك من خلال اللعب والترفيه وتبادل الحوار والحديث. ويشير أرغايل في كتابه ( (سيكولوجية السعادة )) إلى أن أهم مصادر الشعور بالسعادة، تلك التي تتصل بنوعية العلاقات الاجتماعية التي تساعد الفرد على الإحساس بالرضا التام. وإذا قلنا إن هناك علاقة بين المال والسعادة، وإنها علاقة محدودة. إذن هل نستطيع القول إن الأفراد الأكثر مالاً هم أكثر شعوراً بالسعادة من أولئك الذين يعانون قلة المال. نستطيع الإجابة عن ذلك من خلال الدراسة التي أجراها برادبيرن، والتي كانت تبحث في العلاقة بين الدخل والمشاعر الإيجابية والسلبية، حيث اتضح أن ارتفاع الدخل يرتبط بالمشاعر الإيجابية، في حين يؤدي انخفاضه إلى ارتفاع المشاعر السلبية. ويشير كامبل إلى ان هناك علاقة بين الشعور بالسعادة والمال والتعليم. فيقول: إن خبرة التعليم ومزايا الوظيفة لدى خريجي الجامعة تحررهم نسبياً من المطالب والحاجات المادية، وتجعلهم يركزون أكثر اهتماماتهم نحو العلاقات الاجتماعية وقيمة الذات. وتشير دراسات أخرى إلى أن هناك علاقة إيجابية دالة بين العمل والمال والشعور بالسعادة، فإن كان العمل يحقق جزءاً كبيراً من الشعور بالسعادة، فإن هذه السعادة تتوقف على الرضا عن العمل، ويتوقف هذا الأخير على الأمور المادية المالية وطبيعة الأجر الذي يحصل عليه الفرد. ويرى مايكل أرغايل أن تأثير الدخل في الشعور بالسعادة يظهر بوضوح أكبر لدى كبار السن منه لدى الشباب وصغار السن، وذلك لأن كبار السن أكثر إحساساً بصعوبات الحياة، ولأنهم ينتمون إلى شريحة من المجتمع هي في الأساس أكثر اهتماما بالمال. وهكذا يتضح لنا أن الشعور بالسعادة لا يدور في فلك حدث واحد بعينه، حتى لو كان هذا الحدث هو المال. بل الشعور بالسعادة هو حاصل جمع الأحداث الحياتية الإيجابية في الأسرة، والزواج، والأبناء والأصدقاء وشتى العلاقات الاجتماعية، وفي الصحة والتعليم، والعمل، ووسائل الراحة والرفاهية، وكذلك في الشعور بالاستقلالية وتحقيق الذات.
الجهاز العصبي للإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
25-10-2018
30,178
https://www.alukah.net//culture/0/130242/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b5%d8%a8%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
الجهاز العصبي للإنسان يسيرُ الإنسانُ على سطح الأرض بقدمينِ ثابتتين، وقامة معتدلة، يعلوها رأس مرفوع إلى أعلى، يستطيع تحريكه ذات اليمين وذات اليسار في سهولة تامة وحرية كاملة، فيرى ما حوله من بدائع الخلق وجمال التكوين، يرى النبات والحيوان والجماد، وكلها تنطق بقدرة الله سبحانه وتعالى على الخلق والابتكار. وهناك آياتٌ معجزة وواضحة دالةٌ على عظمة الله عز وجل في أنفسنا، لا يراها كثير منا مع شدة قربها منا، فهناك حركاتٌ إرادية ولا إرادية ملازمة لكلٍّ منا في نومه ويقظته، ففي التنفس مثلًا ينام الإنسان ملء عينَيْه ورِئتاه تخفقانِ بانتظام، وكذلك قلبه ينبض بانتظام، وجهازه الهضمي يعمل بإحكام، وجهازه البولي يعمل بدقة. وغيرها مِن العمليات الحيوية بداخل جسم الإنسان، لا يعلمها إلا الله، تتم بشكل لا إرادي وعدم تدخل مِن البشر؛ حتى لا يفسدها ذلك، ولدقة هذه الأجهزة فإن لها كيفيةً معينة للعمل بدقة وانتظام، فجعلها بيدِه هو سبحانه وتعالى. وهناك حركات إرادية نُمارِسها برغبتنا؛ مثل المشي أو الجري أو السباحة أو الكلام...، وغير ذلك من حركات يتحكم فيها الإنسان برغبته واحتياجه لها. جهاز التحكم في جسم الإنسان: الواقع أن جهاز التحكم في جسمِ الإنسان هو الجهاز العصبي للإدارة والتنظيم، الذي يُعَد المُسيطِر على جميع تصرُّفات وحركات الإنسان، ولكي نتفهَّم بدقة تركيب الجهاز العصبي ببساطة؛ فإننا نستطيع أن نقسمه إلى قسمين: 1- القسم المركز ي: ويتألَّف من الدماغ الموجود في الرأس والنخاع الشوكي الموجود داخل سلسلة العمود الفِقْري. 2- القسم المحيطي : ويتألَّف مِن مجموعة الأعصاب الخارجية الصادرة والواردة من وإلى القسم المركزي التي تصل بينه وبين جميع أجهزة وأعضاء الجسم. والواقع أن وظيفة الجهاز العصبي بقسمَيْه هي التعرُّف على جميع المؤثِّرات الخارجية أو الداخلية، ونقلها مباشرةً إلى المراكز العصبية المسؤولة، وتقوم هذه المراكز على الفور بفكِّ الشفرة وإصدار التعليمات اللازمة للأعضاء المختلفة. ويتركَّب الجهاز العصبي في الأساس مِن وَحدات دقيقة تُعرَف بالخلايا العصبية، ويحتوي جسمُ الإنسان على ما يقرب مِن ألفَي مليون خلية عصبية، وهي مندمجة مع بعضها البعض بنوع خاص من النسيج الضامِّ، وهناك الألياف العصبية التي تمتدُّ مِن سقف المخ إلى نهاية الحبل الشوكي. فالقسم المركزي من الجهاز العصبي، هو الذي يُمثِّل الجهاز الحاكم والمسيطر في جسم الإنسان، وهما المخ والحبل الشوكي، ومِن حكمة الله سبحانه وتعالى أن وضع كلًّا منهما في أكثر الأماكن أمنًا داخل الجسم؛ وقايةً لهما مما قد يتعرَّض له الإنسان في حياته اليومية من المخاطر والأضرار، فيوجد المخ داخل الجمجمة العظمية الصلبة، كما يمتد الحبل الشوكي داخل العمود الفِقري بأكمله. فما المخ أو الدماغ؟ هو أنبل أعضاء الجسم في الإنسان، فهو أداة العقل، وفيه مراكز الإدراك والإحساس، والتعلم والتحكم والذاكرة، وحسبي في هذه المقالة الإشارةُ إلى الإعجاز الرباني في هذا الجهاز الخطير، وليس مقام التفصيل التشريحي الوظيفي؛ حتى لا يطول بنا المقام. ويتكوَّن الدماغ من ثلاثة أجزاء: 1- المخ. 2- المخيخ. 3- جذع المخ. ويَزِنُ دماغ الإنسان البالغ 12 - 15 جرام؛ أي: حوالي 2 % من وزن الجسم، ويحتوي المخ على عدد هائل من الخلايا العصبية، وهي بمنزلة بطارية دقيقة تقوم بتحويل الطاقة الكيميائية إلى نبضات كهربائية، فهي تشحن نفسها بنفسها. وهذه الخلايا تُشكِّل فيما بينها شبكة اتصالات متكاملة، تؤدي كافة الوظائف المعروفة للدماغ، ويبدأ تكوُّن المخ عند تكوين الجنين، فتتكاثر خلاياه بمعدل 20 ألف خلية كل دقيقة أثناء الحمل، وبعد الولادة تنمو بسرعة تفوق جميع أعضاء الجسم، وعند البلوغ يصلُ عددها إلى حوالي 14 بليون خلية. وظائف الجهاز العصبي المركزي: إذا أردنا تحديدَ الوظائفِ المختلفة التي يُمارِسها الجهاز العصبي المركزي في سيطرته على مختلف النشاطات البشرية - فإننا نستطيعُ القول بصفة عامة وبسيطة: إن المخَّ يقومُ بالسيطرة على الحياة النفسية والعقلية والعاطفية للإنسان، وكذلك على كل ما يتعلَّق بالحواسِّ الخاصة؛ وهي: السمع، والشم، والذوق، والإبصار، كما يقوم الجزء السفلي مِن المخ - وهو ما يطلق عليه علميًّا اسمُ النخاع المستطيل - بالسيطرة على عددٍ مِن الوظائف المُهمَّة التي يتوقف عليها بقاء الإنسان على قيد الحياة؛ مثل: الحركات النفسية، وحركات القلب، وضغط الدم، وتوزيع الدم على مختلف أجزاء الجسم، وتنظيم درجة حرارة الجسم، وأعمال الجهاز الهضمي... إلخ. أما الحبل الشوكي فهو الذي يسيطر على تحركات الأطراف (الأيدي والأَرْجُل)، وغيرها. ولكي نتعرَّف على عظمة الله تعالى في الطريقة التي يُمارِس بها الجهاز العصبي وظيفتَه المُهمَّة داخل الجسم - نأخُذُ على سبيل المثال لا الحصر ما يعرف علميًّا باسم "الفعل الانعكاسي البسيط"؛ مثل: انقباض اليد وسحبها بسرعة عندما نَلمس بعض الأسلاك الكهربائية المُعرَّاة، أو عندما نلمس جسمًا ساخنًا، تكون خطوات هذا الفعل الانعكاسي كما يلي: 1- يوجد في اليد جهاز للإحساس يتنبَّه بتأثير هذا الجسم الساخن. 2- تنتقل النبضات العصبية خلال عصب حِسِّي لتصل إلى الحبل الشوكي. 3- تنتقل خلال الحبل الشوكي لتصل إلى خلية عصبية حركية بالمخ. 4- تُطلِق هذه الخلايا بعد تنشيطها وابلًا من النبضات العصبية خلال عصب حركي. 5- تصل هذه النبضات إلى العضلات القابضة التي تقبض اليد نحو الجسم بعيدة عن الشيء الساخن المسبِّب للألم. جميع الخطوات السابقة لا تَستغرق سوى جزء من الثانية، فسبحان الخالق المُبدِع كذلك في جميع الأنشطة الجسدية المختلفة. والواقع أن تلك النبضات العصبية عند سَريانها في الجهاز العصبي من خلية إلى أخرى، لا تقطع طريقها المرسوم دون عقبات؛ وذلك لأن هذا الجيش الضخم من الخلايا العصبية التي تنتشر عن طريق تفرُّعاتها العديدة إلى كل جزء في الجسم، لا تلتحم الخلية الواحدة منها بالخلية المجاورة لها، بل تُشكِّل كل واحدة منها وحدةً قائمة بذاتها. وهناك مسافة صغيرة جدًّا تفصل الخلية العصبية الواحدة عن الخلية المجاورة لها، تُسمَّى منطقة العبور، وعلى النبضات العصبية أن تعبر هذه المنطقة؛ حتى يستمرَّ انطلاقها إلى هدفها النهائي. وما زال العلم يبحث عن وصف تلك النبضات الانعكاسية التي تصل سرعتها أحيانًا إلى 120 مترًا في الثانية. وتختلف الاستجابةُ الانعكاسية مِن الشخص الواحد في بعض الحالات الجسدية، عنها في حالات التعب والإرهاق وتعاطي بعض العقاقير، وكما هو معلوم فإن المخ يقوم ببِناء نموذجٍ داخلي لكل ما يراه أو يسمعه الإنسان منذ لحظة الولادة، ويقوم بتخزينه، فإذا تكرر المشهد أو الصوت المعتاد والمألوف، لا يصل إلى العقل شيء لتخزينه، ولكن إذا حدث شيء غير مألوف، فإن العقل سرعان ما يختزن الجديد ويبني له نموذجًا للتعرُّف عليه بعد ذلك. من النِّعَم العظمى ثبات خلايا الدماغ: مِن المعلوم طبيًّا أن خلايا الجسم كلها (عظمًا - نسيجًا - عضلًا - أجهزة شعر... إلخ) - تتبدَّل وتتغير من خمس إلى سبع سنوات، فبعد سبع سنوات لا تجد في جسمِك خليةً واحدة قديمة، فالإنسان يتبدَّل تبدلًا جذريًّا كل سبع سنوات، هذا ما وصل إليه العلم. فمِن نِعَم الله الكبرى علينا أن خلايا الدماغ هي الوحيدةُ الثابتة التي لا تتغيَّر، فلو تخيَّلت أن خلايا المخ تبدَّلت، نسيت مَن أنت! وما اختصاصك! ونسيت حِرْفَتك ومعارفك! حتى أولادك وزوجتك، ونسيت سببَ رزقك وكلَّ شيء! فلِحكمةٍ بالغة لا تتبدل خلايا الدماغ، وإلا لذَهبت شخصية الإنسان وفَقَد خبراته كلَّها! ولكن يقول الإنسان: أنا خبرتي في الطب أربعون عامًا، وأنا خبرتي في التدريس خمسون عامًا، وهكذا...، فالذاكرة وثبات خلايا المخ آيةٌ كبرى من آيات الله الدالة على عظمته. أيهما أكبرُ: مخُّ الرجل أم المرأة؟ من الأبحاث العلمية تبيَّن أن هناك فروقًا تشريحيةً بين مخ الرجل ومخ المرأة، تبدأ في المراحل المبكرة لحياة الجنين، وسببُها الهرمونات الجنسية التي تُؤدِّي دورًا في تحديد الجنس؛ فمخ الذَّكِر يفوق في الوزن مخ الأنثى بحوالي 20 - 30 جرامًا تقريبًا، وهي التي تؤدي إلى اختلاف مراحلِ تعلُّم اللغة عند الطفل، كما وجد أن التقلُّبات الهرمونية التي تحدُثُ للأنثى أثناء الدورة الشهرية تُؤدي إلى تقلُّبات في المستوى المعرفي والعلمي. كما وُجِد أن الأداء المعرفي عند الرجال يُصبِح أفضلَ في فصل الربيع؛ لأن في ذلك الفصل يحدث انخفاض لمستوى هرمون التستوسيترون، فيؤدي إلى حدوث حالة من النشاط الذهني. وقد ترجع حكمةُ الله تعالى في كون شهادةِ الرجل تعدل شهادة امرأتينِ لذلك السبب، ويؤكد تلك الفروقَ الدماغية التي تنشأ قبل أن يبدأ الطفلُ أولَ أنفاسه في الحياة - أن الغلمان والبنات والصغار يفترقون في انتقاء لُعب الأطفال؛ فالغلمان يميلون إلى اللعب بالسيارات والقطارات والمسدسات والكرة، بينما البنات يَمِلْنَ إلى اللعب بالعرائس، ولم يجد العلماء دليلًا على هذا الميل، فهو ليس ميلًا ثقافيًّا، بل هو ميل وراثي للبيولوجيا الدماغية الفطرية. انتبه أيها المدخن فالدخان سبب للهلاك! إن سموم التدخين المتحلِّلة في الدم إذا وصلت إلى الدماغ، يتلقَّفها الدماغ بسهولةٍ فائقة وبنَهَمٍ كبير، فيشعر الإنسان بشيءٍ من الفتور والخَدَر، فيؤدي إلى ضَعف تغذية الأعصاب، فتصاب الأعصاب بالالتهاب، فترى المدخِّن ترجُفُ يداه ورِجلاه، ويصاب بصداع في الرأس، وآلام عصبية في الأطراف، والدُّخَانُ يُضعِف الذاكرة، فيُصبِح المدخن كثيرَ النسيان، ويشعر بفتور النشاط العقلي، وضعف حاسة الذوق والحواس الأخرى. وأحيانًا يتعرَّض المدخن للأرَقِ المرير والطويل؛ إذ يستمر مسيتقظًا متوتر الأعصاب حتى الصباح. أما النشاط الذي يعتقده المدخِّن لدى تدخين (سيجارته)، فما هو إلا وهمٌ من الخيال؛ لأنه شعورٌ كاذب، فيقول المدخن: أنا لا أشكو شيئًا، أجري وأركض وأتمتع بصحة جيدة وأدخن، لقد غابت عنه حقيقةٌ خطيرة، وهي أن أخطار الدخان تتراكم في الجسم دون أن تظهر آثارها إلا بعد إجراء فحوص دقيقة. موت المخ : التقدم العلمي جعل تحديد وفاة الإنسان أمرًا أكثر تعقيدًا من مجرد توقُّف نبضات القلب وحركة التنفس، فموتُ الدماغ حالةٌ تطرَأ على الدماغ، فتؤدي إلى تعطيل وتوقف وظائفه تعطيلًا نهائيًّا لا رجعة فيه، نتيجة تدمير خلاياه تدميرًا كاملًا، فقد يتوقف المخ عن العمل لفترة مؤقتة؛ مثل: حالات الغيبوبة، أو تتوقف بعض وظائفه، ولكن هذا لا يعني موت المخ. فما علامات موت المخ؟ لقد وضع الأطباء علاماتٍ (إكلينيكية)، يمكن بها إعلان موت المخ، ومِن أشهر هذه العلامات: 1- عدم الإحساس أو الإدراك. 2- عدم الاستجابة للمؤثرات الخارجية. 3- عدم وجود حركات تلقائية، ومنها التنفس التلقائي. 4- عدم وجود أي فعل انعكاسي. هذا يمسُّ الشخص الذي مات دماغه مجرد جثة لا أمل أبدًا في عودتها للحياة الطبيعية، ونتأكد من أن تكون هذه العلامات مستمرة لمدة لا تقل عن 24 ساعة، وأن يتم تأكيد نتائج الكشف الطبي الإكلينيكي برسم المخ الذي يُظهِر باستمرار عدمَ وجود أية وظائف للمخ خلال هذه الفترة، ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقيةٌ من حركة أو وظيفة، فهي بلا شك بعد موت جذع المخ صائرةٌ إلى توقف وخمود. نعم، إن الدماغ هو أعقد ما في الإنسان، بل هو مِن أعقد الأشياء في الكون، وقد قيل: إن أكبر العباقرة وأكبر المخترعين لم يستخدم من دماغه إلا الجزء اليسير، فهذا الدماغ إذا عطَّلناه أو أسأنا استخدامه خسرناه وخسرنا الدنيا والآخرة، نسأل الله العافية.
العبث بالتراث (1)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
24-10-2018
6,767
https://www.alukah.net//culture/0/130221/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-1/
العبث بالتراث (1) يتعرَّض التاريخ عمومًا، والتاريخ الإسلامي بخاصَّة، إلى النَّبش المتواصل من بعض الدارسين غير المنتمين إلى هذه الثقافة، ويظهر مَن يكتب عن تاريخ المسلمين متأثِّرًا بالطَّرح الاستشراقي لفهم التاريخ، إلى درجة القول بأنَّ هؤلاء المستشرقين المتخصِّصين في دراسة التاريخ - كما تقول الباحثة مَي الخليفة -: "قد استطاعوا، من خلال بحوثهم وتحليلاتهم، الوصول إلى خفايا تاريخنا القديم، في حين بقينا نحن متمسِّكين بالموروث الملقَّن، وحتى لا نرهق عقلَنا بالحقائق اكتفينا باتِّهام أولئك الأجانب بالتلفيق والكذب وتدبير المؤامرات للنيل من العرب والمسلمين. لقد سبقونا في قراءة الشعر الجاهلي وسبقونا في تفسيره وفي اكتشاف السِّمات الحضارية في التاريخ الإسلامي، وكتبوا عن عباقرة المسلمين ومناهجِهم، وجاؤوا يبحثون عن قبر الحلَّاج وأشعاره، وعرفوا أهمية المدوَّنات الموضوعة والمترجَمة، ونقلوا تراث اليونان إلى أوروبَّا مرَّةً أخرى، وكانت لغة العرب هي الوسيط الناقل! ربَّما أخطؤوا في التسميات، وربَّما تغاضى البعض منهم ( بانحياز مبطن ) عن بعض الحقائق، ولكن يبقى الكَمُّ الهائل من كتابات أولئك المستشرقين تثير فينا الرغبة في المعرفة وتدعونا أنْ نبدأ بالبحث من جديد" [1] ، هكذا تستهلُّ الكاتبة المؤلِّفة مي محمَّد الخليفة كتابها: من سواد الكوفة، وتدعو الكاتبة المؤلِّفة إلى تبنِّي المنهج الاستشراقي في دراسة التاريخ. من أقرب ما يمكن الاستِشهاد به في إثارة موضوع الفِرَق التي نشأَت في الفكر الإسلامي - المستشرق برنارد لويس؛ ولذا تستشهد المؤلِّفة به في كتاباته عن أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية، التي نال بها درجة الدكتوراه [2] . التعليق على هذا الكتاب ينحو منحًى فكريًّا، لا تعليقًا تاريخيًّا؛ لأنِّي أدعو إلى أنْ نُعطي القوس بارِيها، ونترك التحليل وتفسير التاريخ للمؤرِّخين المتخصِّصين، الذين يتعرَّضون - بالمناسبة - إلى قدْرٍ كبير من التجاهُل في الوقت الراهن لأسباب آنية. لستُ أقفُ لأناقشَ الكاتبة المؤلِّفة مي محمَّد الخليفة في تأثُّرها بالفكر الاستشراقي؛ إذ إنَّها ليست الأولى في ذلك، ولا أظن أنَّها ستكون الأخيرة فيه، فقد قيل قبلها ما لم تقله هي، ولا أظنها تقوله؛ بأنَّ الاستشراق قد فهم الإسلام نفسه أكثر من فهم أهله له، وأعمق من فهمهم له - كما مرَّ ذكره - وهذا قولٌ ينسحب على مرِّ العصور الإسلامية. الذي يسترعي الانتباه عند قراءة المنهج الاستشراقي في فهم التاريخ الإسلامي هو تطبيق منهج الإسقاط في هذا الفهم؛ إذ إنَّ الاستشراق وتبعه بعضٌ من المتأثِّرين به يُسقِطون التاريخَ الإسلامي على حالين؛ الحال الأولى: هي التاريخ الغربي، بما كان فيه من مؤامرات وظلم، وجور وإقطاع، وغيره. الحال الثانية: هي واقع الحال المعاصر الغربي - كذلك - بما يكنُّه للإسلام والمسلمين من مشاعر لم يوفَّق في إخفائها، بما في ذلك إسقاط حال المسلمين اليوم على حالهم بالأمس، وحال المسلمين اليوم المعاصر ليس كما حالهم بالأمس الماضي على الإطلاق، وإنْ مرَّ على المسلمين أحوال هي أشدُّ مما هم عليه الآن، مع أنَّ حالهم اليوم شديدة [3] . دراسة التاريخ وفهمه وتفسيره مَطلب مُلِحٌّ، فما قاله أرباب هذا الفن من السالفين ممن لهم فضلُ نقل الأخبار ليس كله كلامًا مسلَّمًا فيه؛ كما يعلم أهل الاختصاص، ولعلَّ من أهمِّ متطلَّبات تفسير التاريخ هو تبنِّي المنهج التاريخي في الفهم والتفسير، والتحليل والنقد، وإذا اقترن ذلك بالانتماء لهذا التاريخ كان التحليل غيرَ التحليل الذي أطلَّ علينا به رهط من المستشرقين، وتأثَّر به بعضٌ من إخواننا وأخواتنا. (يتبع). [1] مي محمَّد الخليفة: من سواد الكوفة دل إيرانشهر إلى البحرين - بيروت: المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر، 1999م، ص (9، 10). [2] انظر: برنارد لويس: أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية ، ترجمة: حكمت تلحوق - بيروت: دار الحداثة، 1980م، وانظر له أيضًا: الحشَّاشون: فرقة ثورية في تاريخ الإسلام ، ترجمة: محد العزب موسى - ط 2 - القاهرة: مكتبة مدبولي، 2006م - 203 ص. [3] انظر: شوقي أبو خليل: الإسقاط في مناهج المستشرقين والمبشرين - دمشق: دار الفكر، 1419هـ/ 1988م - 240 ص.
مقومات إنسان الحضارة في نظرية التربية الإسلامية
إيمان عبدالعزيز الأحمدي
23-10-2018
12,150
https://www.alukah.net//culture/0/130182/%d9%85%d9%82%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d8%b8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/
مقومات إنسان الحضارة في نظرية التربية الإسلامية [1] تسعى الأُمَمُ والشعوبُ بشتى أشكالها إلى بناء الحضارة [2] ، وتكوين الأمة التي تتميَّز بخصائص ثقافية واجتماعية ومادية تختلف عن باقي الأمم؛ وذلك لتتسلَّمَ زِمامَ الصدارة في العالم، وتُصَدِّر مقوِّمات [3] حضارتها للآخرين؛ لعدة أهداف منها ما يحدث في العصر الحالي من فرض النموذج الغربي؛ ليكون هو النموذج الأمثل لإنسان الحضارة الذي يتميَّزُ بالمثُل العُلْيا، والمحافظة على حقوق الإنسان كما يدَّعُون. بإزاء ذلك يجبُ على المفكرين في العالم الإسلامي أصحاب الحضارة الإسلامية العريقة التي امتدَّتْ لقرُونٍ عديدةٍ أثْرَتْ خلالها المعرفةَ الإنسانيةَ بكثيرٍ من العلوم والفنون والمهارات - أن يُكثِّفُوا الجهود لاستكمال مسيرة الحضارة الإسلامية، عن طريق إبراز العوامل والمقوِّمات التي أسْهَمَتْ في بناء إنسان الحضارة الإسلامية. ولعلَّ نظرية التربية الإسلامية تضطلع بدور هامٍّ في هذا المجال؛ حيث إنها تُعبِّر عن التصوُّرات الفكرية التي ينطلق من خلالها المربُّون إلى بناء المناهج التي تُسهِم في المشروع الحضاري للأُمَّة عن طريق إبراز انعكاسات التصوُّر الإسلامي للمعرفة، والقيم، والكون، والحياة، والإنسان، على كافة أركان العملية التربوية من أهداف، ووسائل، وطرق... وغيرها. ويتَّفِق الباحثون [4] في الحضارة بشكل عامٍّ أن الإنسان هو العامل الأساسي والمشترك لبناء كافة أشكال الحضارة مادة وفكرًا، ومن هنا تبرُز أهمية تربيته وتنشئته بطريقة صحيحة جِسْمًا وعَقْلًا؛ ليؤدِّي دورَه كاملًا في بناء المجتمع وتكوين الحضارة والارتقاء بها، وهذا ما يُعَدُّ من أهمِّ أهداف نظرية التربية الإسلامية. وتحتوي نظرية التربية الإسلامية على كافة الأسس التي يقوم عليها بناء إنسان الحضارة، والتي ورَدَتْ في أدبيَّات الحضارة، ومن أبرزها أن يكون لدى إنسان الحضارة فكرةٌ أو معتقدٌ يُؤمِن به، ويسعى لبناء الحضارة في ضوئه، كما أن تمسُّك الفرد بهُوِية نابعة من هذا المعتقد أو الفكرة من أبرز العوامل التي تساعد الفرد على الإسهام في بناء الحضارة التي ينتمي إليها، ويعتزُّ بها، وينشُر مبادئها لكل العالم، كما تُشير الدراسات [5] في قيام الحضارات إلى أهمية العلم كأبرز مقوِّم من مقوِّمات بناء الحضارة والتقدُّم المادي والتكنولوجي للأُمَم، ولم تغفل الدراسات عن أهمية الأخلاق عند إنسان الحضارة، وبالأخلاق ترتقي الأمم وتبني الحضارات، وكل هذه المقوِّمات إذا افتقدت الفعاليةَ [6] لدى إنسان الحضارة، قد لا تؤدي إلى النتيجة المطلوبة، فالفعالية هي التي تدفع إنسان الحضارة إلى الاستفادة من العلم، وَفْق أخلاقيَّات العلم لتقديم منتجات مادية نافعة للعالم، تُسهم في تحسين حياتهم للأفضل، ولا تُسبِّب الضَّرَر للبشرية. وبناءً على ما تقدَّم من مقوِّمات إنسان الحضارة التي سيتمُّ استعراضها من خلال النظرة للإنسان في نظرية التربية الإسلامية، نجد أن أولى هذه المقومات هي أن إنسان الحضارة هو إنسان يؤمن بفكرة قوية أو معتقد يرتقي به إلى عالم الرُّوح، وينأَى به عن الاهتمام بالحياة الدنيا فقط؛ بل يتطلَّع إلى بناء الحضارة وإعمار الكون استجابةً لهذه العقيدة وتتمثَّل هذه العقيدة في النظرية التربوية الإسلامية، بالعقيدة الإسلامية التي تنظر إلى إنسان الحضارة أنه مكوَّن من جسد ورُوح، ويجب الاهتمام بكلا الجانبين في تربية هذا الإنسان، والعقيدة الإسلامية [7] هي القوة الحقيقية الدافعة لكل عمل خير، فهي الدافعة لعمارة الأرض بمقتضى المنهج الرباني الذي يُنشئ حضارةً إنسانية شاملةً. ومن خلال هذه العقيدة تبرُز الهُوِية الإسلامية التي تعرف بأنها [8] "الإيمان بعقيدة هذه الأُمَّة، والاعتزاز بالانتماء إليها، واحترام قيمها الحضارية والثقافية، وإبراز الشعائر الإسلامية، والاعتزاز والتمسُّك بها، والشعور بالتميُّز والاستقلالية الفردية والجماعية، والقيام بحقِّ الرسالة وواجب البلاغ، والشهادة على الناس"، إذًا الهُوِية هي التي تُميِّز إنسان الحضارة الإسلامية عن غيره، وتصبغه بالإسلام؛ قال تعالى: ﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ ﴾ [البقرة: 138]، فالنظرية التربوية الإسلامية هي التي تصبغ الإنسان في عقيدته وفكره ومشاعره، وتصوُّراته، وأهدافه وسلوكه، وسائر أعماله؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، والهُوِيَّة الإسلامية هي الدافعة لإنشاء خير حضارة إسلامية، فالإنسان الذي يُعاني مَن فَقْدِ الهُوِية وما يتبعه من استلاب ثقافي لا يمكن أن يبني مجدًا أو علمًا. وبالعلم تقوم الحضارات، ويشيد البناء، وتتطوُّر المعارف، مما ينعكس على رخاء حياة الإنسان، ومن خلال النظرة للإنسان في نظرية التربية الإسلامية يتَّضِح أنه نظر إلى مكونات الطبيعة الإنسانية، أنها تتكوُّن من رُوح، وعقل، ونفسٍ، وجسم، والله سبحانه وتعالى كرَّم الإنسان وفضَّلَه على سائر المخلوقات بالعقل [9] الذي هو مناط التكليف، وأمر الله تعالى الإنسان بإعمال العقل والتفكُّر في المخلوقات؛ قال تعالى: ﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [يونس: 101]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، ومن خلال التفكُّر في الكون يصل الإنسان إلى وحدانية الله تعالى، وأنه المتفرِّد بالخلق والأمر، ومن خلال التفكُّر في الكون يصل الإنسان إلى السُّنَن والقوانين العلمية التي تُسهِم في ازدهار العلم وتقدُّم البشرية، وبناء الحضارات. وهذا العلم الذي تدعو النظرية الإسلامية له لا بد أن يتخلَّق بأخلاقيات العلم، ومن أهمها ألَّا يؤدي إلى دمار البشرية، وفناء الحضارات، فالأخلاق مكوِّن أساسي من مكونات الحضارة؛ يقول أحد المنظرين [10] للحضارة "فلمَّا بحثت في ماهية الحضارة وطبيعتها تبيَّن لي في ختام المطاف أن الحضارة في جوهرها أخلاقية" والكاتب يتحدَّث عن الأخلاق بصفة عامة، فكيف بالأخلاق الإسلامية السامية المستمدَّة من القرآن والسنة، والتي تراعي الطبيعة الإنسانية التي فطرت على الخير كما ورد في نظرية التربية الإسلامية، فالأخلاق الإسلامية [11] "تُراعي فطرة النفس البشرية كما خلَقها الله تعالى بأبعادها المختلفة، وتوازن بشكل سوي ومنسجم ومتعادل بين العاطفة والعقل، والروح والجسد، وبين الفرد والجماعة، وبين العقيدة والعبادة، وبين الدين والدنيا؛ لقوله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77]، فغاية الأخلاق الإسلامية تحقيق السعادة للإنسان في الدارين الدنيا و"الآخرة". وهذا ما يُحقِّق الفعالية، وقد ذكر المهتمُّون [12] بالحضارة أهمية الفعالية لدى الإنسان لبناء المشروع الحضاري، فلا يكفي توفُّر العقيدة والعلم والأخلاق بدون عمل وفعالية في واقع الحياة، وهذا ما نلمس بعض جوانبه في العصر الحالي؛ حيث تتوافر كافة المقوِّمات الفكرية في نظرية التربية الإسلامية اللازمة لبناء المشروع الحضاري، إلا أنه ينقصها بلورةُ هذه المفاهيم بصورة أكبر تُسهِّل من عملية تطبيقها في الواقع التعليمي التربوي، والنظرة للإنسان في نظرية التربية الإسلامية تؤكِّد أن الإنسان يجب أن يكون عضوًا فاعلًا ومنتجًا في مجتمعه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]، والاستخلاف يقتضي اقتران العلم بالعمل، وهذا ما ظهر جليًّا في كثير من المواطن في القرآن والسنة؛ مما يدعم بناء المشروع الحضاري الإسلامي. وهكذا تتكامَلُ منظومة البناء الحضاري (العقيدة، الهوية، العلم، الأخلاق، الفعالية) في التصوُّر الإسلامي للإنسان في نظرية التربية الإسلامية؛ مما يستلزم تفعيل هذا التصوُّر في الواقع التعليمي، وفي جميع أركان العملية التربوية؛ مما سيُسهِم إسهامًا فعَّالًا بإذن الله في قيام المشروع الحضاري للأُمَّة، ولا يفوتنا في هذا المقام أن نُنوِّه بأهمية وَضْع مقرَّر عن الحضارة الإسلامية، يدرس بشكل تدريجي في التعليم بما يتناسب والمرحلة التعليمية منذ الصغر، يتمُّ من خلاله عرض أُسُس الحضارة الإسلامية، وعوامل نهوضها، وإسهامات رجالها في شتَّى العلوم والمعارف؛ مما يغرس في المتعلمين الاعتزازَ بهذه الحضارة الإسلامية، ويبعث فيهم الهمَّةَ للسير في ركابها، ومواصلة إنجازاتها، ومن عادة الأُمَم والشعوب العودة إلى الماضي لاستلهام الدروس والعِبَر لمواصلة الحاضر بثبات وعزيمة على تحقيق النجاح بإذن الله تعالى. [1] إعداد : إيمان عبدالعزيز الأحمدي، ماجستير في أصول التربية، طالبة دكتوراه في أصول التربية في جامعة أم القرى، بمكة المكرمة. [2] الحضارة هي: مظاهر الرقي العلمي والفني والأدبي والاجتماعي في الحضر، أو هي مجموع الميزات والخصائص الاجتماعية والدينية والخلقية والتقنية، والعلمية والأدبية والفنية عند شعب معين؛ (قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصر. قاموس عربي). [3] المقومات هي: كل ما يتألف أو يتركب منه جسم، أو جهاز أو مشروع من عناصر أساسية، تسهم في قيامه ووجوده وفاعليته، مقومات الحياة: عناصرها وعواملها الأساسية التي بها تقوم مقومات العمران؛ (معجم المعاني، المعاني الجامع، مقومات). [4] انظر: "الدور الحضاري للدين: دراسة تحليلية لمفهوم ودور الفكرة الدينية المركبة"؛ بدران بن الحسن، (2015) مجلة جيل الدراسات الأدبية والفكرية، ع 10، و"معالم منهج التجديد في الفلسفة الإسلامية"؛ مقداد يالجن، (1991)، دار عالم الكتب للنشر والتوزيع. [5] انظُر: " تأمُّلات"؛ لمالك بن نبي ، "قصة الحضارة"؛ ول وايريل ديورانت، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، دار الجيل للطبع والنشر والتوزيع، و"فلسفة الحضارة"، ألبرت اشفيتسر، ترجمة د. زكي نجيب محمود، (1963)، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة. [6] هي الأثر لأفكارنا على أرض الواقع، فكل عمل أو قول لا يُحقِّق نتائج عملية يكون فاقد الفاعلية، وقال مالك بن نبي: الفاعلية هي حركة الإنسان في صناعة التاريخ (إذا تحرَّكَ الإنسان تحرَّكَ المجتمع والتاريخ). [7] "الأساس العقائدي لنهضة المسلمين العلمية والحضارية"، يحيى باقاسي، (1409)، رسالة ماجستير، كلية التربية، جامعة أم القرى. [8] "الهوية الإسلامية في زمن العولمة الثقافية"؛ خليل نوري، (1430)، ديوان الوقف السني، ط1، العراق. [9] "التربية الإسلامية"؛ عبدالله عقيل العقيل، (1432)، مكتبة الرشد، ط3، الرياض. [10] "فلسفة الحضارة"؛ ألبرت اشفيتسر، ترجمة د. زكي نجيب محمود، (1963) الهيئة العامة للكتاب، القاهرة. [11] "النظرية التربوية وتطبيقاتها عبر العصور"؛ بدرية الميمان؛ منى السالوس، (1435)، الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة، الرياض. [12] "الفعالية في فكر مالك بن نبي وعلاقتها بالثقافة والحضارة"، عواطف الصقري، (2014)، المجلة التربوية الكويت، مج 28، ع 110.
أمراض المال
د. زيد بن محمد الرماني
22-10-2018
12,726
https://www.alukah.net//culture/0/130169/%d8%a3%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84/
أمراض المال جاء في كتاب (هوس الثراء وأمراض الثروة) لمؤلفه د. أكرم زيدان: قد يكون من الغريب أن يدرك المرء أن المال يؤدي إلى بعض الاضطرابات أو الأمراض النفسية والاجتماعية، وذلك لأن الأفراد يدركون المال بوصفه حلاًّ وليس مشكلة، صحة وليس مرضاً، توافقاً وليس اضطرباً. وعندما نقول أمراض المال Money Pathology ، قد يظن بعض الناس أن هذه الأمراض تحدث عندما يقل المال أو ينعدم، فلا يشعر بهذه الأمراض إلا الفقراء والمحتاجون. فهناك اتجاه عام بين الأفراد يشير إلى أن الاضطرابات أو الأمراض النفسية والاجتماعية هي من نصيب الفقراء، وهو اتجاه يبدو في صورته الشمولية العامة اتجاها سلبياً مبنياً على الازدراء والاتهام والإبعاد، وربما يختلف هذا الاتجاه من فرد إلى آخر لكن عناصره الأساسية تعتبر أن الفقراء حاملون للاضطرابات النفسية والاجتماعية، فهم متسولون، متوترون، قلقون، ويشعرون بالخوف ويعانون الشعور بالنقص وعدم القدرة على تحقيق الذات، وفضلا عن ذلك فهم مرتشون، محتالون، سارقون، مضادون للمجتمع، عدوانيون، يفتقرون إلى التوافق النفسي والاجتماعي. ولذا، يرى بعض علماء النفس التحليلي والإكلينيكي أن هناك ما يسمى بشخصية المال. حيث يرى غولدبرغ ولويس أن هناك مجموعة من المتغيرات النفسية التي تؤدي إلى اضطرابات مالية شديدة تؤثر بدورها في التوافق النفسي والصحة النفسية للفرد، وتشمل: المقامرة، الطمع، الخوف، الحسد، الغضب، مفهوم الذات، الأمانة، القناعة، والشفقة. فالمقامرة - فيما يرى الإكلينيكيون - حالة مرضية تنمو وتتطور لتؤدي إلى تفكك الشخصية، وذلك عندما يصل المقامر إلى درجة الانشغال التام بالمراهنة بالمال ويعجز كلية عن التوقف عن اللعب حتى لا يشعر بالقلق والتوتر والشعور بالذنب. وهو ما يجعل المقامر يفرط في المقامرة إلى درجة تصل إلى الإدمان وكأن شيئاً يجبره على اللعب. أما بالنسبة إلى الطمع، فيبدو الطابع المرضي للمال فيه متمثلا في بعض المعاملات المالية التي تهدف إلى كسب مزيد من الأموال على حساب الآخرين وإفقارهم. وذلك مثل الاحتكار لبعض السلع والمنتجات واستغلال حاجة الأفراد إليها لرفع أسعارهم. ودائماً ما تتركز رغبات الطامعين في الحصول على المال، لذا تقوم سيكولوجية الطامع على أساس أن ما يملكه من مال هو دائماً قليل بالمقارنة بما يملكه الآخرون، هذا بالإضافة إلى أنهم حاسدون وحاقدون لأقل الأموال التي تذهب بعيدا عنهم، وكأن المال قد خلق من أجلهم فقط. وفيما يتصل بالخوف، فإنه يتصل باضطرابات المال من حيث عدم القدرة على الإنفاق وإحجام الفرد عن المتاجرة بأمواله لاعتقاده أن الخسار هو دائما حليفه وأن المكسب هو دائما من نصيب الآخرين. أما الحسد، فهو من أكثر الظواهر التي تحدث نتيجة للمال. فأكثر مظاهر الحسد بين الأفراد والجماعات هي بسبب المال. ويحدث الحسد المالي عندما يقارن الأفراد بعضهم ببعض، وبخاصة من ينتمون إلى طبقة اجتماعية ومهنية واحدة. ولا يقتصر الحسد المالي على الفقراء المحتاجين إلى المال، بل قد يحدث من جانب الأغنياء للفقراء، فالحسد يرتبط في المقام الأول بطبيعة الشخصية ولا يرتبط بالوضع المالي. ومن هنا يرى ماتيوس أن المال إذا كان يمنح الفرد الشعور بالحماية والقوة والأمن النفسي والإثارة والبهجة والدافعية والكمال، فإن قلة المال أو انعدامه قد تعني كثيرا من الجوانب المرضية المتمثلة في الخوف وعدم الاستقرار النفسي والشعور بالملل والحزن وانخفاض مستوى الدافعية. وفي دراسة قام بها وار وباين عن الشعور بالقلق لدى الأغنياء والفقراء، اتضح أن الفقراء يشعرون بالقلق من المشكلات المالية، سواء كانت مشكلات قابلة للحل أو غير قابلة للحل، أما الأغنياء فيشعرون بالقلق من المشكلات المالية غير القابلة للحل. كما أجرى كيسلر دراسة عن العلاقة بين الحالة الاجتماعية الاقتصادية والتوتر النفسي، وأوضح فيها أن انخفاض الدخل المادي من أهم العوامل التي تساعد على التنبؤ ببعض الاضطرابات النفسية، خاصة انخفاض تقدير الذات.
معركة حصن برزية
د. محمد منير الجنباز
22-10-2018
7,646
https://www.alukah.net//culture/0/130160/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%ad%d8%b5%d9%86-%d8%a8%d8%b1%d8%b2%d9%8a%d8%a9/
معركة حصن بَرْزَية في جمادى الآخرة 584هـ سببها: خطر تلك القلعة على المسلمين من حيث الموقع والتحكم في الطرقات، وهي تقع في منطقة "الغاب" التابعة لمدينة حماة حاليًّا، قريبًا من قلعة أفاميا؛ إذ تقع أفاميا إلى الشرق منها وبينهما بحيرة يُشكِّلها نهر العاصي. وصلها القائد صلاح الدين الأيوبي، فطاف حولها ليُحدِّد مكان الهجوم، فوجد أنها لا تُرام من جهتي الشمال والجنوب، وهي صعبة أيضًا من جهة الشرق، فحدَّد الهجوم من جهة الغرب؛ حيث يدور الوادي حولها من هذه الجهة، فنصَب المنجنيقات وأمر بالرمي عليها؛ لكن الإفرنج في القلعة نصبوا منجنيقًا على القلعة، ورموا منجنيقات المسلمين فعطَّلوها، فقرَّر صلاح الدين مهاجمتهم واستغلَّ كثرة جنوده وقلة المدافعين في القلعة، فقسَّم جيشه إلى ثلاثة أقسام، وأمر القسم الأول بالهجوم فإذا تَعِب انسحب وحلَّ محلَّه الثاني ثم الثالث، وبدأت الفِرقة الأولى بقيادة زنكي بن مودود، فاقتربت من القلعة، فتلقَّت سيلًا من الحجارة التي إذا صدمت بالجندي قذفته إلى أسفل الوادي، فيصبح أشلاء ممزَّقة، وأمطرها المسلمون بالنشاب ليشلُّوا حركتَهم، واستمر الهجوم إلى ما قبل الظهر، وكان الوقت صيفًا والشمس متوهِّجة، ثم انسحب هذا القِسْم، فقام القِسْم الثاني وأخذ مكانه في الهجوم، وهم من خواصِّ جند صلاح الدين، فأنشبوا القتالَ حتى الظهر، وأرادوا العودةَ فردَّهم صلاح الدين لتطويل مدة الزحف، ثم أمدَّهم بالقسم الثالث فنهضوا مُلبِّين وتكاثروا على القلعة، ولم يستطع الإفرنج مواصلةَ القتال، فتَعِبوا حتى عجَزوا عن حمل الحجارة الكبيرة التي كانوا يرمونها، ثم انضمت الفرقة الأولى بعد أن استراحت، فوصل المسلمون إلى السور ورقوه وخالَطوا الإفرنج وهزموهم، فتركوا السور وهربوا إلى أعلى الحصن، وهو أشبه بالقلعة في داخله، وأخذوا معهم ما كان عندهم من أسرى المسلمين، والأغلال في أيديهم وأرجلهم، وطرَحوهم أعلى السطح، ودخل الفاتحون مكبِّرين، كما رقِي القلعة جنودٌ من جهة الشرق، وطهَّروا تلك الأماكنَ من الإفرنج، وفقَد الإفرنج زِمامَ المبادرة، وفقدوا الاتصال، ودبَّت الفوضى في صفوفهم، ثم إن المسلمين الأسرى لما سمعوا تكبير المسلمين في القلعة كبَّروا وهم في السطح؛ ليُعلِموهم مكانهم، فظن الإفرنج أن أعلى القلعة قد أُخِذ أيضًا، فخافوا وفتحوا الأبواب مستسلمين، فسقط هذا الحصن الحصين، وأراح الله المسلمين من شر ساكنيه. وقد فتح صلاح الدين أكثر من عشرين قلعة وحصنًا في هذه المناطق الجبليَّة، كلها بمثل هذه الحروب؛ مثل: حصن بكاس، والشغر، ودرب ساك، وبغراس، وسرمينية، وصفد، وكوكب... إلخ، فكانت بمثابة مخالب قاتلة موجَّهة من الصليبيين للمسلمين، فلا تستقر لهم تجارة ولا زراعة ولا تَنقُّل أو سفر بسببها.
أرجوزة الأنجم الدرية في نظم أسماء شهور السنة الهجرية
محمد آل رحاب
22-10-2018
17,203
https://www.alukah.net//culture/0/130153/%d8%a3%d8%b1%d8%ac%d9%88%d8%b2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%ac%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d8%b8%d9%85-%d8%a3%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%b4%d9%87%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d8%a9/
أرجوزة الأنجم الدرية في نظم أسماء شهور السنة الهجرية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعدُ: فقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]. فبيَّن جل وعلا أن شهور العام: ((اثنا عشر)) ((12)) شهرًا، وقد رأيتُ بعض أبناء المسلمين في هذا الوقت الذي تُحارَب فيه اللغةُ العربية، ويحارَب فيه التحدثُ بالفصحى، ويُسخَر من المتحدثين بها - لا يعرفون شيئًا عن هذه الأشهر الإسلامية، اللهم إلا عن شهر منها أو شهرين؛ كرمضان وذي الحجة، لتعلُّقِهما بفريضتين عظيمتين وركنين شهيرين من أركان الإسلام، هذا فضلًا عن أن يحفظوا أسماء سائر الشهور وترتيبها، واستعمال ذلك في كتاباتهم ومخاطباتهم، زِدْ على ذلك معرفة معانيها واشتقاقاتها، وسبب تسميتها، وأوْجُه ضبطها ونُطقها، لذا وغيره جاءت فكرة هذه الأرجوزة التي سميتُها: ((الأنجم الدرية في نظم أسماء شهور السنة الهجرية))، نفعني الله وإياكم بها، وغفَر لنا ولوالدينا وللمسلمين، آمين. نص الأرجوزة: قال محمدٌ هو ابنُ أحمدا [1] يرجو من الرحمن أن يُسددَا الحمد لله وصلَّى ذو العلا على النبي المصطفى خيرِ المَلا والآلِ والصَّحبِ هم البدورُ ما دامت الأيامُ والشهورُ وبعد إن هذه أرجوزةٌ لطيفةٌ في بابها وجيزهْ سميتُها ب((الأنجم الدُّرِّيَّةِ)) في نظمِ أسماء شهورِ السَّنةِ أعني بها: الهجرية المرضيَّهْ هجرةَ خيرِ الخلق والبَريَّهْ صلى عليه ربُّنا وسلَّما والآلِ والأصحابِ ثم العُلَمَا فصل شهورُ هجرةٍ أتتْ: "ثنتَيْ عشرْ" أنظمها ليسهُلنْ حفظُ البشرْ مُحَرَّمٌ - يا صاح - بعدَه: صَفَرْ رَبِيعُ أوَّلٍ، وثانٍ مُستطرْ وبعدَه - يا صاحبي -: جُمَادَى أَوَّلُ، مَعْ ثَانٍ يلي أفادَا وبعدَ ذا قُل: رَجَبٌ شَعْبَانُ يَليه: شهرُ صومنا رَمْضَانُ [2] عاشرُها - يا ذا النُّهى -: شَوَّالُ ذُو قَِعْدَةٍ، ذو حَِجَّةٍ [3] ، قد قالُوا نظمتُها بمكة المكرمهْ والحمد لله على ما تَمَّمهْ ♦ ♦ ♦ أسماء الشهور منثورة: شهور السنة الهجرية بالترتيب، كما يلي: 1- محرم. 2- صفر. 3- ربيع الأول. 4- ربيع الثاني. 5- جمادى الأولى. 6- جمادى الثانية. 7- رجب. 8- شعبان. 9- رمضان. 10- شوال. 11- ذو القعدة. 12- ذو الحجة. ♦ ♦ ♦ جدول أسماء شهور السنة الهجرية مع ما يقابلها من أسماء شهور السنة السريانية والرومانية الميلادية ل مزيد الفائدة. فائدة : ألَّف العلماء كتبًا نفيسة فيما يتعلق بالعبادات والمناسبات الدينية المتعلقة بهذه الأشهر الجرية، أنفسُها على الإطلاق وأغزرها فوائد: كتاب (( لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف ))؛ للعلامة ابن رجب الحنبلي ت 795 هـ رحمه الله، واختصره بعض المعاصرين. وللعلامة يوسف بن حسن بن أحمد بن حسن بن عبدالهادي الصالحي، جمال الدين، ابن المِبْرَد الحنبلي ت 909 هـ رحمه الله، كتاب نافع في الباب سماه: (( معارف الإنعام وفضل الشهور والأيام ))؛ مطبوع. وللعلامة أحمد بن أبي بكر بن علي بن إسماعيل الحموي، ابن الرَّسَّام 763 - 844 هـ رحمه الله، كتاب: ((عقد الدرر واللآلي في فضائل الشهور والأيام والليالي))؛ طُبِعَ مؤخرًا. وللحافظ ابن الجوزي ت 597 رحمه الله: (( النور في فضائل الأيام والشهور ))، وما زال مخطوطًا، ويعتبر أولَ مؤلَّف مفرد في بابه، وأخَّرت ذكرَه؛ لكونه لَمَّا يُنشر بعدُ. نسأل الله تعالى أن يُعيننا على تعمير الأوقات بالأقوال المرضيات، والأعمال الصالحات، والأحوال الزاكيات، ويُثبتنا على ذلك حتى الممات، آمين. [1] ألف الإطلاق للوزن. [2] بإسكان الميم للوزن. [3] فائدة: ذو القعدة - بفتح القاف وكسرها - والفتح أفصح، وذو الحجة - بفتح الحاء وكسرها - والكسر أفصح، وقد نظَمَ ذلك بعضُهم، فقال: "وفتحُ قافِ قَعْدَةٍ قَدْ صَحَّحُوا *** وكَسْرُ حاءِ حِجَّةٍ قَدْ رَجَّحُوا" وسُمِّيَا بذلك؛ للقعود عن القتال في الأول، ولوقوع الحج في الثاني، وقيل: إن أصل التسمية لشهر ذي القعدة تقوم على فكرة القعود عن الحرب، قال البيروني: « ... وذي القعدة للزومهم منازلهم»، وقال: «ثم ذو القعدة لما قيل فيه: اقعدوا أو كفُّوا عن القتال»، وفي اللسان: « ....وقيل: سُمِّي بذلك لقعودهم في رحالهم عن الغزو والميرة، وطلب الكلأ»، وجاء في المصباح المنير عند تفسيره أسماء الأشهر الإسلامية: «وذو القعدة لما ذللوا القعدان....»، والقعدان جمع: قعود، وهو ابن الجمل، وأما في السريانية، فإنه يفيد الركوع وحني الرُّكب، فيكون قد سُمِّي ذا القعدة استعدادًا للحج، أو لأنه كان في الجاهلية شهرًا مقدسًا محرمًا لا يَحِلُّ فيه القتال.
تعطيل أقلام مشوهي الإسلام
صالح الشناط
21-10-2018
2,637
https://www.alukah.net//culture/0/130132/%d8%aa%d8%b9%d8%b7%d9%8a%d9%84-%d8%a3%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%85%d8%b4%d9%88%d9%87%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
تعطيلُ أقلامِ مشوِّهي الإسلام أن يكتُب مسلمٌ عن الإسلام لا يَعني أن المكتوب حتمًا صوابٌ، فكم من الفِرق والجماعات والطوائف والأشخاص الذين هم تحت مظلة الإسلام، غير أنهم ليسوا على الجادة والصراط المستقيم! أما إن كان من يكتُب عن الإسلام مَن ليس منه، فلا شكَّ أن التأهبَ والاستعداد والفِطنة والوعي لِما بين السطور، أمرٌ لا بدَّ منه، وأخذ الحيطة والحذر مِن أن يدخلَ في الدين ما ليس منه وينتشر، أو تُفسَّر أشياءُ على غير مقاصدها، ومَن كتَب عن الإسلام ممن ليسوا منه كثيرون، فلماذا يكتبون؟! حقيقةً إن منهم مَن يرمي إلى البحث عن الصواب، ويَجول في بطون الكتب الإسلامية، ويسكن المجتمعات المسلمة ليَعرفَ الحقيقة، فهذا قد يُصيب في جانب، لكنه يُخطئ في جوانب لقصوره عن المعرفة، وربما مثل هذا يبحث في الإسلام ويكون لديه قناعة مسبقة بأن دينه أيًّا كان هو الصواب، فهو يبحث في مقارنة الأديان، وهو متعصبٌ لدينه. كذلك هناك من يكتُب عن الإسلام ويدسُّ فيه الدسائسَ والأكاذيب، ويُحاول التشويه، ممن هدفه الجاه أو المال، فمثل هذا حقدُه دفينٌ، وإن بدا أنه يجامل المسلمين، ويتقبَّلهم، ويذكر أشياءَ كثيرة صحيحة في دين الإسلام. كذلك ممن يكتب عن الإسلام المبشرون ذَوُو الأهداف والأطماع المادية، فعملُهم قائمٌ على الكسب فيما يعتقدون. ومثل هذه الكتابات ربما لا يُلقي لها بالًا من كان إسلامه بالفطرة، ومجتمعه وبيئته مسلمةً، ولكن من يبحث في الإسلام ليَقتنع به، أو وقَع في يد مسلمٍ قليلِ الدِّراية، ضعيفِ الحُجة، فإن ذلك مأزقٌ قد يصعُب الخروج منه. ومن هنا لا يجب الاستهانة بمثل هذه الكتب، ونقول: إنها لن تضيرَ الإسلام شيئًا، صحيح أن الإسلام هو الحق الذي لا يُعلى عليه، ولكن مما ينبغي للمسلم الداعية ومن يسكن المجتمعات الغربية أو غيره - أن يكون على دِرايةٍ بتلك الشُّبَه والأكاذيب التي تُلصق بالإسلام وتدخل فيه ما ليس منه. ومن هنا كتب الأستاذ عباس العقاد كتابه "ما يقال عن الإسلام" الذي عرض فيه أسماءَ كتبٍ عديدة، كتبها مفكرون وعلماءُ غير مسلمين، وطرَحوا فيها الشُّبهات التي تحتاج إلى ردودٍ. ومنهج القرآن الكريم أنه لم يُهمل ادعاءات المشركين وشُبهاتهم، بل عالَجها بالحجة والبرهان، ومن أمثلة ذلك الردُّ على منكري وجود الله؛ حيث قالوا: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثية: 24]، فزعموا أن وجودهم على هذه الأرض عبثًا. ويفنِّد القرآن هذه المقولة بالأمر بالتفكر في خلق الكون الذي لا يُمكن أن يكون من غير صانعٍ أو يكون عبثًا: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا ﴾ [آل عمران: 191]. ومن هنا فإن تَفنيد الشُّبه التي طُرِحت وما تزال ضدَّ الإسلام من المتربصين به، أمرٌ لا بدَّ أن يَتصدَّى له الغيورون على دينهم، المتعمقون في المعرفة، وأساليب الردود والدفاع، الذين يغوصون في أعماق الشُّبه المطروحة وأسبابها وأهدافها؛ ليُفحموا ويُلجموا قائليها، ويَكسِروا أقلام مشوهي الإسلام. ومما يحاولون الطعن من خلاله في الإسلام، فريضة الصيام، كيف نمتنع عن الطعام والشراب والجماع الوقت الطويل، وأن في ذلك دعوةً للمسلمين إلى الكسل وقلة الإنتاجية؟! وقد قال لي نصراني يومًا في إحدى أيام رمضان: إني أتعجب كيف تستطيعون الامتناع عن الطعام والشراب هذه المدة، إنني لا أستطيع المكوث هكذا حتى الظهر؟! ثم يعود بعدها وينقض مقولته الأولى بنفسه، ويقول: اليوم بقيتُ بلا أكلٍ حتى ساعة متأخرة، فوجدتُ نفسي نشيطًا أكثر من أي يوم في العمل! ثم من يقول: إن الصيام يُسهم في قلة الإنتاجية والحركة، فليقرأ التاريخ وكيف كان رمضان شهر الفتوحات والانتصارات! إن الصيام هو تهذيب للنفس، ونوع من أنواع التربية النفسية والاجتماعية، واليوم يمارس الصيام في كثيرٍ من الأحوال؛ مثل: صيام الجنود؛ حيث يُعد تدريبًا لهم وتعويدًا على ما هو آتٍ من مهمات قد لا يجدون فيها الطعام، وصيام الرياضيين عن بعض أنواع الطعام؛ ليكونوا أكثرَ لياقة ونشاطًا، وصيام لأجل حُسن المظهر والرشاقة، وصيام لأجل اجتناب الأمراض، وكلها أنواع تتطلب الكفَّ عن الطعام والشراب والشهوات، وإن كانت جزئية أو انتقائية. وفي أكتوبر 2018 كشف أطباء كنديون في مستشفى سكاربورو عن أن ثلاثة من مرضى السكري من النوع الثاني، تمكَّنوا من التغلب على المرض عن طريق الصيام لمدة 24 ساعة، ثلاث مرات في الأسبوع. فبعد هذا ننظر إلى عظمة التشريع الإسلامي كيف أنه شرَع الصيام، فالإحاطة بمثل هذه المسألة واستقراء الشواهد، لا شك أنها تُلجم المتربصين والحاقدين وأصحاب الشُّبهات، وتكسِر الأقلام التي تحاول تشويه الإسلام.
التعاقب الوظيفي وتحديات إعداد البديل بالترادف
نايف عبوش
21-10-2018
7,178
https://www.alukah.net//culture/0/130128/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%82%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b8%d9%8a%d9%81%d9%8a-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d8%b9%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d9%8a%d9%84-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%af%d9%81/
التعاقب الوظيفي وتحديات إعداد البديل بالترادف لا ريبَ أن عملية تأهيل قيادات الظل بكل مستوياتها في موقع المسؤولية في المنشأة، أيًّا كانت طبيعة تلك المنشأة، صناعية أم تجارية أم إدارية - تُعد من بين أهم الأولويات التي ينبغي أن تأخذها الإدارة في الحُسبان، في إستراتيجيَّتها لإعداد الكوادر القيادية في العمل؛ إذ من المعلوم أن الكادر القيادي الكُفْءَ، يعد أحدَ عوامل تحقيق النجاح، وذلك من خلال قدرته العالية على ترشيد مدخلات عملية النشاط الذي تمارسه المنشأة، بما يحقق أعلى درجات كفاءة الأداء. ولأن التعاقب الوظيفي يعتبر حالة طبيعية نتيجة حركة الملاك، سواء بسبب المرض، أو الإحالة على التقاعد، أو النقل، أو الاستقالة، فإن تلك الحالة غالبًا ما تطرَح إشكالية جدية على الإدارة، بسبب حتمية مغادرة القائد المتمرس المتراكم الخبرة مكانه الوظيفي يومًا ما؛ حيث تواجه المنظمة عند ذاك فراغًا واضحًا فيمَن يُمكن أن يحلَّ محلَّه من الأطر والكفاءات التي يُمكنها أن تُدير العمل، وتعزِّز الإنجازات المحققة، وترسم الخطط المستقبلية، بنفس الزخم من كفاءة الأداء التي كانت تتمُّ على يدي القائد السابق، وذلك لعدم وجود القائد البديل في اللحظة، لا سيما أن الكثير من المنشآت تفتقر إلى خطط الإحلال للقيادات البديلة من كادر الصف الثاني الذين قد تَظهر الحاجةُ إليهم في أيَّة لحظة، نتيجة حالة التعاقب الوظيفي. ولذلك فإن ثقافة الإحلال والتجديد، ينبغي أن تكون أمرًا مستساغًا ومقبولًا ومعتمدًا في بيئة العمل، باعتبار أن الإحلال مسألة طبيعية، ما دام المديرون في مختلف مستويات المسؤولية يُرَقَّوْن لمناصبَ أعلى، أو ينتقلون إلى وظائفَ أخرى، أو يستقيلون، أو يتقاعدون، وبالتالي فإن ذلك الحال يعني أن هناك مناصبَ لا بد أن تَخلوَ ممن يشغلها لتلك الأسباب، أو غيرها، ومن ثم فإن الأمر يتطلب العمل على مَلء الشاغر، وشَغْله بالأشخاص المناسبين، لضمان استمرار النشاط دونَ تَلَكُّؤٍ، أو تَدَنٍّ في مستوى الأداء. وهكذا يكون الإحلال مطلوبًا، ليس لمجرد ضمان استمرار المنظمة بمستوى الأداء المطلوب وحسب، بل لأنه ضرورة عملية لتجديد بِنية القيادة الإدارية، من خلال ضخِّ دماء جديدة لها، تبعث فيها رُوحَ الإبداع والقدرة على الابتكار. ولذلك فإن حالة التعاقب الوظيفي، تتطلب وضعَ خُطة رشيدة للتعامل معها، وذلك بتهيئة برامج مهنية لإعداد مديرين واعدين، وفقًا لمعايير رصينة، سواء من خلال حلقات تدريبية نظرية، أو من خلال المشاركة في ورش عملٍ ميدانية، تتم بالتماس مع القادة الخبراء المتمرسين بتفاصيل النشاط، للتعلم منهم بالاحتكاك المباشر، ومناقشتهم، والاستفادة من تجربتهم، وخبراتهم المتراكمة، ونقلها للكادر البديل الواعد بالترادف. ولعل التدريب بالممارسة الميدانية، ونقل الخبرة بما يُمكن أن يُطلق عليه أسلوب التلمذة - يحقِّق الكثير من الإيجابيات، بما فيها آلية زجِّ القائد الواعد في العمل، مكان القائد الفعلي في حالة إيفاده، أو إجازته السنوية، ومراقبة أدائه، وملاحظة قدرته على اتخاذ القرارات المصيبة، والوصول إلى النتائج المستهدفة دون تعثُّرٍ.
مجموع فيه ٣ إجازات بخط العلامة شمس الدين السخاوي (PDF)
محمد آل رحاب
18-10-2018
6,361
https://www.alukah.net//culture/0/130090/%d9%85%d8%ac%d9%85%d9%88%d8%b9-%d9%81%d9%8a%d9%87-%d9%a3-%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d8%ae%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%b4%d9%85%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%ae%d8%a7%d9%88%d9%8a-PDF/
الكتاب: مجموع فيه ٣ إجازات بخط العلامة شمس الدين السخاوي. المؤلف: محمد آل رحاب . عدد الصفحات: 19. مجموع فيه ٣ إجازات بخط العلامة شمس الدين السخاوي هذا مجموع آخر يشتمل على (3) إجازات أخرى نادرة نفيسة بخطه، وهي: 1- إجازته لمحمد بن عبدالحفيظ المزَبَري، الرِّباطي الذَّهوبي الإبي اليماني، ثم المكي الشافعي، بكتاب: ((الشفا في التعريف بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم))؛ للقاضي عياض. 2- إجازته له بكتابه: ((الرياض في ختم "الشفا" للقاضي عياض)). 3- إجازته لنور الدين أبي الحسن علي بن محمد، الشهير بابن أبي تينة، وبابن الفتى اليماني ثم المكي الشافعي ت888 هـ، بكتابه ((فتح المغيث في شرح" ألفية الحديث"؛ للحافظ زين الدين أبي الفضل العراقي.
العبث بالتاريخ الإسلامي
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
17-10-2018
9,785
https://www.alukah.net//culture/0/130076/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a/
العبث بالتاريخ الإسلامي من العبث في علوم الدين - والدين نفسه - إلى العبَث بالتاريخ عامَّة، والتاريخ الإسلامي بخاصَّة؛ إذ إنَّ بعضًا من المؤرِّخين الأجانب من المستشرقين والأدباء العرب من غير المسلمين، قد أساؤوا إلى التاريخ الإسلامي إساءة متعمَّدة - في المجمل، لا في الكُلِّ - ساعدَهم في ذلك تلك الموضوعية في السرد التاريخي التي لجأ إليها بعض المؤرِّخين والمفسِّرين من المسلمين - والمؤرِّخين من غير المسلمين - كالطبري والقرطبي وابن كثير، والمسعودي وابن الأثير، وغيرهم عندما أدخلوا في سَردِهم التاريخي، وفي تفسيرهم، بعضَ الأخبار الإسرائيلية التي بثَّها اليهود في ثنايا توثيق الأحداث والأخبار [1] . ثمَّ يمضي الزمان ويظهر علينا كُتَّابٌ وأدباء ومؤرِّخون في نهاية القرن التاسع عشر إلى بداية القرن العشرين الميلاديين، ويدرك المؤرِّخون والمختصُّون هذا الدسَّ على التاريخ الإسلامي، ويعالجونه في بحوثهم ودراساتهم وندواتهم ومؤتمراتهم، ليبقى محصورًا بينهم، وبقاء الردود محصورةً بين المختصِّين يفوِّت الفرصةَ على المتابعين من القرَّاء المحبِّين للتاريخ، دون أن يكونوا من المختصِّين، فيظهر من هؤلاء القُرَّاء كُتَّاب - لهم بدورهم قُرَّاء - قد تكون كتاباتهم محصورة على الصحافة السيَّارة من جرائد ومجلات ثقافية، ثم يظهر منهم كُتَّاب الروايات التاريخية، التي يبحث عنها المنتِجون والمخرجون في أجهزة الإعلام من إذاعة أو تلفزيون. لأنَّ المشاهِد التمثيلية تحتاج إلى البهارات، تُدخل عناصر العشق والحبِّ والغرام في مشهد تاريخي مصيري لا علاقة فيه - وبه وله - بالعشق والحبِّ والغرام، فيفسد الغرَض النَّبيل من الحادثة التاريخية بسبب هذه " البهارات "، التي لا تكاد تخلو منها قصَّة تاريخية لحلقة واحدة أو لحلقات مسلسلة، حتى يصل الأمر إلى أن تكون الفتوح الإسلامية التي كانت من أسباب انتشار الإسلام قامَت لأسباب تتعلَّق بالعشق والغرام. استَعرِضوا - إنْ شئتم - روايات تاريخ الإسلام من إعداد جرجي زيدان، الذي كتب عن تاريخ التمدُّن الإسلامي، وهي سلسلة بدأَت أحداثُها من عصر الخلفاء الراشدين إلى سقوط الخِلافة الإسلامية العثمانية سنة 1343هـ/ 1924م، مرورًا بالحروب الصليبية وموقعة حِطِّين، التي أُعيدَت أسبابها إلى التعلُّق بفتاة من قِبَل قادة هذه المعركة من المسلمين، حتَّى عنوانات الرِّوايات كانت مثيرةً، وصورة الغلاف كانت أكثر إثارة؛ من غادة كربلاء إلى العبَّاسة أخت الرشيد إلى فتاة غرناطة، وما إلى ذلك [2] . العجيب أنَّ هذه السلسلة من الروايات كانت مقروءة بصورة مذهلة عند خروجها عن دار الهلال للنَّشر بالقاهرة، الرائدة بمجلَّتها المشهورة، وسلسلة كتاب الهلال المشهورة أيضًا، بما أسهمَت به في نشر الثقافة العربية الإسلامية، تلك الدار التي كان لجرجي زيدان - هو وأهله - الفضلُ في إنشائها سنة 1892م [3] . ثمَّ تبعه بعضٌ من أصحابنا على هذا النسق الذي لم يسلَم منه الأنبياء والرُّسل - على ما جاء في الإسرائيليات عن داود عليه السلام - وأضحَت الإسرائيليات أرضية، أو خلفية، أيِّ ظاهرة كادَت أنْ تقترن بالنصِّ القرآني [4] ، بل إنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم لم يسلَم منه، وحِيكَ حوله ما حيك حول داود عليه السلام، بفِعل تأثير المستشرقين وتدخُّلهم في تفسير التاريخ، حينما ربطوا بين ما ادَّعوه على داود عليه السلام بما ادَّعوه أيضًا على محمَّد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ثمَّ القيادات الإسلامية التالية، فاختلقوا لها رمزًا غراميًّا، تُدافع عنه، أو تبتغيه، فتثير الحروب من أجله، وتجيِّش الجيوش... هكذا كان العبَث بالتاريخ الإسلامي والفتوحات الإسلامية والرموز الإسلامية، التي اتُّهمَت اتِّهامات هي منها براء؛ فالذي كان يغزو عامًا ويحجُّ عامًا تُحاك حوله قصص اللهو والطرب والشراب، حتى شاع مصطلح "الحريم" لدى المستشرقين [5]. يستمرُّ مسلسل العبَث في علوم المسلمين وموروثاتهم، ويتأثَّر بهذا المسلسل بعضٌ من أبنائه، مما يحتاج معه إلى مزيد من الوقفات الهادئة، التي تخاطب العقلَ بأمثلة حصلَت، وحصل لها قدر عالٍ من التحريف. [1] انظر: علي حسني الخربوطلي: المستشرقون والتاريخ الإسلامي - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1988م - 137 ص - سلسلة تاريخ المصريين (15). [2] انظر: عبدالرحمن بن صالح العشماوي: وقفة مع جرجي زيدان - ط 2 - الرياض: مكتبة العبيكان، 1424هـ/ 2003م - 123 ص. [3] انظر: أمين بن حسن الحلواني: نبش الهذيان من تاريخ جرجي زيدان ، تحقيق: مازن صلاح مطبَّقاني؛ تقديم محمَّد السيد الوكيل - المدينة المنوَّرة: مكتبة ابن القيم، 1410هـ - 1989م - 84 ص - سلسلة دراسات منهجية للاستشراق (4). [4] انظر: حسني يوسف الأطير : البدايات الأولى للإسرائيليات في الإسلام - ط 2 - القاهرة: مكتبة النافذة، 1425هـ/ 2004م - ص (9). [5] انظر: عبدالقادر طاش: هارون الرشيد - بلينفيلد، إنديانا: منظَّمة الشباب المسلم العربي.
ردود القيادة السعودية على حملات الكيد والمكر زاخرة بالحكمة والحلم والقوة
الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع
16-10-2018
8,983
https://www.alukah.net//culture/0/130030/%d8%b1%d8%af%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ad%d9%85%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%b1-%d8%b2%d8%a7%d8%ae%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a9/
ردود القيادة السعودية على حملات الكيد والمكر زاخرة بالحكمة والحلم والقوة الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، أما بعد: فلم تزل حملات الكيد والمكر تتوالى على المملكة العربية السعودية بين الفينة والأخرى، مع استغلال واختلاق الفرص والمناسبات للتربص بوطننا وقيادته. وفي غضون الحملة الإعلامية والسياسية والدبلوماسية الجائرة ضد المملكة وقيادتها هذه الأيام، والتي تتوازع أدوار المكر فيها دوائر متعددة في عدة دول؛ وما صاحب ذلك من تزييف الحقائق ونشر الأكاذيب واستئجار الذمم والضمائر، وما اندفع به بعض الموتورين بناءً على تلك المزاعم من التلويح بعقوبات ضد المملكة!. وقد جاءت ردود القيادة السعودية على مستويات عدة حافلةً بالحكمة والحلم والقوة، مما هو فخر كل مواطن وكل المسلمين الذي تخفق قلوبهم نحو هذا الوطن العزيز حباً وفداءاً. وفي هذا المقام يجدر استحضار عدة أمور: أولاً: ثقة الشعب السعودي في القيادة السعودية ودبلوماسيتها المحنكة ثقةٌ راسخةٌ لا تتزعزع، وهي مبنية على منهج قرآني جليل وهو ما دلَّ عليه قول الله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83]. ونقولها بكل وضوح وعن عقيدة راسخة: قيادتنا السعودية لها منا الولاء المطلق، وهي أصدق وأوثق عندنا من كل الوكالات والمنصات الإعلامية في العالم، مهما زخرفت أقوالها أو زينت مزاعمها، فولاؤنا لولاة أمرنا تحكمه بيعةٌ شرعية لا نحيد عنها قيد أنملة. فكل ما فنَّدته حكومتنا فهو مكر وكذب مردود، وهو مغموس بمبادئ متلونةٌ ومتأرجحة، وتنفخ في رماده ذمم رخيصة تباع وتشترى لمن يدفع لها. ثانياً: لقد احتفى الشعب السعودي بلغة الحزم في بيان المصدر المسؤول برفض دولتنا التام لأي تهديدات بفرض عقوبات اقتصادية، أو استخدام الضغوط السياسية، أو ترديد الاتهامات الزائفة، هذه اللغة الحازمة الرافضة لتلك التهديدات لها شعب رهن إشارة قيادته مصطفّاً وراءها لترجمة هذا الالتزام الشجاع نحو الوطن واستقراره ونحو مبادئه وثوابته الراسخة. وإن تاريخ الشعب السعودي النبيل مع قيادته واضح في التآزر والتعاضد، واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس من أجل أمن واستقرار المملكة، وقد توالت الحملات تلو الحملات لتخرج منها القيادة السعودية منتصرة على المبطلين وكاشفة لأراجيف المجرمين. ثالثاً: ينبغي أن يفهم المتهورون دلالة ما ألمحت إليه الحكومة السعودية من استنادها كذلك إلى مكانتها الخاصة، بوصفها مهبط الوحي، وقبلة المسلمين. فإن التلويح بعقوبات وتهديدات من أي جهة كانت فهو تلويح بإلحاق الضرر بمقدسات المسلمين بمكة والمدينة حيث الكعبة المشرفة والمسجد والنبوي والمشاعر المقدسة التي سخرت لها السعودية مقدراتها لعمارتها وخدمتها. والمساس بمقدرات السعودية هو في الحقيقة مساس بتلك المقدسات التي هي أعز وأقدس ما لدى ملياري مسلم في أصقاع الأرض. رابعاً: التهم والادعاءات التي يلوكها عدد من السياسيين والإعلاميين في عدد من الدول وفق أجندات غير خافية ثم تجترها قناة الجزيرة القطرية، توضح سخفهم ودناءتهم وبُعدهم عن الموضوعية وعن التحلي بالمعايير المهنية، وافتقادهم لاحترام ذواتهم ونظرة العقلاء إليهم، وهذه الادعاءات أشبه ما تكون بالأماني، وهي كما قال الله تعالى: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118]. خامساً: الراصد لمواقف الكيد والمكر ضد المملكة وقيادتها يلحظ أنها كانت في كل مرةٍ مفيدةٌ للقيادة السعودية ولشعبها الكريم، لتميز الخبيث من الطيب من الحكومات والمنظمات وتظهرها على حقيقتها. ولسوف تتكشف الأقنعة وتكثر الخيبات، كما قال طرفة بن العبد في معلقته: ستُبدي لك الأيام ما كنتَ جاهلاً *** ويأتيك بالأخبار من لم تُزوِّدِ حفظ الله بلادنا من كل بلاء وفتنة، وأعز قيادتها وشعبها ودفع عنهم كل سوء. نشر في صحيفة سبق الإلكترونية - 5 صفر 1440 يوافقه 4 أكتوبر 2018 https://mobile.sabq.org/QqLPD9
الاهتمام بالتأليف في علوم الأرض
أ. د. عبدالحليم عويس
15-10-2018
3,291
https://www.alukah.net//culture/0/130010/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%87%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%84%d9%8a%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b6/
الاهتمام بالتأليف في علوم الأرض يقسِّم باحث معاصر المشتغلين بعلوم الأرض إلى قسمين: القسم الأول: (300 - 500هـ تقريبًا/ 900 - 1100 م تقريبًا)، ويمكن تسمية علمائها بالرُّوَّاد ( الموسوعيِّين ) في علم الأرض. القسم الثاني: (500 - 800 هــ تقريبًا/ 1100 - 1400 م تقريبًا)، ويمكن تسمية علمائها بالرواد ( المتخصصين ) في علم الأرض. ومن هذا نفهم أن الاهتمام بدراسة الأرض لم يبدأ - على نحو علمي - إلا في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) [1] . ومن الرواد الموسوعيين في علم الأرض أبو عبدالله جابر بن حيان، شيخ الكيمائيين العرب بلا منازع. ومن مؤلَّفات جابر في التعدينِ والمعادن: كتاب القمر، وكتاب الفِضة، ومنه نسخة بمكتبة باريس (مجموعة 2606)، وكتاب الأرض، ولعله هو ( أرض الأحجار ) الذي طبعه ( برتلو ) " Partello "، نقلًا عن المخطوط الموجود في مجموعة ( ليدن ) " Leiden " (رقم 440)، ومنه نسخة بمكتبة بباريس (مجموعة رقم 2606)، وكتاب خواص أكسيد الذهب، ترجمه ( هولميارد ) " Holmegaard " إلى الإنجليزية باعتباره أهم كتب جابر [2] . ومن هؤلاء - كذلك - أبو بكر محمد بن زكريا الرازي (ت 313 هـ - 925م).. عاش طوال حياته ببغداد، وقد ألَّف الرازي حوالي 224 كتابًا، ضاع الكثير منها وبقي القليل. ويعدُّ علي بن الحسين بن علي - المعروف بالمسعودي (ت 346هـ - 957 م) - من أبرز مَن اشتغلوا بعلوم الأرض، وأشهر كتبه في هذا المجال ( مروج الذهب ومعادن الجوهر )، وبه زياداتٌ في الجيولوجيا الطبيعية؛ كوصف هيئة الأرض، ومعالِمها، وأغلفتها، والمد والجزر، ودورة الماء في الطبيعة، وأوصاف الأنهار، وأسباب ملوحة ماء البحر، وتغيُّر مواضع البر والبحر على مر الزمان، وعلامات وجود الماء في باطن الأرض، ووصف البراكين وما تقذفه من أبخرة ودخان وأحجار. وقد خصَّص المسعودي صفحات كثيرة من كتابه ( مروج الذهب ) في الحديث عن البحار والأنهار، وحركة البحار وأسباب تكونها، وأشاد بنهر النيل، وكتب عن أنهار جيحون وجنجس بالهند، والفرات ودجلة، وأنهار البصرة، وتحدَّث بالتفصيل عن البحر الحبشي وسَعَته ومعادنه وخاصة اللؤلؤ والياقوت، وعاود المسعودي حديثه مرة أخرى عن البحار عندما تحدَّث عما يوجد بها من العجائب، وما فيها من معادن [3] . أما أبو الريحان محمد أحمد الفلكي - المعروف بالبيروني، والمولود في خوارزم (سنة 351هـ) - فهو من الرواد الذين ازدَهَتْ بهم الحضارة العربية والإسلامية، ومع أنه عرف بجهوده في الفلك والرياضيات والطب والآداب والتقاويم والتاريخ، إلا أنَّ له جهودًا في مجال علوم الأرض كذلك. ففي ميدان علم الجيولوجيا عُنِي بدراسة المعدِن والبللورات، ووضع الأساس لهما مستندًا إلى المنهج العلمي التجريبي؛ فقد جمع البيروني الأحجار والمعادن وصَّنفها وفحصها ووصفها وصفًا دقيقًا؛ معتمدًا على التجرِبة، وقد تنبَّأ بمعلومات لم تكن معروفة في زمانه؛ كاعتقاده بحدوث التطورات الأرضية البطيئة [4] . ولم يكتفِ البيروني - في الجيولوجيا وعلم المعادن - بالاستنتاج النظري المجرَّد، وإنما كانت التجرِبة العملية واستنباطاته أساسَ نتائجه العلمية، كما يتبيَّن ذلك بوضوح في كتابه ( الجماهر في معرفة الجواهر )، الذي ألَّفه البيروني للملك مودود بن مسعود الغزنوي، وهو يبحث في علم الجيولوجيا والمعادن والأحجار الكريمة، وقد قام بتحقيقه المستشرق السوفييتي ( كرمكوف )، كما طبعَتْه جمعية دائرة المعارف بحيدر آباد الدكن سنة 1255ه - 1936م [5] . وتوجد منه نسخةٌ مخطوطة في مكتبات الإسكوريال بإسبانيا، وأخرى في المكتبة التيمورية بالقاهرة، وهذا الكتاب القيِّم ما زال إلى اليوم من خير ما كتبه عربي في هذا الموضوع [6] . وكان ابن سينا ( أبو علي الحسين ) (ت 980م) (428هـ)، ممن لهم جهود في علوم الأرض أيًضا. ويَعُد بعضُهم ابنَ سينا المؤسِّسَ الرئيسي لعلم الأرض ( الجيولوجيا )، ومِن أهم كتبه التي تهمُّنا في هذا البحث، كتاب الشفاء الذي يقع في 28 مجلدًا، وقد ترجم إلى اللاتينية واللغات الأوروبية: الإنجليزية، والفَرنسية، والألمانية، والروسية، وبقي هذا الكتاب عدة قرون مرجعًا لهذه الدراسات. وينسب ابن سينا في موسوعته ( الشفاء ) تكوينَ المعادن والأحجار إلى الطين أو الماء أو النار، أما بخصوص تصنيف المعادن، فيقول: إن الأجسام المعدِنية تكاد تكون أقسامها؛ هي: الأحجار والذائبات ( مثل الزئبق ) والكباريت، وهو يذكر أن الجبال تكوَّنت في الغالب من طين لَزِج جفَّ على طول الزمان، وتحجَّر في مدد لا تضبط، والمعمورة كانت غير معمورة، بل مغمورة في البحار فتحجَّرتْ في مدد لا تفي أحقاب التاريخ المعروفة بحفظ مراحلها؛ إمَّا بعد الانكشاف قليلًا قليلًا، وإما تحت المياه لشدة الحرارة المحتقنة تحت البحر. وتكاد آراء ابن سينا عن تكوُّن الجبال، تتَّفق مع النظريات الجيولوجية الحديثة التي تقضي بأن بعض الجبال قد تكوَّنتْ نتيجة لترسب المواد من مياه البحر، ثم انحسار البحر وحدوث بعض الحركات الأرضية التي تؤدِّي إلى ارتفاعه عن مستواه الأصلي [7] . وتوضح هذه الآراء العلمية إسهامَ العرب في النظريات الجيومورفولوجية الحديثة التي تقضي بأن تطور أشكال سطح الأرض يعتمد على عوامل التعرية والإرساب والحركات الأرضية، وعلى ضوء هذا المعنى يمكن القول بأن هذه الآراء تضمنت ما يعرفه علم الجيولوجيا الحديثة من أن الجبال تصبح أرضًا، والأرض تصبح بحرًا، ثم تصبح أرضًا مرة أخرى. وعن تكوُّن الصخور وأنواعها قال ابن سينا: إن الحجارة تتكون من الماء أو الطين أو النار [8] . أما الرواد المتخصصون في علم الأرض (التعدين والمعادن) ، فنذكر منهم أبا العباس التيفاشي (580 - 651ه) (1184 - 1253م)، الذي نبغ في الكيمياء واشتهر بالخبرة بالأحجار الكريمة، وألَّف كتابه المشهور ( أزهار الأفكار في جواهر الأحجار )، وتوجد منه مخطوطات في لندن وباريس، وصنَّف فيه خمسة وعشرين نوعًا من الأحجار الكريمة، وقد تناول كل نوع منها على حدةٍ؛ ذاكرًا أنواعها وخصائصها وأثمارها، ويوجد في دار الكتب الوطنية بباريس ثلاثة مخطوطات من كتاب التيفاشي [9] . وأهم أثر علمي لكتاب (أزهار الأفكار في جواهر الأحجار) أنه أول رسالة في علم المعادن والخاماتِ كثرت ترجمتها إلى اللغات الأوروبية، وكثر التعليق العلمي عليها من الأوروبيين والعرب المحدَثين المهتمين بعلم الجيولوجيا؛ مما أثبت عمق المنهاج العلمي الأصيل للتيفاشي في دراسة المعادن والخامات، وأظهر التجديدات التي أحدثها في أسلوب من سبقوه في هذا المجال. والتيفاشي هو أول مَن تكلم عن ظواهر التشقُّق، والمحصورات، والتوءمية، واختبار الشعلة، وأول مَن حاول وضع نظريات في أصل تكون الخامات. وفي هذا المجال التخصصي نذكر - أيضًا - أبا عبدالله بن زكريا القزويني (ت 682هـ/ 1283م)، الذي اهتمَّ بالتأليف في الجغرافيا، والتاريخ الطبيعي، ومن أشهر كتبه ( عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات )، الذي درس فيه بعض قضايا الفلك والطبيعة والنبات والحيوان والجيولوجيا. يقول القزويني: ولننظر إلى أنواع المعادن المودعة تحت الجبال وفي باطنها؛ منها ما ينطبع؛ كالذهب والفضة، والنُّحاس والحديد والرصاص، ومنها ما لا ينطبع؛ كالفيروز والياقوت والزبرجد...، ثم بيَّن كيفية استخراجها وتنقيتها واتِّخاذ الحُلِي والآلات منها [10] . وجدير بالذِّكر أن كتب ( علماء الأرض ) قد ترجمت إلى عدد من اللغات، وقد أشرنا إلى ذلك في ثنايا الحديث عن كل واحد منهم، كما أشرنا في ثنايا الحديث إلى كثير من ( الترجمات ) لكتبهم، ووجود ( مخطوطات ) من كتبهم في المكتبات والأكاديميات الأوروبية، مما يدل على تأثُّر الأوروبيين بها، واهتمامهم بدراستها وتحليلها؛ كما ذكرنا ذلك عند حديثنا في علوم ( النبات ) و( الحيوان ) مما يدل على الأثر الإسلامي العميق في الحضارة الأوروبية في هذه المجالات الثلاثة. [1] د/ عبدالفتاح مصطفى غنيمة: ميادين الحضارة الإسلامية والعربية وآثارها (4/ 23). [2] المرجع السابق ص (24، 25). [3] محمد عبدالرحمن مرحبا: الجامع في تاريخ العلوم عند العرب، ص (520 - 522). [4] ينظر في علوم الفلك والجيولوجيا في الحضارة الإسلامية: عباس محمود العقاد: أثر العرب، ص (43 - 54). [5] أحمد عبدالحليم عطية: مرجع سابق، ص (381). [6] عبدالفتاح غنيمة: معالم الحضارة والعربية والإسلامية (4/ 70). [7] أحمد عبدالحليم عطية: مرجع سابق، ص (382). [8] المرجع السابق ص (384). [9] عبدالفتاح غنيمة: معالم الحضارة والعربية والإسلامية (4/ 83). [10] أحمد عبدالحليم عطية: مرجع سابق، ص (385 - 386).
في رحاب العلامة الدكتور علي الجندي
د. أحمد زكريا عبداللطيف
14-10-2018
9,530
https://www.alukah.net//culture/0/129989/%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%af%d9%8a/
في رحاب العلامة الدكتور علي الجندي جئنا إلى دار العلوم طلابًا، والعلاقة بيننا وبين الأدب الجاهلي كعلاقتنا باللغة الصينية التي لا نعلم عنها شيئًا، وكانت سُمعة أستاذنا الكبير علي الجندي تُرهب قلوبنا، ونحن نسمَع عن الفشل المدوي للطلاب في مادة الأدب الجاهلي؛ إذ نتيجة كل عام لا تزيد على 20%. حتى كان أول يوم لنا في رحاب دار العلوم في عام 1990، وكانت محاضرة العملاق اسمًا وقيمة، الضعيف جسمًا، الكبير سنًّا، في مدرج 3، وهو أكبر مدرجات الكلية، ولا يحاضر فيه إلا العميد الدكتور محمد البلتاجي حسن، وأستاذنا علي الجندي الذي حبَّب إلينا اللغة العربية، وجعل مُتعتنا في الحديث عن خَولة وطَرَفة، والوقوف على الأطلال. وقد كان للشيخ الذي تجاوز السبعين من عمره طقوسٌ عجيبة في دخوله المحاضرة، فلا يدخل إلا في حراسة عدد وافرٍ مِن العمال يَحمونه من فضول الطلاب، خاصة أن شيخنا كان مهتمًّا جدًّا بمسألة النظافة، فلا يصافح أحدًا، ولو حدَث غسَل يديه مرات عديدة ليس بالماء والصابون فقط، بل ببعض المستحضرات الطبية! ورأيت أساتذتي الكبار كيف كانوا يُجِلُّونه ويُوقرونه، بل رأيتُ الكثير منهم يقبِّل يديه، بل كانوا لا يرفعون أصواتهم في المحاضرات إذا كانوا بجوار محاضرة لأستاذنا، وكانوا يفتخرون بأنهم تتلمذوا على يديه طلابًا في مِحرابه. ورغم الهيبة، وقوة الصوت، والهالة الكبيرة، فإننا كنَّا نستمتع أيَّما استمتاع بمحاضراته، بل نكتب كل كلمة وراءَه، ونحن نتذوق الفصحى السهلة بلا عناء أو تكلُّفٍ. وكان لا يخلو جوُّ المحاضرة من مُزحة خفيفة، وتعليق رائقٍ، وحديث عن ذكريات، ترفع قيمتنا وقامتنا مع هذا العملاق الكبير. سمعتُه وهو يشرَح لنا: "لخَولة أطلالٌ ببُرقة ثَهْمَدِ..."، ويُمعن في إيضاح عاطفة طرَفة، كأنَّا رأيَ عينٍ. غرستْ فينا محاضراتُه وشخصيته حبًّا متجذرًا للإسلام وللغة العربية، ما زلنا نرتوي من فُيوضاته إلى يومنا هذا. وقد كان أستاذنا من ذوي الهِمم العالية، فهو لم يكتفِ بتدريس المقرر للطلاب، بل سمتْ به همتُه، فوضع مخططًا واسعًا لدراسة الأدب الجاهلي، وعلى هدي هذا المخطط كان يُلقي دروسه في الجامعة، وألَّف بناءً على ما خطَّط عددًا من الكتب، الكتاب الأول الذي وضَّح فيه منهج الكتابة هو كتابه الضخم « تاريخ الأدب الجاهلي »، تناول فيه كل ما يتَّصل بالمنهج، وهو لا يفتأ في هذا الكتاب يقرِّر أهمية الأدب الجاهلي للأدب العربي. وكان منهجه أن يدرس الأدب الجاهلي من خلال شعراء القبائل، وهي وجهة نظر مصيبة، ذلك أن المجتمع الجاهلي كان مجتمعا قبليًّا، وكان للقبيلة فيه سطوةٌ عاتية على أفراده ومنهم الشعراء. ولكنه عندما بدأ بدراسة شعراء القبائل بدأ بقبيلة كندة، وهي قبيلة قحطانية، والشعر العربي في معظمه عدناني، وربما دفَعه إلى ذلك تسيُّد امرؤ القيس بن حجر الكندي للشعراء الجاهليين جميعًا. والكتاب الثاني: « شعر الحرب في العصر الجاهلي »، وهو دراسة للأدب الجاهلي من خلال موضوعاته، وهو منهج آخر، ولعل الدكتور أحب أن يَمزج في دراسته بين منهجين... والكتاب الثالث: " الأمير الجاهلي الشاعر امرؤ القيس الكندي "، والكتاب الرابع: " طرفة بن العبد البكري "، وهذا منهج ثالث أضافه إلى المنهجين السابقين: دراسة الأدب الجاهلي من خلال أعلامه. وقد حطَّم أستاذنا أصنامًا كثيرة كانت تَحتكر الأدب الجاهلي، وتُعيد تصديره بصورة تحمل في طيَّاتها خبثًا لهدم الإسلام والتشكيك في القرآن، وكان جبلًا أشمَّ في مواجهة الطاعنين في الشعر الجاهلي، والمشككين في الكتاب العزيز، وكان له صولات وجولات مع هؤلاء جميعًا. وكان لشيخنا بعد الله عز وجل الفضلُ في عشقنا للشعر الجاهلي، بل للعربية كتابةً وتحدثًا.
منهجية تحقيق التراث العربي عند الأستاذ عبدالسلام هارون
سلمان الحساني
14-10-2018
37,118
https://www.alukah.net//culture/0/129981/%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d8%b0-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%87%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%86/
منهجية تحقيق التراث العربي عند الأستاذ عبدالسلام هارون [1] بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما قبلُ : فقد عُرِفت الثقافة العربية بالتعدُّدية والاختلاف على مرِّ العصور، كما عَرفتْ مراحل تطوُّرية كثيرة في مختلف أصنافها وفنونها وعلومها، ولا غَروَ أن كل كُتب العصر القديم تُعد ذاكرة الثقافة، فهو تراثُها وأصلها، وهو مرجعُها ومُستندها في كل الأحوال، ولذلك قيَّض الله لهذه الثقافة القديمة الواسعة من يخدمها تأريخًا وتحقيقًا وتحليلًا ودراسةً، وإذا استرجعنا الذاكرة العلمية، فإننا نجد هذه الثقافة قد وصلت إلينا - في البداية - عن طريق الرواية الشفهية [2] ، لتدخل الكتابة فيما بعد إلى العالم العربي في بداية صدر الإسلام، ولعل أول نصٍّ مكتوب في الإسلام وصل إلينا هو القرآن الكريم، ليبدأ بعد ذلك تدوين الأحاديث النبوية والأشعار العربية، ولَما تفرَّعت المذاهب وكثُرت الفتاوى الدينية قاموا بتدوين الأحاديث، وهي من أوائل التصنيفات، لتبدأ فيما بعد عمليةُ تدوين الأخبار والأشعار وبعض الترجمات ومصطلح الحديث [3] . ولأجل التدوين كان القدماء يكتبون على العظام وكتف الإبل والجلود في مختلف ربوع العالم العربي، كالعراق ومصر وغيرهما، وذلك حتى القرن الثالث الهجري، فوفد الورق وحل محل ما كان، لكن ليس بصفة نهائية؛ لأن الورق كان قليلًا، أما الورَّاقون فقد عاشوا كثيرًا في العصر العباسي، فامتهنوا الكتابة على الورق والنسخ، فكثُرت المخطوطات وتُدُووِلت بين الناس، وأخذ بعض الوراقين في كتابة الأدب، واختلط الصحيح بالكاذب، وقد ذكر هذا ابن النديم والجاحظُ والقلقشندي وابن خلدون في كتبهم ومصنفاتهم [4] . وفيما يتعلق بالخطوط، فقد شاع الخط الكوفي في القرون الثلاثة الأولى ( أواخر خلافة بني أمية وصدر الدولة العباسية ) من الجهة الشرقية لبلاد الإسلام، أما في غرب الدولة العباسية، فقد شاع خط قديم يسمى بـ" الإفريقي "، ولما فُتحت الأندلس ظهر الخط الأندلسي، ولم يكن الخط الغالب بعد ذلك، فاصطنعه القليل من الناس، وجاء ترتيبُ الحروف في الأندلس والمغرب ترتيبًا ألفبائيًّا، عكس الترتيب المشرقي الأبجدي [5] . أما بعد: وبعد مَسحنا التاريخي لأصول الكتابة العربية، نقدم قراءة في كتاب "تحقيق النصوص ونشرها"؛ للأستاذ الكبير عبدالسلام هارون رحمه الله، وهو - إلى جانب الأستاذ محمود محمد شاكر رحمه الله - شيخ المحقيقين في الثقافة العربية، وأستاذهم في المشرق العربي، والكتاب صغير الحجم، سلس الأسلوب، نفيس القيمة، يقع في مائة وستين صفحة، وخطه واضح ومتوسط الحجم، والنسخة المتناولة من منشورات مكتبة الخانجي بالقاهرة، وهي الطبعة السابعة للكتاب، صدرت سنة 1998 للميلاد، والموافق لعام 1418 للهجرة، وتمتاز هذه الطبعة بإضافات وتنقيحات ونماذج جديدة، وقد أُهدِي إلى كلٍّ من أحمد زكي باشا، وأحمد تيمور باشا، ومحمد محمد الشنقيطي، باعتبارهم كبارَ المحقيقين وسَدَنَةَ الثقافة العربية؛ كما قال المؤلف في حقهم [6] . ولعل هذا الكتاب هو أول كتاب عربي في هذا الفن، ولم يسبقه من التأليف شيء، إلا بضع محاضرات ألقاها المستشرق الألماني " برجستراسر " بجامعات مصر، ويفتخر الأستاذ عبدالسلام هارون أنه لم يطلع على شيء مما كتبه الغرب والمستشرقون؛ لأنه قدم عملًا عربيًا أصيلًا، يقول: "وإن كان بعض إخواننا الدمشقيين - مما كنا نتوسم فيهم النجابة - زعم بضَعف نفسه، وبما يشعر أمثاله من ذلة علمية، أني لم أطَّلع على ما كتبه المستشرقون، فوضع بذلك على هامتي إكليلًا أعتزُّ به، إذ أمكنني بعون الله وحده أن أضَع علمًا متكاملًا لم أُسبق إليه، دون أن أتطفَّل على مائدة كثيرًا ما وُضع للعرب فيها صحاف مسمومة، وموائد العرب حافلة بالجهود الوثيقة والأمانة العلمية المرموقة " [7] . وقد تحدَّث الكاتب في المقدمة الأولى عن الأسباب التي دفعته إلى تأليف هذا الكتاب، وتتمثل في غيرته على الثقافة العربية الإسلامية [8] ، وهو الدافع الكبير لجلِّ كتاباته، وتجدر الإشارة إلى أن المقدمات الثلاث الأولى في هذه الطبعة جاءت بقلم المؤلف، والمقدمة الرابعة جاءت بقلم الأستاذ نبيل عبدالسلام هارون [9] . منهجية تحقيق التراث عند الأستاذ عبدالسلام هارون: لا بد للباحث والدارس للظاهرة النصية - مهما كانت - أن يتوسل بمنهج أثناء اشتغاله؛ لأنه المصباح الذي يُنير له طريق العمل، ويُسهل عليه كشفَ الغوامض، وتختلف مناهج الدراسة من موضوع لآخر، وقد تتعاون مجموعة من المناهج في نفس الموضوع بُغية فَهمه وتفكيكه، لكن المحقق يحتاج منهجًا خاصًّا في التحقيق؛ لأن عملية التحقيق صعبة وشاقةٌ، والاشتغال على مخطوط قديم ليس بالأمر الهيِّن مقارنة بعمليات التأليف، وتختلف منهجية التحقيق من محقق لآخر، فمنهجية الأستاذ عبدالسلام هارون مختلفة عن منهجية الأستاذ محمد بن تاويت، ومنهجية هذا الأخير تختلف عن منهجية الأستاذ محمود محمد شاكر .... وهَلُمَّ جرًّا. وأما المنهجية التي تعنينا فهي الخطوات التالية: 1- تحديد أصول النصوص: لعل أعلى النصوص هي المخطوطات التي وصلت إلينا حاملةً عنوانَ الكتاب واسم المؤلف وجميع مادة الكتاب على آخر صورة رسمها الكاتب بنفسه، أو شارَك بكتابتها، أو أملاها أو أجازها، ويكون الدليل على ما تقدم في النسخة، وتسمى هذه النسخة بـ"النسخة الأم"، ويحصل أن يقع المحقق في خطأ إذا لم يعقب الناسخُ آخرَ المخطوط بما يشعر أنه نقل عن النسخة الأصل، فيعتقد المحقق أنها النسخة الأم، ولذلك يحتاج المحقق إلى الفِطنة والخبرة بمعرفة الخط والتاريخ والورق. وبعد النسخة الأم تأتي النسخة المأخوذة عنها، ثم فرعها، ثم فرع فرعها.. إلخ، وقد كثُرت سلاسل النسخ في الكتب الدينية واللغوية، وقلَّت في الكتب الأدبية، وإن غابت النسخة الأم، كانت النسخة التي تليها هي الأصل، وإن انعدَمت فالتي تليها، وهكذا، وهناك نسخة قديمة تكون في ثنايا أصول أخرى مثل ما أورده البغدادي في "خزانة الأدب" من نوادر الكتب الصغيرة. كما أن هناك نسخًا مطبوعة فقَدت أصولها، أو تعذَّر الوصولُ إلى الأصول، فيُهدرها الكثير من المحققين، ويعدها بعضهم أصولًا ثانوية في التحقيق، ويذهب عبدالسلام هارون مع هذا الرأي بشرط الثقة بمن طبعها. أما الطبعات التي تخرج للتجارة ولا يقوم عليها محقق أمين، فلا يُعتمد عليها في التحقيق، والمصورات من النسخ فهي كأصلها، ومصورة الثانوية كالثانوية، ما دام التصوير واضحًا، ومن هذا تظهر " المسودات " و" المبيضات "، فالمسودة هي النسخة الأولى قبل التهذيب والإخراج، أما المبيضة فهي التي سُوِّيت وقُوِّمت، ورضِي عنها المؤلف لتخرج للناس. ومن السهل جدًّا على المحقق أن يعرف مسودة المؤلف، وذلك من خلال اضطراب الكتابة واختلاط الأسطر، وترك البياض، والإلحاق بحواشي الكتاب، وأثر المحو والتغيير، وكل ما يدل على النسخة في مرحلة البدء، فإن ورَد نصٌّ أن نصَّ المسودة لم يُخرج الكاتب غيرها، كانت هي النسخة الأم ( الأصل )، وأما مبيضة المؤلف فهي الأصل الأول، وإذا وُجِدت معها المسودة كانت للاستئناس فقط. ويشير الأستاذ عبدالسلام هارون إلى أن المؤلف قد يؤلِّف كتابَه أكثر من مرة، وبالتالي لا تكون نسخة مَا هي النسخة التي اعتمدها المؤلف، الشيء الذي يؤدي إلى اختلاف النسخ فيما بينها، ويكون التنقيح والزيادة بين النسختين أو أكثر، كما قد يؤلف المؤلف الكتاب الواحد على ضروب شتى من التأليف. 2- منازل النسخ: وهي ترتيب أصول المحققَات في درجات هي: أ‌- نسخة المؤلف. ب‌- النسخة المنقولة منها، ثم فرعها وفرع فرعها.. ت‌- النسخة المنقولة من نسخة المؤلف في المرتبة الأولى إذا أعوزتنا نسخة المؤلف. ث‌- إذا اجتمعت نسخ مجهولات سلسلة النسب، قدَّمنا النسخة ذات التاريخ الأقدم، ثم التي عليها خطوط العلماء، لكن إذا كانت النسخة الأقدم غير واضحة، وكانت الأحدث واضحة، جاز لنا أن نقدِّمها عن الأخيرة، وأيضًا إذا وجدنا نسخةً خالية من إشارات العلماء، ولكنَّها أصحُّ وأمتنُ، جاز لنا تقديمُها عن الأخرى، ومع ذلك فإن المبدأ العام هو الاعتماد على قِدَم التاريخ في النسخ المعدة للتحقيق، ما لم توجد نسخٌ أولى من بعض في الثقة؛ كصحة المتن ودقة الكاتب، وقلة الأَسْقَاط، أو مسموعة من علماء معروفين، أو مجازة قد كُتبت عليها إجازات من شيوخ موثَقين. كما تجدر الإشارة إلى ضرورة الوقوف عند تاريخ النسخة، وتتحكم هنا الخبرة بالخط والمداد، واسم الناسخ الأول والثاني في عملية تحقيق التاريخ المرفق بالنسخة. 3- كيفية جمع الأصول: لا يُمكن للمحقق أن يعثر على جميع المخطوطات التي تخص الكتاب المراد تحقيقُه، فمهما وجد الباحث من مخطوطات، ظهَرت أخرى، وبالتالي على الباحث أن يبحث في الفهارس بالمكتبات العامة، ثم المكتبات الخاصة، ثم بعض الكتب التي أرَّخت للأدب العربي، مثل كتاب: " في تاريخ الأدب العربي " للمستشرق كارل بروكلمان، وكتاب " تاريخ آداب اللغة العربية "، وكذا سؤال الخبراء في المخطوطات. 4- فحص النسخ: وذلك عبر: أ‌- دراسة الورق لتحقيق عُمر النسخة ( والحذر من التزييف في الورق والخط ). ب‌- دراسة المداد لمعرفة قرب عهده أو بعده. ت‌- دراسة الخط. ث‌- فحص اطِّراد الخط ونظامه في النسخة. ج‌- التأكُّد من عنوان الكتاب. ح‌- الانتباه لوجود قراءة بعض العلماء أو تعليقاتهم في ثنايا النسخة. خ‌- النظر إلى أبواب الكتاب وفصوله وأجزائه، والوثوق من كمال النسخة وصحة ترتيبها. د‌- النظر في خاتمة الكتاب لتبيان اسم الناسخ وتاريخ النسخ وتسلسل النسخة. وهكذا تكون عملية فحص النسخ. 5- التحقيق: ويُقصد به بذل عناية خاصة بالمخطوطات؛ حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، وذلك بإثبات صحة عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وظهور مَتنه بقدر الإمكان مقاربًا لنص مؤلفه. أ‌- تحقيق العنوان: بعض المخطوطات خالية من العنوان، إما لفقد الورقة الأولى منها، ( فيحتاج المحقق هنا إلى إعمال فكره، كأن يرجع إلى كتب المؤلفات، أو كتب التراجم .. إلخ )، أو بسبب انطماس العنوان، (وتحقيقه موكول إلى معرفة ثبت مصنفات المؤلف ومواضيعها) ، وإما يكون العنوان مخالفًا للواقع بسبب التزييف، (إما لجهل قارئ ما تجاه نسخة بدون عنوان، فأثبت لها عنوانًا من عنده) . ب‌- تحقيق اسم المؤلف: وهي خطوة جد مهمة، فإذا فقَدت النسخة اسم المؤلف، فيمكن الرجوع إلى فهارس المكتبات، أو كتب المؤلفات، أو كتب التراجم .. إلخ، كما أن اشتراك عدة مؤلفين في عنوان الكتاب، يحملنا على الحذر في معرفة اسم المؤلف، وإذا عثر المحقق على طائفة من الكتب منسوبة إلى مؤلفٍ في نقلٍ من النقول؛ كان ذلك بما يرجح صحة النسبة، أو يقطع بها في ذلك، وأحيانًا تظهر المصطلحات الرسمية في الكتاب على ما يوجهنا إلى تحديد عصر المؤلف، وقد يعتري التصحيف والتحريف أسماءَ المؤلفين المثبتة في الكتب، وقد يحصل تزييف أسماء المؤلفين مثلما يتم تزييف العناوين. ت‌- تحقيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه: ليس هينًا أن نؤمن بانتساب كتاب إلى مؤلفه، ولذلك وجب علينا التحقق من الأمر، عن طريق عرض هذه النسبة إلى فهارس المكتبات والمؤلفات الكتبية وكتب التراجم؛ حتى نتيقَّن من صحة الانتساب، ويحصل اللبس إذا كان المؤلف قد ألَّف كتابًا ضعيفًا في شبابه، فإذا اشتد وذاع صيتُه صار من الغريب أن يكون الكتاب الضعيف له، وتعد الاعتبارات التاريخية من أقوى المقاييس في تصحيح نسبة الكتاب أو تزييفها، فعلى سبيل المثال؛ إذا كانت في الكتاب أحداث تاريخية تالية لعصر مؤلفه الذي نُسِب له إليه، جدير بأن يسقط من حساب ذلك المؤلف. ث‌- تحقيق متن الكتاب: أي أن يكون الكتاب كما وضعه المؤلف كمًّا وكيفًا بقدر الإمكان، دون أن نلتمس له أسلوبًا أعلى منه، أو أن ينسب صاحب الكتاب نصًّا من النصوص إلى كاتب آخر وهو مخطئ، فيقوم المحقق بتصحيح خطأ المؤلف، أو أن يخطئ المؤلف في ذكر علمٍ من الأعلام، فيأتي المحقق به على صوابه، فليس تحقيق المتن هو تصحيح أخطائه، فإن ذلك عدوانٌ على حق المؤلف، وإنما التحقيق أمانة الأداء وضبط النص على أصله، ويقول عبدالسلام هارون عن التحقيق أنه "نتاج خلقي، لا يقوى عليه إلا من وُهِب خلَّتين شديدتين: الأمانة والصبر" [10] ، وعوض تصحيح الخطأ نقوم بالتنبيه عليه في الحاشية، أو في آخر الكتاب، أما إذا تعلَّق الأمر بالشواهد القرآنية، فإنها تصحَّح نظرًا لقيمتها الدينية، وتصحيح الشواهد القرآنية لا يكفي فيه الرجوع إلى المصحف المتداول، بل لا بد من الرجوع إلى كتب القراءات وكتب التفاسير، وأما نصوص الحديث فينبغي أن تختبر بعرضها على مراجع الحديث بُغية تخريجها، وفيما يتعلق بالأمثال والأشعار، فالواجب هو التوجه إلى مراجعها؛ ليستعين بها المحقق في قراءة النص وتخريجه إن أمكن التخريج، ولا يحق للمحقق أن يتناول النصَّ بتغييرٍ أو تبديلٍ، ومن هنا نُدرك أن التحقيق أمرٌ جليلٌ، ويحتاج من العناية والجهد إلى أكثر ما يحتاج إلى التأليف. ج‌- مقدمات تحقيق المتن: وهناك مقدمات رئيسية لإقامة النص، وهي: • التمرس بقراءة النسخة؛ لأن بعض الكتابات تحتاج إلى مراس طويل وخبرة خاصة؛ لأن لكل كاتب طريقته الخاصة، سواء في الحروف، أو الإعجام، ( وهو الضبط أو الشكل )، أو المد أو الشد، كما نجد بعض الإشارات الكتابية كعلامة الإلحاق التي توضع لإثبات بعض الأسقاط خارج سطور الكتاب ( )، ونجد أيضًا علامة التمريض ( التضبيب )، وهي صاد ممدودة "صــ"، وتوضع فوق العبارة الصحيحة في النقل، ولكن الخاطئة في ذاتها، وغير ذلك من الإشارات والرموز التي تحتاج إلى خبرة خاصة ومران طويل. • التمرسُ بأسلوب المؤلف، وذلك بقراءة المخطوطة مرة تلو أخرى، وأن يرجع لقراءة الكتب الأخرى للمؤلف؛ حتى يستأنس بأسلوبه في الكتابة والتفكير، وصِيَغِه التعبيرية وخلفيته النظرية. • الإلمام بالموضوع الذي يعالجه المخطوط؛ حتى يتمكن المحققُ من فَهمه على الوجه السليم. الاستعانة بالمراجع العلمية، وهي أنواع: • كتب المؤلف نفسه، مخطوطها ومطبوعها. • الكتب التي لها علاقة مباشرة بالكتاب، مثل الشروح والمختصرات والتهذيبات. • الكتب التي اعتمدت في تأليفها اعتمادًا كبيرًا على الكتاب. • الكتب التي اعتمد عليها المؤلف. • الكتب التي تعاصر المؤلف وتعالج نفسَ الموضوع، أو موضوعًا قريبًا منه. • المراجع اللغوية (معاجم الألفاظ - معاجم المعاني - معاجم الأسلوب - كتب المعربات - معاجم اللغات القريبة إلى العربية) . • المراجع النحوية. • المراجع العلمية الخاصة. كما أن سَعة اطلاع المحقق تَهديه إلى اختيار المراجع التي يتطلبها الكتاب. 6- التصحيف والتحريف: ويعرفه الأستاذ عبدالسلام هارون بأنه تغيُّر في الكلام ينشأ من تشابه صور الخط تصحيفًا؛ فالتصحيف خاص بالالتباس في نقط الحروف المتشابهة الشَّكل، أما التحريف فهو خاص بتغيير شكل الحروف ورسمها، وفي هذا الصدد ذكر الأستاذ عبدالسلام هارون عدة كتب في التصحيف والتحريف لتوسيع دائرة الإفادة وتعزيز هذا الكتاب، كما تحدث عن تاريخ التصحيف والتحريف، وصرَّح بأنه قديم جدًّا، حتى قال الإمام أحمد بن حنبل: " ومَن يَعرى من الخطأ والتصحيف؟ ". وبسبب الوقوع في التصحيف والتحريف، لجأ العلماء إلى تأليف الكتب التي تبحث في المؤتلف والمختلف، فمنها في أسماء الرجال، ومنها في أسماء الشعراء، ومنها في أسماء القبائل. 7- معالجة النصوص: وذلك عبر الخطوات التالية: أ‌- ترجيح الروايات: فأحيانًا نجد بعض النسخ قد انفردت بزيادات لا نجدها في النسخ الأخرى (باختلاف الروايات) ، فينبغي وضع هذه الزيادات تحت الفحص للتأكد من صحتها، فالعبارات الأصلية جديرة بالإثبات، والعبارات التي تحمل الأخطاء مرجوحة، وأحقُّ بالإثبات من السالمة، هذا في النسخ الثانوية، أما النسخة العالية فإن المحقق حري أن يُثبت فيها ما ورد بكل علاته، وينبه على الخطأ في الحواشي. ب‌- تصحيح الأخطاء: إذا اقتضى الأمر التلفيق بين روايتين تحمل كل منهما نصف الصواب ونصف الخطأ، فهو جديرٌ بالإشارة إلى كل الروايات، وأثناء عملية التصحيح لا بد له من الاستعانة بالمراجع، وقد أورد الأستاذ عبدالسلام هارون نموذجًا لتصحيح بعض التحريفات التي ظهرت له أثناء التحقيقات، كما أورد بعدها دراسة تعليلية لنشوء هذه التحريفات. ت‌- الزيادة والحذف: وهما أخطر شيء تتعرض له النصوص، وفي حالة الزيادة نُميز ما استزاد بوضعه بين علامة [ ]، أو أن يُنبه في الحواشي على أنها مما أخلَّ به أصل الكتاب، وأما النسخ الثانوية فلا يُزاد ولا يُحذف منها إلا ما هو ضروري، وأما الزيادة الخارجية التي يُقصد بها التوضيح، فلا يصح أن تكون في منهج أداء النص، ويجوز للمحقق أن يشير للزيادة في الحاشية. ث‌- التغيير والتبديل: لا يجوز للمحقق أن يُغيِّر ويبدِّل في المتن إلا في الضرورة الملحة، ويُحتم النص ذلك/ وهنا لا بد من التنبيه على صورة الأصل، وفي النسخ الثانوية ينبغي استخدام مراجع التحقيق لتوجيه النصوص وتصحيح أخطائها. ج‌- الضبط: وأداء الضبط جزء من أداء النص، وواجب المحقق أن يؤدي الضبط كما وجده في النسخة الأم دون أن يغيِّره أو يبدله، ولا بد أن يُترجم المحقق الضبط القديم بالحديث، مثل: الشدة والفتحة القديمة ( َ )، فتُترجم بالفتحة الحديثة ( )، وأما الكلمات الواردة في بضبطين، فينبغي أن تؤدَّى كما هي في النسخة، وإن تعذَّر أداؤها بالمطبعة فلتؤدَّ في الحاشية. وفيما يتعلق بالكلمات الخالية من الضبط، وأراد المحقق ضبطها، فإنه حري أن يستأنس بطريقة المؤلف، كما تجدر الإشارة إلى عدم الضبط المؤدي لخلاف مع مراد المؤلف، ويحتاج الضبط إلى الدقة والحرص والتريُّث؛ كيلا تُضبط كلمة ما ضبطًا خاطئًا، ومن ذلك أعلام الناس والبلدان والقبائل، فيجدر بالمحقق ألا يَضبطها إلا بعد الرجوع إلى مصادر الضبط؛ ككتب الرجال والمؤتلف والمختلف، والمعاجم اللغوية. ح‌- التعليق: تحتاج الكتب القديمة إلى التوضيح في بعض عناصرها، وتخفيف ما بها من غموض، مع الاقتصاد في التعليق دون إسراف، ويقتضي التعليق ربط أجزاء الكتاب بعضها ببعض، كما يقتضي التعريف بالأعلام الغامضة أو المشتبهة، وكذا توضيح الإشارات التاريخية والأدبية والدينية التي تستعصي معرفتها، إلى جانب بيان السور ورقْم الآي وتخريج الأحاديث من الكتب الستة وغيرها، وكذلك الأشعار والأرجاز، وأقوال العرب الشاهدة تستخرج من الدواوين وكتبها الأصيلة، وقد أصبح المنهج العلمي الحديث للتحقيق أن يضع في الإحالة (الهامش) اسم الكتاب ومؤلفه، والجزء والصفحة التي وُجد فيها النص. 8- المكملات الحديثة: عمل الناشر القديم على إكثار نسخ المخطوطة، أما الناشر الحديث فيراعي الدقة وحُسن الإخراج وتوضيح النص، والتحقيق علم عربي أصيل، وقد حمله المستشرقون فحقَّقوا أهم الكتب التراثية العربية، ثم نقل الأستاذ أحمد زكي باشا عنهم التحقيق، فأشاع في عمله ضروبًا من المكملات الحديثة للنشر العلمي، وهي: أ‌- العناية بتقديم النص ووصف مخطوطاته، وذلك عن طريق التعريف بالمؤلف وبيان عصره، ثم عرض دراسة خاصة بالكتاب وموضوعه، وعلاقته بغيره من الكتب، ثم تقديم دراسة فاحصة لمخطوطات الكتاب مقرونة بالتحقيق العلمي، كما ينبغي أن يصف القارئ النسخ التي عوَّل عليها بتناول خطها وورقتها، وحجمها ومدادها، وقيمتها التاريخية، وكل ما يمكن أن يضيء المخطوط، وقد جرت العادة على تصوير بعض صفحات المخطوط خاصة الصفحتين الأولى والأخيرة. ب‌- العناية بالإخراج الطباعي؛ أي: إعداد الكتاب للطبع ومراجعته مراجعة دقيقة، وذلك بـ: • كتابة النسخة بعد مراجعتها بالخط الواضح. • أن يكون الكتاب مستوفيًا لعلامات الترقيم. • أن يكون منظم الحواشي. • أن يزود بالأرقام التي يحتاج إليها الباحث. • أن يتجنبَ الناشر التعقيدات الطباعية. وأما علامات الترقيم، فلها أصل في الكتابة العربية، وهي مقتبسة من نظام الطباعة الأوروبي، ولهذه الأخيرة دورٌ كبيرٌ في تيسير فَهم النصوص وتعيين معانيها، ولذلك ينبغي على المحقق أن يكون حذرًا في استعمالها. أما تنظيم الفقار والحواشي، فينبغي تمييزها داخل الكتاب، وقد كانت الحواشي والتعليقات بدون نظام عند الأقدمين؛ إذ كانت توضع بين الأسطر أو في جوانب الصفحة، أما المحدثون فقد عزَلوا الحواشي في أسفل الصفحة، أو يُلحقون الحواشي جميعًا بنهاية الكتاب، وإدراج الإشارات إلى اختلاف النسخ في حواشي صُلب الكتاب، أو أن يتمَّ الجمع بين الطريقتين، ويفضِّل الأستاذ عبدالسلام هارون أن تبتدئ كل حاشية بسطر مستقل. وبخصوص الأرقام، فقد استُحدِث فيها أنواعٌ ثلاثة: النوع الأول: أرقام صفحات الأصل المعتمد. النوع الثاني: أرقام الطبعات السابقة. النوع الثالث: أرقام الأسطر. وبالنسبة للتعقيدات الطباعية، فإن الناشر الحذق يتجنَّب التعقيدات التي لا تزيد الكتاب إلا عُسرًا في الفَهم؛ كالترميز للأرقام ببعض الحروف .. إلخ، ولعل معالجة تجارب الطبع تحتاج إلى مزاولة طويلة متنبهة إلى مزلات التصحيح، ولعل أبرز هذه المزلات، هي: القراءة السريعة (الإلف)، وينبغي عليه أن يقرأ حروف الكلمة حرفًا حرفًا، ومنها انتقال النظر عند جامع الحروف (أو الكلمات المتشابهة) ، ومنها تَكرار النظر وجمع العبارة مرتين. ت‌- صنع الفهارس الحديثة: ولهذه الأخيرة دورٌ مهم في تسريع عملية فَهْمِ الكتاب والشق عما في باطنه، وقد وضع المستشرقون فهارس الأعلام والبلدان والقبائل والشعر والأيام والأمثال والكتب، وزاد العرب المحدثون ضروبًا أخرى كثيرة، وأما طرق صنع الهارس فهي طريقتان: الطريقة الأولى: طريقة الجذاذات التي يكتُب فيها ما يُراد فهرسته، ثم يرتب ترتيبًا هجائيًّا على أوائل الكلمات، ثم ثوانيها ثم ثوالثها، ولهذه الطريقة عيبان: أما العيب الأول، فهو احتمال فقد بعض الجذاذات، والعيب الثاني هو كون هذا العمل شبيه بالعمل الآلي. الطريقة الثانية: طريقة الدفتر المفهرس؛ حيث يخصِّص لكل حرف أوراقًا خاصة به، ويخصِّص سطرًا منها أو أكثر لمادة من مواد ذلك الحرف بحسب توقُّع المفهرس. ويعتقد عبدالسلام هارون أن هذه الطريقة أضبطُ مِن سالفتها، ولا غروَ أن الفهارس تحتاج إلى تمهيدات بأن توضَع لكل فهرس علامةٌ على ما يريد فهرسته، أما عملية ترتيب الفهارس، فتتم عبر ترتيب كل فهرس في نِطاق نفسه، ثم ترتيبه مع غيره من الفهارس، ويُرتَّب كلُّ عنصر من الفهرس بطريقته الخاصة؛ فترتيب آي الذكر الحكيم يتم عبر اتباع سورة ورقم الآية، والأحاديث النبوية الشريفة ترتَّب حسب المواد اللغوية، وترتيب الأعلام والبلدان والقبائل، فيتم بترتيب الأسماء، أما الكُنى والألقاب، فإنها توضَع كما هي في ترتيبها، وأما الشعر فإنه يرتب بحسب القوافي، أو أن يتمَّ الترتيب بترتيب البحور الستة عشر، أو أن ترتَّب بحسب الشاعر، وفي هذا الصدد، نجد للمحقق الأستاذ عبدالسلام هارون منهجية خاصة في ترتيب فهرس الشعر، فيرتب الشواهد الشعرية بحسب أنواع القوافي (المتواترة - المتداركة - المتكاوسة أو المراكبة - المؤسسة - المردوفة بألف - المردوفة بواو أو ياء) ، وجعل لمشطورات السريع والمنسرح والرجز فهرسًا واحدًا سماه "فهرس الأرجاز". وأما فيما يتعلق بترتيب الفهرس مع غيره من الفهارس، فيتم تقديم أهم الفهارس وأشدها مساسًا بموضوع الكتاب، ثم تأتي الفهارس الأخرى حسب الأهمية. ث‌- الاستدراكات والتذييلات: وينبغي في هذا الإطار وضعُ باب لتدارُك ما فات المحقق أو الشارح، أو ما زل فيه فكرُه أو قلمُه، ومِن الناشرين مَن لا يحل الأمر محله من العناية، لكن الأستاذ عبدالسلام يؤكِّد ضرورة التذييل قبل نهاية الكتاب. 9- صعوبات التحقيق والطريقة المثلى لمعالجتها: لكل مخطوط صعوباته الخاصة، لكن أشهر الصعوبات هي: أ‌- رداءة المخطوط من حيث نوع الخط الذي كُتب به. ب‌- رداءة المخطوط من حيث التصحيف والتحريف، أو من حيث الأسقاط الكثيرة. ت‌- رداءة المخطوط من حيث تعرُّضه لعوامل البِلى والتآكل، أو انطماس بعض كلماته، أو اندثار بعضها. ث‌- غرابة الموضوع الذي يعالجه المخطوطُ، خاصة إذا لم يجد المحققُ نظيرَه لمخطوطه في الموضوع. ج‌- غرابة المخطوط في لغته. ويقترح الأستاذ عبدالسلام أن تواجه هذه الصعوبات بما يلي: أ‌- أن يجمع المحقق كلَّ النسخ تقريبًا ويقابلها بدقة. ب‌- أن يكرِّر قراءة مخطوطاته حتى يألفَها. ت‌- أن يرجع إلى المراجع التي يظن أن المخطوط استقى منها [11] . ث‌- أن يتأنَّى في فَهْم النص ويغلب جانب الشك على جانب اليقين. ج‌- أن يكون للمحقق صلةٌ تامة بدراسة أسلوب المؤلف فيما ترك من آثار أخرى. ح‌- أن يكون ذا خبرة بما يتعرض له الكلام من التصحيف والتحريف الكتابي والسمعي. خ‌- أن يحتال في تقدير ما انطمس، وسيساعده في ذلك المران الطويل والصبر الجميل، والشعور الصادق بالمسؤولية العلمية. د‌- استشعار الأمانة. ذ‌- الاحتفاظ بهنات المؤلف وأخطائه. [1] سلمان الحساني (باحث مغربي). [2] يذكر هذا الأمر كل الباحثين الذين اشتغلوا على تأريخ الأدب العربي في كتبهم؛ مثل: مصطفى صادق الرافعي وحنا الفاخوري، وشوقي ضيف وناصر الدين الأسد، والمستشرق كارل بروكلمان وغيرهم الكثير... إلخ، ويُعيد الأستاذ عبدالسلام هارون هذا الأمر تمهيدًا للحديث عن ضرورة تحقيق التراث. [3] انظر: عبدالسلام هارون، تحقيق النصوص ونشرها، ص 11 – 15. [4] انظر نفس المرجع، ص 16 – 26. [5] انظر نفس المرجع، ص 27 – 28. [6] انظر غلاف الكتاب وما بعده. [7] انظر نفس المرجع، ص 8. [8] انظر نفس المرجع، ص 5 - 8. [9] وهي مقدمة الطبعة الخامسة، نُشرت بعد وفاة المؤلف رحمه الله. [10] نفس المرجع، ص 48. [11] كل هذه المضامين من كتاب "تحقيق النصوص ونشرها"؛ للأستاذ عبدالسلام هارون، الطبعة السابعة، منشورات مكتبة الخانجي، القاهرة - مصر، سنة 1998.
الجهاز التنفسي والتدخين
أ. د. علي فؤاد مخيمر
11-10-2018
16,644
https://www.alukah.net//culture/0/129940/%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%af%d8%ae%d9%8a%d9%86/
الجهاز التنفسي والتدخين يحدُثُ تبادُل الغازاتِ بين الهواء الجوي والدم في الرئة، عبر حاجز دقيق جدًّا لا يرى إلا بالمِجهَر، ولهذا كان لا بد أن يُنقَّى الهواء الجوي من الشوائب والأتربة أولًا، ثم يُرطَّب ويُدفَّأ قبل أن يصل إلى الحُوَيصلات الهوائية، ولكي يتحقَّق ذلك يمر الهواء عبر مسار طويل، فيبدأ من الأنف، ثم يمر بالبلعوم، فالحنجرة، فالقصبة الهوائية، فالشُّعب وتفرُّعاتها، كما يوجد في الأنف شَعر دقيق يحجز الشوائبَ الكبيرة والأتربة، وتَمتلِئ جدران المسار الهوائي بالأوعية الدموية التي تقوم بتدفئة الهواء، وكذلك يوجد غُدَد تُفرِز مُخاطًا تلتصق به الجراثيم، وأيضًا الخلايا التي تبطن جدران المسار الهوائي تكتسي بأهدابٍ تدفع المُخاط وبقية الشوائب إلى الخارج، فيتخلَّص منها الجسم أولًا بأول، وإذا كانت بعض هذه الشوائب كبيرةَ الحجم نسبيًّا بحيث لا تستطيع الخلايا المُهدَّبة دفعَها إلى الخارج، فهناك وسيلة أخرى يعالجُ بها الجهازُ التنفسي مثلَ هذه الحالات، وذلك عن طريق السُّعال؛ حيث يندفع المُخاط والجسيمات الكبيرة إلى تجويف الفم، ومنه إلى الخارج، فالسُّعال وسيلةٌ طبيعية لتنقية الجهاز التنفسي من الشوائب أو المُخاط أو الغبار. وتكون هذه الأهدابُ أقربَ ما تكون إلى الإصابة بالشلل حين تتعرَّض لبعض الغازات الناتجة من دُخَان السجائر أو مواد أخرى كالكحول، وقد أكَّدت دراسةٌ علمية أن التعرُّضَ لثاني أكسيد الكبريت المنبعثِ مِن سيجارة واحدة يكفي لشل حركة الأهدابِ لمدة ساعة كاملة؛ ليُصبح خلالها الجهاز التنفسي مفتوحًا على مِصراعَيْه لدخول الميكروبات بأنواعها، وهذا واضح من خلال ارتفاع معدَّلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي في المدخِّنين ومدمني الكحول. أدوار مهمة للتنفس غير تبادل الغازات: 1- التنفُّس يُعَدُّ ضروريًّا للقيام بعملية النطق؛ حيث يُعَدُّ الهواء الخارج من الرئتين بمنزلةِ المادة الخام التي تتشكَّل منها الأصوات والمقاطع اللُّغوية من خلال عمليات معقدة. 2- يقوم الجهاز التنفسيُّ بتنظيم درجة حرارة الجسم وصَيْد الجلطات وإذابتها. 3- يقوم الجهاز التنفسيُّ بإرسال المنبِّهات والمؤثِّرات الكيميائية إلى المخ، فيتحكم في ضغط الدمِ وتقوية جهازِ المناعة. 4- تقومُ بعضُ أجزاء الجهاز التنفسي بوظائفَ حسيَّةٍ مُهمَّةٍ مثل حاسَّة الشمِّ التي تقوم بها مُستقبِلات موجودة في الغشاء المُخاطي المبطِّن للأنف. عملية التنفس الإرادية واللاإرادية: ثبت علميًّا أن في أسفل جذع ِالمخ مِنطقةً تُسمَّى عقدةَ الحياة، وهذه العقدة بها مركزُ تنظيم التنفُّس، ومراكز أخرى حيوية للإنسان، وسُمِّيت عقدةَ الحياة؛ لأنها أخطر مكان في الإنسان، لو أصيب بخللٍ لمات الإنسان فورًا؛ لوجود المراكز الحيوية لأجهزة الجسم بها، فبها مركزٌ للشهيق وآخر للزفير، والمنبِّه لهما هو غاز ثاني أكسيد الكربون الموجود في الدم، فإذا نُبِّه مركز الشهيق وقف مركز الزفير والعكس، وهذا هو الطبيعي لحركة التنفس، فلو نُبِّها معًا لاضطرب الأمرُ، فلو أن الله سبحانه وتعالى أوكل التنفُّس إلينا لكان الخيارُ صعبًا جدًّا، فلا بد أن نُلغي النوم مِن قاموس حياتنا؛ ذلك لأننا لو نمنا فسوف نموت. وانظر - أخي الكريم - إلى نِعَم الله - علينا - التي لا تُحصَى، فهناك أمراض قد تصيب مركزَ التنبيه الرئوي لعملية الشهيق والزفير، فتؤدِّي إلى عطبٍ وتوقف عملية التنفُّس، ويوجد دواءٌ غالٍ جدًّا يأخذه الإنسان كلَّ ساعة، ولكن لا بد أن يستيقظ كل ساعة ليأخذ حبةً؛ لأن مفعول هذا الدواء ينتهي بعد ساعة! وصدق القائلُ جل في علاه: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88]. فحركات التنفس - أو ما يطلق عليه أحيانًا اسم ( ميكانيكية التنفس ) - على جانبٍ كبير مِن الأهمية في حياة الإنسان؛ فهي مستمرَّة أثناء الليل والنهار، فلا تنقطع عندما ينام الإنسان، ولكن ينخفض تتابُعُها عما هو عليه في أثناء اليقظة. فعند الشهيقِ تتحرَّك الضلوع إلى أعلى وإلى الخارج، وينخفض الحجابُ الحاجز إلى أسفل، وبذلك يزدادُ حجمُ التجويف الصدري؛ مما يؤدِّي إلى انتفاخ الرئتين واندفاع الهواء الجوي إليها من الخارج عن طريق الأنف والممر التنفسي. وعند الزفير تنعكِسُ هذه الحركات التي تُؤدِّي بدورِها إلى انكماش الرئتين والضغط في الهواء الموجود بداخلهما؛ حيث يندفع إلى الخارج. وهناك تنفُّسٌ إرادي، فيستطيع الإنسان بإرادته أن يحدث شهيقًا إراديًّا أو زفيرًا إراديًّا، والمنبه لهذا أيضًا غاز ثاني أكسيد الكربون وتراكمه بالدم، فلعبُ الرياضةِ وبذلُ المجهود يُؤدِّي إلى سرعة عملية الأكسدة، وخروج نواتج هذه العملية، فيتطلب هذا سرعةَ النفس للتخلُّص من الزوائد المضرَّة بالجسم، وكذلك لو غطَّى الإنسان رأسَه بالغطاء قلَّ الأكسجين وكثر غاز ثاني أكسيد الكربون، وتزداد حركات التنفس دون أن يشعر، هذا ونحن لا ندري! فهذا ما يحدث للذين يختَنقون في الحمَّام أحيانًا بسبب استخدام وقود غازيٍّ، يُسبب ارتفاع نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو، وبالتالي في الدم، وبالتالي يتوقف التنفس، فيدخل الإنسان في غيبوبة ثم يموت. هذا الإعجاز الرباني الذي عجز أمامه العلم الحديث، وسبحان الله! تنام العين وعين الله لا تنام، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21] . فلأهمية هذا الجهاز نجدُه داخل تجويفٍ وصندوق مُحكَم الغلق، وهذا الصندوق يتكوَّن مِن العمود الفِقْرِي والضلوع والقفص، وما يتصل بها من عضلات، في حين تتكوَّن قاعدته مِن حاجز عضلي قوي يُعرَف "بالحِجاب الحاجز"، وهو يفصل التجويف الصدري عن التجويف البطني. التنفس الصناعي: هذه الطريقة أذكرُها لتعريفِ كل إنسان بكيفية القيام بعملية التنفس الصناعي لإنقاذ أخيه الإنسان من الهلاك، وهي إسعافات أولية حتى يحضر الطبيب. ففي بعض الحالات تتوقَّف الحركات التنفُّسية، ويُصبِح الإنسان مُشرفًا على الموت، كما في حالات الغرق، أو انهيار الجسم تحت تأثير المُخدِّر ( البنج )، فيلزم عندئذٍ الإسراع في إعادة حركات التنفس إلى حالتها الطبيعية، عن طريق التنفس الصناعي؛ إنقاذًا لحياة المريض قبل فوات الأوان، والطريقة كما يلي: يُمدَّد المريض على الفراش، أو على الأرض، ووجهه إلى أسفل، ورأسه يكون متجهًا إلى أحد الجانبين، ثم تُوضَع وسادةٌ أو لفة من القُماش تحت المَعِدَة، ويتم التأكد من إخلاء الفم والجزء العلوي من الممرِّ التنفسي مِن أية عوائق تُغلِق هذا الممر؛ كالطين أو الطمي أو الأعشاب. ويركع الشخصُ المُنقِذ بركبتَيْه على الأرض، إما في مواجهة المريض، وإما بجواره؛ بحيث يتَّجِه وجهُه إلى رأس المريض، ثم يضع يدَيْه مستقيمتينِ فوق الضلوع السفلية؛ واحدة على كل جانب من جانبي العمود الفِقْري، ويتم الضغط على صدر المريض، ويدفع المنقذ ضغط يدَيْه إلى الأمام، ثم يرفع الضغط على صدر المريض ببطء للخلف، ويتم تَكرار هاتين الحركتين الأمامية والخلفية كلَّ أربع أو خمس ثوانٍ، وقد تستغرق هذه العملية نصف ساعة أو أكثر، إلى أن يعود إلى التنفس الطبيعي، وعندما يستعيدُ المريض تنفُّسَه يقلِبُ جسمَه ليصير نائمًا على ظهرِه، ثم تنشط دورته الدموية بتدليكِ اليدين والرِّجلين في اتجاه القلب، مع تدفئته وإعطائه قليلًا من الشراب الدافئ. وهناك طريقةٌ أخرى، وهي الفم إلى الفم، وهي ما يطلق عليها قُبْلة الحياة؛ إذ يقومُ المُسعِف بتمديدِ المصاب على ظهرِه، ويجلس على ركبتَيْه، واضعًا إحدى يديه فوق جبهة المصاب، ويضغط قليلًا إلى الخلف بينما تكون اليد الأخرى تحت الرقبة لترفعها قليلًا، فيساعد ذلك على فتح المسالك الهوائية، ويمنع سقوط اللسان فيها، ثم يأخذ المُسعِف نَفَسًا عميقًا، ثم يقوم بسدِّ فَتْحَتَي الأنف باليد الموضوعة على الجبهة حتى لا يتسرَّب الهواء منها، ثم يضع فمَه بإحكام فوق فم المصاب، وينفخ بقوة، فيدخل الهواء إلى رئتَيْه، ويستدل على ذلك مِن تحرُّك صدره إلى الأعلى، وهذا يُمثِّل دَوْرَ الشهيق في عملية التنفس، ويُكرِّر النفخ أربع مرات متتالية؛ بحيث لا يترك مجالًا لرئتَي المصاب أن تُفرغ من الهواء المنفوخ. يرفع بعدها المُسعِف فمَه فيخرج الهواء تلقائيًّا مِن رئتي المصاب فيحدث الزفير، ويُكرِّر ذلك ما بين 15 - 18 مرة بالدقيقة، وهناك طرقٌ كثيرة، ولكن نكتفي بهذا القدر للإسعاف الأَوَّلي. مضارُّ التدخين على جهاز التنفس: تبدأ مشكلة المدخِّن المرضية بسببِ عجز دمه عن حمل كمية كافية من الأكسجين إلى خلايا الجسم وأجهزته، وبسبب احتوائه في الوقت ذاته على كميات كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون. وعند المدخنين يتأذَّى جهاز التنفس لدرجة كبيرة؛ لأن دُخَان التبغ يُلامِس أنسجة هذا الجهاز ملامسةً مباشرة، ونظرًا إلى ما يَحْوِيه هذا الدُّخَان مِن مواد سامَّةٍ ومؤذية، فإنه يُخرِّب أنسجة هذا الجهاز الحيوي الحسَّاس ويُؤذيها مع كل سيجارة مستهلَكة، فلو أخذنا مقطعًا مِجهريًّا من رئة أحد المدخِّنين، أو من الغِشاء المُبطِّن للقصبات الرئوية، وفحصناه تحت الِمجهَر - لرأينا بأعينِنا ذرات القَطِران السوداء تنتشر بالآلاف في المساحة المِجهَرية المضيئة، وهذا مما يَعوق الرئة عن القيام بعملها بالشكل المطلوب. ومن بعض آثاره السيئة: • إصابةُ الرئة بالتهابات حادَّة متكرِّرة، تتحوَّل إلى التهاب مُزمِن؛ مما يؤدي إلى تمزُّق الجدران الرقيقة بين الحويصلات الصغيرة؛ مما يؤدي إلى اتِّحاد عدَّة حويصلات لتُكوِّن تجويفًا واحدًا كبيرًا، فتصبح أقلَّ عددًا وأنقصَ مرونةً، فتخف مقدرتها على العمل؛ مما يؤدي إلى قلة كمية الأكسجين التي تَعبُر مِن هواء التنفس إلى الدم، وكذلك نقص كمية ثاني أكسيد الكربون الخارج إلى الهواء. • عرضة المدخِّنين للإصابة بالرَّبْو المُزمِن، ويؤكد الأطباء أن التدخين يُخفِّف المقاومة ضد الإصابة بمرض السلِّ الرئوي. • أثناء ممارسة التدخين يحدُثُ اضطرابٌ وخللٌ في عملية التنفس، فتطول فترة الزفير عن فترة الشهيق، والطبيعي أن يحصل العكس، ويؤكد الأطباء أن هذه الآلية تحدث حتى لو ترك الإنسان السيجارة مشتعلةً بين شفتَيْه دون أن يمارس عملية التدخين بشكلها المألوف. يصاب المدخن بمرض النفاخ الرئوي ( الأمفيزيما )؛ مما يفقد الرئة جزءًا مهمًّا من قدرتها على أداء عملها. • الدُّخَان يؤدي إلى زيادة الإفرازات المُحمَّلة بالميكروبات والجراثيم التي تَعُوق عمل الأهداب الربانية عن القيام بوظائفها. • إن أسوأَ نوبات السُّعالِ عادةً هي تلك التي تحدُثُ في الصباح عندما يستيقظ المدخِّن، وقد تجمع في قصباته مقدار وافر من كل الإفرازات، وبمجرد نهوضه من سريره تبدأ المفرزات بالتحرك، فتتحرَّك الأهداب بصعوبة وعجز، منبِّهة الرئة إلى ضرورة طردها، فتبدأ نوبات السعال الشديدة لطرد تلك المُفرَزات في اتجاه الخارج، ومع ذلك نجد للأسفِ المدخِّنَ وهو في أشد نوبات السعال يُخرِج سيجارته ويُشعِلها وكأنها الدواء الشافي! • هذا بالإضافة إلى الآثار الناجمة عن ضرر الجهاز التنفسي الذي بدوره يؤذي الأجهزة الأخرى؛ ذلك لأن عملية التبادل للغازات غيرُ قائمة على الوجه الصحيح، فيزيد ثاني أكسيد الكربون في الدم، والأكسجين يقلُّ بدوره في الدم، عكس ما يكون طبيعيًّا، وهذا بدوره يُقلِّل عمليات الأكسدة الموجودة بالجسم، وينتج عنه عدم اتِّزان الأجهزة؛ لأنها لا تقوم بوظائفِها الطبيعية؛ مما يؤدي إلى اضطراب صحةِ الجسد بصفة عامة، والشعور بالإجهاد لأقل مجهود. • ونذكر أخيرًا ما يُكتَب على عُلَب التدخين من الشركات المصنِّعة، وهي أكثر معرفةً بما يؤثر على صحة الإنسان، وهو في الوقت نفسه إقامة حجة على العقلاء، بأن للتدخين آثارًا مدمِّرة قد تؤدي إلى الوفاة، وإحداث سرطانات بالرئة، وخفض الدم، وفي الآونة الأخيرة نجد مرسومًا على عُلبة السيجارة ( سيجارة فيها انحناء، وأخرى إنسان في الإنعاش، وأخرى جنين مُشوَّه ) ... إلخ. ولآثاره السيئةِ قامت بعض الدول الإسلامية بإصدارِ فتاوى بتحريمِ التدخين، ولكن التوعية بأسباب التحريم وبيان مضارِّه ما زالت تحتاج منا إلى مزيدٍ من التوضيح، ليس فقط بمنعه في الدوائر الحكومية والأماكن العامة والمواصلات، بل على الإعلام أن يقوم بحملات توعية لمكافحة التدخين بدلًا من الترويج له، وعليه بيان أن المدخِّن السلبي الذي يجلس مع المدخِّنين يقع عليه ضرر أكبر، فالإعلام مهمٌّ حتى يحيا شبابُنا وأطفالنا وشيوخنا ونساؤنا حياةً مليئة بالصحة والعافية، وهذا واجبٌ على كل إنسان عاقل تجاه أخيه المُدخِّن أن يدعوَه بالحكمة والموعظة الحسنة بترك هذا الأذى. كيف تُقلِع عن هذه العادة الضارة؟ التدخين داءٌ وبلاء يَسلُب العقل ويدمر الصحة. عندما نتأمل أحوال المدخنين، فإننا نجد العجب العجاب؛ فبعضهم يُدخِّن في حالات السرور ليزيد مِن متعته وسروره, وبعضهم يُدخِّن في حالات الغضب ليُخفِّف من غضبه وانفعالاته, وآخرون يُدخِّنون استكمالًا لمظهرِهم الاجتماعي، وغيرهم يدخن إرضاءً للأصحاب! ويعتقد غالبيةُ المدخِّنين أن التدخين يُحسِّن حالاتهم النفسية والجسمية، ويُفرِّج همومهم الصغيرة والكبيرة، ويعتقد بعضهم أنه يُساعِدهم على تحمُّل أعباء الحياة، وحل مشاكلها؛ حيث يتصور أن حرق السيجارة ونفخَ دُخَانِها في الهواء عمليةٌ تساعده على تجاوز صعوبات الحياة ومشاكلها. لم تَعُدِ اليومَ أضرارُ التدخين الصحية المُروِّعة أمرًا قابلًا للنقاش؛ فجميع الهيئات الصحية العالَمية تُؤكِّد أن التدخين يُضِرُّ بالمدخِّن ضررًا فادحًا, وللأسف فالمدخِّن لا يُصاب بالأمراض والأذى وحدَه، بل يتجاوزُه ليشمَّ مَن هُم حولَه؛ كأسرته وأولاده وأصحابه, فالتدخينُ يضعف الجهاز المناعي للجسم، فلا يستطيع مقاومةَ الأمراض بشكلٍ عامٍّ، فإذا أُصيب المدخِّن بمرضٍ ما، فإنه يكون أشدَّ ضررًا مَن وقْعه على غيره. وأنا أُخاطب في هذا المقال الإخوةَ المدخِّنين بمنطق العقل المجرد، وأقول لهم: إن الله تعالى خلق الإنسان وركَّب فيه العقل ليعرِفَ ما يضره وما ينفعه, فيذهب المدخِّن بنفسه وعقله إلى شراء الدخان الذي يعلم علمَ اليقين أنه نَبْتٌ خبيث، وشراب لعين، وأنه سيكون سببًا في وفاته, وللأسف أقام أهلُ الكفر الذين صنعوا هذا النبت الخبيث الحجةَ على المدخِّنين؛ حيث يكتبون على كل علبة سجائر: "التدخين ضارٌّ جدًّا بالصحة، ويُسبِّب السرطان والوفاة"! ومع ذلك نجد المدخِّن لا يأبَهُ، متجاهلًا ما قاله خالقُه سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195] ، وفي الحديث: ((لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ))؛ (رواه ابن ماجه). عدد المدخنين: بلغ عدد المدخنين في أواخر القرن العشرين أكثرَ مِن (مليار رجل، و200 مليون امرأة)؛ أي: ما يعادل رُبُعَ سكَّان الأرض تقريبًا، وتقدَّر الخسائر المادية التي تدفعها البشرية نتيجةَ التدخين بأكثر مِن (200 مليار دولار سنويًّا)، وتذكُرُ الإحصاءات الصادرة مِن منظمة الصحة العالَمية أن التدخينَ أدَّى إلى وفاة (60 مليون شخص) خلال النصف الثاني من القرن العشرين. التدخين بالإكراه: وهو ما يسمَّى بالتدخين السلبي، فمِن بين كل 6 سيجارات يُدخِّنها المدخِّن في غرفةٍ مُغلَقة، ينال كل واحد ممَّن حوله تأثير سيجارة كاملة, وقد ذكرَتْ بعضُ الدراسات أن مُعدَّل إصابة زوجة المدخن بسرطان الرئة يزيد (6 أضعاف) عن معدل إصابة الزوجات اللواتي لا يُدخِّن أزواجُهن. ولكيلا يطول بنا المقام، فسوف نتناول أضرار التدخين الصحية بإيجاز واضح، عسى أن يقرأها بعضُ المدخِّنين، فيتخلَّى عن عادة لا تَجلِبُ له إلا الضرر. أضرار التدخين: 1- كلما بدأ المرءُ بالتدخين في سنٍّ مبكرة، ازداد ضرر التدخين عليه. 2- كلما زاد المدخِّن من عدد السجائر المستهلَكة في اليوم، أصبح الخطرُ أكبرَ. 3- يزداد خطرُ التدخين على المدخِّنين الذين يُعانون مِن بعض الأمراض؛ مثل: السكري، وارتفاع ضغط الدم، والسِّمنة، والقصور الكُلَوي، وغيرها. 4- يزدادُ الضرر الناتج عن التدخين كلما كان جسمُ المدخِّن ذا بِنْية ضعيفة متهالكة. 5- يزداد الضرر الناتج عن التدخين عند المصابين بسوء التغذية ونقص الفيتامينات والمعادِن. 6- يزداد الضرر الناتج عن التدخين عند المرأة التي تأخذ حبوب منع الحمل. والأمراض التي يُسبِّبها التدخين لا تُحصى ولا تُعَد؛ ومنها على سبيل المثال: سرطان المريء، الاضطرابات العقلية، الأمراض الجلدية ( مثل عدم التئام الجروح )؛ حيث يعمل التدخين على موتِ الأنسجة الحية، والسبب يرجع إلى أن النيكوتين الذي يوجد داخل السيجارة، يعمل على تمدُّد نسيج الأوعية الدموية، وبالتالي تكون كمية الأكسجين أقلَّ، وكذلك يساعد التدخين على زيادة أول أكسيد الكربون في الهيموجلوبين، فيؤدي إلى تجمُّع الصفائح الدموية ولزوجة الدم. ولذلك ينصَحُ جرَّاحو التجميلِ مرضاهم بالتوقف عن التدخين لمدة لا تقل عن الأسبوع قبل إجراء الجراحات الترقيعية بوجهٍ خاص. ومِن الأمراض أيضًا التجاعيدُ المبكِّرة، وهي ما يطلق عليها " وجه المدخِّن أو جلد السجائر "، وهو جلدٌ لونه رمادي ساحب مُجعَّد، ويوجد به بثرات سوداء الرأس، والتهاب الغُدَد العِرقية، وإفراز عَرَق به صديد، وسرطان خلايا الجلد، والميلانوما، وهو مرض سرطاني خطير، وأورام الأعضاء التناسلية، وهو يطلق علية أيضًا اسم أورام الأعضاء الخمسة.
هذا هو الإسلام
د. أسماء جابر العبد
11-10-2018
5,000
https://www.alukah.net//culture/0/129939/%d9%87%d8%b0%d8%a7-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
هذا هو الإسلام إنه الفارق الجوهري بين منهج الرب ومنهج العبيد، قد وضَعَ لكلِّ مشكلةٍ حلًّا، ولكل آفةٍ علاجًا، أحكامٌ ثابتة، ومبادئ راسخة، لا يُلغيها تغيُّر الزمان وتبدُّل المكان، وهو ليس مجموعة من التعاليم الجوفاء، كما يصفه بعضُ الجهلاء؛ بل هو انطلاقةٌ جديدةٌ للحياة، انطلاقةٌ تسَعُ الكون بما فيه ومَنْ فيه؛ فارتشفْ من مَعينه العَذْب وسلسبيله الصافي ما ترتوي به عبر امتداد الزمان. إنه منهج متكامل يشمل كل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته اليومية والعملية شموليةً تستوعب المكان والزمان والمنهج والإنسان. جوانب عقلية ورُوحية وجسدية ووِجدانية، لا يُغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلَّا أشار إليها، ولا شاردةً ولا واردةً إلَّا نظَمها داخل إطار شرعي، تشريعٌ مُبرَّأٌ من الهوى البشري، والقصور العقلي، قد حارب الطغيان الاقتصادي، والتحلُّل الأخلاقي، وملأ الثغرات التي أحدثها العابثون بمنهجها. هو المنهج الأمثل لإيقاظ الأمة من غفلتها وبعثها من مَرقدها، يُربي روح الفرد وضميره وشخصيته وسلوكه. نظامٌ اجتماعيٌّ، تكافليٌّ، أخلاقيٌّ، نظام عَقَديٌّ اقتصاديٌّ عالميٌّ، نظامٌ دينيٌّ وتعليميٌّ وإعلامي، نظامٌ فنيٌّ ومدنيٌّ وإداري، نظام أمنيٌّ وقضائي. دينٌ يعرف طريقه للنفس البشرية، يعرف دروبها ومسالكها ومنحدراتها ومنحنياتها، ومداخلها ومخارجها، وكل مقوماتها وخصائص تكوينها ومقتضياتها، فيلتمس طريقه إليها. يعرف مدى قوتها وتحمُّلها فلا يتجاوزها، ويعرف حاجتها ورغباتها، فيُسرع في تلبيتها، ويعرف طاقتها الكاملة فيُطلقها، وحين شرع الحدود شرعها؛ ليحافظ على الضبط الاجتماعي والتناغُم المجتمعي. تناسقٌ عجيبٌ بين ناموس الكون، وفطرة الإنسان؛ فلا اصطدام ولا تحيُّر، ولا نكَد ولا تكدُّر. ولقد أصاب الخلل في الفهم الصحيح لمعنى الإسلام الأُمَّةَ حين قصَر نظرها عن المعنى الشامل المتكامل، وظنُّوه طقوسًا وشعائرَ، أو مجرد حدودٍ وعقوبات تؤدَّى؛ فعزلوه عن الحياة العامة اقتصادًا واجتماعًا، حتى غدا صورةً شاحبةً في نفوس أبنائه. إن عجز الحواس البشرية شيءٌ ملموس تُؤيِّده التجارب العلمية، وللعقل البشري مستوى يقف عنده، لا يتجاوزه، فهو محصورٌ محكوم، فأنَّى له أن يصير حاكمًا مشرعًا! كم عانت البشرية من الحيرة والشقاء والتوتُّر والاضطراب، فلجأ البعض إلى المسكِرات، وبعضهم إلى المغامرات، رغم ما أحرزته من انتصاراتٍ علمية وتيسيراتٍ حضارية، وثورات مادية، وحين تعاشرهم تجدهم هاربين من لا شيء؛ بل من مجموعة أشباح على رأسها ذواتهم. أمراض عصبية ونفسية، قلق وجنون وشذوذ وجرائم، فراغٌ خالٍ من الحياة نفسها، لقد أنقذ الإسلام البشرية من الحمأة الوبيئة التي أُركِست فيها، وخلصها من الأفعال الدنيئة التي استحكمت في دائرتها. خلَّص الرُّوح البشرية من الوهم والخرافة والعبودية، والظلم والانحلال والتفكُّك، والانهيار والاستذلال والتبعية؛ منهج ربانيٌّ مُبرَّأ من نتائج الهوى الإنساني، والضَّعف البشري والنفع الذاتي. هذا هو الفارق بين رُوح الإسلام والمادة التي سيطرت على العالم حِقَبًا من الزمان، ثم بعد أن سيطرت عليه اليوم الحاجةحين تخلَّى الإسلام عن القيادة. ما أحوجنا اليوم إلى من يُعيد لنا إيماننا بأنفسنا، وثقتنا بماضينا، ورجاءنا بمستقبلنا! ما أحوجنا إلى من يُعيد لنا إيماننا بهذا الدين الذي نحمل اسمه، ونجهل الكثير عنه، نأخذه بالوراثة أكثر من أخذنا له بالعلم والمعرفة! إن هذا الدين يبعث في نفس المسلم العِزَّة من غير كبر، والثقة من غير اغترارٍ، والاطمئنان من غير ركون وتوانٍ. لقد قدَّم الإسلام للعالم نموذجًا يُحتذى، يتَّسِم بالتنوُّع والخصوصية، في إطار وحدة مرجعية تمتاز بالمرونة، وتُراعي تعدُّد القُدرات ورحابة الاستجابات. فلماذا نسلِّم أنفسنا للانطفاء بعد بلوغنا قمة التفوُّق والعطاء؟! لا نريد أن نتورَّط في مزالق المثالية أو التصوُّرات النظريات القَبْلية، لا نفرط في ثوابتنا، ولا نساوم على عقيدتنا. لقد نجح النبي صلى الله عليه وسلم في تشييد حضارة متكاملة مِلءَ سَمْع الزمان وبصره، فما عجزت عن استيعاب مشكلات البشرية وإيجاد حلول ملائمة لها؛ بل عاش الجميع تحت مظلَّتها ينعمون بعَدْلها؛ مسلمهم وكافرهم في ظل حياة طيبة راشدة. واستقراءً للممارسات الرشيدة في الخلافة الإسلامية العادلة، تنبئك كيف أن الإسلام قادرٌ على قيادة قارب الإنسانية إلى شاطئ الأمان. فهل بعد كل هذا يأتي مُدَّعٍ فيُماري في الإسلام وشريعته وصلاحية منهجه لكافة الزمان وكل الإنسان. إن الأمم أبدًا في تدافُع، والأيام دولٌ، ومن يتخلَّف عن الركب سوف يُستبدَل لا محالة ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [محمد: 38].
أمراض الشيخوخة الشائعة
عباس سبتي
10-10-2018
14,298
https://www.alukah.net//culture/0/129915/%d8%a3%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae%d9%88%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%a6%d8%b9%d8%a9/
أمراض الشيخوخة الشائعة يمكن للناس في العالم اليوم أن يتوقعوا العيش فترةً أطول من أي وقت مضى، بمجرد أن تصل إلى 65 عامًا؛ إذ تشير البيانات إلى أنه يمكنك العيش 19،3 سنة أخرى؛ أي: يصبح عمرك 84،3 سنة - إذا قدِّر لك العيش - وفقًا لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ( CDC ). بالنسبة إلى الكثيرين، فإن رعاية كبار السن تشمل إدارة وعلاج الحالات المزمنة من أجل البقاء بصحة جيدة. إن اختيار نمط حياة صحي، مثل الإقلاع عن التدخين وفِقدان الوزن، يمكن أن يساعدك على تجنب المخاطر الصحية الكبيرة، على الرغم من أنه " يجب عليك أيضًا أن تكون نشطًا بدنيًّا، وأن تأكل نظامًا غذائيًّا صحيًّا "، تشرح" جين وي، Jeanne Wei " دكتوراه في الطب، المديرة التنفيذية لمعهد رينولدز" Reynolds " للشيخوخة في جامعة أركنساس للعلوم الطبية في ليتل روك بالولايات المتحدة، بما في ذلك أنها طبيبة متخصصة في المشاكل الصحية للشيخوخة، على فريق الرعاية الصحية الخاص بك، يمكن أن يساعدك على تعلُّم كيفية العيش بشكل أفضل مع أي أمراض مزمنة. ثم يمكنك أيضًا أن تكون من بين 41 في المائة من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 سنة، والذين يقولون: إن صحتهم جيدة جدًّا أو ممتازة، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض. هذه بعض الأمراض التي يصاب بها كبار السن: التهاب المفاصل: Arthritis تقول ماري برنار "Marie Bernard" ، نائبة مدير المعهد الوطني للشيخوخة في بيثيسدا " Bethesd "، ميريلاند: "ربما يكون التهاب المفاصل هو العامل الأول الذي يواجهه الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عامًا أو أكثر"، وتقدر مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها أنها تؤثر على 49.7 في المائة من جميع البالغين فوق سن 65 عامًا، ويمكن أن تؤدي إلى الألم وانخفاض نوعية الحياة لبعض كبار السن، على الرغم من أن التهاب المفاصل يمكن أن يثبطك عن النشاط، إلا أنه من المهم العمل مع طبيبك لتطوير خطة نشاط شخصية يمكن أن تساعدك إلى جانب العلاجات الأخرى، في الحفاظ على صحة لكبار السن. مرض القلب: Heart Disease وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، فإن أمراض القلب لا تزال تمثل السبب الأول لوفاة البالغين، البالغ أعمارهم فوق سن 65 عامًا، وهو ما يمثل 489،722 حالة وفاة في عام 2014، وكحالة مزمنة يصيب مرض القلب 37٪ من الرجال، و26٪ من النساء بعمر 65 عامًا أو أكثر، وفقًا للوكالة الفيدرالية؛ منتدى حول الإحصاءات المتعلقة بالشيخوخة، مع تقدم العمر يصاب المسن بعوامل الخطر، مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول؛ مما يزيد من فرص الإصابة بسكتة دماغية، أو الإصابة بأمراض القلب، نصيحة الدكتور برنارد في معالجة هذا الخطر الصحي الكبير لا يساعد فقط في الإصابة بأمراض القلب، ولكن يمكنه تحسين صحة كبار السن: "م ارسوا التمارين وتناول الطعام جيدًا، واحصلوا على راحة جيدة في الليل ". إن تناول الطعام بشكل جيد يعني تناول الطعام بطريقة تسمح لك بالحفاظ على وزن صحي، مع اتباع نظام غذائي متوازن وصحي. السرطان: Cancer السرطان هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الأشخاص فوق سن 65، مع 413،885 حالة وفاة في عام 2014، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، وتفيد مراكز السيطرة على الأمراض أن 28 في المائة من الرجال، و21 في المائة من النساء فوق سن 65 سنة مصابون بالسرطان، إذا تم اكتشافها في وقت مبكر من خلال الفحوصات، مثل تصوير الثدي بالأشعة السينية، وتنظير القولون، وفحص الجلد، يمكن علاج العديد من أنواع السرطان، وعلى الرغم من أنك لست قادرًا دائمًا على الوقاية من السرطان، فإنه يمكنك تحسين نوعية حياتك كمُسنٍّ مع مرض السرطان، بما في ذلك أثناء العلاج، من خلال العمل مع الفريق الطبي والحفاظ على توصيات المعيشة السليمة. أمراض الجهاز التنفسي: Respiratory Diseases أمراض الجهاز التنفسي السفلي المزمن، مثل مرض الانسداد الرئوي المزمن ( COPD )، هي ثالث أكثر أسباب الوفاة شيوعًا بين الأشخاص البالغين من العمر 65 عامًا وأكثر، مع 124693 حالة وفاة في عام 2014، وفقًا لمراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، بين الأشخاص الذين يبلغون من العمر 65 عامًا وأكثر، يعاني 10٪ من الرجال، و 13٪ من النساء من الربو، و 10٪ من الرجال و11٪ من النساء يعانين من التهاب القصبات المزمن أو انتفاخ الرئة، وفقًا للمنتدى الفيدرالي المشترك بين الوكالات المعني بالإحصاءات المرتبطة بالشيخوخة، على الرغم من أن الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة تزيد من المخاطر الصحية الكبيرة؛ مما يجعلك أكثر عرضة للإصابة بالالتهاب الرئوي والالتهابات الأخرى، فإن الحصول على اختبارات وظائف الرئة وتناول الأدوية الصحيحة، أو استخدام الأكسجين حسب التعليمات، سيقطع شوطًا طويلًا نحو الحفاظ على صحة وجودة حياة لكبار السن. مرض الزهايمر: Alzheimer’s Disease كان مرض الزهايمر مسؤولًا عن 92،604 حالة وفاة لأشخاص فوق سن 65 عام 2014، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، أفادت جمعية الزهايمر أن واحدًا من بين كل تسعة أشخاص يبلغ من العمر 65 عامًا وأكثر؛ أي: بنسبة 11 بالمائة تقريبًا، مصاب بمرض الزهايمر، ولكن بسبب صعوبة التشخيص، يصعب معرفة عدد الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة المزمنة بالضبط، ومع ذلك يُقر الخبراء أن ضَعف الإدراك له تأثير كبير على صحة كبار السن، ومن قضايا عدم السلامة والرعاية الذاتية إلى عبء تكاليف الرعاية، سواء في المنزل أو في منشأة سكنية. هشاشة العظام : Osteoporosis وقال بيرنارد: "يمكن أن تسهم هشاشة العظام في أن تصبح أقل حركةً وأكثر عرضة للإعاقة إذا سقطت، وأُصيبت بكسر أو بسبب انهيار كتلة العمود الفقري"، وتقدر مؤسسة " هشاشة العظام الوطنية " - أن 54 مليون أمريكي فوق سن الخمسين يعانون من انخفاض كتلة العظام أو هشاشة العظام، مما يعرِّضهم لخطر الإصابة بكسر، وهذا الكسر قد يؤدي إلى تدهور صحة كبار السن، وانخفاض نوعية الحياة، والأكثر من ذلك فهم يقدرون أنه بحلول عام 2020 سيرتفع هذا الرقم إلى 64.4 مليون. داء السكري: Diabetes تقدر مراكز السيطرة على الأمراض أن 25 في المائة من الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 65 سنة فما فوق، مصابون بمرض السكري، وهو خطر صحي كبير، وفقًا لبيانات CDC تسبَّب مرض السكري في وفاة 54161 حالة بين البالغين فوق سن 65 عام 2014، يمكن تحديد مرض السكري ومعالجته في وقت مبكر مع اختبارات الدم البسيطة لمستويات السكر في الدم، وكلما علمت أنك مصاب أو معرض لخطر الإصابة بمرض السكري، تمكنت من البدء في إجراء تغييرات للسيطرة على المرض، وتحسين توقعاتك الصحية على المدى الطويل. الإنفلونزا والالتهاب الرئوي: Influenza and Pneumonia على الرغم من أن الإنفلونزا والالتهاب الرئوي ليسا من الأمراض المزمنة، فإن هذه العدوى من بين الأسباب الثمانية الأولى للوفاة بين الأشخاص فوق سن 65، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض. كبار السن هم أكثر عرضة لهذه الأمراض وأقل قدرة على محاربتهم، وتشمل توصيات الرعاية الصحية العليا الحصول على جرعة سنوية من الإنفلونزا، والحصول على لقاح التهاب الرئة إذا ما أوصى بذلك طبيبك، لمنع هذه الالتهابات ومضاعفاتها التي تهدد الحياة.. السقوط: Falls يزداد عدد المسنين الذين يفقدون توازنهم ويسقطون على الأرض، المحولين إلى أقسام الطوارئ بالمستشفيات، وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، هذا أكثر من أي فئة عمرية أخرى، وثلث الأشخاص الذين يذهبون إلى غرفة الطوارئ نتيجة السقوط قد يجدون أنفسهم هناك مرة أخرى في غضون عام واحد، وفقًا لدراسة نُشِرت في أغسطس 2015 في المجلة الأمريكية لطب الطوارئ. يجب أيضًا الانتباه إلى أن معظم حالات السقوط تحدث في المنزل؛ حيث تشتمل مخاطر التعثر على السجاد وأرضية الحمام الزلقة، وفقًا لدراسة نُشرت في يناير 2013 في مجلة Journal of Injury and Violence Research. خطر السقوط الذي يتطلب رعاية غرف الطوارئ مع تقدم العمر، في كل عام يتم علاج 2.5 مليون شخص في عمر 65 سنة فما فوق من السقوط. تعاطي المواد المخدرة: Substance Abuse يشير تحليل للبيانات المأخوذة من المسح الوطني الوبائي بشأن الكحول، والظروف ذات الصلة - إلى أن واحدًا من كل خمسة أشخاص تجاوزت أعمارهم 65 عامًا قد يعاني من مشكلة تعاطي المخدرات أو الكحول في مرحلة ما من حياتهم، وتصدرت الكحول والتبغ قائمة المواد غير الطبية التي يتعاطاها هذه الفئة العمرية، وكما في الاستطلاع يعتبر تعاطي المواد المخدرة والكحول مصدر قلق لكبار المسنين، بسبب التفاعلات الممكنة مع الأدوية الموصوفة، وتأثيرها على الصحة العامة، والمخاطر الصحية المتزايدة، مثل السقوط والمرتبطة بالتسمم. السمنة: Obesity تعتبر السمنة من أهم عوامل الخطر الصحي لأمراض القلب والسكري والسرطان، كل الحالات المزمنة التي تؤثر على جودة الحياة، وكلما ازدادت الأعداد على المقياس، تزداد كذلك مخاطر المرض، من البالغين بين 65 و74، 36.2 في المائة من الرجال و40.7 في المائة من النساء يعانون من السمنة - مما يعني أن مؤشر كتلة الجسم لديهم أكبر من أو يساوي 30 - وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض. يمكن أن يكون أيضًا مؤشرًا على أن شخصًا بالغًا كبير السن ليس نشطًا أو متحركًا. الكآبة: Depression وفقًا للجمعية الأمريكية لعلم النفس، فإن 15 إلى 20 بالمائة من الأمريكيين فوق سن 65 عامًا يعانون من الاكتئاب، يمكن للاكتئاب الذي يهدد الصحة العامة لكبار السن أن يقلل من المناعة، ويمكن أن يُضعف قدرة الشخص على مكافحة العدوى، بالإضافة إلى العلاج بالأدوية والعلاج، قد تكون الطرق الأخرى لتحسين معيشة كبار السن هي زيادة النشاط البدني - 59.4 بالمائة من البالغين 65 سنة أو أكبر، لا يتقيدون بمقترحات مراكز السيطرة على الأمراض لممارسة الرياضة - أو للتفاعل اجتماعيًّا أكثر - يبلغ كبار السن عن إنفاق 8 إلى 11 بالمائة من وقت فراغهم مع العائلة والأصدقاء، وفقًا للمنتدى الفيدرالي المشترك بين الوكالات المعني بالإحصاءات المرتبطة بالشيخوخة. صحة الفم: Oral Health الأسنان السليمة واللثة مهمة، ليس فقط من أجل ابتسامة جميلة وسهولة الأكل، ولكن أيضًا بالنسبة لصحة كبار السن العامة، ووفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، فإن 25 بالمائة من البالغين فوق سن 65 ليس لديهم أسنان طبيعية، مع تقدُّمك في العمر يميل الفم إلى أن يصبح مجففًا، وأن تكون تجاويفه أكثر صعوبة في الوقاية، لذا يجب أن تكون الرعاية الصحية المناسبة بالفم، بما في ذلك فحوص الأسنان المنتظمة، أولوية رعاية صحية رفيعة؛ كما قال الدكتور وي " Wei ". الفقر: Poverty في عام 2013 كان 45 بالمائة من البالغين الذين بلغوا 65 عامًا أو أكبر دخلًا أدنى من مستوى الفقر، وفقًا لتقرير مؤسسة أسرة كايزر لعام 2015، يأخذ هذا العدد في الاعتبار الموارد المالية المتاحة والخصومات مثل الضرائب، واستحقاقات القيمة مثل طوابع الطعام، والنفقات الطبية من الجيب، والتغيرات الجغرافية في نفقات الإسكان، وعوامل أخرى. إن النساء الأكبر سنٍّا أكثر احتمالًا بقليل من الرجال لأن يَعِشْنَ في فقر، وتزداد تلك الفجوة بين من تجاوزنَ الثمانين، كما أن كبار السن الأكبر سنًّا هم أكثر عُرضة للعيش بمفردهم مع موارد اقتصادية أقل. يؤثر الفقر على صحة كبار السن إذا كانوا غير قادرين على تحمُّل تكاليف زيارة الطبيب وشراء الأدوية للأمراض المزمنة، وغير ذلك من احتياجات الرعاية الصحية الأساسية. الحزام الناري: Shingles إن نوبة من جدري الدجاج تُذكرك أن لديك طفلًا يعاني من السعال؟ يمكن أن يعود ذلك بتذكيرك عندما كنت صغيرًا، بحسب المعاهد الوطنية للصحة سيحصل واحد من بين كل ثلاثة أشخاص فوق الستين يصابون بهذا الحزام، و50٪ من جميع الأمريكيين سيصابون بها قبل أن يبلغوا الثمانين، وعادة ما يؤثر هذا على جانب واحد فقط من الجسم، يبدأ بألم شديد أو وخز، ثم تتحول إلى طفح جلدي وحكة، وربما ظهور بثور، هناك لقاح متاح في الأسواق لعلاج هذا الحزام الناري.
أنتم أعلم بأمور دنياكم
أ. د. فؤاد محمد موسى
09-10-2018
90,543
https://www.alukah.net//culture/0/129878/%d8%a3%d9%86%d8%aa%d9%85-%d8%a3%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a8%d8%a3%d9%85%d9%88%d8%b1-%d8%af%d9%86%d9%8a%d8%a7%d9%83%d9%85/
أنتم أعلَمُ بأمور دُنياكم لقد جاء هذا القول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث التالي: عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون النخل، فقال: (لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شيصًا) - تمرًا رديئًا - فمر بهم، فقال: (ما لنخلكم؟)، قالوا: قلت كذا وكذا.. قال: (أنتم أعلم بأمور دنياكم)؛ (مسلم). أمور الدنيا خاضعة لأحكام الشرع، وقد تكرر كثيرًا في القرآن الكريم الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتحذير من مخالفة أمره، ومن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]، وقوله سبحانه: ﴿ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [النور: 63]، فأمره صلى الله عليه وسلم بشيءٍ، دليلٌ قام على وجوب ذلك الشيء، إلا أن يقوم دليل يصرف الأمر عن الوجوب إلى غيره. إن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنتم أعلَمُ بأمور دُنياكم)، قد يندرج تحته أن الإنسان مأمور من الله تعالى بالبحث عن العلوم الدنيوية التي تُكتَسب بالتجارب والخبرة، وتسخير العقل لها؛ كالعلوم الهندسية والرياضية والطبية، وطرق الصناعة والزراعة والتكنولوجية، وغير ذلك، لاستخدامها في تيسير أمور حياته عبادةً لله، وشكرًا على نِعمه، فكل هذه العلوم مِن نعم الله للإنسان، ولكن عليه البحث عنها بنفسه، وهذا طبقًا لأمر الله تعالى في قوله: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 1، 2]. فالمطلوب منا اكتشاف أسرار هذا الكون؛ مِن الذَّرَّة وما دونها، والمجرَّة وما فوقها؛ بالبحث العلمي العقلي، والتوصُّل إلى معرفة قوانين هذا الكون الذي سخَّره الله لنا من أجل عمارته؛ امتثالًا لأمر الله، والاستعانة به في ذلك، وباستخدام منهج الله الذي أنزَله في القرآن الكريم، وأوضحَته السنة النبوية قولًا وعملًا وإقرارًا. فالإنسان هو الخليفة الذي كلَّفَه الله بقيادة الحياة في الأرض بمنهجه في القرآن والسنة؛ تعبُّدًا له، فهو مكلَّف بقيادة الجماد والنبات والحيوان والطير ونفْسه وغيره من البشر بهذا المنهج. إن بحث الإنسان في الكون باستخدام العلوم العقلية التجريبية للتوصل إلى ما يخدم حياته، ليس منفصلًا عن عبادته لله، بل إنها جزءٌ من هذه العبادة، فيجب عليه أن يستخدمَ ذلك لتحقيق سعادته في الآخرة؛ ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 219، 220] . ومن هنا كان قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه: (أنتم أعلَمُ بأمور دُنياكم)، يدور في هذا السياق.
المتشبع بما لم يعط
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
09-10-2018
24,382
https://www.alukah.net//culture/0/129877/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b4%d8%a8%d8%b9-%d8%a8%d9%85%d8%a7-%d9%84%d9%85-%d9%8a%d8%b9%d8%b7/
المتشبِّع بما لم يُعطَ التلبُّس بزي ليس له وأخذ شيء ليس ملكه: قد ترى بعض الناس لضعفه وقلة حيلته وبضاعته ومحدودية فكره، يحب أن يظهر دائماً، ويبرز أمام الآخرين بأنه هو صاحب المبادرات، وأنه هو الرجل المؤثر في عمله، وهو الذي له الكلمة الأولى على المستويات العليا والرسمية، وهو الذي يعمل، ويفهم، ويبتكر، وهو الذي ينتج، وهو.... وهو.... الخ، وتجده حريصاً كل الحرص على الظهور الإعلامي في أية فرصة وجدها، وربما لمصالح دنيوية معينة مع بعض الإعلاميين يهيئون له مقابلات وظهور إعلامي مزيف بين الفينة والأخرى. إن هذا الصنف من الناس إذا كانوا في أماكن ذات أهمية وقيادية، فالطامة أكبر وأعظم، لأن العاملين معهم تذهب جهودهم هباء منثوراً يعملون وينتجون ويفكرون، ثم تنسب أعمالهم وجهودهم لغيرهم، وبالتالي فهؤلاء تضعف عزائمهم نحو العمل والإبداع والتفوق والرقي. وقد نبهت الشريعة الإسلامية إلى هذا الخلل، فقال الله تعالى: ﴿ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [1]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يُعْطَوا" [2] . وجاء في الحديث الشريف عَنْ أَسْمَاءَ رَضِي الله عَنْهَا أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً, فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ" [3] . وعنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "وَمَن ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً؛ لِيَتَكَثَّرَ بِهَا, لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً " [4]. ولا شك أن هذه خصلة وصفة ذميمة يجب على المسلم الترفع عنها، وأن يحرص على تقوى الله تعالى، وألا يجعل حظه من الدنيا ثناء الناس عليه، وقد تسول نفسه لضعفه وقصوره البشرى الحرص على الثناء من الناس، ولكن المهم لا يكون على حساب الآخرين، وأخذ ما ليس له، فينبغي العمل والاجتهاد وإعطاء كل ذي حق حقه، ولا شك أن الثناء والمدح يأتي بطبيعته نتيجة العمل الجاد والإخلاص فيه، فما كان لله تعالى فهو الباقي، وما كان للناس فهو الفاني. إن الجهات المعنية بحاجة ماسة إلى وضع الضوابط والمعايير المحددة التي يتم التعرف من خلالها على هذا الصنف، لأنهم بسلوكياتهم هذه يؤثرون سلبياً على رقي الأمة وتقدمها، ومن أهم الخطوات المهمة لمعالجة هذا الموضوع: ♦ تقديم دورات شرعية وإدارية ومهارية للعاملين في مختلف المجالات والمستويات. ♦ إيجاد معايير واضحة ومحددة لاختيار العاملين، وخصوصاً المواقع المهمة والحساسة. ♦ الحرص التام على التقويم المستمر، ويكون وفق آليات فاعلة وذات موضوعية عالية. [1] سورة آل عمران، الآية رقم: 188. [2] ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، ج2، ص 181. [3] البخاري، صحيح البخاري، كتاب: النكاح، باب: المتشبع بما لم ينل وما ينهى من افتخار الضرة حديث رقم: 4818. [4] مسلم، صحيح مسلم، كتاب: الإيمان، باب: غلظ تحريم قتل الإنسان نفسه، حديث رقم: 160.
عناوين مضللة
أ. عاهد الخطيب
08-10-2018
5,712
https://www.alukah.net//culture/0/129863/%d8%b9%d9%86%d8%a7%d9%88%d9%8a%d9%86-%d9%85%d8%b6%d9%84%d9%84%d8%a9/
عناوين مضللة الاستعانة بالعناوين المضلِّلة ظاهرةٌ مُستشريةٌ في وسائل التواصُل الاجتماعي، ويُلاحِظ أيُّ متابعٍ تَفاقُمَها مع الوقت، فما أكثر استخدام المصطلحات والكلمات شديدة الوَقْع والتأثير في النفوس والمشوِّقة؛ مثل: عاجل وخطير وهائل ومُزَلْزِل وفاضح وصادم، لجذب القارئ الذي يدخل بدافع الفضول ليجد أن الصدمة الحقيقية هي في المحتوى الهزيل الذي قد يبتعد أو يقترب بنسب متفاوتة عن مستوى ما يُوحي به العنوان! ولكنها في الغالب قليلة، وأحيانًا أخرى لا يكاد ما يقرؤه أو يشاهده يمتُّ بصِلة لعنوانه المبهرج. وتجد البعض في حالات أخرى يضع عناوينَ مزيفةً وكاذبةً؛ لجرِّ أكبر عدد من القُرَّاء لموضوع لا علاقة له على الإطلاق بهذا العنوان أو صورة المقطع. أما الغرض الأخطر من استخدام هذه العناوين المثيرة، فهو ترويج الإشاعات، ونَشْر الأخبار الملفَّقة أو المحرَّفة المسيئة والمحبطة؛ لتحقيق أهداف تُسيء إلى المجتمعات أو تُسيء إلى أفراد أو تُثير نعرات. ما يدعو إلى الاطمئنان وما يُعوَّل عليه هو ارتفاع مستوى الوعي لدى الشريحة الأكبر من الناس الذين صاروا لا يُلقُون بالًا لمثل هذه العناوين، وإنَّ شَدَّتهم أحيانًا، وتفاعلُوا معها فهو في الغالب من باب دحضها وتكذيبها أو للتندُّر على ما فيها من تُرَّهات ومُبالغات.
غفلات علمية بين الماضي والحاضر
علاء مصري النهر
08-10-2018
3,394
https://www.alukah.net//culture/0/129862/%d8%ba%d9%81%d9%84%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%b6%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b6%d8%b1/
غفلات علمية بين الماضي والحاضر في أول شهر سبتمبر الماضي قابلتُ السفير حَسَّان العَبَّادِيَّ (1930م-...) بمنزله بالإسكندرية، فدار الحديث عن والده عبدالحميد بك العبادي (1892-1956م)، فذكر لي أن أباه لَمَّا ترجم كتاب " تاريخ المسألة المصرية: 1875-1910م " للصحفي الإنجليزي تيودور رتشتين، هو وزميله الأستاذ محمد بدران (1894 - 1960م)، لم يستطيعا نشر الترجمة إلا بعد استقلال مصر سنة 1923م، وذلك ضمن مطبوعات لجنة التأليف والترجمة والنشر، بَيْدَ أنَّ أحد المتأدِّبين المشهورين على الساحة وقتئذٍ أقدم على انتحال مقدار عظيم من ترجمتهما ونشرها باسمه، خاصَّةً بعد نفاد الطبعة الأولى من الترجمة، فرفعا الأمر إلى المحاكم، وكان دليلهما الوحيد على حقوقهما الملكية مُسَوَّدات الترجمة، فقضت لهما المحاكم، وقد اضطرتهما هذه الحادثة إلى طبع الترجمة طبعة ثانية في يوليو سنة 1936م. وقد ذكَّرتني هذه الوقعة بما حدث مع تقي الدين أحمد المقريزي (ت 845هـ = 1442م)، ففي ترجمته لمعاصره المؤرِّخ صارم الدين إبراهيم بن محمد بن أَيْدَمُر المعروف بابن دُقَماق المتوفَّى سنة 809هـ = 1407م ذكر أنه صحبه مدةً، ولَمَّا استقرَّ ابن دُقْماق بالقاهرة جاور المقريزي عدة سنواتٍ، وكانت بينهما صُحْبةٌ، فكان ابن دُقْماق يتردَّد إلى بيت المقريزي كثيرًا، إلا أن المقريزيَّ وصفه بأنه "كان قليل الفِقْه، حَسْبُه نَقْلُ ما يقفُ عليه، حتى ربما ينسبه مَنْ عَلِمَ حقيقة أمره إلى الغَفلة"، ثم أشفع قوله السابق بحادثةٍ تؤكِّد ذلك، وهي أن ابن دُقْماق كان يستعير منه بعض أعماله العلمية التي بخَطِّه؛ ولكن المفاجأة أن المقريزي لما مات ابن دُقْماق اطَّلع على أخبار تيمورلَنك من خَطِّه، فوجد أنه قد كتب فصلًا في استيلاء تيمورلنك على حلب سنة 803هـ = 1400م بخطِّه، وقد بيَّن المقريزي دعواه هذه بأنه كان قد كتب فيما جمعه: " أخبرني مَنْ لا أَتَّهِمُ أنَّه شاهد "، فكتب ابن دُقْماق العبارة نفسها؛ لذلك صار يوهم القارئ كأنه هو الراوي لهذه الأخبار، ثم أقسم المقريزي بأنها من جمعه قائلًا: "ولا والله وقف على ذلك الجزء إلَّا من خَطي" . وأَدْهَى وأَمَرُّ من ذلك أن الشاهد الذي كان المقريزي قد اعتمد عليه في خبر استيلاء تيمورلَنك على حلب، وهو ناصر الدين محمد بن عبدالرحيم المعروف بابن الفُرات المصري المتوفَّى سنة 807هـ = 1405م، نقل هو الآخر عبارة المقريزي السابقة بنصِّها، فأشار المقريزي بأنه اطَّلع بعد موت ابن الفُرات على جزءٍ من تاريخه بخطِّه، فوجده قد نقل قوله السابق نفسه، وعلَّل المقريزي ذلك بأن ابن الفُرات كان صديقًا لابن دُقْماق، وكان ينقل عنه في تاريخه كثيرًا، ويرى أيضًا أن ابن الفُرات ربما وقف على خطِّه عند ابن دُقْماق، فقال هو أيضًا: "أخبرني مَنْ لا أتَّهم"، فصار الناظر في رواية ابن الفرات يحسب أنه هو راوي الجزء أيضًا، ثم أنهى المقريزي حديثه عن هذه الوقعة بقوله: "وما ذاك إلَّا غفلة" [1] . فلولا أن المقريزي بيَّن ذلك، ما استطاع أحَدٌ أن يعرف جلية الأمر؛ لأن المؤرخَيْنِ اللذين أخذا روايته ماتا قبله، فابن الفُرات هو الشاهد الذي أخبر المقريزي بوقائع احتلال تيمورلَنك لحلب، لكنه رجع من " غفلته " - حسب تعبير المقريزي - وأخذ ما أخبر به من تاريخ صديقه ابن دُقْماق الذي نقله بدوره من المقريزي، غير أنه لم ينصَّ على ذلك. وهناك واقعة أخرى، حدثت مع محيي الدين بن عبدالظاهر (ت 692هـ = 1292م)، فقد اعتمد معاصره جمال الدين بن وَاصِل (ت 697هـ = 1298م) في السنوات الثلاث الأخيرة من تاريخه "مُفرِّج الكُرُوب" اعتمادًا كبيرًا على كتاب " الرَّوض الزاهر في سِيرة الملك الظاهر بيبرس " لابن عبدالظاهر، ولم يُشِرْ نهائيًّا إلى نقله عنه، وقد كان المستشرق الفرنسي كلود كاهن (1909-1991م) أول مَن أثار قضية اعتماد ابن وَاصِل عند تأريخه للسنوات الأخيرة من تاريخه، والواقعة في عهد الظاهر بيبرس، على كتاب ابن عبدالظاهر [2] . وبالبحث والمقارنة تبيَّن لي أن قول كلود كاهن صحيحٌ، فعلى سبيل المثال لا الحصر، عند تجهيز الملك الظاهر بيبرس للخليفة العباسي المستنصر بالله الثاني للخروج إلى العراق؛ ليستردَّ مُلْك آبائه، ذكر ابن عبدالظاهر: " قال لي السلطان : الذي أنفقته على الخليفة، والملوك المواصلة ألف ألف دينار وستون ألف دينار عينًا، والأقدار لا تُعانَد، وما النصر إلا من عند الله، وإذا أراد الله شيئًا أمضاه ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]" [3] . فاقتبس ابن واصل القول السابق، ولم يعزُه إلى ابن عبدالظاهر، وأورده على هذا النحو: "قال صاحب التاريخ: فكان من جملة ما أنفقه على الخليفة والملوك المواصلة ألف ألف دينار وستون ألف دينار عينًا، والأقدار لا تُعانَد، وما النصر إلا من عند اللَّه، وإذا أراد الله شيئًا أمضاه، ولعل في ذلك خيرةً تُحمَد عواقبُها، ويُنتظَر لُطف الله تعالى فيها، ومهما أراده الله بلغه، ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]" [4] . فابن عبدالظاهر هو مَنْ سأل الظاهر بيبرس عن النفقات التي قدَّمَها للخليفة المستنصر بالله الثاني، وسمع جوابه؛ لكن معاصره ابن واصل أخذ نصَّ كلامه، ولم ينسبه إليه. فالغفلة ربما تضيِّع حق الملكية الفكرية، خاصةً بين المتعاصرين، وفي حال عدم اهتمامه بذلك، ربما ضاع حقُّه، وهذا كاد يحصل مع العبادي بك وصديقه بدران لولا اكتشافهما المبكر للأمر، فلو تمَّ هذا بعد موتهما ما استطاع أحدٌ أن يثبت أحقيتهما الفكرية في الترجمة، ومن قبلهما استطاع المقريزي أن يُبرهن على أنه السبَّاق إلى جمع أخبار استيلاء تيمورلنك على مدينة حلب. أما ابن عبدالظاهر، فالأمر يختلف بعض الشيء؛ فهو قد مات قبل ابن وَاصِل بحوالي خمس سنواتٍ، وقد يكون هذا مُبرِّرًا ظاهرًا لغفلته؛ لكن المدهش أنَّ نُقُولَ ابن واصل كانت في حياة ابن عبدالظاهر وليست بعد مماته، فابن واصل انتهى من تصنيف كتابه "مُفرِّج الكُرُوب" في غضون سنة 685هـ، والدليل على ذلك أنه كان يدعو للظاهر بيبرس عند ذكره بالرحمة والمغفرة، أما ابن عبدالظاهر الذي صنَّف سِيرة بيبرس في حياته، فكان يدعو له ببقاء الْمُلك. [1] المقريزي؛ دُرر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، حقَّقه وعلَّق عليه محمود الخليلي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط1، 2002م، مج1، ترجمة، ص101-104. [2] Claude Cahen: La Syrie du Nord a l'Époque des Croisades et Principauté Franque d’Antioche. Paris, 1940, pp. 69-70. [3] ابن عبدالظاهر؛ الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، تحقيق عبدالعزيز الخويطر، الرياض 1976م، ص112. [4] ابن واصل؛ مفرج الكروب في أخبار بَني أيوب، ج6، بتحقيق جمال الدين الشيال، ملحق رسالته للدكتوراة غير المنشور، ص230.
تراجم مختارة ومختصرة من كتاب: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للإمام الشوكاني
حسين بن رشود العفنان
08-10-2018
6,134
https://www.alukah.net//culture/0/129861/%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d9%85-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%b9-%d8%a8%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d9%86-%d9%85%d9%86-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%a8%d8%b9-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%88%d9%83%d8%a7%d9%86%d9%8a/
تراجم مختارة ومختصرة من كتاب: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للإمام الشوكاني (ت 1250هـ) رحمه الله رحمة واسعة (1) إبراهيم الكينعيُّ (ت 793هـ): كان عالِمًا عابدًا زاهدًا تاجرًا شاعرًا، يجمع المال ليُنفقه على أهله وأقاربه وعلى من يقصده من الناس، يغضب إذا مُدِح، ويستبشر إذا نُصِح. ♦    ♦    ♦ (2) إبراهيم الباعوني (ت 870 هـ): شيخ الأدب في زمانه، تولَّى عددًا من المناصب، وكان يرد شفاعات الكبراء، ويُصمِّم على الحق، دُفِن على سفح قاسيون. من شعره: سلِ اللهَ ربَّكَ ما عنده ولا تسأل الناس ما عندهم ولا تبتغي من سواه الغِنى وكن عبدَه لا تكن عبدَهم ♦    ♦    ♦ (3) إبراهيم اليعمري (ت 1223 هـ): أخذ العلم في فنون مختلفة، ثم عكف بعد طلب العلم على العبادة والعمل بعلمه، وتحلَّى بالزُّهْد، واشتغل بخاصَّة نفسه. ♦    ♦    ♦ (4) إبراهيم بن السلطان شيخ (ت 823 هـ): كان أميرًا شجاعًا، عفيفًا عن أموال الناس، سَمَّهُ أبوه السلطان بعد أن وصلته وشايةٌ كاذبةٌ، ثم ندم وعالجه وسلم من الموت؛ لكن أحد الحسدة دسَّ له سُمًّا فمات، ومَنْ تواطؤواعلى قتله ماتوا كُلُّهم بعده بزمن قصير. ♦    ♦    ♦ (5) إبراهيم الرباط (ت 885 هـ): عالم بارع في فنون عديدة، تنكَّر له الناس وآذوه، وكفَّره عددٌ من العلماء حسدًا، فرحل إلى دمشق ومات فيها. ♦    ♦    ♦ (6) إبراهيم بن خليل البرهان (ت 841 هـ): قرأ الحديث على مئتي شيخ، وفي الشعر روى عن بضعة وثلاثين، وفي العلوم الأخرى نحو الثلاثين، وقرأ "البخاري" أكثر من ستين مرة، و"مسلم" نحو العشرين، مات مطعونًا وهو يتلو القرآن، وقد قارب التسعين. ♦    ♦    ♦ (7) أحمد بن شهاب الدين الأذرعي (ت 783 هـ): كان يقول الحق، وينكر المنكر، مُحبًّا للغرباء مُحسِنًا لهم، سريع الكتابة، فقد كان يكتب في الليل مصنفًا، وفي النهار مصنفًا. ♦    ♦    ♦ (8) أحمد بن حسن الزهيري (ت 1214 هـ): أديب وشاعر، وله في الوعظ طريقة حسنة، لا يمل سماعه، ويستشهد كثيرًا بالأشعار التي تُرقِّق القلوب. ♦    ♦    ♦ (9) أحمد بن عامر الحدائي (ت 1197 هـ): برع في الفقه والفرائض، في لسانه ثقل لا تكاد تُفهَم عباراتُه، وكان يغضب إذا بلغه ما يخالف الشرع، وكان مواظبًا على التدريس، حتى وقت المطر الشديد الذي يمنع الشباب والأقوياء من الخروج، كان يخرج ولا يمنعه مانع. ♦    ♦    ♦ (10) أحمد بن عبدالرحيم بن الزين العراقي (ت 826 هـ): برع في فنون عدة، وأذن له غير واحد من شيوخه بالإفتاء، ودرس وهو شابٌّ في حياة أبيه، فقال أبوه: دروس أحمد خير من دروس أبه *** وذاك عند أبيه منتهى أربه عزل من قضاء مصر لتصميمه على الحق، وتنغَّصَت معيشتُه بعد العزل؛ لكنه أكبَّ على نشر العلم حتى مات. ♦    ♦    ♦ (11) أحمد بن علي السبكي (ت 763 هـ): قال الذهبي: (الإمام العلامة المدرس... له فضائل وعلم جيد، وفيه أدب وتقوى، ساد وهو ابن عشرين سنة...) لغوي أديب فقيه عابد، سريع الدمعة، كثير الصدقة والحج. (12) أحمد بن لطف الباري بن الورد (ت 1282 هـ): خطيب صنعاء، ولي الخطابة وهو دون العشرين، فقام بها قيامًا فريدًا، مع طهارة ورصانة وعِفَّة، وعُدَّ من العلماء وهو حديث السن، ثم فجأة ترك الخطابة وانجمع عن الناس. ♦    ♦    ♦ (13) أحمد بن علي العسقلاني المعروف بابن حجر (ت 852 هـ) نشأ يتيمًا، حفظ القرآن وهو ابن تسع، وفي العشرين حَبَّب الله إليه فَنَّ الحديث، وتصدَّى لنشره وقصر نفسه عليه، بدأ في شرح البخاري سنة 817 هـ، وانتهى منه سنة 842 هـ، وكان يخصِّص لكَتَبة الشرح ذهبًا يُفرِّقه عليهم، وأولم في ختام شرحه وليمةً عظيمةً حضرها ووجوه أهل مصر من علماء وأمراء وفضلاء. ♦    ♦    ♦ (14) أحمد بن حجر الهيتمي (ت 973 هـ): برع في فقه الشافعي، واختصر " الروض " للمقري، وشرع في شرحه، فأخذه بعض الحُسَّاد ومزَّقَه، فعظُم الأمر على الشيخ، واشتدَّ حزنُه ورحل لهذا السبب عن مصر إلى مكة، وبها تُوفِّي زاهدًا عابدًا عالِمًا. ♦    ♦    ♦ (15) الحسين بن محمد الطيبي (ت 743 هـ): كان غنيًّا أول عمره، وافتقر من كثرة الإنفاق والصدقة، شديدًا على الفلاسفة والمبتدعة، متميِّزًا في استخراج الفوائد من الكتاب والسنة، وله مجالس مشهودة في الحديث والتفسير، تُوفِّي وهو ينتظر إقامة الصلاة متوجِّهًا للقبلة.
فوبيا المال
د. زيد بن محمد الرماني
08-10-2018
18,986
https://www.alukah.net//culture/0/129860/%d9%81%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84/
فوبيا المال فوبيا المال أو الـ Chrometophobia ، هي خوف مرضي مبالغ فيه من التعامل مع المال، سواء كان ذلك في الحصول عليه أو في ادخاره أو إنفاقه. يقول الدكتور أكرم زيدان في كتابه النفيس ( سيكولوجية المال ): يعتقد بعض الناس أن فوبيا المال، مثل كل أنواع الفوبيا الأخرى تنتج عن دوافع لا شعورية مكبوتة، وما مشاعر الخوف الظاهر إلا ميكانزم دفاع وحماية للأنا من خطر حقيقي في باطن اللاشعور لا يقوى الفرد على مواجهته. لذا أصبحت مظاهر الخوف مجرد رمز للتعبير عن تلك الصدمات الانفعالية. وبالنسبة إلى فوبيا المال تتميز معظم الصدمات الانفعالية التي يتعرض لها الفرد بأنها مالية قد عانى منها الفرد في الماضي أو لا يزال يعاني منها في الوقت الحاضر. وأحيانا ما تحدث فوبيا المال نتيجة الثراء المفاجئ، وعدم قدرة الفرد على التعامل مع أوضاعه المالية الجديدة، والافتقار إلى فن إدارة المال، فالثراء المفاجئ ربما يولد نوعاً من الشعور بالسعادة لدى الأسوياء، تطول مدته أو تقصر، لكنه يؤدي إلى شعور عام بالخوف والقلق طويل الأمد للذين لديهم استعداد لفوبيا المال. ويرجع هذا القلق إلى خوف المريض من ضياع ماله، فتضيع الفرصة في الحصول عليه من جديد، وذلك لاعتقادهم الراسخ في فكرة نمطية مؤداها (( أن المال فرصة لا تأتي إلا مرة واحدة فقط )). من ثم يتضح لنا أن الخوف من المال ليس كراهية له، بقدر ما هو حب شديد مبالغ فيه، انقلبت فيه الأمور رأساً على عقب، فبدلاً من أن يخدم المال صاحبه، تحول الفرد إلى خادم أمين للمال. ومن هنا فقد رأى بعض علماء التحليل النفسي أمثال غولدبرغ ولويس أن هناك علاقة بين فوبيا المال وصرامة الأنا الأعلى، حيث تؤدي قسوة هذا الأخير إلى الشعور بالذنب من كسب المال أو إنفاقه أو حتى ادخاره، مما يدفع بالفرد إلى الزهد والتقشف وإنكار الذات ورفض مباهج الحياة ولذاتها، معتقداً أن كسبه المال سوف يمنع هذا المال عن الآخرين ويفقرهم، ويدفعهم إلى العوز والحاجة. وفوبيا المال في بعض جوانبها ليست (( الخوف من المال ))، بل هي (( الخوف على المال )). فعندما يحصل الفرد على المال تتولد لديه كثير من الرغبات والطموحات. وظهور هذه الرغبات وتلك الطموحات، يظهر القلق في صورة انفعال الخوف، الذي يصل في بعض الأحيان إلى خوف مرضي ( فوبيا ) عندما تفشل كل الخطط في تحقيق القوة والأمان والحرية. وهذا لا يعني أن فوبيا المال تؤدي بالفرد إلى رفض المال أو ان يقوم بتوزيع ثرواته على الآخرين. بل إن فوبيا المال في هذه الحالة تؤدي إلى سلوك الاكتناز والرهبة من الشراء أو البيع، فيصبح الفرد حارساً لماله بدلاً من أن يحرسه ماله، مقيداً به، بدلاً من أن يمنحه الحرية، ضعيفاً أمامه بدلاً من أن يمنحه الشعور بالقوة. والواقع أن الأعمال الدرامية سواء المسرح أو التلفزيون، قد حاولت، وما زالت تحاول أن تصنع إطاراً سيكولوجياً نمطياً فحواه (( كراهية المال والخوف منه )) على اعتبار أنه مفسدة ومهلكة ومضيعة للذات وللآخرين بل والمجتمع بأسره، فيشاهد الواحد منا في هذه الأعمال ما يصور الأغنياء وأرباب المال بأنهم أنانيون، أنذال وملوثون بكل إثم، وأن الشرف والنزاهة وعفة اليد هي مما لا يندرج في سيكولوجية أرباب المال. ومثل كل الفوبيات، فإن فوبيا المال لا تُعالج أو تُخفف من حدتها بتناول العقاقير، بل إن العقاقير قد تؤدي في بعض الأحيان إلى زيادة الأعراض. لكن استخدام أساليب العلاج السلوكي يفيد كثيراً في علاج فوبيا المال، فمن خلاله يستطيع المريض أن يفكر تفكيراً واقعياً وكلياً نحو المال فتقل حدة الخوف تدريجياً.
قواعد تحقيق المخطوطات عند صلاح الدين المنجد
سلمان الحساني
08-10-2018
63,068
https://www.alukah.net//culture/0/129859/%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%ac%d8%af/
قواعد تحقيق المخطوطات عند صلاح الدين المنجد من المعروف أن المستشرقين سبقوا العرب إلى تحقيق التراث العربي والإسلامي ونشره، واجتهد الكثير من العرب في التحقيق، كما ابتدعوا طرقًا وخطواتٍ في التحقيق مختلفة عمَّا جاء به المستشرقون؛ لكن الدكتور صلاح الدين المنجد يقترح قواعدَ تنهل من منهج المستشرقين وخطة جمعية " غيوم بوده " وقواعد المحدثين القدامى في ضبط الرِّوايات، ونشرها في هذا الكتاب؛ بهدف توحيد طرق نشر المخطوطات العربية، وكذا التعريف بهذه القواعد. وأول خطوة في هذا الجانب قام بها المجمع العلمي العربي بدمشق، عندما نشر " تاريخ مدينة دمشق "، ثم اللجنة المكلفة بتحقيق كتاب " الشفا " لابن سينا، أما الأفراد فنجد الدكتور محمد مندور في مقالَينِ موجَزَينِ نُشِرا في مجلَّة الثقافة، وبعده الأستاذ عبدالسلام هارون في كتاب "تحقيق النصوص ونشرها" ، وهي محاضرات ألقاها على طلبة دار العلوم، وقد انتقد صلاح الدين المنجد هذا الكتاب الأخير باعتباره جمَّاعًا لخليط من المعارف، كما أنه يضُمُّ مجموعةً من الأدوات التي يحتاج إليها المبتدئ في النشر، وكذا خلطه بين قواعد تحقيق النصوص والعلوم المساعدة على التحقيق؛ كعلم الخط وعلم المصادر، وأما قواعد التحقيق التي يقترحها صلاح الدين المنجد فنُرتِّبها كالتالي: 1- جمع النُّسَخ وترتيبها: أ‌- الجمع: • جمع النسخ العديدة والمبعثرة على قدر استطاعتنا. • الرجوع إلى كتب تاريخ الآداب العربية وفهارس المخطوطات العربية في المكتبات. • دراسة النسخ بواسطة الفهارس واختيار النسخ الجيدة. • تصوير النسخ غير المفهرسة. ب‌- ترتيب النسخ: 1- النسخة الأُمُّ؛ وهي التي كتبها المؤلف. 2- التأكد أن النسخة التي بين أيدينا هي آخر صورة لكتاب المؤلف. 3- النسخة التي قرأها المصنف أو قُرِئتْ عليه مع إثباته أنها قُرِئت عليه. 4- نسخة نقلت عن نسخة المصنِّف أو عُورِضَتْ بها وقُوبِلت عليها. 5- نسخة كتبت في عصر المصنِّف، وعليها سماعات على علماء. 6- نسخة كتبت في عصر المؤلف، وليس عليها سماعات. 7- نسخة كتبت بعد عصر المؤلف، ويفضل الأقدم على المتأخر، والتي كتبها عالم أو قُرِئَتْ عليه على غيرها. 8- تحديد تاريخ النسخة التي ليس عليها تأريخ النسخ، بواسطة الخط الذي كُتِبَت به. 9- عدم جواز نَشْر كتاب عن نسخة وحيدة إذا وُجِدَتْ نُسَخ أخرى، كما لا يجوز نَشْر مخطوطات مُتأخِّرة مع وجود نُسَخ أقدم منها. ج- الفئات: إذا وُجِدَتْ نُسَخ كثيرة مُتشابهة تُجعل في فئات (الفئة أ، الفئة ب ...) ، ويُتَّخَذ من كل فئة نسخة واحدة تُمثِّلها عند إثبات اختلافات النُّسَخ. 2- تحقيق النص غاية التحقيق ومنهجه: غاية التحقيق تقديم المخطوط كما وضعه مُؤلِّفه دون شرحه، وذلك عبر: • تحقيق صحة الكتاب واسمه ونسبته إلى مُؤلِّفه. • إثبات النُّسْخة الأُمِّ التي كتبها المؤلف. • الإشارة في الحاشية إلى ما في المتن من زيادة ونَقْص. • نسبة ما نقله المؤلِّف إلى مصدره. • تصحيح خطأ المؤلِّف في الحاشية، أو تصحيحه في المتن، والتنبيه على ذلك في الحاشية. • إذا اختلفت النسخ، نختار نسخةً لتكون أُمًّا. • مقابلة النسخة الأُمِّ إلى النُّسَخ الأخرى، والإشارة في الحاشية إلى اختلاف النُّسَخ. • عند اختلاف الرِّوايات نُثبِت في المتن ما نُرجِّح أنه صحيح، ونضع في الحاشية المصحَّف والمحرَّف والخطأ. • عند وجود زيادة في نسخة غير النسخة المعتمدة نتأكَّد من أصل الكتاب ونُثبتها ونُشير إليها في الحاشية. • يجوز للمُحَقِّق أن يضع حرفًا أو كلمة سقطت من المتن، وذلك بين قوسين. • إذا وُجِدَ خرمٌ أضاع نصًّا ما، وكان النصُّ موجودًا في كتاب آخر ( نسخة أخرى ) يمكننا إتمامه مع الإشارة إلى ذلك في الحاشية ووضعه بين قوسين، أمَّا إذا لم نجد ما ضاع بسبب الخرم، فإننا نُشير إلى مقدار البياض في الحاشية. • ينبغي على المبتدئ في التحقيق الاعتماد على نُسْخة، ثم مقابلتها مع النُّسَخ الأخرى، وترجيح الرواية الجيدة. • كان الأقدمون يُقابلون النُّسْخة بالأخرى، ويُثبِتُون الاختلاف في الهامش. • إذا وافق المحقِّق على إدراج تصحيحات العلماء - في الهوامش- ضمن المتن، كان عليه أن يُشير إلى ذلك في الحاشية. • إذا وُجِدَتْ زياداتٌ؛ فإنها تُضاف في الحاشية. • ينبغي على المحقِّق أن يكون عارفًا بالرموز الموجودة في المخطوطات القديمة جدًّا. • معرفة المحقِّق بالرموز التي يضعها النُّسَّاخ على الحروف لئلَّا يقع التباسٌ فيها. 3- الرسم: الأصل في التحقيق هو إثبات النص كما رسمه المؤلف إذا كانت النُّسْخة بخطِّ المؤلف؛ لكن بما أن الخط العربي تطوَّر، فإنه بات من اللازم أن نجعل النَّصَّ يُرسَم بالخطِّ الذي نعرفه الآن، كما ينبغي على المحقِّق أن يوضِّح في المقدمة نوع الرسم المتَّبَع في المخطوط، وكذا الطريقة التي اتَّبَعها في تبديله. 4- الألفاظ المختصرة: ترد أحيانًا في النصوص ألفاظٌ مُختصرةٌ؛ مثل: رحمه الله = رحه، إلى آخره = إلخ ... وعليها يرى بعض المستشرقين اتِّباع هذه الطريقة في الاختصار. 5- الشكل: ولشكل النَّصِّ نتَّبِع ما يلي: • نحافظ على ما وجدناه مشكولًا في النَّصِّ. • نشكل الآيات القرآنية والأحاديث. • نشكل الأشعار والأمثال. • نشكل الألفاظ والأمثال. • نشكل الألفاظ التي يلتبس معناها. • نشكل الأعلام الأعجمية المعربة أو المركبة أو الصعبة، وذلك بالاستعانة بكتب الرجال والتراجم. ونشير في المقدمة إذا وجدنا النص مشكولًا. 6- العناوين: و يكون إثبات عنوان الأبواب والفصول بخطٍّ أكبرَ من خطِّ النَّصِّ. 7- تقسيم النص وترقيمه: وذلك عبر: • الحفاظ على تقسيم المؤلف. • إذا كان النَّصُّ غير مُقَسَّم نقوم بتقسيمه، ونُعطي لكل قسم عنوانه مع وضعه بين قوسين. • إذا كان النصُّ مقسَّمًا نُرقِّم أبوابه. • إذا كان النصُّ في التراجم نضع اسم المترجم بخطٍّ أصغرَ من خطِّ المتن على الهامش أو منتصف الصفحة، ونُرقِّم التراجم. • في كتب الأحاديث نُرقِّم الأحاديث. • نُحافظ على أبواب الدواوين الشعرية كما وجدناها، أو ترتيب الديوان حسب حروف المعجم، كما نُرقِّم القصائد والمقطَّعات. • نُرقِّم سطور النصوص الشعرية أو النثرية، خمسة خمسة أو ثلاثة ثلاثة. 8- الأحاديث: عند تعاملنا مع الأحاديث النبوية الشريفة، فإننا: • نختصر ألفاظ السند. • نجعل السند بخطٍّ أصغرَ من خطِّ المتن. • نبدأ بمتن الحديث من أول السطر، ويكون أوَّل راوٍ للحديث مع المتن. 9- النقط والفواصل والإشارات: وفي هذا الجانب: • نضع النقط عند انتهاء المعاني في الجُمَل. • نضع الفاصلة، ولا نستعمل النقط مع الفاصلة. • نستعمل إشارتي التعجُّب والاستفهام في أماكنهما. • نستعمل النقطتين بعد القول؛ كــ "قال محمد:". • نفصل بين السجعات بفاصلة. • نضع ثلاث نقط مكان الخرم إن وُجِد. 10- الأقواس والخطوط والرموز: وهنا نضع: • القوسين المزهرين لحصر الآيات القرآنية. • الفاصلات المزدوجة لحصر أسماء الكتب. • الخطَّينِ القصيرينِ لحصر الجمل الاعتراضية. • الخطَّين العموديَّينِ لحصر الزيادة المضافة من النسخة الثانية. • القوسينِ المكسورين لحصر ما يضيفه الناشر من عنده باقتضاء السياق. • القوسين المربعين لحصر ما يُضاف من نصوص ثانية، وما يُضاف من عناوين جديدة. • قوسين داخل النص (أ) لحصر وجه الورقة المخطوطة. • قوسين داخل النص (ب) لحصر ظهر الورقة المخطوطة. • قوسًا مع كلمة كذا (كذا) يُردفان بما يُبهم على المحقِّق قراءته. ويرمز إلى فئات المخطوطات بحروف أبجدية؛ مثل: فئة أ، فئة ب... ويرمز إلى كلِّ نسخة من النُّسَخ المخطوطة بحرف، يؤخذ الحرف إما من اسم صاحبها أو اسم المكتبة أو بلد المكتبة. 11- الحواشي: لتحقيق النصِّ كما وضعه المؤلف نجعل في الحواشي اختلاف النُّسَخ، ثمَّ التعليقات، ونفصل بينهما بخط، وهذه طريقة بعض المستشرقين الألمان، كما نذكر بعد اختلاف النُّسَخ مصادر النصِّ المذكورة أو التي يهتدي إليها المحقِّق، وفي هذا الصدد نُشير إلى: • مصادر النقول. • الآيات القرآنية برقمها وسورها. • الأحاديث النبوية بمصدرها المذكور. • الأشعار والشواهد، ونُشير إلى مصدرها بالتفصيل. وفيما يتعلق بالأماكن والأعلام والألفاظ، فإنها تُثبت في الحواشي، أما إذا كان تبيانًا لذلك، فالأحسن وضع الملاحق لها، وإن كان من الصَّعْب وَضْع الملاحق فيمكن في الأعلام الإشارة إلى سنة الوفاة مع ذكر المصدر الذي ترجم له دون نقل الترجمة. • الإشارة في الحواشي إلى التعليقات الموجودة في هوامش الأصل. 12- الإجازات والسماعات: عند مصادفة الإجازات في المخطوطات نُثبتها مع النَّصِّ أثناء النَّشْر إثباتًا حرفيًّا، ثم نُرقِّم السطور، ونضع الأرقام بين قوسين، ويكون إثبات السماعات بخطٍّ دقيق، ونذكر: اسم المسمع، واسم القارئ، واسم مثبت السَّماع، وعدد السامعين، ومكان السماع وتاريخه. 13- الفهارس: الهدف من الفهارس هو تيسير الإفادة من الكتاب، وتختلف الفهارس بحسب الكتب، والفهارس التقليدية هي: فهرس الأعلام، وفهرس الأماكن والبلدان، وفهرس الكتب الواردة في النَّص، والفهارس عند الدكتور صلاح الدين نوعان: فهارس بسيطة، وفهارس مُفصَّلة. 14- المقدِّمة: وتتضمَّن: 1- موضوع الكتاب وما كُتب قبله. 2- قيمة الكتاب وفائدته، وقيمة المؤلف. 3- وصف المخطوط الـمُحقَّق، ولأجل وصفه نتَّبِع الخطوات التالية: • التحقُّق من نسبة اسم الكتاب ونسبته إلى مُؤلِّفه. • تاريخ النَّسْخ واسم الناسِخ. • محاولة معرفة اسم المؤلف من خلال الموضوع والأسلوب والأعلام، ثم تقدير عمر المخطوط من خلال العمر والورق. • معرفة عدد ورقات المخطوط، وقياسها، وعدد وحجم السطور والهوامش. • نوع الخط وعدد الخطوط. • نوع الرسم الذي تبعه الناسخ. • نوع وألوان المداد. • نوع الورق. • التعقيبات في آخر كل صفحة. • التعليقات في الهوامش. • التنويه بالإجازات في المقدمة وإثبات نصِّها في آخر الكتاب. • التملُّكات (من تملَّكُوا المخطوطة) . • إثبات صورة الورقة الأولى والورقة الأخيرة. • إثبات أوصاف النُّسَخ العديدة المعتمدة. • إعداد قائمة الرموز (رموز النُّسَخ، رموز الأقواس) . 15- مسرد المراجع: وضع قائمة للمراجع المعتمدة أثناء عملية التحقيق. (أغلب المعلومات الواردة في هذا المقال مختصرة من كتاب " قواعد تحقيق المخطوطات " للدكتور صلاح الدين المنجد (دار الكتاب، بيروت - لبنان، الطبعة السابعة، 1987) ، مع بعض الإشارات والتوضيحات والترتيبات من صنع الكاتب).
مصير علم الاجتماع في العالم العربي المعاصر بين الرؤية والتجديد
د. معاذ عليوي
07-10-2018
6,392
https://www.alukah.net//culture/0/129831/%d9%85%d8%b5%d9%8a%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af/
مصير علم الاجتماع في العالم العربي المعاصر بين الرؤية والتجديد إن تأسيس علم الاجتماع من قبل المؤرخ والعلامة ابن خلدون، يمثل قفزةً علمية نحو بناء علمٍ جديد، يضاهي به غيره من المؤلفين والكتاب في عصره، ورقيًّا علميًّا وفكريًّا نحو بناء أرضيةٍ متينة، ينطلق من خلالها إلى البحث عن آلية لبناء المجتمعات. على الرغم من تأسيس علم الاجتماع من قِبَل العلامة ابن خلدون، وحرصه الشديد على الإتيان بعلمٍ مثله مثل باقي العلماء في عصره، إلا أنه قدم وجهة نظره بشكل صريح مُفاداها أن مقدمته ليست جامدة، أو لا يمكن الإضافة عليها، فالعلوم الإنسانية في حقيقتها قابلة للتحوير والتبديل والتغيير، فالإنسان مهما قدَّم من أفكار تبقى وجهات نظره قاصرة ومعتلة في غالبية الإحيان. إلا أن تعاطي العرب المسلمين مع المقدمة بقِي محدودًا، خاصة أن العرب في الفترة التي أعقبت وفاته، اهتموا بعلوم النحو والأدب، والصرف والبيان، أكثر من اهتمامهم بشؤون الواقع الاجتماعي، وبقيت حتى واقعنا الحالي، وإن كانت مقدمته متوفرة في كل بلدان العربية خاصة والغربية عامةً، إلا أن سياقات التعاطي معها بقيت ضمن الموضة فقط؛ أي: أصبحنا نقتبسها من الغرب بعدما أخذها ومارسها في كل مجالات حياته، بدانا نستشهد بها في جوانب حياتنا، خاصة وأنها تمثل سياقًا ثقافيًّا وتراثيًّا ماضويًّا، ومستقبليًّا، ومن العيب عدم قراءتها أو الاهتمام بها. الرؤية لعلم الاجتماع في عالمنا العربي المعاصر: إن الرؤية المعاصر لعلم الاجتماع محدودة، بل قاصرة، وأعللها فكريًّا، غياب البيئة المؤسساتية الداعمة لهذا العلم، وكذلك هجرة الكوادر ذي الطابع الاجتماعي منها، والمثقفين العرب إلى الخارج حصريًّا؛ مما جعل ذاك العلم في تلك البلدان ذا صيت كبير مقارنةً بباقي بلدان عالمنا العربي المعاصر. فرؤيتنا لهذا العلم تنطلق من التفكير النظري والعملي، لا سيما بعد التطورات التي شهدتها البيئة العربية في القرن الماضي، ومن ضمنها العولمة وإفرازتها على كافة المجالات، وتأثيرتها المباشرة على السياق المجتمعي العربي؛ مما جعل لذاك العلم أهميته وكينونته الذاتية التي حافظ عليها على مدار قرون مضت، إضافة إلى التطورات التكنولوجية التي اجتاحت العالم بأسره؛ منها: زيادة رقعة مساحات التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك، وتوتير وغيره، مما يستلزم معه ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية التي يجب معها تقديم رؤية جديدة وفعالةٌ تُبنى عليها آليات عمل؛ لتصبح مسار واقعية الشعوب في التعاطي مع تلك المواقع، وما ينتج عنها من أضرار وخيمة إذا لم يحسن استعمالها داخل المجتمع. التجديد: إن التجديد لعلم الاجتماع لا يتضمن فقط في الوسائل والأدوات فحسب، بل يتضمن في المنهجية المستعملة من قبل الباحث في التعاطي مع كافة السياقات المجتمعية للمشكلة. العلوم الاجتماعية بطبيعتها ليست جامدةً، أو لا يمكن تغييرها أو تحويرها أو تبديلها، ليست نصوصًا مقدسةً، بل إنها علوم بشرية إنسانية في مفهومها، اجتماعية في سياقاتها، وأطروحاتها العلمية والعملية. وحتى نستطيع تجديد منهجيتها لا بد من النظر للواقع، وللبيئة المعيش فيها، حتى نصل إلى آليات مُرضية تحقق الفوائد المرجوة منها، وحتى نبني منهجية علمية في عالمنا العربي المعاصر، لا بد من تجديد الكوادر البحثية والاهتمام بهم على إعتبار أنهم عوامل فاعلة ونشطة في المجتمع، وأدوات حية نحو صقل مهارات العلم في إطار الإبداع والتجديد. لا يعقل أن يبقى المدرس في بيئته يدرس مدة ثلاثين عامًا بنفس العلم والمهارة، لا بد من تحديثٍ لذاتيته وفكره؛ حتى يتطابق مع الواقع المعيش. ثم لا بد من النظر إلى طبيعة المناهج الكيفية والكمية في علم الاجتماع، والتجديد في محتواها بما يتناسب مع تطورات العصر، والأخذ بالمناهج التحليلية والنقدية في دراسة الواقع، بدلًا من الرؤية المحدودة التي تنبع في الغالب من ضَعف بعض المدراس العربية في تناولها، أو حتى تدريسها؛ لأنها لا تسعى في واقعية الحال نحو بناء جيلٍ فكري مثقف يكون جلُّ هدفه تثقيف مجتمعه وبيئته التي يعيش بداخلها. وحتى لا نغفل نقطةً مهمة في مسألة تجديد البيئة العربية الحالية، ومدى ملاءمتِها للتجديد - لا سيما وأن علم الاجتماع ليس طابعًا روتينيًّا، بل إنها طابع دنياميكي يشتمل في ثناياه علومًا وتخصصات شتى. وإيلاؤها الاهتمامَ والأولوية، يجعل العالم الاجتماعي العربي أقرب إلى التحليل المنطقي، والرؤية الصوابية، بدلًا من الاعتماد على منهجيات تقليدية، تُشتت الفكرة والمفهوم، ويصبح علمًا ثانويًّا مقارنة بباقي العلوم الأخرى. في النهاية حتى نستطيع أن نبني الرؤية العلمية العملية الصحيحة لعالمنا العربي المعاصر، لا بد من تبني رؤية علمية واسعة حول مفهوم علم الاجتماع، يتعدى الجانب الكلاسيكي التقليدي، إلى الجانب العملي الديناميكي، لا سيما أن اليوم علم الاجتماع أصبح متاحًا من خلال مؤسسات الخدمة الاجتماعية، وما تفرع عنه من علوم ومنهجيات تدرس في أغلبية الجامعات العربية تجت مسميات مختلفة؛ منها: العمل الاجتماعي، مؤسسات اجتماعية، التطوع، وغيرها من المفاهيم والأقسام العلمية والعملية. وحتى نراعي مبدأ التجديد لا بد من توفير بيئة مناسبة داعمة، سواء على المستوى الداخلي؛ من الاعتناء بالكوادر العلمية، وتوفير منح بحثية، بل تقديم كل أدوات المساعدة العلمية لهم، في سبيل التجديد لهذا العلم والارتقاء به نحو التطور والنهوض، وخارجيًّا يتمثل في تبادل حلقات العلم ما بين الجانب الأوروبي والعربي، لا سيما أن الأروبيين لهم باع طويل في تطوير العلم وتبني مدارس علمية وعملية؛ أمثال أوجست كونت، ودوركايم، وغيرهم. إن علم الاجتماع اليوم بحاجة لرؤية عميقة وفاحصة من قِبَل كل الأكاديميين والباحثين الاجتماعيين العرب، نحو إعادة الهيبة لهذا العلم؛ لأن علم الاجتماع لا يدرس زواية بعينها، ولا ينظر لخصوصية ما، بل يمتلك رؤية عمومية شمولية وواقعية تمثل الكل والعالم الاجتماعي بأكمله.
ظاهرة الإحباط في المجتمع
نايف عبوش
04-10-2018
8,449
https://www.alukah.net//culture/0/129797/%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ad%d8%a8%d8%a7%d8%b7-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9/
ظاهرة الإحباط في المجتمع لا ريب أن الإنسان في حياته اليومية يُواجه الكثير من المشكلات، ويتعرَّض للكثير من المصاعب، ويُلاقي بعض الإخفاقات، بسبب صعوبة الظروف المحيطة به، الأمر الذي يُثير عنده الكثير من مشاعر الإحباط والنكوص، حتى إن البعض يُحِسُّ أن باب الأمل قد بات مسدودًا في وجهه، فينكفئ على نفسه، وتسيطر عليه هواجسُ القنوط، وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون منهم التكيُّف مع تلك الضغوط؛ حيث يُؤدِّي بهم الحال إلى اليأس، وفِقدان الأمل؛ مما يجعلهم مشحونين بالتوتُّر، ومن ثم فَهُمْ غالبًا ما يفتعلون المشاكل في أوساطهم الاجتماعية لأتفه الأسباب، وهذا ما نلحظه من تفشِّي ظاهرة متلازمة الإحباط والتحبيط التي نعاني منها في أوساط مجتمعنا اليوم. فالإحباط الناجم عن مصاعب الحياة، والضغوط المعيشية، وإرهاصات حركة الحياة التي عادة ما يقف البعض عاجزًا أمامها، ولا يستطيع مواجهتها، وتجاوزها؛ لشعوره بالإخفاق عن التعامُل معها - غالبًا ما يُسبِّب حالة الانكسار والانكفاء، ولعل إخفاق الإنسان في تحقيق أهدافه رغم السعي الجاد لتحقيقها، ربما يكون من بين أهم الأسباب التي تجعل الشخص منعزلًا ومتقوقِعًا، ويعيش هواجسَ سلبية مزعجة قد تضعه في دوَّامة من القلق والتوتر. ولعل من أخطر التداعيات السلبية للإحباط، أن يشيع لدى البعض اليأس والقنوط؛ حيث تسكن الهزيمة دواخلهم، لتنعكس عندهم في أفكار انكفائية، تبالغ في جَلْد الذات، وتُركِّز على اقتناص العيوب، وتضخيم السلبيات، وتثبيط عزيمة الآخرين، لنجد أنفسنا أمام مجتمع مُحبَط ومُحبِط في نفس الوقت، لذلك ينبغي أن نتجنَّب تداعيات ظاهرة الإحباط، ونحرص على تفادي عكسها على الآخرين وتثبيط هِمَّتهم، وذلك بالتخلُّص من الإحباط كلما أمكن ذلك، من خلال محاولة تجاوز كل ما يُضايقنا من مصاعب، والإصرار على عدم الاستسلام لها، وإشاعة روح التطلُّع للمستقبل بعين الأمل والتفاؤل بغدٍ أفضل، حتى نتخطَّى مرحلة اليأس والقنوط بسبب تداعيات ما يواجهنا من إشكالات في واقع حياتنا اليومية، الأمر الذي يحجب عنا رُوح التطلُّع لواقع أفضل. فبالإصرار على مواجهة الصعوبات، وعدم الاستكانة لها، والعزم على التعاطي معها بُروح التحدي، وبهمة عالية، والسعي المتواصل لتجاوزها - يقترب الإنسان من تحقيق أحلامه، وينجح في مغادرة ظاهرة الإحباط والانكفاء التي تقتل فيه رُوح الأمل والتطلُّع، ولعل من المفيد في هذا المجال استلهام قول الله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87] حافزًا معنويًّا، وعلاجًا نفسيًّا يُبدِّد شبح الإحباط، ويُمزِّق جلباب القنوط، ليحل محله التطلُّع المؤمن بالله الذي يُنير للإنسان دَرْبَه، ويغمره بالسعادة الدائمة.
علوم النباتات في الحضارة الإسلامية
أ. د. عبدالحليم عويس
04-10-2018
21,099
https://www.alukah.net//culture/0/129795/%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d8%a7%d8%aa%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/
علوم النباتات في الحضارة الإسلامية يقصد بعلم النبات: العلم الذي يبحث في أنواع النبات، وخواصِّها، وأشكالها، وعجائبها، ومنافعها، ومضارِّها؛ للغذاء أو التداوي به. وقد اهتمَّ المسلمون والعرب بعلم النبات مِن جوانب متعددة: الأول: منها تحديدهم لأسماء النباتات وأصولها وترتيبها؛ كما فعل الفراهيدي والأصمعي والتميمي. والثاني: منها دراسة النبات من جهة الزراعة؛ كمعرفةِ الأراضي وتربتها وخصوبتها، وصلاحيتها بنباتات معينة، وما تحتاج إليه من سماد وماء وأدوية، ويدخل ما يُسمَّى بتربية الحيوانات وتسمينها عن طريق العناية بغذائها ودوائها. والثالث: منها تلك السلالات النباتية التي اكتشفها الرحَّالة المسلمون، فضلًا عما قرؤوا عنه عند الآخرين. والرابع من مجالات اهتمام العلماء المسلمين بالنبات هو: ما يتمثَّل في دراسة النباتات الداخلة في صناعة الأدوية (العقاقير)، وهي دراسات تعتمدُ على البيئة التي يعيش فيها النباتيون والصيادلة والأطباء والكيماويون المشتغلون باستخلاص المركَّبات العقَّارية المناسبة للأمراض الشائعة في بيئتهم، ولعل هذا الفرع قريب مما يُعرف في أيامنا بعلم البيئة أو نباتات البيئة بصفة خاصة. وقد بدأ اهتمام العرب بعلم النبات، وجمع أسمائها، بوصفها جزءًا من اللغة واجب التحقيق، وكان ذلك بعد أن اتَّسَعت الفتوحات الإسلامية، واختلط العرب بالأعاجم، وأشفق المسلمون على لُغتهم من الفساد، ومِن تسرُّب اللَّحن إليها، فجعلوا يجمعون مفردات لُغتهم ويسجِّلونها، بوصفها المدخل الصحيح لفهم معاني القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وكان الزرع والنبات والكَرْم والعنب والبقل والنخل، وغير ذلك مما عُنوا به وجدُّوا في تدوينه؛ حيث استقَوا أغلب معلوماتهم عنها من أشعار الجاهلية، ومما ورد في القرآن الكريم، وبعض الأحاديث النبوية، وما نقلوه عن الأعراب الذين وفدوا إلى الأمصار؛ فضلًا عما حقَّقوه بأنفسهم من خلال زياراتهم الميدانية للبادية، ويعني هذا أن أغلب مؤلفات علماء المسلمين المبكِّرة في مجال النبات كانت عبارة عن مجموعة من الأسماء والمصطلحات النباتية، التي صنفت ضمن محتويات المعاجم اللُّغوية، باعتبارها جزءًا من اللغة لا ينفصل عنها، وإن كان هذا لا يعني بالضرورة إقبال علماء المسلمين إبان تلك الفترة المبكرة على وضع مؤلفات متخصصة في علم النبات. وإذا تتبَّعنا أسماء اللُّغويين العراقيين، الذين يرجع إليهم الفضل في العناية بجمع أسماء النبات ومصلطحاته، فسنجد أنفسنا أمام قائمةٍ طويلة يضيق المقام بذكرها، ولكن نذكر منهم على سبيل المثال: النَّضْر بن شميل (المتوفى 204هـ). وأبا عبيدة مَعْمر بن المثنَّى (المتوفى 208هـ). وعبدالملك بن قريب الأصمعي (المتوفى 217هـ). وأبا زيد الأنصاري (المتوفى 215هـ). وابن الأعرابي (المتوفى 231ه/ 845م). وأبا حاتم السجستاني (المتوفى 255هـ)، وغيرهم كثير. وهؤلاء صنَّفوًا كتبًا في النبات تحمل عناوين "النبات"، وهو عنوان لكثير من الكتب، و"النخل"، و"الشجر"، و"الزرع"، و"النبت"، و"البقل"، و"العشب"، وغيرها، فضلًا عن المعاجم اللُّغوية التي حَوَت أبوابًا خاصة بالنبات. وبلا شك، فإن المسلمين لم يبدؤوا من فراغ؛ فقد أفادوا مما ورثوه من كتب جالينوس وديسقوريدس، وغيرهما من الذين اهتمُّوا بالنبات والأرض والفلك؛ ففي بغداد اطلع المسلمون على التراث الإغريقي في النبات والفلاحة، وقاموا بنقل بعض المؤلفات إلى العربية؛ مثل كتاب "الفلاحة" لديموقريطس، وثلاثة كتب لأرسطو هي: "كتاب الفلاحة" في عشر مقالات، وكتاب "الإبانة عن علل النبات"، وكتاب "النبات"، الذي توفر على ترجمته ثابت بن قرة الحراني البغدادي (ت 288هـ/ 910م)، وسماه "تفسير كتاب أرسطو في النبات"، ثم قام إسحاق بن حنين (ت 298هـ/ 910م) بمراجعته وتنقيحه. ويعد كتاب "الحشائش" لديسقوريدس أهم كتاب اعتمد عليه العلماء المسلمون في مجال النبات والأدوية. وكذلك قام علماء بغداد بترجمةِ بعض مؤلَّفات جالينوس في علم النبات؛ وأهمها: كتاب "النبات"، ومقالة في استخراج مياه الحشائش أو "خواص الحشائش ومنافع الحيوان"، وترجم العرب أيضًا كتاب "الفلاحة" لأبلونيوس، وكتاب "الفلاحة" لأناطوليوس، وغير ذلك كثير من كتب النبات [1] . والحاصل أن علماء العرب والمسلمين ترجموا ما ورِثوه من إنتاج الحضارات السابقة في علم النبات، ومع ذلك فقد أضاف المسلمون كثيرًا، وقاموا - على مستوى الفكر والتطبيق - بتطويرِ أساليب استصلاح الأراضي، وأساليب الري، وتربية المواشي، ومعالجتها، لا سيما بعد فتحِهم لبلادٍ تعتمد على الزراعة والري بنسبة كبيرة؛ مثل مصر وبلاد الشام، وعرَف المسلمون طريقةَ إنتاج فواكه جديدة بطرق التطعيم، وجمعوا بين شجرة الورد وشجرة اللوز، وأوجدوا عن طريق التطعيم أزهارًا نادرة جميلة المنظر، وكان (رشيد الدين الصوري) يستصحب معه مصورًا عند بحثه عن الحشائش في منابتها، ومعه الأصباغ، فكان يتوجَّه إلى المواضع التي بها النبات فيشاهده ويحققه ويريه للمصور. وكذلك نبغ العرب - ولا سيما في الأندلس - في معرفة خواصِّ التربة، وكيفية تركيب السماد، وتحسين طرق الري والزراعة، واستصلاح الأرض البُور، ووصفوا كثيرًا من الأمراض والآفات التي تصيب النبات، وبيَّنوا طرق علاجها ومقاومتها، وغير ذلك مما يشهد على تفوُّقهم في عالم النبات والزراعة [2] . وقد أصبح من الأمثلة المأثورة أن العرب عند فتحهم للبلاد يهتمون بأمرين: (بناء المسجد، وتنظيم الحقل)، وهو مثل يصوِّر طبيعية الإسلام الذي يهتم ببناء الإنسان روحيًّا وماديًّا (جسديًّا). وإلى الخليفة العباسي المتوكل في بغداد، وإلى عبدالرحمن الناصر في الأندلس، يُعزى فضل الاهتمام بالنباتات والزراعة، ترجمةً وتطبيقًا وتطويرًا، وقد كانت بغداد مسرحًا لمزارع تجريبية، وبخاصة في مجال الاهتمام بالحدائق، وكذلك كان الأمر في دمشق والقاهرة وحواضر المغرب العربي الكبرى؛ بل إن اهتمام أمراء الأندلس بالنباتات كان معروفًا؛ فقد كانوا يرسلون مَن يحضر لهم البذور من بلاد الشام، كما أن عبدالرحمن الداخل - مؤسس الدولة الأموية بالأندلس سنة 138هـ، والمعروف بصقر قريش - أرسل فأحضر نخلًا زرعه بالقرب من قصره يتذكر مِن خلاله حياته في الشام، وتسكب عينه العبرات! وقد اهتمَّ النباتيون المسلمون بالبحث في فوائد النباتات ومضارها، وهم الذين فصَلوا علم النبات عن الطب والصيدلة، فأصبح علم النبات على أيديهم علمًا مستقلًّا، له علماؤه المختصون فيه، وله مؤلفاته المستقلة التي تعبر عن مجالاته العلمية. وقد عُرِف الإدريسي بالعشَّاب، فقد كان يُتقِن معرفةَ خصائص النبات الطبية، ولكثرة أسفاره كان يدرس نباتات الأقاليم، ويسجِّل ملاحظاته، ويكتب مقارنًا شارحًا؛ يقول ابن جلجل: "إن الشريف الإدريسي استدرك في كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) على ديقوريدس ما أغفله وما جهله من نبات ومن خصائص كثيرة في النبات، وقد نال كتابه (الجامع لصفات أشتات النبات) شهرة عالَمية، فقد ضمَّنه أسماء النباتات باللغات السريانية واليونانية والفارسية واللاتينية والبربرية والعربية، وقد رتَّب كتابه على أحرف الهجاء مستفيدًا ممن سبقه، مضيفًا ما اكتشفه، ملتزمًا بالموضوعية العلمية". ومن مآخذ الإدريسي على سابقيه ما ورد في قوله: (إن أناسًا يدعون معرفة الحشائش والأشجار والمعادن والحيوانات التي هي أساس الطب، ويزعمون معرفة ما صنَّفه ديقوريدس ومن دوَّنه مِن علماء النبات...، دون أن يفهموا كتابًا من هذه المصنفات، فقنعوا بما عندهم من العلم، وأوقعوا غيرهم في مهاوي الضلال). ثمَّ يشير إلى جهده ومنهجه قائلًا: "وعليه...، فقد أوقفتُ همتي في تحقيق كتب الأقدمين، لا سيما كتاب ديقوريدس اليوناني في الأدوية المفردة من نبات وحيوان ومعادن...، وعكفت على علمه حتى حفِظتُ عنه ما فعله، وبحثت ما أغفله، فوجدته - رغم سَعَته - قد ترك أدويةً كثيرة لم يذكرها؛ فألَّفت على ذلك هذا الكتاب (الجامع لصفات أشتات النبات)، ورتَّبتُ جميع أسمائه على نص حروف (أبجد هوز...)، تيسيرًا على الناظر فيه، وقد استوفيت فيه ذكر كافة ضروب النباتات وتفسيرها..." [3] . وبعد بيان منهجِه استدرك الإدريسي على كتاب ديقوريدس اليوناني أدويةً كثيرة تستخلص من النباتات؛ منها: الخيار شنبر الهندي، والبليلج، والأملج، والخولنجان، والقاقلة الكبير، والجوزبوا، والكبابة، والقرنفل، والزرنباد، والدرونج، والبهمن الأبيض، والأحمر، والفوفل، والطباشير، والتنبل، والامير باريس، والهرنوة، والقليقلي، والمحلب، والنارجيل، والنارنج، والليمون، وبستان أفروز، والبلاذر، والياسمين، والخيزران، والكافورن، والكنكر، والشيان، والصندل، والبقم، والساج، والموز، والخيار، والياقوت، وجوز جندم، والقنبيل، وشجرة الكف، والماهي زهرة، والريباس، والجلبان، والماس، والاسفاناخ، والطرخون، وحب الزلم، والورس، والكركم، والكرات [4] . ومن أبرز علماء النبات المسلمين ابن العوَّام، يحيى بن أحمد بن العوام الإشبيلي الأندلسي، ولابن العوام كتاب الفلاحة، ترجم إلى الإسبانية والفَرنسية، وهو من جزءين كبيرين، ويشتمل الأول منهما على ستة عشر فصلًا، والثاني على ثمانية عشر فصلًا، وقد تحدَّث في كتابِه عن الأراضي وأنواعها، وأنواع الزبل العضوي ومنافعه، ورماد بعض النبات بعد حرقه، وأنواع المياه ونبش الآبار، وكيفية معرفة وجود المياه في غور الأرض، وكيفية إنشاء الجنائن (الحدائق) وتنظيمها، وكيفية زراعة الزيتون، وزراعة الأشجار المثمرة؛ كالخروب، والكستناء، والعناب، والفستق، والتفاح، والرمان، والتين، ومكافحة أمراض الأشجار المثمرة، وطرق حفظ الحبوب والبذور والأبصال والعنب والزبيب وغيرها [5] . وقد اعتبر المستشرق الإسباني "خوسن فاليكروسا" كتابَ "الفلاحة" لابن العوام ذروةَ التأليف الأندلسي في علم النبات، فكان مما قاله عنه: "إنه مؤلف ضخم جمع فيه كل المعارف الزراعية في العصور الوسطى، وكان له أعظم الأثر في هذه العلوم في القارة الأوروبية". ومن علماء النبات أيضًا أحمد بن داود الدينوري، ولد في دينور - إيران، ونشأ في العراق، وله (كتاب النبات)، لم يبقَ منه إلا فصول طبعت في ليون عام 1953م، وقد ذكر في كتابه أكثر من تسعمائة وثلاثين نبتًا؛ منها: آس، أسفند، بلسن، بلوط، ترمس، تفاح، ثفل، ثوم، جداد، جراز، جرجار، جرجير، جزر، حناء، حسافة، حلب، حلفاء، حمص، صناء، خردل، خس، خوخ، دفلى، دلب، ذرة، رشاء، رطب، رمان، صنوبر، طلح، طوط، عرعر، عصفر، علقم، عناب، عوسج، غار، فجل، فقاح، قثاء، قرنفل، قطن، كبات، كزبرة، كمون، لوبيا، مشمش... [6] ، إلى آخره. ويعد هذا الكتاب من أهم الكتب العربية التي صُنِّفت في علم النبات؛ حيث حاول فيه الدينوري أن يستقصي ما نطَقَت به ألسنة العرب شعرًا أو نثرًا في أسماء النباتات ووصفها، سواء ما يختص منها بنص اللغة، أو من جهة شرحها شرحًا عمليًّا بعد معاينتِها في أماكنها وملاحظتها بنفسه. وقد زاد أبو حنيفة الدينوري فيما وجده من نبات على سابقيه، ولم يترك شاردة ولا واردة إلا أثبتها في كتابه؛ حتى فاق المتقدمين من علماء اللغة، والباحثين في النبات، واعتمد على المصادر العربية دون غيرها، ولم يُعِر الناحية الطبية كثيرًا من العناية؛ ولذا فهو نباتي فحسب، ومع أن المقصود الأول من هذا الكتاب هو الجانب اللُّغوي؛ فإن الأطباء والعشَّابين قد اعتمدوه، كما اعتمده علماء اللغة من بعده. ومن علماء النبات أيضًا قسطا بن لوقا البعلبكي البغدادي (ت 311هـ/ 923م)، عالم بالفلسفة والرياضيات والفلك، وله عدَّة مؤلفات في هذه العلوم، وكان يُجيد السريانية واليونانية والعربية، وبذل جهدًا طيبًا في ترجمة التراث اليوناني إلى العربية. وقد صنَّف كتاب "الفلاحة الرومية"، تحدث فيه عن خصائص الأرض، وأنواع السماد، وما يصلح للزراعة والرعي، وأحوال البذور، والحصاد، والبساتين وترتيبها، وغرس أشجارها، وصيانة ثمارها، ومنافع بعض الحبوب والخضروات، كما أشار أيضًا إلى تربية الماشية والطيور والنحل والأسماك. وأبو بكر أحمد بن علي بن المختار الكلداني النبطي (ت 296هـ/ 909م)، المعروف بابن وحشية النبطي، وقد صنَّف كتاب "الفلاحة النبطية" سنة (291ه)، ويعد مِن أهم كتب النبات والزراعة في العربية، اعتمد عليه الكثيرون بعده ممن كتَبوا في هذا العلم، وقد شرح فيه مؤلفه على مدار ثلاثة عشر بابًا العلومَ الزراعية والنباتية المختلفة؛ من علوم التربة والري، وأنواع المحاصيل، وطرق الانتفاع بها، والمحافظة عليها من الآفات، والأشجار والخضروات، والأنواء الجوية. ويقع الكتاب في ثلاثة أجزاء: الأول: حوى كيفيةَ استنباط الماء وحفر الآبار، وغرس الأشجار وعلاجها. واشتمل الثاني على بعض الحاصلات؛ كالأرز، والحنطة، والباقلاء، وغيرها. ثم تناول في الجزء الثالث الكروم وزراعتها وآفاتها. وقد أفسح المؤلف مجالًا واسعًا لكيفية عمل البيادر، وخزن الحنطة، وأوقات الزرع، ومعرفة الأهوية، كما أنه عُني بدراسة مختلف أنواع النبات، وكيفية زرعها، وريِّها وتسميدها، ويتَّفق ابن وحشية في كثير من مواضع الكتاب مع أصول العلم الحديث في مجال النبات والزراعة. ومِن أشهر علماء النبات والفلاحة في الأندلس أبو عبدالله محمد بن إبراهيم البصال، الذي عاش في طُلَيطلة في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري إلى أن اشتد عليها ضغط ألفونسو السادس (سنة 478هـ/ 1085م)، فانتقل منها إلى إشبيلية، ودخل في خدمة حاكمها المعتمد بن عبَّاد (461 - 484هـ)، وأشرف على غرس حدائقه، وقد كتب ابن بصال كتابًا بعنوان "الفلاحة"، صار فيما بعد موضع إعجاب ومديح من العلماء الذين خلفوه، وحظي بالعديد من الدراسات الحديثة. وتناوله المستشرق الإسباني (خوسيه فاليكروسا)، وهو الذي قام بنشر هذا الكتاب، وترجمه إلى الإسبانية، تناوله في بحثٍ له بعنوان "علماء الفلاحة الأندلسيون"، ومِن بين ما قال عنه ملخصًا: "إن هذا الكتاب يمتاز بأن مؤلفه يتحدَّث فيه عن تجاربه الخاصة، لا في إسبانيا وحدَها، بل كذلك في بلاد المشرق؛ حيث قام برحلات كثيرة". وقال عنه جعفر الخياط في بحثه عن (ابن البصال رائد الفن الزراعي الحديث): "إن هذا الكتاب يمتاز عن سائر المؤلفات الأندلسية في الزراعة؛ بكونه كتابًا مبنيًّا على التجرِبة والمشاهدة العيانية إلى أقصى حدٍّ ممكن، وخاليًا من النقل عن الأقدمين من يونان ورومان وبابليين، كما هو الحال في الكتب الأخرى". وقد صنَّف بعض العلماء المسلمين كتبًا في علم النبات ذات تخصص دقيق؛ منها ما صنَّفه ابن الأعرابي محمد بن زياد (ت 230هـ) حول كتاب صفة النخل، وكتاب النبات، وكتاب النبت والبقل، وكتاب صفة الزرع، وما صنَّفه أبو نصر أحمد بن حاتم الباهلي (ت 231هـ) حول كتاب الشجر والنبات، وكتاب الزرع والنخل، وما صنَّفه يعقوب بن السِّكِّيت (186 - 244هـ) حول كتاب النبات والشجر، وما صنَّفه أبو حاتم سهل بن محمد الجشمي السجستاني (148هـ) حول كتاب النبات، وكتاب الزرع، وكتاب الكروم. لقد ذكر المستشرق (رينالدي) " Reinaldi ": (أن العرب أعطوا من النبات مواد كثيرة للطب والصيدلة، وانتقلت إلى الأوروبيين من الشرق أعشاب ونباتات طبية وعطور كثيرة؛ كالزعفران والكافور...، وذكر (ليكلرك) " Leclerc " جملة من المواد الطبية التي أدخلها العرب في العقاقير والمفردات الطبية، يزيد عددها على الثمانين، وقد أوردها بالنص العربي، وأورد ما وضع لها من كلمات لاتينية؛ منها ما هي منحوتة أو مقتبسة من الأصل العربي، ومنها ما لا تزال بلفظها العربي، ولكن بحروف لاتينية [7] . ويقول كاباتون: (وكانت مدنية العرب في إسبانيا ظاهرةً في الأمور المادية؛ وذلك بما استعملوه من الوسائل الزراعية لإخصاب الأراضي البُور في الأندلس...). ويعترف سيديو بأنَّ العرب أضافوا مواد نباتية كثيرة؛ كان يجهلها اليونان جهلًا تامًّا، وزودوا الصيدلة بأعشاب يستعملونها في التطبُّب والمداواة. ومن المسلمين عرف الغرب الأفاويه؛ كجوز الطِّيب والقرنفل، ولاحظ بعض العلماء: أن العرب غرسوا أشجارًا ثنائية المسكن؛ فكانت لديهم أفكار واضحة حول تكثير النسل، كما كانت لديهم معرفة واسعة بالاقتصاد الزراعي [8] . [1] د/ طه عبدالمقصود: الحضارة الإسلامية، ص (249). [2] د/ إسماعيل أحمد ياغي: أثر الحضارة الإسلامية في الغرب، ص (103، 104). [3] عن كتاب (تاريخ النبات عند العرب) أحمد عيسى بك. [4] عن كتاب (تاريخ النبات عند العرب) أحمد عيسى بك. [5] فرشوخ: مرجع سابق (1/ 19، 20). [6] فرشوخ: ص (43، 44). [7] نقلًا عن: قدري حافظ طوقان: العلوم عند العرب ص (28). [8] نقلًا عن المرجع السابق (29).
أنا وقلبي وعقلي
أمين محمد عبدالرحمن
03-10-2018
5,335
https://www.alukah.net//culture/0/129765/%d8%a3%d9%86%d8%a7-%d9%88%d9%82%d9%84%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d8%b9%d9%82%d9%84%d9%8a/
أنا وقلبي وعقلي في كل إنسان داخلنا مخلوقات تتنازعه، وتميل به نحوها، فأحد تلك المخلوقات عقلٌ بنى بيته في أعلى نقطة في كِيان الجسد، وهو بذلك يَربَأُ بنفسه عن المناطق السفلية المتوترة والمشتعلة بالشهوات واللذات الدنيوية، في حين يسكن القلبُ المجنون العاشق الولهان قريبًا من المناطق المحظورة؛ ليوقد نار العاطفة ويُؤثر على مراكز الإحساس، فيُصيبها باضطرابات النوم وسرحان العقل، ويؤثر في الجسد ليأكل بعضه بعضًا، وحين يعجِز القلبُ عن الوصول لمبتغاه، فإنه يضطر لغزو العقل واختراق نظامه، والاستيلاء على غرف التحكُّم؛ ليقود سكان الجسد لحتْفهم وهم ينظرون. وعلى الرغم من أن القلب مخلوق مشاكس، فإنه رقيق المشاعر، مرهف الإحساس، يفيض على الجسد طمأنينةً وسلامًا، ويسقيه من خمر الحب تارة ومن علقم البُعد ومرارة الوهن ورعشة الخوف تارات أخرى، وهو مع ذلك يتقاسم مع الضعيف همَّه، ومع الحبيب شغفه، فيعتصر ألَمًا، وتسيل دمعته من منفذ العين، كما أنه وفيٌّ لأحبابه، يتذكرهم فيرسم صورهم في المُخيلة، ويَبيت في مناجاتهم وقد أسهر ليله وأقضَّ مضجع العقل بأنينه وحنينه؛ ليضطرب الجسد، ويتقلب بشحمه ولحمه وعصبه على فراش النوم. ويبدو أن علاقة الجسد بالقلب أقوى من علاقته بالعقل، فحين يمرض القلب فإن الجسد يذبل وينكمش حزنًا على حال رفيقه، ولنا في قصص الحب وهيام العشَّاق وورودهم المهالكَ، دليلٌ على ذلك، وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: ((ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)). والمدهش أن القلب له عقل ورؤية يخترق بها عالم المرئيات والحسابات، ويحلِّق بها في عالم الإحساس المستعصي على المعقول، فالقلب له ذبذبات غير مرئية ترصد ما غاب عن رادارات العقل، وفي ذلك يقول الله تعالى عن الكفار: ﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا ﴾ [الأعراف: 179]، في إشارة إلى أن القلب له قدرة يَعجِز عن استيعابها العقلُ. وبين جدية العقل وجنون القلب، تقف الأنا حائرةً يتجاذبها الاثنان دون مراعاة للحال والمقام، فقد يتدخل العقل ويتخطَّى حدوده؛ ليتدخل في اختصاص القلب، ويحاول أن يُعقلِن المشاعر، كما يحاول القلب أحيانًا أن يلقي بسحره، فَيُخيِّل للعقل ما لا يرى ليلبس جلباب القلب. إن الأنا ذات الشخصية القوية والواعية، تدرك الأخطار المحدقة بها من جرَّاء القتال المحتدم بين القلب والعقل على ساحتها الممتدة من الرأس شمالًا إلى أخمص القدمين جنوًبا، ومن هنا ينبغي للأنا أن تقف في المنتصف، فتحتاط وتأخذ من العقل ما تحسب به خطواتها، ومن القلب ما يمدها بالطاقة الروحية، ويزيل عنها وعثاء التعقل. إن النفوس البشرية لها مزيج من المشاعر الرطبة والعقول الجافة، تتقاسم جميعها جسدًا واحدًا، ويريد كل واحد منهما فرض شخصيته وبسط سيطرته على كامل التراب، وإن لم تقف الأنا في المنتصف، فتُليِّن من صلابة الرأس، وتُقلِّم من عنفوان القلب، فإن الجسد سيسقط ويأكل بعضه بعضًا.
التأثر بأطروحات المستشرقين
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
03-10-2018
8,341
https://www.alukah.net//culture/0/129759/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a8%d8%a3%d8%b7%d8%b1%d9%88%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d9%86/
التأثر بأطروحات المستشرقين من الحديث عن العبث في علوم الدين عند المستشرقين إلى الحديث عن العبث في علوم الدين لدى بعض المسلمين الذين تأثَّروا بطروحات المستشرقين، وزعموا أنهم فهموا الإسلام أكثر من فهم أهله له، وتأثَّر المسلمون بالمنحى الاستشراقي في فهم الدين عندما أخضع المستشرقون بخاصَّة - وعلماء اللاهوت بعامَّة - الدِّينَ إلى النقد على اعتبار أن الدين - عندهم - نصوص مأثورة عن بشر، وكلامُ البشر يؤخذ منه ويردُّ، ويعتريه الصواب والخطأ، حتى ظهر عندهم ( علم نقد الكتاب المقدَّس )، فطبَّقوا على الدين الإسلامي قضايا النقد اللاهوتي، الذي مارسوه في ديانتهم على وجه الخصوص. لعلَّ هذا ناتج عن الشعور بأنَّ الكتاب المقدَّس في عهديه القديم والجديد قد تعرَّض للتحريف، وتأثَّر بهم بعضُ أصحابنا - بعلم منهم في الغالب، أو دون علم - فظهرَت أعمال لمستْ النصَّ القرآنيَّ، وسعَت إلى نقده، متجاهلة قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42]. من أسباب ذلك العبَث في النصوص الشرعية الثابتة، ثبوتًا قطعيًّا نصًّا ودلالة: أنَّ أصحابنا تتلمذوا على فئة من المستشرقين واللاهوتيين، في مجال مقارنة الأديان، فأخذوا عنهم هذه الجرأة على النصوص. في سماء الثقافة العربية والإسلامية أسماءٌ معاصرة - ومنهم أحياء يرزقون - ممَّن خاضوا في هذا، وأصدروا المقالات العلميَّة والكتب التي تعالج النصَّ بصورة عبثيَّة، لم يشهد التراث العربي الإسلامي لها مثيلًا بهذه الجرأة، وإنْ وجدَت رؤًى وأفكارٌ ذات علاقة بالتأويل والتعطيل، والتمثيل والتشبيه والتكييف، مما لا يدخل - بالضرورة - في هذا المفهوم السطحي للعبث بالنصوص الشرعية. حول ولوج أصحابنا هذه المتاهة يقول ولفرد كانتول سميث في كتاب له بعنوان ( الإسلام في التاريخ الحديث ): "وقد سافر كثيرٌ من الشباب المسلم إلى الغرب، واطَّلعوا على روح أوروبَّا وقيمها، وأُعجبوا بها إلى أبعد حدٍّ، وينطبق هذا بخاصَّة على الطلاب الذين درسوا في جامعات أوروبَّا بعدد لم يزل يزداد مع الأيام، وهم الذين سبَّبوا استيراد كثير من أفكار الغرب وقِيَمه إلى العالم الإسلامي... وكان مما صدَّره الغرب إلى العالم الإسلامي تلك الأفكار المتعدِّدة والاتِّجاهات العقلية الدقيقة الفجَّة والميول الحديثة التي كان في نشرها أوفَر نصيب لنمط التعليم الغربي، ويفوقها في ذلك تأثير معاهد الغرب الحقوقية والاجتماعية ونفوذها الزائد..." [1] . مثل هذا ما قاله موريس بوكاي في كتابه المشتهر: الكتب السماوية والعلم، الذي شاع لمدَّة من الزمان وكأنَّ مفكِّري العرب قد تناسوه - الآن - مع ما فيه من فائدة وعلم قابل للامتداد في التأثير زمانًا ومكانًا [2] . تردَّدَت كلمة أصحابنا رغبة عن ذكر الأسماء لأشخاص يُرجى لهم الرجوع إلى الحقِّ، على اعتبار أنَّ الرجوع إلى الحقِّ خير من التمادي في الباطل. يظلُّ العبث في النص الشرعي بخاصَّة، وفي علوم الدين بعامَّة، قائمًا ما قام هذا الدين، وأنْ يعبث به الغرباء عنه لدوافع وأهداف معلنة وغير معلنة، فهذا أمر قابِل للفهم، فقد عبثوا بالنصِّ وهو ينزل، لكن أنْ يَتصدَّى للعبث به أبناءُ جلدته فهذا أمر يحتاج إلى تأمُّل، وتظل الهداية من الله تعالى، وأحدنا لا يملك أن يهدي من أحبَّ، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 272]. [1] محسن عبدالحميد: أزمة المثقَّفين تجاه الإسلام، ص (131)، نقلًا عن محمَّد خليفة حسن: أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر - مرجع سابق - ص (276، 277). [2] موريس بوكاي: القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم: دراسة الكتب المقدَّسة في ضوء المعارف الحديثة - القاهرة: دار المعارف، 1978م - ص (141).
الإعجاب بالرأي وعدم الاعتراف بالخطأ
د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
02-10-2018
8,864
https://www.alukah.net//culture/0/129738/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a3%d9%8a-%d9%88%d8%b9%d8%af%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d9%81-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%a3/
الإعجاب بالرأي وعدم الاعتراف بالخطأ إن من طبيعة الإنسان الخطأ والقصور، وليس معصوماً إلا الأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام -، أما غيرهم كائناً من كان فهو معرض للخطأ، قال رسول صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ" [1] . ولكن المشكلة التي يقع فيها بعض الناس أنه معجب برأيه وواثق في نفسه إلى حد الغرور والغطرسة الممقوتة، وأن أفعاله كلها صحيحة، ولا يحدث منه الخطأ البتة، وإن شعر في بعض المرات بخطئه لا يعترف به، ويبحث لنفسه عن مبررات حتى يقنع نفسه ويقنع غيره أنه لم يخطئ. وقد شدد الرسول صلى الله عليه وسلم على إعجاب المرء بنفسه، وعدها من المهلكات، ففي الحديث الشريف الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما: "فَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَـوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بنفْسِهِ " [2] . إن الشخصية السوية لديها مرونة وقابلية للاعتراف بالخطأ، وكثير من الناس يتضايق أمام الآخرين أنه قصّر وأخطأ، ولا بد أن يعرف الجميع أن الذي يعمل هو الذي يقع في الخطأ، المهم في الأمر أن لا تكون الأخطاء مقصودة، وأن يسعى بشكل كبير لتطوير نفسه، ويحاول عدم الوقوع في الخطأ مرة أخرى، فالخطأ يقبل مرة أو مرتين، ولكن أن يكون مستمراً ومكروراً، فهذا عين التقصير. إن التطور والرقي بالأمة يحتاج أن يسعى الإنسان أولاً بأول إلى تصحيح مساره الذي يعمل فيه، فكلما شعر بوجود خطأ، أو تم تنبيهه إلى وجود خطأ قام على الفور بتعديل وتصحيح الأخطاء، فبهذا يرتقي الإنسان بفكره وأعماله وحياته، وترقى تبعاً لذلك المجتمعات والأمم. إن من أهم خطوات حل المشكلات الاعتراف والإقرار بها وعدم التعالي عن التقصير، فهذا شيء مريح جداً، ولعل مقولة الخليفـة الراشد عمر بن الخطاب: رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي، تدل على كمال العقل والرغبة الصادقة في التطوير وتصحيح المسار. وأخيراً إذا عمل الإنسان بإخلاص ونية صادقة في أي عمل مباح، واجتهد وبذل أقصى جهده، فلن تكون هناك أخطاء واضحة وملفتة للأنظار، لأن الله تعالى معه يعينه ويوفقـه ويسدده ويبارك له، قال تعالى: ﴿ قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [3] . قال الشيخ الشنقيطي: "إن من آمن بربه وأطاعه، زاده ربه هُدى، لأن الطاعة سبب المزيد من الهدى والإيمان" [4] . [1] الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم: 2423، وحسنه الألباني في كتاب: صحيح الترغيب والترهيب، حديث رقم: 3139. [2] الطبراني، المعجم الكبير، حديث رقم: 651، وحسنه الألباني في كتاب: صحيح الترغيب والترهيب، حديث رقم: 53. [3] سورة العنكبوت، الآية رقم: 69. [4] الشنقيطي، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ج3، ص 288 .
عن ذكريات الشيخ الأديب علي الطنطاوي
نبيه عبدالمنعم
30-09-2018
4,501
https://www.alukah.net//culture/0/129689/%d8%b9%d9%86-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%86%d8%b7%d8%a7%d9%88%d9%8a/
عن ذكريات الشيخ الأديب علي الطنطاوي أتممتُ اليوم قراءة الأجزاء الثمانية، من ذكريات الشيخ الأديب علي الطنطاوي رحمة الله تغشاه، وما كنتُ أظن حين شرَعت بها أن أُنهيها، ولم أتوقع أن أسير فيها فلا أتجاوز سطرًا، ولا أتعدى كلمة، بل إني كنتُ أعود إلى بعض المقالات منجذبًا، أتملَّى جمالَ أسلوبها، وأنهل من مَعين بلاغتها. لقد عشت مع الشيخ، أو خُيِّل إليَّ أني أعيش معه منذ طفولته، وحتى شيخوخته، مرورًا بكل تلك المحطات التي مر بها، ابتداءً من كتَّابه الذي حدَّثنا عن أول ارتياده له وعن قسوة شيخه، وعن مدرسته الابتدائية، ومكتب عنبر، وعن معلميه، من لدن الشيخ عيد السفر جلاني، إلى الشيخ المبارك، والأستاذ الجندي، وعن رفاقه، أنور العطار، وسعيد الأفغاني، والزركلي وغيرهم الكثير. وتحدَّث عن دراسته للفلسفة واشتغاله بالمحاماة، ثم تولِّيه القضاء، وقص لنا بعض أنباء المحاكمات التي كان يُجريها، وعن سفره إلى مصر، وعن خاله محب الدين الخطيب ومطبعته، وعن كبار الأدباء الذين لقِيهم والذين لم يَلقهم، فتكلَّم عن الرسالة والزيات، وعن زكي مبارك والمازني، والرافعي والعقاد، ورضا رشيد والمنار. تكلم الشيخ عن دمشق، وما أدراكم ما دمشق، تكلم عن قاسيونها الشامخ، ونهرها العذب الآسر، وعن غوطتها الغناء، وعن عظمائها الأفذاذ، دمشق التي أفردها بكتاب، وأظهر فيما كتبه عنها عظيم حب، وصدق شوق، وأنا ابن الشام ما كنتُ أعلم عن دمشق قبل الذكريات ما علمتُه عنها بعدها، ولم أكن أُحبها قبلها كما أحببتُها بعدها، ولئن كانت دمشق في العيون جميلة، فما كتبه الشيخ عنها في القلوب جميل أيضًا، وفي الأسماع له طرب. حسنُ هاتيكَ في العيون وهذا *** حسنُه في القلوب والأسماع لقد كانت من أمتع المقالات في هذه الذكريات تلك التي تحدَّثت عن رحلته إلى الحجاز، لاستكشاف الطريق البري إليها، والأُخَر التي تحدث فيها عن رحلته إلى شرق آسيا، والتي تكلم فيها عن سفره إلى أوروبا، فلا تشعر حين قراءتها بالملل، ولا يتسرب إلى عيناك الكلل، فقد روى فيها الأخبار التي تتحدث عن أعلام البلدان التي زارها، القدماء منهم والمعاصرين، وعن جبالها وغاباتها، وعن عادات أهلها وصفات المناخ فيها، وهو في كل ذلك، يتكلم على سجيته، بأسلوب رائق ماتع، خال من التكلُّف، لا يَعيبه الاستطراد، فهو وإن ظهرتْ به آثار الصنعة، لا يجد فيه القارئ - مهما يكن مستواه - صعوبة، ولا تستشكل عليه منه - في الغالب - فقرة. لقد نشأنا في الشام ولم نسمع بالشيخ، ولم نقرأ كتابًا له، أو مقالة عنه، نعم كان مغيبًا عنا، ولكن أنَّى لهم أن يبقوه مغيبًا، وفيما كتب قوة نفاذ ضوء الشمس، وجمال نور القمر، وبلاغة مشهد السماء، نعم غيبوه، وأبقوا كتبًا قل الأدب فيها مع الباري، وروايات أصحابها هم إلى قلة الأدب أقرب منهم إلى الأدب، ثم زرعوا في الناس شهرتهم، وأعلوا ذكرَهم، ولكنه ما لبث أن خمل! وقد تحدَّث الشيخ عن ابنته التي نسج في رثائها قطعًا نثرية حزينة من غير تفجُّعٍ، أفرأيتُم إن تعاهد أحدُكم نبتة بالرعاية، فأخذ يسقيها ويغذيها، ويتخيَّر أنسبَ الأمكنة لها، ويراقب نموها، ثم بعد ذلك كله رآها تذوي أمام عينيه، فحاول ما استطاع لإنقاذها، وما قدر، ألا يذوي قلبه معها، ويسكن الروح حزنٌ لفقْدها؟ بلى فطول العشرة مع الجمادات يولد في قلب المرء حبًّا لها، وأنسًا برؤيتها، فكيف بالولد فلذة الكبد، وحبة القلب، ومحط الآمال؟! لقد صبر وذرَفت عيناه دمعات، تركت آثارها على صفحات الذكريات، ألا فرحمهما الله تعالى. تكلَّم الشيخ عن عمله في الرياض ومكة، وعن أفاضل قابلهم، وعن عمله في الرائي والراد، وعن الكثير من الأشياء التي يضيق الوقت عن ذكرها. إنكم لترون في هذه الذكريات قطعًا أدبية رائعة، ومباحثَ علمية ذات فائدة، ونوادرَ وقصصًا، وأساليبَ في التربية والتعليم، ونقدًا فيه حرقة على العربية، ونقدًا في أساليب الأدباء وطرقهم، بأسلوب عربي مبين، من قرأها وأولاها اهتمامًا، فلا شك أنه بعدها سيكون شخصًا مختلفًا عما كان عليه قبلها.
(يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة): التفكير الكلي
أ. د. فؤاد محمد موسى
30-09-2018
62,755
https://www.alukah.net//culture/0/129672/-%d9%8a%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%84%d9%83%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%83%d9%85-%d8%aa%d8%aa%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ae%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d9%83%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%84%d9%8a/
﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ التفكير الكلي التفكير أغلى وأثمن ما يختصُّ به الإنسان، فبه يقود الإنسان كل ما سخَّره الله له في هذه الأرض، فهو الذي كلَّفه الله بالخلافة في الأرض، يقود الجماد والنبات والحيوان ونفسه وغيره بمنهج الله لله، فبهذا التفكير تكون عبادتُه لله؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]. وهناك العديد من الآيات التي يحثُّ الله فيها الإنسان على التفكير؛ ولكن هذا التفكير لكي يكون عبادة لله يجب أن يكون تفكيرًا كُليًّا، لا ينحصر في نطاق تحقيق رغبات وحاجات الإنسان الدنيوية ( تفكير جزئي )؛ بل يجب أن يتعدَّاها إلى ما هو أسمى وأجلُّ من ذلك، ألا وهو ما يتمنَّاه الإنسان في الآخرة، من نعيم الجنة ورضوان الله. وقد أرشدنا الله أن يكون تفكيرُنا تفكيرًا كُليًّا في قول الله عز وجل : ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 220،219] الذي جاء في الآيتين التاليتين من سورة البقرة. ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 220،219]. ومن اللافت للنظر أن يأتي هذا القول في آيتين مختلفتين مما جعله محل نقد للمشككين في صحة القرآن؛ ولكنه إعجاز قرآني عظيم لا يُدركه إلا أولو الألباب. ففي هذا القول: ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ [البقرة: 220،219] يدعونا الله عز وجل إلى أن يكون تفكيرنا تفكيرًا كليًّا يربط بين حياة الدنيا والآخرة، كما يربط هذا القول بين الآيتين، ويصل إلى العلاقة بينهما، ولا يتوقَّف تفكيرنا على حدوده الدنيا مما يجعله لا قيمة ولا معنى، ويختل معه قيمة الإنسان وقيمة وجوده، فحياة الإنسان ممتدة في الدنيا والآخرة معًا. فهذا القول بهذه الشكل الهدف منه استثارة التفكُّر والتدبُّر في أمر الدنيا والآخرة؛ لأن التفكُّر في الدنيا وحدها لا يُعطي العقل البشري ولا القلب الإنساني صورةً كاملةً عن حقيقة الوجود الإنساني، وحقيقة الحياة وتكاليفها وارتباطاتها، ولا يُنشئ تصوُّرًا صحيحًا للأوضاع والقيم والموازين، فالدنيا شطر الحياة الأدنى والأقصر، والآخرة هي شطر الحياة الآخرة الأبدية؛ ولذلك فإن بناء الشعور والسلوك على حساب الشطر القصير لا ينتهي أبدًا إلى تصوُّر صحيح، ولا إلى سلوك صحيح، ولكن ربطها بشعور الآخرة، وما فيها من جزاء، وما فيها من قيم وموازين يُؤدي إلى أن تطمئنَّ النفس، وتسكن وتستريح، وبهذا التكامل تتضح الصورة الكاملة لحقيقة الوجود الإنساني. ومن اللافت للنظر أن يأتي هذا القول أيضًا بين تساؤلات عدة في سورة البقرة، فتسبقه تساؤلات: • ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189]. • ﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ ﴾ [البقرة: 215]. • ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 217] . • ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ﴾ [البقرة: 219]. • ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ﴾ [البقرة: 219]. ويتبعه تساؤلات: • ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 220]. • ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى ﴾ [البقرة: 222]. وكل هذه التساؤلات كانت تشغل تفكير الفئة المؤمنة، وموضوعاتها ترتبط بالحياة الدنيا، فجاءت الإجابات عليها تنزيلًا من رب العالمين إجابات تربط بين ما يجب أن نفعله في الدنيا ونتائجه في الآخرة. ومن هنا يجب على المؤمن دائمًا أن يمتدَّ تفكيرُه في كل ما يفعله في الدنيا إلى ما سيلقاه نتيجة هذا الفعل في الآخرة، فتكون إحدى عينيه ناظرةً إلى فعله في الدنيا وعينه الأخرى ناظرة إلى عطاء الله له في الآخرة. وهنا يأتي التوجيه القرآني بضرورة أن يكون التفكير ذا بُعْدَينِ أو جناحين؛ هما الدنيا والآخرة معًا للتوصُّل إلى العلاقة بينهما؛ ليكون التفكير كُليًّا. لقد نعت الله الذين يتبعون هذا التفكير بأنهم ﴿ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ وأن لديهم الحكمة، ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269]. فقد جاء هذا الوصف بعد دعوة الله للإنفاق من أجود ما يَمتلكه المؤمن من مال في هذه الحياة الدنيا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [البقرة: 267].
الثقافة الصحية
بثينة محمد علي الصابوني
30-09-2018
6,033
https://www.alukah.net//culture/0/129671/%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%a9/
الثقافة الصحية أمُّنا عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها كانتْ قدوةً لنا في عمَلِها وسلوكها، يقول عروة بن الزبير رحمه الله - وهو مِن علماء التابعين -: "ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بفقهٍ ولا بطبٍّ ولا بشعرٍ من عائشة" [1] ، ويقول أيضًا: قلتُ لخالتي عائشة رضي الله عنها: "يا خالة، إني لأفكِّرُ في أمركِ وأعْجَبُ من أشياءَ، ولا أعجَبُ من أشياءَ! وجدتُكِ من أفقه الناس، فقلت: وما يَمْنَعُها، زوجةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وبنتُ أبي بكر الصديق رضي الله عنها؟ ووجدتُكِ عالمةً بأنْسَاب العرب وأيَّامِها، فقلت: وما يَمْنَعُها، وأبوها علَّامةُ قريش؟ ولكني إنما أقْضِي العجبَ أنِّي وجدْتُكِ عالمةً بالطبِّ، فمن أين؟! فقالت: يا عروة، يا بن أختي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السِّنِّ سَقِم، فوردَت الوفُودُ، فَنُعِتَ له، فَمِن ثَمَّ" [2] . ويقول ابن أبي مليكة: قلتُ لعائشةَ رضي الله عنها: تقولين الشعر وأنتِ ابنةُ الصدِّيق ولا تُبالين، وتقولين الطبَّ فما عِلْمُكِ فيه؟! فقالتْ: "إن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَسْقَم، فتَفِدُ عليه وفودُ العرب، فيصِفُون له، فأحفَظُ ذلك" [3] . إن الطبَّ اليوم يخوض فيه التقيُّ والفاجر، والأمين والخائن، والعالم بالطبِّ والجاهل به، وتتكاثر الأدوية في الصيدليات وغيرها، كلُّها تُغري بسرعة شفائها وقلَّة أضرارها. وفي زماننا هذا الذي معظم ما فيه خدائعُ وغواياتٌ، ومحاولة لجرِّ الآخرين على الاستهلاك والشراء بكلِّ الطُّرُق والأساليب، الذي أصبحتْ فيه العلوم والخدمات الإنسانية تجارةً يُتاجِر بها أصحابُ الأموال؛ كالطبِّ والتعليم وغيرهما من الخِدمات الإنسانية، وحريٌّ بالمرأة الواعية - والحال هذه - أن تتثقَّف الثقافة الطبية، وتقرأ في علم الطبِّ مقتديةً بأُمِّها عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها، ومُحصِّنةً نفسها من خداع التجار من بائعي الطبِّ أو بائعي العلاج. نحتاج إلى الأُمِّ الممرِّضة التي تُسعِف أفراد أسرتها الإسعافات الأولية إذا لَزِم الأمر، وتعرف كيف تُعلِّل مريضها إذا اشتدَّتْ أوجاعه أو ارتفعتْ حرارته، والتي تُعلِّم أبناءها بنين وبنات تلك المهارات التمريضية المهمة. ونحتاج الأمَّ التي تَعرِف مقادير حاجة الجسد من الطعام والشراب والسعرات الحرارية مِن كلِّ صنفٍ، حتى تُحسِنَ تنويع غذاء بيتها؛ ليفي بكلِّ ما يحتاجه الجسم من الغذاء والفيتامينات والمعادن، فيكون طعامُها مَملوءًا بعاطفة الأمومة عند إعداده وطبخه، وغنيًّا بخيرات الأرض عند تقديمه، نافعًا ومُحقِّقًا توازُن الغذاء، وتوازُن المعادن والفيتامينات عند أكله. إنها معلومات عامة، لكن الأسرة بحاجة إليها، وهي لا تحتاج إلى كثيرٍ من الدراسة والتمحيص، لكن إذا وضعت الأُمُّ نُصْب عينيها أهميةَ أن تطَّلِع على أساسيات الإسعافات الأولية، وتُشاهد وتسأل عن أوليات المهارات الغذائية، وتقرأ حول أصناف الخضار والفواكه وما فيها من المنافع العلاجية والمنافع الغذائية ومضارِّ التغذية، فإن الحال سوف تتغيَّر، ومستوى الصحة في بيوتنا سوف يتحسَّن، فكم من أساليب التغذية يكون سببًا في الأمراض ولو بعد حين! وكم من الأطعمة التي نأكلها دون أن نُفكِّر يكون فيها الضَّرر ونحن لا ندري! جميل بالمرأة أن تقرأ في الطبِّ البديل وطبِّ الأعشاب الذي يصف الأعشاب المختلفة، وما فيها مِن الفوائد الطبية والعلاجية، وأن تكون على علمٍ ودرايةٍ بالطبِّ النبوي. ونُريد المرأة المسلمة الواعية التي تحمي أبناءها من مُغريات المأكولات والمشروبات التي تُعرض في كلِّ مكان، والتي يكون ضررها أكبر مِن نفعها؛ كالوجبات السريعة، والمشروبات الغازية والمحفوظة، للوقاية من الألوان الصناعية والمواد الحافظة الكيماوية وغير ذلك. نُريد المرأة الواعية التي تُتقن فنَّ الوقاية الصحية، بعدم تعريض أبنائها لمأكولات مُضِرَّة، وعدم تعويدهم عادات التغذية المؤذية، ومحاولتها المستمرَّة لجلب النافع المفيد والطازج المحلي، وتُقلِّل قدر الإمكان من المعلَّبات التي تحوي السموم ما نعلمه وما لا نعلمه؛ كالأصباغ، والمواد الحافظة، والإضافات الكثيرة. سيئ جدًّا منظر أولئك الأطفال الذين لا يحملون إلا أكياس "الشيبسي" أو ما شابه ذلك، أو مغلَّفات الشيكولاتة والبسكويت المختلفة، إن تلك الحال تُعلِّم أطفالنا الجشَع؛ لأن تلك المأكولات لا تُشبع، فيبقون باستمرار يأكلونها، وكذلك تُعلِّمهم الفوضى الغذائية حيث ليس لهم وقت محدد للأكل والشرب، وليس لهم مكان محدَّد لتناول الطعام، وهي أيضًا تقطعهم عن أُسَرهم؛ لأنهم دائمًا يأكلون بعيدًا عن أُسَرهم، ولا يتبادلون الحديث معهم! ألَم يكن بإمكان الأُمِّ أن تصنعَ لأبنائها بيَدِها أروع أنواع المأكولات المسلية مِن المأكولات الشعبية، أو حتى المأكولات الحديثة، ولكن بيدها هي أو بإشرافها إن أرادت استخدام خادمتها أو طابختها. وامرأتنا المميزة التي نُريد، هي تلك التي تتحرَّى حلال الطعام؛ ذلك لأن الانفتاح التجاري يُدخِل إلى البلاد ما نرضاه وما لا نرضاه، فعليها أن تتحرَّى قبل شراء اللحوم لتتأكَّد: أين ذبح؛ لأن التزكية في الذبح شرطٌ لحلِّ الذبيحة لنا، وثمة شرطٌ آخرُ أن يكون القائمُ على الذبح مسلمًا صالحًا يُسمِّي الله تعالى على الذبيحة أو من أهل الكتاب، ومِن ثَم لا تجوز عندنا ذبائح الدهريين، أو عُبَّاد البقر والسيخ أو عُبَّاد بوذا وغيرهم، وتتأكَّد قبل شراء أنواع الجبن: أين طبخ؟ وما مصدره؟ وأي أنواع المنافح استُخدِم "النباتية أم الحيوانية"؟ لأن لحم الخنزير يُدخِله أهل البلاد الغربية وغيرها في كلِّ مأكولاتهم، حتى في بسكويت الأطفال وحلوى الصغار، وإن منافح الخنزير أو المنافح الحيوانية التي لم تُذبح على الطريقة الإسلامية تدخل في كثير من أنواع الجبن، إن لم يكن كلها. ونُريد المرأة المسلمة التي تعتني بصحَّتها الجسدية في زماننا هذا، الذي لا تكاد إحدانا تتحرَّك إلا القليل، فعليها بالرياضة لتُحرِّك جسدها، وتُعِيد له الحيوية والنشاط، وأفضل رياضة للمسلمة الصلاة لوقتها وإتقانها، وصلاة الليل والنوافل، وعليها الاعتناء بالصلاة بأن تشدَّ جسدها أثناء الصلاة؛ لتَكْسِب خيرَ الصلاة وروحانيتها، وتكسب فائدة الصلاة الجسدية والرياضية، وأهمُّ من ذلك كلِّه الخشوع والطُّمَأْنينة في الصلاة، والتي فقدناها في بيوتنا مع أخواتنا المسلمات، نُريد لك الصحة أختي فكوني قائمةً بأسبابها. [1] أخرجه ابن عبدالبر في "الاستيعاب" (4 /1883)، وابن سيد الناس في "عيون الأثر" (2 /396). [2] أخرجه أحمد (24180) (40 /441)، والطبراني في "الأوسط" (6067) (6 /155)، وفي "الكبير" (295) (23 /182)، والسياق للطبراني في "معجمه". [3] أخرجه الحاكم في "المستدرك"، ك: "معرفة الصحابة" (4 /12) (6737).
عبث المستشرقين
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
26-09-2018
7,723
https://www.alukah.net//culture/0/129619/%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d9%86/
عبث المستشرقين من الأمور المهمَّة التي لها تأثير على النظرة إلى الحياة والوجود تلك النظرة التي تستمدُّ مقوِّماتها من منطلق انتمائي، هو في حالنا يقوم على الدين، ونعلم أنَّ الإسلام هو خاتم الأديان، وأنَّه قائمٌ على العلم، فهذا الدين علم، وفي الحديث الشريف دعوة قوية مؤكِّدة على مَن يؤخذ عنه هذا الدين. تولَّى الحديثَ عن الدين وعلومه - بصورة سلبية - فئةٌ ممَّن يُعَدُّون من العابثين، ممَّن لا ينتمون إلى هذا الدين بالضرورة، أولئك الذين قيل عنهم - عبثًا -: إنَّهم قد فهموا الإسلامَ أكثر من فهم أهله له! ولعمري إنَّها لعبارة غير موزونة، ورُبَّ كلمةٍ قالت لصاحبها: دعني. أولئك القوم الذين مارسوا العبثَ في علوم الدين هم من فئة المستشرقين، الذين لا ينتمون إلى الدين الذي يتحدَّثون عنه [1] ، وفي ذلك يقول فاخ، وهو منهم: "إنَّ الانتماء والالتزام بالدين للباحث في الأديان لا شكَّ يؤثِّر على فهمه لها ويحدِّده، ولكنه في الوقت نفسه يمكِّنه من أنْ يكون حسَّاسًا تجاه البعد الروحي للأديان، دينه ودين الآخرين على السواء" [2] ، وفاخ هذا أسهب في الحديث عن نظرية الفهم في علم تاريخ الأديان، استعرضها محمَّد خليفة حسن في كتابٍ له بعنوان: أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر [3] . جاء العبث في علوم الدين من لدن بعض المستشرقين بسبب ما اتَّسم به الاستشراق - في بداياته - من التحيُّز ضدَّ الإسلام؛ لأسباب كثيرة ذاتية وظرفية، ومن ثمَّ فإنَّ الاستشراق "لم يصِل في الماضي إلى فهم جيِّد للإسلام كدين وحضارة، ولن يتمكَّن من الوصول إلى هذا الفهم في الحاضر والمستقبل، طالما سيطرَت عوامل التحيُّز المختلفة على عقل المستشرق ووجدانه. للأسف الشديد أنَّ الإسلام لم يستفد - كما استفادت الأديان الأخرى - من التقدُّم العلمي في مجال تاريخ الأديان؛ فمؤرِّخو الأديان انصرفوا عن دراسة الإسلام، وأهملوه إهمالًا كاملًا، فلم يستفِد من الموضوعية التي حقَّقوها في مجال علم تاريخ الأديان، وتركوا الإسلامَ للمستشرقين، الذين لم يستفيدوا من علم تاريخ الأديان في موضوعيته، وانفردوا بالإسلام، يمارسون معه كلَّ أشكال التحيُّز الممكنة. لا أملَ في إصلاح الحال طالما استمرَّ الاستشراق على حاله تتحكَّم فيه دوافعه وأهدافه غير العلمية" [4] . هذه وجهة نظر عالِم من علماء نقد الاستشراق المعاصرين هي جديرة بالتأمُّل، مهما بدا عليها من نظرة غير متفائلة حول الاستشراق، ممَّا يؤكِّد إنَّ هذا المنحى في دراسة الإسلام قد أسهم في منظومة العبَث في علوم الدين، مما يحتاج معه إلى أكثر من وقفة؛ منها ما يركِّز على بعض أولئك الذين تأثَّروا بهذا المنحى في فهم الدين من أبناء الدين نفسه، ورأوا الدين على أنَّه مقيِّد من مقيِّدات التقدُّم الحضاري، بما في الحضارة من مقوِّمات فكرية وثقافية، لا تقتصر على النظرة المادِّية للحضارة، فكان أنْ وقف بعضُ المفكِّرين.. يصدُّون عن الدين، ويسعون إلى إسباغ هالَة من التسيُّب والانفلات، سعيًا منهم إلى ترسيخ وجودهم، وهم لم يكونوا - بالضرورة - على صلة قوية بعلوم الدين، وإنْ كانوا يدَّعون أنَّهم على صِلة أقوى بالفلسفة، ممَّا حدا بهم إلى تفسير الدين - والقرآنُ الكريم مصدرُه - تفسيرًا فيه من التأثُّر بالمنحى الاستشراقي ما فيه [5] . [1] علي بن إبراهيم الحمد النملة: ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات - ط 2 - الرياض: المؤلِّف، 1424هـ/ 2003م - 210 ص. [2] محمَّد خليفة حسن: أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر ، الرياض: جامعة الإمام محمَّد بن سعود الإسلامية: عمادة البحث العلمي 1421هـ/ 2000م - ص (259). [3] محمَّد خليفة حسن: أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر ، المرجع السابق - 470 ص. [4] محمَّد خليفة حسن: أزمة الاستشراق الحديث والمعاصر ، المرجع السابق - ص (276، 277). [5] انظر مثلًا: إسهامات نصر حامد أبو زيد في التعامُل مع النص القرآني الكريم، ومنها : مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن - ط 2 - بيروت: المركز الثقافي العربي، 1994م - 319 ص، والاتجاه العقلي في التفسير: دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة - ط 2 - بيروت: دار التنوير، 1983م، وفلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي - بيروت: دار التنوير، 1983م.
رحيل علامة العربية الدكتور محمد بن عبدالمعطي الأزهري
د. محمد عاطف التراس
26-09-2018
5,926
https://www.alukah.net//culture/0/129614/%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b7%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%87%d8%b1%d9%8a/
رحيل علَّامة العربية الدكتور محمد بن عبدالمعطي الأزهري الدكتور محمد عاطف التراس [*] ترجَّل عن عالَمِنا علَّامةُ العربية البصير فضيلة الأستاذ الدكتور المتفنِّن: محمد بن عبدالمعطي ، مدرِّس اللُّغويات بكلية اللغة العربية بمدينتنا العامرة إيتاي البارود، جامعة الأزهر. وُلِد الشيخ في الثامن من رجب 1370هـ الموافق 1951م تقريبًا، وعاش حياته الحافلة بالعلم والدعوة إلى الله بمدينة طنطا محافظة الغربية بمصر، وتُوفِّي يوم الاثنين 14 محرم 1440هـ الموافق 24 سبتمبر 2018م. ولقد كان رجُلًا من رجالات العربية، لم تقع عيني على سَميٍّ له في اللغة بفنونها، وكان رحمه الله يحفَظ القرآن كاسمه، لا يكاد يُسأل في مسألة إلا ويسرد شواهِدَها من القرآن والحديث والشعر، ويَستطرد شارحًا ومُعقِّبًا، كأنك تَغرف من بحرٍ لا تُكدِّره الدِّلاءُ. وكان لا يَمَلُّ ولا يُمِلُّ، كنتُ كغيري أقرأ عليه في حِلِّه وتَرحاله، قرأتُ عليه طرفًا من شرح الأشموني على الألفية، وطرفًا من رسالتي في الماجستير، وطرفًا من رسالتي في الدكتوراه، وكان يأنس بصُحْبتي أيَّما أُنْسٍ، ويسأل عني دومًا، رغم انشغالي عنه وانقطاعي لعملي، بل كان يتفقَّد أحوالي الشخصية، ويدعو لي ولزوجتي ولبُنيَّتي، كنتُ أتَّصِل عليه أُكلِّمُه ساعاتٍ طويلةً، يسمع ويُدقِّق، ويتعقَّب ويُضيف، ويُرشد رحمه الله رحمةً واسعةً. وكان رحمه الله خفيفَ الظل، طيِّبَ المعشر، صاحب دُعابة رغم عُلوِّ كعبه في فنون العربية قاطبةً، صاحب هيبة بين طُلَّابه ومُريديه، وقلَّما يجتمعانِ في شخص! ذات يوم حدَثَتْ قصةٌ طريفةٌ تُبيِّن مدى حرصه رحمه الله على اللغة العربية الفصحى، وهِمَّتِه في نَشْرها، كنا نقرأ عليه من شرح الأشموني بمسجد قباء بمدينتنا العامرة إيتاي البارود، إذ دخل علينا حجرة الإمام رجلٌ ليُضيء مِصْباحَ المحراب من داخل الحجرة، وإذا به رحمه الله - كعادته في دعوة المسلمين قاطبةً لدراسة اللغة العربية، حتى ظننتُ أنه ربما يدعو غير المسلمين لها - يسأل الرجل قائلًا: ما اسمُكَ؟ ♦ ردَّ صاحبنا: فوزيْ (كذا بتسكين الياء). ♦ فقال رحمه الله: ما مؤنَّثُكَ؟ فبُهِتَ الرجُل فاغِرًا فاهُ، وكان تقريبًا في سنِّ الخمسين، يظهر عليه أنه من أهلنا من الفلَّاحين. ♦ فردَّ رحمه الله: مؤنَّثُكَ (فوزيَّة) بتشديد الياء، هلَّا شدَّدْتَ ياءَكَ يا (فوزيُّ)! وإذا بنا جميعًا نكتم الضحك حرَجًا من الرجل، ونتوارى من سماعه رحمه الله لصوتنا، مهابةً له وإجلالًا لمنزلته العليَّة، وإن كان محبًّا للمُزاح صاحب دُعابة. ♦ ثم سأله رحمه الله ثانيةً: ما عملُك يا فوزيُّ؟ ♦ فوزي: مدير مدرسة ابتدائي. ♦ فقال رحمه الله: ما شاء الله، أنت من رجال التعليم، هلا تعلَّمْتَ النَّحْوَ يا فوزيُّ، حاوِلْ أن تحضُر معنا! هكذا أحبابي كان أستاذُنا رحمه الله لا يفتأ يدعو الناس كل الناس لدراسة علوم العربية، ويبذل من وقته وجهده رغم أنه كفيف، ويسافر يقطع المسافات الطويلة لينشر العلم، مقارنةً بغيره من المبصرين الذين ركَنوا إلى الدنيا وزُخرفها، الذين يتكبَّرون على طُلَّاب العلم، ويستنكفون أن يجلسوا بينهم في مسجد بحجة أنه أستاذ جامعي. وكان رحمه الله لا يَدَعُ خطأ لُغويًّا إلا عقَّب عليه، يحكي الشيخ الدكتور أحمد سمير - وهو من تلاميذه الكُثر - قائلًا: سأل أحدنا: أين تسكُن؟ قال: أبو حُمُّص. قال له: (فُعُّلٌ) ليست في العربية. قل: (أبو حِمَّص) فهو وزنٌ من أوزان اللُّغة. كان رحمه الله - كما قيل في الشافعي - كالشمس للدنيا والعافية للناس! يُضيء للمسلمين طريقهم بعلمه وعمله، كان إمامًا عالِمًا عاملًا، أحسَبه من المجتهدين الربَّانيِّين في علوم العربية، ما كان يدع خطبة الجُمُعة إلَّا مِن عُذرٍ أو مرضٍ، ولقد حقَّ فيه قول شوقي: شيَّعُوا الشمسَ ومالُوا بضُحاها *** وانحنى الشَّرْقُ عليها فبكاها! وإن كان رحمه الله قد قلَّتْ مصنفاته لذَهاب بصره، غير أنه كان ذا طُلَّاب كثيرين ينتشرون في ربوع مصر كلها. فرحمه الله، وأجزَل له المثوبة، إنه بكل جميلٍ كفيلٌ، وهو حسبُنا ونعم الوكيل. [*] مدرس العلوم اللغوية وتحقيق التراث بجامعة عين شمس.
الأوعية الدموية في جسم الإنسان
أ. د. علي فؤاد مخيمر
25-09-2018
65,708
https://www.alukah.net//culture/0/129567/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%85%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%ac%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/
الأوعية الدموية في جسم الإنسان إن آيات الله في الكون وآيات الله في النفس البشرية، أوسعُ باب ندخل منه للتعرُّف على عظمة الله تعالى لنرى خَلقًا رائعًا؛ حيث نرى منظومةَ بِناءِ جسم الإنسان بمحتواه - من خلايا، وأنسجة، وأعضاء، وغُدَد، وعظام، ودماء، وماء، وهواء - كلها تتناغم وتتآلف في عمل دائبٍ، وبعد أن قدَّمنا في المقال السابق عن عظمة الله في صنع مضخَّة جسم الإنسان ( القلب )، وحتى تكتمل الفائدة، فسوف نتحدث عن إعجاز آخر، وهو خلق الأوعية الدموية التي تحمل الدم من القلب إلى كل أنحاء الجسم من المخ إلى القدمين. الأوعية الدموية: خلق اللهُ تعالى فينا الشرايين والأوردة، والشعيرات الدموية الدقيقة، في صورة شبكة مترابطة متشابكة، دورُها توصيل الدم المحمَّل بالغذاء والأكسجين إلى أنحاء الجسم، وحمل الفضلات وثاني أكسيد الكربون للتخلص منهما خارج الجسم، بأعقد عملية تبادُل النافع والضار، وسوف نتحدث بشيء من التفصيل عن هذه العملية. أ - الشرايين: تختلفُ أنواع الشرايين حَسَب طبيعة جدارها، فهي أوعية الدم التي تخرُجُ مِن القلب، وتحمل دمًا مُؤكسَدًا بالأكسجين والمواد الغذائية إلى أصغر خلية في الجسم، لإمدادها بالغذاء، ويرجع لون الدم الأحمر الفاتح في الشرايين إلى وجود الأكسجين بها، وهذه الشرايين ذاتُ نبض دائم، وهي تحتوى تقريبًا على 20 % من نسبة الدم في الجسم. وهناك شريانان رئيسان؛ هما: 1 - الشِّريان الرِّئوي. 2 - والشِّريان الأَبْهَري، وقطرُه يقارب 2,5 - 3 سم، ويتشعب هذان الشِّريانانِ إلى عدَّة شُعَب، تأخذ في الصغر والدقة تدريجيًّا حتى تصير كالشَّعرة، وتُعرَف عندئذٍ باسم الشرينات أو أوعية الدم الدقيقة، أو الشعيرية، وعددها كثير جدًّا عند الأشخاص الكبار في السن، وخاصة عندما يصابون بجفاف الشرايين، وهذه الشعيرات عند تلاقيها وتشابكها بالعروق الدقيقة الوريدية في الجسم، يحدث ما نُسمِّيه التقاء الشريان بالوريد. ومما جاء في الأبحاث العلمية أن الشرايين الكبيرة مُبطَّنة بعضلات كبيرة ملساء، تتحمل ضغط الدم وضربات القلب، وتتصف بالمرونة التي تجعلها تتَّسِع عند تعرُّضها لضغط الدم العالي. كما اكتُشِف أن جدار الشرايين الكبيرة يحتوي على كمِّية كبيرة من بروتين ( الإيلاستين ) التي بدورها تساعد على مطاطيَّتِها، وامتصاص الضغط المرتفع وتحوُّله إلى قوة مضافة تساعد في دفع الدم باتجاه أعضاء الجسم المختلفة، وصدق ربُّ العزة: ﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ﴾ [الرعد: 8] ، فلا مجالَ للعشوائية، ولكن تحدث هذه العشوائية في أجسامنا عند تناول الدهون بكمِّية كبيرة، فتترسب على جدران الشرايين، فتُلغِي النعومة التي تميَّزت بها، ويُصبِح الجدار مترسبًا، فحينما يمر الدم من فوقها يركن الدم فوق الدهن في شكل تل صغير، ويزداد ويتراكم يومًا بعد الآخر حتى يُحدِث الجلطة، ويتوقف الدم عن الوصول إلى هذه المنطقة، وتحرم هذه المنطقة من إكسير الحياة ( الأكسجين )، وتكون النتيجة الحتمية موت هذه الأنسجة. وإذا حدثت الجلطة في شرايين المخ يصاب الإنسان بالشلل، وإذا حدثت الجلطة في شرايين القلب تصاب عضلة القلب بضعف شديد، وهبوط في وظائفه يُودِي بحياة الإنسان. وإذا أصابت الجلطةُ شريان شبكة العين، يفقد الإنسان البصر. وإذا أصابت إحدى الساقين أصبح المشي أمرًا صعب المنال، وأحيانًا قد تحدث جلطة في الساق فتنطلق كالقذيفة إلى شريان الرئة، وأحيانًا يقع الموت الفجائي. ومِن عظمة الله تعالى أن الشِّريان لا ينطوي ولا ينكمش عند انقطاعه، وقد اكتُشِف أن الشِّريان الضخم المجاور للقلب يتحمَّل 20 ضغطًا جويًّا، أو ما يقرب من 136 كيلو جرامًا لكل 2,5 سنتيمتر، وأما بعد الموت، فتنكمش وتفرغ محتواها من الدم. ب - الأوردة : هي أوعيةٌ دموية تنقُلُ الدم من أطراف الجسم إلى القلب، وهي كالشرايين من حيث الحجم والتفرع والدقة، غير أن جدارها أرقُّ وأقل قوةً عضلية ومرونة، وهي سهلة الانكماش عند انقطاعها. والدم المحمولُ داخل الوريد قاتمٌ أزرق اللون، حامل معه فضلات الجسم الناتجة عن نشاط العضلات، لتُعِيدها إلى القلب، ويجري الدم فيها كجريان سَيل الماء في النهر المستمر والمستقر بدون نبض، وهي مجهَّزة في داخلها بصِمَامَاتٍ عِدَّة لمنع العمود الدموي الجاري من الرجوع للجهة المعاكسة لجريانه، ( ما عدا الوريد الرئوي ). ورِحلة الدم في الوريد من القَدَم إلى القلب تمشي عكس اتِّجاه الجاذبية الأرضية، فالسائل لا يصعَدُ إلى أعلى، ولحكمة بالغة أرادها الله في صَنعتِه المتقنة وجودُ هذه الصِّمامات، وهي في الحقيقة جُيوبٌ تسمَح للدم أن يصعد، ولا تسمح له أن ينزل، جيوب على جدران الأوعية إذا صعِد الدمُ إلى أعلى تلتصق جدرانها بجدران الأوعية، فيمر الدم، فإذا أراد الدم أن ينزِل امتلأت هذه الجيوب وانتفخت وتلاصقت حتى تُغلِق الطريق على الدم. ولو أن هذه الصِّمامات أصابها الخللُ، فلم تُغلِق الطريق على الدم، لتجمَّع في الأوردة ولارتَفَع ضغط الدم فيها، ولخرَجت الكُريات الحمراء من جدران الأوردة إلى الأنسجة، فازرقَّت الأَرجُل وتورَّمت، وشعر صاحبها بألم شديد، ويظهر مرض الدَّوالي، فعملُ الجيوب عملٌ في منتهى الدقَّة والروعة، وصدق رب العزة إذ يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]. ويمكننا أن نُميِّز بين نزيف شرياني أو وريدي ظاهريًّا؛ وذلك أن نزيف الدم الشرياني يسيل الدم بتدفُّق مع نبض القلب، ويكون النزيف غزيرًا وسريعًا، ويُمكن أن يستمرَّ حتى الموت، لذلك يجب المباشرة بسرعةٍ للسيطرة عليه وإعطائه الأولوية في الإسعافات، ويكون لون الدم أحمرَ فاتحًا، على العكس مِن النزيف الوريدي يسيل الدم بدون تدفُّق واللون قاتم مُزرقٌّ. ج - الأوعية الشعرية الدموية: تتفرَّع الشرايين داخل الجسم وتنتهي بأوعية دقيقة تُسمَّى الشرينات، وتتكوَّن مِن طبقة واحدة من الخلايا، فهي عبارة عن قنوات دقيقة جدًّا تُشبِه الشَّعر، يتراوح قطرُها ما بين 0,007 - 0,014 ملم، ويتراوَح طولُ الشُّعيرة ما بين 0,5 - 1 ملم، ويبلغ عددها عشرةَ بلايين شُعيرة، وطولها مجتمعةً حوالي ألف كم، ومساحتها مجتمعة 500 متر مربع، والسببُ في أن جدارها يتكوَّن مِن طبقة واحدة، هو السماح للمواد الغذائية الصغيرة - وليست البروتينات كبيرة الحجم والأكسجين - بالنتح منها حتى تُغذِّي الخلايا حولها، وتقوم النهايات الأخرى منها بتجميع ثاني أكسيد الكربون الناتج من الخلايا والفضلات لتدخُلَ في الأوعية اللمفية. يُفهَم مما سبق أن الدم ينتقل خلال الشرايين والشرينات - بعيدًا عن القلب - إلى الشعيرات الدموية الدقيقة التي تُغذِّي الأنسجة، في حين تُعيد الوريدات والأوردة الدمَ إلى القلب. معجزة الأوعية الشعرية الدموية: هنالك عملية معقَّدة وعجيبة جدًّا، تحدُثُ في الشُّعيرات الدموية في أعضاء الجسم كافةً، وملخَّص هذه العملية أن كميةَ الدم التي تذهَب إلى الأعضاء المختلفة يتمُّ السيطرةُ عليها بصورةٍ دقيقة جدًّا مِن قِبَل الأوعية الدموية الشعرية؛ بحيث يُعطَى العضو المعين كميةَ الدمِ التي يحتاجها فعلًا، وحسَب الجهد الذي يبذُلُه العضو في الأوقات المختلفة، وهذه العملية تُسمَّى بالتنظيم الذاتي، وتتم عن طريق عضلاتٍ مُعيَّنة موجودة في بداية الأوعية الشعرية الدموية، وتسمَّى العضلات العاصرة. والشيء الذي يجلِبُ الانتباه أن عدد الأوعية الشعرية في الجسم من 100 - 160 مليار شعرة؛ بحيث لو غَرَزْت دبوسًا في أي مكان لخرج الدم. ما النبض؟ عند كل تقلُّص في بُطَين القلب الأيمن والأيسر، يندفع الدم إلى الشِّريان الأورطي والشريان الرئوي، وحسَب الفطرة التي فطر الله عليها قلبَ الإنسان يتغيَّر بهذه الحالة ضغطُ الدم في جميع شرايين جسمك، ويمكنك أن تشعُر بهذا التغيُّر في نقاطٍ مختلفة من جسمك، التي يكون فيها الشِّريان ممتدًا بالقربِ مِن سطح البدن، ومرتكزًا على عظم، ويُسمَّى هذا التغيُّرُ النبضَ، فتشعر بنبضِك في مِعصَم يدك، أو في صُدْغ وجهِك، وذلك برؤوس أصابع يدك تجدُ أن قلبك يدقُّ مِن 72 إلى 90 ضربةً في الدقيقة. انتبه أيها المدخن! أثر التدخين على الجهاز الدوري بجسم الإنسان: في الدُّخَان مادَّةٌ سامَّة اسمُها النيكوتين، تزيد هذه المادَّة من إفراز الأدرينالين الذي يزيد ضربات القلب، ويُضيِّق الشرايين، لذلك يغلب اللونُ الأصفر على المدخِّنين، وهذا الضيقُ الدائم في الشرايين قد يُسبِّب انسدادًا في شرايينِ القلب، فتكون الذبحة الصدرية، أو تكون الجلطة، أو يسبب انسدادًا في شرايين المخ، فتكون السكتة الدماغية، أو انسدادًا في شرايين الساقين، فيكون الغرغرينة، فلا بد من قطع الساق حينئذٍ! إضافة إلى أن التدخين يجعلُ الأوعية الدموية في حالةٍ من التوتر والضيق؛ مما يُؤدي إلى الضغط الدموي، إضافة إلى أمراضٍ كثيرة بأعضاء الجسم المختلفة تؤدي إلى الهلاك، فهذه الأشياء أصبح مقطوعًا بها؛ لذلك كل الشركات التي تصنَعُ الدُّخَان في كل أنحاء العالم مُلزَمةٌ أن تكتُبَ هذا التنبيه: ( التدخين يسبب أضرارًا كبيرة في القلب والأوعية الدموية، ويسبب الوفاة والسرطان )! وكان مِن النادر في الخمسينيات أن يصاب الإنسان بمرضٍ في الأوعية الدموية قبل سن 50 سنة، والآن يُصاب أناسٌ كثيرون في سن 20، بل في سنٍّ مبكرة بسبب التدخين. وجاءت آخر إحصاءات تقول: إن 80 % مِن مرضى القلب من المدخِّنين، ومِن المعلوم أن أولَ أُكسيد الكربون الناتجَ عن التدخين، يُساعِد على ترسيب الكوليسترول في جدرانِ الشرايين والأَوْردة؛ مما يُؤدِّي إلى ضيقٍ وفِقدان لَمعتها، وصدق ربُّ العزة إذ يقول: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195]. فأَفِقْ يا غافلُ، وضَعْ نهايةً لغيِّك وغفلتِك وشهوتِك، قبل أن يأتي يومٌ لا مَرَدَّ له من الله، أَفِقْ قبل أن يأتي يومٌ لا تملِكُ نفسٌ لنفسٍ شيئًا، والأمر يومئذٍ لله!
معركة حطين بقيادة صلاح الدين
د. محمد منير الجنباز
24-09-2018
26,424
https://www.alukah.net//culture/0/129550/%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%ad%d8%b7%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%82%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86/
معركة حطين بقيادة صلاح الدين 25 ربيع الآخر سنة 583هـ قائد المعركة من المسلمين: صلاح الدين الأيوبي، ومعه عدد من قادة الولايات والأبناء في جيش نظامي يزيد على اثني عشر ألفًا، ومثلهم من المتطوعة. قائد الإفرنج: ملك بيت المقدس بردويل، ومعه عدد من قادة الأقاليم؛ أمثال أرناط حاكم الكرك، وحاكم طبرية وطرابلس وعكا والناصرة وصور. سببها: أن صلاح الدين قد أعدَّ جيشًا قويًّا وقصد ممالك الصليبيين ليُحرِّرها من نيرهم، فكان قصده مدينة طبرية، وعلِم الإفرنج بذلك فجمعوا كل ما أمكنهم جمعه لخوض هذه المعركة الفاصلة، فبلغت جموعهم ما بين خمسين ألفًا إلى ثلاثة وستين ألفًا، ونزل الإفرنج في صفورية، أما صلاح الدين، فنزل على طبرية وحاصرها بجزء من جيشه، وتقدَّم بالجزء الآخر باتجاه الفرنج، لكن الإفرنج لم يبرحوا مكانهم رهبة وخوفًا، أما مدينة طبرية فسقطت بأيدي المسلمين، وبقيت قلعتها تقاوم، فلما علِم الإفرنج بذلك دبَّ الخلاف بينهم، فمن قائل بمهاجمة المسلمين لاستنقاذ طبرية، وملكهم يطلب منهم التريث في المواقع، ثم اتفقوا على التحرك لمواجهة المسلمين، وكان المسلمون قد سيطروا على موارد المياه، والفرنج قد نفد عندهم الماء، والجو حر في آب - أغسطس - وتلاقى الفريقان في حِطِّين، ورمى الرماة دفعات من السهام نحو الصليبيين فكانت كالجراد، فقتل عدد من خيولهم ورجالهم، والصليبيون مندفعون في قتالهم ليصلوا إلى الماء في طبرية، فصدهم صلاح الدين عن مرادهم ووقف بالعسكر في وجوههم وحرَّض المسلمين على الثبات، فتقدم غلام فحمل على الإفرنج وقاتل قتالًا عجِب منه الجميع، ثم تكاثَر عليه الإفرنج وقتلوه، فأثر ذلك في نفوس المسلمين، وثارت ثائرتهم وانقضُّوا على الإفرنج وقتلوا منهم خلقًا كثيرًا، وحمل الإفرنج لشقِّ صفِّ المسلمين، فرأى القائد تقي الدين عمر حملة الإفرنج حملة مكروب، فأمر بفتح الطريق لهم فخرج القمص وأصحابه ثم التأم الصف، ثم أشعل المسلمون النار في الزرع اليَبَس فاحترق، وكانت الريح على الإفرنج فزادهم عطشًا على عطشهم، وبدأ الإفرنج يحملون على المسلمين حملات شديدة ويتصدى لهم المسلمون، فلا يرجعون إلا وقد نقص منهم عدد كبير، حتى أحاط بهم المسلمون وأخذتهم السيوف، ثم التجأ عدد منهم إلى تل حِطِّين، ونصبوا للملك خيمة وتَبِعهم المسلمون والأمر ما بين كرٍّ وفرٍّ، ولم تتوقَّف عليهم الحملات إلى أن رمَوا سلاحهم وأرهقهم التعب والعطش واستسلَموا، فكبَّر صلاح الدين وخرَّ ساجدًا لله، وكان من ينظر إلى القتلى، يقول: ليس هناك أسرى، ومَن ينظر إلى الأسرى يقول: ليس هناك قتلى. وكان من جملة الأسرى ملك بيت المقدس قائد الحملة، وأرناط حاكم الكرك، وأما صاحب طرابلس، فلما نجا من المعركة اغتمَّ فمات، كما قُتِل أرناط؛ لأنه غادِرٌ تَعرَّض لقوافل الحجاج، كما أراد التعرُّض لمكة والمدينة، وتُعَد هذه المعركة من المعارك الفاصلة في تاريخ الإسلام؛ حيث انهارت بعدها كثير من قلاع الصليبيين وحصونهم، وتقلَّص نفوذُ الصليبيين وقل عددُهم، وطلبوا مددًا من أوروبا.
نقطة التحول في مسيرة صلاح الدين
علاء مصري النهر
23-09-2018
4,995
https://www.alukah.net//culture/0/129517/%d9%86%d9%82%d8%b7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86/
نقطة التحول في مسيرة صلاح الدين هناك محطات في حياة المرء تجعله يقف مع نفسه وقفةً للمراجعة والمحاسبة، فقد ذكر ابن الجَوْزِيِّ في " سِيرة عمر بن عبدالعزيز " أنه عندما وَلِيَ إمرة المدينة المنورة في شهر ربيع الأول من سنة 87 من الهجرة في خلافة ابن عمِّه الوليد بن عبدالملك - كان من أخيل الناس في مِشْيته، ثم إن الوليد بعث إليه يأمره بجلد خُبَيْب بن عبدالله بن الزُّبير مائة سوط، ويحبسه؛ لأنه قد حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلًا، اتخذوا عِباد الله خَوَلًا، ومال الله دُوَلًا))، واعتراضه على ضمِّ حجرات النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسجده، فجلده عمرُ، وبرَّد له ماءً في جَرَّة، ثم صبَّها عليه في غَداةٍ باردة، فتيبَّسَتْ أعضاؤه، وتشنَّج جسمُه (أصابه داء الكُزاز)، فأخرجه عمرُ من السجن، وندم على ما صنعه به، وعندما بلغه خبر موته، سقط إلى الأرض فزعًا، ثم رفع رأسه مسترجعًا، ولم يزلْ هذا الحادث يحزُّ في نفسه حتى مات، واستعفى من إمرة المدينة، وامتنع من الولاية، وكان إذا قِيَل له: إنك قد صنعتَ كذا فأبشر، فيقول: "كيف بخُبَيْبٍ على الطريق؟!"، ثم في خلافته خصَّ آل عبدالله بن الزبير بقسمٍ من الغنائم، فقال الناس: "دِية خُبَيْبٍ"؛ فهذا الموقف العارض، جعل من عمر بن عبدالعزيز ذاك الخليفة الأُموي العادل الزاهد [1] . وفي سِيرة صلاح الدين الأيوبي ما يُشبه هذا الموقف؛ ففي سنة 581هـ سعى صلاح الدين جاهدًا لضمِّ إمارة الموصل - دولة بقايا الزَّنْكيين - إلى مملكته، فضرب عليها حصارًا شديدًا في شهر شعبان؛ لكنه لم يظفرْ بطائل، وقد خرجن إليه أتابكيات البيت الزَّنكي طالبات الشفاعة، وهو مقيم على نهر دجلة بكَفْر زَمَّار قرب الموصل، وكان قد عزم على أن يُشتِّي في ذلك المكان، فلم يقبلْ شفاعتهن، وردَّهُنَّ خائبات، ثم مرض في شهر رمضان مرضًا شديدًا كاد يقضي عليه، وكان الحر شديدًا، وطال مرضه، وندم على رد الشوافع الزنكيات، فسيَّر إلى عماد الدين الزنكي (الثاني)، صاحب سِنْجَار وأخي عز الدين مسعود صاحب الموصل، طالبًا منه أن يرسل إليه رُسله؛ للتوسُّط مع المواصلة لعقد الصلح، ورحل قبل عيد الفطر بيومٍ، وهو مريض، وخيَّم على نَصِيبين في شوال، ثم نزل بحرَّان، فوصل إليه أخوه العادل من حلب ومعه الأطباء [2] . وفي أثناء إقامته بحران وصل إليه الفقيه بهاء الدين بن شَدَّاد، رسول صاحب الموصل، فجلس صلاح الدين - وكان هذا أول جلوسه بعد مرضه - وحلف في يوم عرفة على نسخة العقد، وأهدى هدايا عظيمة، تزيد على عشرة آلاف دينار، غير الخيل والطِّيب والتحف البديعة والنفيسة، لصاحب الموصل وأمه وزوجه، وابنة سيده نور الدين محمود [3] ؛ فهو بذلك يتدارك ما صنعه مع نسوة البيت الزنكي من قبلُ. إن هذا المرض جعل صلاح الدين يُراجع نفسَه، ويهتمُّ بمصالح رعيَّتِه، ويكتفي بما حقَّقه من توحيد للبلاد، ويتفرَّغ لتحرير بيت المقدس - بُغية أستاذه نور الدين - فقد ذكر العماد الكاتب أن صلاح الدين في أثناء مرضه هذا أمره بتفريق ما اجتمع في خزائنه من الأموال، حتى قال العماد: "واستمر مدة استمرار مرضه على بذل جوهر ماله وعَرَضه"، وأمر بمكاتبة ولاته ونُوَّابه بمصر والشام؛ ليتصدَّقُوا على الفقراء والمساكين من بيت المال [4] . وقد كان من ثمار وقفة صلاح الدين هذه مع نفسه أنه نذر إنْ شُفِيَ من هذا المرض أن يشتغل بفتح بيت المقدس، ولو ببذل نفائس الأموال والأنفس، وألَّا يصرف بقية عمره إلَّا في قتال أعداء الله والجهاد في سبيله، وإنجاد أهل الإسلام والإقبال عليهم، ولا يترك شيمة الجود، والسماحة بالموجود، والوفاء بالعقود، والمحافظة على العهود، وإنجاز الموعود [5] . بل كان من وصاياه - إنْ مات في مرضه هذا - أن يخلفه في تدبير أمور دولته في الشام ومصر أخوه أبو بكر العادل، وابن أخيه تقي الدين عمر، وابناه الأفضل علي والعزيز عثمان؛ لأنه يراهم على مراده في جهاد الفرنج [6] . وعلى إثر هذا المرض، لم يتعرَّضْ صلاح الدين طوال العام الذي سبق معركة حطين لأحد من المسلمين، فبعد شفائه رحل من حرَّان مع أخيه العادل، فوصل حلب في منتصف المحرم سنة 582هـ، ففرِح به أهلها، وفي طريقه إلى دمشق مرَّ على حمص، وقرَّر أمورها، وكتب منشورًا بإسقاط المكوس بالرَّحبة، واقتصر منها على الخَراج والأجور والزَّرْع، وهي الرسوم التي يُبيحها الشرع، وعندما دخل دمشق التي كانت قد تزيَّنَتْ لمقدمه، جلس في دار العدل التي بناها أستاذه نور الدين؛ لكشف المظالم، ثم أخذ في ترتيب البيت الأيوبي من الداخل، فجعل مصر لابنه العزيز عثمان، وسير معه أخاه العادل بعد أن أقطعه الشرقية، وجعله أتابكًا لابنه، وجعل حلب لابنه الظاهر غازي، وطلب من ابنه الأفضل نور الدين أن يُقيم معه في دمشق [7] . وفي دمشق أوائل سنة 582هـ، بعد وصول صلاح الدين إليها مباشرةً، وهو لم يُشْفَ تمامًا من مرضه، قال له القاضي الفاضل: "قد أيقظك الله، وما يعيذك من هذا السوء سواه، فانذرْ أنك إذا أبللت (شُفيت) من هذا المرض، تقوم بكلِّ ما لله من الْمُفتَرض، وأنك لا تُقاتل من المسلمين أحدًا أبدًا، وتكون في جهاد أعداء الله مجتهدًا، وأنك إذا نصرك الله في المعترك، وظفرت بالقومص (ريموند الثالث صاحب طرابلس) وإبرنس الكَرَك (أَرْناط)، تتقرَّب إلى الله بإراقة دمهما، فما يتم وجود النصر إلا بعدمهما"، فأعطاه صلاح الدين يده على هذا النذر، ولما انتصر في حطين سنة 583هـ قتل أرناط؛ وفاءً بنذره، بينما هرب قومص طرابلس من المعركة وقد أُصيب بجراحات ثلاث، فمات فور عودته إلى طرابلس [8] . فمنذ سنة 571هـ وحتى مرضه في سنة 581هـ، كان صلاح الدين يتعرَّض للفرنج لمامًا، فبعد كسْرة الرملة سنة 573هـ، حقَّق نصرًا مؤزرًا عليهم في مرج عيون سنة 575هـ؛ لكن بعد حادثة مرضه عقد نيَّته على فتح بيت المقدس، ومما يُدلِّل على ذلك أن ابن أخيه المظفر تقي الدين عمر - وقد كان نائبه بمصر وقتئذٍ - لما علم أن عمَّه صلاح الدين جعل مصرَ لابنه العزيز عثمان مدعومًا بالعادل أبي بكر، سمَتْ هِمَّتُه إلى إقامة مملكة له في بلاد المغرب بعد أن مالت إليه عساكر مصر، وكان خادمه قَراقوش التقوي قد مهَّد له الأمور هناك، فلما انتهى إلى صلاح الدين ذلك، قال: "لعمري، إنَّ فتح المغرب مهمٌّ؛ لكنَّ فتح البيت المقدس أهمُّ، والفائدة به أتمُّ، والمصلحة منه أخصُّ وأعمُّ، وإذا توجَّه تقي الدين، واستصحب معه رجالنا المعروفة، ذهب العمر في اقتناء الرجال، وإذا فتحنا القدس والساحل، طوينا إلى تلك الممالك المراحل"، وكتب إليه يأمره بالقدوم عليه، فانصاع تقي الدين لأمر عمِّه، وأقطعه صلاح الدين حماة ومنبج والمعرة وميافارقين، ثم كتب إلى مصر باستدعاء رجاله، وإعلامهم بإبطال فتح المغرب، فامتثلوا الأمر [9] . وكان القاضي الفاضل قد كتَب لتقي الدين عمر يُشجِّعه على ترك أمر المغرب قائلًا: "يا مولانا، ما هذا الواقع الذي وقع ... وكيف نَعْدِل إلى حرب الإسلام المنهي عنها (يقصد بلاد المغرب الواقعة تحت إمرة الموحِّدين)، ونحن في المدعو إليها (يقصد بلاد الشام) من حزب أهل الحرب؟!" [10] . وفي سنة 582هـ - خاصة في رمضانها - أكثر صلاح الدين من العطاء والإنعام على العلماء والوعَّاظ والحُفَّاظ؛ فقد قال العماد: "وكان من كرم شيم السلطان إذا عرف في خزائنه موجودًا، أنه لا يستطيب تلك الليلة حتى يُفرِّقه جُودًا" [11] . وأخذ صلاح الدين أيضًا بعد مرضته الشهيرة تلك، يقضي أوقاته في أثناء إقامته بدمشق – ولأول مرة منذ سنة 571هـ - في الصيد والقنص بشاهينه البحري في تل راهط، وكان صيده من نصيب العماد الكاتب على اتفاق بينهما إلى أن مات هذا الشاهين [12] . فحقًّا، إنَّ هذا المرض كان نقطة التحوُّل في مسيرة صلاح الدين، فجعل تحرير بيت المقدس شغله الشاغل، وصدق القاضي الفاضل حين قال بعد بُرْء صلاح الدين من مرضه: نعيٌّ زاد فيه الدَّهرُ ميمًا ♦♦♦ فأصبح به بُؤساه نعيمَا [13] [1] ابن الجوزي؛ سيرة عمر بن عبدالعزيز، تحقيق: محب الدين الخطيب، مطبعة مجلة المؤيد، القاهرة، ص32-35؛ ابن واصل، التاريخ الصالحي، تحقيق: عمر عبدالسلام تدمري، المكتبة العصرية، بيروت، 2010م، جـ(1)، ص304. [2] أبو شامة؛ الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية، تحقيق: عمر الزِّيبق، مؤسسة الرسالة، بيروت، الجزء الثالث، ص235، 237. [3] ابن شَدَّاد؛ النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية، تحقيق: جمال الدين الشيال، مكتبة الخانجي، القاهرة، ص120. [4] الفتح البنداري؛ سنا البرق الشامي، تحقيق: فتحية النبراوي، مكتبة الخانجي، القاهرة، ص268. [5] سنا البرق، المصدر السابق. [6] سنا البرق، ص269. [7] ابن واصل؛ مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، تحقيق: جمال الدين الشيال، دار الكتب المصرية، الجزء الثاني، ص174-177. [8] الروضتين، الجزء الثاني، ص291-292. [9] سنا البرق، ص280-281. [10] الروضتين، ص258. [11] سنا البرق، ص287. [12] الروضتين، ص268. [13] الروضتين، ص242.
مقتطفات من سيرة الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
22-09-2018
28,344
https://www.alukah.net//culture/0/129490/%d9%85%d9%82%d8%aa%d8%b7%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%88%d9%8a-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
مقتطفات من سيرة الخليفة الأموي عمر بن عبدالعزيز رحمه الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد: فهذه مقتطفات من سيرة علم من أعلام هذه الأمة، وخليفة من خلفائها الأماجد، قال الذهبي رحمه الله : «الخليفة عمر بن عبدالعزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، الإمام الحافظ العلامة المجتهد الزاهد العابد السيد، أمير المؤمنين حقًّا، أبو حفص القرشي الأموي المدني ثم المصري، الخليفة الراشد، أشج بني أمية». قال أنس بن مالك: ما رأيت أحدًا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى. قال سعيد بن عفير: كان أسمر، رقيق الوجه، حسنه، نحيف الجسم، حسن اللحية، غائر العينين بجبهته أثر نفحة دابة، قد وخطه الشيب [1] . قال الإمام أحمد بن حنبل: لا أرى قول أحد من التابعين حجة إلا قول عمر بن عبدالعزيز، بويع له بالخلافة بعد ابن عمه سليمان ابن عبدالملك عن عهد منه له بذلك، ويقال مولده في سنة إحدى وستين، وهي السنة التي قُتل فيها الحسين بن علي بمصر، قاله غير واحد، وقال محمد بن سعد: ولد سنة ثلاث وستين. وأمه ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، وقد عد بعض أهل العلم عمر بن عبدالعزيز رحمه الله من مجددي هذا الدين، فروى أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا » [2] . قال ابن كثير رحمه الله: «فقال جماعة من أهل العلم -منهم أحمد ابن حنبل فيما ذكره ابن الجوزي وغيره: أن عمر بن عبدالعزيز كان على رأس المائة أولى، وإن كان هو أولى من دخل في ذلك، وأحق لإمامته وعموم ولايته واجتهاده وقيامه في تنفيذ الحق، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة عمر بن الخطاب، وكان كثيرًا ما يتشبه به» [3] . قال الزبير بن بكار، حدثني العتبي قال: إن أول ما استبين من عمر بن عبدالعزيز: حرصه على العلم، ورغبته في الأدب، قال: إن أباه ولي مصر وهو حديث السن، يُشك في بلوغه، فاراد إخراجه معه، فقال: يا أبه! أَوَ غير ذلك لعله يكون أنفع لي ولك؟ ترحلني إلى المدينة فأقعد إلى فقهاء أهلها، وأتأدب بآدابهم، فوجهه إلى المدينة، فقعد مع مشايخ قريش، وتجنب شبابهم، وما زال ذلك دأبه حتى اشتهر ذكره، فلما مات أبوه أخذه عمه أمير المؤمنين عبدالملك بن مروان فخلطه بولده، وقدمه على كثير منهم، وزوجه بابنته فاطمة، وهي التي يقول فيها الشاعر: بِنْتُ الخَلِيفَةِ وَالخَلِيفَةُ جَدُّهَا ♦♦♦ أُخْتُ الخَلَائِفِ وَالخلِيفَةُ زَوْجُهَا قال : ولا نعرف امرأة بهذه الصفة إلى يومنا هذا سواها، وقال ابن وهب: حدثني الليث عن أبي النضر المديني، قال: لقيت سليمان بن يسار خارجًا من عند عمر بن عبدالعزيز، فقلت له: من عند عمر خرجت؟ قال: نعم، قلت: تعلمونه؟ قال: نعم، فقلت: هو والله أعلمكم، وقال ميمون بن مهران: كانت العلماء عند عمر بن عبدالعزيز تلامذة. وقال عبد الله بن كثير: قلت لعمر بن عبدالعزيز: ما كان بدء إنابتك؟ قال: أردت ضرب غلام لي، فقال لي: اذكر ليلة صبيحتها يوم القيامة. وقد ظهرت عليه مخايل الورع، والدين، والتقشف، والصيانة، والنزاهة من أول حركة بدت منه، حيث أعرض عن ركوب مراكب الخلافة، وهي الخيول الحسان الجياد المعدة لها، والاجتزاء بمركوبه الذي كان يركبه، وأمر أن تُجعل أثمانها في بيت المال بعد بيعها، وأنشد يقول: فَلَوْلَا التُّقَى ثُمَّ النُّهَى خَشْيَةَ الرَّدَى لَعَاصَيْتُ فِي حُبِّ الصَّبَا كُلَّ زَاجِرِ قَضَى مَا قَضَى فِيَما مِضِى ثُمَّ لَا تُرَى لَهُ صَبْوَةٌ أُخْرَى اللَّيَاِلي الغَوَابِرِ «وقد رد جميع المظالم حتى إنه رد فص خاتم كان في يده، قال: أعطانيه الوليد من غير حقه، وخرج من جميع ما كان فيه من النعيم في الملبس والمأكل والمتاع، حتى أنه ترك التمتع بزوجته الحسناء فاطمة بنت عبدالملك، يقال: كانت من أحسن النساء، ويقال: إنه رد جهازها وما كان من أموالها إلى بيت المال، وقد كان دخله في كل سنة قبل أن يلي الخلافة أربعين ألف دينار، فترك ذلك كله حتى لم يبق له دخل سوى أربعمائة دينار في كل سنة، وكان حاصله في خلافته ثلاث مائة درهم. وكان قبل الخلافة يؤتى بالقميص الرفيع اللين جدًّا، فيقول: ما أحسنه لولا خشونة فيه، فلما ولي الخلافة كان بعد ذلك يلبس الغليظ المرقوع ولا يغسله حتى يتسخ جدًّا، ويقول: ما أحسنه لولا لينه، وكان سراجه على ثلاث قصبات في رأسهن طين. ولم يبن شيئًا في أيام خلافته، وكان يخدم نفسه بنفسه، وقال: ما تركت شيئًا من الدنيا إلا عوضني الله ما هو خير منه، وكان يأكل الغليظ من الطعام أيضًا ولا يُبالي بشيء من النعيم، ولا يُتبعه نفسه ولا يوده، حتى قال أبو سليمان الداراني: كان عمر بن عبدالعزيز أزهد من أويس القرني؛ لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟ ليس من جرب كمن لا يجرب. ولما بايعه الناس، واستقرت الخلافة باسمه، انقلب وهو مغتم مهموم، فقال له مولاه: ما لك هكذا مغتمًّا مهمومًا، وليس هذا بوقت هذا؟ فقال: ويحك وما لي لا أغتم وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلا وهو يطالبني بحقه أن أؤديه إليه، كتب إلي في ذلك أو لم يكتب، طلبه مني أو لم يطلب، ثم إنه خيَّر امرأته فاطمة بين أن تقيم معه على أنه لا فراغ له إليها، وبين أن تلحق بأهلها، فبكت وبكى جواريها لبكائها، فسمعت ضجة في داره، ثم اختارت مقامها معه على كل حال رحمها الله. ثم أخذ أموال جماعة من بني أمية فردها إلى بيت المال وسماها أموال المظالم، فاستشفعوا إليه بالناس، وتوسلوا إليه بعمته فاطمة بنت مروان، فلم ينجع فيه، ولم يرده عن الحق شيء، وقال لهم: والله لتدعني وإلا ذهبت إلى مكة فنزلت عن هذا الأمر لأحق الناس به. وقال إسماعيل بن عياش عن عمرو بن مهاجر، قال: لما استخلف عمر بن عبدالعزيز قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنه لا كتاب بعد القرآن، ولا نبي بعد محمد عليه الصلاة والسلام، وإني لست بقاض، ولكني منفذ، وإني لست بمبتدع، إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم، ألا إن الإمام الظالم هو العاصي، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وفي رواية: وإني لست بخير من أحد منكم، ولكني أثقلكم حملًا، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الله، ألا هل أسمعت؟ وقد اجتهد رحمه الله في مدة ولايته - مع قصرها - حتى رد المظالم، وصرف إلى كل ذي حق حقه، وكان مناديه في كل يوم ينادي: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى أغنى كلًّا من هؤلاء. قالت زوجته فاطمة: دخلت يومًا عليه وهو جالس في مصلاه واضعًا يده على خده ودموعه تسيل على خديه، فقلت: ما لك؟ فقال: ويحك يا فاطمة، إني قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، وذي العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربي عز وجل سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة عند خصومته، فرحمت نفسي، فبكيت. وقال مالك بن دينار رحمه الله : يقولون: مالك زاهد، أي زهد عندي، إنما الزاهد عمر بن عبدالعزيز، أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها، وقالوا: ولم يكن له سوى قميص واحد، فكان إذا غسلوه جلس في المنزل حتى ييبس، وقد وقف مرة على راهب فقال له: ويحك عظني، فقال له: عليك بقول الشاعر: تَجَرَّدْ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّكَ إِنَّمَا ♦♦♦ خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَرَّدُ قالوا : فكان يعجبه ويكرره، وعمل به حق العمل. قالوا : ودخل على امرأته يومًا فسألها أن تقرضه درهمًا أو فلوسًا يشتري له بها عنبًا، فلم يجد عندها شيئًا، قالت له: أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبًا؟ فقال: هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكال غداً في نار جهنم. وكان له سراج يكتب عليه حوائجه، وسراج لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين، لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا. قال مقاتل بن حيان: صليت وراء عمر بن عبدالعزيز فقرأ ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ ﴾ [الصافات:24]، فجعل يكررها وما يستطيع أن يجاوزها. وقالت امرأته فاطمة: ما رأيت أحدًا أكثر صلاة وصيامًا منه، ولا أحد أشد خوفًا من ربه منه، كان يصلي العشاء ثم يجلس يبكي حتى تغلبه عيناه، ثم ينتبه فلا يزال يبكي حتى تغلبه عيناه، قالت: ولقد كان يكون معي في الفراش فيذكر الشيء من أمر الآخرة فينتفض كما ينتفض العصفور في الماء، ويجلس يبكي، فأطرح عليه اللحاف رحمة له، وأنا أقول: يا ليت كان بيننا وبين الخلافة بعد المشرقين، فوالله ما رأينا سرورًا منذ دخلنا فيها. ومن أقواله العظيمة رحمه الله : اللهم أصلح من كان في صلاحه صلاح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأهلك من كان في هلاكه صلاح أمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقال: أفضل العبادة أداء الفرائض، واجتناب المحارم، وقال: لو أن المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى يحكم أمر نفسه لذهب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولقل الواعظون والساعون بالنصيحة. وقال أيضًا: لقد بورك لعبد في حاجة أكثر فيها من الدعاء أُعطي أو مُنع » [4] . قال الذهبي رحمه الله : «كان هذا الرجل حسن الخلق والخُلُق، كامل العقل، حسن السمت، جيد السياسة، حريصًا على العدل بكل ممكن، وافر العلم، فقيه النفس، ظاهر الذكاء والفهم، أواهًا منيبًا، قانتًا لله حنيفًا زاهدًا مع الخلافة، ناطقًا بالحق مع قلة المعين، وكثرة الأمراء الظلمة الذين ملوه وكرهوا محاققته لهم، ونقصه أُعطياتهم، وأخذه كثيرًا مما في أيديهم مما أخذوه بغير حق، فما زالوا به حتى سقوه السم، فحصلت له الشهادة والسعادة، وعُد عند أهل العلم من الخلفاء الراشدين، والعلماء العاملين» [5] . قال ابن كثير رحمه الله : «وسبب وفاته، قيل سببها السل، وقيل سببها أن مولى له سمه في طعام أو شراب، وأُعطي على ذلك ألف دينار، فحصل له بسبب ذلك مرض، فأُخبر أنه مسموم، فقال: لقد علمت يوم سقيت السم، ثم استدعى مولاه الذي سقاه، فقال له: ويحك، ما حملك على ما صنعت؟ فقال: ألف دينار أعطيتها، فقال: هاتها، فأحضرها فوضعها في بيت المال، ثم قال له: اذهب حيث لا يراك أحد فتهلك». ثم قيل لعمر: تدارك نفسك، فقال: والله لو أن شفائي أن أمسح شحمة أذني، أو أُوتى بطيب فأشمه ما فعلت، فقيل له: هؤلاء بنوك - وكانوا اثني عشر - ألا توصي لهم بشيء؛ فإنهم فقراء؟ فقال: ﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ﴾ [ الأعراف:196 ]، والله لا أعطيهم حق أحدٍ، وهم بين رجُلين؛ إما صالح، فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فما كنت لأعينه على فسقه - وفي رواية: فلا أبالي في أي واد هلك، وفي رواية: أفأدع له ما يستعين به على معصية  الله، فأكون شريكه فيما يعمل بعد الموت؟ ما كنت لأفعل - ثم استدعى بأولاده فودَّعهم وعزاهم بهذا، وأوصاهم بهذا الكلام، ثم قال: انصرفوا عصمكم الله، وأحسن الخلافة عليكم. قال: فلقد رأينا بعض أولاد عمر بن عبدالعزيز يحمل على ثمانين فرسًا في سبيل الله، وكان بعض أولاد سليمان ابن عبدالملك - مع كثرة ما ترك لهم من الأموال - يتعاطى ويسأل من أولاد عمر بن عبدالعزيز؛ لأن عمر وكل ولده إلى الله عز وجل، وسليمان وغيره إنما يكلون أولادهم إلى ما يدعون لهم من الأموال الفانية، فيضيعون وتذهب أموالهم في شهوات أولادهم. ولما احتضر قال: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: إلهي، أنا الذي أمرتني فقصرت، ونهيتني فعصيت - ثلاثًا - ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدَّ النظر، فقالوا: إنك لتنظر نظرًا شديدًا يا أمير المؤمنين، فقال: إني لأرى حضرة ما هم بإنس ولا جان، ثم قُبض من ساعته، وفي رواية أنه قال لأهله: اخرجوا عني، فخرجوا وجلس على الباب مسْلَمةُ بن عبدالملك، وأخته فاطمة، فسمعوه يقول: مرحبًا بهذه الوجوه التي ليست بوجوه إنس ولا جان، ثم قرأ: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ القصص:83 ]، ثم هدأ الصوت، فدخلوا عليه فوجدوه قد غمِّض، وسوِّي إلى القبلة، وقُبض » [6] . وكانت وفاته سنة إحدى ومئة، بدير سمعان من قرى حمص في الشام، وكانت مدة مرضه عشرين يومًا. وكانت مدة خلافته سنتين وخمسة أشهر وأربعة أيام، وكان عمره حينذاك تسعًا وثلاثين سنة ونصفًا » [7] . رحم الله عمر بن عبدالعزيز، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وجمعنا به في دار كرامته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا. والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. [1] سير أعلام النبلاء (5/ 114 - 115). [2] برقم 4291، وصححه السخاوي في المقاصد الحسنة 149، والألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة برقم 599. [3] البداية والنهاية (12/ 709). [4] البداية والنهاية (12/ 686 - 714) باختصار. [5] سير أعلام النبلاء (5/ 120). [6] البداية والنهاية (12/ 714 - 716). [7] انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي رحمه الله (5/ 114 - 148)؛ والبداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (12/ 676 - 720).
بالهمة وصل إلى القمة: الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه وطلبه للعلم (PDF)
د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان
20-09-2018
9,369
https://www.alukah.net//culture/0/129469/%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%b5%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d9%8a-%d8%b9%d9%82%d8%a8%d8%a9-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%b1-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87-%d9%88%d8%b7%d9%84%d8%a8%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-PDF/
عنوان الكتاب: بالهمة وصل إلى القمة: الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه وطلبه للعلم. المؤلف: د. إبراهيم بن فهد بن إبراهيم الودعان. عدد الصفحات: 27. بالهمة وصل إلى القمة: الصحابي عقبة بن عامر رضي الله عنه وطلبه للعلم بُدِئ هذا الكتاب بمقدمة ذكَر فيها الكاتب سببَ التأليف، ومنهجه في الكتاب، ونبذة مختصرة عن الصحابي عقبة بن عامر، مع ذكر الحديث والفوائد المستنبطة منه، ثم الخاتمة، ثم فهرس الموضوعات.
سلوا الله العفو والعافية
د. كامل شاشيط
20-09-2018
65,160
https://www.alukah.net//culture/0/129480/%d8%b3%d9%84%d9%88%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%81%d9%88-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%81%d9%8a%d8%a9/
سلوا الله العفو والعافية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله العفو والعافية، فما أوتي أحد بعد يقين خيراً من معافاة [1] ) رواه أبو هريرة رضي الله تعالى عنه. حديث فيه من جوامع الكلم ما فيه، فقد أوصانا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله تعالى ما فيه صحة النفس والجسم معاً، ودوام نعمتها دائماً، وسبيل ذلك أن نسأل الله إزالة الآثام بالعفو، والأسقام بالعافية، ودوامهما بالمعافاة، ونرى من الحديث الشريف أن ليس شيء بعد اليقين خيراً من معافاة، واليقين ثمرة الإيمان، طمأنينة في القلب وراحة في الضمير، ورأس الإيمان في الإسلام، الإيمان بالله وكتبه ورسله واليوم الآخر وما فيه من الحساب والجنة والنار، فإذا أكرم الله إنساناً باليقين ثم زوده بالمعافاة فقد حيزت له سلامة الدنيا والآخرة. ونرى أحاديث كثيرة وردت عن رسول الله في طلب العافية فعن ابن عباس رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما أسأل الله بعد الصلوات الخمس؟ فقال:(سل الله العافية) فأعاد عليه، فقال له في الثالثة: (سل الله العافية في الدنيا والآخرة). وعند الترمذي مرفوعاً: (ما سئل الله شيئاً أحب إليه من العافية).. والعافية: كلمة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان، يسأل الله عنها العبد يوم القيامة، ﴿ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴾ [التكاثر: 8]، فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصِحَّ لك جسمك ونروك من الماء البارد)؟ وقد بنيت العقائد والتكاليف الشرعية على أساس العقل وصحة البدن، فالجنون مثلاً [الذي هو انحراف في صحة المجموع العصبي] يرفع عن صاحبه كل التكاليف، والعمى والصم والبكم والعرج، كلها آفات مرضية في الأعصاب والحواس والأعضاء البدنية، تعوق دون القيام ببعض الواجبات كالعمل وطلب العلم وتعليمه للناس وحضور الجمع والجماعات وما إلى ذلك، ولذا خفف الشارع عن هؤلاء النفر من الناس ما لا قدرة لهم عليه: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]. وإن رسول الله انتصر بعمر لعزيمته وشكيمته وصحة عقله وبدنه، فهو القوي الأمين [كما قال في شأنه علي بن أبي طالب لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما؛ إذ كان عمر يتفقد إبل الصدقة في الظهيرة تحت الشمس المحرقة وهما في ظل يكتبون أعدادها وأفرادها]. والصحة كما ترى أيها القارئ، الركن الأساسي في الحياة الفردية والاجتماعية، وبفقدها يضطرب النظام العائلي ويخيم البؤس والشقاء ويعدم المجتمع نصرة الضعيف في عقله وبدنه. ولولا العافية في معنييها الروحي والمادي لما وجدت الأديان وأرسلت الرسل وأنـزلت الكتب، ولما سخر الله الكائنات لخدمة الإنسان السامي؛ فما هي إلا عون على كماله وتمامه: الحيوان والنبات والماء والأرض، لطعامه وشرابه ومسكنه وملبسه ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [لقمان: 20] والزوجة الصالحة التي خلقها الله له من نفسه ليسكن إليها ولتكون معينة له على أداء حق الله من الطاعة، وشريكته في هنائه وشقائه هو في نفس الحال معيلها ومعينها شريكها ومؤنسها وهلم جرا ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18] فما في هذه الحياة خير إلا وقد جعل الله للمؤمن نصيباً منه، حتى إذا ما اكتملت إنسانيته بالعفو والعافية والمعافاة الدائمة قامت بواجب الشكر، وحمدت منعم النعمة، ورجت ما وراء ذلك من الفضل الإلهي الذي لا ينتهي أمده. أيها الآدمي إنك مسؤول عن النعيم، فهل عرفت عم تسأل فعرفت واجبك وأديت الأمانة، وبلغت الرسالة، وفهمت الغاية التي أوجدت من أجلها؟ ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. إنه يرجى منك أن تكون مسلماً يتطلع إلى وحي السماوات، فلا تكن شيطاناً سفلياً يستوحي الترهات. الكل مسخر لك، فهل سخرت نفسك لربك؟ إنه أمرك بكل ما فيه خيرك وسعادتك فهل امتثلت؟ نحن في رمضان نقبل على شهر جديد، شهر شوال الذي نستهله بالعيد، فكأني أنظر إلى أيامه فأرى كيف تنقلب فيها الأرض غير الأرض، الصائم المصلي المحتسب المحتبس في رمضان ينقلب شر انقلاب، وينقم شر نقمة على الطاعات، مسلم رمضان يمسك عن الحلال في رمضان ليستحل الحرام في غير رمضان!! لقد ذكرت في الجزء السابق شيئاً عن الصيام وقلت إنه دواء لأكثر أمراضنا الجسمية والروحية من نفسية وخلقية واجتماعية، وكلنا لمس الفوائد المحسوسة، وقد سمعت من طبيب جراح في ردهة المستشفى العربي في دمشق أن الإصابات والجراحات تقل نسبتها في رمضان، فرمضان مدرسة أخلاقية، وسجن للشقاوة، وحد للعقوبات، فهلّا نرى في غير رمضان ما نراه في رمضان؟ هذا شيء جميل وقول حق يعلنه جراح مدقق مسلم بنتيجة مشاهدته وإحصائه، وشهادتي أن الأمراض جملة تنقص نقصاً شديداً في هذا الشهر الذي يعنى فيه كل صائم بصيانة صحته بهذا الدواء الواقي اللطيف، بالإقلال من الطعام والشراب، وحفظ الجوارح والمجموع العصبي، وهو قول وليد التجربة أيضاً، حتى إني إذا قلت إن الأطباء يشكون مثلي الإفلاس في رمضان لما غاليت، وإذا قلت إن باعة المسكرات يموتون جزعاً وقهراً.. لما باليت، وإذا قلت إن دور الفحش تكاد تخلو من قرناء السوء وتهجر من طالبيها لما كذبت، فلم لا نجعل أيامنا رمضان ونكون في كل شهر مسلمين حقاً؟ أيها الشاب المسلم المتدين في رمضان، قد عوفيت من أكثر أمراضك فلا تكفر وتجحد وترجع إلى المرض الذي تداويت من أجله، لا تشرب الخمر، لا تسرق لا تزن، لا تقامر، لا تقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق. أيها الناس! إن دماءكم عليكم حرام إلا بحق، وإن أعراضكم عليكم حرام إلا بعقد. أيها الغافل إن درهمك الذي تصرفه على سكرك ضياع لأمتك ووأد لشبابك، إنك تجر لنفسك الداء العضال، فما السل ولا الفالج ولا التشمع الكبدي والتشحم القلبي إلا رفاق نشوتك إذ تحسو كأسك، ووسطاء رمسك، إذ توهن بدنك، وتخسر عافيتك، إن القطرة الأولى تتجرعها ولا تكاد تسيغها حتى تغرقك في بحر لجي من الخمر: وكأس شربت على لذة ♦♦♦ وأخرى تداويت منها بها وكأني أنظر إلى أبواب السجون والبيمارستانات تنفتح أمام عينيك لتستقبلك مجرماً ومجنوناً، إن العالم الواسع ليضيق ذرعاً بأبنائك المتشردين المساكين، أنت في أقبية السجن ولكنهم هم بلا قِباء ولا رداء، أفلا ترحم؟ إن الخسارة الفادحة ليست في ثروتك فحسب، بل وفي ثروة الأمة التي تحتضنك، والضعف المبيد ليس في جسمك النحيل، بل وفي مجتمعك الذي يتهدم من خورك. لقد أحصي في فرنسا ما كان يصرف قبل الحرب على الخمور فوجد أن ملياراً وأربعمائة مليون من الفرنكات تقدم قرباناً لطاعون الأخلاق اللعين! فلا يستهوينك أيها المسلم الغرب بفجوره وخموره، فإن عقلاءه يندمون ولات ساعة مندم ويستصرخون المروءة الذابلة فلا من مجيب. لقد خمرت أيها المحتسي وخامرك السوء، فلم يعد في مقدورك كبح شهوانيتك، أفترى أنك تسير لغير الماخور، لقد أغضبت الفضيلة، وسعيت إلى هتك أعراض المساكين الذين زين لهم فجورك أعمالهم فضلهم عن السبيل. إن اللاتي تواقعهن أسرى نشوتك وقتلى نخوتك، لا ولد بعدهن يعيل هرمهن، ولا ابنة تبكي عجزهن، هن وعاء بنيك وذراريك فلا تلوثه، وعرض أخيك وابن أخيك فلا تدنسه. لقد أزّت الأرض وحق لها أن تئز وما عليها إلا زفرة، وغصت الأرض وحق لها أن تغص وما عليها إلا عبرة! أيها الزاني، إنك لا تزني وأنت مؤمن فهل أنت موقن؟ ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 5] فكن مؤمناً؛ إن الأدواء الزهرية تنتظرك لتصافحك وتؤاخيك وأنت خارج من الماخور، وتقسم لك أنها لن تخرج من أصلابك من يؤمن بالله، واليوم [حرقة البول وما تسببه من العقامة] وإذا حنثت أخرجت مليصاً [2] Mort-ne أو خديجاً [3] Premature أو محثولاً Dystrophie [4] أتدري ما صنعت أيها الزاني؟ إنك تحث الخطى إلى هوة الفناء، فإن مجموع من يموتون من الأدواء الزهرية مع عقابيلها يقدرون بنحو 30% من مجموع الموتى. وإن الأبناء الوارثين للداء الإفرنجي يموتون بمعدل 86%، وقد ثبت بالإحصاء أن الحوامل المصابات بالإفرنجي لا يلدن أولاداً أصحاء أكثر من 14% وأنه سيموت من بينهم 72% قبل بلوغ الشهر السادس!! فانظر وقاك الله إلى فداحة المصاب، وارحم أبناءك المساكين الذين يئنون مما تغنيت به فأخرجتهم ورثة لأحزان وطعمة الأكفان، فلا الزئبق ولا الإيود ولا اليزموت ولا الأرسنيق توقف آفاتهم، وإذ أوقفتها ظاهراً فلن تشفيها حقيقة، ولن تخلصهم أبداً من ويلاتهم! وكذا أقول في كافة المخدرات فإنها تنقص صرح الإنسانية الشامخ وتدعوه للتدهور والانحطاط، وما قيل فيها يقال بما يدعو إليها، ويكون في طبع الإنسان ملازماً لها، كلعب القمار! غداً العيد فكن سعيداً فيه، واصل جهادك أيها المسلم، لا تبذر، لا تتعد على حرمة أخيك، ادخر من مالك ولو شيئاً يسيراً لنصرة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها... لقد استكلب الأذلاء فاستأسِد، لقد أسمعوك العواء فاصدق اللقاء، إن الله لم يصح لك بدنك لتقاتل أخاك المسلم... ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249]. أيها المسلم في مشارق الأرض ومغاربها سواء أكنت في القفار أم وراء البحار! اعلم أن الله محيط بك وأنه أقرب إليك من حبل الوريد، فراقب نفسك مراقبته لك، وحاسبها قبل وقوفك بين يدي يديه، واخرج إلى العالم بعافيتك في بدنك ونفسك ويقينك قوياً جلداً مؤمناً، وأضرمها في جنبات الأرض عودةً مسلمة يفرق منها الباطل كما فعل آباؤك ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55] و﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. [5] [1] العفو: ترك العقاب عن الذنب. العافية: الصحة التامة وهي دفاع الله عن العبد بمحو الأسقام عنه. المعافاة: محو الأسقام، ودفع كل سوء. اليقين: العلم وزوال الشك. [2] المليص من يلد ميتاً في أشهر الحمل الأولى. [3] الخديج: بوزن قتيل وهو السقط الذي يلقى قبل تمام الأيام وإن كان تام الخلقة. [4] المحثول: الردئي البنية. [5] المصدر: مجلة التمدن الإسلامي، السنة الرابعة، العدد الثامن، 1357هـ - 1358هـ - 1938م.
علماء اهتدوا إلى عقيدة السلف الصالح
يزن الغانم
18-09-2018
60,060
https://www.alukah.net//culture/0/129427/%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%87%d8%aa%d8%af%d9%88%d8%a7-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%b9%d9%82%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad/
علماء اهتدوا إلى عقيدة السلف الصالح المقدمة: بسم الله، والصلاة والسلام على خير خلق الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه. أما بعدُ: فهذه نماذج من العلماء الذين اشتغلوا بعلم الكلام، وضلُّوا عن سبيل الأئمة الأعلام والسلف الصالح الكرام، فهداهم الله لسبيل المؤمنين، وهؤلاء العلماء منهم مَن كان جهميًّا، ومنهم من كان معتزليًّا، ومنهم من كان صُوفيًّا، ومنهم من كان أشعريًّا إلى غير ذلك، ﺑﻌﺪ ﺣﻴﺎﺓ ﻣﻠﺆﻫﺎ الحيرة ﻭﺍﻟﺸﻚ ﻭﺍﻟﺘﺨﺒُّﻂ، ﺑﻌﺪ ﺗﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻭﺟﺪﻭﻩ ﺳﺮﺍﺑًﺎ ﻛﺎﺫﺑًﺎ، ﻭﺑﻬﺮﺟًﺎ ﺧﺎﺩﻋًﺎ. وهذه نمادج فيها عبرة للمعتبرين وموعظة للحاضرين، منهم أقدمون ومنهم معاصرون، وإن لم يستطع البعض منهم أن يرجع إلى طريق السلف، ويتخلَّص من كل ما علِق في ذهنه وقلبه من الضلال، ففي الجملة رجعوا وندِموا على سلوكهم طريقَ الكلام والمتكلِّمين. وهذه عِظةٌ لمن يسلك طريق المتكلمين في زماننا، ألا يدخلوا في هذا الباب، وأن يعلموا أنهم لن يبلغوا ما بلغوا، ولو بلغوا لكان الندم والرجوع، فمن الآن يا أُولي الألباب. وقد جاءت هذه السلسلة في عددها وروعتها كالبدر ليلة الست بعد ثمانٍ، فالحمدلله. • الإمام ﺃﺑﻮ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺍﻟﻜﺮﺍﺑﻴﺴﻲ ‏(ﺕ ٢١٤ ﻫـ‏): ﺍﻟﺬﻱ ﻗﺎﻝ ﻓﻴﻪ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻦ ﺍﻷﺷﻌﺚ: "ﻛﺎﻥ ﺃﻋﺮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻟﻜﻼﻡ ﺑﻌﺪ ﺣﻔﺺ ﺍﻟﻔﺮﺩ، ﺍﻟﻜﺮﺍﺑﻴﺴﻲ‏"؛ ﺷﺮﻑ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻟﻠﺒﻐﺪﺍﺩﻱ (ﺹ ٥٩‏). ﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺒﻨﻴﻪ ﻟَﻤَّﺎ ﺣﻀﺮﺗﻪ ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ: "ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ ﺃﺣﺪًﺍ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻜﻼﻡ ﻣﻨﻲ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻻ، ﻗﺎﻝ: ﻓﺘﺘﻬﻤﻮﻧﻲ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻻ، ﻗﺎﻝ: فإني ﺃُﻭﺻﻴﻜﻢ، ﺃﺗﻘﺒﻠﻮﻥ؟ ﻗﺎﻟﻮﺍ: ﻧﻌﻢ، ﻗﺎﻝ: ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻤﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ؛ ﻓﺈﻧﻲ ﺭﺃﻳﺖ ﺍﻟﺤﻖ معهم"؛ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ‏ ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ ‏(٥٤٨/١٠)، ﻭﻓﻲ ﺷﺮﻑ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ‏ ‏(ﺹ ٥٦‏). • ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻧﻌﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺩ ‏(ت ٢٢٩ ﻫـ‏): ﻗﺎﻝ ﻧﻌﻴﻢ ﺑﻦ ﺣﻤﺎﺩ: ‏"ﺃﻧﺎ ﻛﻨﺖ ﺟﻬﻤﻴًّﺎ؛ ﻓﻠﺬﻟﻚ ﻋﺮَﻓﺖ ﻛﻼﻣﻬﻢ، ﻓﻠﻤﺎ ﻃﻠﺒﺖ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻋﺮَﻓﺖ ﺃﻥ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻳﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﻄﻴﻞ"؛ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ ‏ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ ‏(٥٩٧/١٠)،‏ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ‏‏(ﺹ ٤٢٦). • الإمام أبو الحسن الأشعري (ﺕ ٣٢٤ ﻫـ ‏): قال في كتابه "الإبانة" الذي هو آخر مؤلفاته: "ﻗﻮﻟﻨﺎ اﻟﺬﻱ ﻧﻘﻮﻝ ﺑﻪ، ﻭﺩﻳﺎﻧﺘﻨﺎ اﻟﺘﻲ ﻧﺪﻳﻦ ﺑﻬﺎ، اﻟﺘﻤﺴُّﻚ ﺑﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﺭﺑﻨﺎ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ، ﻭﺑﺴُﻨَّﺔ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﻣﺎ ﺭﻭي ﻋﻦ اﻟﺴﺎﺩﺓ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭاﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺃﺋﻤﺔ اﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﻧﺤﻦ ﺑﺬﻟﻚ ﻣﻌﺘﺼﻤﻮﻥ، ﻭﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻪ ﺃﺑﻮ ﻋﺒﺪاﻟﻠﻪ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ - ﻧﻀَّﺮ اﻟﻠﻪ ﻭﺟﻬﻪ ﻭﺭﻓﻊ ﺩﺭﺟﺘﻪ ﻭﺃﺟﺰﻝ ﻣﺜﻮﺑﺘﻪ - ﻗﺎﺋﻠﻮﻥ، ﻭﻟﻤﺎ ﺧﺎﻟَﻒَ ﻗﻮﻟَﻪ ﻣﺨﺎﻟﻔﻮﻥ؛ ﻷﻧﻪ اﻹﻣﺎﻡ اﻟﻔﺎﺿﻞ، ﻭاﻟﺮﺋﻴﺲ اﻟﻜﺎﻣﻞ اﻟﺬﻱ ﺃﺑﺎﻥ اﻟﻠﻪ ﺑﻪ اﻟﺤﻖَّ، ﻭﺩﻓﻊ ﺑﻪ اﻟﻀﻼﻝ، ﻭﺃﻭﺿﺢ ﺑﻪ اﻟﻤﻨﻬﺎﺝ، ﻭﻗﻤﻊ ﺑﻪ ﺑﺪﻉ اﻟﻤﺒﺘﺪﻋﻴﻦ، ﻭﺯيغَ اﻟﺰاﺋﻐﻴﻦ، ﻭﺷﻚَّ اﻟﺸﺎﻛِّﻴﻦ، ﻓﺮﺣﻤﺔ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺇﻣﺎﻡ ﻣﻘﺪﻡ، ﻭﺟﻠﻴﻞ ﻣُﻌﻈَّﻢ، ﻭﻛﺒﻴﺮ ﻣﻔﻬﻢ"؛ الإبانة عن أصول الديانة (ص، ٢١،٢٠). • ﺇﻣﺎﻡ ﺍﻟﺤﺮﻣﻴﻦ ﺍﻟﺠﻮﻳﻨﻲ ‏(ﺕ ٤٧٨ ﻫـ‏): • ﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ تعالى: ‏"ﻗﺮﺃﺕ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻔًﺎ ﻓﻲ ﺧﻤﺴﻴﻦ ﺃﻟﻔًﺎ، ﺛﻢ ﺧﻠﻴﺖ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺈﺳﻼﻣﻬﻢ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻋﻠﻮﻣﻬﻢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ، ﻭﺭﻛﺒﺖ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻟﺨِﻀَﻢَّ، ﻭﻏُﺼﺖُ ﻓﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻬﻰ ﺃﻫﻞ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻃﻠﺐ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻛﻨﺖ ﺃﻫﺮﺏ ﻓﻲ ﺳﺎﻟﻒ ﺍﻟﺪﻫﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ، ﻭﺍﻵﻥ ﻓﻘﺪ ﺭﺟﻌﺖ ﺇﻟﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻟﺤﻖ، ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺰ، ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﻳُﺪﺭﻛﻨﻲ ﺍﻟﺤﻖُّ ﺑﻠﻄﻴﻒ ﺑﺮِّﻩ، ﻓﺄﻣﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ‏[ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ‏]، ﻭﻳﺨﺘﻢ ﻋﺎﻗﺒﺔ ﺃﻣﺮﻱ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻛﻠﻤﺔ ﺍﻹﺧﻼﺹ: ﻻ إﻟﻪ إﻻ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﺎﻟﻮﻳﻞ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﺠﻮﻳﻨﻲ"؛ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ ‏ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ ‏(٤٧١/١٨‏)، ﻭﺍﺑﻦ ﺍﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ﺗﻠﺒﻴﺲ ﺇﺑﻠﻴﺲ ‏(١٥٥‏). وﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ تعالى:‏ "ﻟﻮ ﺍﺳﺘﻘﺒﻠﺖُ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻱ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺪﺑﺮﺕُ، ﻣﺎ ﺍﺷﺘﻐﻠﺖ ﺑﺎﻟﻜﻼﻡ"؛ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ، ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ ‏(٤٧٣/١٨‏)، ﻭﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ، ﺻﻮﻥ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ ﻋﻦ ﻓﻦ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﺍﻟﻜﻼﻡ، ‏(ﺹ ١٨٠‏). ﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ: "ﻳﺎ ﺃﺻﺤﺎﺑﻨﺎ، ﻻ ﺗَﺸﺘﻐﻠﻮﺍ ﺑﺎﻟﻜﻼﻡ، ﻓﻠﻮ ﻋﺮَﻓﺖ ﺃﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﺒﻠﻎ ﺑﻲ ﻣﺎ ﺑﻠﻎ، ﻣﺎ ﺍﺷﺘﻐﻠﺖ ﺑﻪ"؛ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ، ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ ‏(٤٧٤/١٨‏)، ﻭﺍﺑﻦ أﺑﻲ ﺍﻟﻌﺰ ﺍﻟﺤﻨﻔﻲ ﻓﻲ‏ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻄﺤﺎﻭﻳﺔ ‏(ﺹ ٢٠٩‏). وﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ تعالى ﻓﻲ ﻣﺮﺽ ﻣﻮﺗﻪ: "ﺍﺷﻬﺪﻭﺍ ﻋﻠﻲَّ ﺃﻧﻲ ﻗﺪ ﺭﺟﻌﺖ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻣﻘﺎﻟﺔ ﺗُﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺃﻧﻲ أﻣﻮﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻤﻮﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺠﺎﺋﺰ ﻧﻴﺴﺎﺑﻮﺭ"؛ ﺍﻟﺬﻫﺒﻲ، ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ ﺍﻟﻨﺒﻼﺀ ‏(٤٧٤/١٨‏)، ﻭﺍﻧﻈﺮ: ﻃﺒﻘﺎﺕ ﺍﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ‏(١٩١/٥‏) ﻟﻠﺴﺒﻜﻲ. • الإمام ﺃﺑﻮ ﺣﺎﻣﺪ ﺍﻟﻐﺰﺍﻟﻲ ‏(ﺕ ٥٠٥ ﻫـ‏): ﺭﺟﻊ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ، ﻭﺃﻛﺐَّ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺫﻡ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺃﻫﻠﻪ، ﻭﺃﻭﺻﻰ ﺍﻷﻣَّﺔ ﺑﺎﻟﺮﺟﻮﻉ ﺇﻟﻰ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻭﺍﻟﻌﻤﻞ ﺑﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ، ﻭﻣَﻦ ﺗﺒِﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥٍ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ؛ ﻗﺎﻝ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ: "... ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺭﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ، ﻭﺻﻨَّﻒ ﺇﻟﺠﺎﻡ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ِّﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜﻼﻡ"؛ ﻣﺠﻤﻮﻉ ﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻯ (٧/٤). ﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ تعالى: "ﺇﻥ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺭﺿﻮﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻣﺤﺘﺎﺟﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﻣﺤﺎﺟَّﺔ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﻓﻲ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻧﺒﻮﺓ ﻣﺤﻤﺪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻤﺎ ﺯﺍﺩﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺃﺩﻟَّﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺷﻴﺌًﺎ، ﻭﻣﺎ ﺭﻛﺒﻮﺍ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﻠﺠﺎﺝ ﻓﻲ ﻭﺿﻊ ﺍﻟﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ، ﻭﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﻤﻘﺪِّﻣﺎﺕ، ﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﻟﻌﻠﻤﻬﻢ ﺑﺄﻥ ﺫﻟﻚ ﻣﺜﺎﺭ ﺍﻟﻔﺘﻦ، ﻭﻣﻨﺒﻊ ﺍﻟﺘﺸﻮﻳﺶ، ﻭﻣَﻦْ ﻻ ﻳﻘﻨﻌﻪ ﺃﺩﻟَّﺔ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻻ ﻳﻘﻤﻌﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﺴﻴﻒ ﻭﺍﻟﺴﻨﺎﻥ، ﻓﻤﺎ ﺑﻌﺪ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻴﺎﻥ"؛ ‏ﺇﻟﺠﺎﻡ ﺍﻟﻌﻮﺍﻡ ِّﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜﻼﻡ ‏(ﺹ ٩٠،٨٩). • ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻓﺨﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺮﺍﺯﻱ‏ (ﺕ ٦٠٦ ﻫـ‏): ﻗﺎﻝ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ تعالى ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﻋﻤﺮﻩ: "ﻟﻘﺪ ﺗﺄﻣَّﻠﺖ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﺍﻟﻜﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ، ﻓﻤﺎ ﺭﺃﻳﺘُﻬﺎ ﺗُﺸﻔﻲ عليلًا، ﻭﻻ ﺗﺮﻭﻱ غليلًا، ﻭﺭﺃﻳﺖُ أﻗﺮﺏ ﺍﻟﻄﺮﻕ ﻃﺮﻳﻖ القرآن، أقرأ ﻓﻲ ﺍﻹﺛﺒﺎﺕ: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ ﴾ [فاطر: 10]، ﻭأﻗﺮﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻔﻲ: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، ﻭﻣﻦ ﺟﺮﺏ ﻣﺜﻞ ﺗﺠﺮﺑﺘﻲ ﻋﺮَﻑ ﻣﺜﻞ ﻣﻌﺮﻓﺘﻲ"؛ ﺳﻴﺮ ﺃﻋﻼﻡ اﻟﻨﺒﻼء للذهبي (٥٠٠،٥٠١/٢١). ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ (‏٦٨/٧)، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻊ ﻏﺰﺍﺭﺓ ﻋﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﻓﻦ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻳﻘﻮﻝ: ﻣﻦ ﻟﺰﻡ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻌﺠﺎﺋﺰ ﻛﺎﻥ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﺎﺋﺰ، ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮﺕ ﻭﺻﻴﺘﻪ ﻋﻨﺪ ﻣﻮﺗﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﺭﺟﻊ ﻋﻦ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺴﻠﻒ، ﻭﺗﺴﻠﻴﻢ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺍﻟﻼﺋﻖ ﺑﺠﻼﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ. ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺼﻼﺡ: ﺃﺧﺒﺮﻧﻲ ﺍﻟﻘﻄﺐ ﺍﻟﻄﻮﻋﺎﻧﻲ ﻣﺮﺗﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﻤِﻊَ ﻓﺨﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﺮَّﺍﺯﻱ ﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻟﻢ ﺃﺷﺘﻐﻞ ﺑﻌﻠﻢ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻭﺑﻜﻰ؛ ﺍﻧﺘﻬﻰ؛ ﺷﺬﺭﺍﺕ ﺍﻟﺬﻫﺐ (٤١/٧). وقال في نهاية كتابه أقسام الذات: (ص، ٢٦٢) نهايةُ إقدام العُقول عِقال ﻭﺃﻛﺜﺮُ ﺳﻌﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺿﻼﻝُ ﻭﺃﺭﻭﺍﺣﻨﺎ ﻓﻲ ﻭَﺣﺸﺔٍ ﻣﻦ ﺟﺴﻮﻣﻨﺎ ﻭﺣﺎﺻﻞُ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ أذًى ﻭﻭﺑﺎﻝُ ﻭﻟﻢ ﻧﺴﺘﻔِﺪ ﻣﻦ ﺑﺤﺜﻨﺎ ﻃﻮﻝَ ﻋُﻤﺮﻧﺎ ﺳﻮﻯ ﺃﻥ ﺟﻤَﻌﻨﺎ ﻓﻴﻪ ﻗﻴﻞَ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ • الإمام ابن القيم (ت ٧٥١ ‏ﻫـ‏): أﺑﻴﺎﺕ في ﺗﻮﺑﺔ ﺍﺑﻦ القيم ﺑﻌﺪ ﺍﺗﺼﺎﻟﻪ ﺑﺎﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ، من نونيته الشافية الكافية للانتصار للفرقة الناجية. ‏ • ﻗﺎﻟﻬﺎ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺭﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺷﺎﻋﺮﺓ ﻭﺍﻟﻨُّﻔﺎة والجهمية والمعطِّلة ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻮﻧﻴﺔ، ﻭﺑﻴَّﻦ ﺿﺮﺭﻫﻢ ﻋﻠﻰﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻓﺒﻴَّﻦ ﺃﻧﻪ تأثَّر ﻓﻴﻤﺎ ﻭﻗﻌﻮﺍ ﻓﻴﻪ، ﺣﺘﻰ ﺃﺗﺎﺡ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺃﺯﺍﻝ ﻋﻨﻪ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻭﻫﺎﻡ، ﻭﺃﺧﺬ ﺑﻴﺪﻩ ﺇﻟﻰ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺴﻼﻣﺔ، ﻭﻫﻮ شيخ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ رحمه الله تعالى‏. ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ تعالى: ﻳﺎ ﻗﻮﻡ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻧﺼﻴﺤﺔ ﻣِﻦ ﻣُﺸﻔﻖ ﻭﺃﺥ ﻟﻜﻢ ﻣِﻌﻮﺍﻥ ﺟﺮَّﺑﺖ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻭﻭﻗَﻌﺖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸِّﺒﺎﻙ ﻭﻛﻨﺖُ ﺫﺍ ﻃﻴﺮﺍﻥ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﺎﺡ ﻟﻲ ﺍﻹﻟﻪ ﺑﻔﻀﻠﻪ ﻣﻦ ﻟﻴﺲ ﺗَﺠﺰﻳﻪ ﻳﺪﻱ ﻭﻟﺴﺎﻧﻲ ﺣﺒﺮٌ ﺃﺗﻰ ﻣﻦ ﺃﺭﺽ ﺣﺮَّﺍﻥ ﻓﻴﺎ ﺃهلًا ﺑﻤﻦ ﺟﺎﺀ ﻣِﻦ ﺣﺮَّﺍﻥ ﻓﺎﻟﻠﻪ ﻳَﺠﺰﻳﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺃﻫﻠُﻪ ﻣِﻦ ﺟﻨﺔ ﺍﻟﻤﺄﻭﻯ ﻣﻊ ﺍﻟﺮِّﺿﻮﺍﻥِ ﺃﺧﺬﺕْ ﻳﺪﺍﻩ ﻳﺪﻱ ﻭﺳﺎﺭ ﻓﻠﻢ ﻳﺮﻡ ﺣﺘﻰ ﺃﺭﺍﻧﻲ ﻣﻄﻠﻊ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ • العلامة محمد رشيد رضا (ت ١٣٥٤ ﻫـ): قال رحمه الله تعالى: كنا ﻋﻨﺪ اﻻﺑﺘﺪاء ﺑﺎﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﺑﻌﻠﻢ اﻟﻜﻼﻡ، ﻧﺮﻯ ﻓﻲ اﻟﻜﺘﺐ ﺧﻼﻑ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ، ﻓﻨﺤﺴﺐ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﻮﻡ ﺟﻤﺪﻭا ﻋﻠﻰ ﻇﻮاﻫﺮ اﻟﻨﻘﻮﻝ، ﻣﺎ ﻓﻬﻤﻮﻫﺎ ﺣﻖَّ ﻓَﻬﻤﻬﺎ، ﻭﻻ ﻋﺮﻓﻮا ﺣﻘﺎﺋﻖ اﻟﻌﻠﻮﻡ، ﻭﻃﺎﺑﻘﻮا ﺑﻴﻦ اﻟﻨﻘﻞ ﻭﺑﻴﻨﻬﺎ، ﻭﺃﻥ ﻛﺘﺐ اﻷﺷﺎﻋﺮﺓ ﻫﻲ ﻭﺣﺪﻫﺎ ﻣﻨﺒﻊ اﻟﺪﻳﻦ ﻭﻃﺮﻳﻖ اﻟﻴﻘﻴﻦ، ﺛﻢ اﻃﻠﻌﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﻛﺘﺐ اﻟﻘﻮﻡ؛ ﻓﺈﺫا ﻫﻲ اﻟﻜﺘﺐ اﻟﺘﻲ ﺗُﺠﻠِّﻲ ﻟﻠﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻃﺮﻳﻘﺔ اﻟﺴﻠﻒ اﻟﻤﺜﻠﻰ، ﻭﺗﻮﺭﺩ اﻟﻨﺎﺱ ﻣﻮﺭﺩﻫﻢ اﻷﺣﻠﻰ، ﻭﺇﺫا ﺑﻘﺎﺭﺋﻬﺎ ﻳﺸﻌُﺮ ﺑﺒﺸﺎﺷﺔ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻳﺤﺲُّ ﺑﺴﺮﻳﺎﻥ ﺑﺮﺩ اﻹﻳﻘﺎﻥ؛ ﻭﺇﺫا اﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﻛﺘﺐ اﻷﺷﺎﻋﺮﺓ ﻛﺎﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﻣَﻦْ ﻳﻤﺸﻲ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﺮاﻁ اﻟﺴﻮﻱ، ﻭﻣﻦ ﻳﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﺑﺤﺮ ﻟُﺠﻲ، ﺗﺘﺪاﻓﻌﻪ ﺃﻣﻮاﺝ اﻟﺸﻜﻮﻙ اﻟﻔﻠﺴﻔﻴﺔ، ﻭﺗﺘﺠﺎﺫﺑﻪ ﺗﻴﺎﺭاﺕ اﻟﻤﺒﺎﺣﺚ اﻟﻨﻈﺮﻳﺔ، ﻭﻗﺪ ﻇﻬﺮ ﻟﻲ - ﺇﺫ ﺗﺒﻴَّﻨﺖ ﺃﻥ ﻣﺬﻫﺐ اﻟﺴﻠﻒ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﺃﺳﻠﻢ ﻭﺃﻋﻠﻢ ﻭﺃﺣﻜﻢ - ﺃﻥ ﻫﺬا ﻣﻦ ﺩﻻﺋﻞ ﺻﺪﻕ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ؛ ﻷﻥ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﻈﺮﻭا ﻓﻲ ﻓﻠﺴﻔﺔ اﻟﺤﻜﻤﺎء اﻹﻟﻬﻴﻴﻦ، ﻭﺧﺎﺿﻮا ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻋﻠﻮﻡ اﻷﻭﻟﻴﻦ، ﻟﻢ ﻳﺄﺗﻮا ﺑﺸﻲء ﻓﻲ ﺗﻮﺛﻴﻖ ﻋﻘﺪ اﻹﻳﻤﺎﻥ، ﻭﻻ ﺑﺎﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ اﻟﺤﻖ ﺑﺎﻟﺒﺮﻫﺎﻥ، ﺇﻻ ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺎ ﺟﺎء ﺑﻪ اﻟﻘﺮﺁﻥ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﺬا اﻟﻘﺮﺁﻥ ﻣﻦ ﻭﺿﻊ اﻟﺒﺸﺮ، ﻻﺭﺗﻘﻮا ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺧﺮﻭﺟﻬﻢ ﻣﻦ اﻷﻣﻴَّﺔ ﻭﺗﻮﻏُّﻠﻬﻢ ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮﻡ اﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﻣﻦ ﺭﻳﺎﺿﻴﺔ ﻭﻃﺒﻴﻌﻴﺔ ﻭﻓﻠﺴﻔﻴﺔ، ﻭﻣﻤﺎ ﺗﻔﻀﻞ ﺑﻪ ﻛﺘﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﻜﺘﺐ ﺃﻧﻬﺎ ﻳُﺤﺘﺎﺝ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺯﻣﺎﻥ، ﻭﻛﺘﺐ اﻷﺷﺎﻋﺮﺓ ﻗﺪ اﺳﺘﻐﻨﻰ اﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﻣﻌﻈﻢ ﻧﻈﺮﻳﺎﺗﻬﺎ اﻵﻥ؛ ﻷﻥ ﻣﻌﻈﻤﻬﺎ ﻣﻦ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ اﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻗﺪ ﻧُﺴِﺨﺖ، ﻭﻓﻲ ﻣﻨﺎﻇﺮﺓ ﻓﺮﻗﺔ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ، ﻭﻗﺪ اﻧﻘﺮﺿﺖ. ﻧﻌﻢ، ﻻ ﺃﻗﻮﻝ: ﺇﻥ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻛﺘﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺎﺋﻞ ﻭاﻟﻤﺒﺎﺣﺚ ﺻﻮاﺏ، ﻭﺇﻧﻬﺎ ﻣﻌﺼﻮﻣﺔ ﻣﻦ اﻟﺨﻄﺄ؛ ﻓﺈﻟﻴﻬﺎ اﻟﻤﺮﺟﻊ ﻭاﻟﻤﺂﺏ، ﻓﺈﻥ اﻟﻌﺼﻤﺔ ﻟﻜﺘﺎﺏ اﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82]، مجلة المنار(٦٢٠/٦). • العلامة ﻋﺒﺪﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﺪﻣﺸﻘﻲ (ت ١٣٤٦ ﻫـ): ﻫﻮ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﻤﺤﻘِّﻖ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪِّﺙ ﺍﻷﺻﻮﻟﻲ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺑﻦ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﻣﺼﻄﻔﻰ ﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ ﺍﻟﺪﻣﺸﻘﻲ، ﻭﻟﺪ ﻋﺎﻡ ‏(١٢٨٠ﻫـ‏) ﻓﻲ ﺑﻠﺪﺓ "دُﻭْﻣﺎ"، ﻋﺎﺵ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ ﻓﻲ ﺑﻴﺌﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺼﻮﻓﻴﺔ ﻣﻨﺘﺸﺮﺓ، ﻭﺍﻟﺠﻬﻞ ﻓﻴﻬﺎ متفشيًا، ﻭﻗﺪ ﻗﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﺸﻴﻮﺥ ﺍﻟﺬﻳﻦﻛﺎﻥ ﻣﺴﻠﻜﻬﻢ ﺻﻮﻓﻴًّﺎ، ﻭﺻﺮﺡ ﺑﻔﻀﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﺃﻧﻪ ﺍﺗَّﺒَﻊ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﺴﻠﻒ، ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺼﺪﺩ: "ﺇﻧﻨﻲ ﻟﻤﺎ ﻣَﻦَّ ﻋﻠﻲَّ ﺑﻄﻠﺐ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻫﺠﺮﺕُ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﻃﻦ ﻭﺍﻟﻮﺳَﻦ، ﻭﻛﻨﺖ ﺃﻃﻮﻑ ﺍﻟﻤﻌﺎﻫﺪ ﻟﺘﺤﺼﻴﻠﻪ، ﻭﺃﺫﻫﺐ ﻛﻞ ﻣﺬﻫﺐ ... ﻓﺘﺎﺭﺓ ﺃﻃﻮﺡ ﺑﻨﻔﺴﻲ ﻓﻴﻤﺎ ﺳﻠﻜﻪ ﺍﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ... ﻭﺗﺎﺭﺓ ﺃﺗﻠﻘَّﻒ ﻣﺎ ﺳﻜﺒﻪ ﺃﺑﻮ ﻧﺼﺮ ﺍﻟﻔﺎﺭﺍﺑﻲ ﻣﻦ ﺻﻨﺎﻋﺔ ﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ... ﺛﻢ ﺃﺟﻮﻝ ﻓﻲ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﺪﺓ، ﻓﺎﺭﺗﺪَّ ﺇﻟﻲَّ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺧﺎﺳﺌًﺎ ﻭﻫﻮ ﺣﺴﻴﺮ ... ﻓﻠﻤﺎ ﻫِﻤْﺖُ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻴﺪﺍﺀ، ﻧﺎﺩﺍﻧﻲ ﻣُﻨﺎﺩﻱ ﺍﻟﻬﺪى ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ: ﻫﻠﻢَّ إلى ﺍﻟﺸﺮﻑ ﻭﺍﻟﻜﻤﺎﻝ، ﻭﺩﻉ ﻧﺠﺎﺓ ﺍﺑﻦ ﺳﻴﻨﺎ ﺍﻟﻤﻮﻫﻤﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺫﻟﻚ ﺇﻻ ﺑﺄﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ..... ﻓﻬﻨﺎﻟﻚ ﻫَﺪأ ﺭﻭﻋﻲ، ﻭﺟﻌﻠﺖ ﻋﻘﻴﺪﺗﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ، ﺃَﻛِﻞُ ﻋﻠﻢ ﺻﻔﺎﺗﻪ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻼ ﺗﺠﺴﻴﻢ ﻭﻻ ﺗﺄﻭﻳﻞ ﻭﻻ ﺗﺸﺒﻴﻪ ﻭﻻ ﺗﻌﻄﻴﻞ، ﻭﺍﻧﺠﻠﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻲ ﻣﻦ ﺭﻳْﻦ ﺃﻭﺭﺛَﺘﻪ ﻗﻮﺍﻋﺪُ ﺃﺭﺳﻄﻮﻃﺎﻟﻴﺲ، ﻭﻗﻠﺖ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻮﺳﺎﻭﺱ ﻭﺍﻟﺒﺪﻉ ﻭﺍﻟﺪﺳﺎﺋﺲ ... ﺇﻥ ﻣَﻦ ﺍﺗَّﺒَﻊ ﻫﻮﺍﻩ ﻫﺎﻡ َﻓﻲ ﻛﻞ ﻭﺍﺩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺒﺎﻝ ﺑﺄﻱ ﺷِﻌﺐ ﺳﻠﻚ ﻭﻻ ﺑﺄﻱ ﻃﺮﻳﻖ ﻫﻠﻚ ... "؛ ‏ﺍﻟﻤﺪﺧﻞ ﺇﻟﻰ ﻣﺬﻫﺐ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﻨﺒﻞ؛ ﻻﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ (ﺹ،٤٣،٤٢‏). ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻧﺎﺻﺮ ﺍﻟﻌﺠﻤﻲ ﻣﺘﺤﺪﺛًﺎ ﻋﻦ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ: ﻭﺣﺪﺛﻨﻲ ﺍﻷﺩﻳﺐ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻄﻨﻄﺎﻭﻱ، ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺳﺄﻟﺘﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻼَّﻣﺔ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ، ﻓﻘﺎﻝ: ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻮﻫﺎﺑﻴﺔ ﺗُﻌَﺪُّ ﺗُﻬﻤﺔ ﺧﻄﻴﺮﺓ ﻣﺨﻴﻔﺔ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﺤﺬِّﺭﻭﻧﻨﺎ ﻣﻦ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻉ ﺑﻬﻢ، ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻣﺮﺓ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ، ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺤﻨﺒﻠﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭﻑ، ﻭﻛﺎﻥ ﻫﻨﺎﻙ ﻃﻼﺏ ﻳﻤﺮُّﻭﻥ ﻓﻲ ﺍﻷﺳﻮﺍﻕ، ﻓﺮﺃﻭﻧﻲ ﻓﻲ ﺣﻠﻘﺔ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ ﻭﻗﺪَّﻣﻮﺍ ﻓﻲَّ تقريرًا ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺸﺎﻳﺦ، ﻓﻀُﺮﺑﺖ ‏(ﻓﻠﻘﺔ) في رجلي؛ ﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻋﺒﺪﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ (ﺹ٢٢). ﻭﺳﺒﺐ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﺴﻠﻒ، ﻭﺩﻣﺸﻖ ﺁﻧﺬﺍﻙ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ، ﻛﺎﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺟﻤﻮﺩ ﺍﻟﻤﺘﺼﻮﻓﺔ، ﻭﺍﻟﺒﻌﺪ ﻋﻦ ﻣﺮﻭﻧﺔ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺠﺘﻬﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺃﻳﺎﻡ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻘﺪ ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﺑﺪﺭﺍﻥ ﻳُﻈﻬِﺮ ﺗﻌﻠُّﻘﻪ ﺑﺄﺋﻤﺔ ﺍﻟﺴﻠﻒ: ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﺑﻦ قيم ﺍﻟﺠﻮﺯﻳﺔ، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﻛﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺎﺝ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻮﻥ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ، ﻭﻳﻨﺎﻫﺾ ﺣﺼﻮﻥ ﺍﻟﻌﺎﺩﺍﺕ ﺍﻟﺴﻴﺌﺔ ﻭﺍﻟﺒﺪﻉ، ﻓﻴﺪُﻛُّﻬﺎ ﻭﻻ ﻳﺨﺸﻰ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻮﻣﺔ ﻻﺋﻢٍ ... ﻓﻬﺐَّ ﻗﻮﻡ ﻗﺼﺮﻭﺍ ﻋﻦ ﻣﺪﺍﻩ، ﻓﻌﺎﻧﺪﻭﻩ ﺣﺴﺪًا ﻭﺑﻐﻴًﺎ ... ﻭﻻ ﺷﻚَّ ﺃﻧﻪ ﺑﻠﻎ ﺭﺗﺒﺔ ﺍﻻﺟﺘﻬﺎﺩ ﺍﻟﻤﻄﻠﻖ، ﻓﻌﻠﻴﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ؛ (ﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻯ ﺍﻟﻘﺎﺯﺍﻧﻴﺔ، ﺹ٢٠٧). • العلامة محمد حامد الفقي (ت ١٣٨٧ﻫـ) مؤسس جماعة أنصار السنة المحمدية: ﻳﻘﻮﻝ العلامة ﺣﻤﺎﺩ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ وهو من تلاميذه: وسألت الشيخ حامدًا: ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺃﻧﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﺳﺆﺍﻝ؟ ﻓﻘﺎﻝ: ﻣﺎ ﻫﻮ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ؟ ﻓﻘﻠﺖُ ﻟﻪُ: ﻛﻴﻒَ ﺻﺮﺕَ ﻣﻮﺣِّﺪًا ﻭﺃﻧﺖ ﺩﺭﺳﺖَ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻫﺮ؟ ‏(ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺭﻳﺪُ ﺃﻥ أﺳﺘﻔﻴﺪ ﻭﺍﻟﻨﺎﺱ ﻳﺴﻤﻌﻮﻥ‏)، ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻥ ﺳﺆﺍﻟﻚ ﻭﺟﻴﻪ، ﻗﺎﻝ: ﺃﻧﺎ ﺩﺭﺳﺖُ ﻓﻲ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻷﺯﻫﺮ، ﻭﺩﺭﺳﺖُ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻤﺘﻜﻠﻤﻴﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺪﺭِّﺳُﻮﻧَﻬﺎ، ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﻴﺴﺎﻧﺲ، ﻭﺫﻫﺒﺖ ﺇﻟﻰ ﺑﻠﺪﻱ ﻟﻜﻲ ﻳﻔﺮﺣﻮﺍ ﺑﻨﺠﺎﺣﻲ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻣﺮﺭﺕُ ﻋﻠﻰ ﻓﻼﺡ ﻳﻔﻠﺢ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﻟﻤﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﻋﻨﺪَﻩ، ﻗﺎﻝ: ﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ، ﺍﺟﻠﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻛَّﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻨﺪَﻩُ ﺩﻛَّﺔ ﺇﺫﺍ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﻳﺠﻠﺲ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭﺟﻠﺴﺖُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻛَّﺔ ﻭﻫﻮ ﻳﺸﺘﻐﻞ، ﻭﻭﺟﺪﺕ ﺑﺠﺎﻧﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﻃﺮﻑِ ﺍﻟﺪﻛﺔ ﻛﺘﺎبًا، ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﻧﻈﺮﺕُ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻮ ﻛﺘﺎﺏ "ﺍﺟﺘﻤﺎﻉ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﺰﻭ ﺍﻟﻤﻌﻄﻠﺔ ﻭﺍﻟﺠﻬﻤﻴﺔ"؛ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ، ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺃﺗﺴﻠَّﻰ ﺑﻪ، ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺁﻧﻲ ﺃﺧﺬﺕ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺑﺪﺃﺕُ ﺃﻗﺮﺃ ﻓﻴﻪ، ﺗﺄﺧَّﺮَ ﻋﻨِّﻲ ﺣﺘﻰ ﻗﺪﺭٍ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺍﻟﺬﻱ ﺁﺧﺬ ﻓﻴﻪ ﻓﻜﺮﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﻭﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻭﻫﻮ ﻳﻌﻤﻞ ﻓﻲ ﺣﻘﻠﻪِ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻗﺮﺃ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ، ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻔﻼﺡ، ﻭﻗﺎﻝ: ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ، ﻛﻴﻒ ﺣﺎﻟﻚ؟ ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺟﺌﺖ؟ ﻓﺄﺟﺒﺘُﻪُ ﻋﻦ ﺳﺆﺍﻟﻪِ، ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﺖ ﺷﺎﻃﺮ؛ ﻷﻧﻚ ﺗﺪﺭَّﺟْﺖَ ﻓﻲ ﻃﻠﺐِ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﻮﺻَّﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ؛ ﻭﻟﻜﻦ ﻳﺎ ﻭﻟﺪﻱ ﺃﻧﺎ ﻋﻨﺪﻱ ﻭﺻﻴﺔ، ﻓﻘﻠﺖُ: ﻣﺎ ﻫﻲ؟ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻔﻼﺡ: ﺃﻧﺖ ﻋﻨﺪﻙ ﺷﻬﺎﺩﺓ ﺗﻌﻴﺸﻚ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻜﺎ، ﻓﻲ ﺃﻱ ﻣﻜﺎﻥ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﻋﻠَّﻤَﺘْﻚَ ﺍﻟﺸﻲﺀ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﺗﺘﻌﻠَّﻤﻪ ﺃﻭﻻً، ﻗﻠﺖُ: ﻣﺎ ﻫﻮ؟! ﻗﺎﻝ: ﻣﺎ ﻋﻠَّﻤَﺘْﻚَ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ! ﻗُﻠﺖُ ﻟﻪُ: ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ!! ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻔﻼﺡ: ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺴﻠﻒ. ﻗﻠﺖُ ﻟﻪُ: ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺴﻠﻒ؟!! ﻗﺎﻝ: ﺍﻧﻈﺮ ﻛﻴﻒ ﻋﺮَﻑ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻣﺎﻣَﻚ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺴﻠﻒ، ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻜﺘﺐ: ﻛﺘﺎﺏ "ﺍﻟﺴﻨﺔ" ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ، ﻭﻛﺘﺎﺏ "ﺍﻟﺴﻨﺔ" ﻟﻺﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ، ﻭﻛﺘﺎﺏ "ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ" ﻻﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭﻛﺘﺎﺏ "ﺧﻠﻖ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩ" ﻟﻠﺒﺨﺎﺭﻱ، ﻭﻛﺘﺎﺏ "ﺍﻋﺘﻘﺎﺩ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ" ﻟﻠﺤﺎﻓﻆ ﺍﻟﻼﻟﻜﺎﺋﻲ، ﻭﻋﺪَّ ﻟﻪُ ﻛﺜﻴﺮًا ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ، ﻭﺫﻛﺮ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻟﻠﻤﺘﺄﺧِّﺮﻳﻦ، ﻭﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﻛُﺘُﺐ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﺑﻦ ﺍﻟﻘﻴﻢ. ﻭﻗﺎﻝ ﻟﻪُ: ﺃﻧﺎ ﺃﺩﻟُّﻚَ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺇﺫﺍ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻚ ﻭﺭﺃﻭﻙ ﻭﻓﺮﺣﻮﺍ ﺑﻨﺠﺎﺣﻚ، ﻻ ﺗﺘﺄﺧَّﺮ، ﺍﺭﺟﻊ ﺭﺃﺳًﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﻓﺈﺫﺍ ﻭﺻﻠﺖ إلى ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ اﺩﺧﻞ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﻤﺼﺮﻳﺔ ﺳﺘﺠﺪ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﺗُﻬﺎ ﻛﻠَّﻬﺎ ﻓﻴﻬﺎ، ﻟﻜﻨﻬﺎ ﻣُﻜﺪَّﺱٌ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ، ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺭﻳﺪﻙ ﺗﻨﻔﺾ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻐﺒﺎﺭ ﻭﺗﻨﺸُﺮﻫﺎ. ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻜﻠﻤﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﺍﻟﺒﺴﻴﻂ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﻗﺪ ﺃﺧﺬﺕ ﻃﺮﻳﻘَﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻗﻠﺐِ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ ﺍﻟﻔﻘﻲ؛ ﻷﻧﻬﺎ ﺟﺎﺀﺕ ﻣﻦ ﻣُﺨْﻠِﺺ، ﺍﺳﺘﻮﻗﻔﺖ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻭﺳﺄﻟﺘُﻪُ: ﻛﻴﻒ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ؟! ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﺎﻣﺪ: ﻟﻘﺪ ﻋﺮﻓَﻪُ ﻣﻦ أستاذه ‏(ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ‏)، ﻫﻞ ﺗﺴﻤﻌﻮﻥ ﺑـ ‏(ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ)؟ ﻗﻠﺖُ ﻟﻪُ: ﺃﻧﺎ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ‏(ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ‏) ﻫﺬﺍ، ﻣﺎ ﻫﻲ ﻗﺼَّﺘُﻪُ؟ ﻗﺎﻝ: ‏(ﺍﻟﺮﻣﺎﻝ‏) ﻛﺎﻥ ﻳﻔﺘﺶ ﻋﻦ ﻛﺘﺐ ﺳﻠﻔﻪ، ﻭﻟﻤﺎ ﻭﺟﺪ ﻣﺎ ﻭﺟﺪ ﻣﻨﻬﺎ، ﺑﺪﺃ ﺑﺠﻤﻊ ﺍﻟﻌﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﻜﻨﺎﺳﻴﻦ، ﻭﻗﺎﻡ يدرس ﻟﻬﻢ، ﻭﻛﺎﻥ ﻻ ﻳُﺴﻤَﺢ ﻟﻪُ ﺃﻥ ﻳُﺪﺭِّﺱَ ﻋﻼﻧﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟُﻤﻠَﺘِﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻼﺡ... ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻣﺎﻣًﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﺋﻤﺔ؛ ﻟﻜﻨﻪُ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻼﺣﺔ، ﻓﻤﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺼﻠﺢ ﺃﻥ ﻳﺘﻌﻠﻢ؟! ﻭﻟﻜﻦ ﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺍﻟﺨﻴﺮُ ﻣﻮﺟﻮﺩًا ﻓﻲ ﻛُﻞِّ ﺑﻠﺪٍ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋـﺔ. ﻭﻟﻤﺎ ﺭﺟﻌﺖُ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺘﻲ ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﻭﺫﻫﺒﺖُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﻭﻭﻗﻔﺖُ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﻲ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﻟﻲ ﺍﻟﻔﻼﺡ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﺎ ﻋﺪﺍ ﻛﺘﺎبًا ﻭﺍﺣﺪًا ﻣﺎ ﻭﻗﻔﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﻛﺒﻴﺮﺓ؛ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻉ ﻟﻠﺸﻴﺦ ﺣﻤﺎﺩ ﺍﻷﻧﺼﺎﺭﻱ ‏(٢٩٧،٢٩٤/١). • العلامة عبدالرحمن الوكيل رحمه الله تعالى: (ت ١٣٩٠ ﻫـ): قال الشيخ عبدالرحمن الوكيل: "ﻭﺩﺍﺭ ﺍﻟﺰﻣﻦ ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﻃﺎﻟﺒًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻭﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ، ﻭﺩﺭﺳﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ، ﻭﻗﺮﺃﺕ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺻﻨَّﻔﻪ ﺃﺳﺘﺎﺫ ﻣﻦ ﺃﺳﺎﺗﺬﺗﻲ؛ ﺭﺃﻱ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﺑﻦ ﻋﺮﺑﻲ، ﻓﺴﻜﻨﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻗﻠﻴﻼً ﺇﻟﻰ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ، ﻭﻛﻨﺖ ﻗﺒﻞُ ﺃﺭﺍﻩ ﺿﺎلًّا مضلًّا، ﻓﺒﻬﺬﺍ ﺍﻟﺒﻬﺘﺎﻥ ﺍﻷﺛﻴﻢ ﻧﻌﺘﻪ ﺍﻟﺪﺭﺩﻳﺮ! ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻋﻨﺪﻱ ﻻﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻛﺘﺐ، ﺑﻴﺪ ﺃﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﺃﺭﻫﺐ ﻣﻄﺎﻟﻌﺘﻬﺎ ﺧﺸﻴﺔ ﺃﻥ ﺃﺭﺗﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻣﻴﻦ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ ﺑﻌﺾ ﺷﻴﻮﺧﻲ ﻣﻦ ﻗﺒﻞُ!... ﻟﻜﻨﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺓ ﺗﺸﺠَّﻌﺖ ﻭﻗﺮﺃﺗﻬﺎ، ﻭﺍﺳﺘﻐﺮﻗﺖُ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ؛ ﻓﺄﻧﻌﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻲَّ ﺑﺼﺒﺢ ﻣﺸﺮﻕ ﻫﺘَﻚَ ﻋﻨِّﻲ ﺣُﺠُﺐ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺖُ ﻓﻴﻪ، ﻓﺎﺳﺘﻘﺮَّ ﺑﻲ ﺍﻟﻘﺮﺍﺭ ﻋﻨﺪ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﺃﻧﺼﺎﺭ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻓﻜﺄﻧﻤﺎ ﻟﻘﻴﺖُ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﺣﺔ ﺍﻟﻨﺪﻳﺔ ﺑﻌﺪ ﺩﻭﻱٍّ ﻣﻠﺘﻬﺐ ﺍﻟﻬﺠﻴﺮ، ﻓﻘﺪ دﻋﻴﺖ ﻣﻦ ﻗِﺒَﻞ ﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻋﻠﻰ ﻟﺴﺎﻥ ﻣُﻨﺸﺌﻬﺎ ﻓﻀﻴﻠﺔ ﻭﺍﻟﺪﻧﺎ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺣﺎﻣﺪ ﺍﻟﻔﻘﻲ ﺇﻟﻰ ﺗﺪﺑُّﺮ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﻬﺪﻯ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ ﻋﻠﻰ ﻓَﻬْﻢ ﺳﻠﻔﻨﺎ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ"؛ كتاب مصرع التصوف (٦/١). • ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺯﻫﺮﻱ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮﺍﺱ، ﺃﺣﺪ ﺃﺑﺮﺯ علماء ﺍﻷﺯﻫﺮ (ت ١٣٩٠ ﻫـ): ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺃﻣﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﺠﺎﻣﻲ تلميذ الهراس ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﺗﻤﻬﻴﺪﻩ ﻟﺸﺮﺡ ﻛﺘﺎﺏ: "ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻄﻴﺔ" ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮﺍﺱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺮﻳﻂ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﺇﻟﻰ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﺍﻟﺪﻗﻴﻘﺔ 6: ﻭ 40 ﺛﺎﻧﻴﺔ -: "ﺛﻢ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺤﻦ ﻓﻲ ﺻﺪﺩﻫﺎ، ﺷﺮﺣﻬﺎ ﻋﺎﻟﻢ ﺃﺯﻫﺮﻱ ﺳﻠﻔﻲ، ﻋﺎﻟﻢ ﺗﺨﺮﺝ في ﺍﻷﺯﻫﺮ ﻭﺗﺨﺼَّﺺ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ، "ﻭﻛﺎﻥ ﻳُﻌﺎﺩﻱ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﺪﺍﺀً، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻳُﻌﺎﺩﻱ ﻋﻤﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ"، ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮﺍﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﺮﺡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻳُﻌﺎﺩﻱ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻋﺪﺍﺀً ﻟِﻤﺎ ﻳﺴﻤﻊ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻪ "ﻋﺪﻭ ﻟﻠﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ،"ﻭﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮﺍﺱ ﻣﺘﺨﺼﺺ ﻓﻲ "ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ"؛ ﻟﺬﻟﻚ ﺃﺭﺍﺩ ﻛﻤﺎ ﺃﺷﺎﺭ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻥ ﻳﻜﺘﺐ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ردًّا ﻋﻠﻰ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺬﻱ ﻳُﻌﺎﺩﻱ "ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻄﻖ ﻭﻋﻠﻢ ﺍﻟﻜﻼﻡ"، ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮﺍﺱ ﻛﺎﻥ ﺃﺳﺘﺎﺫًا ﻟﻨﺎ، ﺭﻭﻯ ﻟﻨﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺷﻔﻬﻴًّﺎ ﻣﺒﺎﺷﺮﺓ، ﻳﻘﻮﻝ: ﺟﻤﻊ ﻟﻪ ﻣﺎ ﻭﻗﻌﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺪﻩ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﻟﻴﺪﺭﺳﻬﺎ، ﺛﻢ ﻳﺮﺩ ﻋﻠﻰ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻌﻜﻒ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﻧﺤﻮ " ﺛﻼﺛﺔ ﺃﺷﻬﺮ"، ﻓﻴﻘﻮﻝ: ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮﺍﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﺮﺡ "ﺍﻟﻮﺍﺳﻄﻴﺔ" ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺩﺭﺱ ﻣﺎ ﺗﻴﺴَّﺮ ﻟﻪ ﺩﺭﺍﺳﺘُﻪ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺘﺮﺓ، ﺗﺒﻴَّﻦ ﻟﻪ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﻌﺪُ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻌﻤﺮ ﺍﻟﻄﻮﻳﻞ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺑﺪﺀًﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺣﻠﺔ ﺍﻹﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻄﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻳﺔ، ﺛﻢ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻰ ﺩﺭﺟﺔ ﻛﺘﺎﺑﺔ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍﻩ، ﺗﺒﻴَّﻦ ﻟﻪ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻔﻬﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺑﺎﻟﻤﻔﻬﻮﻡ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ ﻗﺒﻞ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﻫﻜﺬﺍ ﻫﺪﻯ ﺍﻟﻠﻪ رجلًا ﻛﺎﻥ ﻳُﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳُﺤﺎﺭﺏ ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻓﻜﺘﺐ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍﻩ ﺗﺤﺖ ﻋﻨﻮﺍﻥ "ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺍﻟﺴﻠﻔﻲ"، ﻫﺬﺍ ﻋﻨﻮﺍﻥ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻣَﻦَّ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﻟﻬﺪﺍﻳﺔ، ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻣﺤﻤﺪ ﺧﻠﻴﻞ ﻫﺮَّﺍﺱ ﺍﻟﺬﻱ ﺷﺮﺡ "ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﺍﻟﻮﺍﺳﻄﻴﺔ"؛ ﺍﻧﺘﻬﻰ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻣﻦ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. • علامة المغرب السلفي ﺗﻘﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻬﻼﻟﻲ (ت ١٤٠٦ ﻫـ): وكان سبب توبته مناظرة حصلت بينه وبين ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻱ، يقول رحمه الله تعالى: "ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖُ ﻓﻲ ﻏﻤﺮﺓ ﻋﻈﻴﻤﺔ، ﻭﺿﻼﻝ ﻣﺒﻴﻦ، ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺭﻯ ﺧﺮﻭﺟﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻴﺔ ﻛﺎﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺨﻄﺮ ﻟﻲ ﺑﺒﺎﻝٍ ﺃﻥ ﺃﺗﺰﺣﺰﺡ ﻋﻨﻬﺎ ﻗﻴﺪ ﺷﻌﺮﺓ"؛ من كتابه الهدية الهادية (ص ١٢). ﺍﻟﻜﺎﺗﺐ: ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺗﻘﻲ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻬﻼﻟﻲ، ﻫﻨﺎ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺗﺎﺋﻴﺔ ﻗﻠﺘﻬﺎ ﺑﻌﺪ ﺗﻮﺑﺘﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻴﺔ ﻳﻔﺮﺡ ﺑﺈﻧﺸﺎﺩﻫﺎ ﺍﻟﻤﻮﻓﻖ ﺍﻟﻤﻬﺘﺪﻱ، ﻭﻳﻐﺺ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﻤﺨﺬﻭﻝ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻱ، ﻭﻫﺬﺍ نصٌّ منها: ﻭﻟَﻤَّﺎ ﺃﺑﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻲ ﻧﻮﺭَ ﺩﻳﻨﻪ ﻭﺃﻧﻘﺬﻧﻲ ﻣﻦ ﻃﺮﻕ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺧﺮقه ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻗﻮﻡ ﺑﺪﻟﻮﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﺮَّﺩﻯ ﻭﻗﺪ ﻣﺮَﻗﻮﺍ ﻣِﻦ ﻫَﺪْﻳﻪ ﺷﺮَّ ﻣَﺮقهْ ﻭﺃﺑﻐﻀَﻨﻲ ﺍﻷﻗﻮﺍﻡُ ﺣﻴﻦ ﻧﺒَﺬﺗُﻬﻢ ﻭﻣﻠﺖُ ﺇﻟﻰ ﻗﻔﻮ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭسنه ﻭﻗﺪ ﻗﻠﺒﻮﺍ ﻇﻬﺮ ﺍﻟﻤِﺠَﻦِّ ﻭﺧَﺸِﻨﺖ ﺻﺪﻭﺭُﻫﻢ ﻟﻲ ﻭﺍﺳﺘﻌﺪﻭﺍ ﻟﻤﺤﻨﺘﻲ • العلامة الأديب علي الطنطاوي (ت١٤٢٠ﻫـ‏): ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﺩﻳﺐ ﻋﻠﻲ ﺍﻟﻄﻨﻄﺎﻭﻱ الذي اهتدى على يد الشيخ بهجت البيطار، قال الطنطاوي: ﻟﻘﺪ ﻭﺟﺪﺕ ﺃﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺳﻤﻌﻪ ﻣﻨﻪ ﻳﺼﺪﻡ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻧﺸﺄﺕ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﺮَّﺭﻩ ﺍﻷﺷﺎﻋﺮﺓ ﻭﺍﻟﻤﺎﺗﺮﻳﺪﻳﺔ، ﻭﻫﻮ ﺷﻲﺀ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻲ ﺗﺜﺒﻴﺖ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ ﻣﻦ ﻗﺮﻳﺐ ﺃﻭ ﺑﻌﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻴﻮﻧﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻛﻨﺖ ﻣﻮﻗﻨًﺎ ﺑﻤﺎ ﺃﻟﻘﻮﻩ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﻓﻲ ﺗﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﺃﺳﻠﻢ، ﻭﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻟﺨﻠﻒ ﺃﺣﻜﻢ، ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺑﻬﺠﺔ ﻳﻘﻮﻝ: "إﻥ ﻣﺎ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻠﻒ ﻫﻮ ﺍﻷﺳﻠﻢ، ﻭﻫﻮ ﺍﻷﺣﻜﻢ"، ﻭﻛﻨﺖ ﻧﺸﺄﺕ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺮﺓ ﻣﻦ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﻬﺮﺏ ﻣﻨﻪ، ﺑﻞ ﺑﻐﻀﻪ، ﻓﺠﺎﺀ ﻳُﻌﻈِّﻤﻪ ﻟﻲ، ﻭﻳُﺤﺒِّﺒﻪ ﺇﻟﻲَّ، ﻭﻛﻨﺖ ﺣﻨﻔﻴًّﺎ ﻣُﺘﻌﺼِّﺒًﺎ ﻟﻠﻤﺬﻫﺐ ﺍﻟﺤﻨﻔﻲ، ﻭﻫﻮ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺃﺟﺎﻭﺯ ﺣﺪﻭﺩ ﺍﻟﺘﻌﺼُّﺐ ﺍﻟﻤﺬﻫﺒﻲ، ﻭﺃﻥ أﻋﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ، ﻻ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻗﻴﻞ ... ﻭﺗﺄﺛَّﺮﺕ ﺑﻪ، ﻭﺫﻫﺒﺖ ﻣﻊ ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻣﺬﻫﺒﻪ ﻣﻘﺘﻨﻌًﺎ ﺑﻪ، ﺑﻌﺪ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻠﺴﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻬﺮﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺎﺩﻻﺕ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻇﺮﺍﺕ، أنا باندفاعي وحماستي وعنفي، والشيخ بهجت بسعة صدره وطول أناته، وغزير علمه وقوة حُجته، ولقد عرضت في الجزء الأول من كتابي عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، إلى ما مرَّ علي من أدوار: كيف نشأت مُقلِّدًا مؤولًا كارهًا لابن تيمية، ثم أثر فيَّ الشيخ بهجت، فغدوت سلفيَّ العقيدة مُتمسِّكًا بالدليل؛ رجال من التاريخ (ص، ١٧٢،١٧١). • العلامة محمد جميل زينو ‏(ت ١٤٣١ﻫـ): يقول رحمه الله تعالى: "ﻛﻴﻒ ﺍﻫﺘﺪﻳﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻮﺣﻴﺪ؟ ﻛُﻨﺖُ ﺃﻗﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﺷﻴﺨﻲ ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺍﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ، ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ: ((ﺇﺫﺍ ﺳﺄﻟﺖَ ﻓﺎﺳﺄﻝِ ﺍﻟﻠﻪ، ﻭﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﻌﻨﺖَ ﻓﺎﺳﺘﻌِﻦْ ﺑﺎﻟﻠﻪ)). ﻓﺄﻋﺠﺒﻨﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻟﻨﻮﻭﻱ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ: "ﺛﻢ ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺴﺄﻟﻬﺎ، ﻟﻢ ﺗﺠﺮِ ﺍﻟﻌﺎﺩﺓ ﺑﺠﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱ ﺧﻠﻘﻪ؛ ﻛﻄﻠﺐِ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻢ ... ﻭﺷﻔـﺎﺀ ﺍﻟﻤﺮﺽ ﻭﺣﺼﻮﻝ ﺍﻟﻌﺎﻓﻴﺔ ﺳﺄﻝ ﺭﺑَّﻪ ﺫﻟﻚ، ﻭﺃﻣَّﺎ ﺳﺆﺍﻝ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻭﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻓﻤﺬﻣﻮﻡ". ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻠﺸﻴﺦ: ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻭﺷﺮﺣﻪ ﻳُﻔﻴﺪﺍﻥ ﻋﺪﻡ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﻐﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﻻ ﻳﻘﺪﺭ ﻋﻠﻴﻪِ ﺇﻻ ﺍﻟﻠﻪ. ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﺑﻞ ﺗﺠﻮﺯ! ﻗﻠﺖ: ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ؟ ﻓﻐﻀﺐ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻭﺻﺎﺡ ﻗﺎئلًا: ﺇﻥ ﻋَﻤَّﺘﻲ ﺗﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﺷﻴﺦ ﺳﻌﺪ ‏(ﻭﻫﻮ ﻣﻦ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻣﻴﻦ ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ‏)، ﻓﺄﻗﻮﻝ ﻟﻬﺎ: ﻳﺎ ﻋﻤَّﺘﻲ، ﻭﻫﻞ ﻳﻨﻔﻌﻚ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺳﻌﺪ؟ ﻓﺘﻘﻮﻝ: ﺃﺩﻋﻮﻩ ﻓﻴﺘﺪﺧﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻴﺸﻔﻴﻨﻲ!! ﻓﻘﻠﺖ ﻟﻪُ: ﺇﻧﻚ ﺭﺟﻞ ﻋﺎﻟﻢ، ﻗﻀﻴﺖ ﻋﻤﺮﻙ ﻓﻲ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻜﺘﺐ، ﺛُﻢ ﺗﺄﺧﺬ ﻋﻘﻴﺪﺗﻚ ﻣﻦ ﻋﻤَّﺘِﻚَ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﺔ!! ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ: ﻋﻨﺪﻙ ﺃﻓﻜﺎﺭ ﻭﻫَّﺎﺑﻴﺔ! ‏(ﻧﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻤﺠﺪِّﺩ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻮﻫﺎﺏ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ‏)، ﻭﻛُﻨﺖُ ﻻ ﺃﻋﺮﻑ ﺷﻴﺌًﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻮﻫَّﺎﺑﻴﺔ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﺳﻤَﻌﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﺎﻳﺦ: ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ ﻋﻨﻬﻢ: ﺇﻧﻬﻢ ﻣﺨﺎﻟﻔﻮﻥ ﻟﻠﻨﺎﺱ، ﻻ ﻳﺆﻣﻨﻮﻥ ﺑﺎﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﻛﺮﺍﻣﺎﺗﻬﻢ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻣﺔ، ﻭﻻ ﻳﺤﺒُّﻮﻥ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ ... ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﺘُّﻬﻢ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﻜﺎﺫﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻟﻬﺎ، ﻓﻘﻠﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻲ: ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻮﻫَّﺎﺑﻴﺔ ﺗُﺆﻣﻦ ﺑﺎﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺸﺎﻓﻲ ﻫﻮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻓﻴﺠﺐ ﺃﻥ ﺃﺗﻌﺮَّﻑ ﻋﻠﻴﻬﺎ ... إلخ؛ من كتابه الماتع "كيف اهتديت إلى التوحيد والصراط المستقيم" (ص ٣٦،٣٥). • خاتمة: هذه الأمثلة من العلماء الأعلام الذين اهتدوا إلى نور الحق بعد التخبُّط في ظلمات الحيرة، وقد اقتصرت في جمع هذه العدد تنبيهًا على سمة من سمات أهل الحق، وهي ثباتهم على الحق أكثر من غيرهم، ﻓﻤﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ علماء أهل السنة السلفيين رجع قطُّ عن قوله واعتقاده، وفي المقابل تذبذب المخالفين ورجوع كثيرٍ منهم إلى عقيدة السلف والندم على سلوك غير سبيلهم، ومن هؤلاء العلماء الذين اهتدوا غير الذي ذكرنا في السلسلة آنفًا، السادة العلماء ومنهم ﻋﺎﻟﻢ ﺗﻮﻧﺲ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﻤﻜﻲ ﺑﻦ ﻋﺰﻭﺯ،‏ وﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺷﻜﺮﻱ ﺍﻷﻟﻮﺳﻲ، والشيخ عيد ﺍﻟﻌﺒﺎﺳﻲ، وﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻷﺯﻫﺮﻱ ﻋﺒﺪﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺴﻤﺢ، وﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻣﺤﻤﺪ ﺍﻟﺰﻣﺰﻣﻲ، وﻋﻼﻣﺔ ﺍﻟﺸﺎﻡ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻬﺠﺔ ﺍﻟﺒﻴﻄﺎﺭ، والشيخ ﻋﺒﺪﺍﻟﻘﺎﺩﺭ ﺍﻟﺴﻨﺪﻱ، وغيرهم الكثير...الكثير في كل عصر ومصر. والحمد الله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"الله أكبر" منهج تفكير
أ. د. فؤاد محمد موسى
17-09-2018
8,947
https://www.alukah.net//culture/0/129417/"%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a3%d9%83%d8%a8%d8%b1"-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d8%aa%d9%81%d9%83%d9%8a%d8%b1/
"الله أكبر" منهج تفكير لقد أنعَم الله عز وجل علينا بنعم عظيمة سخَّرها لنا لنَعرفه ونعظِّمه، ونعبده ونوحِّده، محقِّقين الغاية التي من أجلها خلقنا: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. وإن من أعظم هذه النعم نعمةُ العقل الذي هو أداة التفكير، وقد جاء في كتاب الله عز وجل في أكثر من موضع ذكر هذه النعمة؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]. إن التفكير نعمة ربَّانية عظيمة، اختص اللهُ بها الإنسانَ، وجعلها مناط التكليف، وميَّزه بها عن غيره من بين سائر الجمادات والنباتات والحيوانات؛ نظرًا لأهميتها وفضلها العظيم؛ حيث إنها تورث العبد العلمَ والمحبة، والنور والإيمان، وهي عبادة أهل الصلاح والتقوى، كما حث القرآن الكريم على التفكير في مواضع عديدة؛ منها: ﴿ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 176]. ﴿ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]. ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الرعد: 3]. ﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]. ﴿ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219]. ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [آل عمران: 191]. ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 50]. ﴿ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الروم: 8]. ﴿ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46]. وفي بعض الآيات الأخرى جاء تحقيرُ وتوبيخ القوم الذين عطَّلوا عقولهم وتفكيرهم: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج: 46]. إلا أن الكثير قد يستخدم نعمةَ التفكير في الحصول على منفعة قصيرة المدى من منافع الحياة، ويتوقف عند هذا الحد من إمعان التفكير، فيُصبح تفكيرهم ( تفكيرًا جزئيًّا )، ولا يتعدى تفكيرهم إلى من أوجد لهم هذه المنافع (الله)، والحكمة من وجودها، وشكر المنعم (الله) على نعمه وأنْ لا منعم إلا هو (الله)، أو قد يستخدمون تفكيرهم في ارتكاب المعاصي. ولكن القليل ﴿ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ هم الذين يتعدى تفكيرُهم إلى تعبيد كلِّ هذا للخالق: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]. فيصبح التفكير أغلى وأثمن ما يَملِكه الإنسان، فهو عبادة من العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]. ومن هنا كانت الغاية من التفكير أن يصلَ العبد في تفكيره إلى تعظيم الله وإجلاله: ﴿ وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الجاثية: 37]. ومن هنا شرع الله ذكر كلمة (الله أكبر) في عباداتٍ عديدةٍ وطاعاتٍ متنوعةٍ؛ مثل: الصلاة، فالتكبيرُ يترددُ على لسانِ المسلم، ويتكرَّر معه في أيامه ولياليه تَكرُّرًّا كثيرًا؛ مما يدلُّ على مكانةِ التكبيرِ العُظْمى، ومنزلته العليا في حياةِ المسلم. إن كلمةَ "الله أكبر " ليست كلمةً لا معنى لها، أو لفظًا لا مدلول له، بل إنها كلمةٌ تعني تكبيرَ الله وتعظيمَه جل وعلا، واعتقاد أنه لا أكبر منه عز وجل، وأنه سبحانه الكبيرُ المتعال الذي عنَتْ له الوجوه، وذلَّتْ له الجِباه، وخضَعت له الرِّقاب، وتصاغرَ عند كبريائِه كلُّ كبيرٍ وعظيمٍ . ولكي تكون هذه الكلمة عبادة حقيقية، فإنها لا تُذكَر باللسان فقط، بل تتولَّد في قلب المؤمن بعد تفكير عميقٍ في آيات الله الكونية: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 190، 191]، وآياته القرآنية: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24]. " فالله أكبر" هي منهج تفكير للمؤمن في حياته، وهي اعتقادٌ جازمٌ وإيمانٌ راسخٌ بأن الله جل وعلا هو الكبيرُ المتَعَالُ. أخي المسلم، لن تذوق حلاوة الإيمان إلا بعد أن تُمعن التفكير، وتصل بتفكيرك إلى" الله أكبر"؛ فهي كلمة جامعة لمعاني العبودية، ودالة على أصول عبادة الله تعالى وفروعها. " الله أكبر" أصدق كلام وأعذبه وأحلاه. "الله أكبر" أبلغ لفظٍ يدل على تعظيم الله تعالى وتمجيده وتقديسه. "الله أكبر" كلمة ينخلع لها قلبُ المؤمن هيبةً من تكبيره لعِظَم ما قام في قلبه من تعظيم الله تعالى. أخي المسلم، "الله أكبر" كلمة تقدَح في قلبك الضياءَ بتعظيم ربِّ العالمين، كيف لا وليس شيء أعظمَ من الله تعالى؟ عندما كنا نقول ونعمل "بالله أكبر"، سُدنا العالم وقُدناه إلى الحق في عصور الإسلام الزاهية. "الله أكبر" كلمةٌ صنعَت في تاريخ المُسلمين العجائبَ، وبثَّت في أهلها من القوة ما استعلَوا فيه على كل كبيرٍ سوى الله - عزَّ شأنُه، وجلَّ جلالُه - تنطلِقُ من الأفواه قويةً مُدويَّة، يتضاءَلُ أمامَها كبرياءُ كل مُتكبِّر، وعظمةُ كل مُتعاظِم، تعلُو كلَّ مظاهر الفساد. وعندما تركنا "الله أكبر" ، وأكْبَرنا هوى الأنفس، كان الذُّلُّ والصَّغارُ، وتكالَبت علينا كلُّ أمم العالم. كيف تذهل القلوب عن عظمة ربٍّ قال جل وعلا: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67]؟! إن الله سبحانه وبحمده أخبر في هذه الآية عن قوم - وهو حال أكثر الناس الآن - قصَّروا في تعظيمه، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾؛ أي: لم يعظِّموه حقَّ تعظيمه، لم يعظموه التعظيمَ الواجب له سبحانه وبحمده، فماذا كان من هذا القصور في التعظيم؟ كان الضلال، وأنواع من الشرك، فعَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ))، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: ((فَمَنْ؟))؛ متفق عليه. فقد عظَّمنا عمل أهل الكفر، وقُمنا بأعمالهم، وتركنا تعظيم منهج الله، ولم نُعطه قدرَه، فكانت الهاوية التي نحن فيها الآن، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: ((يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا))، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ((بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ))، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: ((حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ))؛ (أبو داود). أخي المسلم، هل من عودة إلى "الله أكبر" قولًا وإيمانًا وتصديقًا، وفعلًا وسلوكًا في الحياة؛ تجديدًا لعهد الإيمان وتقويةً لميثاقه العظيم، وثقةً في ربنا الكبير العظيم جل وعلا: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96] ؟! إن كلمة " الله أكبر " ترتعد لها قلوبُ أعداء الله عز وجل. "الله أكبر" كلمة تنخلع لها قلوبُ الجبابرة في بقاع الأرض. فهل من عودةٍ إلى "الله أكبر"؛ ليعود للإسلام مجدُه، ونكون في كنَفِ الله ومعيَّته، ونشعُر بالأمن والأمان مع ربنا وخالقنا. ما أحلاها من كلمةٍ نعيشها بفكرنا وأرواحنا وألسنتنا، وتكون منهج تفكير لنا في الحياة.