article_title
stringlengths 1
185
| author_name
stringlengths 2
70
| date_added
stringlengths 10
10
| read_count
int64 24
10.8M
| article_link
stringlengths 45
1k
| text
stringlengths 6
254k
|
---|---|---|---|---|---|
حاشية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري على تفسير البيضاوي | محمود ثروت أبو الفضل | 08-04-2020 | 13,919 | https://www.alukah.net//culture/0/139573/%d8%ad%d8%a7%d8%b4%d9%8a%d8%a9-%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b2%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%b6%d8%a7%d9%88%d9%8a/ | حاشية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري على تفسير البيضاوي صدر حديثًا كتاب حاشية شيخ الإسلام زكريا الأنصاري على تفسير الإمام البيضاوي المعروف بـ: "حاشية فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل" ، من إصدارات "مركز الجيلاني للبحوث العلمية والطبع والنشر"- إسطنبول بتركيا، وتوزيع "روضة الكتاب العربي" - بيروت. وهذه الحاشية لشيخ الإسلام "زكريا الأنصاري" على تفسير الإمام " البيضاوي " المسمى بـ" أنوار التنزيل وأسرار التأويل " الذي هو بدوره تلخيص لكتاب الإمام الزمخشري "الكشاف" والذي كان من أول من اعتنى في تفسيره بمسائل المعاني والبيان رغم نزعته الاعتزالية، ونجد أن "كشاف الزمخشري" اعتنى به كثير من العلماء والأئمة لأهميته اللغوية فمنهم من اختصره، ومنهم من حشى عليه، ومنهم من انتقده وتتبعه في اعتزالياته، ومنهم من شرحه. ومن هؤلاء الأئمة: الإمام "القاضي البيضاوي " الذي لخص من كشاف " الزمخشري " ما يتعلق بالإعراب والمعاني والبيان، ونقاه وهذبه من كثير من الاعتزاليات، وخلصه من تفسير "الفخر الرازي" فيما يتعلق بالحكمة والكلام، ومن تفسير "الراغب الأصفهاني" مما يتعلق بالاشتقاق، وغوامض الحقائق، ولطائف الإشارات، فلقى هذا التفسير عند العلماء قبولًا حسنًا، وعكفوا على تعلمه وتعليمه وشرحه، ومنهم من حشى عليه حاشية مختصرة أو كبيرة، ومنهم حاشية شيخ الإسلام "زكريا الأنصاري" التي كانت في عداد المخطوطات. ولعل هذه الحاشية تشهد بعلو جهود الشيخ " زكريا الأنصاري " في علم التفسير إلى جانب جهوده الخلاقة في فنون أخرى من العلم، وهو جانب مخفي من شخصية الشيخ "زكريا الأنصاري" العلمية. يقول الشيخ "زكريا الأنصاري" في مقدمة الحاشية: «فهذا تعليق وضعته على تفسير القرآن العظيم المسمى بـ"أنوار التنزيل وأسرار التأويل" للإمام "البيضاوى"، طيب الله ثراه وجعل الجنة مأواه، يفتح منه مقفله وتوضح مجمله». وهذه الحاشية سبق أن قامت عدة محاولات تحقيقية لمخطوطها وذلك كرسالة ماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الاسلامية 1405 هـ، تحقيق "الحسن خلوي حسن موكلي"؛ إشراف د. "عبدالله سلقيني"، وإن اقتصر في تحقيقه للحاشية حتى تفسير سورة النساء، وكذلك تم تقسيمها على عدد من الباحثين في مرحلة الدكتوراه بكلية أصول الدين بالقاهرة - جامعة الأزهر على يد المحقق "أحمد بن جار الله بن عايد الزهراني" وغيره من زملائه من المحققين، بإشراف د. "عبد الرحمن محمد علي عويس"، ود. "محمود محمد محمود غطاس"، وذلك عام 1433 هـ، وكذلك تحقيق غير كامل لسورتي المائدة والأنعام من الحاشية على يد المحقق "عيسى عبدالرحيم حسين المكدمي"، وبإشراف "نصير خضر سلمان"، وذلك بكلية الآداب بالجامعة الإسلامية بغداد عام 2006 م. إلى جانب محاولات أخرى في كلية أصول الدين بجامعة أم درمان الإسلامية فرع دمشق كرسائل ماجستير. غير أن هذا الإصدار يمتاز بأنه يطبع لأول مرة تحقيقًا كاملًا للحاشية وذلك على خمس مخطوطات، بصورة علمية رصينة، راعت الفروق بين تلك المخطوطات، وضمت شتات تلك الحاشية الهامة من ذخائر التراث الإسلامي. من نسخ مخطوطات حاشية زكريا الأنصاري على تفسير البيضاوي والشيخ زكريا الأنصارى هو: زين الدين أبو يحيى زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا المصرى الشافعى، شيخ الإسلام. قاض مفسر، من حفاظ الحديث. • ولد في سنيكة (بشرقية مصر) بَيْن سنة 823ه وسنة 824 هـ وتعلم في القاهرة وكف بصره سنة 906 هـ. • نشأ فقيرًا معدمًا، وأخذ العلم عن كثير من علماء مصر، بلغ شيوخ القاضي زكريا الأنصاري كثرة كاثرة، قيل إنهم زادوا على مئة وخمسين شيخًا، أذنوا له بالتدريس والإفتاء. • ومن جملة مشايخه: ابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام شمس الدين القاياتي، وزين الدين الزركشي، والكافيجي، وابن المجدي، وابن الفرات، والبلقيني، وابن الظهيرة، والكمال ابن الهمام، والسبكي، وابن الخشاب.. وغيرهم الكثير. • ولما ظهر فضله تتابعت إليه الهدايا والعطايا، بحيث كان له قبل دخوله في منصب القضاء كل يوم نحو ثلاثة آلاف درهم، فجمع نفائس الكتب وأفاد القارئين عليه علمًا ومالًا. • ونجد أنه بعد أن استكمل القاضي "زكريا الأنصاري" الأدوات التي مكنته من مزاولة نشاطه العلمي، وبعد أن تبوأ الصدارة بين معاصريه ومنافسيه، فقد أسندت إليه مهمات عدة، وهي: ♦ التدريس بمقام الإمام الشافعي. قال العيدروسي: ولم يكن بمصر أرفع منصبًا من هذا التدريس. ♦ مشيخة خانقاه الصوفية. ♦ مشيخة مدرسة الجمالية. • وولاه السلطان قايتباي الجركسي (826 - 901) قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد مراجعة وإلحاح. ولما ولي رأى من السلطان عدولًا عن الحق في بعض أعماله، فكتب إليه يزجره عن الظلم، فعزله السلطان، فعاد إلى اشتغاله بالعلم إلى أن توفي عام 926 هـ. وقد أثنى عليه كثير من العلماء وانطلقت ألسنتهم بالثناء عليه، وذكر محاسنه وشيمه، ومن ضمن هذه الشهادات: قال الغزي: الشَّيْخ الإِمَام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين، وسيد الفقهاء والمحدّثين، الحَافِظ المخصوص بعلو الإسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد، العالم العامل، والولي الكامل. وقال العيدروسي: الشَّيْخ الإِمَام العلامة شيخ الإسلام قاضي القضاة. وقال السخاوي: لَهُ تهجد وتوجه وصبر واحتمال، وترك القيل والقال، وله أوراد واعتقاد وتواضع وعدم تنازع، وعمله في التودد يزيد عَن الحد، ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته، وعدم مسارعته إِلَى الفتوى تعدُّ من حسناته. وقال أيضًا: ولم ينفك عن الاشتغال على طريقة جميلة من التواضع وحسن العشرة والأدب والعفة، والانجماع عن بني الدنيا مع التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسلامة الباطن والاحتمال والمداراة. وقال العيدروسي: ويقرب عندي أنه المجدد عَلَى رأس القرن التاسع لشهرة الانتفاع بِهِ وبتصانيفه. وقال السيوطي: لزم الجد والاجتهاد في القلم والعلم والعمل، وأقبلَ عَلَى نفع الناس إقراءً وإفتاءً وتصنيفًا، مَعَ الدين المتين، وترك ما لا يعنيه، وشدة التواضع ولين الجانب، وضبط اللسان والسكوت. وقال ابن حجر الهيتمي: وقدّمت شيخنا زكريا لأنه أجلُّ مَنْ وقع عَلَيْهِ بصري من الْعُلَمَاء العاملين والأئمة الوارثين، وأعلى من عَنْهُ رويت من الفقهاء والحكماء المسندين، فَهُوَ عمدة الْعُلَمَاء الأعلام، وحجة الله عَلَى الأنام، حامل لواء مذهب الشَّافِعِيّ عَلَى كاهله، ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكرته وأصائله، ملحق الأحفاد بالأجداد، المتفرد في زمنه بعلو الإسناد، كيف وَلَمْ يوجد في عصره إلا من أخذ عَنْهُ مشافهة أَوْ بواسطة أَوْ بوسائط متعددة، بَلْ وقع لبعضهم أنه أخذ عَنْهُ مشافهة تارة، وعن وغيره مِمَّنْ بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى، وهذا لا نظير لَهُ في أحد من عصره، فنعم هَذَا التميز الَّذِي هُوَ عِنْدَ الأئمة أولى وأحرى؛ لأنَّه حاز بِهِ سعة التلامذة والأتباع، وكثرة الآخذين عَنْهُ ودوام الانتفاع. وَقَالَ ابن العماد: شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحَافِظ. وَقَالَ الأدنروي: مفتي الشافعية العالم الفاضل الْقَاضِي. وله تصانيف كثيرة، قال عنها الشوكاني: « له شروح ومختصرات في كل فن من الفنون»، ومنها: • (فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن) في التفسير. • (تحفة الباري على صحيح البخاري). • (فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل) تعليق على تفسير البيضاوي. • (المطلع شرح إيساغوجي) في المنطق. • شرح ألفية العراقي بعنوان: (فتح الباقي بشرح ألفية العراقي) في مصطلح الحديث. • (شرح شذور الذهب) في النحو. • (تحفة نجباء العصر في أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر) في التجويد. • (اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم) رسالة. • (الدقائق المحكمة في شرح المقدمة الجزرية) في القراآت. • (فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام). • (تنقيح تحرير اللباب) فقه. • (غاية الوصول إلى شرح لب الأصول) في أصول الفقه. • (لبّ الأصول) اختصره من جمع الجوامع. • (أسنى المطالب في شرح روض الطالب) فقه، أربعة أجزاء. • (الغرر البهية في شرح البهجة الوردية) فقه، خمسة أجزاء. • (بهجة الحاوي) شرح على "الحاوي الصغير" للقزويني في الفقه. • (منهج الطلاب) في الفقه. • (الزبدة الرائقة) رسالة في شرح البردة. • (الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة) شرح طائفة من الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين، مع تعريفها اللغوي وحدها الشرعي. |
تفسير علماء الدعوة في نجد لمحمد بن سريع السريع | محمود ثروت أبو الفضل | 07-04-2020 | 5,947 | https://www.alukah.net//culture/0/139553/%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d8%ac%d8%af-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%b9/ | تفسير علماء الدعوة في نجد لمحمد بن سريع السريع صدر حديثًا كتاب " تفسير علماء الدعوة في نجد "، إلى بداية القرن الرابع عشر - جمع ودراسة -، تصنيف: أ.د. " محمد بن سريع بن عبد الله السريّع "، في جزأين، وذلك من إصدارات " دارة الملك عبدالعزيز "، وذلك ضمن سلسلة الرسائل الجامعية. و أصل الكتاب رسالة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، قسم القرآن وعلومه، وذلك تحت إشراف فضيلة الشيخ الدكتور " إبراهيم بن سليمان الهويمل "، وذلك عام 1417 هـ - 1996م. وتجمع هذه الدراسة جهود علماء الدعوة الإصلاحية في تفسير آيات القرآن الكريم منذ ظهور الدعوة إلى بداية القرن الرابع عشر الهجري، ويقدم تراجم موجزة لهؤلاء العلماء، موضحًا آثار الدعوة في إصلاح العقيدة وبعث الحركة العلمية، وإصلاح الجوانب السياسية والاجتماعية في شبه الجزيرة العربية. مبينًا من خلال الرسالة منهاج أولئك العلماء في التفسير، الذي يعتمد على الأثر والرأي الممدوح، مشيرًا إلى ما اختص به منهاجهم في التفسير من بيان العقيدة وأصولها ونفي الشركيات، وربط الآيات بالواقع، وسهولة التناول، ووضوح الأسلوب، واحتذاء نهج السلف الصالح. كما بين الباحث أن الدعوة التي قامت في نجد كانت من أعظم الدعوات السلفية في تاريخ الأمة المعاصرة، والتي جاءت لتجديد معالم الدين وإزالة غاشية الانحراف والبدع التي غشيت على كثير من المسلمين فكان لها أبلغ الأثر وأوضحه ليس في داخل الجزيرة العربية فقط بل تعداه إلى كثير من بلدان العالم الإسلامي. كما أن هذه الدعوة قد أَثْرَت الأمة برجالها ومؤلفاتها ورسائلها فخليق بدعوة بهذه المثابة أن يولى تراثها العناية اللائقة به. إلى جانب جهل كثير من شباب الأمة وطلبة العلم فيها بنتاج تلك الحقبة من التاريخ بما فيها من تراث علمي وفكري ثري. كما أشار الكتاب إلى أبرز مصادر هؤلاء العلماء النجديين في التفسير التي شملت كتب التفسير والحديث واللغة وغيرها، حيث تأثر أئمة الدعوة في نجد بأئمة السلف كمالك بن أنس والثوري وإسحاق وأحمد وابن جرير الطبري وابن تيمية وابن القيم وابن كثير رحمهم الله في تفسيراتهم، لا سيما في مسائل العقيدة التي تنازع فيها أهل القبلة كمسائل الإيمان والقدر والصفات ونحو ذلك، وذلك أن هذه المسائل إنما تتلقى من القرآن، ففهم كلام الله على الوجه الصحيح - كما فهمه السلف - يقي المرء من التخبط والضلال في هذا الباب. كما وضح الكاتب في رسالته أبرز الموضوعات التي تناولوها في تفسيراتهم التي ركزت على بيان أنواع التوحيد والرد على المخالفين، ثم يعرض الكتاب تفاسير أولئك العلماء مرتبة حسب ترتيب السور والآيات في المصحف، مرتبًا النقول عن العلماء في الآية الواحدة حسب تقدم الوفاة. وقد جاءت خطة البحث في مقدمة وقسمين وخاتمة. المقدمة بين فيها الباحث أهمية البحث وأسباب اختياره، وخطة البحث والمنهج في كتابته. القسم الأول خصص للدراسة في أربعة فصول: الفصل الأول: وفيه مبحثان: المبحث الأول: وفيه: ♦ لمحة موجزة عن الحالة السياسية والعلمية والاجتماعية في عصر الأئمة. ♦ تراجم موجزة لأئمة الدعوة الذين تناول تفسيرهم هذه الدراسة. المبحث الثاني: آثار دعوة التجديد: 1- في إصلاح العقيدة. 2- في بعث الحركة العلمية. 3- في إصلاح الجوانب السياسية. 4- في إصلاح الجوانب الاجتماعية. الفصل الثاني: منهج الأئمة في التفسير وخصائصه، وفيه مبحثان: المبحث الأول: منهجهم في التفسير: أولًا: التفسير بالأثر: أ- تفسير القرآن بالقرآن. ب- تفسير القرآن بالسنة. جـ- تفسير القرآن بأقوال الصحابة. د- تفسير القرآن بأقوال التابعين. ثانيًا: التفسير بالرأي الممدوح: أ- اللغة. ب- النحو. جـ- الجمع بين الأقوال. المبحث الثاني: من خصائص المنهج، وفيه أربعة مطالب: الأول: بيان العقيدة وعرض الآيات التي تتحدث عنها بأسلوب صحيح. الثاني: بيان الآيات للواقع. الثالث: سهولة التناول ووضوح الأسلوب. الرابع: الاعتماد على منهج السلف في تفسير الآيات وفهمها. الفصل الثالث: مصادرهم: أولًا: من كتب التفسير. ثانيًا: في الحديث. ثالثًا: في اللغة. رابعًا: كتب عامة. الفصل الرابع: أبرز الموضوعات التي تناولوها: أولًا: بيان أنواع التوحيد. ثانيًا: الولاء والبراء. ثالثًا: الحكم والتحاكم. رابعًا: الردود على المخالفين. القسم الثاني من الدراسة: جمع التفسير: حيث رتب الباحث فيه النقول حسب ترتيب السور والآيات في المصحف، ورتب النقول عن الأئمة في الآية الواحدة حسب تقدم الوفاة. ثم خاتمة البحث التي أجمل فيها أهم نتائج الدراسة مذيلة بالفهارس التي تخدم موضوع الدراسة. وقد بين الكاتب أنه قام باستيفاء جهده في جرد أغلب كتب الأئمة المطبوعة حيث قام باستخلاص كلامهم في التفسير منها، دون ما يعتمدون فيه على النقل المجرد، أو ما يكون الكلام فيه مختصرًا، وكذا إن كان الكلام متشابهًا والمعنى واحدًا في تفسير آية فإنه يكتفي بأوفاها بالمقصود. مع ذكر المصدر الذي نقل عنه مع بيان الجزء والصفحة، وعدم التعرض لكلام الأئمة بشيء من التغيير إلا إذا كان الأمر يحتاج إلى ذلك. مع التعليق على بعض المسائل التي رأى أهمية التعليق عليها ببيان أو إيضاح أو زيادة دليل أو قول أو نحو ذلك. وبين الكاتب أن هذه الدراسات في تاريخ الدعوة من أبرز الدراسات في الرد على الخصوم والأعداء الذين ألصقوا بالدعوة ما ليس منها، فكان إخراج تراثها في سائر الفنون أعظم رد على هؤلاء بالحجة والدليل من كتب أئمة الدعوة أنفسهم مباشرة دون وسيط أو آراء تدعم الدعوة النجدية من باب العاطفة فقط. ود. " محمد بن سريع السريع " يعمل أستاذًا في قسم القرآن وعلومه - كلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، حصل على درجة البكالوريوس - قسم شريعة - من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1409هـ، وحصل على درجة الماجستير من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 1417هـ وكان عنوان الدراسة "تفسير أئمة الدعوة في نجد إلى بداية القرن الرابع عشر, جمع ودراسة"، وحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1423هـ وكان عنوان الرسالة "غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني لأحمد بن إسماعيل الكوراني، من أول سورة الأنفال إلى آخر سورة إبراهيم، دراسة وتحقيق". كما شغل منصب: • عضو وحدة البحوث بكلية أصول الدين. • عضو وحدة التقويم والجودة بكلية أصول الدين. • عضو اللجنة العامة للمعاهد العلمية. • رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السعودية للقرآن الكريم وعلومه (تبيان). • مستشار شرعي لعدد من المواقع العلمية الشرعية على شبكة المعلومات العالمية. ومن مصنفاته: • رحمة الله بخلقه في القرآن الكريم. • أسباب النفاق وأساليب المنافقين في ضوء سورة التوبة. • أسباب ورود القيود التي لا مفهوم لها في القرآن الكريم ، دراسة تفسيرية. • أوجه تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم للقرآن الكريم في صحيح البخاري. • جهود الشيخ عبدالعزيز بن باز في تفسير القرآن الكريم. • دلائل نبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- في القرآن الكريم - دراسة تفسيرية. • الهوية، أهميتها ومقوماتها. • صفات المنافقين في ضوء سورة التوبة. • نسخ القرآن بالسنة. |
النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي لطارق بن عدنان بادريق | محمود ثروت أبو الفضل | 06-04-2020 | 5,086 | https://www.alukah.net//culture/0/139535/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%82%d8%a9-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%aa%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%81%d8%aa%d9%8a-%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%b1%d9%82-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%b1%d9%8a%d9%82/ | النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي لطارق بن عدنان بادريق صدر حديثًا كتاب " النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي - جمعًا ودراسة "، تأليف: " طارق بن عدنان بن أحمد بادريق "، من إصدارات " دار الرشد ". وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الماجستير بقسم الشريعة في كلية الشريعة - من جامعة أم القرى، وذلك عام 1438 هـ- 2017 م، جمع فيها الباحث المسائل والضوابط والآداب والمعالم المتعلقة بالمفتي والمستفتي فيما لو كانت عبر الوسائل والتقنيات الحديثة، بغية الوصول إلى التكامل بين الدراسات السابقة في هذا الباب، والواقع المعاصر الذي فرض نفسه في تغيير أسلوب الإفتاء والاستفتاء إلى حد كبير. وقد بدأ الكاتب دراسته بفصل تمهيدي لدراسة بعض مسائل النوازل، والفتوى، والمفتي، والمستفتي، حتى يتصور أمر الإفتاء في النوازل بشكل جيد، إذ الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره. وقد قام الكاتب بدراسة المسائل النازلة المتعلقة بمباحث المفتي والمستفتي، وقد تطرق فيها إلى أثر الوسائل الحديثة في معاونة المفتي على اجتهاده، وموقف المفتي من الإجابة على المستفتي عبر الوسائل الحديثة، وبرامج الإفتاء المعاصرة، ومؤسسات الفتيا الجماعية المعاصرة، وتأصيل الاستفتاء عبر الوسائل الحديثة، وأثر الوسائل الحديثة في موقف المستفتي من المفتي، وبعض المحاذير المعاصرة المتعلقة بالمفتي والمستفتي. ويرى الكاتب أن النوازل المتعلقة بمباحث المفتي والمستفتي لم تنل ما تستحقه من العناية الكافية لبيان مسائلها ومعرفة أحكامها، كي يكون المفتي والمستفتي على بصيرة وبرهان تجاه هذه النوازل. فالمتأمل في عصرنا الحاضر يجد أن عملية الإفتاء بالوسائل الحديثة أصبحت أكثر انتشارًا وأعظم نفعًا من غيرها من الطرق التقليدية؛ كالمشافهة والمراسلة، وسبب انتشارها يعود إلى سهولة وسرعة استخدام هذه الوسائل الحديثة في عملية الاستفتاء والإفتاء دون كثير جهد، مما يوفر الأوقات ويقلل المجهود على المفتي والمستفتي في إدراك المطلوب وتحصيل المأمول. ويأمل الكاتب أن تؤدي نتائج هذا البحث بشكل فعال في تقديم بعض التوصيات والاقتراحات التي تساعد المفتي والمستفتي في أداء دورهما تجاه مستجدات العصر المؤثرة في مباحثهما خاصةً في وسائل الإعلام الحديث. وإلى جانب أهمية الموضوع برزت عدة أسباب حتمت بحث تلك المسألة المعاصرة منها: • بيان جوانب النوازل المتعلقة بالمفتي والمستفتي التي لم يتطرق لها المتقدمون. • كثرة المستخدمين للوسائل الحديثة في عملية الاستفتاء والإفتاء، مما يجعل تفصيل أحكامها واجبًا شرعيًا ملحًا. • تحقيق بعض الإضافات العلمية في مجال الدراسات الأصولية. • حاجة المفتي والمستفتي إلى معرفة النوازل المتعلقة بهما، وبالتالي فمن المهم وضع معايير واضحة وضوابط نافعة لتلك النوازل. كما أن البحث في هذا الموضوع له أهمية بالغة في بيان السبيل القويم للمفتي والمستفتي في ظل التقدم التقني المذهل لوسائل الاتصال، ليدلنا بذلك على أن الشريعة قادرة على مواكبة التطور المستمر ومعالجة قضايا العصر في جميع نواحي الحياة في كل زمان ومكان. |
تعليقة على كتاب الشفا لابن رسلان تطبع لأول مرة | محمود ثروت أبو الفضل | 05-04-2020 | 6,551 | https://www.alukah.net//culture/0/139509/%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%81%d8%a7-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b1%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%86-%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d8%b9-%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%85%d8%b1%d8%a9/ | تعليقة على كتاب الشفا لابن رسلان تطبع لأول مرة صدر حديثًا نسخة محققة تصدر لأول مرة لكتاب " تعليقة على كتاب الشفا للقاضي عياض " تأليف الإمام " أحمد بن حسين بن رسلان الرملي " (ت سنة 844 هـ)، وذلك بتحقيق ودراسة الباحث المحقق " طارق علي عشماوي "، وذلك عن دار " علم لإحياء التراث والخدمات الرقمية ". ويعد كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض من المؤلفات التي طبقت شهرتها الآفاق، ولم يكد يخلو عصر من العصور إلا ونجد فيه من اهتم بهذا الكتاب وشرحه أو اختصره أو علق عليه وتعقبه ونظمه، مشرقًا أو مغربًا في أرجاء العالم الإسلامي، وهذا الذي ترجمه المقري في أزهار الرياض (4 /308) بقوله: «وقد اعتنى الأئمة بشرح كتاب الشفا والتعليق عليه»، وقد زادت تلك الشروح والمؤلفات على مئة وأربعين كتابًا، منهم هذا الكتاب النادر لشرح الشفا لشهاب الدين أحمد بن حسين أبو العباس الرملي الشافعي المعروف بابن رسلان (ت 844 هـ)، والذي يقول في مقدمته: «أما بعد فهذه تعليقة على كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- للقاضي أبي الفضل عياض بن موسى السبتي المالكي رحمه الله تعالى أرجو إن شاء الله تعالى أن تكون نافعة ويستغنى بها عن كثير من الكتب للمراجعة». وشرحه على الشفا ذكره السخاوي في " الضوء اللامع" (1 /285) فقال: «واعتنى فيه بضبط ألفاظه»، كما ذكره ابن العماد في " الشذرات " وبروكلمان في " تاريخ الأدب العربي ". وهو تعليق مختصر، اعتنى فيه بضبط ألفاظ الشفا وشرح غريبه، والكلام على النواحي الصرفية واللغوية والإعرابية. كما أنه تعقب القاضي عياض في مواضع من المسائل أنه وهم فيها، أو بناها على بعض ما يستدرك عليه من روايات ضعيفة. وقد قام المحقق "طارق علي عشماوي" بالاعتناء بالكتاب ومقابلته على مخطوطاته حيث نجد للكتاب أكثر من نسخة خطية وهي: ♦ نسخة في دار الكتب المصرية رقم (582 حديث) وبرقم (1301). ♦ وبالجزائر أول رقم (263317) من 81 ورقة. ♦ وفي مكتبة الظاهرية بدمشق رقم (1583) من 29 ورقة. ♦ ونسختين في جامعة برنستون بأمريكا برقم (2204) من 43 ورقة، وبرقم (3365) من 50 ورقة. ♦ ونسخة في مكتبة لاله لي بإستانبول رقم (442). ♦ ونسخة في متحف طوبقابوسراي بإستانبول تحت رقم (M. 271/2) من 57 ورقة. ♦ ومنه نسخة بديعة بمكتبة رفاعة الطهطاوي رقم (53) تضم 46 ورقة، كتبت بخط فارسي في القرن 11 هـ تقديرًا، مؤطرة بإطار مذهب. نسخة مكتبة برنستون وصاحب الكتاب أحمد بن أمين الدين حسين بن الحسن بن علي بن يوسف ( ابن رسلان ) الرملي شهاب الدين المقدسي الشافعي، ولد سنة 753 هـ، وتوفي سنة 844 هـ (هكذا ورد في هدية العارفين (5 /126)، وذكر الشوكاني في البدر الطالع أنه ولد سنة 773هـ، وهكذا أوردها الحنبلي في الشذرات). كان مولده في مدينة الرملة الفلسطينية ونشأ بها، حفظ القرآن وله نحو عشر سنين، وانتقل إلى القدس وكان أول أمره يشتغل بالنحو واللغة والشواهد والنظم، وقرأ الحاوي على القلقشندي وابن الهائم، وعنه أخذ عنه الحساب والفرائض، وأجازه قاضي القضاة الباعوني بالإفتاء وأصوله والعربية وولي تدريس الخاصيكية، ودرس بها مدة ثم تركها وأخذ عن جماعة من أهل الطريقة وسمع من جماعة في الحديث وغيره حتى صار فقيهًا في الحديث والتفسير والكلام وغير ذلك، ولم تكن تخلو سنة من سنيه عن إقامة على جانب البحر ( قرب يافا ) مرابطًا في سبيل الله، ولم يقبل العطايا والهدايا، وله محافظة على الأذكار والأوراد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، معرضًا عن الدنيا حتى أنه لما سافر الأشرف إلى أمد هرب من الرملة إلى القدس في ذهابه وإيابه لئلا يجتمع به، وما زال في ازدياد من الخير والعلم حتى قُصدَ للزيارة من سائر الآفاق، وكثرت تلامذته ومريدوه، وتهذب به جماعة وعادت على الناس بركته. قال السخاوي: (وهو في الزهد والتورع والتقشف واتباع السنة وصحة العقيدة كلمة إجماع بحيث لا أعلم في وقته من يدانيه في ذلك، وانتشر ذكره بعد صيته وشهد بخيره كل من رآه). وله تصانيف كثيرة منها: 1) تعليقه على الشفا للقاضي عياض. 2) تنقيح الأذكار. 3) الروضة الأربضة في قسم الفريضة. 4) الزبد فيما عليه المعتمد. 5) سطور الأعلام. 6) شرح الجامع الصحيح للبخاري. 7) شرح جمع الجوامع للسبكي في الأصول. 8) شرح الحاوي في الفروع. 9) شرح سنن أبي داوود. وتوفي في القدس يوم الأربعاء 14 شعبان سنة 844 هـ ودفن بماملا. |
مذكرات أحمد حسن الزيات باعتناء د. عبد الرحمن قائد | محمود ثروت أبو الفضل | 04-04-2020 | 7,859 | https://www.alukah.net//culture/0/139494/%d9%85%d8%b0%d9%83%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a8%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%af.-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%af/ | مذكرات أحمد حسن الزيات باعتناء د. عبدالرحمن قائد صدر حديثًا طبعة جديدة من " ذكرى عهود، أشلاء سيرة ذاتية " للأديب الكبير "أحمد حسن الزيات "، حررها وأعاد بناءها: د. عبدالرحمن بن حسن قائد، وذلك عن دار " آفاق المعرفة ". حيث كان من أماني الأديب الكبير الزيات أن ينشر مذكراته في كتاب عنونه بـ ( ذكرى عهود )، فكتب له بعضَ مقالاتٍ، ولكن حيل بينه وبين إتمامه ، وصلةً لرحم الأدب نهض د. "عبدالرحمن قائد" فجمع أشلاء سيرته الذاتية من كتبه، ومما لم يُنشر من مقالاته.. فجاء هذا الكتاب قرَّةَ عينٍ للأدباء والمثقفين، وسيرة الزيات سيرة ذاتية رائقة لإمام من أئمة الأدب في العصر الحديث، خلصها د. "عبد الرحمن قائد" للقارئ "تخليص من طبَّ لمن حبَّ"، يقول د. "عبد الرحمن قائد" في مقدمتها: "فاقرأها - فديتك - بعين الأديب لا بنظر الفقيه، والتمس منها المتعة لا القدوة، والعبرة لا الحجة، وابحث في سطورها عن تجربة الأيام لا عن منازل الأحكام، وتذوق ما اشتملت عليه من لطيف البيان وأعرض عن لغو القول وزلل اللسان، وإن تعثرت في سيرك بما تنكر فجاوزه إلى ما تعرف، واحرص على ما ينفعك، واستصحب الحكمة في جميع أمرك». ونجد أن "الزيات" شرع حين بلغ أشدَّه وجاز الأربعين من عمره في تدوين ذكرياته عن طفولته وقريته ومرابع صباه وفتون شبيبته، وابتدر نشرها في بعض مجلات القاهرة المغمورة لذلك العهد، وكان حريصًا على أن يجمعها في كتاب اختار اسمه ووضع مقدمته وبشَّر به خاصَّة صحبه قبل أن يتمَّ أمره ويستوي على سوقه، ويورد د. "عبدالرحمن قائد" في مقدمة كتابه أن "الزيات" عمل على هذه السيرة طيلة سنوات، ثم أرجأ نشر الكتاب لآخر حياته، ليستكمل موادَّه على مُكث، ويحبِّر فصوله في أناة، فيكون خير ختام لتاريخه، كما أجاب الإعلاميَّ الشاعر "فاروق شوشه" عندما سأله في برنامجه الإذاعي "مع الأدباء" قبل وفاة الزيات بنحو ثمان سنين. وقد جمع الكاتب ذكريات الزيات في مختلف عهود حياته من كتبه ومن المجلات التي كان ينشر فيها مقالاته، ونسخها وقابلها على أصولها، ورتَّبها على مراحل عمره ( الطفولة، والصبا، والشباب، والكهولة، والشيخوخة )، وختمها بعهودٍ مؤتلفات يجمع كل عهد منها وحدة موضوعية خاصة لا تتعلق بمرحلة عمريَّة بعينها، وهي ( أنا والرسالة، أنا والمرض، أنا وهؤلاء، أنا والحياة ). واجتهد لغرض التصنيف في تقسيم العهود العمرية بما يتلاءم مع مجريات حياة الزيات وأحداثها، وليس ذلك بالتقسيم القاطع والحدِّ المحدود، فإن الناس لم يزالوا مختلفين في تمييز مراحل الطفولة والشباب والشيخوخة من جهة اللغة وعلوم التربية والاجتماع. وقام د. " عبدالرحمن قائد " بالتصرَّف في مواضع قليلة بإعادة صياغة بعض عناوين المقالات بما يلائم سياق السيرة، مع ذكر عنوان مقال الزيات الأصلي بعد العنوان الجديد، وعامة العناوين المثبتة في الكتاب هي عناوين " الزيات " التي جفَّ عليها مداد قلمه. |
مباحث في ترجمة الحافظ مغلطاي بن قليج (689 - 762هـ) (PDF) | سامي بن محمد العمر | 01-04-2020 | 6,949 | https://www.alukah.net//culture/0/139455/%d9%85%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%ab-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d9%85%d8%ba%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d9%82%d9%84%d9%8a%d8%ac-689-762%d9%87%d9%80-PDF/ | ♦ عنوان الكتاب: مباحث في ترجمة الحافظ مغلطاي بن قليج. ♦ المؤلف: سامي بن محمد العمر. ♦ عدد الصفحات: 70. هذه مباحث يسيرة في ترجمة الإمام الحافظ مغلطاي بن قليج، من رسالة الدكتوراه التي كانت في تحقيق جزء من كتابه النفيس، وشرحه المفيد على صحيح الإمام البخاري؛ المسمى: (التلويح إلى شرح الجامع الصحيح)؛ أفردتها في هذه الرسالة. |
الإشارات والبشارات النبوية لعبدالرحمن علي الحجي | محمود ثروت أبو الفضل | 01-04-2020 | 4,671 | https://www.alukah.net//culture/0/139453/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d9%8a/ | الإشارات والبشارات النبوية لعبدالرحمن علي الحجي صدر حديثًا كتاب " الإشارات والبشارات النبوية " ، تأليف: د. " عبد الرحمن علي الحجي "، أستاذ السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والأندلسي وحضارته، وذلك عن دار القلم- دمشق. ويتناول الكتاب الأدلة الباهرة البليغة الشامخة إلى الإشارات الناطقة بنبوة الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم-، ينتقل بعدها الكاتب إلى البشارات المشهودة بهذه النبوة الكريمة، كلها بتوثيق عالي المقام من القرآن الكريم، ثم ما تبقى من أدلة دامغة، رغم التحريف الذي نال كتب أهل الكتاب، باعتراف علمائهم الصريح، وكل ما يحيطه، مما كان شائعًا يتم تناقله وتأثيره، في تصرفاتهم وحركتهم ورسم مستقبلهم وتحديد طريقهم، وهو ظاهر متوفر بالكثير من شهادات علمائهم، طفحت بها مؤلفاتهم، قادتهم إلى اعتناق الإسلام، وهو أمرٌ ما يزال مستمرًا، حتى اليوم دون توقف. كله بادٍ بنظرة سريعة في مضامين هذا الكتاب، لا سيما هوامشه المليئة بالموارد الأمهات والمراجع الحديثة المتنوعة، وجميعه مزين بالشواهد القوية الناصعة الرائقة والنماذج المؤكدة الشاهقة، مؤيدة موشحة مكللة بالحقائق الموثقة. وتكونت الدراسة من مقدمة وتمهيد وقسمين وخاتمة. بدأ البحث بتمهيد ومدخل للدراسة في حالة العالم والجزيرة النبوية قبل البعثة النبوية الشريفة، وتمهيدات ظهور الرسالة النبوية الخاتمة، إلى جانب أهم عناصر بناء الحياة الإسلامية. أما القسم الأول فتناول موجز حياته الشريفة -صلى الله عليه وسلم-، من حيث الإشارات قبل ولادته الكريمة، وبيان الصحيح منها من روايات أهل السيرة من الضعيف والمدخول. ودخل ضمن هذا القسم عدة مراحل على النحو التالي: المرحلة الأولى: من الولادة الكريمة إلى البعثة العظيمة: وفيه بيان نسب رسول الله الكريم -صلى الله عليه وسلم- وبيان مجمل الأحداث التي أحاطت بميلاده - صلى الله عليه وسلم. المرحلة الثانية: المجمل من البعثة العظيمة إلى الهجرة الشريفة: وفيه تفاصيل مرحلة الأمر بتبليغ الدعوة وبدء النبي -صلى الله عليه وسلم- ارتياد الأسواق للصدع بالأمر الإلهي. المرحلة الثالثة: من الهجرة النبوية الشريفة حتى التحاقه -صلى الله عليه وسلم- بالرفيق الأعلى: وفيه قيام دولة المدينة المنورة والمعارك مع قريش وصلح الحديبية، وباكورة الدبلوماسية والسفراء الستة، وشهادات ملوك الأكاسرة والحبشة والفرس بصدق الرسالة النبوية، مع بيان صفات النبي الخِلْقِية والخُلُقيّة، ودلائل أمية الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، مع ختام مجمل قبل سرد الإشارات النبوية الكريمة. أما القسم الثاني فيختص بالبشارات النبوية ويتناول النصوص التي تقدمها المصادر المتنوعة القائمة على التوثيق التام، وشواهد من كتب المصادر الغربية، وبيان الإشارات الموثقة تاريخيًا على ظهور نبي خاتم الزمان وترقبه وانتظاره وحديث الحنفاء عنه. مع شهادات أهل الكتاب وغيرهم من اليهود والنصارى. ومنه عرج الكاتب لذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة في الكتب السابقة والاعتراف به، وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باسمه في الكتب المقدسة وشهادات من أهلها. وبين الكاتب مفهوم البارقليط: مدلولها وأثرها، مع شهادة النجاشي، ووفد نصارى الحبشة ونجران، ومجمل إسلام أهل الكتاب، مع بيان أعلام النبوة. ويعد هذا الكتاب بموضوعه الذي تم تناوله من قبل مرارًا وتكرارًا من الدراسات الجامعة الموثقة - بشهادات جديدة تم تحليلها من قبل الكاتب - بصورة موسعة حيادية تناول فيها الدلائل والإشارات النبوية بأسلوب جديد عصري موثق بالأدلة والمصادر. |
شرح المقنع للحارثي: إطلالة وتعريف (PDF) | عبدالله بن ناصر المشعل | 31-03-2020 | 6,776 | https://www.alukah.net//culture/0/139435/%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d9%86%d8%b9-%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%ab%d9%8a-%d8%a5%d8%b7%d9%84%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81-PDF/ | شرح المقنع للحارثي إطلالة وتعريف ♦ عنوان الكتاب: شرح المقنع للحارثي: إطلالة وتعريف. ♦ المؤلف: عبدالله بن ناصر المشعل. ♦ عدد الصفحات: 13. كتاب المقنع للإمام الموفق أبي محمد عبدالله بن أحمد ابن قدامة المقدسي "من أعظم الكتب نفعًا، وأكثرها جمعًا، وأوضحها إشارة، وأسلسها عبارة، وأوسطها حجمًا، وأغزرها علمًا، وأحسنها تفصيلًا وتفريعًا، وأجمعها تقسيمًا وتنويعًا، وأكملها ترتيبًا، وألطفها تبويبًا؛ قد حوى غالب أمهات مسائل المذهب، فمن حصلها فقد ظفر بالكنز والمطلب". وهو: "من أجل الكتب في علمي الحلال والحرام تصنيفًا، وأجملها ترصيفًا، وأغزرها علمًا، وأعظمها تحريرًا، وأحسنها ترتيبًا وتقريرًا". ومن دلائل بركة الكتاب ونفعه، ما تمَّ حوله من أعمال المؤلفين والفقهاء، كالشروح والحواشي والتعليقات والمنظومات والاختصارات له، حتى عدّها بعض أهل العلم فبلغت أربعة وأربعين مؤلفًا. ومن أبرز شروحه وأميزها: شرح القاضي سعد الدين أبو محمد مسعود بن أحمد الحارثي البغدادي ثم المصري. وسينتظم الحديث عنه في عقدين: الأول: التعريف بالمؤلف. الثاني: أهمية كتابة وأمثلة من اختياراته. |
أحكام علاقة المسلم بالكافر في العبادات والعقوبات والأطعمة والقضاء | محمود ثروت أبو الفضل | 31-03-2020 | 8,064 | https://www.alukah.net//culture/0/139430/%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a7%d9%81%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b7%d8%b9%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a1/ | أحكام علاقة المسلم بالكافر في العبادات والعقوبات والأطعمة والقضاء صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة " الدراسات الفقهية" دراسة بعنوان (أحكام علاقة المسلم بالكافر في العبادات والعقوبات والأطعمة والقضاء) ، تأليف د. " عيسى بن سليمان بن فهد العيسى "، الأستاذ المشارك بقسم الفقه بكلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك عن "دار التحبير للنشر والتوزيع"، بالمملكة العربية السعودية. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراه في الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك عام 1433هـ/ 2012م، وأشرف على الرسالة د. " عدلان بن غازي الشمران ي". جمعت الدراسة جملةً من المسائل التي تتعلق بأحكام علاقة المسلم بالكافر في أبواب العبادات والعقوبات والأطعمة والقضاء، مع دراستها، وتحقيق مباحثها المتشعبة، وتحريرها بذكر مواضع الإجماع والنزاع، وذكر المسائل الخلافية وأقوال العلماء فيها، والراجح في كل مسألة. وترجع أهمية الرسالة لعموم البلوى بهذه الأحكام لا سيما في هذا الزمان، من جانب الإخوة المغتربين القائمين بالدول الغربية، وكثرة العلاقات مع أهل الكفر والسفر إلى بلادهم، وما وقع من توسيع باب الابتعاث، وعادة من يبتعث أن يمكث زمنًا طويلًا في تلك البلاد، مما يتأكد معه معرفة تلك الأحكام وتفصيلها فقهيًا. وهذه المسائل من النوازل المعاصرة لأنها ضمت جانبًا كبيرًا مما استحدث في هذا العصر في جانب الأطعمة والتنازع في المحاكم الغربية والنظم القضائية التي يرجعون إليها، إلى جانب مسائل العبادات التي يحتاج المسلم المقيم بديار الكفر إلى معرفتها والإحاطة بها في كل وقت حسب تغير الأحوال المتعلقة بتلك الدول. وقد اعتنى الكاتب في تلك الدراسة بضرب الأمثلة خاصةً الواقعية، وتجنب ذكر الأقوال الشاذة، والعناية بدراسة ما جدّ من القضايا مما له صلة واضحة بالبحث، واستقصاء أدلة الأقوال الفقهية مع بيان وجه الدلالة، وذكر ما يرد عليها من مناقشات، وما يجاب به عنها إن كانت. وقد جاءت هذه الدراسة في مقدمة، وتمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة، وفهارس. وتفصيل الدراسة على النحو التالي: التمهيد، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان المراد بالعلاقة بين المسلم والكافر. المطلب الثاني: أصناف الكفار. المطلب الثالث: الأسس والمبادئ التي تقوم عليها علاقة المسلم بالكافر. الفصل الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في العبادات وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في المياه وفيه أربعة مسائل: المسألة الأولى: أثر انغماس الكافر بالماء في سلبه الطهورية. المسألة الثانية: أثر رؤية الكافر للمرأة حين تطهرها في انتفاء حكم خلوتها بالماء. المسألة الثالثة: أثر خلوة المرأة الكافرة بالماء في منع الرجل من التطهر به. المسألة الرابعة: حكم قبول خبر الكافر بنجاسة الماء. المطلب الثاني: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الآنية، وفيه ثلاثة مسائل: المسألة الأولى: طهارة ثياب الكفار وأوانيهم. المسألة الثانية: استعمال أواني الكفار. المسألة الثالثة: غسل ثياب الكفار قبل لبسها. المطلب الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في صفة الوضوء، وفيه مسألة واحدة: مسألة: الاستعانة بالكافر في الوضوء. المطلب الرابع: أحكام علاقة المسلم بالكافر في نواقض الوضوء، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: انتقاض الوضوء بغسل الميت الكافر. المسألة الثانية: انتقاض الوضوء من مصافحة الكافر. المطلب الخامس: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الغسل، وفيه مسألة واحدة: مسألة: الاغتسال من غسل الكافر. المطلب السادس: أحكام علاقة المسلم بالكافر في إزالة النجاسة، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حكم طهارة بدن الكافر حال الحياة. المسألة الثانية: حكم طهارة بدن الكافر بعد الموت. المبحث الثاني: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الصلاة، وفيه ثمانية مطالب: المطلب الأول: الصلاة في معابد الكفار. المطلب الثاني: الاستدلال على القبلة بمحاريب الكفار. المطلب الثالث: تنبيه الكافر إلى وقوعه في الخطر أثناء الصلاة. المطلب الرابع: استقبال الكافر في الصلاة. المطلب الخامس: الصلاة خلف الكافر. المطلب السادس: مصافة الكافر. المطلب السابع: قبول قول الطبيب الكافر في ترك بعض أفعال الصلاة لمصلحة المريض. المطلب الثامن: خروج أهل الذمة مع المسلمين لصلاة الاستسقاء. المبحث الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الجنائز، وفيه ستة عشر مطلبًا: المطلب الأول: العيادة بين المسلم والكافر، وفيه مسألتان. المسألة الأولى: عيادة المسلم الكافر. المسألة الثانية: عيادة الكافر المسلم. المطلب الثاني: علاج المسلم الكافر وعكسه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: علاج المسلم الكافر. المسألة الثانية: علاج الكافر المسلم. المطلب الثالث: تلقين الكافر الشهادة (عرض الإسلام عليه). المطلب الرابع: تغسيل المسلم الكافر وعكسه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تغسيل المسلم الكافر. المسألة الثانية: تغسيل الكافر المسلم. المطلب الخامس: تكفين المسلم الكافر وعكسه، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: تكفين المسلم الكافر. المسألة الثانية: تكفين الكافر المسلم. المسألة الثالثة: تكفين أولاد غير المسلمين. المطلب السادس: الصلاة على الكافر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: الصلاة على الكافر البالغ. المسألة الثانية: الصلاة على أطفال الكفار. المطلب السابع: حمل المسلم جنازة الكافر وعكسه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حمل المسلم جنازة الكافر. المسألة الثانية: حمل الكافر جنازة المسلم. المطلب الثامن: تشييع المسلم جنازة الكافر وعكسه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: تشييع المسلم جنازة الكافر. المسألة الثانية: تشييع الكافر جنازة المسلم. المطلب التاسع: دفن المسلم الكافر وعكسه، وفيه ست مسائل: المسألة الأولى: دفن المسلم الكافر. المسألة الثانية: دفن الكافر المسلم. المسألة الثالثة: دفن المسلم في مقابر الكفار. المسألة الرابعة: دفن الكافر في مقابر المسلمين. المسألة الخامسة: موضع دفن المرأة الكافرة الحامل بطفل مسلم. المسألة السادسة: موضع دفن أطفال الكفار. المطلب العاشر: تعزية المسلم الكافر بميت مسلم أو كافر وتعزيته المسلمَ بميت كافر، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: تعزية المسلم الكافر بميت كافر. المسألة الثانية: تعزية المسلم الكافر بميت مسلم. المسألة الثالثة: تعزية المسلم المسلم بميت كافر. المطلب الحادي عشر: صنع الطعام لأهل الميت الكفار. المطلب الثاني عشر: الحديث عن أموات الكفار، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: سب أموات الكفار. المسألة الثانية: الاستغفار لأموات الكفار والدعاء لهم. المطلب الثالث عشر: زيارة المسلم قبر الكافر وعكسه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: زيارة المسلم قبر الكافر. المسألة الثانية: زيارة الكافر قبر المسلم. المطلب الرابع عشر: احترام قبور الكفار، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: المشي والجلوس على قبور الكفار. المسألة الثانية: نبش قبور الكفار. المطلب الخامس عشر: تشريح جثة الكافر. المطلب السادس عشر: نقل أعضاء المسلم إلى الكافر وعكسه، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: نقل أعضاء المسلم إلى الكافر. المسألة الثانية: نقل أعضاء الكافر إلى المسلم. المبحث الرابع: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الزكاة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في زكاة الفطر، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حكم زكاة الفطر على الكافر الذي يتولى نفقة مسلم. المسألة الثانية: حكم زكاة الفطر على المسلم الذي يتولى نفقة كافر. المطلب الثاني: أحكام علاقة المسلم بالكافر في أهل الزكاة، وفيه اثنتا عشرة مسألة: المسألة الأولى: إعطاء الزكاة الفقير والمسكين الكافر. المسألة الثانية: تولية الكافر عاملًا على الزكاة. المسألة الثالثة: استخدام الكفار في حمل الزكاة ورعايتها. المسألة الرابعة: إعطاء الزكاة الكافر من سهم المؤلفة قلوبهم. المسألة الخامسة: فك الأسير المسلم عند الكفار من سهم الرقاب. المسألة السادسة: إعتاق الرقيق الكافر من الزكاة. المسألة السابعة: إعطاء الزكاة الكافر المكاتَب. المسألة الثامنة: إعطاء الزكاة الكافر من سهم الغارمين لإصلاح ذات البين. المسألة التاسعة: إعطاء الزكاة الكافر من سهم الغارمين لأنفسهم. المسألة العاشرة: إعطاء الزكاة المسلم الذي اشترى نفسه من الكفار من سهم الغارمين لإصلاح نفوسهم. المسألة الحادية عشرة: إعطاء الزكاة المجاهدين في سبيل الله في قتال الكفار. المسألة الثانية عشرة: إعطاء الزكاة ابن السبيل الكافر. المطلب الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في صدقة التطوع، وفيه ثلاث مسائل: المسألة الأولى: دفع صدقة التطوع للكافر. المسألة الثانية: المفاضلة بين صدقة التطوع على المسلم الأجنبي والكافر ذي القرابة. المسألة الثالثة: قبول الصدقة من الكافر. المبحث الخامس: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الصيام، وفيه مطلبان: المطلب الأول: إثبات دخول شهر رمضان بخبر الكفار. المطلب الثاني: قبول قول الطبيب الكافر في فطر المريض. المبحث السادس: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الحرم والمساجد، وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: دخول الكافر حرم مكة. المطلب الثاني: دخول الكافر المسجد الحرام. المطلب الثالث: دخول الكافر حرم المدينة. المطلب الرابع: دخول الكافر المسجد النبوي. المطلب الخامس: دخول الكافر المساجد. المطلب السادس: طلب بناء المساجد من الكفار وقبول تبرعهم بذلك. المبحث السابع: أحكام علاقة المسلم بالكافر المتعلقة في المصحف، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: مس الكافر المصحف. المطلب الثاني: قراءة الكافر القرآن. المطلب الثالث: كتابة الكافر المصحفَ وطباعته. الفصل الثاني: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الجنايات والحدود والأطعمة والقضاء وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الجنايات، وفيه أربعة مطالب: المطلب الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في القصاص، وفيه ست مسائل: المسألة الأولى: قتل المسلم بالكافر. المسألة الثانية: قتل الكافر بالمسلم. المسألة الثالثة: اشتراك المسلم والكافر في القتل. المسألة الرابعة: قتل الوالد الكافر بالابن المسلم. المسألة الخامسة: قتل الابن المسلم أباه المرتد أو الحربي. المسألة السادسة: القود بين المسلم والكافر في الجروح. المطلب الثاني أحكام علاقة المسلم بالكافر في كفارة القتل، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: حكم الكفارة على الكافر الذي قتل مسلمًا. المسألة الثانية: حكم الكفارة على المسلم الذي قتل كافرًا. المطلب الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في العاقلة، وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: عقل المسلم عن الكافر. المسألة الثانية: عقل الكافر عن المسلم. المسألة الثالثة: عاقلة المرتد. المسألة الرابعة: عاقلة من أسلم بعد الجناية. المطلب الرابع: حكم القسامة فيما إذا كان المقتول كافرًا. المبحث الثاني: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الحدود، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: إقامة حد الزاني على المسلم إذا زنا بكافرة والعكس، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إقامة حد الزنا على المسلم إذا زنا بكافرة. المسألة الثانية: إقامة حد الزنا على الكافر إذا زنا بمسلمة. المطلب الثاني: إقامة حد القذف على المسلم إذا قذف كافرًا والعكس، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إقامة حد القذف على المسلم إذا قذف كافرًا. المسألة الثانية: إقامة حد القذف على الكافر إذا قذف مسلمًا. المطلب الثالث: إقامة حد شرب المسكر على الكافر. المطلب الرابع: إقامة حد السرقة على المسلم إذا سرق كافرًا والعكس، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إقامة حد السرقة على المسلم إذا سرق من كافرٍ. المسألة الثانية: إقامة حد السرقة على الكافر إذا سرق من مسلمٍ. المطلب الخامس: إقامة حد قطع الطريق على المسلم إذا قطع الطريق على كافرٍ والعكس، وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إقامة حد قطع الطريق على المسلم إذا قطع الطريق على كافرٍ. المسألة الثانية: إقامة حد قطع الطريق على الكافر إذا قطع الطريق على مسلمٍ. المبحث الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الأطعمة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الذكاة، وفيه أربع مسائل: المسألة الأولى: أكل المسلم من ذبيحة الكتابي. المسالة الثانية: أكل المسلم من ذبيحة الوثني. المسألة الثالثة: أكل المسلم من ذبيحة من أحد أبويه كتابي والآخر غير كتابي. المسألة الرابعة: الأكل من اللحوم المستوردة من بلاد الكفار. المطلب الثاني: أكل المسلم مما صاده الكافر ولم يسم عليه. المبحث الرابع: أحكام علاقة المسلم بالكافر في القضاء، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تولية الكافر القضاء بين أهل دينه. المطلب الثاني: التسوية بين المسلم والكافر في المجلس عند القاضي. المطلب الثالث: شهادة المسلم على الكافر. المطلب الرابع: شهادة الكافر على المسلم. المطلب الخامس: قبول القاضي المسلم شهادة الكفار بعضهم على بعض. الفصل الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الآداب والأخلاق، وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: أحكام علاقة المسلم بالكافر في السلام، وفيه مطلبان: المطلب الأول: سلام المسلم على الكافر. المطلب الثاني: رد السلام على الكافر وكيفيته. المبحث الثاني: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الغيبة. المبحث الثالث: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الغيبة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: نميمة المسلم بين كافر وكافر آخر. المطلب الثاني: نميمة المسلم بين كافر ومسلم. المبحث الرابع: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الزيارة وقبول الدعوة، وفيه مطلبان: المطلب الأول: زيارة المسلم للكافر ودعوته واستضافته. المطلب الثاني: قبول زيارة الكافر للمسلم وحكم إجابة دعوته. المبحث الخامس: أحكام علاقة المسلم بالكافر في الهدية، وفيه مطلبان: المطلب الأول: إهداء المسلم للكافر. المطلب الثاني: قبول المسلم الهدية من الكافر. المبحث السادس: أحكام علاقة المسلم بالكافر في التهنئة، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: تهنئة المسلم الكافر في شعائره الدينية. المطلب الثاني: تهنئة المسلم الكافر في أموره الدنيوية. المطلب الثالث: مشاركة المسلم الكافر في أعياده وأكله من طعام عيده. الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات. وقد خرج الكاتب بأكثر من مئة وثلاثين نتيجة في الخاتمة أجمل فيهم أهم الترجيحات الفقهية في كل تلك الأحكام بما يتناسب مع أهم المستجدات العصرية وتكييفها فقهيًا، مع اعتبار أصناف الكفار باعتبار علاقتهم مع المسلمين من حيث الحرب والمسالمة في الوقت الحالي. |
تقريب فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية | محمود ثروت أبو الفضل | 30-03-2020 | 20,771 | https://www.alukah.net//culture/0/139414/%d8%aa%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d9%81%d8%aa%d8%a7%d9%88%d9%89-%d9%88%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9/ | تقريب فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية للشيخ أحمد بن ناصر الطيار صدر حديثًا " تقريب فتاوى ورسائل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله" ، للشيخ " أحمد بن ناصر الطيار "، نشر دار " ابن الجوزي "، في خمسة مجلدات، حيث هذب فيه الشيخ " أحمد الطيار " مجموع فتاوى ابن تيمية (35 مجلدًا) والمستدرك عليها (5 مجلدات)، مع جمع المتفرق من كلام شيخ الإسلام في مكان واحد، وتصحيح الأخطاء الطباعية وغيرها. وقد قام المؤلف في هذا المجموع النفيس بما يلي: 1) تقريب مجموع الفتاوى والمستدرك وغيرهما، وإبراز أهم ما فيها، وتيسيرها لطلاب العلم وغيرهم. 2) الاقتصار على أهم أدلة شيخ الإسلام ابن تيمية العقلية والنقلية، وترك ما يستغنى عنه. 3) جمع ما تفرق من كلامه في المسألة الواحدة في مكان واحد. 4) شرح الغامض من كلامه وألفاظه. 5) تخريج الأحاديث. 6) التعليق على بعض كلامه النفيس وربطه بالواقع. 7) وضع عناوين للفوائد اللطيفة والمسائل العامة. 8) جعل كلامه على شكل فقرات؛ ليسهل فهم كلامه، والرجوع إلى مسائله وكلامه. 9) تصحيح الأخطاء المطبعية ونحوها، وإفرادها في آخر الكتاب (حصر أكثر من 500 خطأ). 10) استقصاء المواضع التي خالف فيها البعليّ وغيره ما في مجموع الفتاوى (أكثر من 20 موضعًا). 11) استقصاء المسائل التي له فيها قولان (أكثر من 13 مسألة). وقد حافظ الشيخ أحمد بن ناصر الطيار على كلام شيخ الإسلام ابن تيمية قدر المستطاع، ولم يتصرف فيه إلا بإشارة إلى التصرف، إلا اليسير جدًّا؛ كأن يذكر كلامًا ويقول فيه: فإنَّ.. فيقتصر على "إنَّ"، أو يقول: بأن..؛ فيغيرها الشيخ أحمد الطيار لـ"إنَّ" وذلك حين بتر كلامه عن ما قبله. يقول الشيخ أحمد بن ناصر الطيار في مقدمة كتابه: «كنت أمكث في أحايين كثيرة أكثر من ساعة كاملة في وريقات قليلة من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، لفهمها فهمًا صحيحًا، ثم تهذيبها، والتعليق عليها، والنظر في التعارض في أقواله أو الأقوال المنسوبة إليه. ولكن اللذة والأنس والسعادة التي ذقتها أثناء قراءتي له أنستني آلام المعاناة التي عانيتها، والصعوبات التي واجهتها. بل والله إني كنت أقول كثيرًا في نفسي أثناء القراءة - وبحت به لبعض خاصتي - كيف سيكون حالي بعد أن انتهي من هذه الفتاوى؟! فقد كنت أعيش أحسن أيامي، وأمتع أوقاتي، وألذ ساعاتي، فكيف بحالي إن انتهيت منها؟ وكيف سأصير على مفارقة هذه اللذائذ والمتع" صـ11. |
صناعة طالب علم ماهر لأحمد بن ناصر الطيار | محمود ثروت أبو الفضل | 29-03-2020 | 7,251 | https://www.alukah.net//culture/0/139388/%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%85%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%8a%d8%a7%d8%b1/ | صناعة طالب علم ماهر لأحمد بن ناصر الطيار صدر حديثًا كتاب " صناعة طالب علم ماهر "، تأليف: " أحمد بن ناصر الطيار" ، وذلك عن دار مكتبة دار الحجاز للنشر والتوزيع. ويحتوي الكتاب على تجارب وقواعد ونصائح قيمة تعين طالب العلم على إتقان مهارة القراءة والكتابة والتحصيل العلمي. ويأخذ الكتاب بيد طالب العلم ويوصله - بمشيئة الله - إلى القراءة الجادة المثمرة، وخطوات الرسوخ في العلم، وبيان الكتب المناسبة للطالب المبتدئ، وكيفية التدرج في قراءة الكتب العلمية والمتون، وعلاقة طالب العلم الصادق مع نفسه ومع غيره. ثم يوقفه الكتاب على الخطوات التي تساعد على اكتساب مهارة الكتابة والتصنيف، ومهارة التهذيب والاختصار. وبعد ذلك يحفزه على العمل بالعلم وتعليمه، والتأدب بآدابه لينال ثمرة العلم، مع إخلاص النية لله. وقد تناول الكتاب موضوعات شتى متنوعة في طلب العلم وتحصيله، حيث وصَّى الكاتب القارئ بضرورة العناية بالكتاب والسنة في بداية طلب العلم، وفهمهما، حيث كثيرًا ما نجد طالب العلم ينشغل أيامًا طويلة بضبط المتون وتحصيلها، ولا يهتم بتخصيص ورد معين من وقته لمراجعة ورده من القرآن أو القراءة في مصنفات الحديث وخاصةً الصحيحين. كما يضع الشيخ أحمد الطيار طريقة مجربة لضبط القرآن والمحافظة على تلاوته، كما يبين أكثر من طريقة لتكرار القراءة لتثبيت المعلومات، وثمرة تكرار القراءة الاستيعابية. كما بين الكاتب أكثر من تجربة في موضوع " القراءة الجادة " راعت تباين الأفهام والمدارك في تحصيل ثمار ما قرأوه، إلى جانب التدرج فيها حسب تقسيم الناس في الحفظ والفهم. كما نبه الكاتب على موضوع التصنيف، وأن هناك أكثر من طريقة يتحول بها طالب العلم حالَ طلبه العلم إلى مصنف ماهر، وذلك عن طريق تقييد الفوائد وشوارد ما حصله، إلى جانب استحباب كتابة الخواطر حول التأملات في الموضوع الذي يقرأ فيه طالب العلم، إلى جانب تنظيم هذه الكتابات وفهرستها، وذلك عن طريق تصنيفها موضوعيًا، كأن يكتب في دفتره "فوائد أعمال القلوب" ويدون فيها كل ما مر به من الرقائق والمواعظ والآداب، وكذا في كل موضوع صادفه... وبذلك قد يتحول طالب العلم في نهاية برنامجه العلمي إلى مُصنِّف منظم. وذكر الكاتب نماذج لتقييد تلك الفوائد والخواطر من واقع تجاربه الكتابية، كما ركَّزَ الكاتب على أهمية العمل بالعلم، والتأدب بآدابه، وتطبيق ما تعلمه في صورة المعاملات الحياتية بين الناس، وهو ما يثبت المعلومة ويجعله صورة واقعية لطالب العلم المعايش لواقعه والمعاصر لأحداثه. |
رسالة إلى العاملين في القطاع الصحي (مع أزمة كورونا) | د. سامي بشير حافظ | 29-03-2020 | 5,568 | https://www.alukah.net//culture/0/139379/%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d9%84%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b7%d8%a7%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%8a-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d9%83%d9%88%d8%b1%d9%88%d9%86%d8%a7/ | رسالة إلى العاملين في القطاع الصحي (مع أزمة كورونا) رسالتي أبعثها إلى إخوتي العاملين في المستشفيات؛ من أطباء وطبيبات، وممرضين وممرضات، وفنيين وإداريين، وكل من يعمل في هذا المكان. نعم، أكثر الموظفين أُوقفت أعمالُهم.. وطُلب منهم الجلوس في بيوتهم.. إلا أنتم بقيتم في مكانكم ثابتين شامخين محتسبين. تُعالجون المرضى والمصابين.. وتسهرون على راحتهم.. وتُحافظون على حياة المجتمع.. مُعرِّضين أنفسكم للمخاطر. الكثير في بيوتهم نائمون مرتاحون مطمئنون.. وأنتم في عمل دؤوب وسهر وخدمة.. ولكن أبشروا.. فإن الله لا يُضيع عمل المحسنين؛ يقول صلى الله عليه وسلم: ((أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس))، وأنتم نفعكم ظاهر واضح للجميع.. بل توقف نفع الناس عليكم بعد الله عز وجل، ويعظم الأجر كلما عظم النفع. وقد دخل رجل الجنة بسبب غصن شوك أزاحه عن الطريق.. وأنتم تسعون لإزاحة أعظم من ذلك مرض مهلك متفش.. ودخلت امرأة بغي الجنة بسبب كلب ( حيوان نجس ) سقته بعد أن كاد يقتله العطش.. وأنتم تسعَون لإنقاذ ليس نفس واحدة فقط، بل أنفاس لأناس مسلمين موحدين.. فما أعظم أجركم عند الله إن أحسنتم النية والقصد وابتغاء الأجر منه سبحانه! ويقول صلى الله عليه وسلم: ((ولأن أمشي في حاجة أخي أحب إليَّ من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرًا))، وأنتم مشَيتم في أعظم حاجة؛ وهي: المحافظة على أرواح المجتمع من المرض والهلاك.. احتسبوا الأجر عند ربكم.. ووكِّلوا أمركم على الله: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23]، وخذوا بجميع الأسباب.. وحافظوا على دعاء الخروج من المنزل: ((بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، مَن قالها قيل له: كُفيت ووُقيت وهُديت))، وحافظوا على أذكار الصباح والمساء، وآية الكرسي فقد قال صلى الله عليه وسلم لمن يقرأها: ((لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح))، ((والآيتان من آخر سورة البقرة من قرآهما في ليلة كفتاه))؛ أي: كفتاه وحفظتاه من الشرور، واعلموا أنه لن يصيبكم إلا ما كتب الله لكم؛ ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]، وعليكم بالإكثار من الدعاء والتضرع إلى ربكم أن يحفظكم من كل سوء ومكروه. اللهم يا حفيظ، يا حافظ، احفظ عبادك العاملين في المستشفيات، واحفظ جميع المسلمين من كل وباء وبلاء. |
من ذكريات الجامعة (2) | أ. د. محمد حسان الطيان | 29-03-2020 | 5,273 | https://www.alukah.net//culture/0/139375/%d9%85%d9%86-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a9-2/ | من ذكريات الجامعة (2) كتبها: أ.د. محمد حسان الطيان منسق مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة عضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق الأستاذ عاصم بهجة البَيطار أستاذ النحو كان الأستاذ عاصم بن بهجة البَيطار بهجةَ القسم؛ بروحِــه المرحــة، وقامتِــه الفارعة، وأصالتِــه الأصيلة، وخُــلُــقِــه النبيل. دخل علينا محاضرتَه الأولى ووجهُه يتهلَّـل بِشْرا، ويشِعُّ فرحًــا وعِطرا، فحيَّانا ورحَّب بنا، وبثَّ فينا الحبَّ والتفاؤل، بلسانٍ يسيل شَهدا، ونبرةٍ تفوحُ وَردا، وبديهةٍ حاضرة، وطُــرفــةٍ نادرة، وخفَّــة ظلٍّ باديـة، وظَــرْفٍ وعَطفٍ وإِلْــف. فتاقَت إليه نفوسُنا، وعشِقَته أرواحُــنا، وأصغَت إليه آذانُنا، ومالت إليه قلوبُنا. فصبَّ فيها العلمَ صبًّا، ونحن نعُبُّ منه عبًّــا. ملَكَ قلوبنا فولجَ منها في عقولنا، وذلَّــل لنا عَصيَّ النحو وأبـيَّـه؛ بسهولة عبارتِه، وجمال طريقتِه، وعُذوبة لفظِه، وحُسن خُـلُـقِـه. وتوالت محاضراتُه علينا، وهو يزداد ألْقًا، ونحن نزداد حبًّـا، هو يفتَــنُّ في طرائق عَرضِه، ونحن نُقبِل عليه بكلِّ ما أُوتينا من نباهةٍ وانتباه، ومتابعةٍ وانجذاب. يزيدُكَ وَجهُه حُسنًا *** إذا ما زِدتَّهُ نَظَرا وما كان يبدأ محاضرةً إلا بتمهيدٍ حُلو ممتع، يشدُّ الطلَّابَ شدًّا، ويملأ الجميعَ شوقًــا؛ من قصَّةٍ طريفة، أو نادرةٍ جميلة، أو بيتٍ شارد، أو مَــثَــلٍ سائر، أو قصيدةٍ وافاهُ بها أحدُ الطَّلَبة ولها عَلاقةٌ وثيقة بما نحن فيه! دخل المدرَّجَ مرَّةً وكتب بخطِّــه النَّسْخ الجميل - الذي كان يَبْهَرُنا حقًّا - بيتَ ابن مالك: إنّي أقولُ لمَن تُــرجَى مَوَدَّتُــهُ *** قِ المُستَجِيرَ قِياهُ قُوهُ قِي قِينا وطلبَ إلى الطلبةِ أن يقرؤُوه، فانطلقوا يُــقاقُــونَ ويتعثَّــرون، ويُفأفِــئُــونَ ويُتأتِــــئُــــون، حتى إذا جاء دوري قرأتُــه بلسان عربيٍّ مبين، دون أي لجلجة أو تَــعْــتَــعــة، انتزعَ إعجابَ الأستاذ والطلبة معًا، فأثنى على قراءتي، ثم انطلق يحكي لنا قصَّةَ البيت الطريفةَ؛ لينتقل منها إلى أنواع المعتلِّ من الأفعال، ونوعَي اللفيف، وأفعال اللفيف المفروق، وعلَّة حذف حرفَي العلَّة منها وبقائها على حرفٍ واحد، في مثل: قِ، عِ، فِ، لِ.. إلخ. وقد جمع ابنُ مالك منها عشَرةَ أفعال، واستدركتُ عليه عشَرةً أخرى، مثل: صِ، حِ، ثِ، سِ.. إلخ، ونشرتُها مع قصَّتها الطريفة في مقالٍ لي بــ "مجلَّة الفيصل" بعنوان: "ما بُنيَ من الأفعال على حرفٍ واحد"، ثم في كتابي "تحت راية العربيَّة" ص302- 312، ورحم الله شيخَنا صالح الفُرفور فقد كان أولَ من نبَّهَني عليها. وشرح لنا ذات محاضرةٍ عملَ المصدر، وشرطُ عمله أن ينوبَ عن فعله، وأن يصحَّ حلولُ الفعل محلَّه مصحوبًا بـــ (أنْ) المصدرية أو (ما) المصدرية، ثم ذكر الشاهدَ المعروف: ضَعيفُ النِّكايةِ أَعْداءَهُ *** يَخالُ الفِرارَ يُراخِي الأَجَلْ فسألتُه عن فعل هذا المصدر أعني: (النِّكاية) فأرجأ الجوابَ إلى المكتب، فلحِقتُه كما لحقَه غيري من الطلبة، ولما سألتُه استمهَلَني، حتى إذا خرجَتِ الطالباتُ، أجابني مستغربًا إلحاحي، فخَجِلتُ من طلَبي، ثم ضحِكنا جميعًا. وكان يخصِّص محاضرةً للتطبيق النحويِّ والإعراب، يوم الأربعاء، وهي أجملُ محاضراته وأكثرُها نفعًا، وأمتعُها شكلًا ومعنًى، يحتشدُ لها الطلبةُ احتِشادًا، حتى يمتلئَ بهم المدرَّجُ الرابع، فــيـُـرْتَج البابُ الأماميُّ كيلا يدخلَ أحدٌ منه فيعطِّلَ المحاضرة، ويُــفاجَــأُ الطلبة مرَّةً - والأستاذُ عاصم مسترسلٌ في شرحه - بقَرعٍ شديدٍ لهذا الباب حالَ دون إكمال المحاضرة، فيُشير الأستاذ لأحد الطلبة كي يفتحَ الباب، فإذا بنقيبٍ طيَّــار (بثلاثة نجوم) على كلِّ كتفٍ من كتفَيه يدخل، وما إن دخل حتى قال له الأستاذ: أنــت؟! أنت يحقُّ لك أن تقرعَ البابَ بكلتا رجليك، لا بيدِك فحسب!. وهو يتخيَّر للتطبيق الإعرابيِّ كريمَ الشعر ونديَّــه، وعذبَه وحُلوَه، ولا أنسى ما حَييتُ أني ما عرفتُ رائعةَ مجنون ليلى المسمَّاة (المؤنسة) - وقيل سُمِّيَت بذلك لأنه كثيرًا ما كان يردِّدها ويأنَسُ بها - إلا في هذه المحاضرة الجامعة، حين كتبها بخطِّه الجميل وراح يتناول ما فيها من عجائب اللغة والنحو والإعراب والعَروض، على نحوٍ جعلَنا نَهِيمُ بها كما هامَ قيسٌ بليلاه، ونحفظُ كثيرًا من أبياتها كما حفظَها كثيرٌ من العشَّاق قبلنا. تذَكَّرتُ لَيلَى والسِّنينَ الخَوالِيا وأيَّامَ لا نخشَى على اللَّهْوِ ناهِيا فَيا لَيلَ كم مِنْ حاجةٍ لي مُهِمَّةٍ إذا جِئتُكُم بِاللَّيلِ لم أَدرِ ما هِيا خَلِيلَيَّ إن لا تَبكِيانِيَ أَلتَمِس خَليلًا إذا أَنزَفتُ دَمعي بَكَى لِيا وقد يَجمَعُ اللهُ الشَّتِيتَينِ بعدَما يَظُنَّانِ كلَّ الظَّنِّ أن لا تَلاقِيا خَلِيلَيَّ لا واللهِ لا أَملِكُ الذي قَضَى اللهُ في لَيلى ولا ما قَضَى لِيا قَضاها لِغَيري وابتَلاني بحُبِّها فهَلَّا بشَيءٍ غَيرِ لَيلى ابتَلانِيا وخَبَّرتُماني أنَّ تَيماءَ مَنزِلٌ لِلَيلى إذا ما الصَّيفُ أَلقَى المَراسِيا فهَذي شُهورُ الصَّيفِ عَنَّا قدِ انقَضَت فما لِلنَّوى تَرمي بلَيلى المَرامِيا فلَو أنَّ واشٍ باليَمامةِ دارُهُ وداري بأَعلى حَضْرَمَوتَ اهتَدَى لِيا فَيا رَبِّ سَوِّ الحُبَّ بَيني وبَينَها يكونُ كَفافًا لا عَلَيَّ ولا لِيا فأَشهَدُ عِندَ اللهِ أنِّي أُحِبُّها فهَذا لها عِندي فما عِندَها لِيا أَعُدُّ اللَّيالي ليلةً بعدَ ليلةٍ وقد عِشتُ دَهرًا لا أَعُدُّ اللَّيالِيا أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اسمَها أَوَ اشبَهَهُ أو كانَ مِنهُ مُدانِيا خَلِيلَيَّ لَيلى أَكبَرُ الحاجِ والمُنى فمَن لي بلَيلى أو فمَن ذا لها بِيا فأنتِ التي إن شِئتِ أَشقَيتِ عِيشَتي وأنتِ التي إن شِئتِ أَنعَمتِ بالِيا وأنتِ التي ما مِن صَديقٍ ولا عِدًا يَرى نِضوَ ما أَبقَيتِ إلا رَثَى لِيا وإنِّي لَأَستَغشِي وما بِيَ نَعْسَةٌ لعَلَّ خَيالًا مِنكِ يَلقَى خَيالِيا ألا أيُّها الرَّكبُ اليَمانونَ عَرِّجوا علَينا فقَد أمسَى هَوانا يَمانِيا فيا رَبِّ إذ صَيَّرتَ لَيلى هِيَ المُنى فزِنِّي بعَينَيها كما زِنتَها لِيا وإلا فبَغِّضها إليَّ وأَهلَها فإنِّي بلَيلى قد لَقِيتُ الدَّواهِيا ومع أني أحرزتُ المرتبةَ الأولى في النجاح عنده، فإنني استمرَأتُ حضورَ محاضراته، طمعًـا في المزيد من الفائدة الممزوجة بالمتعة، وقد عرَفتُ بحضوري هذا نخبةً من كرام طلَبة الأفواج التي تلَــتْــنــا، ما كان لي أن أعرفَهُم لولا محاضرةُ الأستاذ عاصم، كمحمَّد الدالي وعبد الكريم حسين وصالح السَّمَر وغيرهم ممَّن صار مِلءَ السَّمع والبصر. بل إني كنت ألحَقُ به إلى كلية الشريعة لأحضرَ محاضرته هناك، وأسمعَ حديثه الشائق. وقد حَظيتُ ولله الحمدُ بمحبَّتِــه وثقته؛ إذ عهدَ إليَّ بعد تخرُّجي أن أساعدَه مع زميلٍ لي في تصحيح أوراق امتحان طلَبة كلية الطب، وكانت أعدادًا هائلة! ثم طلبَنا للعمل معه في " معجم العِماد "، ثم غادرَنا للتدريس في جامعة الملك سعود، ثم للعمل في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، إلى أن عاد عام 2003م؛ لينضمَّ إلى ركب مجمَع الخالدين مجمَع اللغة العربية بدمشقَ، عضوًا عاملًا فيه كما كان أبوه الشيخ بهجة من كبار أعضائه، وليدرِّسَ في قسم التخصُّص بمعهد الفتح الإسلاميِّ الذي سعِدتُّ بالتدريس فيه، إلى أن توفَّاه الله بتاريخ سابع عشَر جُمادى الأولى 1426هـ = 24/ 6/ 2005م. وقد كتبتُ آنذاك كلمةً في رثائه نُشرَت في جريدة الراي بعنوان: "الأستاذ عاصم البَيطار وأمانةُ العلم والتعليم"، ثم نشرتها في كتابي: "من رجالات دمشق" ص273- 283. رحمه الله رحمةً واسعة، وأسبغَ عليه شآبيبَ غُفرانه ورُضوانه، وجزاه عنَّا وعن العربيَّة وأهلها خيرَ ما جزى عالمًا عن لغته وأمَّته وتلامذته. يَلَوا ثامن ذي الحِجَّة 1440 هـ 9/ 8/ 2019 م أ. د. حسان الطيان في كلية الآداب بدمشق عام 2000 م من اليمين: الكاتب، د. يوسف الحاج حسين، الأستاذ عاصم البَيطار، الأستاذ عمر رشيد، أيمن ذو الغنى الأستاذ عاصم البَيطار في إبان عمله بمركز الملك فيصل في الرياض ومعه الأستاذان أسامة عرقسوسي، وحيان الحافظ |
خدمات شركات أمن المعلومات، دراسة فقهية تطبيقية | خاص شبكة الألوكة | 28-03-2020 | 4,501 | https://www.alukah.net//culture/0/139358/%d8%ae%d8%af%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa%d8%8c-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a9/ | خدمات شركات أمن المعلومات، دراسة فقهية تطبيقية صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة " الدراسات الفقهية " دراسة بعنوان (خدمات شركات أمن المعلومات، دراسة فقهية تطبيقية) ، تأليف د. "مصعب بن عبد المحسن الجماز"، وذلك عن دار التحبير للنشر والتوزيع، بالمملكة العربية السعودية. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير في الفقه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك عام 1437هـ/ 2017م، وأشرف على الرسالة د. " عبد العزيز بن إبراهيم بن محمد الشبل ". حرر الباحث في هذه الدراسة الهامة أغلب أنواع التعاقدات في مجال عقود أمن المعلومات و "الأمن السيبراني" ، وبيان التكييف الفقهي لكل نوع. حيث أنه نظرًا لأهمية أمن المعلومات، وشدة الحاجة إليه؛ فقد نما سوق أمن المعلومات وانتشرت شركاته العالمية والمحلية في مدة قصيرة، وما تزال في ازدياد ونمو، وزاد الإنفاق عليها زيادة كبيرة، مما يحوج إلى دراسة الخدمات الأمنية التي تقدمها هذه الشركات دراسة فقهية حاول الكاتب لم شتاتها ومباحثها في هذه الدراسة، مع بيان آثارها وحدود مسؤوليتها؛ ليستفيد منها من له علاقة بها من متخصصين ومستثمرين ومستفيدين ومنظمين. وكان ضابط هذا الموضوع عند الباحث هو الدراسة الفقهية لعقود خدمات أمن المعلومات وآثارها التي تقدمها الشركات التقنية المتخصصة لحماية المعلومات الإلكترونية من الاعتداء عليها. فيدخل في هذه الدراسة خدمات أمن المعلومات التي تقدمها الشركات لحماية معلومات عملائها الإلكترونية على سبيل الإتجار، سواء أكانت حلولًا ككشف الثغرات، والتقييم الأمني، ووضع الخطط والاستراتيجيات، والتدريب، أو برامج وأجهزة، كبرامج الحماية بأنواعها، وكأجهزة جدران الحماية، سواء منها ما كان مقدمًا للحكومات والشركات أم للأفراد، ولا يلزم أن يكون مقدم الخدمة شركة متخصصة في أمن المعلومات، فكثير من الشركات تكون تقنية عامة، ولها فرع لخدمة أمن المعلومات، وتدخل الخدمات الأمنية المقدمة من المؤسسات والأفراد على سبيل الإتجار. ولا يدخل في هذه الدراسة الخدمات التقنية في غير أمن المعلومات، كما لا يدخل فيها خدمات أمن المعلومات التي تقدمها الحكومات أو موظفو أمن المعلومات العاملون في نفس المنظمات بعقد عمل. وتنبع أهمية هذه الدراسة من تعلقها بغريزة فطرية وهي البحث عن الأمن، مما قد تستغله هذه الشركات في التلاعب على العميل، وعدم الوفاء بالتزاماتها، ففي بحث هذا الموضوع تبيين لحقيقة هذه الخدمات، والتزام الطرفين فيها، وحدود ضمان الشركات. إلى جانب حاجة كل من له علاقة بهذه الخدمات إلى معرفة أحكامها الشرعية، سواء المتخصصين فيها، أم المتعاملين بهذه الخدمات، أم المستثمرين فيها، أم المنظمين لها، أم المعنيين بالفصل في قضاياها، مما يحوج إلى دراسة تفصل أحكام هذه الخدمات، وتنزل الأحكام الشرعية عليها. إلى جانب أنها نازلة فقهية قلت الدراسات التأصيلية لأحكامها، وقلة الدراسات الشرعية في أحكام التقنية عامةً، وفي أحكام الجرائم الإلكترونية وأمن المعلومات خاصةً مع أهميتها وانتشارها، مع التدليل على عظمة الشريعة وكمالها، وإحاطتها بكل زمان ومكان، ومواكبتها لمستجدات العصر وسدها لحاجاته. وقد قام الكاتب من خلال دراسته بالتطبيق على نماذج مختارة من عقود أمن المعلومات متنوعة الغرض، لتظهر من خلالها أهمية الوقوف على أحكام هذه العقود، وتكييفها الفقهي، والالتزامات والمسؤوليات المترتبة عليها، والشروط الواردة فيها، وكيفية تحرير تلك العقود بما لا يخالف الحكم الشرعي. |
تذكرت الوباء الكبير | د. محمود النوبي أحمد سليمان | 28-03-2020 | 5,562 | https://www.alukah.net//culture/0/139349/%d8%aa%d8%b0%d9%83%d8%b1%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d9%8a%d8%b1/ | تذكرت الوباء الكبير [1] ما يحدث الآن من نشرات وإحصاءات وتحذيرات من وباء كورونا (كوفيد 19)، ذكرني ببحث أعددته عن تأثر الشعر بواحد من الأوبئة الخطيرة التي حدثت في العصور الوسطى (الوباء الكبير أو الموت الأسود)، وأصاب العالم بأسره، ولم تقتصر العدوى في هذا الوباء القديم على البشر فقط، بل أصابت الحيوانات والطيور حتى السمك في الماء؛ فمات منه معظم خلق الله على الأرض. فقلت في نفسي: إذا كان ذلك كذلك، فإن وباء كورونا (كوفيد 19) الذي أزعج العالم يعد هينًا إذا تم قياسه بالوباء الكبير الذي حدث في العصور الوسطى، وإليكم المقدمة النظرية لبحثي، وقد أوردت فيها بعض ما جاء في كتب التاريخ لوصف ذلك الوباء المميت: "الوباء الكبير أو الفناء الكبير، اسم يطلق على طاعون سنة 749هـ - 1348م، الذي اجتاح الأرض من أقصاها إلى أقصاها؛ فكان مقدمة لتناقص أعداد السكان في الشرق الأدنى وفي أوروبا على حد سواء، وقد عرف المسلمون هذا الوباء الشامل باسم (الفناء الكبير)، على حين عرفه الغرب الأوربي باسم (الموت الأسود Black Death )" [2] . وقد عمَّ هذا الوباء جميع أجناس البشر وغيرهم من دواب الأرض، حتى حيتان البحر، وطير السماء، ووحش البر، وحكى المقريزي كثيرًا عن البلاد التي انتشر فيها، في آسيا وأوروبا وإفريقية، فضلًا عن جزر البحر المتوسط، وروى أنه كان يموت بالقاهرة ومصر في اليوم الواحد بسبب ذلك الوباء ما بين عشرة آلاف وعشرين ألفًا، وأن الفلاحين بأسرهم ماتوا، فلم يوجد من يضم الزرع، وأن المواشي هلكت، ومات صيادو السمك في دمياط، وهم في سفنهم والشباك بأيديهم مملوءة سمكًا ميتًا، وهكذا أقفر الريف من الزراع، وأقفرت المدن من سكانها؛ فتوقف بذلك النشاط العمراني، وتعطلت الصنائع، وعم الأحياء الحزن والألم والهم ..." [3] . ومما ورد من إحصاءات لمن مات في القاهرة وحدها؛ فقال ابن تغري بردي: "وحصرت عدة من صلي عليه بالمصليات التي خارج باب النصر وباب زويلة وباب المحروق وتحت القلعة، ومصلى قتال السبع تجاه باب جامع قوصون في يومين، فبلغت ثلاث عشرة ألفًا وثمانمائة، سوى من مات في الأسواق والأحكار، وخارج باب البحر وعلى الدكاكين وفي الحسينية وجامع ابن طولون، ومن يتأخر دفنه في البيوت ...وهم أضعاف ذلك"، حتى قالوا: إن عدة الأموات في يوم واحد قد بلغت عشرين ألفًا، وقد ضبط في شهر شعبان ورمضان، فبلغ عدة من مات فيهما من الناس، فكان نحو تسعمائة ألف إنسان، ووصف المؤرخون شوارع القاهرة بعد هذا الوباء، وما حدث بها من فناء، فقالوا: فما أهلَّ ذو القعدة إلا والقاهرة خالية مقفرة، لا يوجد بشوارعها مارٌّ، بحيث إنه يمر الإنسان من باب زويلة إلى باب النصر، فلا يرى من يزاحمه، وعلت الأتربة على الطرقات، وتنكرت وجوه الناس، وامتلأت الأماكن بالصياح ... [4] . وقد وصف الشعراء ذلك الوباء؛ ليكون شعرهم بمثابة وثيقة تاريخية مؤكدة للأحداث؛ فقال ابن الوردي [5] : إسكندرية ذا الوبا سبع يمد إليك ضبعه [6] صبرًا لقسمته التي تركت من السبعين سبعه [7] أما عن انتقال العدوى، فقالوا: إنها كانت تنتقل عن طريق الهواء؛ فلذلك إذا أصيب أحد في بيت، تبعه أهل البيت جميعًا واحدًا بعد واحد، حتى يفنوا جميعًا بعد ليلة أو ليلتين [8] . وشعرًا وصف الصفدي سرعة الإصابة بالطاعون، فقال [9] : قد نغص الطاعون عيش الورى وأذهل الوالد والوالده كم منزل كالشمع سكانه أطفأهم في نفخة واحده صورة معبرة، سكان البيت مثل مجموعة من الشموع، أطفأهم الوباء بقوته في نفخة واحدة، ويؤكد هذا المعنى الصفدي أيضًا في قوله: مصيبة الطاعون قد أصبحت لم يخلُ منها في الورى بقعه يدخل في المنزل لو أنه مدينة أخلاه في جُمعه ولو تتبعت ما وُصف به هذا الوباء في كتب التاريخ ما وفيت، ومما يختصر القول في ذلك عبارة لابن تغري بردي عن حال الناس في مصر، وقد ماتوا عن أموالهم وضياعهم وأراضيهم وأمتعتهم، فقال: "وإذا ورث إنسان شيئًا انتقل في يوم واحد لرابع وخامس"، فهو تعبير يدل على كثرة الموت، وانتقال الميراث سريعًا بين الورثة، فكل وريث يموت في اليوم نفسه ليرثه آخر بعده، "وأخذ كثير من الناس دورًا وأموالًا بغير استحقاق لموت مستحقيها"، ولهول ما ورد فيه، شعر بعض المؤرخين بالتقصير في الإخبار؛ فقال ابن تغري بردي بعدما حكى عن فجائع ذلك الوباء صفحات طويلة: "... ورأيت أنا من رأى هذا الوباء، فكانوا يسمونه الفصل الكبير، ويسمونه أيضا بسنة الفناء، ويتحاكون عنه أضعاف ما حكيناه" [10] . فهذه الأخبار وغيرها تدل على هول الحدث على الخاصة والعامة، الأغنياء والفقراء، حتى كبار رجال الدولةوالحكام، سلموا أمورهم إلى الله وحاول كل منهم التوجه إليه بإكرام الرعية والفقراء؛ قال الصفدي: "فلم يبق أحد إلا وغلب على ظنه أنه يموت بهذا الداء، واستعد الناس جميعًا، وأكثروا من الصدقات، وتحللوا وأقبلوا على العبادة" [11] ؛ وشعرًا وصف ابن الوردي حال الخوف والقلق والتشتت الذي أصاب الناس فقال: فهذا يوصي بأولاده وهذا يودع إخوانه وهذا يهيئ أشغاله وهذا يجهز أكفانه وهذا يصالح أعداءه وهذا يلاطف جيرانه [12] وإذا نظرنا إلى لغة الأبيات، فلتكرار اسم الإشارة (هذا) في أول كل شطر من الأبيات، ثم ضمير الغائب (الهاء) آخره في إشارة إليه - دلالة مؤكدة على التشتت والحيرة والقلق الذي أصاب الناس، ثم يأتي الفعل المضارع بعد كل اسم إشارة في الأبيات ليؤكد معنى استمرار الحال. أما عن أعراض الطاعون، ومراحل تطوره، فقد توقف المؤرخون والشعراء عندها كثيرًا؛ فقالوا: كان يخرج خلف أذن الإنسان بثرة؛ فيخر صريعًا، ثم صار يخرج للإنسان كبة تحت إبطه؛ فيموت أيضًا سريعًا، وهذه الأعراض وجدت في الأسماك والحيوانات والطيور التي كانوا يجدونها ميتة في هذا الوباء، وأشد مراحله عندما "يحس الإنسان في نفسه بحرارة، ويجد غثيانًا، فيبصق دمًا ويموت عقيبه" [13] . شعرًا وصف ذلك الصلاح الصفدي فقال [14] : تعجبت من طاعون جلق إذ غدا وما فاتت الآذان وقعة طعنه فكم مؤمن تلقاه أذعن طائعًا على أنه قد مات من خلف أذنه (جلق: اسم دمشق). وقال: رعى الرحمن دهرًا قد تولى يجازي بالسلامة كل شرطِ وكان الناس في غفلات أمر فجا طاعونهم من تحت إبطِ فالأبيات تشير إلى غفلة الناس عن هذا الوباء، فنرى فيها ملامح الاغتيال الجماعي، فهو يطعن خلف الأذن، أو يأتي من تحت إبط، ولا يفرق في طعناته بين طائع وعاصٍ. وفي الأبيات الآتية استشرى الطاعون وتجبر؛ فصار يواجه الناس صباحًا ومساءً؛ قال ابن الوردي [15] : يا رحمتا لدمشق من طاعونها فالكل مغتبق به أو مصطبحْ كم هالك نفث الدما من حلقه أوَما تراه بغير سكين ذُبحْ فالأبيات السابقة تبين مراحل تطور الوباء على الترتيب: ففي أول أمره يخرج خلف أذن الإنسان ما يشبه البثرة (قد مات من خلف أذنه)، ثم صار يخرج للإنسان كبة تحت إبطه (فجا طاعونهم من تحت إبط)، وأشد مراحله عندما يشعر الإنسان بحرارة وغثيان فيبصق دمًا ويموت (كم هالك نفث الدما من حلقه - تقتل الناس ببزقه). وهناك مجموعة أخرى من الشعر الموثق لوباء (سنة 749هـ)، وهي أبيات متقاربة المعاني والصور، غير بعيدة في دلالتها عن الأبيات السابقة؛ منها: قول الشيخ بدر الدين حسن بن حبيب الحلبي [16] : إن هذا الطاعون يفتك في العا لم فتك امرئ ظلوم حسودِ ويطوف البلاد شرقًا وغربًا ويسوق الخلوقنحو اللحودِ [17] (الخلوق: جميع الخلق). وقول الصلاح الصفدي: لمَ افترست صحابي يا عام تسع وأربعينا ما كنت والله تسعًا بل كنت سبعًا يقينا [18] وفيها قال جمال الدين إبراهيم المعمار [19] : قبح الطاعون داءً فُقدت فيه الأحبهْ بيعت الأنفس فيه كل إنسان بحبهْ [20] وقال ابن نباتة المصري فيه [21] : سر بنا عن دمشق يا طالب العيـ ـش فما للمقام للمرء رغبهْ رخصت أنفس الخلائق بالطا عون فيها فكل نفس بحبهْ [22] وقال: عج عن العجب فهذى جلق أصبحت منه على حال ذميمِ لم تزل بالعجب حتى ضربت نفسها منه بطاعون عظيمِ [23] والشعر كثير، والأخبار أكثر، كلها تشير إلى دلالة واحدة، وهي دلالة الموت وكثرته في الخلائق. [1] د. محمود النوبي أحمد - أستاذ الأدب العربي والنقد الأدبي، وكيل كلية الألسن جامعة الأقصر. [2] د. قاسم عبده قاسم، دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي عصر سلاطين المماليك، ط: دار المعارف، الطبعة الثانية، 1983م، ص: 149. [3] انظر: المقريزي تقي الدين أحمد بن علي، كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك، الجزء الثاني، القسم الثاني، ط: مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، الطبعة الأولى، سنة 1958م، ص: 773 - 791، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 155 - 184، وابن إياس، بدائع الزهور، ج: 1، ص: 163، ومحمود رزق سليم، موسوعة عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي، المجلد الرابع، ط: مكتبة الآداب، الطبعة الأولى، 1965م، ج: 7، ص: 317. [4] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 781 - 782، ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج:10، ص: 163، ابن إياس، بدائع الزهور، ج: 1، ص: 163. (والعدد المذكور مبالغ فيه، ولكنه يدل على كثرة الموتى). [5] ابن الوردي (691 - 749 هـ = 1292 - 1349 م)، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس، أبو حفص، زين الدين، ابن الوردي المعري الكندي: شاعر، أديب، مؤرخ، ولد في معرة النعمان (بسورية)، وولي القضاء بمنبج، وتوفي في طاعون حلب؛ [الصفدي، صلاح الدين بن أيبك، أعيان العصر وأعوان النصر، حققه: د. علي أبو زيد وآخرون، ط: دار الفكر المعاصر، بيروت، لبنان، ودار الفكر، دمشق، سورية، الطبعة الأولى 1998م، ج: 3، ص: 677 - 678، والزركلي، الأعلام، ج: 5، ص: 67]. [6] الضَّبْعُ بسكون الباء وسط العضد بلحمه يكون للإِنسان وغيره والجمع أضباعٌ، وفي البيت بمعنى ذراعه؛ [ابن منظور، محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري، لسان العرب، ط: دار صادر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى (دت)، (ضبع)]. [7] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 787. [8] انظر: الصفدي، أعيان العصر، ج: 3، ص: 60/ ج: 5، ص: 365، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 162، والوافي، ج: 18، ص: 240. [9] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 790. [10] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 166. [11] انظر: الصفدي، أعيان العصر، ج: 3، ص: 60، ج: 5، ص: 365، وانظر: ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 162 – 184. [12] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 788. [13] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 157 – 162. (وتفسير ذلك طبيًّا: أن للطاعون أنواعًا ومراحل هي: 1- طاعون تلوث الدم septicemic plague ، ويظهر على شكل بقع نزفية غامقة تحت الجلد (وهو ما أعطاه اسم الموت الأسود)، والأشخاص الذين يموتون من هذا النوع يموتون في نفس يوم ظهور الأعراض المرضية عليهم. 2- الطاعون الرئوي Pneumonic plagu e: وهو أخطر أنواع الطاعون، وتنتقل عدواه عن طريق استنشاق الرذاذ المعدي أثناء العطس والكحة من إنسان مصاب بالعدوى إلى إنسان آخر بشكل مباشر ... وتتراوح فترة الحضانة لهذا النوع ما بين (1 - 4 أيام)، وهو أخطر أنواع الطاعون ... ومن أعراضه سعال أو قيء يصحب بدم، ونسبة الوفيات من هذا النوع من الطاعون تتراوح ما بين (50 - 90%)؛ [انظر: د.عبدالهادي مصباح، جريدة المصري اليوم، جريدة مصرية يومية مستقلة، عدد السبت الموافق 20/ 6/ 2009م]. [14] المقريزي، السلوك، ج: 2، ص: 789، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 167. [15] الصفدي، أعيان العصر، ج: 3، ص: 41، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 167. [16] ابن حبيب الحلبي (710 - 779 هـ = 1310 - 1377 م) الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب، أبو محمد، بدر الدين الحلبي: مؤرخ، من الكتاب المترسلين، ولد في دمشق، ونصب أبوه محتسبًا في حلب فانتقل معه، فنشأ فيها، ونُسب إليها، ثم رحل إلى مصر والحجاز، وعاد، وتنقل في بلاد الشام واستقر في حلب؛ [الزركلي، الأعلام، ج: 2، ص: 208]. [17] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 167. [18] ابن إياس، بدائع الزهور، ج: 1، ص: 164. [19] جمال الدين بن نور الدين علي المعمار، وقيل: الحائك، وقيل: الحجار، غلام النوري المصري، عامي مطبوع، تقع له التوريات المليحة المتمكنة، توفي في طاعون مصر سنة تسع وأربعين وسبعمائة؛ [انظر: الصفدي، الوافي بالوفيات، ج: 6، ص: 111، وأعيان العصر، ج: 1، ص: 146 – 147، ود. محمد زغلول سلام، الأدب في العصر المملوكي، الجزء الثالث، ط: منشأة المعارف بالإسكندرية، 1996م، ص: 373]. [20] ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 168. [21] إنما ذكرتها في هذا الموضع؛ لأنها كشعر معاصريه، عبر بها صراحة عن الفجيعة. [22] ابن نباتة، جمال الدين ابن نباتة المصري، ديوان ابن نباتة المصري، ط: الهيئة العامة لقصور الثقافة 2007م، نسخة مصورة عن مطبعة التمدن بعابدين، الطبعة الأولى، سنة 1323هـ - 1905م، ص: 50، وابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج: 10، ص: 166. [23] ابن نباتة، الديوان، ص: 468. |
استدراكات الشنقيطي في مذكرته على ابن قدامة في روضته دراسةً وتقويمًا | خاص شبكة الألوكة | 25-03-2020 | 9,072 | https://www.alukah.net//culture/0/139329/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%86%d9%82%d9%8a%d8%b7%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b0%d9%83%d8%b1%d8%aa%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%82%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d9%88%d8%b6%d8%aa%d9%87-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9%d9%8b-%d9%88%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%8a%d9%85%d9%8b%d8%a7/ | استدراكات الشنقيطي في مذكرته على ابن قدامة في روضته دراسةً وتقويما صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة " الدراسات الأصولية " دراسة بعنوان (استدراكات الشنقيطي في مذكرته على ابن قدامة في روضته دراسةً وتقويمًا) ، تأليف د. "محمد مصطفى محمد رمضان"، وذلك عن دار التحبير للنشر والتوزيع، بالمملكة العربية السعودية. ويتناول الكتاب تحليل ودراسة لاستدراكات العلامة الشيخ "محمد الأمين الشنقيطي" على كتاب "ر وضة الناظر" لابن قدامة المقدسي، حيث نجد أن من أهم المؤلفات في علم أصول الفقه على المذهب الحنبلي كتاب "روضة الناظر" لابن قدامة؛ ونظرًا لأهمية هذا الكتاب ومكانة مؤلفه؛ تناوله العلماء بالتحقيق والتدقيق والتدريس، واختارته بعض الكليات الشرعية بالمملكة العربية السعودية؛ ككلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، مقررًا دراسيًّا. وكان من أوائل من أُسندَ إليه تدريسه في كلية الشريعة بالرياض: العلامة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله وأجزل ثوابه، حيث أملى على الطلاب مذكرة تشرح الكتاب، وتذلل ما فيه من الصعاب، وفي ثنايا ذلك كانت تعنُّ له بعض الإشكالات فيستدرك بها على ابن قدامة حتى زادت على سبعين استدراكًا ما بين إضافة أو تفصيل، أو توجيه وتأويل، أو استغناء عن قولٍ قيل. ولذا جاءت هذه الدراسة لِتَنْصَبَّ على تلك الاستدراكات لبيان فحواها، وإيضاح معناها، بزيادة الشرح والاستطراد وضرب الأمثلة، وبيان مراد الإمامين الكبيرين، حيث يورد المؤلف قول ابن قدامة، ثم يورد استدراك الشنقيطي عليه، ثم ينظر في قوليهما، وأقوال غيرهما من علماء الأصول في المسألة، ويوازن بين كل تلك الأقوال جميعها، مع ترجيح وبيان القول الصحيح في المسألة. وقد قام الباحث بالاستقراء التام للمسائل الواردة في كتابي " الروضة " و" مذكرة الأصول " مع التعليق العلمي على أصل المسائل والاستدراكات معتمدًا على المصادر الأصولية الأصلية في كل مسألة، وتوثيق أقوال العلماء من كتبهم ونقولاتهم. وكتاب " روضة الناظر وجنة المناظر " تأليف: موفق الدين أبي محمد عبد الله بن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقي (ت:620هـ)، يعد من أنفع كتب الأصول المتأخرة التي سارت على منهاج كتاب "المستصفى" للإمام أبي حامد الغزالي؛ في أغلب أبوابه وتقسيماته، حتى قال بعض العلماء من الحنابلة وغيرهم: "إن الروضة مختصر من المستصفى". وابن قدامة وإن تابع الغزالي في ترتيب الأبواب، ونقل كثيرًا من نصوصه وألفاظه، وبنى كتابه عليه، إلا أنه تصرف فيه بتقديم وتأخير وزيادة ونقص، واعتنى بآراء الإمام أحمد وأصحابه، وقرر مذهب السلف في عدة مواضع، ولم يكتفي برأي الغزالي وترجيحه، أو بما ذكره من أدلة، بل له ترجيحاته واختياراته التي اعتمد فيها على الحجة والدليل، وأضاف أدلة لم يتعرض الغزالي لذكرها، أيَّد بِها رأيه، وحذف من الاعتراضات الجدلية، واختصر بعض الأدلة العقلية، وحذف البعض الآخر، وأعرض عن مسائل، وهذَّب مسائل أخرى، فكان كتابه تصفية لكتاب المستصفى، وصار بذلك أصغر حجمًا، وأقرب نفعًا، وأسهل مأخذًا. لذلك قال عنه "ابن بدران " في " المدخل ": "إنه أنفع كتاب لمن يريد تعاطي الأصول من أصحابنا، فمقام هذا الكتاب بين كتب الأصول، مقام "المقنع" بين كتب الفروع". قال الحافظ ابن قدامة في مقدمة كتابه: «... فهذا كتاب نذكر فيه أصول الفقه، والاختلاف فيه، ودليل كلِّ قول على المختار، ونبين من ذلك ما نرتضيه، ونجيب من خالفنا فيه. بدأنا بمقدمة لطيفة في أوله ثم أتبعناها ثمانية أبواب، الأول في حقيقة الحكم وأقسامه، الثاني في تفصيل الأصول وهي الكتاب والسنة والإجماع والاستصحاب، الثالث في بيان الأصول المختلف فيها، الرابع في تقاسيم الكلام والأسماء، الخامس في الأمر والنهي والعموم والاستثناء طاعة وما يقتبس من الألفاظ من إشارتها وإيمائها، السادس في القياس الذي هو فرع للأصول، السابع في حكم المجتهد الذي يستثمر الحكم من هذه الأدلة والمقلد، الثامن في ترجيحات الأدلة المتعارضات». وشرح الشنقيطي عليه المسمى بـ"مذكرة أصول الفقه" قام فيها بشرح جميع أبواب الروضة، ما عدا المقدمة المنطقية، لتحل إشكالات الروضة، وتكشف غموضه، وتجمع شتاته، فكانت هذه المذكرة بعيدة عن التعقيد، خالصة من الشوائب، ناصعة بهدي الكتاب والسنة وعقيدة سلف الأمة، كما تمتاز بأن مؤلفها ذو يد طولى في علم الأصول واللغة والمنطق والفقه، مما جعل مباحثها وافية شاملة، وهي متأثرة "بمراقي السعود" في أصول فقه المالكية. وقد سبقت دراسة د. " محمد مصطفى محمد رمضان " لرسالة الشنقيطي على شرح ابن قدامة، دراسة أخرى جيدة في نفس الموضوع قام بها أ.د. "عبدالرحمن بن علي الحطاب" تحت عنوان "استدراكات محمد أمين الشنقيطي على ابن قدامة في دليل القياس من خلال مذكرة أصول الفقه جمعًا ودراسة"، قامت بنشرها "مجلة الحكمة" بليدز- بريطانيا في أحد أعدادها، وإنْ كانت في حصر استدراكات الشنقيطي فيما يختص بدليل القياس دون غيرها من الاستدراكات، بينما جاءت هذه الدراسة وافية لأغلب استدراكات العلامة الشنقيطي وشارحة للرسالتين، مبينة أهم ما جاء فيهما. والمؤلف هو د. "محمد مصطفى محمد رمضان" الأستاذ المشارك بقسم أصول الفقه بكلية الشريعة - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وله العديد من الدراسات الفقهية والتحقيقات العلمية من بينها: • الشعوبية الجديدة، تاريخ النشر: 1389هـ، 1969م. • مختصر التحرير في أصول الفقه، تأليف ابن النجار، الحنبلي، تقي الدين، محمد بن أحمد بن عبدالعزيز بن علي، الفتوحي المصري؛ ضبط نصه وصححه وعلق عليه محمد مصطفى محمد رمضان، تاريخ النشر: 1420هـ، 2000م. • شرح سمت الوصول إلى علم الأصول، تأليف حسن بن تورخان بن داود اللآقحصاري؛ قدم له وحققه وعلق عليه محمد مصطفى محمد رمضان، تاريخ النشر: 1431هـ، 2010 م. • نزهة الأعين النواظر بشرح روضة الناظر، تاريخ النشر: 1434 هـ، 2013م. |
النوازل في زينة المرأة - طبع حديثا | محمود ثروت أبو الفضل | 24-03-2020 | 19,073 | https://www.alukah.net//culture/0/139313/%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%b2%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%b7%d8%a8%d8%b9-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7/ | النوازل في زينة المرأة للبنى بنت عبد العزيز الراشد صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة " الدراسات الفقهية" دراسة بعنوان (النوازل في زينة المرأة) ، تأليف " لبنى بنت عبد العزيز بن محمد الراشد "، تقديم أ. د. " سعد بن تركي الخثلان " أستاذ الدراسات العليا في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، وذلك عن دار التحبير للنشر والتويع، بالمملكة العربية السعودية. وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية بعنوان " النوازل في زينة المرأة " تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الماجستير في الفقه بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك تحت إشراف أ.د. "عبدالله بن موسى العمار" وذلك عام 1430هـ. وقد تناولت تلك الرسالة دراسة فقهية موازنة لأحكام زينة المرأة في الشريعة الإسلامية وما يتعلق بها، وتناولت أغلب المسائل المعاصرة التي ابتليت بها النساء في وقتنا الحاضر فيما يتعلق بالزينة والتجميل، تقول الكاتبة: « لما كانت المرأة بطبعها ميالة إلى التزين والتجمل لقوله تعالى: ﴿ أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ ﴾ [الزخرف: 18]، وقد تكاثرت وسائل الزينة وأنواعها ومتمماتها على مدى الأعصار والأزمان، وقد جدَّ في هذا العصر من أشكال الزينة ما لعلم الطب فيه أبلغ الأثر، وكذلك ما للحرفة وكسب المال فيه دور بارز، فاحتاج الناس إلى بيان الحكم الشرعي في تلك المستجدات، وبيان ما يباح منها، وما يحرم، وتقديم بحث فقهي تأصيلي في هذا المجال، فكانت هذه الدراسة في نوازل زينة المرأة حيث تناولت بالدراسة والبيان أبرز القضايا المعاصرة المتعلقة بزينة المرأة مع بيان حكمها الشرعي». وقد حاولت الباحثة استيعاب أقوال المذاهب وكبار العلماء واللجان العامة للإفتاء في مسائل ومباحث دراستها، وضم كتابها أغلب المسائل المعاصرة وما يتعلق بالوسائل الحديثة في تزيين وجه المرأة وجسدها، خاصةً ما يتعلق بالتدخل الجراحي في التجميل ونوازله في الوقت الحاضر. وقد تناولت الدراسة مسائل كثيرة متنوعة متعلقة بأغلب مسائل الزينة والتجميل ضمن عدة فصول ومباحث على النحو التالي: الفصل الأول: النوازل المتعلقة بالبشرة. الفصل الثاني: النوازل المتعلقة بندبات البشرة. الفصل الثالث: النوازل المتعلقة بتجاعيد البشرة. الفصل الرابع: النوازل المتعلقة بترهل الجلد وارتخائه. الفصل الخامس: النوازل المتعلقة بزيادة الوزن. الفصل السادس: النوازل المتعلقة بنضارة البشرة وتحسين النقص. الفصل السابع: فيه المزينات طويلة الأمد كالوشم وزينة الشعر والعدسات.. وغيرها. |
عرض كتاب: ذاتية السياسة الاقتصادية الإسلامية وأهمية الاقتصاد الإسلامي للدكتور محمد شوقي الفنجري | محمد رضوان محمد | 24-03-2020 | 5,421 | https://www.alukah.net//culture/0/139300/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d9%87%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b4%d9%88%d9%82%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86%d8%ac%d8%b1%d9%8a/ | عرض كتاب "ذاتية السياسة الاقتصادية الإسلامية وأهمية الاقتصاد الإسلامي" للدكتور محمد شوقي الفنجري عنوان الكتاب: ذاتية السياسة الاقتصادية الإسلامية وأهمية الاقتصاد الإسلامي. المؤلف : المستشار الأستاذ الدكتور محمد شوقي الفنجري. الناشر: المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة، مصر (سلسلة قضايا إسلامية، العدد رقم: 152). الطبعة: الطبعة الثانية، 1428هـ - 2007م. عدد الصفحات: 150 صفحة بالفهارس. عن الكاتب والكتاب: عمل المؤلف اعتبارًا من عام 1968م في تدريس مادة "الفكر الاقتصادي في الإسلام" بجامعة الأزهر، إلى جانب عمله الأصلي في مجال القضاء كمستشار بمجلس الدولة المصري، وللكاتب عدة مؤلفات تناقش قضايا الاقتصاد الإسلامي وموضوعاته، وقد صدرت عن دور نشر متعددة في مصر والمملكة العربية السعودية؛ ومن هذه الكتب: "المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي"، و"الإسلام والمشكلة الاقتصادية"، و"الإسلام والتأمين"، و"نحو اقتصاد إسلامي"، و"الوجيز في الاقتصاد الإسلامي"، و"مفهوم ومنهج الاقتصاد الإسلامي". أساس هذا الكتاب الذي نحن بصدد عرضه (ذاتية السياسة الاقتصادية الإسلامية وأهمية الاقتصاد الإسلامي) كما أوضح المؤلف في مقدمته - بحثان شارك بهما في مؤتمر علماء المسلمين السابع الذي انعقد بالعاصمة المصرية القاهرة في 1392هـ - 1972م. عرض الكتاب: يبدأ الكتاب بمقدمة قصيرة من ست صفحات تحدث فيها الكاتب عن تدريسه لمادة الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر، وأهم الكتب التي ألفها في هذا المجال، والهدف الذي سعى إليه في هذه المؤلفات؛ وهو الكشف عن الأصول والقواعد والحلول الاقتصادية الإسلامية وتطبيقاتها المعاصرة. وقد قسم الكاتب كتابه إلى فصلين رئيسين يتضمن كل فصل منهما مجموعة من المطالب والفروع، ويقدم الكاتب في نهاية كل مطلب مجموعة من النتائج الرئيسة المستخلصة من هذا المطلب. الفصل الأول بعنوان: ذاتية السياسة الاقتصادية الإسلامية: وينقسم هذا الفصل إلى مطالب ثلاثة تتضمن الأركان أو الخصائص الرئيسة للاقتصاد الإسلامي التي تميزه عن غيره من الأنظمة الاقتصادية: المطلب الأول: الجمع بين الثبات والتطور أو خاصة المذهب والنظام. فالسياسة الإسلامية ثابتة من حيث أصولها، ومتطورة في تفاصيل تطبيقها بما يتلاءم مع ظروف الزمان والمكان المتغيرة، وهو ما يؤهل السياسة الاقتصادية الإسلامية لأن تكون صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، وبغرض التأكيد على هذه القضية، قسم الكاتب هذا المطلب إلى ثلاثة فروع: الفرع الأول: الاقتصاد الإسلامي من حيث المذهب والنظام. الفرع الثاني: المذهب الاقتصادي الإسلامي لا يرتبط بمرحلة تاريخية معينة. الفرع الثالث: المذهب الاقتصادي الإسلامي لا يقتصر على صورة تطبيقية معينة. المطلب الثاني: الجمع بين المصلحتين الخاصة والعامة، أو خاصة التوفيق والموازنة بين المصالح المتضاربة. الهدف من المذاهب الاجتماعية والاقتصادية هو تحقيق المصالح، وقد أوضح المؤلف المقصود بالمصلحة، وكيفية التصرف في حالة التعارض بين المصالح، مع المقارنة بين الاقتصاد الإسلامي والنظم الاقتصادية الاشتراكية والرأسمالية في الفروع الثلاثة الآتية: الفرع الأول: مناط الاقتصاد الإسلامي هو المصلحة. الفرع الثاني: التوفيق بين مصالح الفرد ومصلحة الجماعة في حالة التعارض. الفرع الثالث: تقديم المصلحة العامة على مصلحة الفرد في حالة عدم إمكان التوفيق. المطلب الثالث: الجمع بين المصالح المادية والحاجات الروحية، ومراقبته تعالى في كل تصرف. يتميز النظام الاقتصادي الإسلامي عن سائر الأنظمة الاقتصادية بأن الأنظمة الأخرى - على اختلاف أنواعها - ذات صبغة مادية بحتة، بينما تفرد الاقتصاد الإسلامي في هذا الشأن بخصائص أوضحها المؤلف في ثلاثة فروع: الفرع الأول: الطابع الإيماني والروحي للنشاط الاقتصادي. الفرع الثاني: ازدواج الرقابة وشمولها. الفرع الثالث: تسامي هدف النشاط الاقتصادي. الفصل الثاني: أهمية الاقتصاد الإسلامي. وينقسم هذا الفصل إلى مطالب ثلاثة تتضمن أهمية الدراسات الاقتصادية بصفة عامة، والاقتصاد الإسلامي بصفة خاصة، مع بيان أهمية تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي، وذلك كما يلي: المطلب الأول: أهمية الدراسات الاقتصادية. وقد أوضح المؤلف أهمية الدراسات الاقتصادية من عدة زوايا في العناوين الآتية: الفرع الأول: النشاط الاقتصادي هو النشاط الأساسي والغالب في حياة البشر. الفرع الثاني: النظم القانونية في كل مجتمع هي وليدة ظروفه وتطوره الاقتصادي. الفرع الثالث: طبائع الناس وتفكيرهم في كل مجتمع هي نتاج ظروفه وتطوره الاقتصادي. الفرع الرابع: ارتقاء الإنسان ماديًّا وروحيًّا وحالته الاقتصادية. المطلب الثاني: دور الاقتصاد الإسلامي. وقد ناقش المؤلف في هذا المطلب عدة قضايا ذات أهمية كبيرة؛ مثل: رأي بعض العلماء الغربيين في الاقتصاد الإسلامي، وقد قسم المؤلف دور الاقتصاد الإسلامي إلى ثلاث حلقات رئيسة في الفروع الآتية: الفرع الأول: دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة لمعركة القضاء على التخلف من خلال التنمية الاقتصادية. الفرع الثاني: دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم الإسلامي. الفرع الثالث: دور الاقتصاد الإسلامي بالنسبة للعالم أجمع. المطلب الثالث: تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي. ويناقش المؤلف فيه قضية تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي، مع الإشارة إلى أن تدريسها في الجامعات بدأ متأخرًا جدًّا؛ إذ كانت جامعة الأزهر أول جامعة تُدرس هذه المادة (بمقتضى القانون رقم 102 لسنة 1961م)، وذلك ضمن الفروع الثلاثة الآتية: الفرع الأول: حداثة مادة الاقتصاد الإسلامي. الفرع الثاني: إغفال تدريس مادة الاقتصاد الإسلامي. الفرع الثالث: إغفال تطبيق الاقتصاد الإسلامي. ونظرًا لإهتمام الكاتب بالاستدلال بالقرآن والسنة النبوية المطهرة لتدعيم آرائه؛ فقد خصص في نهاية الكتاب - رغم صغر حجمه - فهرسًا يتضمن الآيات القرآنية التي وردت في الكتاب بحسب ترتيب ورودها (46 آية)، وفهرسًا آخر للأحاديث النبوية بحسب ترتيب ورودها (31 حديثًا). واختتم المؤلف كتابه بقائمة تتضمن محتويات الكتاب. |
الواجب عند علماء الأصول وأثره الفقهي | خاص شبكة الألوكة | 23-03-2020 | 12,522 | https://www.alukah.net//culture/0/139295/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a/ | الواجب عند علماء الأصول وأثره الفقهي صدر حديثًا كتاب "ا لواجب عند علماء الأصول وأثره الفقهي "، للأستاذ الدكتور " محمد الحسن مصطفى البغا "، عميد كلية الشريعة سابقًا، وذلك عن دار المقتبس. وأصل الكتاب رسالة علمية قُدِّمَتْ لنيل درجة الماجستير من كلية الدراسات العليا بالجامعة الأردنية وذلك تحت إشراف د. " حسن أبو عيد " وذلك عام 1411 هـ-1990 م. تناولت هذه الدراسة مباحث الواجب في علم أصول الفقه، إذ الواجب فرع الحكم، والحكم فرع الحاكم، والحاكم هو الله - عزَّ وجلَّ - الذي فضل الإنسان على سائر المخلوقات بأداء الواجبات التي كلفه بها. وأراد الكاتب من خلال دراسته تيسير وتوضيح وتقعيد مباحث الواجب عند الأصوليين بجمع شتاتها، وبنائها بقوالب جديدة معاصرة؛ وذلك بالتعمق في مسائل الواجب وتحرير مسائله. وقام الكاتب بعرض مباحث الواجب ومسائله، مسألة فأخرى، عارضًا من خلال كل مسألة آراء الأصوليين فيها، ثم يذكر بعض ما تيسر من الفروع الفقهية، مع بيان الآراء والأدلة ومناقشتها، وقد اعتنى بالتعاريف وأسهب في بعضها، حرصًا على دقة التعريف المختار، هذا مع اعتبار التسلسل الزمني للمذاهب، وإن أمكن مراعاة التسلسل الزمني للتعاريف داخل المذهب الواحد. وتألَّف البحثُ من: تمهيد، وبابين، وخاتمة. عرض الكاتب في التمهيد: لبحث الحكم ومتعلقاته وأقسامه وأنواعه، وبين وحدة التشريع الإسلامي في أنه لله وحده، وبأمر الله في اتباع أوامر غيره جل جلاله. أما الباب الأول: فقسمه إلى فصلين، جعل الفصل الأول لدراسة الواجب، ببيان تعريفه العلمي الدقيق، وأساليب صيغه، وحكمه، ثم بين أشكاله وأنواعه، من ألفاظه، وأسمائه، وانفصال أداء الفعل الواجب عن استقرار الواجب في الذمة، ثم وضح أنه لا فرق بين الفرض والواجب، لا أصولًا ولا أثرًا، وأتبع ذلك ببعض المسائل الفقهية، ثم بين اشتراط قدرة المكلف للقيام بالواجب. أما الفصل الثاني : فوضح فيه الكاتب علاقة الواجب بالمندوب والمباح، وأنهما قد يكونان مطلوبين من حيث جنسهما الكلي، أو قد يكونا خادمين أمينين للواجب، عدا عن أن الشارع قد جعل بعض المندوبات والمباحات، لازمًا فعلها، وإلا وجب العقاب الشديد على من يتخلف عن ذلك، وأَتْبعَ الكاتبُ ذلك ببعض الأمثلة الفقهية. وأما الباب الثاني، فقسمه الكاتب إلى أربعة فصول: جعل الفصل الأول للواجب المطلق المقيد وبين أن الواجب المطلق عن الوقت، مطلوب مدة العصر، شرط أدائه فيه، وإلا ترتب الإثم على ذلك، وأتبع ذلك ببعض الأمثلة الفقهية. وأما الواجب المقيد: فقسمه إلى مضيق وموسع ومشكل، وبين أن الواجب المضيق إنما هو معيار لا يسع غيره، وبين سببه الوقتي، وأتبع ذلك بأمثلة فقهية. وأما الواجب الموسع، فقد بين الكاتب الواجب فيه، الفعل أو العزم على الفعل، وسبب وجوبه، وصفة المؤدى في أول الوقت، وحكم تأخيره، وحكم طروء المانع أو زواله آخر الوقت، ثم مثَّلَ له ببعض الأمثلة الفقهية. وأما الواجب المشكل فقد بين الكاتب أن له ثلاثة أشباه، من المطلق والمضيق والموسع، وبيَّنَ حكمه، ووقت وجوبه، مع بيان ذلك ببعض الأمثلة الفقهية. أما الفصل الثاني فهو عن الواجب المعين والواجب المخير. أما الواجب المعين: وهو غالب أوامر الشريعة، فقد بين فيه ماهيته وحكمه. وأما الواجب المخير: فقد بين ماهيته وحكمه، وآراء الأصوليين فيه، وهل الواجب فيه أحد الأمور - أي القدر المشترك - أم جميع الأمور؟ ووضح شروط التخيير، كيفية تعين الواجب، بالفعل أم بالاختيار، وكيفية الثواب والعقاب، ثم وضح الأشياء التي تكون على البدل أو الترتيب، وهل يجوز الجمع بينها أو لا؟ وأتبع ذلك بمسائل فقهية موضحة للمعين والمخير. وأما الفصل الثالث: فقد جعله للواجب المحدد وغير المحدد، وبين آراء الأصوليين في غير المحدد، وكيفية وروده في التشريع وأتبع ذلك بذكر الأثر الفقهي لهما. وأما الفصل الرابع: فقد جعله للواجب العيني والكفاية، بين فيه حكمهما ومجالاتهما، وبين أن الكفاية واجب على الجميع، ويسقط بفعل البعض، وفيما إذا كان يقدم أداؤه على العيني أو لا؟ ومتى ينقلب إلى عيني؟ ووقت ثبوت أدائه على المكلف، وهل يتعين بالشروع فيه؟ أو يسقط بفعل الصبي المميز؟ وهل يثاب جميع المكلفين فيما لو قاموا به جميعًا، أو لحق آخرون بعد شروع آخرين به؟ ثم بين الكاتب بعض المسائل الأصولية فيهما، وضرورة تنظيمه، وذكرَ أمثلة فقهية لذلك. وفي الخاتمة ذكر الكاتب أهم النتائج العامة والخاصة للدراسة، مع ذكر بعض التوصيات. ومن النتائج التي توصل إليها الكاتب: أن مسائل الواجب - من الناحية الأصولية - ليست إلا قواعد عقلية، مبنية على النصوص العامة من الكتاب والسنة، وعلى قواعد العقل واللغة. وهذه القواعد ترتبط بحياة المسلم ارتباطًا وثيقًا، فهي مثالية واقعية، لأن ذلك شأن كل علم في استيعاب كل الاحتمالات التي يمكن أن ترد فيه، لاحتمال أن يحتاج إليها في وقت ما، في حالة ما.. وأن تمييز الواجبات عن غيرها من الأحكام التكليفية الخمسة، لتمييز ماهياتها كما ميزها الشارع، وليرعاها المكلف ويحفظها، فلا يتساهل فيها، كما لا يزيد عليها إلا بميزان مستقيم. فلو أقدم المكلف على فعل ما، وهو يظنه واجبًا، فإذا به حرامًا أفسد عمله، وأتعب نفسه، بل ربما أفسد مجتمعه، وكذلك إذا ترك واجبًا وهو يظنه مباحًا أو غير ذلك، أساء لنفسه ولدينه. ويرتبط الواجب بالمندوب والمباح ارتباطًا وثيقًا، إذ كل منهما يحوط بالواجب، ويحفظه من التساهل والضياع، وأن من يتساهل بهما لابد أن يصل إلى وقت يتساهل فيه بالواجب ذاته. وقد ترك الشارع بعض الواجبات - وهي الواجبات غير المحددة - لتقدير المكلف بحسب كل حالة وظرف، لعدم إمكان وضع قاعدة يمكن أن تحدد هذه الواجبات، لأن طبيعتها كذلك. كما أن الواجبات العينية شاملة لكل مكلف، والمقصود الأولى منها هو مصلحة المكلف واستقرار شؤونه، وهي لا تسقط عنه بحال، بينما يراد بواجبات الكفاية مصلحة المجتمع كله، واستقامة أحواله العامة، واستقرارها، ويتبع ذلك المصلحة الخاصة للقائم بواجب الكفاية. |
القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذهب الشافعي لمحمد الزحيلي | خاص شبكة الألوكة | 22-03-2020 | 27,363 | https://www.alukah.net//culture/0/139275/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%ad%d9%8a%d9%84%d9%8a/ | القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذهب الشافعي لمحمد الزحيلي صدر حديثًا كتاب "القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذهب الشافعي"، تأليف: د. محمد الزحيلي، أستاذ الفقه الإسلامي والدراسات العليا، وذلك عن دار الإفهام. ويتناول الكتاب إفراد القواعد الفقهية التي وردت في مؤلفات الأئمة الشافعية بالشرح، وبيان أدلتها الشرعية، ومعناها، وعرض أهم الفروع الفقهية والمسائل الواقعية التي تندرج تحتها، مع دراسات عن أهمية القواعد الفقهية، ومدى الاعتماد عليها في الاستدلال. وقد نشطت حركة الفهرسة والتأصيل لعلم الدراسات لأصول الفقه وقواعده في الفترة الأخيرة، حيث اتجه كثير من الباحثين للعمل الموسوعي الإحصائي لقواعد أصول الفقه مع تحرير نصوص القواعد، والألفاظ المختلفة للقاعدة، والاستدلال لها، وبيان تطبيقاتها الفقهية، والتمثيل عليها بأمثلة عصرية، وذكر المستثنيات الفقهية لكل قاعدة من مختلف المذاهب، وبالاعتماد على الكتب الخاصة بالقواعد والأشباه والنظائر التراثية، ثم أمهات كتب الفقه في المذاهب، وجاء هذا الكتاب لتناول هذه المسائل في الفقه الشافعي خاصةً. وقام د. "محمد الزحيلي" في كتابه ببيان القاعدة الفقهية الشافعية في الأول، ثم كتابة الألفاظ الأخرى لها إن وجدت، فإن اتفقت العبارة في إيراد القاعدة فقد حصل المقصود، ثم يقوم بتوضيح معنى القاعدة، وبيان المقصود منها، وتحديد المراد من ألفاظها بشكل عام ومشترك، مع بيان الأدلة ومستند القاعدة، ثم ذكر جميع الأمثلة الواردة في كتاب أو اثنين أو ثلاثة، مع ثبت الاستثناء كذلك، وبيان المرجع لكل فرع أو مسألة أو مثال من المصدر الذي أخذ منه، مع وضع مرجع القاعدة من سائر الكتب والمصادر، وبيان مصادر الشرح والتطبيق الفقهي والاستثناء أيضًا لمساعدة القارئ الدارس في المذهب ودقائقه. ووجد الكاتب أن أكثر قواعد الشافعية الخاصة محصورة في العبادات، وبعضها في أبواب الفقه الأخرى، وبعضها مختلف فيه في التطبيقات والفروع في المذهب الشافعي نفسه، وهو ما وضحه بالتفصيل في دراسته. وقد أثبت الكاتب الفوائد والتنبيهات الواردة في نهاية القاعدة المتصلة بها، وذلك لأهميتها، وفائدتها، وما فيها من علم، مع وضع عناوين جانبية لكثير من التنبيهات والفوائد التي وردت بعد القواعد؛ ليعرف القارئ مضمون التنبيه من عنوانه. وقد وجد الكاتب في كليات القواعد الفقهية في المذهب الشافعي أن كثيرًا منها يتفق مع القواعد الكلية في المذهب الحنفي والمالكي مما نص عليه ابن نجيم في كتابه (الأشباه والنظائر)، وقد أفردها الكاتب بالإسهاب والشرح لبيان الطابع الخاص لها في المذهب الشافعي، ولأن العلماء الشافعية نصوا عليها في كثير من كتبهم وصرحوا بها، واعتمدوها أصولًا للمذهب كذلك. وهذه الدراسة مستخلص موسع - مع كثير من الشرح والإسهاب وضرب الأمثلة - من دراسة سابقة لنفس المؤلف بعنوان "القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة"؛ تناول فيها الكاتب القواعد الأساسية التي جمعت الفروق الفقهية على المذاهب الأربعة، مع المقارنة بينها. والمؤلف هو د. "محمد مصطفى الزحيلي"؛ ولد في دير عطية بدمشق العاصمة - سوريا عام 1941م، تخرج من كلية الشريعة بجامعة دمشق، وحصل على إجازة في الشريعة بدرجة ممتاز منها عام 1965م، وحاز شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى (1971م) من كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر، وشغل عدة مناصب تدريسية وإشرافية منها عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة دمشق، ومنصب عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الشارقة (2000-2006م). له العديد من الكتب والدراسات الفقهية والعلمية التي اتخذت كمواد تدريسية في عديد من الجامعات منها: • أصول الفقه الإسلامي. • طرق تدريس التربية الإسلامية. • تاريخ الأديان. • أصول المحاكمات المدنية والشرعية. • العقود المسماة في القانون المدني والفقه الإسلامي. • فقه القضاء والدعوى والإثبات. • القواعد الفقهية في المذهب الحنفي والشافعي. • علم أصول الفقه. • أصول المحاكمات الشرعية في قوانين دولة الإمارات العربية المتحدة. هذا إلى جانب تحقيقاته العلمية وعدد من الكتب الفكرية منها: • وظيفة الدين في الحياة، وحاجة الناس إليه. • الاعتدال في التدين، فكراً وسلوكاً ومنهجاً. • الإسلام في الماضي والحاضر، تعريف عام بالإسلام. • الإسلام والشباب. • التكريم الإلهي للإنسان. • التدرج في التشريع والتطبيق. • مختارات من أحاديث الأحكام من صحيح البخاري. • مقاصد الشريعة وحقوق الإنسان ( بالاشتراك ) كتاب الأمة - وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - قطر - العدد 87 سنة 1423 هـ /2002م. • المرأة المسلمة المعاصرة. ومن أهم المراجع العلمية التي وضعها وساهم في تأليفها: 1- وسائل الإثبات في الشريعة الإسلامية- رسالة دكتوراه- نشر دار البيان، ومكتبة المؤيد. 2- التنظيم القضائي في الفقه الإسلامي وتطبيقه في المملكة العربية السعودية- دار الفكر. 3- مرجع العلوم الإسلامية- دار المعرفة. 4- تاريخ القضاء في الإسلام- دار الفكر، دمشق. 5- تعريف عام بالعلوم الشرعية- دار طلاس، دمشق. 6- إحياء الأرض الموات- مركز النشر العلمي- جدة. 7- حقوق الإنسان في الإسلام، دراسة مقارنة الطبع 1997- دار ابن كثير- دمشق، حائز على جائزة أفضل كتاب في الموضوع، ويترجم إلى اللغة الإنجليزية والفارسية والأندونيسية. 8- الفرائض والمواريث والوصايا- دار ابن كثير ودار الكلم الطيب- دمشق 2001م. 9- شخصيات إسلامية - دار المكتبي- دمشق 1999م. 10- سلسلة دراسات إسلامية، صدر منها 30 عدداً، دار المكتبي - دمشق. 11- المعتمد في الفقه الشافعي - مع أدلته - خمس مجلدات - دار القلم - دمشق - 1428 هـ /2007 م. 12- الوجيز في أصول الفقه الإسلامي - جزءان - دار الخير - دمشق 1423 هـ / 2002م. 13- القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة - دار الفكر - دمشق - 1427هـ/2006م 14- أصول تدريس التربية الإسلامية، دار اليمامة - دمشق - 1425 هـ / 2004م. 15- الإجراءات الجنائية الشرعية، 1429 هـ / 2008م. |
محمد أحمد الدالي وجامع العلوم | أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى | 22-03-2020 | 13,774 | https://www.alukah.net//culture/0/139265/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85/ | محمد أحمد الدالي وجامع العلوم كتبها: أيمـن بن أحمد ذو الغـنى جامع العلوم الأصبهانيُّ الباقوليُّ المتوفَّى بأصبهانَ عام 542 هـ إمامٌ حُجَّة كبير، وعلَّامة محقِّق بصير، حُرم نعمةَ البصر، فعوَّضه الباري بحدَّة البصيرة، وذكاء القلب والعقل. وهو أبو الحسن عليُّ بن الحسين، أتقن علومَ العربيَّة والقراءاتِ القرآنيَّةَ والتفسيرَ إتقانًا جعله في الصَّدارة من علماء عصره، فلقِّب بجامع العلوم، وبعِماد المفسِّرين، وكان إلى ذلك فقيهًا حنفيًّا، وشاعرًا أديبًا. وعلى سموِّ مكانته قد أخنى الدهرُ على تراثه وآثاره، وجَمهرة سيرته وأخباره، إلا نَزْرًا يسيرًا لا يسدُّ رمَقًا، بلهَ أن يُغنيَ من جوع! حتى قيَّض الله له في عصرنا مَن أماطَ اللِّثامَ عن علمه، وكشفَ الحجُبَ عن تراثه، ونفضَ الغبارَ عن آثاره، فردَّها إلى الحياة بعد أن كاد البِلى يطويها ويُودي بها. إنه أستاذنا العالمُ الجليل والمحقِّق الثبت الأستاذُ الدكتور محمَّد أحمد الدَّالي الذي أسعدني دهري وزملائي بالتَّلمذة له والأخذ عنه في جامعة دمشقَ في أوائل التسعينيَّات الميلادية، واستمرَّت صلتُنا به وصُحبتُنا له على مرِّ السنين إفادةً وانتفاعًا. وهو العالم المعطاء الذي لا يضَنُّ بعلم أو معرفة، ولا يمسك عن نصح أو تبصرة، كريمُ الخلال، طيِّب المعشَر، مع سماحة خُلقٍ ولين جانبٍ وتواضع جَمٍّ، وعفَّةٍ في اليد واللسان. لا زال مكلوءًا بحفظ الله ورعايته، مسدَّدًا فيما هو فيه من علم وعمل وتعليم. وحسبُه ما وصفَه به أستاذُه وأستاذ الكلِّ العلَّامة المحقِّق د. شاكر الفحَّام رئيسُ مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، يوم قدَّم لواحدٍ من بواكير أعماله، وهو كتابُ الإمام الجليل علَم الدين السَّخاوي (سِفر السَّعادة وسَفير الإفادة) الذي كان تحقيقُه ودراسته موضوعًا لأطروحة الدالي في الماجستير التي نالها من جامعة دمشقَ بتقدير امتياز عام 1982م بإشراف الفحَّام نفسه= وصفَه يومئذٍ بقوله [1] : ((لقد انتُدب الشابُّ محمَّد الدالي ، وهو المكتهلُ في شَبيبته جِدًّا ورصانة ، وانصرافًا إلى العلم، وحبًّا لآثار السلف، لتحقيق هذا الأثر الغالي من آثار السَّخاوي، فشمَّر عن ساعد الجِدِّ، وأخذ نفسَه أخذًا غيرَ رفيق بقواعد تحقيق المخطوطات، غيرَ مُتناسٍ الأصولَ التي خلَّفها لنا الأجدادُ في الضبط والإتقان والأمانة في نقل النصوص؛ خشيةَ أن يعبثَ بها عابث. وهيَّأ لعمله كلَّ الأسباب التي تدنو به إلى النجاح، وسهِرَ ونَصِبَ لتذليل العقبات... وطاف وحوَّم ليَرِدَ الماء صفوًا لا كدَر فيه)). ذلكم وصفُ الأستاذ في طَراءة شبابه، فما الظنُّ به اليومَ وقد اكتَهَل حقًّا ونضِجَ فعلًا، عاكفًا على تراث العربيَّة تحقيقًا ودراسةً وبحثًا وإفادة؟! ولعَمرُ الله إن العلَّامة الفحَّام قد أصاب المَفصِلَ في وصف أستاذنا الدالي غيرَ موضعٍ واحد، وهو قوله: ((وسهِرَ ونصِب))، أمَّا النصَب فنعم، وأمَّا السَّهر فلا! إن أستاذنا الدالي لا يعرفُ السَّهر، ولعلَّ أهمَّ مفاتيح نجاحه أنه يُبادر إلى النوم مبكِّرًا، لينهضَ في السَّحَر، فيبدأ يومَه قبل الفجر بركعات يرجو فيها ربَّه أن يُزلفَه من رضوانه، وأن يفتحَ عليه في العلم ويباركَ له في العمل، ثم يُكِبُّ على ما أخذ به نفسَه من تحقيقٍ وبحثٍ ساعات وساعات، ومن هنا أن تجلَّت برَكة البُكور في أعماله؛ كثرةً وجَودةً وإتقانًا، فللَّه الحمدُ على ما أعطى وأقنى. وعَودًا إلى جامع العلوم الأصبهاني، فقد أُعجبَ الدالي ببصيرته النافذة، وبسَعة علمه في العربيَّة والتفسير، وبفِطنته وقوَّة عقله، فحُبِّب إليه بَعثُ آثاره. وزاده حبًّا إليه أنه من أعيان المدرسة البَصرية المتأخِّرة التي تقيَّلت علمَ أبي عليٍّ الفارسيِّ وتلميذِه ابن جنِّي، حتى لكأنه ثافنَ أبا عليِّ في مجالسه تلمذةً وتلقِّيًا وإحاطةً بمذاهبه وآرائه، على بُعد ما بينهما زمانًا. فضلًا عن أن أوَّل من عرَّف بمكانة جامع العلوم من العَصريِّين هو أبرزُ شيوخ الدالي وأظهرُهم وأخصُّهم العلَّامةُ الحُجَّة الإمام أبو عبد الله أحمد راتب النفَّاخ ، شيخ العربيَّة في الشام، بل شيخ الدنيا على ما وصفَه به العلَّامة الطناحيُّ [2] ، عليهما رحمات الله تَترى. وكان ذلك عام 1973م يوم جَلا عن حقيقة الكتاب النفيس المنشور بعنوان (إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج)، مرجِّحًا أنه كتابُ (جواهر القرآن)، وقاطعًا أنه لجامع العلوم [3] . ومن حينئذٍ اهتمَّ الدالي بشأن الأصبهانيِّ الباقولي، واتخذَه صاحبًا وخَدينًا، ونهض للتنقيب عن تُراثه المفقود، والفحص عن علمه المغيَّب خلفَ سِجافِ القرون، فكانت دراسةُ جامع العلوم الأصبهانيِّ وآثارِه، وتحقيقُ كتابه ( كشف المشكلات ) - بإشارةٍ من العلَّامة النفَّاخ - الأطروحةَ التي نال بها الدكتوراه من جامعة دمشق عام 1987م بمرتبة الشَّرف. ولا يفتأُ أستاذنا الدالي مشمِّرًا عن ساعد الجِدِّ، آخذًا نفسَه بحزمٍ وعزم في تحقيق تراث جامع العلوم؛ لتكونَ علومُه وفنونه موطَّأةً للباحثين، ميسَّرةً للطالبين، ينهلون من مَعينها، ويغرفون من نَميرها. ودونكم ما أخرج الأستاذ من ذخائر الجامع : 1- (كشف المُشكِلات وإيضاح المُعضِلات) صدر عن مجمع اللغة العربيَّة بدمشقَ عام 1415هـ/ 1995م، في 4 أجزاء، مجلَّدين للمتن، ومُجَيليد للمقدِّمة وآخرَ للفهارس، وهو كما علمتَ رسالته للدكتوراه. عدد صفحات الكتاب بمقدِّمته وفهارسه 1828 صفحة. ثم وقف الأستاذ بعدُ على نسخ خطيَّة لم يكن أصابها من قبلُ، فيها زياداتٌ مهمَّة وفوائدُ نافعة، وقد هيَّأ الكتابَ لنشرةٍ جديدة مَزيدةٍ ومنقَّحة باعتماد تلك الأصول، يسَّر الله صدورَه قريبًا. 2- (مسائل في علم العربيَّة والتفسير) من إملاء جامع العلوم، نُشرت في مجلَّة جامعة دمشق، المجلَّد 14، العدد 4، عام 1998م. وهي في كتاب أستاذنا الدالي ( الحصائل ) 3/ 243- 266، عدد صفحاتها 23 صفحة. 3- (ما تلحن فيه العامَّة في التنـزيل) رسالة نُشرت في مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، المجلَّد 74، الجزء الأوَّل، عام 1419هـ/ 1999م. وهي في كتاب أستاذنا الدالي ( الحصائل ) 3/ 267- 299، عدد صفحاتها 32 صفحة. ذكر المؤلِّف ثلاثينَ موضعًا ممَّا تلحن فيه عامَّة القرَّاء من غير الضابطين المتقنين منهم، والمرادُ باللحن الخطأ ومخالفة الصواب، وهو على ضربين: لحنٌ جلِيٌّ، ولحنٌ خفِيٌّ. قال الدالي: ولا أعرف أحدًا ألَّف في لحن العامَّة في التنـزيل. 4- (الاستدراك على أبي عليٍّ الفارسيِّ في الحُجَّة) صدر عن مكتبة البابطين المركزية للشعر العربيِّ بالكويت، عام 1428هـ/ 2007م، في مجلَّد كبير عدد صفحاته 814 صفحة. وهذا الكتاب نقدٌ عالٍ لكتاب (الحُجَّة للقرَأَة السَّبعة أئمَّة الأمصار) الذي هو من أنفس دُرر أبي عليٍّ الفارسي، وفيه استدراكٌ أيضًا على الزجَّاج ممَّا فات أبا عليٍّ في الإغفال، وعلى أبي عليٍّ في غير الحُجَّة، وعلى ابن جنِّي في الخصائص والمحتسَب. وكان نشر الأستاذ مقالةً بعنوان: (جولةُ جامع العلوم الأصبهانيِّ الباقوليِّ مع أبي عليٍّ الفارسيِّ في الحُجَّة) ، في مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، المجلَّد 64، الجزء الثالث، عام 1409هـ/ 1989م. وهي في كتابه (الحصائل) 1/ 119- 143، عدد صفحاتها 24 صفحة. 5- ( الإبانة في تفصيل ماءات القرآن، وتخريجُها على الوجوه التي ذكرَها أربابُ الصِّناعة ) صدرت طبعتُه الأولى عن وِزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميَّة بالكويت، عام 1430هـ/ 2009م، في مجلَّد كبير عدد صفحاته 676 صفحة. ثم صدرت طبعتُه الثانية عن دار البشائر بدمشق، عام 1435هـ/ 2014م. وقد بلغت عِدَّة ماءات القرآن التي تناولها جامعُ العلوم بالدراسة والتحقيق 2398 ( ما ) في قراءة حَفْص، واستدرك المحقِّق على المصنِّف 218 ( ما )، وذكر المصنِّف خمسَ ماءات وقعت في غير قراءة حفص، فيكون مجموعُ ماءات القرآن على التحقيق في قراءة حفصٍ وسائر العشَرة 2621 ( ما ). 6- (جواهر القرآن ونتائج الصَّنعة) صدر بأخَرةٍ في طبعة جامعةٍ لأصول رواياته عن ثلاث نسخ خطيَّة، عن دار القلم بدمشق، عام 1440هـ/ 2019م، في أربعة مجلَّدات كبيرة مجموع صفحاتها 2044 صفحة. وهذا الكتاب كان أخرجه قديمًا عام 1963م الأستاذُ إبراهيم الأبياري عن نسخةٍ خطيَّة واحدة بعنوان (إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج) ، ثم تصدَّى لتصحيح عنوان الكتاب ونسبته إلى صاحبه العلَّامةُ النفَّاخ على ما ألمعتُ آنفًا. وكان نشر أستاذنا الدالي مقالتين تتَّصلان بهذا الكتاب؛ أولاهما بعنوان ( كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج هو كتابُ الجواهر لجامع العلوم الأصبهانيِّ ) في مجلَّة مجمع اللغة العربيَّة بدمشق، المجلَّد 66، الجزء الأوَّل، عام 1410هـ/ 1990م. وهي في كتابه (الحصائل) 2/ 104- 128، عدد صفحاتها 24 صفحة. والأخرى بعنوان (صلةُ الكلام في كتاب الجواهر لجامع العلوم الأصبهانيِّ وتحقيق اسمه) في مجلَّة معهد المخطوطات العربيَّة بالقاهرة، المجلَّد 43، الجزء الثاني، 1420هـ/ 1999م. وهي في كتابه (الحصائل) 2/ 284- 308، عدد صفحاتها 24 صفحة. 7- (الملخَّص في الوقف والابتداء) قطع شوطًا بعيدًا في تحقيقه والتعليق عليه، ويُتوقَّع أن يصدرَ في قُرابة 1200 صفحة، أعان المولى على تمامه. 8- (شرح اللُّمَع لابن جنِّي) وهو من أجلِّ شروحه، كان قد صنع لمخطوطة الكتاب الجليلة فهارسَ شاملةً قبل أن يضعَ فيه يده، ثم طُبع الكتاب في السعودية عام 1411هـ/ 1990م بعناية باحثٍ ثَمَّة، ووقف عليه فيما حدَّثني بعد زمانٍ عام 2002م. ولم يزل عازمًا على تحقيقه حتى آثرَ به طالبَين من طلَّاب قسم اللغة العربيَّة بجامعة دمشق، وقدَّم إليهما مخطوطات الكتاب بأريحيَّة؛ ليكونَ موضوعًا لأطروحتَيهما في الدراسات العليا، بإشراف تلميذِه النجيب الأخ الفاضلِ والصديق العزيز د. محمَّد عبد الله قاسم وفَّقَه الله. تلكمُ الأعلاقُ النفيسة هي كلُّ ما انتهى إلينا من آثار أبي الحسن الأصبهانيِّ الباقوليِّ رحمه الله وجزاه عن العربيَّة وأهلها خيرًا، وما كان لها أن تخرجَ بالصورة التي تراها من الإتقان والإحكام، لولا ما بذل في تحقيقها أستاذُنا الدالي من جُهد مُضنٍ غيرِ خافٍ على من لديه أدنى بصيرة! وشتَّان ما بين صنيع الأستاذ في هذه الكتب - وفي سواها ممَّا حقَّق وأخرج - وبين غير قليلٍ ممَّا تلفظُه المطابع كلَّ يوم من كتبٍ يُزعَم أن قد حقَّقها زيدٌ أو عُبيد، بيد أنها على الحقيقة لم تشَمَّ رائحةَ التحقيق! وإن نظرتَ في حواشيها على كثرتها وطولها لم تجد فيها شيئًا، إلا شيئًا لا يُعبأ به، وإلى الله المشتكى! لقد مضى الدالي فيما سلفَ من أعمال - ولا يزال - على جادَّة لاحِبةٍ وطريقةٍ قويمة هي امتدادٌ لمنهج الأكابر من المحقِّقين؛ أبي عبد الله النفَّاخ، وأبي فهر محمود محمَّد شاكر، وعبد العزيز المَيمَني الرَّاجَكُوتي، وناهيكَ بهم من رجال! ولو سبَرتَ صنيعَه ورُزتَ حواشيَه وأنعَمتَ النظر في مقدِّماته لأدركتَ أني لم أغادر الحقيقةَ قِيسَ شعرة. فهو ينسِجُ على مِنوالٍ من التثبُّت التامِّ في كلِّ ما يخطُّ بَنانُه، حتى إنه عارضَ كلَّ كتابٍ من مصنَّفات جامع العلوم التي أخرجها حرفًا حرفًا بغيرها من مؤلَّفاته، وبمواردها من كتب أبي عليٍّ وابن جنِّي ومن قبلهم إمام النحاة سيبويه، وغيرهم من أئمَّة الصنعة وجِلَّة شيوخ العربيَّة. بل إن صنيعه يتجاوز التحقيقَ المتقنَ العاليَ ليكون شرحًا وتبيينًا لمراد المصنِّف، فهو لا يمرُّ على مسألةٍ مُعضِلة، أو عبارةٍ غامضة مُشكِلة، دون أن يُشبعَ التعليقَ عليها إبانةً وكشفًا، وجَلاء وإيضاحًا، مع التوسُّع في الإحالة على كلام أهل العلم، وكأن المكتبةَ العربيَّة كلَّها بين عينيه! وأدَّاه طول تأمُّله في كتب الجامع وعميقُ نظره في أسفار الأئمَّة إلى أن يُدليَ بدلوه؛ تقويمًا وتسديدًا، وتصويبًا واستدراكًا، ولهذا ما تراه يُثبت على أغلفة كتبه عبارة: (حقَّقه وخرَّج ما فيه وشرحَه وناقشَه وكتبَ حواشيَه وصنَع فهارسَه) وهي ألفاظٌ نازلة في حاقِّ موضعها غيرَ شكٍّ. ثم تراه بعد ذلك كلِّه على سجيَّته من التواضُع والتطامُن، والنأي عن التباهي والانتِباج، لينُصَّ على أن عمله لا يعدو أن يكونَ استدراكًا على علمهم بعلمهم، واعتراضًا على أقوالهم بأقوالهم؛ يقول حفظه الله [4] : ((وما عمَلي... إلا آثارٌ ونتائجُ عن محاولتي فهمَ كلامهم، ومعارضةَ أقوالهم في تصانيفِهم، ومعرفةَ أخذِ بعضِهم عن بعض، واختيارِ بعضِهم قولًا على قول. فمن كلامهم علَّقتُ... ومن كلامهم استدركتُ عليهم، ومن كلامهم اختَرتُ ما اختَرت، وممَّا بسَطوه من أصول العربيَّة خالفتُهم فيما خالفوه منها في بعض أقوالهم، ورأيت غيرَ ما رأَوا)). ورائدُه في هذا قولُ الإمام ابن جنِّي [5] : ((وإذا صحَّ لإنسانٍ قولٌ يقتضيه مَحضُ القياس فليس ينبغي أن يُحجِمَ عن القول به لأنه لم يقُله مَن قبلَه من الشيوخ. ولو كان هذا مذهبًا صحيحًا لما كان للثاني أن يزيدَ على الأوَّل، ولا أن يأتيَ بما لم يأتِ به، ولكان هذا مدعاةً إلى العِيِّ والحَصَر)). وأخيرًا، فإنني أحسَب أن ما رجاه العلاَّمةُ شاكر الفحَّام لتلميذه محمَّد الدالي قد تحقَّق بحذافيره بفضل الله المنعِم الكريم، يوم قال في خاتمة تقديمه لكتابه (سِفر السَّعادة) [6] : ((وإني لأرجو له وآمُل أن يتابعَ مسيرتَه في إحياء آثار السَّلف، وأن يقتفيَ خُطاهم في التدقيق والحرص على سلامة النصوص، وأن يقتديَ بهُداهم في تحرُّجهم من إقحام أنفسهم في أعمال الآخَرين، وفي ابتعادهم عن التزيُّد... وأن يظلَّ ماضيًا على غُلَوائه، متدرِّعًا بتواضُع العلماء، سالكًا النمطَ الأوسط، لا يزدَهيه غرور، ولا يُبطره عُجْب، بل يزداد علمًا وتواضعًا، "هلك من ادَّعى، ورَدِيَ من اقتحم، اليمين والشِّمال مَضَلَّة، والوسطى الجادَّة، ومن تواضع لله رفعه")). وليتَ العمُرَ تنفَّسَ بالعلاَّمة النفَّاخ دهرًا حتى يرى ثمرةَ غرسه وقد أينعَت، إذن لقرَّت عينُه، واغتبَط فؤادُه، لكنَّها مشيئةُ الله الحكيم سبحانه ولا رادَّ لأمره. وحسبُ النفَّاخ أن قد خلَّف أمثالَ الدالي من العلماء الراسخين في العلم، ومن المحقِّقين الأكفياء الأثبات، ممَّن صنعَهم على عينه، وروَّاهم من سَداد منهجه، كتبَ الله أجرَه وأجزلَ مثوبتَه. الرياض 28 جُمادى الآخرة 1440هـ ♦ ♦ ♦ أغلفة كتب جامع العلوم بتحقيق العلامة محمَّد أحمد الدالي إهداء من العلامة الدالي إلى تلميذه كاتب المقالة العلامة الدالي في كليَّة الآداب بجامعة دمشق صيف 1421هـ مع لفيف من أساتذة العربيَّة وطلابها من اليمين: ضياء الدين القالش، د. محمد حسان الطيَّان، أيمن بن أحمد ذو الغنى، د. أيمن الشوَّا، الأستاذ عاصم بن محمد بهجة البَيطار، هاشم الشاطر، الأستاذ محمَّد علي حمد الله، د. محمد أحمد الدالي، محمد بونجة، خليل عبد الله. العلامة الدالي في صورة حديثة عام 1440هـ غلاف كتاب العلامة الدالي (الحصائل) الجامع لبحوثه ودراساته ومقالاته نُشرت في مجلة المخطوطات الثقافية، الصادرة عن معهد المخطوطات العربية بالقاهرة، العدد الثاني، ديسمبر 2019 [1] مقدِّمة (سِفر السعادة) 1/ 9-10. [2] في كتابه (مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي) ص114. [3] في مقالتين أوفى فيهما على الغاية، بعنوان (كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجَّاج: تحقيق نسبته واسمه، وتعريف بمؤلفه، واستكمال لتحقيق بعض أبوابه) نشرهما في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، المجلد 48، الجزء الرابع، عام 1393هـ/ 1973م، والمجلد 49، الجزء الأول، عام 1393هـ/ 1974م. [4] في مقدِّمة تحقيقه (الإبانة) ص9. [5] المنصف 3/ 133، نقلًا عن مقدِّمة (الإبانة) ص10. [6] مقدِّمة (سِفر السعادة) 1/ 11. |
التسهيل في الفقه الحنبلي للعلامة البعلي الحنبلي | محمود ثروت أبو الفضل | 21-03-2020 | 18,645 | https://www.alukah.net//culture/0/139256/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b3%d9%87%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84%d9%8a/ | التسهيل في الفقه الحنبلي للعلامة البعلي الحنبلي صدر حديثًا تحقيق جديد لكتاب " التسهيل في الفقه "، للعلامة: البعلي الحنبلي (ت ٧٧٨هـ)، بتحقيق وتعليق " ياسر بن عبدالعزيز بن أحمد الثميري " على نسختين خطيتين تم بهما استدراك عدد من الأخطاء في الطبعات السابقة المعتمدة على نسخة واحدة، وذلك عن دار " أطلس الخضراء " بالرياض. و كتاب " التسهيل " الذي ألفه العلامة الفقيه محمد بن علي ابن محمد البعلي من الكتب المهمة التي ألِّفت في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وهو من أفضل متون فقه الحنابلة المتأخرة، وقد تميز هذا الكتاب عن غيره من كتب المذهب بصغر حجمه، وسهولة عباراته، ووضوح معانيه، وهو مع اختصاره قد حوى من الفوائد ما لا يوجد في المطولات، جرَّده عن الأدلة والتعليلات والخلافات، تيسيرًا لحفظه، وتقريبًا لمسائله، وقد أثنى عليه العلماء، واستفادوا منه، لكثرة المسائل به ووضوحها غالبًا. ومؤلفه الإمام البعلي من العلماء الكبار، ومن أهل الخبرة والدراية بالمذهب؛ مما جعله من أهم كتب المذهب التي ينبغي للمتفقهين في المذهب الحنبلي العناية بحفظه وضبطه وإتقانه. وقد جعل البعلي مصنفه مختصرًا دون تطويل بذكر الخلاف ولا فروع المسائل وأدلتها كما نص على ذلك في المقدمة حيث قال: « هذا مختصرٌ في الفقهِ على مذهبِ الإمامِ المبجَّلِ، والحَبْرِ المفضَّل أبي عبدِ الله أحمدَ بنِ محمدِ بنِ حنبلٍ، رضي الله عنه وأرضاه، وجعلَ الجنة مأواه، جعلته على القولِ الصحيحِ مما اختارهُ مُعْظَمُ الأصحابِ، تسهيلًا على الطلابِ، وتذكرةً لأولي الألبابِ، مَعَ كثرةِ عِلْمِهِ، وقِلَّةِ حَجْمِهِ». وقد جعله على القول الصحيح الذي اختاره أصحاب المذهب كما وضح في تقدمته وهو ما أعطى الكتاب مزية لطلاب المذهب ودارسيه، كما أنه يذكر المسألة ويقيدها بالشرط أو الصفة، ويذكر مستثنياتها إن وجدت، أو المسائل المخالفة أو فروعها أحيانًا. وقد طبع كتاب " التسهيل " من قبل بدار العاصمة، سنة (1414هـ)، ثم (1418هـ)، بتحقيق د. عبد الله الطيار، ود. عبدالعزيز الحجيلان، ثم اعتنى بمتنه الشيخ عبد الله بن صالح الفوزان، وكلهم قد اعتمد على نسخة خطية وحيدة من محفوظات مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي بجامعة أم القرى في مكة المكرمة، رقم (117 فقه حنبلي)، وعدد أوراقها (41) ورقة، في كل ورقة وجهان، وعدد الأسطر في كل ورقة (34) سطرًا، ونوع الخط معتاد ومقروء. غير أن المحقق في طبعته الحالية تيسر له الحصول على نسخة خطية نفيسة، أغلب الظن أنها كتبت في عصر المؤلف، بخط واضح مقروء وبدون أخطاء تقريبًا في المتن عكس المخطوطة موضع التحقيقات السابقة. أما مصنف الكتاب فهو: محمد بن علي بن محمد بن عمر بن يعلى اليونيني البعلي الحنبلي، بدر الدين، أبو عبد الله، المعروف بـ" ابن أسْبَاسلار"، ولد في الشام، في مدينة "بعلبك" سنة (714هـ) على ما ذكره الحافظ ابن حجر في "الإنباء". قال عنه ابن حجر أيضًا في "الدرر الكامنة": « الإمام العلامة، البدر، شيخ الحنابلة ببعلبك». وترجم له ابن العماد في "شذرات الذهب في أخبار من ذهب" (8/ 439) بقوله: « الشيخ الإمام، العلّامة البارع، النّاقد المحقّق، أحد مشايخ المذهب. له مختصر في الفقه سمّاه "التسهيل" عبارته وجيزة ومفيدة، وفيه من الفوائد ما لم يوجد في غيره من المطولات، أثنى عليه العلماء». وقد درس البعلي على يد العلماء ببعلبك مثل الشيخ المحدث المؤرخ قطب الدين أبي الفتح اليونيني، (المتوفى سنة 726هـ)، كما سمع من الحجَّار المسنِد (المتوفى سنة 730هـ)، وأخذ الفقه عن ابن عبد الهادي (المتوفى سنة 744هـ)، وابن القيم (المتوفى سنة 751هـ). وتصدر للإفتاء والتدريس في المذهب حتى صار عالم الحنابلة في بلده، وقرظه كثير من علماء عصره، فقال عنه ابن عبد الهادي المعروف بـ (ابن المَبْرِد) في "الجوهر المنضد": "الشيخ الإمام، العالم العلامة، الفقيه، الزَّكي، المحصِّل". وقال العُليمي في "المنهج الأحمد": "الشيخ الإمام العالم العلامة البارع الناقد المحقق ... أحد مشايخ المذهب". وعلى علو شأنه كان قليل التصنيف لانشغاله بالإفتاء والتدريس، وكان له اعتناء واضح بمؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن مصنفاته: كتاب "التسهيل"، و"مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول" لشيخ الإسلام ابن تيمية، و"المنهج القويم في اختصار اقتضاء الصراط المستقيم" لشيخ الإسلام ابن تيمية، و"مختصر الفتاوى المصرية" لشيخ الإسلام ابن تيمية. وتوفي رحمه الله سنة سبعمائة وثمانية وسبعين هجرية. |
العقد الطبي وآثاره لمساعد بن عبد الرحمن القحطاني | خاص شبكة الألوكة | 18-03-2020 | 4,868 | https://www.alukah.net//culture/0/139226/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d9%87-%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%ad%d8%b7%d8%a7%d9%86%d9%8a/ | العقد الطبي وآثاره لمساعد بن عبد الرحمن القحطاني صدر حديثًا عن الجمعية الفقهية السعودية في سلسلة " الدراسات الفقهية " دراسة بعنوان ( العقد الطبي وآثاره دراسة فقهية مقارنة) ، تأليف د. " مساعد بن عبد الرحمن القحطاني "، الأستاذ المساعد بقسم الفقه في جامعة الملك خالد بأبها، وذلك عن دار التحبير للنشر والتوزيع، بالمملكة العربية السعودية. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدَّم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير في الفقه من جامعة الملك خالد بأبها وذلك عام 1438هـ/ 2018م. يتناول الكتاب مسألة من المسائل المعاصرة في علاقة الطبيب بمرضاه، والتي تنحصر في مسئوليته الوظيفية والأخلاقية عن صحة وحياة المريض الذي يعالجه، والذي يتمثل في مجموعة من الإجراءات على رأسها ما يعرف بـ" العقد الطبي "، والعقد الطبي من العقود واسعة الانتشار في هذا العصر، وذات الأهمية الكبيرة، وتمس حاجات الناس إليه؛ نظرًا لتعلقه بجسم الإنسان، وهو رابطة عَقْدِيَّة بين المريض والطبيب والمؤسسة الصحية. لذا جاءت هذه الدراسة لبيان: نوع هذه الرابطة، وتوضيح تكييفها الفقهي، ووصفها النظامي، وبيان طرق إزالة الإشكالات الواردة عليه، وتجلية الالتزامات والحقوق في هذا العقد، والشروط الواجبة فيه، والآثار المترتبة عليه في الفقه والنظام. وهذه الدراسة من الدراسات التي سدَّت فراغًا مهمًا في دراسة هذا النوع من العقود بالغة الأهمية. وتناقش الرسالة أيضًا أثر ممارسة التغرير من قبل الممرض أو الطبيب المعالج على العقد الطبي من حيث الصحة واللزوم، وضمان ما نتج عن هذا التغرير من أضرار. ولعل البحث في هذه المسألة من الأهمية بمكان في وقتنا الحاضر لكثرة الأخطاء الطبية، وما ينتج عنها من مشاكل صحية ونفسية على المريض بعد المعالجة، قد يطول مداها وتؤثر على حياته بالإجمال. ولذا كانت مسألة العقد الطبي من الالتزامات الحديثة لمساءلة الممارس الصحي في حالة غرره بالمريض أو تعريضه للخطر، حيث يعتبر مسئولًا عن عمله مسئولية تأديبية، أو جنائية، بالإضافة إلى ما وجب عليه من الضمان نتيجة ما أتلفه، وذلك بحسب تضرر المريض من عدمه، ويستحق التأديب والتعزير لمخالفته لأصول الشريعة، وللقواعد الصحية، ولإخلاله بأخلاقيات المهنة الطبية الشريفة المتعارف عليها بين الأطباء. ونجد إجماع العلماء على أن الطبيب الجاهل أو غير الحاذق بمهنته يؤاخذ بخطئه، ويعاقب عقوبة رادعة، ويضمن ما جنت يداه، لأنه ادعى الطب، وغرّر بالمريض، وفعل فعلًا محرمًا غير مأذون له فيه، فيكون متعديًا بفعله. |
شرح المتن العقدي لزياد بن حمد العامر | خاص شبكة الألوكة | 18-03-2020 | 14,613 | https://www.alukah.net//culture/0/139224/%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%af%d9%8a-%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%a7%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%b1/ | شرح المتن العقدي لزياد بن حمد العامر صدر حديثًا " شرح المتن العقدي "، شرح مختصر لخلاصة اعتقاد أهل السنة والجماعة في أصول المسائل العقدية، تأليف: د. "زاد بن حمد العامر "، وذلك عن دار التحبير للنشر والتوزيع. والكتاب شرح ميسر لمتن عقدي أصدره المؤلف عام 1434هـ بعنوان "المتن العقدي" وهو متنٌ عقدي جامع لأصول مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة. وهذا المتن العقدي جميع ما هو مذكور فيه من المسائل هو: 1- مِنْ القَدْرِ المجزئ في الاعتقاد. 2- أو قد حكي الإجماع عليه كما جرت به عادة علماء أهل السنة أن يذكروا الأصول المتفق عليها في عقائدهم المختصرة. 3- أو كان مما يتميز به أهل السنة والجماعة عن غيرهم من الفرق المنتسبة للإسلام، فإن من شأن المصنفين في العقائد المختصرة على مذهب أهل السنة والجماعة أن يذكروا ما يتميز به أهل السنة والجماعة عن الكفار والمبتدعين. وما هو مذكور في هذا المتن هو خلاصة اعتقاد أهل السنة والجماعة مما هو مذكور في متون الاعتقاد الشهيرة عندهم مثل: " العقيدة الطحاوية " للطحاوي الحنفي (321هـ)، و" عقيدة ابن أبي زيد القيرواني المالكي " (386هـ)، و" عقيدة أصحاب الحديث " للصابوني الشافعي (449هـ)، و" لمعة الاعتقاد " لابن قدامة الحنبلي (620هـ)، و" العقيدة الواسطية " لابن تيمية (728 هـ) وغيرها من متون الاعتقاد، فإنهم يذكرون فيها مجمل الاعتقاد دون تفاصيله. ومن عادة كثير من المصنفين في الاعتقاد أن يرتبوا مصنفاتهم على ما جاء في حديث جبريل عليه السلام لما سَئَل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان فقال له: « أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره»، فإن أحسن ما يرتب عليه كتاب أصول الدين ترتيب جواب النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام، حين سأله عن الإيمان... فيبدأ بالكلام على التوحيد والصفات وما يتعلق بذلك، ثم بالكلام على الملائكة... وتقديمًا لما بدأ الله به في القرآن في غالب - الآيات كما جاء في حديث جابر الطويل في الحج: «أبدأ بما بدأ الله به». ويمكن ترتيب الموضوعات العقدية إجمالًا بناء على ذلك كما يلي: الفصل الأول: مقدمة الاعتقاد. الفصل الثاني: الإيمان. الفصل الثالث: الإيمان بالله. الفصل الرابع: الإيمان بالملائكة. الفصل الخامس: الإيمان بالكتب. الفصل السادس: الإيمان بالرسل. الفصل السابع: الإيمان باليوم الآخر. الفصل الثامن: الإيمان بالقدر. الفصل التاسع: ملحقات الاعتقاد. وجاء شرح الكاتب شرحًا متوسطًا اقتصر فيه على تقرير أصول مسائل الاعتقاد ودلائلها، وقد يشار إلى خلاف المخالفين بإيجاز، وذلك لكي يكون مرجعًا علميًا مساندًا لمن أراد شرح المتن العقدي. |
تلخيص العلل المتناهية للذهبي بتحقيق الدكتور محفوظ الرحمن السلفي | خاص شبكة الألوكة | 15-03-2020 | 7,514 | https://www.alukah.net//culture/0/139149/%d8%aa%d9%84%d8%ae%d9%8a%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8%d9%8a-%d8%a8%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%81%d9%88%d8%b8-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%81%d9%8a/ | تلخيص العلل المتناهية للذهبي بتحقيق الدكتور محفوظ الرحمن السلفي صدر حديثًا طبعة جديدة لتحقيق كتاب "تلخيص العلل المتناهية في الأحاديث الواهية للإمام ابن الجوزي" تصيف الحافظ المحدث شمس الدين أبي عبد الله محمد الذهبي (ت 748 هـ)، تحقيق الشيخ محفوظ الرحمن زين الله السلفي - رحمه الله - وذلك عن مكتبة الفرقان بدبي. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الشيخ محفوظ الرحمن زين الله لنيل درجة الماجستير من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وذلك عام 1400هـ/ 1980م، قسم الدراسات العليا، شعبة السنة المشرفة، وأشرف على الرسالة د. محمود أحمد ميرة. وقد تناول الإمام الذهبي في مصنفه تلخيص كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" للإمام ابن الجوزي، والذي حاول فيه ابن الجوزي استيعاب الأحاديث المعللة الواهية من المصنفات الحديثية وجمعها في مؤلف واحد مرتبة على ترتيب أبواب الفقه تسهيلًا للقارئ، يقول ابن الجوزي في مقدمة هذا الكتاب: « وقد جمعتُ لكم في هذا الكتاب الأحاديث الشديدة التزلزل، الكثيرة العلل، ورتبتها كتبًا على تحو ترتيب الفقه؛ ليسهل المأخذ على الطالب، والله الموفق». (مقدمة العلل المتناهية: 1/2). ونجد أن موضوع كتاب "العلل المتناهية" هو الأحاديث الواهية التي لم تنته إلى أن يُحكم عليها بالوضع. ونجد أن الذهبي على جاري عادته في اختصار أمهات الكتب، قد قام باختصار هذا الكتاب، ولم تكن اختصارات الإمام الذهبي تقليدية، بل كانت على سبيل النقد وتتبع الأوهام، إلى جانب أننا نجده يضيف إليها التعليقات النفيسة، والاستدراكات البارعة، والتصويبات التي لا غنى عنها، إلى جانب عقده المقارنات في أصل المسألة والتي تدل على سعة علمه وتبحره في فن الكتاب الذي يختصره. ونجد أن كتاب " الموضوعات " وكتاب " العلل المتناهية " من أكثر الكتب التي صنفها ابن الجوزي وكانت تحتاج منه إلى مراجعة؛ حيث خلط في موضوعهما، وهو من تناقضاته رحمه الله، وقد تعقبه الإمام الذهبي في تصديره لهذا التلخيص حيث قال: « كتاب "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" ألفه ابن الجوزي بعد كتاب "الموضوعات"، فأتى فيه بموضوعاتٍ، وقليل حسان، كما أنه أتى في كتاب الموضوعات بيسير حسان، ولَيِّنَةٍ». ومن أجل ذلك برزت أهمية تلخيص الحافظ الذهبي، وتنقيحه لهذين الكتابين، حتى يسد النقص فيهما، ويصحح ما فيهما من وهم وخطأ، ويزيد من قيمتهما العلمية، ويعظم الانتفاع بهما. وقد نهج الذهبي في تلخيصه مذهبًا التزم فيه بتلخيص الكتب والأبواب في كتاب "العلل المتناهية" حيث قام بإدخال بعض الكتب في بعضها كما فعل في كتاب الصدقة والبر والسخاء في كتاب واحد بعنوان: البر وفنونه. كما قام بحذف بعض الأبواب الموجودة في كتاب "العلل المتناهية "، كما اختصر المتون الطويلة، وأحيانًا المتون القصيرة ووضعها غالبًا قبل ذكر الإسناد. بل إنه أحيانًا لا يهتم بذكر المتن بدقة بل يذكر المعنى فالمهم عند الذهبي أن يعرف الحديث فقط، بل إنه في بعض الأحاديث قام بحذف الإسناد كاملًا واكتفى بالتعليق عليه فقط بـ: سنده مظلم، أو في سنده متروك عن كذاب. ومال إلى تلخيص الأقوال حيث لم يذكر كلام الأئمة في الراوي بل يذكر الحكم النهائي على الراوي الضعيف مباشرة، وفي بعض الأحاديث يحكم على الحديث باختصار مثلًا فيقول: فيه انقطاع أو هذا باطل. كما قام بتخريج كثير من الأحاديث، وينبه على أوهام ابن الجوزي في الرجال ويعلق على أقواله في الحديث، بل ويتعقبه في تضعيفه بعض الأحاديث ويصرح بأن سندها صحيح أو رواته ثقات وأن ابن الجوزي أخطأ في حكمه رحمه الله. بل وزاد الذهبي بعض الأحاديث في مختصره وهي غير موجودة في كتاب " العلل المتناهية ". لذلك نجد هذا الكتاب اختصار مع سد نقص وتحقيق ونقد وتعليق وتدقيق وهو أمر لا يتأتى إلا للباحثين البارعين الذين أوتوا بسطة في العلم ومعرفة في فنونه. وقد قام المحقق بتحقيق متن الكتاب على نسختين خطيتين: 1- نسخة مصورة عن النسخة الخطية بالمكتبة الأزهرية بالقاهرة ضمن مجموع رقم 290 حديث، وخطها نسخي جيد قديم، وترجع إلى ما قبل الألف من الهجرة، وعدد أوراقها 82 ورقة، بمعدل 21 سطرًا في كل صفحة، وقام بنسخها محمد بن أحمد بن عبد الحق المالكي. 2- مصورة عن النسخة الخطية الموجودة في الجامعة العثمانية بحيدر أباد بالهند برقم 204، خطها نسخي جميل يمتاز بالجودة والحسن، ونسخها جاد الله، عام 1119 هـ، وعدد صفحاتها 84 ورقة بمعدل 23 سطر في كل صفحة. نسخة المكتبة الأزهرية مجموع رقم 290 حديث وقد قام المحقق بمحاولة تقويم نصوص الذهبي بالرجوع إلى مصادر الحديث أو نسخ "العلل" المخطوطة الموجودة في الجامعة، مع شرح المفردات الغريبة، والتعليق على مرادات الإمام الذهبي مع الترجمة للرجال المذكورين في الكتاب، والتقدمة للكتاب بمقدمة نفيسة عن أهمية الكتاب وموضوعه، مع تحقيق نسبة "العلل" لابن الجوزي و"التلخيص" للذهبي، ومنهجه في الكتاب وما امتاز به، مع الترجمة لكلٍ من ابن الجوزي والذهبي رحمهما الله. ومصنف الكتاب هو محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، شمس الدين، أبو عبد الله (673 - 748 هـ = 1274 - 1348 م)، حافظ، مؤرخ، علامة محقق. تركمانيّ الأصل، من أهل ميافارقين، مولده ووفاته في دمشق. رحل إلى القاهرة وطاف كثيرًا من البلدان، فسمع الحديث من جماعة من الشيوخ بدمشق وبعلبك وحلب ونابلس ومصر والإسكندرية ومكة وحمص وحماة وطرابلس وكركوك والمعرة وبصرى الشام والرملة والقدس وتبوك، وكف بصره سنة 741هـ. قال عنه تاج الدين السبكي: « كأنما جمعت الدنيا في صعيد واحد، فنظرها، ثم أخذ يعبر عنها أخبار من حضرها». ونتيجة لهذه الرحلات نبغ في علوم الحديث ومعرفة الرجال والتاريخ، حتى صار شيخ الجرح والتعديل في زمانه، وقد تولى مناصب تدريسية كثيرة في رحلة حياته الثرية منها: مشيخة الحديث في تربة أم الصالح، ودار الحديث الظاهرية، والمدرسة النفيسية، ودار الحديث التنكزية، ودار الحديث الفاضلية، ودار الحديث العروية. وأما شيوخه فقد ألف الذهبي ثلاثة معاجم لشيوخه: الكبير والأوسط والصغير، وترجم فيهم لأزيد من مائتين وألف نفس بالسماع والإجازة! وأخذ عنه العلم مئات من الطلاب لكثرة تدريسه وتصديه للتعليم والإملاء. تصانيفه كبيرة كثيرة تقارب المئة، منها: " دول الإسلام "، "المشتبه في الأسماء والأنساب، والكنى والألقاب" و"العباب" في التاريخ، و"تاريخ الإسلام الكبير"، و"سير أعلام النبلاء"، و"الكاشف" في تراجم رجال الحديث، و"العبر في خبر من غبر"، و"طبقات القراء"، و"الإمامة الكبرى"، و"الكبائر"، و"تهذيب تهذيب الكمال" في رجال الحديث، و"ميزان الاعتدال في نقد الرجال"، و"المختصر المحتاج إليه من تاريخ الدبيثي"، و"معجم شيوخه"، و"المفتي في الكنى"، و"الإعلام بوفيات الإعلام"، و"تجريد أسماء الصحابة"، و"المغني" في رجال الحديث، و"الرواة الثقات"، و"الطب النبوي"، و"المرتجل في الكنى"، و"زغل العلم"، و"المستدرك على مستدرك الحاكم" في الحديث، و"أهل المئة فصاعدًا"، و"ذِكْر من اشتهر بكنيته من الأعيان"، و"معرفة القراء الكبار"، وغيرها من الكتب في مختلف الفنون. |
القواعد الفقهية الخمس الكبرى عند الحنابلة لحمد المزروعي | خاص شبكة الألوكة | 14-03-2020 | 10,161 | https://www.alukah.net//culture/0/139125/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%85%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%a8%d8%b1%d9%89-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a7%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b2%d8%b1%d9%88%d8%b9%d9%8a/ | القواعد الفقهية الخمس الكبرى عند الحنابلة لحمد المرزوعي صدر حديثًا كتاب "القواعد الفقهية الخمس الكبرى عند الحنابلة" (دراسة تأصيلية تطبيقية في فقه العبادات)، تأليف الأستاذ الدكتور "حمد يوسف المرزوعي" ، وأصل هذا الكتاب رسالة علمية أعدت لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله وذلك من كلية الدراسات العليا بالجامعة الأردنية عام 2017 م، وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن إصدارات "دار الظاهرية" . تناول الكاتب في هذه الدراسة موضوع "القواعد الفقهية الخمس الكبرى عند الحنابلة وتطبيقاتها في فقه العبادات تأصيلًا وتخريجًا"، ويقصد الكاتب بالقواعد الفقهية الخمس الكبرى: القاعدة الأولى: الأمور بمقاصدها. القاعدة الثانية: اليقين لا يزول بالشك. القاعدة الثالثة: المشقة تجلب التيسير. القاعدة الرابعة: العادة محكمة. القاعدة الخامسة: الضرر يزال. فبدأ في الفصل الأول ببيان معنى القاعدة الفقهية وتأصيلها، وحجيتها، وأهميتها، وكيف استدل بها فقهاء الحنبلة في فروعهم الفقهية والأصولية من خلال ذكر نماذج من كتبهم في القواعد الفقهية والتعريف بها وبمؤلفيها. أما الفصل الثاني فخصصه الكاتب لذكر نماذج من تطبيقات فقهاء الحنابلة للقواعد الفقهية الخمس الكبرى في كتابي الطهارة والصلاة. أما الفصل الثالث: أتمم ذكر التطبيقات الفقهية للقواعد الفقهية الخمس الكبرى في كتب: الزكاة والصيام والحج، وبذلك تمت مسائل وتطبيقات العبادات. وأردفها الكاتب ببيان كيفية استدلال الحنابلة للقواعد الفقهية الخمس الكبرى، وبناء الأحكام عليها في فروعهم الفقهية. أما الفصل الأخير فذكر فيه الكاتب نماذج من التطبيقات المعاصرة للقواعد الفقهية الخمس الكبرى في فقه العبادات وفق المذهب الحنبلي، حيث بين رأي الحنابلة في هذه المستجدات من خلال تخريج أحكامها وفق القواعد الفقهية الخمس الكبرى. وختمت الرسالة بذكر أهم النتائج والتوصيات. ومن أهم نتائج الرسالة بيان حجية القواعد الفقهية الخمس الكبرى، وإمكان تخريج أحكام المسائل المستجدة من خلالها وتطبيقها، ومدى سعة هذه القواعد وكليتها وصلاحيتها لعموم المسائل والأحكام. |
الشيخ عبد الرحمن الوكيل الرئيس الأسبق لجماعة أنصار السنة المحمدية | الشيخ فتحي أمين عثمان | 14-03-2020 | 5,096 | https://www.alukah.net//culture/0/139124/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%83%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d9%82-%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a3%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af%d9%8a%d8%a9/ | الشيخ عبد الرحمن الوكيل الرئيس الأسبق للجماعة أنصار السنة المحمدية 1332 - 1390هـ / 1913 - 1971 م اسمه بالكامل : عبد الرحمن عبد الوهاب الوكيل. مولده: ولد في قرية زاوية البقلي - مركز الشهداء - منوفية في 23/ 6/ 1913م . حفظ القرآن الكريم في كُتَّاب القرية ثم التحق بالمعهد الديني في طنطا وقد مكث يدرس تسع سنوات. حصل على الثانوية الأزهرية، والتحق بكلية أصول الدين وحصل على الإجازة العالية بتفوق. ولم يكمل الدراسات العليا إذ غلبه المرض على ذلك. حصل أيضًا على درجتي العالمية وإجازة التدريس. عين مدرسًا للدين بالمدارس الثانوية بوزارة المعارف (التربية والتعليم). تعرف على فضيلة الشيخ محمد حامد الفقي رائد الدعوة السلفية في مصر سنة 1936 وكان السبب في مجيئه - بعد إرادة الله - سيدة فاضلة من نصيرات السنة هي (نعمت صدقي) حرم الدكتور محمد رضا ووالدة الدكتور أمين رضا وكيل كلية طب الإسكندرية، ولقد كانت له مكانته الخاصة لدى الشيخ حامد الفقي حتى إنه عندما حقق - رحمه الله - كتاب نقض المنطق 1370 / 1951 كتب في مقدمته يقول: « ثم وكلت إلى الأخ الفاضل المحقق الشيخ عبد الرحمن الوكيل وكيل جماعة أنصار السنة المحمدية عمل مقدمة له، لأنه متخصص في الفلسفة وله بصر نافذ فيها وهو من خلصاء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله». انتدب للعمل بالمعهد العلمي بالرياض مع فضيلة الشيخ محمد عبد الوهاب البنا عام 1371هـ 1952م وهو من مؤسسي الجماعة أطال الله عمره. وقد أقام المركز العام حفلة شاي توديعًا له في مساء يوم الاثنين 22/ 2/ 1372 هـ وقد خطب كثير من الإخوان ذاكرين سجاياه وفضله وعلمه، وكتبت "مجلة الهدى" تقول: « وأنصار السنة المحمدية إذ يودعون الأستاذ الوكيل - هادم الطواغيت - يسألون الله أن يوفقه ويسدد خطاه وأن ينفع به حيثما حل. اختير - رحمه الله - رئيسًا لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر القديمة، كما عمل وكيلًا أول للجماعة وعند اختيار الشيخ عبد الرزاق عفيفي رئيسًا للجماعة تم انتخابه (نائبًا للرئيس) في 22/ صفر 1379 هـ - 27 / 8 / 1959م ثم انتخب رئيسًا للجماعة بعد سفر الشيخ عبد الرزاق إلى السعودية - وكان ذلك في اجتماع الجمعية العمومية المنعقدة في 15 محرم 1380 هـ 9 يوليو 1960 ليكون ثاني رئيس للجماعة بعد مؤسسها وانتخب نائبًا له الشيخ محمد خليل هراس. عندما أدمجت الجماعة بغيرها وتوقفت مجلتها "الهدى النبوي" التي كان يشغل رئيس تحريرها ويكتب التفسير بها [1] ، انتدب أستاذًا بكلية الشريعة بمكة المكرمة وظل في هذه الوظيفة وهو أستاذ للعقيدة بقسم الدراسات العليا وفي جوار البلد الأمين غالبه المرض وقضى نحبه ولحق بجوار ربه في 22 جمادى الأولى 1390 هـ الموافق 1971 م ودفن (بالحجون). أولاده: للشيخ الوكيل ابن وبنتان [2] . رأى العلماء فيه: يقول الشيخ محمد عبد الرحيم - رحمه الله - في مقدمة كتاب "دعوة الحق": « لقد كان الشيخ عبد الرحمن الوكيل موفور الحظ من اللغة، وجمال البلاغة ووضوح المعنى، وسعة الاطلاع وشرف الغاية، كما جمع علمًا مصفى من شوائب البدع والخرافات الصوفية، وكان حسن اللغة قليل اللحن فصيح العبارة له اجتهاداته الواعية وكان في ذلك نمطًا فريدًا في جماعته لا يشاركه في ذلك إلا حبر سوهاج وعلَّامتها أبو الوفاء درويش». ويقول عنه الدكتور سيد زرق الطويل: «لقد كان في أخلاقه نسيج وحده، سمو في الخلق وعفة في اللسان، طلق المحيا، منبسط الأسارير، واسع الثقافة، متنوع المعرفة أديبًا، شاعرًا جزل الشعر قوى العبارة». (مقدمة دعوة الحق) ويقول عنه الشيخ أبو الوفاء درويش في مجلة "الهدى النبوي": « لو كنت أريد أن أوفيه حقه من التمجيد - وهذا كلام أبو الوفاء - وأن أشرح آثار قلمه الفياض في نفوس القراء وأن أنوه بما خصه الله به من شجاعة في الحق نادرة، وصراحة يعز منالها في أيامنا الحاضرة وأن أومِئَ إلى ما لازم قلمه الجريء من التوفيق في جولاته الموفقة في كل ميادين المعرفة وما امتاز به أسلوبه الجزل من روعة تسيطر على النفوس، وجلال علل القلوب لما استطعت أن أوفيه حقه». ويقول عنه الشيخ محمد صادق عرنوس: « إن أخانا الأستاذ النابغة عبد الرحمن الوكيل المعروف بين قراء الهدى النبوي بهادم الطواغيت [3] (3) قد أصبح أخصائيًا في تشريح التصوف والإحاطة بوظائف أعضائه، والأستاذ الوكيل يتعلم وينبغ ليمرض ويشفى ». قلت: ويعتبر الشيخ عبد الرحمن الوكيل أول من قال من علماء جماعة أنصار السنة المحمدية (بأن التصوف كله شر). وكان له - رحمة الله عليه - أثر كبير في ظهور الكتابة العلمية عن التصوف في مجلة "الهدى النبوي". وقد ظل يكتب بها قرابة ربع قرن ولقد كتب - رحمه الله - في آخر ما كتب تحت عنوان (نظرات في التصوف) من ذلك اعتبارًا من عام 1379 هـ - 1386 هـ مقالات بل قل أبحاثًا بلغت (45) مقالًا جمعتها كلها ووجدت أنه قد اختط لنفسه منهجًا في الكتابة عن التصوف يقول هو عنه: « إننا سنعرض هذه القضية عرضًا عادلًا منصفًا فيه إسراف في العدل والإنصاف وحسب القارئ إنصافًا في العرض وإيثارًا للعدل الكريم أننا سنبسط آراء التصوف نفسه كما بثها كبار شيوخه، وكما دافعوا عنها، تاركين للقارئ الحكم، وحسبه أن يقارن بين أصول الإسلام التي يعيها كل مسلم وبين آراء التصوف على أننا سنعين القارئ أحيانًا بتذكيره بأدلة هذه الأصول من آيات القرآن وأحاديث السنة الصحيحة ». ومن أراد أن يعرف صلته رحمه الله بالتصوف، فليقرأ مقدمة كتابه "رسالة مفتوحة إلى شيخ مشايخ الطرق الصوفية" والتي سماها "صوفيات". إنتاجه العلمي: يتميز إنتاجه بالأسلوب الرصين، مع التحقيق الدقيق والدقة المتناهية في نقل النصوص. وتعتبر كتبه مرجعًا لكل من أراد أن يكتب عن التصوف بل لا أكون مغاليًا إن قلت إن معظم من كتب عن التصوف بعده هم عيال عليه. وأهم مؤلفاته: صوفيات، دعوة الحق، هذه هي الصوفية، البهائية، الصفات الإلهية، وله كتاب عن القاديانية فُقِد قبل الطبع ورسالة صغيرة طبعت تحت عنوان (زندقة الجيلي). تحقيقاته: • حقق كتاب "إعلام الموقعين عن رب العالمين" لابن قيم الجوزية. • "مصرع التصوف" للإمام البقاعي. • "الروض الأنف" للسهيلي الأندلسي. كما لا ننسى أن نذكر أن الشيخ الوكيل كان شاعرًا مجيدًا قليل الإنتاج في الشعر. وبعد: فقد ترك الشيخ عبد الرحمن الوكيل مكتبة كبيرة سواء من إنتاجه أو من اقتنائه للكتب حوت كتبًا نادرة في معارف متنوعة، ويكفي أن يقوم أي باحث بزيارة مكتبته في مسجد (بابل) بالدقي ليعرف قيمة الرجل ومدى إلمامه بشتى العلوم. وكتبه تلميذه فتحي أمين عثمان [1] توقف رحمه الله عند تفسير الآية (54) من سورة مريم. [2] الابن هو الأخ ياسر عبد الرحمن الوكيل. ولقد ولد وأبوه يضع كتاب دعوة الحق 1371هـ - 1951م. [3] يشير بذلك إلى مجموعة أبحاث نشرها الوكيل تحت عنوان طواغيت فضح فيها الصوفية. |
وقفة مع المصطلحات الوافدة | وائل عبد الغني | 11-03-2020 | 4,182 | https://www.alukah.net//culture/0/139104/%d9%88%d9%82%d9%81%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%81%d8%af%d8%a9/ | وقفة مع المصطلحات الوافدة بقدر ما تغيب قضية المصطلح الوافد عن الوعي الحاضر، بقدر حضورها في الفعل في مناحي حياتنا الثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية. لقد تمددت في حياتنا العلمية والثقافية مصطلحات وافدة، من شأنها أن تعيد تشكيل رؤيتنا وذواتنا وثقافتنا وحياتنا، زاحمت كل شيء في خصوصياتنا؛ مداركنا وميراثنا.. كلياتنا العقدية وأحكامنا ومناهجنا وآدابنا الشرعية.. وتقاليدنا العلمية والعملية، بل حتى وظائفنا وسماتنا النفسية والاجتماعية بشكل باتت تضغط على أعصابنا وتوجه صيرورة مجتمعاتنا، بل وربما تختطف ثمار أجيال قادمة لم تر ولم تعرف. هناك قسم من هذه المصطلحات: هي من قبيل المشترك الإنساني، خاصة ما يرتبط منه بالعلوم المادية بشقيها التجريبي والتطبيقي، يرى البعض أنه ـ جملة ـ حق للجميع، و هذا في نظرنا أقرب إلى الحق حين يمكن تخليصه من الصبغة المنهجية، والخصوصية الثقافية. وهناك قسم آخر: لا ينفك عن خصوصية ثقافية، فهذا هو الذي يرفض غالبا أو يستدرك عليه، أو يستفاد منه ما لا يتعارض مع خصوصياتنا، وذلك حق لكل من يحترم ذاته ويعتز بخصوصيته، وهذا ألصق بطبيعة العلوم الإنسانية إذ إن المنهج حاضر فيها متحكم في سياقها وبنائها وتطورها. أما القسم الأول: فحتى يسلم لنا.. فعلينا أن نجرد المصطلح من النزعة المادية في الصياغة والتعبير، وكذلك نجرده من مركزية العقل الغربي التي يسعى جهده لتضمينها أي جهد علمي، حتى تصبح الفكرة حقا للجميع فعلا. ثم علينا أيضا أن نستنبت المصطلح في لغتنا العربية ذات البيان والقدرة على الاشتقاق، بحيث نعيد للغة فعلها العلمي، ومكانتها الإبداعية من جهة، ونقلع آثار الهزيمة النفسية والحضارية من جهة أخرى. أما القسم الثاني: فالحديث عنه يطول، لذا يقتضي الحديث عنه ذكر بعض الحقائق. إذ يمكن تناول التعامل مع هذا القسم على ثلاثة مستويات: • مستوى المعرفة الإنسانية والتجارب البشرية، فهذا متاح، وهو ضمن منهج الاعتبار والسير في الأرض الذي أمر الله به عباده، فالتجارب البشرية ملك لكل معتبر، يأخذ منها المسلم ما يثبت عنده صوابه ويثمر في بيئته دون إشكال. ومستوى اقتباسه ووضعه موضع التطبيق بحذافيره رغبة واختيارا وهنا يظهر عدة إشكالات منها: ♦ إشكالية المنهج المغاير والبناء القيمي والمعرفي. ♦ إشكالية الخصوصية المرتبطة بالسياق التاريخي الذي فيه تولدت الخبرة وبني عليه المصطلح، ومدى مناسبة هذا للواقع عموما ولواقعنا نحن على وجه الخصوص. ♦ إشكالية اللغة وإمكانية الترجمة عنها بدقة وأمانة دون إخلال أو تحريف، وهذا جلي في كثير من المصطلحات الوافدة. ♦ إشكالية الالتباس الحاصل نتيجة المفارقة بين الظاهر والباطن أو بين الفكرة والتطبيق، أو بين المعلن والمخفي، أو بين تعدد المفاهيم دون جامع بحيث تحمل الشيء ونقيضه في ذات المصطلح. • أما المستوى الثالث فيتعلق بعولمة هذه المصطلحات وفرضها كنماذج تهيمن على ثقافات الأمم وتتحكم في مصائر الشعوب والمجتمعات، دون أن يكون لأحد حق الاعتراض أو الرفض.. وتوظيفها في سياق مد استعماري بأدوات وأشكال جديدة. وقد كان التخوف من هذا المستوى مجرد حذر وكلام فيما قبل.. لكن بعد أن رأينا آثاره في مجتمعاتنا في بضع سنين ـ رأي عين ـ من تعقيد وإشكال بل وتضليل وتلبيس تجعل رفضها من طبيعة العقلاء فضلا عن كونه مطلبا دينيا شرعيا، ومن هنا ينبغي أن يكون للتعامل مع مثل هذه المصطلحات شأن أعمق وهمٌّ أهم. إن المصطلح يلخص في بنائه واستخدامه ثلاث وظائف حضارية غاية في الأهمية والخطورة: وظيفة اللغة في قدرتها على حفظ المعارف والخبرات، والتعبير عن المعاني والمعارف والعلوم من أقصر طريق، وضبط الدلالة كصلة بين اللفظ والمعنى، على نحو يقلل الخلاف، ويؤالف بين الأفهام.. بما يسهل عملية التواصل والتفاهم داخل أفراد المجتمع من جهة، وبين الأجيال من جهة أخرى، بما يعني استمرار الفعل الحضاري في اتجاه مستقيم ودون انحراف أو انقطاع. وظيفة القيم وما تحمله من حكم ضمني أو صريح على كثير من المعاني، فلا يمكن أن يصاغ المصطلح دون اعتبارها، والمصطلحات غالبا ما تختزن قيمة إلى جوار المعرفة أو ضمنها، خاصة فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والإنسانية. وظيفة الفكر وما يحمله من إبداع في إدراك المعاني وإنتاج المعرفة في مختلف مجالات العلوم، والقدرة على مواكبة المستجدات وفق ذاتية حضارية تتمحور حول قيمة كبرى وتنتظم حولها قيم أدنى فأدنى، تنسج جميعها حركة دائبة في سبيل بناء الحضارة والعمران على شاكلة تلك القيمة الكبرى. ومن هنا فإن إشكالية المصطلح لدينا اليوم تعرب عن جوهر أزمة يعانيها العقل، ويمارسها اللسان، وتحمل خلفيات التاريخ، وتحدد تقاسيم الهوية ومسار الثقافة قبولا ورفضا، وولاء ومعاداة، وتعريفا وإنكارا. إن الانفتاح الثقافي وما جره من سيولة، وسهولة في التقليد والمحاكاة من جانب، وإحكام الهيمنة والسيطرة من جانب آخر.. يمثل اليوم تحديا بقدر ما يمثل من فرصة، إذا أخذناه بحقه وأدينا أمانته، فهو يتيح التواصل مع كل العقول المبدعة والقدرات الجادة في سبيل بناء فعل حضاري شاهد لا يقف عند حد الممانعة؛ بل يتجاوزها لإعادة الاعتبار للغة فتية عصية على التجاهل أو النسيان، ولمنهج بإمكانه أن يحدث طفرة الإيمان، ويقدم نموذج العلم والمعرفة الصالح الذي يعطي لكل ذي حق حقه بالعلم والعدل لا أن يغتصب الحقوق باسم العلم والعدل - كما فعل الغرب بعلمانيته حين انقلب على الدين- وقد اغتصبها من قبل باسم الدين. أما «النسخ المصطلحي» الذي تستهدفه الأجندة الأممية فهو الطريق الأقصر للتبعية، والهيمنة المصطلحية هي السبيل لتغيير طبيعة الجسد ليتحول من خلايا طبيعية إلى طبيعة هادمة. وليس الأمر يقف عند التبعية، وإنما يفتح الباب أمام حالة من الفوضى القيمية، لا تستهدف الدين في أحكامه والهوية في بنيتها الظاهرة فحسب؛ وإنما تستهدف اجتثاث معالم الفطرة في أعماق النفوس وهذا ما ينبغي بحثه والتأكيد عليه. إنه ليس مجرد غزو ثقافي عرفناه حينا من الزمن فيما قبل، وإنما أمام استعمار يستهدف بنية الهوية ويستهلكها في معارك جانبية بعيداً عن قضايا الأمة التي أخرجت من أجلها للناس. وتحاول قوى دولية جاهدة ـ أو عابثة ـ فرض أنماطها وتقاليدها وخبراتها التاريخية، على ما فيها من شذوذ وإشكالات تخصها وحدها، على المجتمعات المسلمة. وفي سبيل هذا توظف قوى العولمة من أجل بسط سيطرتها اللغوية والمفاهيمية على الشعوب المستضعفة من أجل ما يزعم أنه توحيد لنمط السلوك والإدراك على مستوى العالم، لكن الواقع يشهد بحالات من الفوضى والتشظي والتشرذم والتمحور حول أنماط وضيعة من القضايا، وكأن قوى العولمة قد أفلحت في شيء واحد هو امتلاك آليات تفكيك المجتمعات باسم الحرية والمدنية، وتخليفها باسم التقدم. إن إعادة تعريف الأشياء وفق الأجندة الأممية هي بالمنطوق الحداثي: إعادة إنتاج الثقافة على النحو الذي تصممه الأهواء العولمية دون أن يكون لذلك صلة بدين أو عرف أو رصيد حقيقي من التجارب التي تحترمها البشرية بالسليقة مهما خالفتها، فتستحيل هذه الأجندة هيمنة تجعل من ثقافة الأمم المستلبة مسخا، هذا النموذج هو الممهد للاستعمار العسكري، بل قد لا تكون هناك حاجة لدور الآلة العسكرية حين تنتزع القوة وتستلب الهوية.. هل نحن أقوى من فرنسا التي ثارت ثائرة رئيسها لمجرد استخدام دبلوماسي فرنسي للإنجليزية في محفل دولي، وهي لغة قريبة النسب باللغة الأم، ولهذا بلغ الشعور بالإهانة مداه فانسحب لا يلوي على شيء؟ إن حزمة المصطلحات التي تتبناها الأجندة العولمية هي في بؤرة المصطلحات التي ينبغي التحذير منها، لأنها تسعى لإنتاج رؤى لم تعرفها البشرية من قبل في أحط عصورها، لم تنتجها معرفة وإنما تمنتها أهواء؛ فكانت على النحو الذي تمنته، ولأنها تستهدف إعادة تعريف مفردات حقائق الوجود البشري على وفق ما أشربت من هواها: كالدين، والإنسان، والمرأة، والفرد، والطفل، والأمن، والتنمية، والمجتمع، والدولة، والحق، والحرية، والسلام، والإرهاب، والمدنية...إلخ. وبالتالي فهي تعيد صياغة العلاقات على النحو الذي تشتهي، ومن هنا كان استهدافها لأصل الدين (الإسلام) في صميمه بعقائده وتشريعاته ونظمه وأخلاقه، فلم تترك شيئا من هوية الأمة ودينها وعافيتها وروابطها إلا وسعت لتبديله على هذا النحو. وقد بدأنا نلمس تغييرا يُعجز المراقب إدراكه - فضلا عن التعامل معه - خاصة حين لا يدرك أبعاده المنهجية على الوجه الصحيح. إن المسلم بذاته مدعو إلى الحق أينما كان، موجه نحو الحكمة حيثما كانت، مستقر في روعه أنه أحق الناس بها، شعاره قول النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي صلح الحديبية: «والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها». [رواه البخاري: رقم: 2731]. لكن المشكلة التي بين أيدينا هي في المشتبه الذي لا يعلمه كثير من الناس، وفي الملتبس الذي يحمل حقا وباطلا فيضيّع ما يخفيه من باطل ما يظهره من الحق!! فعلى المقتصد أن يسد بابه، وعلى المحسن أن يعرف وينكر ويأخذ ويترك.. وعلى الله قصد السبيل.. ♦ أصل المقال مقدمة لكتاب ( المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الإسلامية) للكاتب والباحث الهيثم زعفان، والكتاب من إصدارات مركز الرسالة للدراسات والبحوث بالقاهرة. |
مفيد القضاة في أصول المحاكمات على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل | خاص شبكة الألوكة | 11-03-2020 | 7,434 | https://www.alukah.net//culture/0/139103/%d9%85%d9%81%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b6%d8%a7%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%ac%d9%84-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84/ | مفيد القضاة في أصول المحاكمات على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل صدر حديثًا كتاب "م فيد القضاة في أصول المحاكمات على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله "، تأليف: الشيخ القاضي " أحمد بن عبدالكريم بن بدران " النجدي الحنبلي، من أهل القصيم، وذلك عن دار الفضيلة بالمملكة العربية السعودية، ودار البلد بمصر. ونوه الكاتب أن هذا هو الجزء الأول من موسوعة يعكف على إعدادها واستكمالها عن أصول القضاء واصطلاحاته في المذهب الحنبلي. وتناول الكتاب جمع أصول علم القضاء الشرعي على المذهب الحنبلي، وإفرادها بالبحث والدراسة في مؤلف مستقل، وقد تصدى الكاتب لجمع هذه الأصول نظرًا لحاجة المكتبة لمثل هذا المصنف، وقلة ما كتب في هذا المبحث الهام، يقول الكاتب في المقدمة: «...علم القضاء علم مستقل بذاته، له أصوله وقوانينه المنثورة في كتب الفقه، ولما كانت الحاجة داعية إلى جمع هذه الأصول في كتاب واحد، على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه؛ لأنه مذهب عظيم القدر؛ لعلم الإمام أحمد بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، واتباعه له، ومعرفته بآثار الصحابة والتابعين، وفي كل مذاهب المسلمين خير. ولا ريب أن الناس محتاجون إلى مذهب الإمام أحمد في مسائل متعددة؛ لكونه كان عنده من العلم ما ليس عند غيره، ولاحتياج المسلمين إليها" صـ5. وقد قام الكاتب بجمع أصول المحاكمات المنثورة في كتب المذهب الحنبلي، مع التزام عبارات أهل المذهب الحنبلي واصطلاحاتهم في الأغلب، والتقيد بها؛ لأنهم أكمل وأفضل في استعمال العبارات، وقام بالانتقاء من كتب المذهب العديدة ما يوافق مقصود الكتاب، كما سعى لبيان المذهب عند المتأخرين من أهل المذهب الحنبلي في استقصائه، وما لم يبينه عزاه لقائله، مع تمييز أقواله وشروحه عن الأقوال الأخرى، وربما تناول ذكر أكثر من قول في المذهب في بعض المسائل التي كثر فيها الخلاف، مع بيان القول القوي فيها، كما جمع الكاتب في دراسته الفوائد والفرائد التي تهم القاضي الحنبلي، وقد رتب الجزء الأول على ثلاثة أبواب: الباب الأول: في صفة القضاء والقاضي. الباب الثاني: في الدعوى القضائية وأحكامها. الباب الثالث: في مستند القاضي الحنبلي في قضائه. وختم هذا الجزء بفوائد وقواعد يحتاجها القضاة. وقد تخفف الكاتب في هذا الجزء من ذكر التراجم اعتمادًا على التوسع في كتاب مستقل في طور الطباعة بعنوان "أخبار قضاة الحنابلة"، ينشر قريبًا إن شاء الله. يقول الكاتب في مقدمته: «فهاك - أيها الحنبلي - الجزء الأول من هذا المجموع قد حوى مسائل مفيدة، وقواعد عديدة، وأقوال جمة، وأحكام مهمة، لخصتها من كلام العلماء، ومن كتب السادات القدماء، وأجوبة الحنابلة الفقهاء، لك غُنْمُهُ، وعلى جامعهِ غُرْمُهُ» صـ6. |
حول مقال الحمى داء ودواء | محمد محمود الجندي | 11-03-2020 | 2,956 | https://www.alukah.net//culture/0/139095/%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%89-%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%a1/ | حول مقال الحمى داء ودواء تحت هذا العنوان وفي العدد الرابع عشر من مجلة "الرسالة" الغراء عقد العالم البحاثة الدكتور النابغة أحمد زكي وكيل كلية العلوم بالجامعة المصرية فصلًا قيِّمًا وبحثًا ممتعًا عن الحُمَّى وفوائدها، ( سبق نشره هنا ). قال في بدايته: «الحمى من قديم الزمان عرَض مخوف وطارق مرهوب وكثيرًا ما كانت رسول الموت وقائد الحي تحدو ركبه إلى وادي الفناء. ولكن في هذه الأيام القريبة الماضية. نشأت فكرة أخذت تحل محلا ذا بال في رؤوس البحاثة من الأطباء أو في رؤوس القليل منهم الذين لا تزعجهم غرابة الخاطر، ولا يصرفهم عن أمره خروجه عن المألوف، ومحصول هذه الفكرة: أن الحمى ذلك العدو القديم للحياة، قد تنقلب، أو يمكن تأليفها وقلبها إلى صديق نصير، فبدل أن تكون عونًا على الداء، تصبح عونًا على الشفاء، في بعض الأمراض التي عجز عنها الطب وحار فيها الأطباء». ونحن نقول للدكتور الفاضل بكل تواضع واحترام إن هذه الفكرة التي انتهى إليها الباحثون والأطباء الغربيون اليوم وقف عليها أطباء العرب من عشرات القرون الماضية، حينما كان آباء هؤلاء العلماء يسكنون المغاور، ويلجئون إلى الكهوف؛ فقد جاء في الصفحة الأولى بعد السبعين من كتب "زاد المعاد في هدى خير العباد" للإمام الحافظ أبي عبد الله ابن قيم الجوزية ما يأتي: «وقد ينتفع البدن بالحُمَّى انتفاعًا عظيمًا لا يبلغه الدواء، وكثيرًا ما تكون الحمى سببًا لإنضاج مواد غليظة لم تكن تنضج بدونها وسببًا لتفتُّح سددٍ لم تكن تصل إليها الأدوية المُفتِّحة. وأمَّا الرمد الحديث والمتقادم فإنها تبرئ أكثر أنواعه برءًا عجيبًا سريعًا، وتنفع من الفالج واللقوة والتشنج الامتلائي وكثيرٍ من الأمراض الحادثة عن الفضول الغليظة، وقال لي بعض فضلاء الأطباء: إن كثيرًا من الأمراض نستبشر فيها بالحمى كما يستبشر المريض بالعافية، فتكون الحمى أنفعَ فيه من شرب الدواء بكثير، فإنها تنضج من الأخلاط والمواد الفاسدة ما يضر بالبدن، فاذا أنضجتها صادفها الدواء متهيئة للخروج بنضاجها فأخرجها فكانت سببًا للشفاء». وفيما تقدم دليل جديد يشهد بما بلغه العرب في الطب من المنزلة العالية والمكانة التي لا تدانى، كما يشهد لهم بفضل السبق إلى كثير من نظرياته الحديثة التي ينسبها علماء اليوم إلى أنفسهم زورًا وبهتانًا، والفضل كل الفضل للمتقدمين. المصدر: «مجلة الرسالة»، العدد: 18 - بتاريخ: 01 - 10- 1933م |
من ذكريات الجامعة (1) | أ. د. محمد حسان الطيان | 10-03-2020 | 5,936 | https://www.alukah.net//culture/0/139068/%d9%85%d9%86-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9%d8%a9-1/ | من ذكريات الجامعة (1) كتبها: أ.د. محمد حسان الطيان منسِّق مقرَّرات اللغة العربيَّة بالجامعة العربيَّة المفتوحة عضو مراسل بمَجمَع اللغة العربيَّة بدمشق الحمد لله وليِّ كلِّ نعمة، والصلاة والسلام على من أُرسل للعالمين هدًى ورحمة. وبعدُ، فهذه شذَراتٌ من ذكرياتٍ كتبتُها في زمنٍ خيَّم فيه الحزنُ واستَشرى البلاءُ، وانقلبت الموازين واستَـحَـرَّ القتل، وتساقطَت الرجال. فكم من هاماتٍ هوَت، وأقنعةٍ كُشِفَت، وأقدامٍ زَلَّت، وأعزَّةٍ ذَلَّت! وبِتْنا أحوجَ ما نكون إلى ما يعيدُ إلى نفوسنا الثقةَ برجالنا وعلمائنا ورموزنا، بعد أن حلَّ بنا ما حلَّ، ونزل بنا ما نزل، ممَّا لا يخفى على الكبير ولا الصغير، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله العليِّ العظيم. من أجل هذا فزعتُ إلى قلمي لعلِّي أسلو به بعضَ حُزني، وأنشر بمِداده صفَحاتٍ عن حِقبةٍ عشتُ فيها زمنًا رَغدًا، وذكرياتٍ ناصعاتٍ من حياة سعدتُّ فيها برجالٍ صحبتُهم، وعلماءَ أخذت عنهم، ونهَلتُ من علمهم وعملهم، وانتفعتُ بحالهم وقالهم. وقد طلب إليَّ كثيرٌ ممَّن قرأها على صفحتي أن أنشرَها في موقعي بشبكة الألوكة لعلَّ فيها عبرةً أو عِظةً، أو علمًا أو رُشدًا.. تَذَكَّرتُ والذِّكرى تُهيِّجُ ذا الهَوى *** ومِن حاجةِ المــَحزُونِ أن يتَذَكَّرا ﴿ إنَّ في ذلِكَ لَذِكرى لِمَن كانَ له قلبٌ أو ألقَى السَّمعَ وهُوَ شَهِيد ﴾. - 1 - الأستاذ الدكتور عبد الحفيظ السطلي أستاذ الأدب الجاهلي والبلاغة عندما أُعلنَت نتائجُ الثانوية العامَّة بدمشق في صيف عام 1973م، كنتُ الثانيَ على مدرستي ( ثانوية العناية ) في الفرع الأدبي، وكان الأولُ زميلًا لي يُــدعى أديب بشارة، عبقريٌّ من عباقرة اللغة الفرنسية، وبها تقدَّمَــني، يُــذكِّرك بموليير وفولتير وهوغو وشاتوبريان، وأنا منذ ذلك الحين أبحث عنه لأهــنِّــئَــه على ما أحرزه من تقدُّم. أما العربيةُ فلا خبزَ له فيها معي، وإن كان من أربابها، ولا أعرف أحدًا من أقراني تقدَّم عليَّ فيها، في أيِّ صفٍّ من صفوف المدارس التي درستُ فيها. كان ذلك إيذانًـا بدخولي قسمَ اللغة العربية، وتحقيقِ حُـلُـم حياتي مع حِبِّي وعشقي، ومُـنى عقلي ونفسي، مع فكري وأُنسي، مع كِياني ووجودي، مع العربية لغةِ القرآن الخالدة. دخلتُ القسم بخطًا واثقة، ونفسٍ متوثِّبة، مِلءُ إهابي الفرحُ والسرور، والتفاؤلُ والإقدام، وأنا أشعر أن البيتَ بيتي، والأهل أهلي، والديار دياري. كيف لا، وأنا أُعِدُّ لذلك منذُ زمن بعيد؟! وكانت المحاضرةُ الأولى للدكتور عبد الحفيظ السَّطْلي أستاذِ الأدب الجاهليِّ وفنِّ البلاغة في القسم، دخل علينا بقامةٍ قصيرة، ووجهٍ وسيم، وعينين يشِعُّ منهما الحزمُ والذكاء، ورحَّب بنا بفصاحةٍ عالية، وبلاغةٍ غالبة، بدا لي فيما بعدُ أنها سِمةٌ من سماتِ محاضراته، يُعينُه عليها بُطءُ كلامه، وترسُّلُ عبارته، وهدوءُ أعصابه، فليس عنده تدفُّــق الخطباء، لكنَّه يمتلك زِمامَ المحاضرة، وتجويدَ العبارة، وينتقل فيها كما يشاء من فكرةٍ إلى فكرةٍ محافظًا على جمالِ نبرته، وفصاحةِ لسانه. حتى لتَصِحُّ فيه كلمةُ الجاحظ في أبي زيدٍ النحوي: "وممَّن كان لا يلحنُ البتَّةَ حتى كأن لسانَــه لسانُ أعرابيٍّ فصيح: أبو زيدٍ النحويُّ، وأبو سعيدٍ المعلِّم" [1] . وأزيدُ - أنا - فأقول: "وأبو يحيى السطلي". درَّسَنا معلَّقةَ زهير، إحدى المعلَّقات السَّبع المشهورات، وأذكر أني كنتُ أولَ من قرأ بين يديه الأبياتَ الأولى منها: أَمِنْ أُمِّ أَوفَى دِمنَةٌ لم تَكَلَّمِ بحَوْمانةِ الدَّرَّاجِ فالمُتَثَلَّمِ دِيارٌ لها بالرَّقْمَتَينِ كأنَّها مَراجِيعُ وَشْمٍ في نَواشِرِ مِعْصَمِ بها العِينُ والآرامُ يَمْشِينَ خِلْفةً وأَطْلاؤُها يَنهَضنَ مِن كلِّ مَجْثَمِ وقَفتُ بها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً فلَأْيًا عَرَفتُ الدَّارَ بعدَ تَوَهُّمِ أَثافيَّ سُفْعًا في مُعَرَّسِ مِرْجَلٍ ونُؤْيًا كجِذْمِ الحَوضِ لم يتَثَلَّمِ فلمَّا عَرَفتُ الدَّارَ قُلتُ لرَبْعِها: ألا انْعِمْ صَباحًا أيُّها الرَّبْعُ واسْلَمِ تبَصَّرْ خَليلِي هل تَرى مِن ظَعائنٍ تحَمَّلْنَ بالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرْثُمِ جَعَلْنَ القَنانَ عن يمينٍ وحَزْنَهُ وكم بالقَنانِ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِمِ عَلَوْنَ بأَنْماطٍ عِتاقٍ وكِلَّةٍ وِرادٍ حَواشِيها مُشاكِهةِ الدَّمِ ظَهَرْنَ منَ السُّوبانِ ثمَّ جَزَعْنَهُ على كلِّ قَينِيٍّ قَشِيبٍ ومُفْأَمِ وكنت أعددتُّ لهذه القراءة وحضَّرتها، بل حفظتُ الأبيات كلَّها، فقرأتها بصوتٍ جَهْوَريٍّ واثق النبرة، حاضر الفكرة، سكنَت له أرجاءُ القاعة الملأى بالطلَّاب، فلمَّا فرَغتُ أثنى على قراءتي، بما يُـقرُّ العينَ ويَنسَأُ في الأجل، ومضى يملأ آذاننا أدبًا وتحليلًا وفكرًا. وكان من منهجه في الدراسة أن يقرأَ تارةً أخبارَ زهير في كتاب الأغاني قراءةَ تحليل وتبصُّر وتدبُّــر، بحيث يستخرج من الخبر كلَّ ما ينضوي عليه من أفكار، وما يشير إليه من معانٍ، بل هو يقرأ ما وراء الخبر، وما بين السُّطور، وما تحت الكلمات! ويقرأ تارةً أخرى أبياتَ المعلَّقة ليَنفُذَ من شرحها وتحليلها إلى مرامي الشاعر، وما استكنَّ في ضميره حين قال ما قال. "وكأنه يطلب فيها خَبيئًا قد أخفاهُ الشاعرُ الماكر بفنِّه وبراعته، أويتدَسَّسُ إلى دَفينٍ قد سقطَ من الشاعر عفوًا أو سهوًا تحت نَظْم كلماته ومعانيه، دون قصدٍ منه أو تعمُّد أو إرادة" على حدِّ تعبير الشيخ محمود شاكر رحمه الله تعالى. ثم يُملي علينا ما جاء في المحاضرة. وما أكثرَ ما كان يستشهد بالعَجَّاج، مَلِك الرجَز والغريب، ويُــرجعنا إلى كتابه الذي صنعه فيه في ثلاثة أجزاء، أوَّلها للدراسة، وثانيها وثالثها لتحقيق الديوان، وهي صنعةُ معلِّمٍ حقًّا، وكان قد نال بها درجة الدكتوراه بإشراف أ. د. شوقي ضَيف رحمه الله. وكذا كان كثيرَ الاستشهاد بأُميَّةَ بن أبي الصَّلْت ، وله فيه دراسةٌ نفيسة نال بها درجةَ الماجستير ونشرها في مجلَّد. أما البلاغةُ فقد التزم فيها كتابَ "التلخيص" للقَزْويني، ولم يحلِّق فيها تحليقَه في الأدب! وكذا فعل حين درَّسَنا علمَ المعاني في السنة الثانية من سِني دراستِـنا الجامعية. وقد عُيِّن وكيلًا لكلِّية الآداب بين عامي 1974 و1976 ففعل الأعاجيب، إذ وقفَ وقفتَه المشهودةَ في وجه الفساد والغِشِّ الذي كشف عنه في الكلِّية، فكنَّا نقرأ بين الفَينة والأخرى إعلانًا بسحب شهادة طلبةٍ ثبتَ غِشُّهم في امتحاناتهم، وكانت سابقةً له في هذا لم تعرِف الكليةُ لها نظيرًا من قبلُ ولا من بعدُ. ثم تولَّى - بعد فترةٍ من رجالات الإدارة - رياسةَ القسم، من عام 1993 إلى 1995م. فقلت لمن أبلغَني: أوَقَد قَــبِل؟! إن كان فعلَ فقد صلَح القسم! وأعمل يدَه في إصلاح ما استطاع إصلاحَه، وكان أن استعانَ بي لتدريس مادَّة اللسانيات، ولم أكن آنذاك قد ناقشت الدكتوراه، وقال لي بالحرف الواحد، إنه تحدَّى بذلك الكثيرين، وقال لعميد الكلِّية عندما اعترضَ على طلب انتدابي من مركز الدراسات والبحوث العلمية الذي كنت أعمل فيه، بأني لا أحمل الدكتوراه: "إن فلانًـا بمئة دكتور!". وقد قدَّمني للطلَبة بنفسه مزكِّيًا لي، ومنوِّهًا بي، وكان أن اشتكى الطلَبة من ضيق القاعة المخصَّصة لذاك المقرَّر بعد أن غصَّت بأعدادٍ غَفيرةٍ منهم حتى ضاقت علينا بما رَحُـــبَــت، وزاحمَني واللهِ بعضُ الطلَبة على مِنصَّة التدريس، فنقل محاضرتي إلى أكبر مدرَّج في كلِّية الآداب، وهو مدرَّج الصِّحافة والإعلام، وعلَّق على ذلك قائلًا: "لقد ذبحتَ من سبقكَ في تدريس المادَّة من الوريد إلى الوريد؛ إذ لم يكن يزيد عددُ من يحضُر له على عشَرة الطلَّاب!". ثم خرج من الجامعة إثرَ صراع عنيفٍ مع بعض أساتيذ القسم، ممَّن لم يرُق لهم صلابتُــه وإصلاحُه واستقامته، ليلتحقَ بركب قسم التخصُّص بمعهد الفتح الإسلاميِّ فيرأسَ فيه قسمَ اللغة العربية، حيث شرُفـتُ بالتدريس معه، ومزاملتِــه في غيرِ ما لَجنةٍ من لجان المقابلة الشفوية للطلَّاب الخِرِّيجين. وكان أستاذنا السطليُّ مناقشًا لي في الماجستير ثم في الدكتوراه، وكم كان قاسيًا عليَّ في الأولى، مُشيدًا بي وبلُغَتي وعملي في الثانية. وكان ممَّا قاله لي في مناقشة الدكتوراه: "وحسبُكَ يا حسانُ أني ما نظرتُ في صفحةٍ من صفَحاتِ هذه الرسالةِ إلا رأيتُ سَنا رجلٍ عالم". وقد بلغَني أنه الآن مريضٌ في الشام، أسأل الله العظيمَ ربَّ العرش العظيم أن يشفيَه ويُعافيَه، وأن يجزيَهُ عنَّا وعن العربية خيرَ الجزاء وأوفاه. الأستاذ السطلي في بيته وعن يمينه أيمن ذو الغنى فكاتب المقالة د. الطيان وعن يساره د. يحيى مير علم، فالشاعر نضال داود الأستاذ السطلي في إبان رياسته قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة دمشق مع لفيف من طلاب الكلية يَلَوا سابع ذي الحِجَّة 1440هـ 8/ 8/ 2019م أ. د. حسان الطيَّان [1] البيان والتبيُّن 2/ 152. |
تفسير ابن جريج بتحقيق عبدالرحمن قائد | محمود ثروت أبو الفضل | 10-03-2020 | 14,699 | https://www.alukah.net//culture/0/139062/%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%ac%d8%b1%d9%8a%d8%ac-%d8%a8%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%af/ | تفسير ابن جريج بتحقيق عبدالرحمن قائد صدر حديثًا " تفسير القرآن " للإمام ابن جريج (ت150هـ)، يطبع لأول مرة عن أصل خطي فريد، بدراسة وتحقيق د. " عبدالرحمن بن حسن قائد "، وذلك عن " دار الكمال المتحدة ". وقد كانت هذه النسخة منسوبة لمجهول، وهي من رواية الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، عن الحجاج بن محمد المصيصي، عن ابن جريج، وهي من أصح روايات تفسيره، ولعله أقدم تصنيف يصلنا من وراء القرون، إذ يرجع إلى النصف الأول من القرن الثاني الهجري. وقد كان لابن جريج تفسير مشهور أملاه على الناس. وممن سمعه منه تلميذه الإمام الحافظ أبو محمد، حجاج بن محمد المصيصي الأعور، ثم ألف حجاج تفسيرًا روى فيه كثيرًا عن شيخه ابن جريج، كما روى فيه عن غيره. ثم جاء من بعدهما سُنيد وهو الحسين بن داود، وألف تفسيرًا جُلّ روايته فيه عن حجاج. فكانت إذ ذاك ثلاثة تفاسير: أولها تفسير ابن جريج، ثم تفسير حجاج روى فيه كثيرًا عن شيخه ابن جريج كما روى عن غيره، ثم تفسير سُنيد، وجلّ ما فيه عن حجاج. وقد وقع خلط بين هذه التفاسير الثلاثة عند أكثر من جمع تفسير ابن جريج، كما أُغفل كثيرًا تفسيرُ حجاج، ولم يشتهر، بل جُعل هو وتفسير سُنيد شيئًا واحدًا، وهو خطأ كما تبين. وتعد تلك النسخة الخطية المروية عن تلميذ ابن جريج: حجاج بن محمد المصيصي الأعور، هي جزء معتبر من تاريخ ابن جريج إن لم يكن معظمه تقريبًا، وتبرز لنا مدرسة التفسير المكية في نشأتها الأولى وبواكير ازدهارها. نسخة من المخطوط وقد ضم هذا التفسير أقوال الإمام ابن جريج في سور القرآن من سورة النساء إلى سورة الواقعة، ويتميز هذا التفسير عمَّا سبقه أنه تحقيق لنص مخطوط متصل بالسند والرواية وليس تأليفًا مجموعًا ملتقطًا من كتب التفسير. صورة من تحقيق المتن وابن جريج (80 - 150 هـ = 699 - 767 م) هو الإمام العلامة الحافظ عبدالملك بن عبدالعزيز بن جُرَيج، أبو الوليد القرشي الأموي، المكي، شيخ الحرم وعالم مكة بعد شيخه عطاء. من الموالي، وولاؤه لأمية بن خالد. نزل مكة، وبها طلب العلم؛ حيث صار شيخ الحرم وإمامًا عالمًا يقصده طلاب العلم. وكان أول من صنف التصانيف في العلم بمكة. لازم عطاء بن أبي رباح فترة طويلة وكان من أثبت الناس فيه. فقد روى ابن أبي حاتم قال: قال ابن جريج: «كنت أتتبع الأشعار الغريبة والأنساب، فقيل لي: لو لزمت عطاء، فلزمته». وقد وثقه كثير من أهل العلم ورووا عنه فيما سمعه وتلقاه بالرواية، قال أبو زرعة الرازي عنه: "بَخٍ! ذلك من الأئمّة"، وقال عنه شيخه عطاء بن أبي رباح: «ابن جريج سيد أهل الحجاز»، وقال أحمد بن حنبل: «إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان، وأُخبرت جاء بمناكير، وإذا قال: "أخبرني" و"سمعت" فحسبك به»، وقال: «كان ابن جريج من أوعية العلم». وقد ذكر المحققون أن له كتاب السنن في الحديث بجانب كتابه في تفسير القرآن. وتوفي سنة 150هـ، وذكر الذهبي أنه توفي عن سبعين سنة. |
الارتقاء بالقراءة | د. سعد الله المحمدي | 10-03-2020 | 4,474 | https://www.alukah.net//culture/0/139053/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d9%82%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9/ | الارتقاء بالقراءة تزخرُ رفوفُ المكتباتِ ودُور النشرِ بالجديد من الكُتبِ والمطبوعاتِ، ويتحيرُ القارئ بلْ ويضطربُ ويتردد سائلًا: ماذا يختار ويقرأ وماذا يتركُ من بين هذا الكم الهائل منَ الكُتبِ، والبَحْرِ الزاخر من المصادر والمراجع التي ربما لم يتيسر لمنْ قبلنا منْ أهل العلم وطلابِ المعرفة الوصول إليها بهذه السهولة. كفى قلم الكتاب مجْدًا ورفعةً *** مدى الدهر أن الله أقسمَ بالقلمْ ولربما سألَ القارئُ نفسه: كيف يقرأ ويستمتع بالكتاب الذي يقتنيه وكيف يستوعبه بيسر وسهولة؟ فهل يقرأهُ من الغلاف إلى الغلافِ، وهذا بلا شك يحتاجُ إلى جُهد ووقتٍ وفراغ وصبر، أم يركز على المواضيع المهمة والجديدة التي يشتملُ عليها الكتاب ويهم القارئ معرفتها واستيعابها؟ الحقيقةُ أن موضوعَ القراءة بشكلٍ عام أُشْبع دروسَ ومحاضرات، وتجارب وخبرات، وندوات ولقاءات في الشرق والغرب؛ لأهميتها وكونها وسيلة لاكتساب المعرفة، وحرْصِ الجميع عليها وعلى تطوير أساليبها وطُرقها، واتفاقهم على أن القراءة حياةُ العقول والقلوب، ومستقبلُ الأمم والأقوام، وطريقُ التقدم والتطور، وبوابةُ القيادة والريادة، والصدارة والمجد، وأنه ما نظر أحدٌ في كتابٍ إلا وخرجَ بفائدةٍ، وكل مجدٍ لم يأت عن طريق القراءة زائفٌ. والقراءةُ هي علم ومعرفة وخبرة، فن جميل، لهُ أصوله وقواعده وطُرقه وأساليبه، وهي الصفة المشتركة بين العظماء والعباقرة والقادة والنوابغ عبر العصور، ونقطةُ البدء والانطلاق نحو كل عمل عظيم وهدفٍ نبيلٍ، فمثلًا: شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قرأ وكتبَ وألف ولازم المحابرَ والأوراقَ، فأصبحَ موضوع الدراسين والباحثين، وحديثَ الجامعات ومراكز البحث العلمي في الشرق والغرب. وأفضل ما اشتغلت به كتاب *** جليل نفسه حلو المذاق ونحاولُ في هذا المقال أن نلقي الضوء على أهم معالم فن القراءة، وأساليبه ومشوقاته، حتى نتمكن بإذن الله من إتقان مهارة القراءة والاستفادة بشكلٍ جيد من الكُتب التي نَقرأها؛ إذ ليست العبرة بكثرة القراءة، بل في القراءة المجدية والإنتاجية والثمرة التي نقطفها من وراء القراءة كما يقول أحد الخبراء. أهم معالم فن القراءة : 1- اختر الكتاب الذي يناسب ميولك، والحبيب إلى نفسك، والخفيف على قلبك، وابدأ بالقراءة في الفن الذي ترتاح إليه أكثر، ولا حرجَ لو بدأت أول الأمر بقراءةِ الكتب السهلة من القصص والروايات الهادفة، وبعض المقالات النافعة، حتى تعوِّد نفسك على القراءة، وستندهش من نفسك عندما تتطلق في القراءة بإذن الله، لكن الأمر يحتاج إلى مواظبةٍ واهتمامٍ وتركيزٍ والتزامٍ، وتخصيص وقتٍ للقراءة بشكل يومي. 2- ينصح خبراء القراءة والمطالعة بعدم الهجوم على الكتاب كالعاصفة، بل يفضلون التأني في التعامل معه، من البدء بالتعرف إلى هدف الكتاب ومقصده وموضوعه، وماذا يعالج؟ وما الإضافة العلمية الجديدة التي يقدمها؟ وذلك من خلال الاطلاع على الفهارس والملخصات والنتائج والتوصيات التي تُعطي القارئ فكرة عامة عن الكتاب ومحتوياته وموضوعاته، ومن ثم يمكنه انتقاء المواضيع التي تهمه، وهذه القراءة تسمى الاستكشافية؛ حيث تستكشف الكتاب قبل القراءة. 3- استخدم قلم الرصاص خلال القراءة، وضعْ خطًّا تحت الكلمات الصعبة أو العبارات التي تحتاج إلى التركيز، وحَاوِلْ هَضْمَ الكتاب واستيعاب أفكاره، بوضع عناوين للفقرات، أو تلوين العبارات المهمة (إذا كان الكتاب ملكًا لك)، أو الربط بين المواضيع، ولا يكن همك الأول الانتهاء من الصفحة دون التركيز على المعلومات النافعة؛ فالقارئ الجيد هو "الذي يركزُ على ما يقرأ، ويحدد الفكرة الرئيسة في الفقرة، ويكتبُ الفوائد، ويشيرُ إليها ويحللُ ويفسر وينقُد ما يقرؤه"؛ كما يقول الدكتور متعب زبن المطيري. 4- في وسع كل واحد منا أن يعوِّد نفسه على القراءةِ السريعة وبشكلٍ تدريجي، وذلك بالانتقال من النصوص السهلة إلى الصعبة، وفي تاريخ الإسلام علماء عُرفوا بسرعة القراءة، فكان ابن دقيق العيد سريع القراءة لدرجة أنه كان يختم كل ليلة مجلدًا، وقد أقامت بعض الدول المتقدمة صناعيًّا دورات لسرعة القراءة لتدريب القارئ على التقاط أكبر عدد من الكلمات خلال القراءة. 5- تجنب معوقات القراءة، ومن ذلك تحريك الإصبع على السطور، أو تحريك الشفتين خلال القراءة، أو الجلوس الخاطئ، أو القراءة دون التركيز؛ كالقراءة ومشاهدة الأخبار، أو القراءة ومتابعة وسائل التواصل الاجتماعي في نفس الوقت. 6- لترسيخ المعلومات في الذهن، أغلق الكتاب واستخلص الأفكار من عندك، أو لخص بعض الفصول كتابيًّا، وهذه الإستراتيجية موجودة في الكتب الحديثة؛ حيث يهتم مؤلفوها بتلخيص كل فصل في نهايته. 7- اجعل للقراءة وقتًا ضمن جدولك اليومي، ولا تتنازل عن هذا الوقت بدواعي الانشغال، حدد عدد الصفحات التي ستقرأها يوميًّا، أو حدد المدة التي تقرأ فيها، تقول الإحصائيات إنك لو قرأت لمدة ساعة يوميًّا في تخصُّص ما، فستكون حصيلتك قراءة خمسين كتابًا متوسطًا في السنة، وستكون خبيرًا في هذا الفن بعد ثلاث سنوات. 8- خذ قسطًا من الراحة والاستجمام أو الاسترخاء عندما تدرك أنك لم تعد قادرًا على التركيز أو بعد كل ساعة قراءة مثلًا. كيف تستطيع أن تجعل للقراءة متعة: 1- اقرأ في أوقاتك الذهبية وفترة النشاط، وعند صفائك الذهني، فكل قارئ له أوقات مفضلة للقراءة والتركيز، ومن أجمل الأوقات للقراءة الواعية قبل الفجر وبعده، وبين المغرب والعشاء. 2- لا تعتقد بضرورة قراءة الكتاب كاملًا، اقرأ منه ما يلبي حاجتك ويفيدك ويعجبك ويناسبك. 3- تهيئة المكان المناسب والمرتب للقراءة من ناحية الإضاءة الجيدة والتهوية الملائمة، والجلوس الصحيح، والبُعد عن المعوقات والمشوشات والملهيات؛ حيث يؤدي ذلك إلى انشراح البال وارتياحه وصفاء الذهن، والقدرة على التركيز والاستمرار في القراءة. 4- اهتم بتكوين مكتبة البيت، بحيث تكون مشتملة على الكتب الأساسية في كل فن، فمكتبة البيت لم تعد من الكماليات اليوم، بل من لوازم الحياة نفسها وواجبات الأسرة تجاه أطفالها، فلا يمكن لأحد أن يربي أولاده دون أن يحيطهم بالكتب ويحببها إليهم، وبيت بلا كتب كجسد بلا روح، ومكتبة البيت دليل على حب العلم والحضارة. وقائلةٍ أنفقتَ في الكتب ما حوت يمينك من مال فقلت دعيني لعلي أرى فيها كتابا يدلني لأخذ كتابي آمنًا بيميني 5- تطلع إلى أخبار الكتب، واقرأ عن عشاقها، واجلس مع محبيها، واستمع إلى تجاربهم في التعامل مع الكتاب، وكلما فترت همتك وضعف نشاطك، أدِم النظر في بعض الكتب؛ مثل: المشوق إلى القراءة وطلب العلم، للدكتور علي بن محمد العمران، وغيره من الكتب التي تنمي فيك روح العزيمة والمثابرة وحب العلم والمعرفة. شمعة أخيرة: دخل المأمون يومًا على بعض بنيه وهو ينظرُ في كتاب، فقال: ما هذا؟ قال: كتابٌ يشحذُ الفطنة ويؤنس العشرة، فقال المأمون: الحمد لله الذي جعل لي ذُرِية يرى بعين عقله أكثر مما يرى بعين جسمه. |
كتاب العمدة لابن رشيق تحقيق النبوي شعلان | خاص شبكة الألوكة | 09-03-2020 | 18,558 | https://www.alukah.net//culture/0/139043/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%af%d8%a9-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b1%d8%b4%d9%8a%d9%82-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a-%d8%b4%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%86/ | كتاب "العمدة في صناعة الشعر" لابن رشيق القيرواني تحقيق النبوي عبد الواحد شعلان صدرت حديثًا عن " درة الغواص " طبعة جديدة من تحقيق كتاب " العمدة في صناعة الشعر ونقده " لأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني، تحقيق وتعليق وفهرسة: د. النبوي عبد الواحد شعلان؛ أستاذ الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بجامعة الأزهر. وتحقيق د. النبوي شعلان لكتاب " العمدة " هو بمثابة "رحلة عمر " قضاها المحقق برفقة الكتاب منذ أن قام بتحقيقه عام 1982 م وحتى انتهى منه مطبوعًا، ويورد المحقق في مقدمته الشيقة ظروف وملابسات تعلقه بكتاب "العمدة" منذ حداثة سنه، وكيف ساهم هذا الكتاب في رسم خطوات عديدة في مستقبله العلمي والعملي. يقول د. النبوي شعلان في مقدمة الطبعة الأولى من الكتاب: «.. فقد أراد الله - سبحانه وتعالى - لهذا السفر أن يرى النور بعد أن ظل في رحم الزمن ما يقرب من خمسة عشر عامًا، كانت كلها جهادًا في سبيل الكلمة، وكان في هذه السنين ما يشبه حالات الحب بين المحبين، ففيها صد وهجر وبعد، ثم رضا وقرب ومودة، ولم تكن أوقات الصد إلا نوعًا من إشعال نار الحب في القلب، فهل رأيت أبًا يكره ابنه حتى وإن ابتعد عنه، وأمره بالابتعاد؟!». وكتاب " العمدة " من أشهر كتب ابن رشيق القيرواني (ت 456 هـ أو 463هـ) والذي أراد من وضعه أن يجعه موسوعة نقدية لفن الشعر ومحاسنه ولغته وعلومه ونقده وأغراضه، والبلاغة وفنونها، وقد ألف ابن رشيق كتابه ما بين سنة 412هـ و425هـ، وأهداه لأبي الحسن ابن أبي الرجال الشيباني مربي المعز بن باديس ورئيس ديوان كتّابه. قال ابن خلدون في مقدمته: «وهو الكتاب الذي انفرد بهذه الصناعة وإعطاء حقها، ولم يَكتب فيها أحدٌ قبله ولا بعده مثله». [مقدمة ابن خلدون، صـ 594-595]. وجموع أبواب الكتاب مئة وسبعة بابٍ؛ تسعة وخمسون في فصول الشعر وآدابه، وتسعة وثلاثون في البلاغة، وسبعة أبواب أخرى في الأدب. وقد وضعه ابن رشيق لاختلاف الناس - قبله - في فنون الشعر ومحاسنه، وعدم استحسانه لما صنفوه فيه حيث لم يحسنوا تبويبه ولا تسمية أنواعه فبوبوه أبوابًا مبهمة، ولقبوه ألقابًا متهمة، ويغطي ابن رشيق في هذا الكتاب تاريخ الشعر والعَروض حتى عصره في القرن الحادي عشر في القيروان، التي كانت مركز الحياة الفكرية في إفريقية وقتها. يقول ابن رشيق: «ووجدت الناس مختلفين فيه - أي الشعر -، متخلفين عن كثير منه، يقدمون ويؤخرون، ويقلُّون ويكثرون، قد بوبوه أبوابًا مبهمة، ولقبوه ألقابًا متهمة، وكل واحد منهم قد ضرب في جهة، وانتحل مذهبًا هو فيه إمام نفسه، وشاهد دعواه، فجمعتُ أحسن ما قاله كل واحد منهم في كتابه ليكون العمدة في محاسن الشعر وآدابه إن شاء الله، وعولت فيه على قريحة نفسي، ومعين خاطري؛ خوف التكرار، ورجاء الاختصار، إلا ما تعلق بالخبر، وضبطته بالرواية فإنه لا سبيل إلى تغيير شيء من لفظه ولا معناه ليؤتى بالأمر على جهته» صـ5. ويرى النقاد أن كتاب " العمدة "، وإن لم يطرق آفاقًا نظرية رائدة في الأدب، إلا أنه يُعد مرجعًا رئيسيًا وملخصًا وافيًا للمجادلات الدينية والاجتماعية والأسلوبية المتعلقة بالشعر منذ الأيام الأولى للإسلام. وقد طرق فيه ابن رشيق القيرواني بتوسع أبوابًا فريدة من أبواب صنعة الشعر منها باب سرقة الشعر وأنواعها: كالسلخ، والاصطراف، والانتحال، والإغارة، والغصب، والمرادفة، والاهتدام، والإلمام، والاختلاس، والمواردة، إلى جانب تضمين ابن رشيق القيرواني كتابه نقولات عديدة من كتب صارت في عداد المفقود في وقتنا الحالي ولا ندري عنها شيئًا منها نقولاته عن كتاب "طبقات الشعراء" لدعبل، و" الأنواء " للزجاجي، و" المنصف في سرقات المتنبي " لابن وكيع التِّنِّيسي، و" الممتع " للنهشلي. وقد تتبع المحقق " النبوي شعلان " جهود وتهويمات من سبقه في المحققين في الطبعات القليلة لكتاب " العمدة "، وعلى رأسها طبعة مكتبة الخانجي والتي صحَّحها " محمد بدر الدين النعساني الحلبي "، وكذلك تحقيق الشيخ " محمد محيي الدين عبد الحميد "، وكذلك تحقيق د. " محمد قرقزان " لنيل درجة الدكتوراه، كما أشرف على تنقيح وتصحيح أخطاء المخطوطات التي قام بالمقابلة عليها، والتعليق على أعلام الكتاب في الحواشي، وشرح مرادات ابن رشيق من كلامه، وقام بخدمة الكتاب بصنع فهارس شاملة لما جاء به ابن رشيق من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية، وأمثال عربية، وفهرس للأقوال التي اقتبسها ابن رشيق في ثنايا كلامه، والذي يظن القارئ لأول وهلة أنها من كلام ابن رشيق وإن كانت من نقله عن كتب أخرى مشهورة وإن لم يصرح بذلك، وكذلك فهرس للأشعار، وأنصاف الأبيات، وفهرس للأعلام، وكذلك فهرس لموضوعات الكتاب وأقسامه. واعتمد د. النبوي شعلان على عدة مخطوطات لمتن الكتاب هي: مخطوطة المكتبة الأباظية الملحقة بمكتبة الأزهر، رقم (6844) عمومية، ورقم (239) خصوصية، تقع في جزءين، وعنوان الكتاب في المخطوطة: " العمدة في محاسن الشعر وآدابه وصناعته ". ومخطوطة أخرى وجدت في مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، وتقع في جزءين يشتملان على 200 ورقة، وناسخها عبدالله بن عمر بن عثمان الترعي وعنوان الكتاب في المخطوط " العمدة في محاسن الشعر وآدابه "، ووجد جزء ثاني لها بمكتبة الجامعة أيضًا في 170 ورقة بالخط النسخي العتيق، وجاءت تحت عنوان "العمدة في محاسن الشعر وآدابه وصناعته" والأرجح أنها كتبت في القرن السادس. ومخطوطة رابعة هي مخطوطة معهد المخطوطات التي تحمل رقم 2024 أدب وهي مكتوبة بالخط المغربي المعتاد وتقع في 260 ورقة، وكتب في لوحة التعريف بها أنها من الخزانة الملكية بالرباط ( الزيدانية ) وجاء اسم الكتاب بها "العمدة في صناعة الشعر ونقده". ونسخة خامسة من مخطوطات معهد المخطوطات التي تحمل رقم 2025 أدب، وهي مأخوذة من الخزانة العامة بالرباط 465 وبها سقط في أولها من المقدمة وتقع في 191 ورقة، واسم الكتاب بها "العمدة في صناعة الشعر ونقده". الورقة 1/ظ من المخطوطة المغربية بجامعة الإمام الصفحة الأخيرة من النسخة 2025 في معهد المخطوطات ومؤلف الكتاب هو أبو علي الحسن بن رشيق القيرواني، الأزدي بالولاء، شاعرٌ وناقدٌ ومصنفٌ أديب. ولد سنة 390 هـ بمدينة المحمدية بالمغرب، فكان يعرف بالمحمدي والمسيلي نسبة إلى " المسيلة " وهو الاسم القديم لتلك المدينة. كان أبوه روميًا من موالي الأزد فنسب إليهم، وتعلم الصياغة، ثم مال إلى الأدب وقال الشعر، فرحل إلى القيرواون سنة 406 هـ ومدح ملكها، واشتهر فيها. وحدثت فتنة فانتقل إلى جزيرة صقلّيّة، وأقام بمازر إحدى مدنها، إلى أن توفي. ومن كتبه: "العمدة في صناعة الشعر ونقده"، و"قراضة الذهب في نقد أشعار العرب"، و"الشذوذ في اللغة"، و"غريب الأوصاف ولطائف التشبيهات لما انفرد به المحدثون"، و"ديوان شعره"، و"ميزان العمل في تاريخ الدول"، و"شرح موطأ مالك"، و"الروضة الموشية في شعراء المهدية"، و"تاريخ القيروان"، و"أنموذج الزمان في شعراء القيروان"، و"الأسماء المعربة"، و"فسخ الملح ونسخ اللمح"، و"الرسالة المنقوضة ورسالة رفع الأشكال ودفع المحال"، و"المساوي" في السرقات الشعرية... وغيرها من المصنفات. |
بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى لابن العماد | محمود ثروت أبو الفضل | 08-03-2020 | 11,654 | https://www.alukah.net//culture/0/139020/%d8%a8%d8%ba%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d9%89-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%ba%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d9%87%d9%89-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%af/ | بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى لابن العماد الحنبلي صدَر حديثًا تحقيقٌ جديد وكامل لكتاب "بغية أولي النهى شرح غاية المنتهى" لابن العماد الحنبلي (ت 1089هـ)، حيث قام بتحقيقه كلٌّ من الباحث المحقق: عبدالله الطخيس، وكريم اللمعي في ثماني مجلَّدات وألحقا به "تكملة بغية أولي النهى" تأليف إسماعيل الجرّاعي (ت 1202هـ). وقد طُبِعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات "دار أسفار" لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وهذا الكتاب هو أهم شروح كتاب "غاية المنتهى في جمع الإقناع والمنتهى" وثالث أركان المذهب الحنبلي، فإن مذهب المتأخرين من الحنابلة قد استقرَّ على ما في "المنتهى" وهو "منتهى الإرادات في جمع المقنع مع التنقيح وزيادات" للعلّامة تقي الدين أبي البقاء محمد بن أحمد بن عبد العزيز الفَتُّوحي، الشهير بابن النّجّار، المتوفى سنة (972 هـ). و"الإقناع" وهو "الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل" للعلامة شرف الدين أبو النجا موسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى بن سالم الحجاوي المتوفى سنة (968هـ)؛ ثم جمع الشيخ "مرعى الكرمي" (ت 1033 هـ) بينهما بكتاب "غاية المنتهى" مع زيادات هامة ومنهج في الجمع فريد، ولأهمية هذا المتن اشتغل الفقيه "ابن العماد الحنبلي" بشرحه مع التمثيل وذكر شواهد كل مسألة، لكن المنية اخترمته فلم يكمل الشرح، بل وصل فيه إلى (الوكالة) فاستكمل شرحه "إسماعيل الجراعي" من حيث توقف ابن العماد إلى باب (النكاح) وتوفيّ، فرحمهما الله تعالى. وقد انصرف الناشرون عن هذا الشرح لعدم اكتماله مع ما له من أهمية بالغة، واستعاضوا عنه بشرح الرحيباني (ت 1243 هـ) والكثير من مادة الرحيباني استفادها من هذا الكتاب الجامع، وغابت عنه نفائس من هذا الشرح أيضًا في كتابه، وقد مدح هذا الشرح كثير من العلماء المشهود لهم بالباع في المذهب؛ ومنهم: ابن بدران الذي قال فيه: «وقد تصدى لشرح كتاب (غاية المنتهى) العلامة، الفقيه، الأديب، أبو الفلاح عبد الحي بن محمد ابن العماد، فشرحه شرحًا لطيفًا، دل على فقهه وجودة قلمه"، وقال المحبي: «حرره تحريرًا أنيقًا». وابن العماد من متأخري فقهاء الحنابلة الذين أسهموا إسهامًا بارزًا في تدوين فقه الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وهو عبد الحي بن أحمد بن محمد ابن العماد العَكري الحنبلي، أبو الفلاح: مؤرخ، فقيه، عالم بالأدب. ولد في صالحية دمشق، وأقام في القاهرة مدة طويلة، ومات بمكة حاجًا. له تاريخه المشهور بعنوان: (شذرات الذهب في أخبار من ذهب) ثمانية أجزاء، و(شرح متن المنتهى) في فقه الحنابلة، و(شرح بديعية ابن حجة الحموي)، ورسائل، منها: (معطية الأمان من حنث الأيمان).. وغيرها مما زال مخطوطًا في خزائن المخطوطات. |
محمد بن القاسم الثقفي | عبدالحميد العبادي | 07-03-2020 | 7,467 | https://www.alukah.net//culture/0/138998/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d9%81%d9%8a/ | محمد بن القاسم الثقفي 73 - 96هـ لو أنَّ من يدرس تاريخ الأمة العربية فتَّش في ثنايا هذا التاريخ عن شخصية تتمثل فيها سجايا تلك الأمة الكبيرة وعناصر قوتها، لما وجد أجمع لتلك السجايا وهذه العناصر من شخصية الفتى الشهيد والفاتح العظيم والشاعر الحساس محمد بن القاسم الثَّقفِي، الذي شرع في غزو السند في السابعة عشرة من عمره، وأتمه ولمـَّا يتجاوز الثالثة والعشرين، فأدخل بذلك في الهند الثقافة الإسلامية التي يدين بها في الوقت الحاضر زهاء ثمانين مليونًا من أهلها. إنها شخصية تجمع إلى فتاء السن حنكة الكهولة، وإلى خشونة الجندي رقة الشاعر، وإلى الحرص على الدنيا زهد الفيلسوف وطمأنينة الحكيم.. وكل هذه صفات أتصف بها العرب في نهضتهم التاريخية الكبرى التي رجت العالم القديم فنبهته من سباته، ورسمت للتاريخ مجرًى جديدًا!. وهو محمد بن القاسم بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي، فهو من "ثَقِيف" المشهورة في الجاهلية والإسلام بقوة الدهاء وسعة الحيلة ومضاء العزيمة، ثم هو ابن عم الحجاج أمير العراق ورجل الدولة الإسلامية في الرُّبعِ الأخير من القرن الأول الهجري؛ يلتقي نسبهما في الحكم بن أبي عقيل. ولد حوالي سنة 73هـ، ونَقعُ الحوادث مُثارٌ وريح الفتن نكباء، والسيوف يتجاوب صليلها في فارس والعراق والحجاز وأفريقيا، فجعل غلامنا يتنفس في جو مكفهر عابس، ولُقِّف صناعة الحرب سماعًا وعيانًا، ثم شاء ربُّك - رحمةً منه بالناسِ - أن يكون إلى جانب هذه الحياة القلقة المضطربة الخائفة حياة أخرى آمنة هادئة هي حياة الأدب الذي يتمثل في الشعر الغنائي الرقيق المأثور عن ابن أبي ربيعة وجميل وكُثَيِّر والنُّميري وغيرهم من شعراء ذلك الزمان. فعشا نظر الفتى الثقفي الحائر إلى ذلك النور المشرق. فجاءه واهتدى به، وهَفتْ نفسُه العطشى إلى ذلك المورد العذب فورده وارتوى منه، وبذلك اعتدل مزاجه، ورقَّت حواشي نفسه، وأصبح وهو في السابعة عشرة من عمره أشرف ثقفي في زمانه كما يقول صاحب " الأغاني "، وأقبل الحجاج وهو هو في نقد الرجال وتمييز الكفايات يعقد به آمالًا كبارًا، ويرشحه على حداثة سنه للأمر الجليل بعد الأمر الجليل. لم يكد ينتصف العقد التاسع من القرن الأول الهجري حتى كانت الفتن التي صدَّعتْ وحدة الدولة الإسلامية من بعد معاوية قد ركدت ريحها، فانتهت ثورة ابن الزبير بالحجاز، وكُسِرت شوكة الخوارج بفارس، وسكنت العاصفة الهوجاء التي أثارها ابن الأشعث بالعراق. هنالك عاود العرب حبهم القديم للفتح والتغلب، وكان الحجَّاج واضع سياسة ذلك الاتجاه الجديد ومنفِّذها، فغزا قتيبة بن مسلم ما وراء النهر وأوغل فيها، وتوطد سلطان الدولة ببلاد عمان، وغزا موسى بن نصير المغرب، وقرع أبواب الأندلس نفسها. وقد أراد الحجاج أن تأخذ ثقيف بنصيبها من شرف هذه الفتوح الجسام، فأغزى ابن عمه محمد بن القاسم السند التي هي مدخل ذلك العالم الزاخر بالناس والحافل بالخيرات، والذي يسمى بلاد الهند. الحق أن الحجاج لم يبتكر سياسة غزو الهند فقد عرف هذه البلاد عرب شرقي الجزيرة منذ الجاهلية، وطالما ركبوا البحر إلى شواطئها مستبضعين وتجارًا، فلما قامت الدولة الإسلامية طمعوا في غزوها وتملكها. يروي صاحب "فتوح البلدان": «أنَّ عمرَ بن الخطاب ولىَّ عثمان بن أبي العاص الثقفي البحرين وعمان سنة 15هـ فوجَّه أخاه الحكم إلى البحرين ومضى إلى عمان، فأقطع جيشًا إلى (تانه) - قريب من موقع بومباي الحاضرة - فلما رجع الجيش كتب إلى عمر، فكتب إليه عمر: يا أخا ثقيف حملت ذودًا على عودٍ، وإني أحلفُ بالله أنْ لو أصيبوا لأخذتُ من قومِك مثلَهم». وتتابعت غارات عرب البحرين من عبد القيس وغيرها على شواطئ الهند وجزائرها وخاصة جزيرة سيلان التي كان يقال لها إذ ذاك ( جزيرة الياقوت ) لحسن وجوه نسائها، فمن هؤلاء العرب من أفلح في المقام بها ومنهم من عاد إلى بلاده وملء يديه السبي الرائع والمغنم الوافر. هذا من ناحية العرب، أما من ناحية الهند أنفسهم فقد «هاجرتْ منهم في الجاهلية طوائفُ إلى رأس الخليج الفارسي وخضعت للدولة الفارسية القديمة، فلما مُصِّرت البصرة نزلوها وحالفوا مَنْ بها من العرب». فلمَّا كان زمن الحجاج أغْزَى عماله على مكران ثغر السِّند فكلهم كان يُنْكب أو يُقتل. وأرض السند عبارة عن حوض نهر السند العظيم تنزلها قبائل عديدة قوية نذكر منها الزُّط والسيابجة والميد والبرهة. وكان بالسِّندِ بُلدان كثيرة منتشرة في أهضام الأودية ورؤوس الجبال منها الديبل، وكانت ثغر السند قبل كراتشي الحاضرة وبرهمنا باذوراور والملتان. وكانت هذه البلدان قوية بمعابدها البوذية القديمة وخاصة معبد الملتان. قال البَلاذُري: «وكان بُد الملتان تهدى إليه الأموال، وتنذر له النذور، ويحج إليه السند، ويطوفون به، ويحلقون رؤوسهم ولحاهم عنده، ويزعمون أنَّ صنمًا فيه هو أيوب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم». أمَّا من الناحية السياسية فقد كان يتوَزَّع بلدان السند وقبائلها عدة ملوك متقاطعي الكلمة مختلفي الأهواء وكان أقواهم سلطانًا إبان غزو العرب للسند ملك يقال له داهر، فهو الذي أشجى قواد الحجاج وأذاقهم مرارة الهزيمة المرَّة بعد المرَّة. والطريف أنَّ مصرع هؤلاء القواد لم يحمل الحجاج على الجد في قتال داهر بمقدار ما حمله عليه استغاثة امرأة عربية اعتدى عليها وعلى نسوة عربيات كنَّ معها بعض قراصين البحر من أهل السند التابعين لداهر. وذلك أن ملك جزيرة الياقوت فيما يروي البلاذري، أراد التقرب من الحجاج فأهدى إليه نسوة وُلِدنَ في بلاده مسلمات ومات آباؤهنَّ وكانوا تجَّارًا، فعرض للسفينة التي كنَّ فيها قراصين من ميدالديبل فاخذوا السفينة بما فيها، فنادت امرأة منهن من بني يربوع: «يا حجَّاج!» وبلغ الحجاج ذلك، فقال يا لبَّيك! وأرسل من فوره إلى داهر يسأله تخلية النسوة، فأجاب بأنَّه أخذهنَّ لصوص لا قدرة له عليهم. فأغزى الحجاج اثنين من عماله ثَغْرَ السِّنْد فكلاهما قُتِل، فاهتاج الحجاج وتجرَّد لقتال داهر، وكان قد أعد محمد بن القاسم لغزو الرَّي فلما حدث ما حدث على حدود السند رأى في هذا الشاب من يرأبُ الصَّدع ويدرك الثأر، فردَّه عن غزو الري وعقد له على مكران وثغر السند، وأمره أن يقيمَ بشيراز حتَّى توافيه القوة التي أخذ يُعدُّها لقتال داهر. كانت هذه القوة مؤلفة من جيشٍ وأسطول، أمَّا الجيش فكانت عدَّتُه زهاء عشرين ألف مقاتل، منهم ستة آلاف فارس من جند الشام الذين كانوا عُدَّة الدولة الأموية، ومعولها والذين وطئوا للأمويين أكناف ملكهم شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا. وأما الأسطول فكان يحمل المشاة والمؤن وعُددَ الحرب الثقيلة، ومن هذه خمس مجانيق ضخام، يقال لأكبرها (العروس)، ويروي البلاذُري أنَّه كان يمدُّ فيها خمسمائة رجل. وبالغ الحجاج على عادته في إعداد الجيش حتى إنه «... جهزه بكل ما احتاج من الخيوط والمسال، وعمَد إلى القطن المحلوج فنقع في الخل الخمر الحاذق ثم جفف في الظل، فقال إذا صرتم إلى السند فإنَّ الخل بها ضيق فانقعوا هذا القطن ثم أطبخوا به وأصطبغوا»، ثم تقدَّم إلى محمد ألَّا يقطع عنه أخباره بحيث يختلف البريد بينهما مرَّةً كل ثلاثة أيام. خرج محمد بن القاسم بجيشِه مِن شيراز عام سنة 90هـ فسار مُشَرِّقًا متبعًا ساحل البحر يطوي الحزون والسهول، ويجوب المَهامِهَ والقِفار، ويحْدُوه ما يحْدُو الشباب الحي من حبٍّ للمجد وتعلق بأسباب المعالي، فتغلَّبَ على صَحارى كرمان ومكران، وبلغ الديبل سالمًا. ولم يكد يحط رحاله حتى كان الأسطول قد وافاه بها. فشرع من فوره في مهاجمة المدينة. قال صاحبُ "فتوح البلدان": «فقَدِم الدَّيْبل يوم جمعة ووافته سفن كان حمل فيها الرجال والسِّلاح والأداة، فخنْدق حين نزل الديبل، وركزت الرماح على الخندق، ونشرت الأعلام، وأُنزِلَ الناس على راياتهم، ونصب منجنيقًا تعرف بالعروس كان يمد فيها خمسمائة رجل. وكان بالديبل (بد) عظيم عليه دقل طويل، وعلى الدقل - سهم السفينة - راية حمراء إذا هبت الريح أطافت بالمدينة وكانت تدور... وكانت كتب الحجاج تَرِدُ على محمّدٍ وكتب محمد ترد عليه بصفةِ ما قِبَلَه، واستطلاع رأيه فيما يعمل به في كل ثلاثة أيام. فورد على محمّدٍ من الحجاج كتابٌ أنْ انصِبْ العروس واقصر منها قامة، ولتكن مما يلي المشرق، ثم أدع صاحبها فمره أن يقصد برميتِه الدقل الذي وصفت لي. فرمى الدقل فكُسر، فاشتد طرة (جزع) الكفر من ذلك، ثم إنَّ محمدًا ناهضهم وقد خرجوا إليه فهزمهم حتى ردَّهم، وأمر بالسلاليم فوضعت وصعد عليها الرجال... ففتحت عَنوةً... وهرب عامل داهر عنها... واختط محمد للمسلمين بها، وبنى مسجدًا وأنزلها أربعة آلاف، ثم سار محمدٌ مصْعِدًا مع النهر يريد داهر، وعظم جيشُه فاستولى على مدينة الرور صلحًا. وانضمَّ إليه على إثر ذلك أربعة آلاف من الزُّطِّ، وصار كثيرٌ من قبائل السند عونًا له في حربه مع داهر. ثمَّ عبَر نهر مهران والتقَى بداهر وجيشِه. وكان على فيلٍ عظيم ومِنْ حوله الجندُ على فيَلةٍ تنذر محمدًا وجيشَه بفتكٍ ذريعٍ، ولكنَّ محمّدًا اتَّقى شر الفيلة، بقذائف النفط الملتهب يرميها بها، فهاجت واحترقت هوادجها بمن فيها من الجند، وانتشب بين الفريقين قتالٌ هائل انجلَى عن قتل داهر وتمزقُ جيشه، وتراجع فلوله إلى مدينة ( برهمنا باذ ) واقتفي محمد أثر تلك الفلول فاستولى على مدينة (رور) فـ ( برهمنا باذ ) نفسها، ومن ثم زحف إلى مدينة الرور فحاصرها أشهرًا، ثم دانت له على أن يحقنَ دماء أهلها وألا يعرِضَ لبُدِّهم، وأن يؤدُّوا إليه الخراج. وقد وفي لهم بشرطهم وبنى بالمدينة مسجدًا. ثم قطع نهر بياس إلى ( الملتان ) أعظم بلدان السند العليا فامتنعت عليه أول الأمر، ثم استولى عليه بممآلاة رجل من أهلها له. ووضع يده على أموالٍ جسيمة كانت بمعبدها البوذى. كانت الملتان أقصى ما وصل إليه ابن القاسم من ناحية الشمال، قال البَلاذُرِيُّ: «ونظر الحجاج فإذا هو قد أنفق على محمد بن القاسم ستين ألف ألف درهم، ووجد ما حمل إليه عشرين ومائة ألف ألف، فقال: شفينا غيْظَنا وأدركنا ثأرنا، وازددنا ستين ألف ألف درهم ورأس داهر». أخذت الملتان سنة 95هـ وعلى أثر ذلك أتت محمدًا وفاة الحجاج فقَفَل راجعًا نحو الجنوب مستوليًا في طريقه على مدن لملوك آخرين غير داهر، وكان آخر ما فُتِح مدينة يقال لها (الكيرج) استولى عليها عنوة سنة 96هـ ثم أتاه نعي الخليفة الوليد بن عبد الملك وولاية أخيه سليمان، فلم يبرح تلك المدينة، وقلَبَ له الدَّهرُ من ذلك الوقت ظهْرَ المجَنِّ، وأخذ نجمُه في الأفول. لا شكَّ أن الحجاج كان موَفَّقًا عندما عهد إلى ذلك الشاب قيادة تلك الحملة الخطيرة؛ فإنَّ محمّدًا بحداثةِ سِنِّه وصدق فروسيته قد ملك زمام أصحابه فلا نسمع أن أحدًا منهم حدثته نفسُه بخلاف عليه أو عصيان له. ثم إنَّه بهذه الخلال نفسِها وبرجاحةِ عقله وسعة حلمه اجتذب قلوبَ السند أنفسهم، فقد قارنوا بينه وبين ملوكهم المترفين المتجبرين المتخاذلين فلم يتمالك كثيرٌ من قبائلِهم أنْ أعطاه الطاعةَ وأخذ جانبه في الحرب كما سبق القول. ويروى أنه عندما شرط عليه أهل مدينة الرور ألَّا يقرب بُدَّهم وَفَى لهم بذلك، وقال: «ما البُدُّ إلَّا ككنائس النصارى واليهود وبيوتِ نيران المجوس»، وكانت حكومته إيّاهم عادلة رفيقة إذا قيست بحكومة ملوكهم وأمرائهم، فقد تقدَّمَ إلى عمَّاله بهذه النصيحة: «أنْصفوا الناس من أنفسكم، وإذا كانت قسْمةٌ فأقسموا بالسويَّةِ، وراعوا في فرض الخراج مقدرةَ الناس على أدائه ولا تختلفوا ولا تنازعوا فتشقى بكم البلاد. ثم إنَّه كان مدركًا كل الإدراك أنَّ عليه واجبين عظيمين: عليه أن ينشر في البلدان التي فتحها الثقافة الإسلامية، وأن يصل بين الشرق والغرب الإسلاميين، من أجل ذلك كان إذا فتح مدينة أنزلها بعض أصحابه، وبنى بها مسجدًا. ومن أجل ذلك نقل طوائف من الزط والسيابجة إلى العراق فأنزل الحجاج بعضهم كورة كسكر بفارس، ووجه بقيَّتَهم إلى الخليفة، فأنزلهم أنطاكية وسواحل الشام لينتفع بخبرتهم البحرية في قتال الروم، كذلك أرسل إلى الحجَّاج فِيلة سُمِّيت ببعضِها مشرعة الفيل التي كانت بواسط، كما بعث إليه بآلاف من الجواميس السندية، فأطلق الحجاج بعضها في آجام كسكر وكور دجلة، وبعث كثيرًا منها إلى الخليفة فأطلقها في الآجام التي بين أنطاكية والمصيصة، واتقى بها سباع تلك الآجام وكانت قد كثرت وأخافت السابلة. وقد نمت هذه الماشية بالعراق على مر الزمن حتى أصبحت من أسباب ثروته الاقتصادية في الوقت الحاضر. تلك غزوة محمد بن القاسم للسند. إنَّها لا شكَّ تذكرنا بغزو الاسكندر المقدوني لتلك البلاد نفسها في أخريات القرن الرابع قبل الميلاد؛ فالغزوتان تتشابهان من عدَّة وجوه، تتشابهان من حيث أن كلتيهما برية بحرية إلى حدٍّ بعيد، ومن حيث حداثة كلا الفاتحين وكفايته، ومن حيث أن كليهما نهج في نشر ثقافته بالسند نفس المنهج الذي نهجه الآخر، ومن حيث أن كليهما كان يهدي إلى أستاذه طرفًا من طرف فتوحه ويراسله مستطلعًا رأيه، فالفاتح المقدوني كان يهدي إلى أرسطو ويراسله، والفاتح العربي كان يهدي إلى الحجاج ويراسله مصدرًا في بعض المواقف عن رأيه. ولو أن أهل السند الذين غزاهم ابن القاسم، والذين قد يكون منهم من يدين بشرعة التناسخ ذكروا تاريخ بلادهم القديم فربما رأوا في الفاتح العربي الحديث انبعاث روح الفاتح المقدوني القديم. وبعد فماذا كان مصير ذلك الفاتح العظيم؟ لقد جوزي جزاء سنِمَّار وصار إلى شرِّ مصيرٍ، فقد نكبه الخليفة سليمان بن عبد الملك نكبةً كان فيها تلفُ مُهجَتِه وبوارُ نفسِه. والمصادر القديمة مختلفة في تعليل تلك النكبة، فالمصادر الفارسية - وهي حديثة نسبيًّا غير موثوق بها - تزعم أنَّ بنات داهر أفضين إلى الخليفة بأن ابن القاسم عبث بهنَّ، فأضطرم الخليفة غيظًا وأمر بمحمّدٍ فوضع في أديم بقرةٍ ثم خيط عليه الأديمُ وحمل إلى دمشق، ففاضت روحه بالطريق فلمَّا بلغ بنات داهر مصرع الفتى استشعرن النَّدمَ وقلن أنهنَّ تجنَّين على ابن القاسم انتقامًا ممن قتَلَ أباهنَّ وثلَّ عرشه، فاشتدَّ غضب الخليفة عند ذلك وأمر بهنَّ فقتلَهنَّ شرَّ قتلة. أما المصادر العربية - وهي أقدم من المصادر الفارسية وأوثق - فلا تذكر شيئًا من أمر النسوة، ويؤخذ منها أن الخليفة سليمان بن عبد الملك كان مضطغنًا على الحجاج لأنه كان قد زين للخليفة الوليد بن عبد الملك خلع سليمان من ولاية العهد؛ أما وقد فارق الحجاج هذه الدنيا فقد رأى سليمان أن يشفي غيظه من أقربائه متأثِّرًا في ذلك بنظام الثأر عند العرب. وقد أذكى نار الحقد والموجدة في صدره رجلان كلاهما قد وتره الحجاج وكلاهما كان متأثرًا بالعصبية القبلية بين قيس واليمن؛ أحدهما يزيد بن المهلب وكان أثيرًا مكينًا لدى الخليفة، والآخر صالح بن عبد الرحمن وقد ولَّاه سليمان خراج العراق. عُزِل محمّدٌ عن السِّندِ ووُلِّى مكانه يزيد بن أبي كبشة السكسكي، فأخذ محمّدًا وقيدَّه وسيَّره إلى العراق مع رجلٍ من بني المهلب على حالٍ حرَّكت قلوب أهل السند فبكوا عليه وصوَّره أهل الكيرج بمدينتهم التي كان منها شخوصه، وقد تلقَّى محمَّدٌ المحنةَ صابرًا محتسبًا، ولم يكن في محنته أقل شجاعةً وصبرًا أو أنفةً منه وقتَ الحرب وحين البأس. والغريب أنَّه على إخلاص أصحابه له وعطف السند عليه لم تحدِّثه نفسُه بالخلاف والانتقاض. والظاهر أنه أيقن أن قد أدَّى واجبه وأنَّ الحياة أصبحت بعد ذلك لغوًا وفضولًا لا طائل فيه. وقد جعل يُسرِّي عن نفسه بمقطوعات من الشعر ضمَّنَها آلامه وخواطر نفسه؛ فمن ذلك قوله مشيرًا إلى أنه لو أراد الثورة لشَقَّ على أعدائه تهضمه. ولوْ كنتُ أجمعتُ القرارَ لوطِّئت إناث أُعدَّت للوغَى وذكورُ وما دَخلتْ خيل السَّكاسكِ أرضَنا ولا كان مِنْ عكٍّ عليَّ أميرُ ولا كنتُ للعبدِ المزوني تابعًا فيالك دهرٌ بالكرامِ عَثورُ ولما صار إلى واسط حبسه صالح بن عبد الرحمن فقال: فلإن ثويت بواسطٍ وبأرضِها رهنَ الحديدِ مُكبَّلًا مغلولَا فلرُبَّ قينة فارس قد رُعتَها ولرُبَّ قرْنٍ قد تركت قتيلَا وعذَّبه صالح في رجالٍ من أقرباء الحجاج حتى قتلَهم، فطفِق الشعراءُ يرثون محمّدًا ويذكرون فضائلَه، فمن ذلك قولُ بعضِهم: أنَّ المروءةَ والسَّماحةَ والنَّدَى لمحمَّدِ بن القاسمِ بنِ محمَّدِ ساس الجيوشَ لسبعَ عشرةَ حُجَّةً يا قُرْبَ ذلك سؤددًا من مولدِ وقال آخر: سَاس الجيوشَ لسبع عشرة حِجَّةً *** ولداته عن ذاك في أَشْغالِ تلك خاتمةُ فتى فتيان العرب وسيِّدِ فرسانهم غير مدافع، فمن مُبلِّغ مسلمي الأرض عامة والهند خاصَّة أنَّ الدوحة الإسلامية العالية التي أظلت بلاد الهند طوال العصور الوسطى، إنما كانت غرس ذلك الفتى العربي النبيل؟ فليذكر ذلك الذاكرون فقد تُبلِ الذكرَى رفات ذلك الشهيد في قبره، بعد أن عدِمَ في حياتِه من يحمد بلاءه أو يرحم شبابه؟ المصدر: «مجلة الرسالة»، العدد: 22- بتاريخ: 04 - 12 – 1933 |
عرض كتاب (المقامة لشوقي ضيف) | محمود ثروت أبو الفضل | 07-03-2020 | 26,811 | https://www.alukah.net//culture/0/138997/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%84%d8%b4%d9%88%d9%82%d9%8a-%d8%b6%d9%8a%d9%81/ | عرض كتاب: المقامة ♦ اسم الكتاب: المقامة. ♦ المؤلف: د. شوقي ضيف. ♦ سنة النشر: 1973. ♦ دار النشر: دار المعارف - مصر. ♦ الطبعة: الثالثة. ♦ صفحات الكتاب: 104. المقامة من أمتع الفنون في أدبنا العربي، وأكثرها تفردًا بما ارتبط بها من غايات تعليمية، ومقابلات لفظية، ومحسنات بديعية، وتتلاقى مع كثير من الفنون الأدبية الأخرى؛ وإن امتازت عنها في كونها فن عربي خالص أبدع فيه كثير من رواده كـ"الهمذاني" و" الحريري " ومن جاء بعدهم ونهج على منهاجهم في فن إنشاء المقامة وتطويعها لأغراض بيانية شتى، ويضع لنا د. " شوقي ضيف " في مؤلفه " المقامة "، دراسة مستعرضة لنشأة فن المقامة في الأدب العربي، وتطورها الفني على يد كل من بديع الزمان الهمذاني والحريري، ومن جاء بعدهما، مع بيان أغراض فن المقامة، وما تميَّزت به عن غيرها من الفنون الأدبية الأخرى، وتأثرها بغيرها من ثقافات وآداب مختلفة، وتأثيرها في الآداب الأوروبية الحديثة، مع استقصاء للأسس التي تطور على هداها فن المقامة في الأدب العربي. يقول د. "شوقي ضيف": «حاولت أن أصور فن المقامة وأفسره بادئًا من الخطوات الأولى لصنع المقامة، ومنتهيًا بالخطوات الأخيرة، وفي أثناء هذه المحاولة رجعت إلى ما كتبه الباحثون المختلفون من عرب ومستشرقين عن المقامة وأصحابها.. ». ويقول أيضًا: «فن المقامة من أهم فنون الأدب العربي، وخاصة من حيث الغاية التي ارتبطت به، وهي غاية التعليم وتلقين الناشئة صيغ التعبير، وهي صيغ حُلِّيت بألوان البديع، وزُينت بزخارف السجع، وعُنيَ أشد العناية بنسبها ومعادلاتها اللفظية، وأبعادها ومقابلاتها الصوتية"؛ صـ5. وهذا الكتاب صدرَ ضمن سلسلة " فنون الأدب العربي" التي كانت تصدرها " دار المعارف" ، والتي تهتم بدراسة أقسام متخصصة من أدبنا وتراثنا العربي، واستقصاء نماذج منها تبعًا للتطور التاريخي والفني في أسلوبها وطابعها، وهذه السلسلة لا تعالج الأدب العربي بطريقة السنين أو طريقة التقسيم إلى عصور كما ألفنا في كتب التاريخ الأدبي، ولكنها تعالج الأدب العربي على مدى ما اتسع فيه من فنون. وواضع تلك الدراسة د. "شوقي ضيف " أديب وعالم لغوي مصري، والرئيس السابق لمجمع اللغة العربية المصري. ولد شوقي ضيف في يوم 13 يناير 1910م بمحافظة دمياط شماليّ مصر، ويُعدُّ علامة من علامات الثقافة العربية، كان الدكتور " شوقي ضيف " عضوًا في مجمع اللغة العربية في سوريا، وعضو شرف في مجمع الأردن والمجمع العراقي. ونال أكثر من جائزة، منها جائزة مبارك للآداب عام 2003، وجائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1979، وجائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1983. كذلك مُنحَ دروعًا من عدة جامعات كالقاهرة والأردن وصنعاء. وقد ألَّفَ الدكتور شوقي ضيف حوالي 50 مؤلفًا في مجالات الأدب العربي، وناقش قضاياها بشكل موضوعي، من أبرزها: سلسلة " تاريخ الأدب العربي "، وكتاب "تجديد النحو"، وكتاب " تيسيرات لغوية "، وكتاب " الفصحى المعاصر "، و" من النقد والأدب" ، و"من بلاغة القرآن"، و "أسس النقد الأدبي عند العرب "، و" شعر الثورة في الميزان ".. وغيرها. وصف الكتاب: وضع الكاتب رسالته في مقدمة وثلاثة فصول، ركز فيهم الكاتب على تناول فن المقامة من خلال علميها الأبرزين في تطور المقامة وهما: " بديع الزمان الهمذاني" و" الحريري "، وأسلوب كتابة المقامة عند كل منهما، وموضوعاتها، وجاء الفصل الأخير ليتناول مقامات " ناصيف اليازجي " من المحدثين، وجاءت عناوين الفصول على النحو التالي: الفصل الأول: معنى المقامة. الفصل الثاني: نشأة المقامة عند بديع الزمان. الفصل الثالث: مقامة الحريري. الفصل الرابع: مقامات مختلفة. وضَّح الكاتب في مقدمته تعريفًا بكلمة المقامة لغويًّا واصطلاحيًّا، حيث بين الكاتب أن الكلمة كانت تُستعمل منذ العصر الجاهلي بمعنى المجلس أو من يكونون فيه، ونتقدَّم في العصر الإسلامي فنجد الكلمة تستعمل بمعنى المجلس يقوم فيه شخص بين يدي خليفة أو غيره ويتحدث واعظًا، وبذلك يدخل في معناها " الحديث الذي يصاحبها "، ثم اُستعملت بمعنى المحاضرة. أما اصطلاحيًّا فبديع الزمان هو أول من أَعطى كلمة مقامة معناها الاصطلاحي إذ عبَّرَ بها عن مقاماته المعروفة وهي جميعُها تصوِّر أحاديث تلقى في جماعات، وبهذا المعنى استعملها في المقامة الوعظية، إذ نرى أبو الفتح السكندري يخطب في الناس واعظًا وعظًا بديعًا، وراعَ ذلك عيسى بن هشام فقال «.. لِبَعْضِ الحَاضِرِينَ: مَنْ هَذا؟ قَالَ: غَرِيبٌ قَدْ طَرَأَ لاَ أَعْرِفُ شَخْصَهُ، فَاصْبِرْ عَلَيْهِ إِلَى آخِرِ مَقَامَتِهِ» [مقامات بديع الزمان الهمذاني (ص: 172)]. وتلك المقامات التي وضعها بديع الزمان الهمذاني صاغها في شكل أحاديث قصيرة لها جميعًا راويًا واحدًا هو " عيسى بن هشام "، وبطل واحد هو " أبو الفتح السكندري " والذي يظهر في شكل أديب شحَّاذ لا يزال يروع الناس بمواقفه بينهم وما يجري على لسانه من فصاحة، ثم نهاية الأمر يكشف شخصيته للراوي "عيسى بن هشام". ورغم الجانب القصصي في مقامات الهمذاني إلا أن المقصد لم يكن تأليف قصصٍ بقدر ما كان الغرض تعليم الناشئة أساليبَ اللغة العربية وتعريفهم بألفاظها وتراكيبها اللغوية، «فليس في القصة عقدة ولا حبكة، وأكبر الظن أن بديع الزمان لم يُعْنَ بشيء من ذلك، فالمقامة أريد بها التعليم منذ أول الأمر، ولعله من أجل ذلك سمَّاها - بديع الزمان - "مقامة"، ولم يسمها قصة ولا حكاية، فهي ليست أكثر من حديث قصير، وكل ما في الأمر أن "بديع الزمان" حاول أن يجعله مشوِّقًا فأجراه في شكل قصصي»؛ صـ8. لذا كان أبرز أساليب المقامة هو بلاغة اللفظ والتأنق في عرضه، «فالجوهر فيها ليس أساسًا، وإنما الأساس العرض الخارجي والحلية اللفظية»؛ صـ9. ويرى الكاتب أن تأثير المقامة في الآداب العالمية - رغم محدوديته - قد حاز بكثير من العناية والاستقصاء الأدبي، فقد عُرفَتْ "المقامة" منذ وقت مبكر في الأوساط الفارسية، حيث وضع القاضي " أبو بكر بن عمر البلخي " ثلاثًا وعشرين مقامة سنة 551هـ، وكذلك عرَفت الأوساط اليهودية والمسيحية الشرقية المقامة وترجموها وصاغوا على مثالها باللغتين العبرية والسريانية. أما في الآداب الأوروبية الحديثة فنعرف أن الغربيين شاقهم ما جاء في الأدب العربي في موضوع الرحلات وعجائب المخلوقات، وانتبهوا مبكرًا لفن المقامة، ووجدنا المستشرقين يعنون بها فيترجمون نماذج منها إلى اللاتينية ومنها إلى اللغات الأوروبية الحديثة حيث « يمكن أن نرى أثرها في بعض القصص الإسباني الذي يصف لنا حياة المشردين والشحاذين»؛ صـ11. مقامات الهمذاني: أما الفصل الأول فخصصه الكاتب لنشأة المقامة عند " بديع الزمان الهمذاني "، حيث نجد أن نشأة بديع الزمان كانت حافزًا له على إنشاء هذا الفن والبراعة فيه، فبديع الزمان: هو أبو الفضل أحمد بن الحسين بن يحيى، ولد في همذان بإيران، وينتمي لأصول عربية كريمة استوطنت هناك، وقد اعتنى أبوه بإرساله إلى دروس العلماء والأدباء في بلدته ومنهم أحمد بن فارس صاحب كتاب "المُجْمل". وعندما بلغ الثانية وعشرين من عمره فكَّرَ في الرحلة عن بلده فقصد وزير البويهيين " الصاحب بن عباد" في "الرَّيِّ"، وأقام عنده يترجم له عن الآداب الفارسية ثم قصد جرجان ثم خراسان ثم نيسابور، وفي هذا كله تكونت قريحته اللغوية من الممارسة والدُّربة والتجوال، وفي نيسابور ناظر " أبا بكر الخوارزمي " كبير أدباء العصر ومعلميه وانتصر عليه في مناظرته، فطارت شهرته ووضع عندها أولى مقاماته وألقاها على طلبة العلم فأعجبوا بها إعجابًا شديدًا. وقد استمر بديع الزمان في تأليف مقاماته مع كثرة ارتحاله ونزوله عند بلاطات الأمراء ومنهم أمير سجستان "خلف بن أحمد" والذي ألَّف فيه ستَّ مقاماتٍ أضافها لمقاماته مدحه فيها ونوه بفضله وكرمه، وأخيرًا استقر في "هراة" وتحسنت أحواله بها وكثرت أملاكه واشتهر بمقاماته التي ألفها في رحلات تجواله وطلبه العلم والرزق. ويرى د. " شوقي ضيف " أن مقام الكاتب بنيسابور معلِّمًا للتلاميذ ألهمه كتابة فن المقامة لغرض تعليمي؛ حيث كان من ضمن محاضراته ودروسه عليهم أحاديث "ابن دُرَيْد" الأربعين التي اتجه بها إلى غاية تعليم الناشئة أساليب العرب ولغتهم، مما ألهمه صناعة أحاديث على منوالها لتحبيب الطلاب في اللغة وأساليبها اللغوية، ورغم أن أحاديث ابن دريد لا تقوم على الكُدْية كما مقامات الهمذاني إلا أننا نجد أن الصلة بين العملين واضحة، فأحاديث ابن دريد يقدمها في شكل رواية وسند يتقدمها وهي غالبًا مسجوعةٌ ومليئة بالغريب من الألفاظ وهو شأن المقامات. ويظهر أن بديع الزمان صنع أربعين مقامة في نيسابور متصلة لاتصال الحكي فيها ثم رأى أن يزيد عليها ستًّا في مديح خلف بن أحمد حين نزوله بلاطه، ثم زاد خمسًا أخرى وبذلك أصبحت جملتُها نيفًا وخمسين مقامة. والناظر فيما حفظته لنا " أمالي القالي " من "أحاديث ابن دريد" نجد أن الصلة واضحة تمام الوضوح بين الصنيعين؛ «فالمقامة الأسدية لتعد صيغة نهائية لصفة الأسد في "ذيل الأمالي"، وكذلك الشأن في المقامة الحمدانية وما جاء من صفة الفَرَس؛ فإنها تكميل وتتميم لما جاء في "الأمالي" من وصف الفرس»؛ صـ18. أما عن اتخاذه صفة البطل الشحاذ الذي يعتمد الكُدْية في طلب رزقه وإظهار براعته اللغوية فقد استوحاها من فصل للجاحظ ذكره البيهقي في كتابه "المحاسن والمساوي" يتناول فيه محادثة بين شيخ من أهل الكُدْية وشاب منهم في محاسن صنعة الكُدْية، وحيلها. وقد بين الكاتب تأثره بهؤلاء الأعلام في مقاماته ونوه بهم في كثير من فقراتها ونجد أن من ضمن المقامات مقامة باسم "المقامة الساسانية" وهي نسبة إلى الساسانيين وهي طائفة من أصحاب الكدية في عصر البديع، انتسبوا لساسان، وهو شخص من بيت ملكي قديم يقال إنَّ أباه حرمه الملك، ويقال إنه كان ملكًا فاغتصب منه الملك دارًا، فهام على وجهه محترفًا للكُدْية والشحاذة، وهي من الأساطير. يقول "الهمذاني" في المقامة الساسانية: «حَدَّثَنَا عِيسى بْنُ هِشَامٍ قَالَ: أَحَلَّتْنِي دِمَشْقَ بَعْضُ أَسْفارِي، فَبَيْنَا أَنَا يَوْمًا عَلى بَابِ دارِي، إِذْ طَلعَ عَلَيَّ مِنْ بَنِي سَاسانَ كَتِيبَةٌ قَدْ لَفُّوا رُؤُوَسَهمْ، وَطَلَوْا بالْمَغْرَةِ لَبُوسَهُمْ، وَتَأَبَّطَ كلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَجَرًا يَدُقُّ بِهِ صدْرَهُ، وَفِيهِمْ زَعِيمٌ لَهُمْ يَقُولُ وَهُمْ يُرَاسِلونَهُ، وَيْدعُو وَيُجَاوبُونَهُ، فَلَمَّا رآني قَالَ: أُرِيدُ مِنْكَ رَغِيفًا يَعْلُو خُوانًا نَظِيفًا أُرِيدُ مِلْحًا جَرِيشًا أُرِيدُ بَقْلًا قَطِيفًا أُرِيدُ لَحْمًا غَريضًا أُرِيدُ خَلًّا ثَقِيفًا أُرِيدُ جَدْيًا رَضِيعًا أُرِيدُ سَخْلًا خَرُوفَا أُريدُ مَاءً بِثَلج يَغْشَى إِناءً طَرِيفَا أُرِيدُ دَنَّ مُدَامٍ أَقُومُ عَنْهُ نَزِيفَا وَسَاقِيًا مُسْتَهَشًّا علَى القُلُوبِ خَفِيفَا أُرِيدُ مِنْكَ قَمِيصًا وَجُّبةً وَنَصِيَفا أُرِيدُ نَعْلًا كَثِيفًا بِها أَزُورُ الكَنِيفَا أُرِيدُ مُشْطًا وَمُوسَى أُرِيدُ سَطْلًا وَلِيفَا يَا حَبَّذَا أَنا ضَيْفًا لَكُمْ وَأَنْتَ مُضِيفَا رَضِيتُ مِنَكَ بِهَذا وَلَمْ أُرِدْ أَنْ أَحِيفَا قَالَ عِيسَى بْنُ هِشَامٍ: فَنُلْتُهُ دِرْهَمًا، وَقُلْتُ لَهُ: قَدْ آذَنْتُ بِالدَّعْوَةِ وَسَنُعِدُّ وَنَسْتَعِدُّ، وَنَجْتَهِدُ وَنَجِدُّ، وَلَكَ عَلَيْنَا الوَعْدُ مِنْ بَعْدُ، وَهَذا الدِّرْهَمُ تَذْكِرةٌ مَعَكَ، فَخُذِ المَنْقُودَ، وانْتَظِرِ المَوْعُودَ.. » [1] . أمَّا عن أبطال " مقامات بديع الزمان " فلا يختلف باحث أنها من خيال " بديع الزمان "، وأكثرها يظهر فيها "أبو الفتح السكندري" شيخ يحترف الكدية ويتجر بها مستعرضًا أمام الناس ببيانه العذب، ويحتال بهذا البيان على استخراج الدراهم من جيوبهم، أما راوي المقامة أو الحكاية فاختار له بديع الزمان اسم "عيسى بن هشام" الذي يبدأ به " بديع الزمان " كل مقامة بقوله: «حدثني عيسى بن هشام، قال»، وهي دلالة على التأثر بفن الرواة عند ابن دريد، وغيره من رواة الحديث. ونرى "أبا الفتح" يبدو بهذه الصورة في بلدان مختلفة ولعل هذا ما دفع بديع الزمان أن يسمي المقامات بأسماء البلدان ومعظمها بلدان فارسية وهي التي تنقَّل فيها الهمذاني في رحلاته، وتارةً أخرى يسمي بديع الزمان مقاماته باسم الحيوان الذي يصفه كـ"المقامة الأسدية" أو باسم الأكلة التي يلم بها أبو الفتح كـ" المقامة المَضيرية " وأحيانًا باسم الموضوع الذي يعرض له كـ"المقامة الوعظية" نسبة للوعظ و"القريضية" والتي تدور حول القريض والشعر و"الإبليسية" لأنها تتصل بإبليس.. وهلم جرًّا. «والشكل القصصي ليس هدفها لذا تنوعت موضوعاتها واتخذته خيطًا نَسجَ حوله بديع الزمان العديد من الأساليب المسجوعة»؛ صـ25. وقد وضع الهمذاني في مقاماته مديحًا لبعض أصحاب الفضل عليه في البلاغة ومنهم الجاحظ الذي كان يقدِّر فنَّه غاية التقدير، وخصص له أحد المقامات وسماها "بالمقامة الجاحظية" والتي يقول فيها: «يَا قَوْمِ لِكُلِّ عَمَلٍ رِجَالٌ، وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالُ، وَلِكُلِّ دَارٍ سُكَّانٌ، ولِكُلِّ زَمَانٍ جَاحِظٌ، وَلَوِ انْتَقَدْتُمْ، لَبَطَلَ مَا اعْتَقَدْتُمْ، فَكُلٌّ كَشَرَ لَهُ عَنْ نابِ الإِنْكَارِ، وَأَشَمَّ بِأَنْف الإِكْبَارِ، وَضَحِكْتُ لَهُ لأَجلُبَ ما عِنْدَهُ، وَقُلْتُ: أَفِدْنا وَزِدْنا، فقَالَ: إنَّ الجَاحِظَ في أَحَدِ شِقَّيِ البَلاَغَةِ يَقْطِفُ، وفِي الآخَرِ يقَفُ، والبَليغُ مَنْ لَمْ يُقَصِّرْ نَظْمُهُ عَنْ نَثْرِهِ، ولَمْ يُزْرِ كَلامَهُ بشِعْرِهِ، فَهَل تَرْوُونَ للْجاحِظِ شِعْرًا رائِعًا؟ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: فَهَلُمُّوا إِلَى كَلاَمِهِ، فَهْوَ بَعِيدُ الإِشارَاتِ، قَلِيلُ الاسْتِعَاراتِ، قَرِيبُ العِبَارَات، مُنْقادٌ لعُرْيَانِ الكَلاَمِ يسْتَعْمِلُهُ، نَفُورٌ مِنْ مُعْتَاصِهِ يُهْمِلُهُ، فَهَلْ سَمِعْتُمْ لَهُ لَفْظَةً مَصْنُوعَةً، أَوْ كَلِمَةً غَيْرَ مَسْمُوعَةٍ؟» [2] . ومن أسلوبه في الوعظ ما ذكره في المقامتين "الأهوازية" و"الوعظية"، ويقول في الأخيرة: «أَيُّها النَّاسُ إِنَّكُمْ لَمْ تُتْرَكُوا سُدَى، وَإِنَّ مَعَ اليَوْمِ غَدَا، وَإِنَّكُمْ وَاردُو هُوَّة، فَأَعِدُّوا لهَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة، وَإِنَّ بَعْدَ المَعَاشِ مَعادَا، فَأَعِدُّوا لهُ زَادَا، أَلا لاَ عُذْرَ فَقَدْ بُيِّنَتْ لَكُمُ المَحَجَّة، وَأُخِذَتْ عَلَيْكُمُ الحُجَّةُ، مِنَ السَّماءِ بِالخَبَرِ، وَمِنَ الأَرْضِ بَالعِبَرِ، أَلا وَإِنَّ الَّذِي بَدَأَ الخَلْقَ عَلِيمَا، يُحْيِ العَظامَ رَمِيمَا، أَلا وَإِنَّ الدُّنْيا دَارُ جَهَازٍ، وَقَنْطَرَةُ جَوَازٍ، مَنْ عَبَرَها سَلِمَ، وَمَنْ عَمَرها نَدِمَ» [3] . بل نجد أنه ضمَّنَ مقاماته الوعظية جانبًا دينيًّا في مهاجمة المعتزلة، حيث يحمل أبو الفتح السكندري على "أبي داود العسكري" المتكلم الذي جاء برفقة عيسى بن هشام في إحدى المقامات، ويورد على مسمعه نقدًا شديدًا للمعتزلة وآرائهم وينحاز إلى جانب أهل السنة! وفي " المقامة الأسدية " يلزم جانبًا تعليميًّا فيذكر كل ما استطاع جمعه من أوصاف الأسد، وفي "المقامة الحمدانية" يعرض لنا أوصافًا مختلفة للفَرَس، وكأنه ينشد متنًا لغويًا ببدائعه. ونجد أنه عني بوصف كثير من وجوه الحياة في عصره، على نحو ما نرى في "المقامة البغدادية" وهي تصور لنا الحياة الإسلامية الشعبية في بغداد في تلك الفترة، وأيضًا في "المقامة النيسابورية" نجده يعرض صورة دقيقة لفساد القضاة في زمنه إذ يذكر على لسان عيسى بن هشام أنه صلى الجمعة بنيسابور؛ فلما قضاها مر به شخص، فسأل عنه من يجانبه، إذ رآه يلبس قلنسوة القضاء؛ فقال: «هَذا سُوسٌ لا يَقَعُ إِلاَّ فِي صُوفِ الأَيْتامِ، وَجَرَادٍ لا يَسْقُطُ إِلاَّ عَلى الزَّرْعِ الحَرَامِ، وَلِصٌّ لا يَنْقُبُ إِلاَّ خِزَانَةَ الأَوْقَافِ، وَكُرْدِيٌّ لاَ يُغِيرُ إِلاَّ عَلى الضِّعَافِ، وَذِئْبٌ لا يَفْتَرِسُ عِبَادَ اللهِ إِلاَّ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَمُحَارِبٌ لا يَنْهَبُ مَالَ اللهِ إِلاَّ بَيْن العُهُودِ وَالشُّهُودِ، وَقَدْ لَبِسَ دَنِّيَّتَهُ، وَخَلَعَ دِينِيَّتَهُ، وَسَوَّى طَيْلَسَانَهُ، وَحَرَّفَ يَدَهُ وَلِسَانَهُ، وَقَصَّرَ سِبَالَهُ، وَأَطَالَ حِبَالَهُ، وَبَيَّضَ لِحْيَتَهُ، وَسَّوَدَ صَحِيفَتَهُ، وَأَظْهَرَ وَرَعَهُ، وَسَتَرَ طَمَعَهُ... » [4] . ويرى د. "شوقي ضيف" رأيًا معتبرًا بأن "المقامة الإبليسية" وهي تدور حول لقاء عيسى بن هشام لإبليس في واد من وديان الجن حيث ضلت إبله فذهب يلتمسها فوجد شيخًا سامره الحديث ثم سأله إن كان يحفظُ من الشعر شيئًا، فأنشده من شعره قصيدة لجرير، وعندما استوضحه عيسى بن هشام عن سبب انتحاله شعر "جرير"، عرَّفَهُ إبليس بنفسه وقال له: «مَا أَحَدٌ مِنَ الشُّعَرَاءِ إِلاَّ وَمَعْهُ مُعِينٌ مِنَّا، وَأَنَا أَمْلَيْتُ عَلَى جَرِيرٍ هذِهِ القَصِيدَةَ، وَأَنَا الشَّيْخُ أَبُو مُرَّةَ» [5] . ويعتقد المؤلف أن هذه المقامة هي التي أوحت "لابن شُهَيْدٍ" في الأندلس أن يكتب رسالته الشهيرة في عالم ما وراء الطبيعة (الجن والشياطين) المعروفة باسم "التوابع والزوابع" والتي كانت ملهمة لكاتب شهير آخر هو أبو العلاء المعري في " رسالة الغفران "، ويبدو أثر العمل واضحًا في رسالة "ابن شهيد" حيث يصرح بلقائه لشيطان "بديع الزمان الهمذاني" ومحاورته إياه! وبذلك نجد أثر بديع الزمان واضحًا نتيجة لتقدمه في هذا الفن وهذه الفكرة، إلى جانب تقدمه زمنيًّا فهو من أبناء القرن الرابع الهجري، وهو أول من استوحى هذه الفكرة عكسَ ابن شهيد والمعري اللذين كانا من أبناء القرن الخامس. وأسلوب مقامات بديع الزمان جاء في شكل حوار قصصي يمتد بين عيسى بن هشام الراوي وأبو الفتح السكندري البطل الأديب المحتال الذي يعرف كيف يلعب بعقول الناس ويستخرج منهم الدراهم عن طريق فصاحته. وسجعه في مقاماته خفيف رشيق ليس فيه تكلف ولا صعوبة ولا جفاء، وهذا يدل على محصول لغوي واسع، وذوق بديع يَعْرف اختيار الكلمة المناسبة السهلة، ويضعها في مواضعها في تناسق وانسجام. وأجمل ما نطالعه في أدب الهمذاني هو الروح الفكهة التي يغلف بها مقاماته، ومن أبرزها المقامة "المَضيرية" وهي آية في الظَّرف والمهارة وحسن انتقاء الألفاظ وعرض ألوان البديع؛ لذا تناقل الجميع مقامات "بديع الزمان" وأذاعوها في مجالسهم من باب ترويح النفوس والتسرية عنهم ورسم الضحكة على شفاههم. مقامات الحريري: تناول المؤلف في الفصل الثاني سيرة الفارس الثاني من رواد المقامات وهو "أبو محمد القاسم بن علي الحريري"، وظروف كتابته مقاماته الشهيرة، وما تميزت به من أسلوب فني بديع وَائمَ متطلبات عصره. حيث نجد أن الحريري ولد لأسرة عربية سنة 446هـ بالبصرة، وكان فيه ذكاء وفصاحة منذ طفولته فطمحت نفسه إلى وظائف الدولة، وجاءته الفرصة حينما تعهده والي البصرة بالرعاية، ثم سرعان ما التحق بخدمة الخليفة "المسترشد" ثم "المستظهر"، وتعرف على كبار رجال الدولة ومنهم أنوشروان ابن خالد وزير الخليفة المسترشد وابن صدقة من كبار رجال الخليفة، ويبدو أن الخليفة المستظهر هو من أشار عليه بصنع تلك المقامات؛ حيث يقول في مقدمة إحدى مقاماته: «فأشارَ مَنْ إشارتُه حُكْمٌ، وطاعَتُه غُنْمٌ، إلىَّ أنْ أُنْشئَ مَقاماتٍ أتْلو فيها تِلْوَ البَديعِ. وإنْ لمْ يُدْرِكِ الظّالِعُ شأوَ الضّليعِ. فذاكَرْتُهُ بما قيلَ فيمَنْ ألّفَ بينَ كَلِمتَينِ. ونظَم بيْتًا أو بيتَينِ. واسْتقَلْتُ مِنْ هذا المَقامِ الذي فيهِ يَحارُ الفَهْمُ، ويفرُطُ الوهْمُ. ويُسْبَرُ غوْرُ العقْلِ. وتتَبَيّنُ قيمَةُ المَرْء في الفضْلِ. ويُضْطَرّ صاحِبُه الى أن يكونَ كحَاطِبِ لَيْلٍ» [6] . أما عن باقي سنيي حياته فقد قضاها بعد رجوعه من بغداد إلى بلدته بعد وفاة الخليفة "المستظهر"، حيث نجده يشغل وظيفة "صاحب الخبر" فيها، واكتفى بهذه الوظيفة وذهب يعني بمقاماته وتجويدها وكانت له حلقة علم يوالي فيها تعليم التلاميذ مقاماته ويتدارسها معهم، ويشرح لهم فيها ما غمض من ألفاظها، ونتيجة لهذه الجلسات فقد ذاعت شهرته بهذه المقامات وهو لا يزال حيًّا وقصده القاصي والداني من أجل رواية مقاماته عنه، ويُروى أنه أعطى إجازة لسبعمائة طالب أن يرووا مقاماته عنه في الناس، وما زال يذيع هذه المقامات ومؤلفاته في اللغة والأدب حتى توفى ببلدته سنة 516هـ في بحبوحة من الرزق وبركة في الولد، فأبناؤه الثلاثة: أولهم عبيدالله كان قاضي البصرة، وأوسطهم عبدالله كان موظفًا في ديوان بغداد، والثالث محمد ورث وظيفة أبيه وكان أشهر أبناءِه في رواية مقاماته وكان مبدأ السلسلة الطويلة من شراحها الذين نهضوا بتفسيرها وحل مشكلاتها من مثل "الشَّريشي" وغيره. ويعتقد أن الحريري بدأ في تأليف مقاماته في البصرة ثم عرضها في بغداد وواصل تأليفها هناك وكانت أربعين مقامة ثم ألحق بها عشرًا، ويتضح من خط الروي المتصل فيها أنها أُلِّفت جميعها جملةً واحدة حيث حاول الحريري منذ بداية الأمر أن يجعلها خمسين مقامة معارضة لمقامات بديع الزمان الخمسين؛ صـ47. وكما مقامات بديع الزمان اختار لها بطلًا هو " أبو زيد السروجي " وراويةً هو " الحارث بن همام "، ويختلف النقاد في شخصية أبي زيد السروجي ويعتقدون أنها شخصية حقيقية وأنه كان شيخًا مستجديًا يلف الجوامع ويستجدي الناس ببلاغته. وقام الحريري بترقيم مقاماته والتعريف في أولها بلقاء راويه "الحارث بن همام" الذي تغرب إلى صنعاء بالبطل "أبي زيد السروجي" وهو يعظ في حلقةٍ ناحل الجسد عليه ثيابُ السفر، وقد نالت خطبته حظًّا من البلاغة والسجع، فأعجب به وحاول التعرف عليه، فتبعه حتى دخل مغارة وهناك رآه مع تلميذ له فسأله عنه فقال: "هذا أبو زيْدٍ السَّروجيُّ سِراجُ الغُرَباء. وتاجُ الأدَباء» [7] . وعلى هذا يمضي الراوي مع بطلنا السروجي من بلدة لأخرى من بلاد العالم الإسلامي وفي كل بلدة يقوم السروجي بحيلة على من حوله من الناس أو الحكام والقضاة، وفي كل مرة يعرفه الحارث بعينه، ويكشف أمره وسره، ثم يختفي من أمامه "أبو زيد السروجي" حتى لا يتكشف أمره. ونجد السروجي ماهرًا في التنكر فحينًا يظهر في هيئة شحاذ في أثمال مزرية، وتارة في هيئة حسنة، وتارة مع ابنه أو تابعه أو زوجته، وأحيانًا وحده. وفي نهاية المقامات نجد أبا زيد السروجي في "المقامة الساسانية" وقد بلغ من الكبر عتيًا يوصي ولده بأن يقوم بحرفة الكُدْية من بعده، حيث يقول له: "يا بُنيّ إنَّهُ قد دنَا ارتِحالي منَ الفِناء. واكتِحالي بمِروَدِ الفَناء. وأنتَ بحمْدِ اللهِ وليُّ عهْدي. وكبْشُ الكَتيبَةِ السّاسانيّة منْ بعْدي. ومثلُكَ لا تُقرَعُ لهُ العَصا. ولا يُنَبَّهُ بطَرْقِ الحصَى. ولكِنْ قد نُدِبَ إلى الإذْكارِ. وجُعِلَ صيْقَلًا للأفكارِ. فاحفَظْ وصيّتي. وجانِبْ معْصِيتي. واحْذُ مِثالي. وافْقَهْ أمْثالي. فإنّكَ إنِ استَرشدْتَ بنُصْحي. واستَصْبَحْتَ بصُبْحي. أمْرَعَ خانُكَ. وارتفَعَ دُخانُكَ. يا بُنيّ إني جرّبْتُ حقائِقَ الأمورِ. وبلَوْتُ تصاريفَ الدّهورِ. فرأيْتُ المرْءَ بنَشَبِهِ. لا بنَسَبِهِ. والفحْصَ عن مكسَبِهِ. لا عنْ حسَبِهِ. وكُنتُ سمِعْتُ أنّ المَعايِشَ: إمارَةٌ، وتجارَةٌ، وزِراعَةٌ، وصناعَةٌ، فمارَسْتُ هذِهِ الأرْبَعَ. لأنظُرَ أيّها أوفقُ وأنفَعُ. فما أحْمَدْتُ منها معيشَةً. ولا استرْغَدْتُ فيها عِيشَةً» [8] . واستمرَّ يتحدث عن عيوب كل مهنة حتى ينتهي به بمهنة الشحاذة حيث يوصيه باحترافها ويبين له جانبًا من حيلها ويسرد لابنه كيف يقتطف ثمارها ويعيش من طريقها!! وفي المقامة الخمسين نجد أبا زيدٍ السروجي يتوب إلى الله من صنعته، ويندم على ما تقدَّمَ من ذنوبه فيها، وينشد: أستغْفِرُ اللهَ منْ ذُنوبٍ أفرَطْتُ فيهِنّ واعْتَدَيْتُ كمْ خُضْتُ بحْرَ الضّلالِ جهْلًا ورُحتُ في الغَيّ واغْتَدَيْتُ وكمْ أطَعْتُ الهَوى اغْتِرارًا واختَلْتُ واغْتَلْتُ وافْترَيْتُ وكمْ خلَعْتُ العِذارَ ركْضًا إلى المَعاصي وما ونَيْتُ وكمْ تَناهَيْتُ في التّخطّي إلى الخَطايا وما انتهيْتُ فلَيتَني كُنتُ قبل هذا نَسْيًا ولمْ أجْنِ ما جنَيْتُ فالمَوتُ للمُجْرِمين خيرٌ من المَساعي التي سعَيْتُ يا رَبِّ عفْوًا فأنْتَ أهلٌ للعَفْوِ عنّي وإنْ عصَيْتُ قال الرّاوي: فطفِقَتِ الجَماعَةُ تُمِدّهُ بالدّعاء. وهوَ يقلّبُ وجْهَهُ في السّماء. إلى أن دمَعَتْ أجفانُهُ. وبَدا رَجفانُهُ. فصاحَ: اللهُ أكبرُ بانَتْ أمارَةُ الاستِجابَةِ. وانْجابَتْ غِشاوَةُ الاستِرابَةِ. فجُزيتُمْ يا أهلَ البُصَيْرَةِ. جَزاءَ منْ هدَى منَ الحَيرَةِ. فلمْ يبْقَ منَ القوْمِ إلا منْ سُرّ لسُرورِهِ. ورضخَ لهُ بمَيْسورِهِ» [9] . وبذلك يتضح لنا من مقامات الحريري أنه «صنع مقاماته بشكل بناءٍ متكامل، له أوَّلٌ واضح، وله آخر واضح»؛ صـ53. ويتواضع الحريري في تقديمه لهذه المقامات - على ما أبدع فيها - فيذكر أنها "منْ سقَطِ المَتاعِ. وممّا يستَوجِبُ أنْ يُباعَ ولا يُبْتاعَ. ولوْ غشِيَني نورُ التّوفيقِ. ونظرْتُ لنفْسي نظرَ الشّفيقِ. لسَترْتُ عَواري الذي لمْ يزَلْ مسْتورًا. ولكِنْ كانَ ذلِكَ في الكِتابِ مسْطورًا. وأنا أسَغْفِرُ اللهَ تعالَى ممّا أودَعْتُها منْ أباطيلِ اللّغْوِ. وأضاليلِ اللهْوِ. وأسترْشِدُهُ الى ما يعْصِمُ منَ السّهْوِ. ويُحْظي بالعَفْوِ. إنهُ هوَ أهلُ التّقْوى وأهلُ المَغفِرَةِ. ووليُّ الخيْراتِ في الدُنْيا والآخِرَةِ» [10] . أما عن موضوعات هذه المقامات فنجد أنه قام بالتنويع في أغراضها كما فعل بديع الزمان، ففي مقام الوعظ نجد أنه جعل للوعظ عشر مقامات بدلًا من اثنتين عند بديع الزمان، ومنذ المقامة الأولى نجد أنه ملأ مقاماته بالأسلوب التربوي الوعظي من أجل تهذيب تلاميذه فيقول: «أيّها السّادِرُ في غُلَوائِهِ. السّادِلُ ثوْبَ خُيَلائِهِ. الجامِحُ في جَهالاتِهِ. الجانِحُ إلى خُزَعْبِلاتِه. إلامَ تسْتَمرُّ على غَيّكَ. وتَستَمْرئُ مرْعَى بغْيِكَ؟ وحَتّامَ تتَناهَى في زهوِكَ. ولا تَنْتَهي عن لَهوِكَ؟ تُبارِزُ بمَعصِيَتِكَ. مالِكَ ناصِيَتِكَ! وتجْتَرِئُ بقُبْحِ سيرَتِك. على عالِمِ سَريرَتِكَ! وتَتَوارَى عَن قَريبِكَ. وأنتَ بمَرْأى رَقيبِكَ! وتَستَخْفي مِن ممْلوكِكَ وما تَخْفى خافِيَةٌ على مَليكِكَ! أتَظُنُّ أنْ ستَنْفَعُكَ حالُكَ. إذا آنَ ارتِحالُكَ؟ أو يُنْقِذُكَ مالُكَ. حينَ توبِقُكَ أعمالُكَ؟ أو يُغْني عنْكَ ندَمُكَ. إذا زلّتْ قدَمُكَ؟ أو يعْطِفُ عليْكَ معشَرُكَ. يومَ يضُمّكَ مَحْشَرُكَ؟» [11] . وعني الحريري في مقاماته بموضوع آخر شغل الناس في عصره وهو " العُقَد البلاغية "، فليست البلاغة هي تنميق الألفاظ والمجئ بالسجع وألوان البديع كما فعل الهمذاني، بل البلاغة في عصر الحريري هي الإتيان بغرائب الألفاظ وما يشذ عن الطريق الطبيعية في فن البيان والمعاني، ونجد نموذجًا لذلك في بدايات مقاماته بالمقامة السادسة؛ حيث حضرَ أبو زيد ديوان المكاتبات ببلدة المراغة، واجتمع بأرباب البلاغة، وأراد أن يخلب ألبابهم فأتى برسالة منمَّقة التزم فيها أن تكون إحدى حروف كلمتيها منقوطة والأخرى غير منقوطة على هذه الشاكلة: «الكرَمُ ثبّتَ اللهُ جيْشَ سُعودِكَ يَزينُ. واللّؤمُ غَضّ الدّهرُ جَفْنَ حَسودِكَ يَشينُ. والأرْوَعُ يُثيبُ. والمُعْوِرُ يَخيبُ. والحُلاحِلُ يُضيفُ. والماحِلُ يُخيفُ. والسّمْحُ يُغْذي. والمَحْكُ يُقذي. والعطاء ينجي والمطال يشجي، والدعاء يفي والمدح ينقي والحُرُّ يَجْزي. والإلْطاطُ يُخْزي. واطّراحُ ذي الحُرْمَةِ غَيٌ. ومَحْرَمَةُ بَني الآمالِ بغْيٌ. وما ضنّ إلا غَبينٌ. ولا غُبِنَ إلا ضَنينٌ. ولا خزَنَ إلا شَقيٌ. ولا قبَضَ راحَهُ تقيٌ. وما فتئ وعدُك يَفي. وآراؤكَ تَشْفي. وهِلالُكَ يُضي. وحِلْمُك يُغْضي. وآلاؤكَ تُغْني. وأعداؤكَ تُثْني. وحُسامُك يُفْني. وسؤدَدُكَ يُقْني. ومُواصِلُكَ يجْتَني. ومادِحُك يقْتَني. وسماحُكَ يُغيثُ. وسماؤكَ تَغيثُ. ودرُّكَ يَفيضُ. وردُّكَ يَغيضُ» [12] . وفي "المقامة المغربية" وهي المقامة السادسة عشر يعرض لعبة جديدة وهي لعبة " ما لا يستحيل بالانعكاس "، كقولك: "ساكبٌ كاس" فإنه يمكن أن تقرأ طردًا وعكسًا فلا تتغير حروفها، وعرض لنا أمثلة نثرية من هذا النوع مثل: «... لُمْ أخًا ملّ. وقال مُيامِنُهُ: كبّرْ رَجاءَ أجْرِ ربّكَ. وقال الذي يليهِ: منْ يَرُبّ إذا برّ ينْمُ. وقال الآخرُ: سكّتْ كلَّ منْ نمّ لك تكِسْ. وأفضَتِ النّوبَةُ إليّ. وقد تعيّنَ نظْمُ السّمْطِ السُباعيّ عليّ. فلمْ يزَلْ فِكري يصوغُ ويكْسِرُ. ويُثْري ويُعسِرُ. وفي ضِمْنِ ذلِك أستَطْعِمُ. فلا أجدُ منْ يُطعِمُ". ثم لم يلبث أن نسجها في أبيات من الشعر تُقرأ حروف أبياتها من اليمين لليسار ومن اليسار لليمين: أُسْ أرْمَلًا إذا عَرا وارْعَ إذا المرءُ أسا أسْنِدْ أخا نَباهَةٍ أبِنْ إخاءً دَنسا أُسْلُ جَنابَ غاشِمٍ مُشاغِبٍ إنْ جلَسا أُسْرُ إذا هبّ مِرًا وارْمِ بهِ إذا رَسا أُسْكُنْ تقَوَّ فعَسى يُسعِفُ وقْتٌ نكَسا [13] وفي المقامة السابعة عشر المعنونة " بالقهقرية " يؤلف رسالة تقرأ كلماتها من آخرها إلى أولها كما تٌقرَأ من أولها إلى آخرها فهي ذات وجهين وتنسج على منوالين وهي مائة حكمة أخرجها في مائة كلمة على هذا النحو "الإنسان صنيعة الإحسان" فيمكن أن تقرأها "الإحسان صنيعة الإنسان" وهكذا بقية الرسالة ومنها: "شيمَةُ الحُرّ ذخيرَةُ الحمْدِ. وكسْبُ الشُكْرِ استِثْمارُ السّعادةِ. وعُنوانُ الكرَمِ تباشيرُ البِشْرِ. واستِعْمالُ المُداراةِ يوجِبُ المُصافاةَ. وعقْدُ المحبّةِ يقتَضي النُصْحَ. وصِدْقُ الحديثِ حِليةُ اللّسانِ. وفصاحَةُ المنطِقِ سحرُ الألْبابِ» [14] . وفي "المقامة الرقطاء" نجده يعمد إلى كلمات راعى فيها أن تتوالى حروفها بين الإعجام والإبدال أو بين النقط وغير النقط وهي تجري على هذا النمط: «أخلاقُ سيّدِنا تُحَبُّ وبعَقْوَتِهِ يُلَبُّ. وقُربُهُ تُحَفٌ ونأيُهُ تلَفٌ. وخُلّتُهُ نسَبٌ وقَطيعَتُهُ نصَبٌ. وغَرْبُهُ ذَلِقٌ وشُهْبُهُ تأتَلِقُ. وظَلْفُهُ زانَ وقَويمُ نهجِهِ بانَ. وذهنُهُ قلّبَ وجرّبَ ونعْتُهُ شرّقَ وغرّبَ: سيّدٌ قُلَّبٌ سَبوقٌ مُبِرٌّ فطِنٌ مُغرِبٌ عَزوفٌ عَيوفُ مُخلِفٌ مُتلِفٌ أغَرُّ فَريدٌ نابِهٌ فاضِلٌ ذكيٌّ أَنوفُ [15] وفي " المقامة السمرقندية " نجد أبا زيد يرتقي المنبر ليخطب في الناس خطبة كل كلماتها غير منقوطة من مثل قولِه: «اعْمَلوا رَحِمَكُمُ اللهُ عمَلَ الصُلَحاء. واكْدَحوا لمَعادِكُمْ كدْحَ الأصِحّاء. وارْدَعوا أهْواءكُمْ ردْعَ الأعْداء. وأعِدّوا للرّحلَةِ إعدادَ السُعَداء. وادّرِعوا حُلَلَ الورَعِ. وداوُوا عِلَلَ الطّمَعِ. وسوّوا أوَدَ العمَلِ. وعاصُوا وساوِسَ الأمَلِ. وصوّروا لأوْهامِكُمْ حُؤولَ الأحْوالِ. وحُلولَ الأهْوال. ومُسوَرَةَ الأعْلالِ. ومُصارَمَةَ المالِ والآلِ. وادّكِروا الحِمامَ وسَكْرَةَ مصْرَعِهِ. والرّمْسَ وهوْلَ مُطّلَعِهِ. واللّحْدَ ووحْدَةَ مودَعِهِ. والمَلَكَ وروْعَةَ سؤالِهِ ومَطْلَعِهِ. والمَحوا الدّهْرَ ولؤمَ كَرّهِ. وسوءَ مِحالِهِ ومَكْرِهِ. كمْ طمَسَ مَعلَمًا. وأمرّ مطْعَمًا. وطحْطَحَ عرَمْرَمًا. ودمّرَ ملِكًا مُكَرَّمًا. همُّهُ سكُّ المسامِعِ. وسحُّ المَدامِعِ. وإكْداءُ المطامعِ. وإرْداءُ المُسمِعِ والسّامِعِ. عمّ حُكمُهُ المُلوكَ والرَّعاعَ. والمَسودَ والمُطاعَ. والمحْسودَ والحُسّادَ» [16] . ونتيجة لهذه الدربة الكبيرة في تطويع الألفاظ يعمد في "المقامة الواسطية" لصنع خطبة مهملة الحروف ولكن في مجال ضيق، في خطبة الزواج لكي يظهر فيها براعته الفنية وحسن انتقائه للألفاظ مع تحقيق مأربه حيث يقول: «اعْمَلوا رعاكُمُ اللهُ أصلَحَ الأعْمالِ. واسْلُكوا مسالِكَ الحلالِ. واطّرِحوا الحَرامَ ودعوهُ. واسْمَعوا أمرَ اللهِ وعُوهُ. وصِلوا الأرْحامَ وراعوها. وعاصوا الأهْواءَ وارْدَعوها. وصاهِروا لُحَمَ الصّلاحِ والوَرَعِ. وصارِموا رهْطَ اللهْوِ والطّمَعِ. ومُصاهِرُكُمْ أطْهَرُ الأحْرارِ مولِدًا. وأسْراهُمْ سودَدًا. وأحْلاهُمْ مَوْرِدًا. وأصحّهم موْعِدًا. وها هُوَ أَمّكُمْ. وحلّ حرَمكُمْ. مُمْلِكًا عَروسَكُمُ المُكرّمةَ. وماهِرًا لها كما مهَرَ الرّسولُ أمَّ سلمَةَ. وهوَ أكْرَمُ صِهْرٍ أودِعَ الأوْلادَ. ومُلّكَ مَنْ أرادَ. وما سَها مُمْلِكُهُ ولا وَهِمَ. ولا وَكِسَ مُلاصِمُهُ ولا وُصِمَ. أسْألُ اللهَ لكُمْ إحْمادَ وِصالِهِ» [17] . يقول د. "شوقي ضيف": «والحريري في هذا كله كأنه حاو من الحواة، فهو يعرض ألعابًا وتمارين هندسية غريبة، أو قل أنه يعرض أفاعي البلاغة بأديمها الملون بالنقط والجناس الخطي وغيرهما، غير أن من الحق أن نقول إن الحريري لم يسمج في ذلك كله فقد كان يحميه طبع حاد وإحساس دقيق باللغة، فميز دائمًا الخبيث من الطيب والجيد من الردئ، فمهما لعب، ومهما أشكل بتمارين في مقاماته فإنه لا يثقل»؛ صـ61. ولعل هذا اللعب اللفظي في مقاماته كان يوائم متطلبات عصره ويحاول أن يثبت أنه لا يقل مهارة عن غيره، بل إنه يتقدم كل معاصريه لو شاء أن يستخدم هذه الألعاب السحرية، كما أنه كان يهدف من هذا الأسلوب تعليم النشء أيضًا صنوف البلاغة في أسلوب متأنق شائق يأخذ بالألباب ويستهوي الأسماع ويأسر النفوس. يقول الكاتب: «والحريري لا يُبارَى في انتخاب ألفاظه واختيار كلماته، ولذلك كانت مقاماته في رأي السابقين أبدع ما أنتجته العصور الوسطى، وقد ظلت لها مكانتها السامية، وظلت الأعناق تمتد إليها فلا تطولها، إذ انتهى صاحبها إلى ذروة سامقة من ذُرى الفن العربي»؛ صـ74. مقامات اليازجي وآخرون: أما الفصل الثالث والأخير فتناول فيه المؤلف محاولات الأدباء الأخرى في إنشاء المقامات ومنها: ♦ مقامات أبو نصر عبد العزيز بن عمر السعدي المتوفى سنة 405هـ، ومقاماته تسبق مقامات الحريري. ♦ مقامات أبو القاسم عبدالله بن محمد بن ناقيا المتوفى سنة 485هـ، ومقاماته تسبق مقامات الحريري، وطُبعَت له تسع مقامات. ♦ مقامات أبو الطاهر محمد بن يوسف السرقسطي المتوفى سنة 538 هـ، في خمسين مقامة. ♦ مقامات الزمخشري المتوفى سنة 538هـ، وكلها تدور على الوعظ. ♦ مقامات الحسن بن صافي المصري الملقب بملك النحاة. ♦ مقامات أبو العباس يحيى بن سعيد بن ماري النصراني الطبيب، واشتهرت مقاماته باسم المقامات المسيحية. ♦ مقامات ابن الجوزي في نهاية القرن السادس، في خمسين مقالة في موضوعات أدبية يغلب عليها الوعظ. ♦ مقامات أبي العلاء أحمد بن أبي بكر بن أحمد الرازي الحنفي بنهايات القرن السادس، في ثلاثين مقالة. ♦ مقامات ابن الصيقل الجزري المتوفى سنة 701 هـ، وعدتها خمسون. ♦ مقامات السيوطي المتوفى سنة 911 هـ، أقرب ما تكون لأبحاث مسجوعة. ♦ مقامات حسن العطار في مصر، والألوسي في العراق، وفارس الشدياق وناصيف اليازجي في الشام في القرن قبل الماضي. ويخصص الكاتب هذا الفصل لبيان مقامات " اليازجي " حيث يرى أنَّه من بين كل من جاءوا بعد الحريري «عرفَ كيف يقلده، وكيف يحكم هذا التقليد، ويضبطه ضبطًا دقيقًا»؛ صـ79. ويشير الكاتب إلى ترجمة " ناصيف اليازجي " والتي تبين تضلعه بكل المعارف العربية، حيث ألف على طريقة القدماء مختصرات وأراجيز وشروحًا في علوم النحو والصرف والعروض والبلاغة؛ وقد انعكسَ ذلك على مقاماته والتي ملأها بجملة من الخصائص والصفات الحريرية ففي المقامة المعرِّية يقول: «واعلموا أن الله قد أرسلني إليكم نذيرًا، وأقامني بينكم سراجًا منيرًا لأذكركم يومًا عبوسًا قمطريرًا. فلا تغفلوا عن ذكر شرب تلك الكاس، وهو ذلك اليوم المجموع له الناس. واتعظوا بمن تقدمكم من القرون والأقران، ومن درج أمامكم من العيون والأعيان. وتوبوا إلى بارئكم واندموا على ما فات، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات» [18] . وفي ألاعيب الحريري؛ نسج على نفس منواله مجموعة من المقامات بها قصائد كل أبياتها عاطلة من النقط، وثانية كل أبياتها منقوطة، وفي ثالثة أنشد قصيدة الشطر الأول منها خال من النقط والثاني منقوط من مثل: أسْمرُ كالرُّمحِ له عاملٌ يُغضِي فيقْضِي نَخِبٌ شَيِّقُ مِسْكُ لماهُ عاطرٌ ساطعٌ في جنَّة تشْفِي شج يَنْشَقُ أكْحلُ ما مَارَسَ كحلًا له جفْنٌ غَضِيضٌ غَنِجٌ ضَيِّقُ درُّ دموعٍ حولَه كاسدٌ في جنْبِ زَيْفٍ بَيْنٍ يَنْفُقُ لا لعُهودِ الوُدِّ راعٍ ولا في شَجَنٍ ذي فِتْنةٍ يُشْفقُ ما مَالَ إلَّا راعَ أحلامَه خِفِّةٌ شَنْفٍ خَنِثٍ يخْفِقُ ولاحَ سَطْرُ الآسِ أكمامُهُ بين شَقيقٍ غُضَّةٌ تُفْتَقُ وذهب ينظم أبياتًا تتألف على الترتيب من كلمة معجمة وأخرى مهملة من مثل: لا تَفِي العَهْدَ فتَشْفيني ولَا *** تُنْجزُ الوَعْدَ فتَشْفِي العِلَلَا ثم ذهب يستعرض قدراته في تلك الألعاب الحريرية حيث اشترط على نفسه في ابتكار نوع سماه "عاطل العاطل" بحيث لا تكون الحروف التي يتكون منها البيت مهملة فقط، بل يكون مسمى الحرف حين ننطقه خاليًا من النقط أيضًا؛ كحرف "الدال" على سبيل المثال وعلى هذا القيد نظم قطعةً من هذا النمط في مقاماته تقول: وله صولٌ وطولٌ وله صدٌّ ورَدُّ دَهرُه حر صدورٍ هل له لله حدُّ وفي المقامة العشرين نجده يودعها لعبة ما لا يستحيل بالانعكاس، وهي تجري على هذا المثال: قمَرٌ يُفرِطُ عمْدًا مُشْرِقُ رَشَّ ماء دمْعُ طرفٍ يَرْمُقُ قُرْطُةُ يَنْدِي جَلَاه أيمنٌ مِنْ مياهِ الجيدِ فيه طُرُقُ قَبَسٌ يدْعو سَناه إنْ جَفَا فجَناه أُنْسُ وعْدٍ يَسْبقُ قد حلا كاذبُ وعدٍ تابعٌ لعبًا تدعو بذاك الحَدَقُ قرَّحتْ ذا عبراتٍ أربعٍ عبراتٌ أربعٌ إذْ تُحرِقُ قَلِقٌ يلْثِم نادِي عبلةٍ لبعيدٍ، إنَّ مثْلِي قَلِقُ قفْرةُ الرَّبعِ أهالتْ فِتيةً فتلاها عِبرٌ لا تَرفُقُ قدْ حماها ركْبُ ليلٍ حافظٌ فاحَ ليلٌ بِكراها مُحْدِقُ قرَّ في إلْفِ نداها قلبُهُ بلقاها دَنِفٌ لا يَفْرَقُ [19] بل يوغل في ذلك وينشأ بيتين إذا قرأتهما مستقيمين كانا مدحًا على هذا النحو: باهِي المراحمِ لابسٌ كرمًا قديرٌ مُسْندُ بابٌ لكُلِّ مُؤمَّلٍ غُنْمٌ لَعَمْركَ مُرْفِدُ وإذا عكستهما وقرأتهما من آخرهما إلى أولهما كانا شينًا وذمًّا: دَنِسٌ مَريدٌ قامرٌ كسْبَ المحارمِ لا يَهاب دَفِرٌ مُكِرٌ مُعْلمٌ نَغِلٌ مُؤملُ كُلِّ باب ويبدع اليازجي في علم اللغة إذ خصَّ به اثنتا عشرة مقامة تعليمية يعرض فيها مسميات العرب في كثير من الموضوعات، كسؤاله عن ساعات الليل فينشد في المقامة السادسة: أوَّلُ ساعةٍ من الليلِ الشَّفَقْ وبعدَها العَشْوةُ يتلوها الغَسَقْ فهَدْأةٌ ثُمَّتَ شَرْعٌ ثم قُلْ جِنحٌ وزُلْفةٌ هزيعٌ يا رَجُلْ وبعد ذاك غَبَشٌ وسَحَرْ والفَجْرُ والصُّبْحُ الذي يَنْفَجِرْ وعند سؤاله عن الرياح وأسمائها عند العرب يقول: ما هَبَّ من شَرقٍ فذلك الصَّبَا ثم الجنُوبِ عن يمينٍ ذهَبا ثم الشَّمالُ والدَّبورُ، وجرَتْ نكباءُ بين كلِّ ريحينِ سَرَتْ فذلك الأزْيَبُ ثمَّ الصَّابيه فالهَيْفُ ثم الجِرْبياء آتِية وعند سؤاله عن أسماء خيل السباق يجيب: أوَّلُ سابقٍ هو المجلَّي ثم المُصَلِّي بعده المسَلِّي تالِ ومرتاحٌ عليه يُقبلُ والعاطفُ الحَظِيُّ والمؤملُ كذلك اللَّطيمُ والسُّكَّيتُ فاحْفَظْ فما أُعْطيتُ قد أُعْطِيت [20] ولا يهدف اليازجي أن يعلم التلميذ بمقاماته "الأسلوب الأدبي حسب، بل هو يقصد قصدًا إلى تعليمه اللغة وعويصها وما لا يعرفه إلا خاصة الخاصة»؛ صـ90. وعلى هذا النحو تتحول المقامة عنده إلى ما يشبه متنًا من متون اللغة، وهو متن على الطريقة المعروفة عند العرب إذ حولوا معارفهم إلى أراجيز، وقد برع اليازجي في هذا الأسلوب الإنشائي التعليمي. ويرى د. " شوقي ضيف " أن اليازجي ربما اندفع في ذلك بحكم حبِّه للعرب، إذ كان يتعصب لهم تعصُّبًا شديدًا، وقد مدحهم وأشاد بهم في غير مقامة، وأبى أن يتعلَّم لغة أجنبية، وأن يتثقف بالآداب الأوروبية، واكتفى كما هو واضح في مقاماته بالثقافة والآداب العربية الخالصة، ثم انطلق يحتذي على أمثلة القوم؛ صـ94. وفي نهاية تلك الدراسة يهيب د. شوقي ضيف بإعادة الاهتمام بهذا الفن الجميل من فنون أدبنا العربي، فيقول "وإنَّنا لنأمل أن يجدَ هذا الفن من الشباب من يعيدُ إليه الحياة، ومن يهب له حيوية خصبة، لا في إطاره السابق، بل في إطارٍ جديد، لا يرتبط بالموضوع البسيط القديم ولا بأبطاله الشحاذين، وإنما يرتبط بحياتنا الاجتماعية الحديثة وما بها من لواذع السخرية في الكَلِمِ والمواقف»؛ صـ102. [1] "مقامات بديع الزمان"، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، (ص 100 - 101). [2] "مقامات بديع الزمان الهمذاني" (ص: 82). [3] مقامات بديع الزمان الهمذاني (ص: 160). [4] مقامات بديع الزمان الهمذاني (ص: 294). [5] مقامات بديع الزمان الهمذاني (ص: 261). [6] مقامات الحريري (ص: 13). [7] مقامات الحريري (ص: 24). [8] مقامات الحريري (ص: 534-536). [9] مقامات الحريري (ص: 554(. [10] مقامات الحريري (ص: 564). [11] مقامات الحريري (ص: 19-20). [12] مقامات الحريري (ص: 63). [13] مقامات الحريري (ص: 157). [14] مقامات الحريري (ص: 165). [15] مقامات الحريري (ص: 261). [16] مقامات الحريري (ص: 283). [17] مقامات الحريري (ص: 297). [18] مجمع البحرين لليازجي = مقامات اليازجي (ص: 189). [19] مجمع البحرين لليازجي = مقامات اليازجي (ص: 157). [20] مجمع البحرين لليازجي = مقامات اليازجي (ص: 37). |
مظاهر الشرف والعزة المتجلية في فهرسة الشيخ محمد بوخبزة | محمود ثروت أبو الفضل | 04-03-2020 | 5,202 | https://www.alukah.net//culture/0/138968/%d9%85%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%81-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ac%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%87%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%88%d8%ae%d8%a8%d8%b2%d8%a9/ | مظاهر الشرف والعزة المتجلية في فهرسة الشيخ محمد بوخبزة صدر حديثًا كتاب " مظاهر الشَّرفِ والعزَّة المتجلية في فهرسة الشيخ محمّد بوخُبْز ة"، ويليها " منتهى المقالات ومُشتهى الكتابات "، إعداد وتخريج " بدر العمراني " أستاذ الحديث النبوي وعلومه بكلية أصول الدين بتطوان، وذلك عن دار الذخائر. ويتناول الكتاب ترجمة أفردها الأستاذ الباحث " بدر العمراني الطنجاوي " لشيخه الفقيه العلامة الشيخ " محمد بوخبزة الحسني التطواني "، والملاحظ أنَّ هذه الترجمة تتخذ توجهًا تجمع فيه بين الترجمة العلمية الإخبارية من جهة، وبين عمل الفهرسة من جهة ثانية. وهذا العمل سبق وأن شاع في أعمال القدماء من العلماء حين يعمدون إلى ذكر مشيخة الرجل وتسمية رجاله وما أخذه عنهم واستفاده منهم، وذلك في إطار بناء الترجمة والتعريف بالرجال، وقد ترجم العلماء لأنفسهم وأوكلوا في بعض الأحيان طلبتهم أو من يتنزل من تلامذة التلامذة لهم لصنع تراجم لهم، ومنه ما نجده في عمل القاضي عياض لشيخه أبي علي الصَّدَفي حافظ الأندلس، وفي عمل أبي القاسم ابن الشاط السبتي لبرنامج شيخه أبي الربيع عبيد الله بن الحسين العثماني الإشبيلي، ومثل ما عمله الشيخ عبدالرحمن الفاسي لوالده عبدالقادر بن علي الفاسي الفهري في " ابتهاج البصائر فيمن أخذ عن الشيخ عبدالقادر "، وكذلك الشيخ أبي حامد العربي بن أبي المحاسن لوالده في ترجمة "مرآة المحاسن في أخبار الشيخ أبي المحاسن"... وغيرها الكثير من الأمثلة والشواهد. وقد مزج الأستاذ بدر العمراني بين عمل الفهرسة والترجمة وكتابة السيرة الذاتية لشيخه أبي خبزة، وهو أمر طبيعي لأنه يترجم لرجل اتصف بالعلم والعمل فيه، واتخذ الرواية والإسناد من بين ممارساته العلمية، فكان لابد أن تتجه صيانة ترجمته إلى عرض أحواله أولًا في النشأة والدراسة والرحلة والإنتاج التأليفي والأدبي، وإلى عرض ممارساته العلمية ثانيًا في ذكر المشيخة، والتلامذة، وحلقة الدرس، ونصوص الإجازات، واجتلاب الرواية بلقاء شيوخ الإسناد، وغير ذلك مما يدخل في العمل الفهرسي المعتاد، والسيرة الذاتية في ثنايا الترجمة. والشيخ " أبو أويس مُحَمَّد بن الأَمِين بُوخُبْزَة " من علماء أهل السنة في المغرب، وهو محقق وباحث مدقق، ولد بتطوان عام1932هـ/ 1351م، ودرس بها وتخرج على شيوخها في الحلقتين النظامية والحرة؛ إلا أن أكثر علمه حصله بالمطالعات الشخصية والقراءات الخاصة، يقول الشيخ محمد بو خبزة في مذكراته: "...وفي فاتح رجب 1367 هـ توفي والدي رحمه الله ففُتّ في عضدي، وخمدت جذوة نشاطي، وتأخرت عن كثير من دروسي انشغالًا بالعيش وحل المشاكل المخلفة، وسعيًا على الوالدة والإخوان، ولم أنقطع قطُّ عن الدراسة والمطالعة واقتناء الكتب و دارسة إخواني الطلبة الأدب والعلم. وفي نحو عام 1370هـ زرت مدينة فاس ومكثت بها أيامًا أخذت فيها دروسًا على الفقيه الشهير محمد بن العربي العلَوي بالقرويين في "أحكام القرآن" لابن العربي، وبعد ذلك عرض علي الفقيه القاضي الحاج أحمد بن تاوَيْت رحمه الله العمل معه كاتبًا بعد أن عينته وزارة العدل قاضيًا ثانيًا عند اتساع العمران، وازدحام السكان، فأنشأت محكمة شرعية أخرى بحي العيون غربي الجامع، فقبلتُ وعملت معه كاتبًا". وقد أصدر بوخبزة عدة مجلات كانت أولها مجلة " الحديقة " وهي مجلة أدبية ثقافية استمرت خمسة أشهر، ثم أصدر جريدة "البرهان" وهي جريدة خطية سخرها لانتقاد سياسة الاستعمار الإسباني في التعليم واضطهاد الطلبة، والتضييق عليهم، ثم غادر ميدان الصحافة، وانقطع عن كل نشاط من هذا القبيل وانكب على التدريس والكتابة، ونشر مقالات كثيرة في عدة صحف ومجلات كمجلة " لسان الدين " التي كان يصدرها الدكتور " الهلالي " بتطوان، ومجلة " النصر " و" النبراس " ، وأخيرًا جريدة " النور " وغيرها، ونظَمَ قصائد وأنظامًا كثيرة معظمها في الإخوانيات ضاع أكثرها، كما يتوفر على كنانيشُ فيها تقاييد ومختارات ومقطوعات لا يجمعها نظام ولا يضمها باب. ويُعدُّ محمد بن الأمين بوخبزة من العلماء المشهود لهم بالإحاطة الواسعة بمحتويات خزائن الكتب العربية الإسلامية قديمها وحديثها، مخطوطها ومطبوعها، وفي علم الحديث هو من المسندين الذين حملوا العلم عن كثير من الرواة الأثريين والذين يقصدهم أصحاب الرواية وطلاب الإجازات من المشرق والمغرب لنيل الإجازات والإذن بالرواية. وله مؤلفات وتحقيقات عديدة، فمن جملة مؤلفاته: " جراب الأديب السائح "، في 15 مجلدًا، و" الشذرات الذهبية في السيرة النبوية "، و" صحيفة سوابق وجريدة بوائق "، و" فتح العلي القدير في التفسير "، و" نظرات في تاريخ المذاهب الإسلامية "، و" ملامح من تاريخ علم الحديث بالمغرب "، و" دروس في أحكام القرآن من سورة البقرة "، و" نقل النديم وسلوان الكظيم "، و" رونق القرطاس ومجلب الإيناس "... وغيرها. ومن جملة تحقيقاته: تحقيق جزء من التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد للحافظ ابن عبد البر النمري، وتحقيق أجزاء من الذخيرة للقرافي المالكي طبع في 13 مجلدًا، وتحقيق أربعون حديثًا في الجهاد لعلي بركة الأندلسي، وتحقيق " الرسالة الوجيزة المحررة في أن التجارة إلى أرض الحرب وبعث المال إليها ليس من فعل البررة " للفقيه محمد الرهوني، وتحقيق " وصية بن عمار الكلاعي لابنه "، وتعليق على " الرائية " لابن المقرئ اليمني في الرد على الاتحاديين، وتحقيق جزء من " النوادر والزيادات " لابن أبي زيد القيرواني .طبع في 14 مجلدًا، وفهرس مخطوطات خزانة تطوان... وغيرها. وقسم الأستاذ "بدر العمراني" ترجمته إلى بابين: الباب الأول: في ترجمة الشيخ، وتناول فيه: اسمه ونسبه، كنيته ولقبه، أسرته، أعيان وأعلام أسرته، ترجمته بقلمه، زوجته وأبناؤه، المحن التي حلت به، وظائفه، معتقده، خطه، مجالسه العلمية والأدبية، مكتبته، أخلاقه، رحلاته، شهادات ومدائح وردت فيه، أعماله ومؤلفاته، أدبه، وتلاميذه. الباب الثاني : في شيوخه وأساتذته، حيث تناول فيه فصلين: الفصل الأول: شيوخ الدراية. الفصل الثاني: شيوخ الرواية. ثم ختم هذا الباب بحوار أجراه الأستاذ رضا التيلاندي مع الشيخ وقد عُنونَ بـ"الشيخ بوخبزة يقلب سلبيات الحالة العلمية". ونتيجة لملازمة الكاتب للشيخ بوخبزة فقد استقى منه معظم معلومات الترجمة موثقًا أغلبها من لسان الشيخ نفسه، كما أدرج نماذج من آثار الشيخ وكتاباته ضمن السياق المناسب لها بالترجمة. يقول الكاتب في مقدمة ترجمته: «شيخنا المفضال العلامة الأديب أبو أويس محمد بوخبزة الحسني التطواني، زانه الله بالتقى والعفاف. الذي أخباره تعدت حدود مصره، ومزاياه اشتهرت بين أبناء عصره؛ لكن لم تجد من يلم شعثها، وينمق دررها، في عقد من الجواهر فريد، حتى يحظى بجماله صاحب الجيد. فكنتُ أنا الملم للشعث، بعزمٍ وجدٍّ لم يشُبهُ فتيل عبث... توكلت على الله، ومضيت في العمل، أبحث وأجمِّع، وأرتب ما تجمع، فهالتني الذخيرة، وأجبرتني على الاختصار في نبذة يسيرة، خوفًا من الإملال، ودون الوقوع في الإخلال" صـ13، 14. |
صحيح مسلم نسخة الحافظ شرف الدين السلمي | خاص شبكة الألوكة | 03-03-2020 | 6,065 | https://www.alukah.net//culture/0/138943/%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d9%86%d8%b3%d8%ae%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d8%b4%d8%b1%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a/ | صحيح مسلم نسخة الحافظ شرف الدين السلمي (569 - 655 هـ) صدر حديثًا نسخة جديدة مصورة من صحيح مسلم للإمام الحافظ لأبي الحُسَين مسلم بن الحَجَّاج القُشَيري (204 - 261 هـ)، نُسخةُ الحافظ شرف الدِّين السُّلَمي الأندلسي (569 - 655 هـ)، وذلك عن ( مكتبة نظام يعقوبي الخاصة ) بالتعاون مع دار المقتبس، وقد قدم لتلك النسخة وعرَّف بها نظام محمد صالح يعقوبي. تتميز هذه النسخة بأنها مسموعةٌ على الحُفَّاظ: نور الدِّين الواني (727هـ)، وجمال الدِّين الصَّابوني (ابن المُقرِئ) (731هـ)، وشمس الدِّين الدِّمياطي (741هـ)، وأمين الدِّين ابن الشَّمَّاع (783هـ). وذلك في مجلد واحد من القطع الكبير. وقد نشرت هذه النسخة مصورة عن الأصلي الخطي المحفوظ لها، ولقد امتازت هذه النسخة الخطية النفيسة بميزات عدة جعل لها أحقية النشر المصور المميز، فمن ذلك أنها مقروءةٌ على العلامة المحدِّث شرف الدين السُّلمي (ت: 655هـ)، وقوبلت بأصله، وهو يرويها بالسند المتصل إلى المصنف الإمام مسلم. نماذج من خط النسخة المصورة كما أنها قُرِئَتْ على أربعةٍ من الأئمة المحدثين وهم: نور الدين علي بن عمر الواني، وأحمد بن يعقوب المقرئ المعروف بابن الصابوني، وشمس الدين الدمياطي، وابن الشَّمَّاع، وذلك بحضور العديد من العلماء والمحدثين البارزين، منهم: أحمد بن أيبك الحسامي الدمياطي (ت: 749هـ) وعلاء الدين مغلطاي بن قليج (ت: 762هـ)، ومحمد بن أحمد المزي (ت: 766هـ). كما أنَّ الأصل المنقول منه هذه النسخة مرويٌّ بالسند المتصل إلى الإمام مسلم. ومنها أنها وُشِيتْ بالبلاغات، وذُيِّلَتْ بالسّماعات. ومن ذلك أن هذه النسخة النفيسة تعتبر أصلًا ومرجعًا لطلاب العلم الشرعي عند اختلاف النسخ المطبوعة التي بين أيديهم، وخاصة أنه ذكر على هوامشها الفروق بين روايات " الصحيح ". أما عن السماعات المذيلة فيها فكانت كما يلي: ♦ سماعٌ على الشَّيخ شرف الدين أبي عبدالله السُّلَمي المُرسِي في مجالسَ متعدِّدة آخرُها ليلة الثلاثاء (20) من شهر رمضان سنة (652هـ) بدار الحديث الكاملية والمدرسة الصالحية بالقاهرة. ♦ سماعٌ على الشَّيخ نور الدين أبي الحسن علي بن عمر الواني في أحد عشر مجلسًا، كلها في شهر رمضان المُعظَّم، آخرُها يوم السبت (24) منه، سنة (724هـ) بالقاهرة. ♦ سماعٌ ثانٍ على الشَّيخ نور الدين الواني في مجالس آخرُها في يوم الأربعاء (11) من ذي القعدة سنة (724هـ) بالقاهرة. ♦ سماعٌ ثالثٌ على الشَّيخ نور الدين الواني في ذي القعدة من سنة (725هـ) بالخانقاه الصلاحية. ♦ سماعٌ رابعٌ على الشَّيخ نور الدين الواني في ثمانية عشر مجلسًا، آخرُها يوم الأحد يوم عرفة من سنة (725هـ) بالقاهرة. ♦ سماعٌ على الشُّيوخ: نور الدين الواني، وأحمد بن يعقوب ابن الصابوني المقرئ من لفظه، وبدر الدين يوسف بن إبراهيم الكردي، في مجالسَ آخرُها يوم الثلاثاء (27) من صفر سنة (726هـ) بالخانقاه الصلاحية. ♦ سماعٌ على الشُّيوخ: نور الدين الواني، وابن الصابوني، وشمس الدين الدمياطي، وبدر الدين الكردي، وناصر الدين الغرزي، ومجد الدين الخيمي، ونور الدين المخزومي، وشمس الدين القرشي، وسيف الدين الكرجي، وناصر الدين المُعزِّي الصَّيْرَفي، في ثلاثين مجلسًا. ♦ سماعٌ منقولٌ على الشيخ صدر الدين أبي علي الحسن بن محمد البكري، بقراءة الشيخ ابن الصابوني المقرئ في مجالسَ آخرُها في العشر الأوسط من شهر ربيع الآخر سنة (646 هـ). ♦ كما طالَعَهُ من أوله إلى آخره حسن بن محمد الأنصاري الشافعي، ووافق الفراغ من مطالعته بالقاهرة المحروسة. |
(التنبيه على أحاديث الهداية والخلاصة) لابن التركماني | محمود ثروت أبو الفضل | 02-03-2020 | 8,139 | https://www.alukah.net//culture/0/138922/-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d8%b5%d8%a9-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a/ | (التنبيه على أحاديث الهداية والخلاصة) لابن التركماني صدر حديثًا كتاب " التنبيه على أحاديث الهداية والخلاصة " المسمى: " تخريج أحادث الهداية والإخلاص "، للإمام الحافظ ابن التركماني (683- 750 هـ)، تحقيق الأستاذ " محمد سيد عبدالفتاح درويش "، وذلك عن دار "المنهاج القويم" . وهذا الكتاب من أوائل الكتب المصنفة التي تعنى بأدلة المذهب الحنفي، وقد صار علمًا لمن جاء بعده، فنهلوا منه ووردوا؛ كالزيلعي، وابن حجر، والكمال بن الهمام، وابن قطلوبغا، إلى جانب جمعه بين عِلمين جليلين لا يُستغنَى عن أحدهما وهما الفقه والحديث الشريف، فخرج هذا المزيج بثمرة كتاب تخريج أحاديث الهداية والخلاصة، وهو إثراء الفقه بالحديث. إلى جانب أن كتاب التنبيه يُعدُّ أولَ كتاب يعتني بتخريج أحاديث "الهداية"، رغم ارتفاع كتاب تلميذه الزيلعي الذي بَنَى أصول كتابه على قواعد شيخه ابن التركماني، لذلك هو حرِيٌّ بأن يُدرس، ويُحقق، ويُنشر. ويتعلق مبحث هذا الكتاب ببيان أدلة مذهب السادة الأحناف، وبيان الحكم على الأحاديث التي هي عمدة الاحتجاج في المذهب، من خلال النظر في مصدرين يعدّان من أهم المصادر الفقهية في المذهب وهما " الهداية شرح بداية المبتدي " لشيخ الإِسلام بُرْهان الدِّين المَرْغِينَاِنيّ، و"خُلاصة الدَّلائل في تنقيحِ المسائلِ" للإِمام حُسام الدّين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن مَكِّيّ الرَّازيّ. ويعتمد ابن التركماني في هذا المصنف على الاختصار غير المخل فكتابه " التنبيه " يصح أن يقال عنه إنه كتاب مختصر وملخص لتخريج أحاديث الهداية والخلاصة، فقد اقتصر على ذكر مظان ورود الأحاديث، وقد يأتي بالحديث بلفظه القريب للهداية أو الخلاصة من تلك المصنفات التي يحيل إليها، إلى جانب اعتماده على عدم الإطناب مع ندرة الأحكام على الأحاديث؛ ولذلك أسماه "التنبيه": أي أنه ينبه فقط ويشير إلى مظان النصوص دون التوسع في بيان دلالاتها واختلافها. وهذا الكتاب يفند دعوى من قال إنه ليس للحنفية بضاعة واسعة بعلم الحديث وفنونه. أما فقهيًّا فنجد أن ابن التركماني تارة يفرد الباب الفقهي بالذكر، وتارة يجمع الأبواب فيذكرها سوية كما فعل في ففي باب القراءة قال: ( باب القراءة، وقيام رمضان، وإدراك الفريضة، وقضاء الفوائت ). وكذلك في باب: ( الكسوف والاستسقاء والخوف )، جمع فيها عدة أبواب ومواضيع؛ وذلك من باب الاختصار أيضًا، وكثرت بالكتاب نقولاته من أمهات الكتب والمصنفات. وللكتاب نسختان مخطوطتان، النُّسخةُ الأولى: نُّسخة مكتبة باريس الوطنية، يوجد أصل هذه النسخة في مكتبة باريس الوطنية بفرنسا، مفهرسة بعنوان: " التنبيه على أحاديث الهداية والخلاصة "، وذكر اسم المؤلف: علاء الدين المارديني ابن التركماني علي بن عثمان بن إبراهيم (ت 750). رقم فلم المخطوط: (103)، بتسلسل: (994)، وعدد أوراقها (124) ورقة. والنسخة الثانية: نسخة مكتبة الأسد الوطنية وهي مصورة من أصل في المكتبة الأحمدية - بحلب - برقم: 79، ( 283). ثم نقلت بعد ذلك إلى مكتبة الأسد الوطنية في دمشق. واسم المخطوط: " تخريج أحاديث الهداية ". واسمه الكامل الحقيقي: " التنبيه على أحاديث الهداية والخلاصة ". للمؤلف: الإمام علاء الدين المارديني ابن التركماني علي بن عثمان بن إبراهيم (ت750هـ). رقم المخطوط: (13509)، رقم الفيلم: (8130)، عدد الوراق (100)، وتاريخ النسخ (761هـ) بالقاهرة، وهذا الكتاب ضمن مجموع هو أول كتاب فيه "التنبيه". ورغم أن هذا التحقيق ينوه محققه بالسبق والإفراد في النشر محققًا إلا أنه سبقه تحقيق للكتاب قُدِّمَ كأطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه في تخصص الحديث النبوي وعلومه في جامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمان بالأردن وذلك تحت عنوان "التنبيه على تخريج أحاديث الهداية والخلاصة لقاضي القضاة عَلاَء الدّين عَليِّ بن عُثمان بن إبْراهيم الماردينيِّ المصْريّ الشّهير بابن الُتركمانيِّ 683 -750هـ دراسة وتحقيق" بواسطة الأستاذ ثائر حميد طعمة حبيب السامرائي، وبإشراف أ.د. عبد الناصر موسى أبو البصل. ومؤلف الكتاب هو أبو الحسن عَلاءُ الدّين عَلي بنُ عُثمانَ بنِ إبْرَاهيم بنِ مُصْطَفَى بنِ سُلَيْمانَ، المارْدِيني الأَصْلِ، الشَهير بابْنِ التُركْمانِي، المصري (683 - 750هـ)، الحَنَفي، قاضِي القُضَاة، تربى ابن التركماني في بيت أهل علم فضلاء؛ فوالده: فخُر الدّين انتهت إليه رياسة المذهب الحنفي، وله ولدان: الأكبر تاج الدين أحمد عالم وأمام كبير، والأصغر هو الإمام المصنّف، وولداه: عبد العزيز وجمال الدين، وابن جمال الدين: صدر الدين محمد، وولي القضاء أيضًا. تَلقى المصنفُ العلمَ عن والده، وجمهرةٍ من عُلماءِ عَصْرهِ منهم الأبرقوهي، وأبو العباس السروجي، والفخر ابن الجَبَّاب وابن الصواف وغيرهم الكثير، وأخذ عنه العلم كثير من المصنفين منهم الزيلعي والتباني وجمال الدين الملطي وابن الدريهم وغيرهم. ومن مصنفاته: " الجَوْهَرُ النَّقِيُّ في الردِّ عَلى البَيْهَقِيّ "، و" بَهْجَةُ الأَرِيبِ لِمَا في كِتَابِ الله العَزِيزِ مِنَ الَغَريبِ " ويعرف أيضًا بـ " غَريب القرآن "، " تفسير القرآن العظيم" وقد يسميه بعضهم بتفسير علاء الدين التركماني، و" الجَوْهرُ الفَرْدِ في المُنَاظَرة بَينَ النَّرْجس وَالوَرْدِ "، و" المُوْتَلَفُ والمخْتَلِفٌ في أنْسَابِ العَرب "، و" الضُّعَفَاء والمَتْرُوكينْ مِنْ أَصْحَابِ الحَدِيثِ "، و" المُنْتَخَبُ في عُلُوم الحَدِيثِ "، و" الدرة السنية في القصيدة السينية " في العقيدة، و" مُخْتَصَرُ كِتَابِ المُحَصّلِ في عِلْمِ الكَلاَمِ " لفَخْرِ الدّين الرَازي، و" مُخْتَصرُ تَلْخِيصِ المُتَشَابهِ " لأَبي بَكْرٍ الخَطِيبِ البَغْداديّ.. وغيرها. |
الإجازات العلمية في الأندلس | قصة الإسلام | 02-03-2020 | 4,077 | https://www.alukah.net//culture/0/138918/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b3/ | الإجازات العلمية في الأندلس الإجازة العلمية سبق إسلامي: تُمنح الشهادات العلميَّة اليوم للطلاب والدراسين كإذنٍ لهم من مراكز البحوث والجامعات بممارسة العلم الذي يتخصَّصون فيه بعد التأكُّد من إتقانهم لهذا العلم أو معرفة أدواته البحثيَّة، وبالطبع لا تُعطى هذه الشهادات إلَّا بعد المرور من عدَّة اختبارات ينجح من خلالها طالب العلم في مجاله الذي يُريد التخصُّص فيه. بالطبع لقد عَرِف المسلمون في الأندلس هذا النظام أيضًا، بل كان نظامًا عامًّا في حضارات المسلمين، أمَّا اللقب الذي كان يُقابل هذه الشهادات فهو « إجازة العلم »، وهي سبقٌ إسلاميٌّ فريد لم تسبقها إليه أمة من الأمم ولا حضارة من الحضارات، وقد كان يقصد فيها أن يُجيز الشيخ المعلم أو الأستاذ المدرس (أي يمنح موافقته) بمسموعية ومرويات طالب العلم الذي تتلمذ عنده. بمعني أنَّ الطالب يُصبح بعد « الإجازة » قادرًا على الإنابة في العلم الذي يدرس فيه عن معلِّمه، وقد اشتُهر عن مفهوم الإجازة أن يتخصَّص في علم الحديث لكنَّ هذا الأمر غير صحيح؛ فالإجازة كانت تُعطى لكافَّة العلوم في نقل النصوص؛ من تاريخ، أو تصوف، أو قانون، أو طب، أو صيدلة، أو أدب، وما إلى ذلك. في الحضارة الإسلامية العلم للجميع: منحت الجامعات الإسلامية إجازات كثيرة ليس لطلاب العلم المسلمين فقط؛ ففي الأندلس على سبيل المثال درس عددٌ من الباباوات -أساقفة الكنائس الكاثوليكية - في جامعات المسلمين، ومُنِحوا الإجازات العلمية منها، كما درس العديد من العلماء النصارى الأوروبِّيِّين في كنف المسلمين ومعاهدهم وحازوا من هناك على إجازات علمية. وإلى جانب جامع قرطبة الذي خرَّج ألوف الدارسين من حاملي الإجازات العلمية، فقد كان هناك العديد من الجامعات المانحة للإجازات العلمية منتشرة في كلِّ أطراف الدول الإسلامية في بخارى وسمرقند ودمشق وبغداد. ومن أشهر الجامعات التي كانت تمنح الإجازات العلمية في تاريخ المسلمين " جامع الزيتونة " في تونس، وقد كان أوَّل جامعةٍ بمعناها الحديث في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى "جامعة القرويين" في فاس والتي أسَّستها فاطمة الفهرية، وهي تُعدُّ أقدم جامعة في تاريخ العالم أجمع. يقول حسين يوسف دويدار في كتابه " المجتمع الأندلسي في العصر الأموي ": «إنَّ الإجازات العلميَّة كانت معروفة في الشرق وانتقلت إلى الأندلس بانتقال العلماء المشارقة، وأصبح منح الأستاذ الإجازة لطلابه أمرًا شائعًا بعد تتلمذهم على يديه. وقد كانت الإجازة العلمية في الأندلس تُسجَّل في وثيقة من الرق أو الكاغد " الورق "، أو في الكتب التي درسها الطالب بخطِّ الأستاذ نفسه » [1] . ومن أمثلة هذه الإجازات ما ذكره ابن الفرضي من أنَّ يوسف بن محمد بن سليمان الهمذاني الشذوني الذي رحل إلى المشرق عشر سنوات وسمع من الكثيرين أجاز له جميع ما رواه، وتُوفِّي سنة 383هـ [2] . ولم تكن هذه الإجازات مقصورة على الرجال فقط بل نالتها بعض النساء أيضًا؛ فقد ذكر الضبي أنَّ أبا عمرو الداني المقرئ المعروف بابن الصيرفي (ت444هـ)، كان يقرأ بـ " ألمرية " وقرأت عليه امرأةً تُدعى ( ريحانة )، وكانت تقعد خلف سترٍ فتقرأ، ويُشِر إليها بقضيبٍ من حديدٍ في يده إلى الوقف، وأنَّها أكملت السبع عليه وقرأت عليه خلاف السبع روايات وطالبته بالإجازة فكتب لها إجازتها بعد توقُّف [3] . لكل قاعدة استثناء: وبالمقابل فقد كان هناك من يقوم بتحريف وتزييف هذه الإجازات طمعًا في المكانة والمناصب، وللحصول على المكاسب المادِّيَّة، مثل ما يحدث اليوم من شراء للشهادات العلميَّة. ولذلك فقد وضع أبو العباس العمري وليد بن بكر بن مخلد (392هـ) كتابًا سمَّاه ( كتاب الوجازة )، وهو في هذا الكتاب يحتجُّ على بعض الإجازات العلمية، ويرى أنَّها غير موثوقٍ بها، وأنَّ الزيف قد شابها، وقد كان أبو العباس من أهل سرقسطة، ورحل إلى المشرق، ولقي في بلادٍ عديدة الكثير من العلماء [4] . • هذا المقال منقول بتصرف من كتاب " المجتمع الإسلامي " لحسين يوسف دويدار الصادر عن دار الحسين الإسلامية، الطبعة الأولى، ص 403-404. المصدر: موقع قصة الإسلام [1] خوليان ربيرا: التربية الإسلامية في الأندلس، ص148. [2] تاريخ علماء الأندلس، ترجمة، ص 206-207. [3] أبو جعفر الضبي: بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس، ترجمة، 1186. [4] المصدر السابق، 1411. وقد ذكره خوليان ربيرا في كتابه التربية الإسلامية في الأندلس باسم (الوجازة في صحة القول بالإجازة) ولم يُشر إلى المصدر الذي أتى منه بذلك. |
الإمام عبد الرحمن بن يحيى المعلمي حياته وآثاره | خاص شبكة الألوكة | 01-03-2020 | 11,786 | https://www.alukah.net//culture/0/138896/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%87-%d9%88%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d9%87/ | عرض كتاب (الإمام عبدالرحمن بن يحيى المعلمي، حياته وآثاره لأحمد بن غانم الأسدي) صدر حديثًا كتاب " الإمام عبدالرحمن بن يحيى المعلمي، حياته وآثاره "، تصنيف " أحمد بن غانم الأسدي "، وذلك عن دار طيبة الخضراء. ويحوى هذا السفر ترجمة نفيسة للعلامة المعلمي رحمه الله، مع حصر لجميع كتبه وتحقيقاته وآثاره العلمية ومراسلاته الخطية، وذلك في ستة أبواب على النحو التالي: ♦ حياة المعلمي من ولادته إلى وفاته. ♦ لُمعٌ من حياة المعلمي العلمية. ♦ المنتخب من نفائس الدرر. ♦ آثار المعلمي العلمية، مصنفات وتحقيقات. ♦ وصية المعلمي لتلميذه. ♦ مراسلات خطية للمعلمي. والإمام عبدالرحمن بن يحيى المعلمي من العلماء المحققين الذين كانت لهم جهود ملموسة في الدفاع عن السنة والزود عنها ضد أهل البدع، ينسب إلى بني المعلم من بلاد عتمة باليمن، ولد في أول سنة (1313هـ) بقرية ( المحاقرة ) باليمن، نشأ في بيئة متدينة صالحة، وقد كفله والداه وكانا من خيار تلك البيئة. واشتغل منذ بواكير طفولته بطلب العلم فأخذ العلم عن بعض العلماء في اليمن، وذاكرهم في الفقه والنحو والفرائض وغيرها، وقبل ذلك درَسَ القرآن على والده. ومن هؤلاء العلماء: 1- والده "يحيى"، حيث قرأ عليه القرآن. 2- الشيخ "أحمد بن مصلح الريمي"، حيث تذاكر معه بعض كتب النحو. 3- والشيخ "أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي"، حيث قرأ عليه الفقه والفرائض والنحو. 4- والشيخ "سالم بن عبد الرحمن باصهي" ذكره الشيخ في رسالة له في الرد على القائلين بوحدة الوجود، ألفها الشيخ عام 1341هـ. وارتحل إلى جيزان سنة 1336هـ فولاه محمد الإدريسي- أمير عسير حينذاك - رئاسة القضاء، وكان إلى جانب القضاء يشتغل بالتدريس، فلما توفي محمد الإدريسي سنة 1341هـ ارتحل إلى الهند وعين في دائرة المعارف قرابة الثلاثين عامًا، ثم سافر إلى مكة عام 1371هـ، فعُيِّن أمينًا لمكتبة الحرم المكي في شهر ربيع الأول من نفس العام. وعرف بالمصنفات البديعة التي ينصر فيها مذهب أهل السنة منها: كتابه " التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل "، و" الأنوار الكاشفة " في الرد على كتاب ( أضواء على السنة ) لمحمود أبي رية، و" محاضرة في كتب الرجال "، وكتاب " العبادة " مجلد كبير، وكتاب " حقيقة التأويل والرد على المتصوفة القائلين بوحدة الوجود "، وكتاب " الحكم المشروع في الطلاق المجموع "، وحقق كثيرًا من كتب الأمهات، منها أربع مجلدات من كتاب " الإكمال " لابن ماكولا، وأربع مجلدات من " الأنساب " للسمعاني، وكتاب " الرد على الإخنائي " لشيخ الإسلام، وقد توفي رحمه الله تعالى صبيحة الخميس السادس من شهر صفر عام 1386 عن ثلاثة وسبعين سنة بعدما أدى صلاة الفجر في الحرم وعاد إلى مكتبة الحرم. وقد أثنى عليه عدد كبير من معاصريه من أهل العلم والفضل، ووصفه غير واحد منهم بالعلامة المحقق، ومن هؤلاء العلماء المثنين عليه الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ووصفه بالعالم خادم الأحاديث النبوية، وكذا أثنى عليه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة ومحمد حامد الفقي والألباني وقال عنه الشيخ بكر أبو زيد: ذهبي عصره العلامة المحقق. وتعد هذه الترجمة من أوسع الترجمات وأكثرها تعلقًا بالسيرة الذاتية للشيخ عبدالرحمن بن يحيى المعلمي، وقد قسم الكاتب فصول ترجمته في عدة مباحث فرعية استوفت كل ما يتعلق بالنتاج العلمي للعلامة المعلمي، وكشفت اللثام عن جوانب مخفية من الرحلة الحياتية للمصنف رحمه الله. فمن مباحث الباب الأول: • أهل بيته: والده، إخوانه، زوجه، ولده. • الاسم والنسب والألقاب. • المولد والصفة الخَلقية والخُلقية. • مراحل النشأة العلمية باليمن. • النبوغ المبكر. • رحلات التطواف. • الصلة بعلماء العصر. • أغلاط وأوهام في ترجمة الإمام. • قالوا عن الإمام. • كتبوا عن الإمام. • مقترحات للكتابة عنه. ومن مباحث الباب الثاني: • تثبيت عقيدة السلف. • التحرر من ربقة التعصب المذهبي. • التواضع وهضم النفس. • الحرص على الوقت. • الزهد والورع. • الاستقراء - مع أمثلة - تاريخية، وفقهية، وعقدية، وتفسيرية. • افتراع أبكار المتشابهات. • غيرة النقد. • إنصاف المخالف. • الحرص على توحيد الأمة ووحدتها. • الشعر والأدب. ومن مباحث الباب الثالث: • المنتخبات العقدية. • المنتخبات في الاتباع والتقليد. • المنتخبات الحديثية. • المنتخبات التفسيرية. • المنتخبات التاريخية. • المنتخبات في الدعوة. • المنتخبات في سلوك العبد. ومن مباحث الباب الرابع: • المؤلفات في علم الاعتقاد. • المؤلفات في علم التفسير. • المؤلفات في علم الحديث. • المؤلفات في علم الفقه. • المؤلفات في علم اللغة. • الآثار التي لم تطبع، وأشهرها الديوان. • أمنياته في التأليف. • تحقيقاته للمؤلفات استقلالًا أو اشتراكًا مع غيره. كل ذلك مع تواريخ الطبعات! الباب الخامس: • وصية المعلمي الجامعة لتلميذه، في ثمانية مطالب: • العقيدة في شأن ذات الله وصفاته. • بقية أركان الإيمان. • شهادة أن لا إله إلا الله. • شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم. • بقية أركان الإسلام. • في الأعمال التي يتطوع بها. • في مخاطبة الناس. • في مصالح الدنيا ومعاملة الناس. ومن مباحث الباب السادس: • رسالته إلى والده، وفيها وصف للهند أرضًا وإنسانًا، وأفكارًا وديانات. • رسالته الثانية إلى والده. • انتخاب أربع رسائل إلى أخيه أحمد. • رسالة إلى زوج أخته - فائقة -. • رسالة إلى أحد أقاربه - في تحقيق نسب (آل المعلمي) بلغة التحقيق الراسخ والخاتمة ضمت وثائق وصور ذات صلة. |
أوراق مالية في القرن السابع الهجري | د. عبدالوهاب عزام | 29-02-2020 | 3,127 | https://www.alukah.net//culture/0/138879/%d8%a3%d9%88%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d8%b1%d9%8a/ | أوراق مالية في القرن السابع الهجري (كيخاتو بن أباقا خان بن هلاكو) خامس ملوك المغول المسمين (أيلخانية) كان - كما يقول مؤلف (حبيب السيرَ) -: أسخى بني هلاكو؛ كان يفيض جودًا في موائده، ولا يقف به حدٌّ في الإسراف واللهو. وقد اختار لوزاراته صدر الدين الزنجاني المعروف بصدرجهان، ولم يكن الوزير مخالفًا مولاه في التبذير؛ فخلت الخزائن واشتدت الحاجة إلى المال، وضاق بالمَلكِ الأمر، فبدا للوزير أن يأخذ عن أهل الصين سُنَّة كانت معروفة عندهم في ذلك العصر: هي التعامل بأوراق تغني غناء الحجرين الكريمين أو المعدنين النفيسين: الذهب والفضة. وليس الفرق بين الورَق والورِق ذا خطر. أمر الوزير بطبعِ أوراق للتعامل سميت (جاو) وأنشأ في كل ناحية دارًا لطبع الأوراق سميت (جاو خانة) وشرَّع قانونًا يحتم على الناس الإقلال من تداول الذهب والفضة جهد الطاقة. وكانت الأوراق كما وصفها رشيد الدين الشيرازي في تاريخه المعروف بتاريخ (وصّاف) والمؤرخون المعاصرون على هذا الشكل: ورقة مستطيلة عليها كلمات صينية، وفوقها باللغة العربية كلمة الإسلام: (لا إله الا الله محمد رسول الله) اتباعًا للمألوف في المسكوكات الإسلامية. وتحت هذا اسم الكاتب ودائرة كتب فيها قيمة الورقة. وكانت القيمة تختلف من نصف درهم إلى عشرة دنانير. ومما كتب على هذه الأوراق هذه الكلمات الهائلة: (أصدر ملك العالم هذه الجاو المباركة سنة 693هـ، فمن غيرها أو محاها يقتل هو وزوجه وأولاده ويصادر ماله) . وأُرسلت إلى المدن منشوراتٌ تبين فوائد التعامل بهذه الأوراق، وتبشر الناس أن الفقر والبؤس سيزولان لا محالة إن دام التعامل بها. ومما جاء في هذه المنشورات هذا البيت: جَاو أكردر جهان روان كردد *** رونق ملك جاودان كردد وترجمته: (إذا راجت في العالم الجاو دام رونق الملك أبدا) ومما جاء في قانون هذه الأوراق أن الورقة التي تمزَّق أو تبلى تردُّ إلى الجاوخانه ويعطى صاحبها ورقة أخرى تنقص عنها عشر القيمة. ثار الناس على هذه الأوراق، فيروى أنه جُعل موعد تداولها في مدينة تبريز شهر ذي القعدة 693هـ، فلما جاء الموعد أقفلت الحوانيت ثلاثة أيَّام ووقفت الأعمال، وأبى الناس أن يقبلوا الجاو المباركة. وكان أعظم رجال الدولة نصيبًا من سخط الناس وبغضهم عزّ الدين المظفر الذي وكل إليه إخراج الأوراق والقيام عليها، ومما قيل فيه: تو عز ديني وظل جهاني جهانر اهستئ تو نيست درخور أزان كبر ومسلمان ويهودي بس أز توحيد حق واللهه أكبر همى خوانندأز روى تضرع بنزد حضرت داراي داور خدايا بر مراد خويش هركَز مبادا درجهان يكدم مظفر وترجمتها: (أنت عز الدين وظل العالم ولكن بقاءك شر على العالم، ومن أجل ذلك ترى المسلمين واليهود والمجوس بعد توحيد الله وتكبيره يتضرعون إلى الحكم العدل: ربنا لا تجعله ساعة واحدة مظفرًا بمراده). انتشرت الثورة في مدن كثيرة حتى ذهب كبراء المغول إلى السلطان كيخانو فكلموه في أمر هذه الأوراق البغيضة حتى رضى بإلغائها. مجلة الرسالة، العدد 15، بتاريخ: 15 - 08 - 1933م |
الفروق بين منهج أئمة الدعوة الإصلاحية ومنهج مخالفيهم | محمود ثروت أبو الفضل | 29-02-2020 | 10,553 | https://www.alukah.net//culture/0/138875/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%88%d9%82-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d8%a3%d8%a6%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b5%d9%84%d8%a7%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d9%85%d8%ae%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%8a%d9%87%d9%85/ | الفروق بين منهج أئمة الدعوة الإصلاحية ومنهج مخالفيهم من عباد القبور والمبتدعة صدَرَ حديثًا دراسةٌ بعنوان: " الفروق بين منهج أئمة الدعوة الإصلاحية في المملكة العربية السعودية ومنهج مخالفيهم من عباد القبور والمبتدعة "، للأستاذ " صالح بن محمد السويح "، وذلك عن دار " مدار الوطن للنشر " بالرياض. وأُلحقَ بالكتاب تقريرات اللجنة الدائمة للإفتاء، والشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن العثيمين رحمهما الله، والشيخ صالح بن فوزان الفوزان في إثبات عقيدة السلف في نفي شركيَّات وبدع القبور. ويرى الكاتب أنه مما رَمَى به أعداء الدعوة السلفية الإصلاحية الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله - وأئمة تلك الدعوة أنهم خوارج يكفرون المسلمين تشويهًا لدعوتهم وذلك لإثباتهم عقيدة السلف الصالح في نفي بدع القبوريين، وأنَّ هذا من نواقض عقيدة التوحيد والتعلق بالأموات وأن مؤداه إلى إشراك في عبادة الله غيره من الوسطاء والأولياء. وقد تلقف هذه الفرية كثير من أعداء الدعوة حديثًا من الليبراليين والعلمانيين، وبدأوا في التشنيع من جديد بغلو تلك التقريرات العقدية، ويجعلون الحكم بكفر عباد القبور من الجفاء والغلو في التكفير - الذي يزعمون براءة الدعوة منه - وذلك على وفق قواعدهم الإرجائية الغالية. لذا كانت هذه الرسالة في الرد على تلك الشبهات وبيان براءة الدعوة الإصلاحية وأئمتها - رحمهم الله - بإسلام القبوريين أو إثبات تلك العقائد الشركية في منهج الدعوة. يقول الكاتب: «إن تهمة أعداء الدعوة اليوم أنَّ الحكم بكفر القبوريين من الغلو بالتكفير تعود على الدعوة الإصلاحية ولكن من باب الدفاع عنها! - زعموا - وكما افترى عليها خصومها بالأمس، افترى عليها خصومها اليوم فتشابهت قلوبهم وأقوالهم، واختلفوا في الأسلوب واتفقوا في النتيجة! وحيث أن هذه الشبه التي يروجها خصوم الدعوة الإصلاحية اليوم قد اغتر بها من اغتر ممن لم يحقق ويدقق، ولأهمية كشف هذه الشبه، فقد جاءت هذه الرسالة مبينًا فيها تقريرات الإمام المجدد رحمه الله وأئمة الدعوة رحمهم الله في الموقف من الزنادقة وعباد القبور، ودفاعًا عن هذه الدعوة الإصلاحية وأنها على طريقة وسطى مفارقة لطريقة الخوارج في تكفير المسلمين وطريقة المرجئة بإسلام القبوريين». |
كتب علوم القرآن والتفسير (14) | عبدالعزيز سالم شامان الرويلي | 27-02-2020 | 5,443 | https://www.alukah.net//culture/0/138846/%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-14/ | كتب علوم القرآن والتفسير (14) تدبر القرآن الكريم: وقفات ولفتات أ.د. عبد الله بن ضيف الله الرحيلي السور والآيات التي حثت السنة على قراءتها في أوقات مخصوصة د. أمجد بن محمد بن محمد زيدان الأزهري والقراءات القرآنية في كتابه معاني القراءات عرض وتحليل ومناقشة د. محمد إبراهيم مصطفى أثر الاختلاف في الأوجه الإعرابية في تفسير الآيات القرآنية ياسر محمد مطره جي القرطبي: حياته وآثاره العلمية ومنهجه في التفسير د. مفتاح السنوسي بلعم دراسات لغوية في القرآن الكريم وقراءاته أ.د. أحمد مختار عمر تأملات في آية الكرسي د. عبد الله بن علي بصفر الفنون شرح السر المصون في رواية قالون كمال محمد المروش يسألونك في القرآن الكريم محمد حمدان العرامين النص القرآني: تحليل ودراسة لسورة محمد د. زياد أحمد أبو شريعة فتح المجيد شرح كتاب العميد في علم التجويد الشيخ محمود علي بسة |
ترميم نص الكتاب العربي المخطوط | د. محمد بن حميد العوفي | 30-01-2020 | 2,726 | https://www.alukah.net//culture/0/138446/%d8%aa%d8%b1%d9%85%d9%8a%d9%85-%d9%86%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7/ | ترميم نص الكتاب العربي المخطوط الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: فهذا مبحث لطيف في نمط من أنماط العناية بنص الكتاب العربي المخطوط. وقد جاء المبحث في ثلاثة مطالب وخاتمة. ♦ المطلب الأول: تعريف الترميم. قال أبو عمرو بن العلاء (ت 154هـ): "الثَمُّ والرَّمٌّ: إصلاح الشيء وإحكامه" [1] . وقال الخليل بن أحمد (ت 170هـ): "الرَّم: إصلاح الشيء الذي فسد بعضه" [2] . وترميم النص: هو سَدُّ النقص غير الأصلي في النص على النسخة [3] . والمقصود: هو أن تجيء النسخة وبها نقص ظاهر (بياض)، أو نقص خفي (مما أدمجه النساخ)؛ فيُتِمُّ الـمُرَمِّم هذا النقص على هذه النسخة التي وقع بها النقص. ♦ المطلب الثاني: الاصطلاح على الترميم. قال الصفدي (ت 764هـ): "لم أرَ بعد الشيخ فتح الدين من يُحْكِمُ تدقيق الأجزاء وترميمها مثل الشيخ جمال الدين -رحمه الله-" [4] . وقال علي بن محمد بن علي بن حميد الحنبلي البعلي في قيد فراغه من ترميم وتصحيح "تاريخ أنساب قريش" -النسخة السليمانية- [5] لابن قدامة (ت 620هـ): "فرغ من ترميمه وتصحيحه... سنة إحدى وسبعين وسبعمائة...". ♦ المطلب الثالث: علماء مارسوا الترميم. حكى الصفدي عن الشيخين فتح الدين ابن سيد الناس (ت 734هـ) وجمال الدين المزي (ت742هـ) إحكام تدقيق الأجزاء وترميمها، وهما عالمان من أعلام القرن الثامن؛ بل مفهوم كلامه أن هذه الوظيفة كانت معروفة في زمانه. (الخاتمة) وبعد؛ فهذه أبرز نتائج المبحث: 1- أن ترميم النص: هو سَدُّ النقص غير الأصلي من النص على النسخة. 2- مارس بعض العلماء في القرن الثامن وظيفة الترميم؛ منهم: ابن سيد الناس، والمزي. 3- وظف بعض العلماء والنساخ لهذه الوظيفة مصطلح (الترميم)؛ ومنهم: الصفدي، وابن حميد البعلي. والحمد لله على مَنِّه وبلوغ التمام. [1] تهذيب اللغة: 15/ 140. [2] العين: 8/ 260. [3] الصبابات على معجم المصطلحات (للكاتب غير منشور). [4] الوافي: 29/ 109. [5] أفادني بها الباحث النهم مدير مكتبة مكة المكرمة (المولد) الأستاذ: يوسف الصبحي. |
جامع تفسير الإمام السهيلي | محمود ثروت أبو الفضل | 28-01-2020 | 13,482 | https://www.alukah.net//culture/0/138415/%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9-%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%87%d9%8a%d9%84%d9%8a/ | جامع تفسير الإمام السهيلي صدر حديثًا كتاب «ا لجامع لتفسير الإمام أبي القاسم السهيلي (581 هـ) »، وبذيله: مسألة تفسيرية للإمام السهيلي تحقق أول مرة بعنوان « خروج اللفظ عن أصله لما دخله من المعنى في ضمنه »، جمعه وحققه وعلق عليه: د. " كيان أحمد حازم يحيى "، وذلك عن دار " المدار الإسلامي ". ويتقصى الكاتب في هذه الدراسة جمع كل ما فسره الإمام أبو القاسم السهيلي في مؤلفاته المختلفة، والمتابع لمؤلفات السهيلي المتنوعة يقف فيها على ما يشبه الهاجس الواضح والإلحاح البين في شخصيته العلمية على عدم تفويت فرصة سانحة للحديث في التفسير، وتناول آية أو مجموعة آيات في مختلف السياقات التي يعالجها، بما يلائم طبيعة الكتاب الذي يؤلفه أو الموضوع الذي يصنف فيه. يقول المحقق: «فإن أعمل السُّهيلي قلمه في النحو جاء تفسيرُه مشبعًا بالتحليلات النحوية الدقيقة، وإن كتب في السيرة النبوية وجدتَه يسوق في تفسيره من أخبارها ورواياتها ما يوضح الآيات المفسرة ويجليها، وإن ألَّف في المبهمات ألفيته يحاول الكشف عن غوامض ما وقع في القرآن من أسماء وأعلام، وإن صنَّف في الفقه والفرائض أبصرته يدير دفة التفسير بما يتيح له تجلية حكم التشريع ومقاصده، على أنَّ وسيلته المفضلة التي لم يكن يستغني عنها في معالجاته التفسيرية بكل تنوعاتها هي اللغة بمختلف فروعها من نحو وصرف وبلاغة وغريب". ولعل الناظر إلى سيرته الأشهر " الروض الأنف " يتلمس بوضوح مظاهر الحسِّ الموسوعي عند السهيلي وما بذله من جهد بارع فيها، صادعًا بأنَّ الرجل كان إمامًا في فنون عصره بنصيب وفير، وقد لاءم بين فنون معرفته حتى جعل منها وحدة يصدر عنها في كل ما يكتب. يقول السُّهيلي في كتابه " الروض الأنف ": «تحصَّل في هذا الكتاب من فوائد العلوم والآداب وأسماء الرجال والأنساب ومن الفقه الباطن اللباب، وتعليل النحو، وصنعة الإعراب ما هو مستخرج من نيف على مائة وعشرين ديوانًا سوى ما أنتجه صدري»، هذا مع كون الرجل كفيف البصر، وقد اطلع على كل هذه المصادر واستوعبها في سيرته وكتبه الأخرى متنوعة الفنون. يقول د. كيان أحمد حازم يحيى: «وقد كان، في مُعظم ما كَتَبَ في التَّفسير، ذا شخصيَّةٍ واضحةٍ، حريصًا على أن يكون له حضورٌ في ما يختارُ من أقوالٍ ويُؤْثِرُ من ترجيحاتٍ، طَويلَ النَّفَسِ في عَرضِ حُجَجِهِ ومُحاكَمَةِ حُجَجٍ مُخالفيه، زيادةً على ما انمازَ به من مَزجِ ثقافته اللُغويُّة النَّحويَّة بمعرفته العرفانية الإشاريَّة المُنضبطة، ودرايته الحديثيَّة الدقيقة، وقُدرته الفقهيَّة والأصوليَّة السَّديدة، إلى غير ذلك من أدواتٍ قَلما ظَهَرتْ مُتناغمة منسجمة في شخصيةٍ علميةٍ كما ظهرت عند السُّهيلي». والمحقق هو "كيان أحمد حازم يحيى الزُّبيديّ" من مواليد عام 1966م، بغداد - العراق، حاصل على الدكتوراه في اللغة العربيّة من قسم اللغة العربيّة / كلِّيّة الآداب / جامعة بغداد، بتقدير (امتياز)، عام 2011م، ويعمل مُدَرِّسًا في قِسمِ اللغةِ العربيَّة / كلِّيّة الآداب / جامعة بغداد. ومن مؤلفاته وتحقيقاته: "الاحتمالات اللغوية المخلة بالقطع وتعارضها عند الأصوليين"، و"كتاب الخصائص" [في النحو]، لشهاب الدِّين القرافي (ت682هـ)، دراسة وتحقيق بالاشتراك مع الأستاذ الدكتور طه محسن عبد الرحمن، و"ورقات أمثلة التعارض" [في أصول الفقه]، لسراج الدِّين الأرموي (ت682هـ)، دراسة وتحقيق، و"اللغة بين الدلالة والتضليل - دراسة نقدية على هامش (معنى المعنى) لأوغدن ورتشاردز" [في علم الدلالة]، و"منهجية القرافي وجهوده في دراسة الفروق في اللغة" [في علم الدلالة]. ومن أعماله المترجمة: ♦ كتاب "معنى المعنى - دراسة لأثر اللغة في الفكر ولعلم الرمزية"، وكتاب "التقابل - تحليل لغوي وسايكولوجي"، وكتاب "الشريعة – النظرية، والممارسة، والتحولات". أما المصنف فهو عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الخثعمي السهيلي (508 - 581 هـ = 1114 - 1185 م): حافظ، عالم باللغة والسير، ضرير. ولد في مالقة بالأندلس، وعمي وعمره 17 سنة، ونبغ فاتصل خبره بصاحب مراكش فطلبه إليها وأكرمه، فأقام يصنف كتبه إلى أن توفي بها. نسبته إلى سهيل (من قرى مالقة)، وهو صاحب الأبيات التي مطلعها: يَا مَنْ يَرَى ما في الضَّميرِ ويَسْمعُ *** أنت المُعدُّ لكلِّ ما يُتوقَّعُ ومن كتبه: ♦ (الروض الأنف والمنهل الروي في ذكر ما حدَّث عن رسول الله وروى) في شرح السيرة النبوية لابن هشام. ♦ (تفسير سورة يوسف). ♦ (الإيضاح والتبيين لما أبهم من تفسير الكتاب المبين) أو (التعريف والإعلام فيما أبهم من القرآن من الأسماء الأعلام). ♦ (نتائج الفكر في علل النحو). ♦ (مسألة رؤية الله تعالى في المنام ورؤية النبي صلى الله عليه وسلم). ♦ (أمالي السهيلي). ♦ (حلية النبيل في معارضة ما في السبيل). ♦ (شرح الجمل للزجاجي في النحو). ♦ (كتاب الفرائض وشرح آيات الوصية). ♦ (مسألة السر في عور الدجال). ♦ (المسائل المفردات). |
يعقوب بن سفيان الفسوي | أ. د. أكرم ضياء العمري | 27-01-2020 | 10,283 | https://www.alukah.net//culture/0/138397/%d9%8a%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d9%81%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b3%d9%88%d9%8a/ | يعقوب بن سفيان الفسوي هو الحافظ الإمام الحجة أبو يوسف يعقوب بن سفيان بن جوّان الفارسيّ الفسوي [1] ، ولد في العقد الأخير من القرن الثاني الهجريّ [2] في مدينة فسا، وهي حاضرة مقاطعة درابجرد في إقليم فارس ومن أكثر مدن فارس عمارة وأوسعها أبنية [3] . وتوفي في مدينة البصرة في 13 رجب سنة 277هـ [4] . وعمره بضع وثمانون سنة [5] ، وأرّخ ابن حبان - في كتاب "الثقات" - وفاته سنة ثمانين أو إحدى وثمانين ومائتين [6] ، وتابعه حاجي خليفة [7] . رحلته في طلب العلم: لم تكن مدينة ( فسا ) من المراكز العلمية المهمة في دراسة الحديث النبوي وعلومه خلال القرون الثلاثة الأولى، لذلك أهملها كل من محمد بن سعد (ت 230هـ). وخليفة بن خياط (ت 240 هـ) في كتابيهما ( الطبقات ) وهما يمثلان دراسة شاملة لمراكز علوم الحديث في القرنين الأولين ومطلع القرن الثالث الهجريّ. بل أهملها أيضا كل من ابن حبان البستي (ت 354 هـ) في كتابه ( مشاهير علماء الأمصار) وابن خلّاد الرامهرمزيّ (ت 360هـ) في كتابه ( المحدث الفاصل ) عند ذكره للمدن والأقطار التي يكثر فيها العلماء ويقصدها الطلاب [8] . لا غرابة إذًا في أن يرحل يعقوب بن سفيان منذ شبابه إلى مراكز العلم المشهورة في عصره، وكانت الرحلة في طلب العلم شائعة في زمنه رغبة في سماع الحديث على أعلام المحدثين في المراكز المختلفة، وسعيًا في تكثير طرقه، وطلبًا للإسناد العالي، ورغبة في التحقق من صحة بعض الأحاديث، وحبًّا في التعرُّفِ على الشيوخ الكثيرين ومذاكرتهم [9] . وقد تغرب يعقوب بن سفيان عن بلدته «فسا» ثلاثين عاما [10] أمضاها في الرحلة الى المشرق والمغرب [11] وزار خلالها عدة مدن وأقطار، ذكرت المصادر بعضها وسجل هو في تأريخه معلومات أوسع عن رحلته اليها. مكّة: وقد استأثرت " مكة " بأكبر عدد من زياراته وبأطول وقت من إقامته، حيث ذكر يعقوب أنَّه قدَّمها في أول شهر رمضان سنة 216 هـ ولعل هذه هي زيارته الأولى لها، وقد مكث فيها أربعة أشهر ثم غادرها بعد هلال المحرم إلى مصر [12] . وسجل يعقوب في كتابه أنَّه حج ست عشرة حجة وذلك خلال سني 216 - 241 هـ، ولم يحج في سني 226 و 237 و 238 و 239 و 240 هـ [13] . وقد تعرّف في مكة على عدد من العلماء الذين أفاد منهم كثيرًا في تحمل الحديث، وروى عنهم في كتاب المعرفة والتأريخ. مصر: وقد ذكر يعقوب بن سفيان أنَّه زار مصر في أول سنة سبع عشرة ومائتين بعد حجه [14] ، وأنَّه كان فيها سنة 226 هـ [15] ، وأنَّه وافى موسم الحج سنة 230هـ من مصر [16] ، ولكن يبدو أنَّه لم يمكث في مصر طيلة الفترة بين سنتي 226- 230هـ، لأنَّ ابن يونس [17] ذكر أنَّ يعقوب بن سفيان «قدِم مصر مرَّتين، الثانية سنة تسع وعشرين ومائتين وكتب عنه بها» [18] . فلابدَّ أنه غادرها قبل سنة 229هـ، وبذلك يكون قد دخل مصر ثلاث مرات وليس مرَّتين كما يذكر ابن يونس. وثمة احتمال أن «تسع» في عبارة ابن يونس تصحيف «ست» فيكون قد دخلها مرتين، ويكون قد مكث فيها ما بين سنتي 226 - 230هـ. الشّام: وذكر يعقوب أنَّه دخل دمشق في آخر سنة 217هـ، لكنه لم يمكث فيها طويلا حيث غادرها إلى الحج [19] . وزار الشام ثانية سنة 219هـ، حيث التقى ببعض الشيوخ في فلسطين ودمشق وحمص [20] . كما زارها أيضا سنة 241هـ، حيث قدِم فلسطين وعسقلان [21] . ودخل أيلة في إحدى هذه القدمات [22] . وقد ذكر أبو زرعة الدمشقيّ - صاحب التاريخ - قدوم يعقوب الى دمشق فقال: «قدم علينا من نبلاء الرجال يعقوب بن سفيان، يعجز أهل العراق أن يروا مثله» [23] . العراق والمشرق: وقد ذكر يعقوب زيارته للبصرة سنة 236هـ، وثانية سنة 237هـ [24] ، كما ذكر وجوده بالسيرجان [25] سنة 239هـ [26] ، وببلخ سنة 240هـ [27] ، وهذا يعني أنه زار المقاطعات الشرقية والشمالية الشرقية من إيران، وإن لم يسجل ذلك في تاريخه حيث لم يستوعب أخبار رحلاته كلها فيه، فقد ذكر أبو عبد الله الحاكم النيسابورىّ [28] قدوم يعقوب بن سفيان إلى نيسابور وسماع شيوخ الحاكم منه [29] . إقامته بفارس: وهكذا طوّف يعقوب بن سفيان بمعظم مراكز الحديث المهمة في شرق العالم الإسلامي وغربة، لكنه كان يرجع الى موطنه ويقيم بين أهله حيث سجل وجوده في فارس خلال سنتي 237 و 238 هـ [30] . وكان في فارس في فترة استيلاء يعقوب بن الليث الصفار عليها [31] ، - وكان استيلاء الصفار عليها منذ سنة 262 هـ [32] - حيث جرت له حكاية معه [33] . ولكنه لم يستقر في موطنه حتى أواخر حياته حيث توفي في مدينة البصرة [34] . وثمة مراكز مهمة لا توجد إشارة الى أن يعقوب دخلها مثل بغداد والكوفة رغم ازدهار دراسات الحديث فيهما في القرن الثالث. ولا شك أن يعقوب بن سفيان كابد صعوبات وشدائد في رحلاته الكثيرة حيث سجل أن قطاع الطرق تعرضوا للقافلة التي كان يصحبها بالسويداء [35] . وقد حكى لأحد تلاميذه بعض ما كان يلقاه من عناء فقال: «كنت في رحلتي فقلَّتْ نفقتي، فكنت أدمن الكتابة ليلا وأقرأ نهارًا، فلما كان ذات ليلة كنت جالسًا أنسخ في السِّراج، وكان شتاءً، فنزل الماء في عيني فلم أبصر شيئًا، فبكيت على نفسي لانقطاعي عن بلدي وعلى ما فاتني من العلم، فغلبتني عيناي فنمت، فرأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النوم فناداني: يا يعقوب لم أنت بكيت؟ فقلت: يا رسول الله ذهب بصري فتحسرت على ما فاتني. فقال لي: أدن مني، فدنوت منه فأمرّ يده على عيني كأنه يقرأ عليهما، ثم استيقظت فأبصرت فأخذتُ نسخي وقعدت أكتب» [36] . شيوخه والرّواة عنه: قال يعقوب: «رويت عن ألف شيخٍ كلهم ثقات» [37] ، ونقل كلٌّ من ابن حجر - عن يعقوب أيضا - وابن كثير أنهم أكثر من ألف شيخ كلهم ثقات [38] . وقد جمعتُ أسماء 402 شيخ منهم [39] ، وكثير منهم من الأعلام المشهورين بالعناية بالحديث وروايته مثل أبي بكر الحميدي صاحب "المسند"، وأبي زرعة الدمشقيّ صاحب "التاريخ"، وعلي بن المديني صاحب كتاب "العلل" وغيره، وسعيد بن كثير بن عفير صاحب "التاريخ"، ونعيم بن حماد الخزاعي صاحب "كتاب الفتن"، وهشام بن عبد الملك أبي الوليد الطيالسي صاحب "المسند"، والأصمعي اللغوي المشهور. وقد خصصتُ المؤلفين منهم بالذكر لأنَّ أغلب شيوخه من الأعلام ومعظمهم يستحق الذكر. أمَّا الرواة عنه فقد ذكرت مصادر ترجمته عددًا منهم، هم: الحافظ الترمذي صاحب " الجامع "، والحافظ النسائي صاحب " السنن "، وابن أبي حاتم صاحب كتاب " الجرح والتعديل "، وابن خزيمة صاحب "السنن"، ومحمد بن إسحاق السراج صاحب " التاريخ "، وعبد الله بن جعفر بن درستويه صاحب المؤلفات الكثيرة في النحو واللغة، والحسن بن محمد بن عثمان الفسوي، وأحمد بن إبراهيم بن شاذان. والثلاثة الأخيرون هم رواة مؤلفاته. ومنهم أيضا: محمد بن إسحاق الصاغاني وهو من شيوخه، وإبراهيم ابن أبي طالب، وحسين بن محمد القباني، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، وأبو عوانة الأسفراييني، وعبد الله بن أبي داود السجستاني، ومحمد بن يعقوب الصفار، ومحمد بن حمزة بن عمارة، وأبو محمد أحمد بن السري ابن صالح بن أبان الشيرازي. توثيقه: حظي يعقوب بن سفيان بتقدير العلماء وكبار النقاد من أعصر مختلفة وبيئات عديدة، فقال عنه أبو زرعة الدمشقيّ [40] : «كان نبيلًا جليل القدر» [41] ، ووصفه ابن حبان البستي [42] بالورع والنسك والصلابة في السنة [43] . وقال عنه أبو عبد الله الحاكم النيسابورىّ: «هو إمام أهل الحديث بفارس» [44] . وأطلق عليه الحافظ الذهبي: «الحافظ الإمام الحجة» [45] ، وقال عنه ابن العماد الحنبلي: «أحد أركان الحديث... وكان ثقة بارعًا عارفًا ماهرًا» [46] . ومن ذلك يتضح إجماع القدامى والمتأخرين على توثيقه، ومما يبين مكانته في نفوس أصحابه ما حدّث به عبدان بن محمد المروزي من رؤيته إياه في المنام بعد وفاته وأنَّه سأله ما فعل بك الله؟ قال: غفر لي وأمرني أن أحدث في السماء كما كنت أحدث في الأرض» [47] . عقيدته: وصفه ابن حبان بالصلابة في السنة [48] ، وقال ابن الأثير: «وكان يتشيع» [49] ، وقال ابن كثير: «وقد نسبه بعضهم الى التشيع»، ونقل ابن كثير عن ابن عساكر: «أن يعقوب بن الليث صاحب فارس بلغه أن يعقوب بن سفيان يتكلم في عثمان بن عفان، فأمر بإحضاره، فقال له وزيره: أيها الأمير إنَّه لا يتكلم في شيخنا عثمان بن عفان السجزيّ، إنَّما يتكلم في عثمان بن عفان الصحابي، فقال: دعوه ما لي وللصحابي!! إني إنما حسبته يتكلم في شيخنا عثمان بن عفان السجزيّ!». وعقب ابن كثير على ذلك بقوله: «وما أظن هذا صحيحًا عن يعقوب بن سفيان فإنَّه إمام محدِّث كبير القدر» [50] . وقال الحافظ الذهبي: «وقيل كان يتكلم في عثمان رضي الله عنه ولا يصح» [51] . ويدل استقراء القسم المتبقي من كتابه وما اقتبس عنه في بقية الكتب على أنه لا يتحامل على أحد من الخلفاء الراشدين، بل إنَّه عقد فصلا في فضائل أبي بكر وفصلا في فضائل عمر رضي الله عنهما، كذلك فإنَّ مشيخة يعقوب حوت - فيما حوت - فضائل أبي بكر وعمر فقد ذكر الذهبي في ترجمة أحمد بن محمد الغزال الشيعي: «قال شجاع الذهلي: كتبت عنه مشيخة يعقوب الفسوي، فكان إذا مرَّ به فضيلة لأبي بكر وعمر تركها» [52] . أمَّا ما ذكره عن عثمان - رضي الله عنه - فكله في الثناء عليه مثل تخريجه حديث: «اسْكُنْ حِرَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أو صديق أو شهيد»، وذكره أن عثمان - رضي الله عنه - كان على حراء مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ [53] . وتخريجه حديث: «لَا يَضُرُّ ابْنَ عَفَّانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ اليوم»، وأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قاله في حقه عند تجهيزه جيش العُسْرة بألف دينار» [54] . وحديث: «أصدقهم حياءً عثمان» [55] ، وتخريجه قول ابن عياش عن عثمان: «كان والله صوامًا قوّامًا من رجل يحبُّ قومه» [56] . وقول عبد الله بن عكيم: «لَا أُعِينُ عَلَى وَاحِدٍ بَعْدَ عُثْمَانَ، فَقِيلَ له: يا أبا معبد وأعنتَ على دمه؟ قال: إني أعدُّ ذكر مساوئه عونًا على دمه» [57] . وقول الشعبي عن القرآن الكريم: «لم يجمعه أحد من الخلفاء من أصحاب النبي صلى الله عليه غير عثمان» [58] . وقد ذكر الفسوي عثمان ضمن الصحابة فترضَّى عنه وخرَّج له حديثًا. وكل ذلك يشير إلى عدم تحامله على عثمان رضي الله عنه، ولو بقي القسم الأول من تاريخه - وفيه حوادث خلافة عثمان - لأمكنني التحقق بشكل أوفى عن تقويمه لشخصية الخليفة الثالث. وتشير بعض رواياته الى عدم تأييده التشيع كقوله في ترجمة زبيد بن الحارث: «ثِقَةٌ ثِقَةٌ خِيَارٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَمِيلُ الى التشيع» [59] . كما تدل مروياته التي اقتبسها اللالكائي - واحسبها من كتاب "السنة" ليعقوب - على أنه يتابع في عقيدته السلف وأهل الحديث حيث خرّج أحاديث في أنَّ القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وإثبات رؤية الله يوم القيامة، وذم أهل البدع والأهواء، والقول بأن الإيمان قول وعمل وأنَّه يزيد وينقص [60] . ثقافته وسماعاته الكتب ومصنّفاته: اهتم يعقوب بن سفيان بالحديث النبوي اهتمامًا كبيرًا، وكرَّس جهده لتحمُّله عن الشيوخ العديدين الموزعين بين مدن العالم الإسلامي شرقًا وغربًا فرحل إليهم وسمع منهم. واهتمَّ بسماع الكتب المشهورة كالموطأ الّذي سمعه مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ تلميذ الامام مالك، وهمّ بسماعه من شيخ آخر لولا أن الحميدي أشار عليه أن لا يفعل لدقة رواية ابن قعنب وإمكان الاعتماد عليها [61] . كما سمع على الحميدي "مسنده" [62] ، ورحل الى أيلة وجهد كل الجهد - كما ذكر هو - ليسمع من محمد بن عزيز الأيلي كتب سلامة بن روح وحديثه، لكن محمد بن عزيز زعم أنه لم يسمع من سلامة شيئًا، ثم حدَّث عنه بعد بما ظهر من حديثه [63] . وقد أفاد يعقوب بن سفيان من المؤلفات والنسخ التي سمعها أو اطلع عليها دون أن يمتلك حق روايتها سماعًا [64] في تصنيف مؤلفاته، وهي: 1- كتاب "المعرفة والتاريخ" [65] . 2- "مشيخته" [66] . 3- كتاب "السنة" [67] . 4- كتاب "البر والصلة" [68] . 5- كتاب "الزوال" [69] . وقد وصل إلينا من مؤلفاته المجلدان الثاني والثالث من كتاب " المعرفة والتأريخ " وفقد المجلد الأول منه [70] ، كما وصل إلينا الجزءان الثاني والثالث من مشيخته [71] أما بقية أجزاء المشيخة فمفقودة. ويذكر كل من الردّاني والكتاني أن المشيخة تقع في ستة أجزاء وأنها مرتبة على البلدان [72] . ولكن القسم الّذي وصل إلينا من " المشيخة " غير مرتب على أساس معين، وقد خرّج يعقوب فيها عن كل شيخ من شيوخه حديثا أو حديثين ولم يترجم لهم. أمَّا الكتب الثلاثة الأخيرة فيبدو من عناوينها أن كتاب " السنة " يعالج موضوعات تتصل بالعقائد، ولعله كان يحتوي على أحاديث وآثار في موضوعات العقائد حيث عني المحدثون بتأليف كتب بهذا العنوان توضح عن طريق سرد الأحاديث والآثار والعقائد كما كانت عند السلف. وأما « كتاب البر والصلة » فلعل مادته تتعلق بالرقائق، ولعله ضم أحاديث وآثارًا في البر والصلة. ولعل كتاب "الزوال" له علاقة بمواقيت الصلاة. وتدلُّ مؤلفات يعقوب على أنَّه كان معنيًّا بالحديث وعلم الرجال والتاريخ والعقائد والرقائق. وكان متفنِّنًا في علمه واسع الاطلاع حتى ذكر أبو زرعة الدمشقيّ أنَّ يحيى بن معين كان ينتخب منه في التاريخ، وقال أبو زرعة أيضا: «بين أنا قاعد في المسجد إذ جاءني رجل من أهل خراسان فقال لي: أنت أبو زرعة؟ قلت: نعم. فجعل يسألني عن هذه الرقائق. فقلت: من أين جمعت هذه؟ قال: هذه كتبناها عن يعقوب بن سفيان عنك» [73] . رواة مؤلّفاته عنه: وصل إلينا كتاب "المعرفة والتاريخ" من رواية عبد الله بن جعفر بن درستويه الفسوي (ت 346هـ) الّذي سمعه من يعقوب بن سفيان، ومن طريق ابن درستويه اقتبس معظم المؤلفين من كتاب " المعرفة والتاريخ ". كذلك روى ابن درستويه مشيخة يعقوب عنه، ومن طريقه وصل إلينا الجزءان الثاني والثالث منها. وابن درستويه من أعلام النحويين والأدباء صنف عدة مؤلفات منها: كتاب " الإرشاد في النحو "، و "تفسير كتاب الجرمي" ، و" كتاب الهجاء" ، و" كتاب شرح الفصيح " [74] ، و" كتاب الكتّاب " [75] ، وغيرها [76] . وقد وثّقه أبو سعد الحسين بن عثمان الشيرازي والحافظ أبو عبد الله ابن مندة وضعّفه هبة الله بن الحسن الطبري، وقال: «بلغني أنه قيل له حدث عن عباس الدوري حديثًا ونحن نعطيك درهمًا ففعل، ولم يكن سمع من عباس». وقد ردَّ الخطيب البغدادي ذلك فقال: «وهذه الحكاية باطلة لأنَّ أبا محمد بن درستويه كان أرفع من أن يكذب لأجل العوض الكثير فكيف لأجل التافه الحقير، وقد حدثنا عنه ابن رزقويه بأمالي أملاها في جامع المدينة [77] ، وفيها عن عباس الدوري أحاديث عدة» [78] . وقال الخطيب: «سألت البرقاني عن ابن درستويه فقال: ضعفوه لأنَّه لما روى كتاب "التاريخ" عن يعقوب بن سفيان أنكروا عليه ذلك، وقالوا له إنما حدَّث يعقوب بهذا الكتاب قديمًا فمتى سمعه منه؟!» [79] . وردَّ الخطيب ذلك فقال: «وفي هذا القول نظر لأن جعفر بن درستويه من كبار المحدثين وفهمائهم، وعنده عن علي بن المديني وطبقته، فلا يستنكر أن يكون بكّر بابنه في السماع من يعقوب بن سفيان وغيره، مع أن أبا القاسم الأزهري قد حدثني قال: رأيت أصل كتاب ابن درستويه بتاريخ يعقوب بن سفيان لما بيع في ميراث ابن الأبنوسي، فرأيته أصلا حسنًا، ووجدت سماعه فيه صحيحًا» [80] . وأحسب أن توثيق الخطيب والشيرازي وابن مندة له وشهادة أبي القاسم الأزهري له يقطع بصحة سماعه ويدفع ما قيل في تضعيفه لأن التضعيف ذكر مفسرًا بقدم تحديث يعقوب بتأريخه وابن درستويه ولد سنة 258هـ [81] فلا يلحق بالتحديث القديم. وأقول أنَّ ابن درستويه ثقة بشهادة العلماء من معاصريه فلا يضعف بمجرد شبهة، ويعقوب توفي سنة 277هـ، فلا تتعذر اللقيا بين ابن درستويه وبينه وهما ابنا بلدة واحدة، وليس من دليل على أن يعقوب لم يحدث بتاريخه في سني حياته الأخيرة بل الأولى أن يكثر الإقبال على سماع تاريخه منه بعد أن نال شهرة واسعة وأصبح من أعلام المحدثين الذين يقصدهم طلاب العلم لسماع مؤلفاتهم ومروياتهم. وما دام الأمر كذلك فإنَّ قول الثقة معتمد ما لم تقم الحجة على دحضه، ولا حجة في دحض سماع ابن درستويه كتاب "المعرفة والتاريخ" بل إنَّ الأزهري رأى سماعه على أصله وشهد بصحة السماع وحسن الأصل. وكفى بشهادة مثل الازهري. أما الراويّ الآخر لمصنفات يعقوب فهو الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي «كان عنده أكثر مصنفات يعقوب بن سفيان وهو ثقة نبيل» [82] ، ويغلب على ظني أنَّ النصوص التي اقتبسها عن يعقوب بن سفيان - بواسطة الحسن بن محمد بن عثمان - ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله" واللالكائي في مؤلفه كتاب "شرح السنة" والخطيب البغدادي في مؤلفه كتاب "الفقيه والمتفقه"، وابن عساكر في "تاريخ مدينة دمشق" هي من كتاب "السنة" ليعقوب بن سفيان - وهو مفقود - لأنها تدور حول الاعتصام بالسنن. أما الراويّ الآخر لمصنَّفات يعقوب فهو أحمد بن إبراهيم بن شاذان حيث روى عن يعقوب بن سفيان كتاب "الزوال" [83] . ♦ ♦ ♦ كتاب المعرفة والتّأريخ تقريض العلماء له واهتمامهم بسماعه: قال عنه ابن قيم الجوزية: « هو كتاب جليل غزير العلم جم الفوائد » [84] وقال ابن كثير أنَّه من الكتب المفيدة [85] . وقد اهتم العلماء بسماعه وممن سمعه من كبار المصنفين الخطيب البغدادي وعبد الرحمن بن الجوزي وابن عساكر، وكلهم من رواية ابن درستويه، ويدل على سماعهم للكتاب ألفاظ تحملهم للروايات التي اقتبسوها منه في مؤلفاتهم وهي « حدثنا » و « أخبرنا ». كذلك قرأ السمعاني أكثره على أبي الفتوح عبد الله بن علي بن سهل بن العباس الخركوشي (ت 544 هـ) [86] . وقد استمر اهتمام العلماء بتاريخ يعقوب حتى الأعصر المتأخرة فحصل بعضهم على حق روايته بالإجازة وقد ذكر محمد بن سليمان المغربي الردّاني (ت 1094هـ) إجازته بروايته ويرقى سنده إلى الخطيب البغدادي عن محمد بن الحسين القطان عن عبد الله ابن جعفر بن درستويه عن يعقوب الفسوي [87] . مما يدل على اشتهار رواية ابن درستويه لكتاب " المعرفة والتاريخ " واعتماد العلماء عليها. نطاق مادّته: نطاق مادّة القسم المفقود من كتابه: فقد المجلد الأول من كتاب المعرفة والتأريخ، وهو يتناول التاريخ على السنين ويشتمل على السيرة النبويّة وعصر الراشدين والعصر الأموي وخلافة السفاح. محتوى المجلدين اللذين وصلا إلينا: وهما المجلدان الثاني والثالث ويتناول المجلد الثاني أواخر الحوليات التي تناولها سائر المجلد الأول المفقود، ويبدأ من خلال سنة 136هـ وينتهي في حوادث سنة 242هـ. ثم يبدأ القسم المتعلق بمعرفة الرجال ويتناول تراجم الصحابة والتابعين ويخص بعضهم بتراجم مسهبة. أمَّا ( المجلد الثالث ) فقد ترجم فيه لمن بعد التابعين من رواة الحديث وبيّن أحوال الكثيرين من الرجال من رواة الحديث من حيث الجرح والتعديل، كما عقد عنوانًا في «معرفة القضاة» [88] وسرد فيه أسماء قضاة البصرة، ثم رجع الى التعريف بالرجال وذكر أحوالهم، ثم ذكر فضائل مصر وبعض الصحابة ومن بعدهم من أهلها [89] ، ثم ذكر فضائل الشام [90] ، ثم ذكر التابعين من أهل الشام، وقد استغرق ذكرهم 73 ورقة، ثم ذكر (أول أخبار أهل الكوفة) [91] فذكر فضائلها، ثم ترجم لعبد الله بن مسعود وسلمان الفارسيّ، ثم التابعين ومن بعدهم من أهل الكوفة، وعقد فصلا خاصًّا في «مَا جَاءَ فِي الْكُوفَةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ النُّعْمَانِ بن ثابت وأصحابه والأعمش وغيره» [92] . وذكر روايات في ذم الكوفة. ثم عقد فصلًا عنوانه «باب من يرغب عن الرواية عنهم وَكُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يُضَعِّفُونَهُمْ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَمَنْ في عدادهم من سائر الآفاق» [93] ، وأخيرًا عقد فصلا في «الكنى والأسامي ومن يعرف بالكنية» [94] . وبه انتهى كتاب "المعرفة والتاريخ". المصدر: مقدمة كتاب المعرفة والتاريخ للفسوي، طـ مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الثانية، 1401هـ - 1981م [1] الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (1/ 582)، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 385). [2] ذكرت المصادر أنه توفي سنة 277 هـ، وله بضع وثمانون سنة ولم تحدد تاريخ مولده. [3] ياقوت: "معجم البلدان" (3/ 892 - ط: ليدن). [4] ابن أبي حاتم: "الجرح والتعديل" (مجلدة 4 قسم 2/ 208)، والسمعاني: "الأنساب" (ق 428 و2 - ط. حجر)، وابن الأثير: "الكامل في التاريخ" (7/ 440)، و"اللباب في تهذيب الأنساب" (2/ 216)، وابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60)، والذهبي: "تذكرة الحفاظ" (2/ 583)، وابن العماد: "شذرات الذهب" (2/ 171). [5] ابن العماد: "شذرات الذهب" (2/ 171). [6] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 388). [7] حاجي خليفة: "كشف الظنون" (1/ 299). [8] الرامهرمزيّ: "المحدث الفاصل" (229- 233). [9] أكرم العمري: "بحوث في تاريخ السنة المشرفة" (220- 221). [10] الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (2/ 583)، وابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 59). [11] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 32 أ). [12] المصدر السابق (ق 32 أ - ق 35 ب). [13] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ"، أحداث السنين من 216- 241 هـ. [14] المصدر السابق (ق 32 أ). [15] المصدر السابق (ق 34 أ). [16] المصدر السابق (ق 34 ب). [17] هو أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفي المصري (ت 347 هـ) صاحب "تاريخ مصر"، و"تاريخ الغرباء الواردين عليها" وكلاهما مفقود. [18] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 386). [19] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 32 ب). [20] المصدر السابق (ق 33 أ)، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 386) ينقل ذلك عن ابن درستويه عن يعقوب أيضا. [21] المصدر السابق (ق 35 ب). [22] الذهبي: "ميزان الاعتدال" (3/ 648)، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (9/ 344). [23] الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (2/ 583)، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 387). [24] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 35 أ، ب). [25] هي قصبة مقاطعة كرمان، جنوب شرقي إيران. [26] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 35 ب). [27] المصدر السابق. [28] صاحب "تاريخ نيسابور" المتوفى سنة 404 هـ، وتاريخ نيسابور معظمه مفقود وقد نشر فراي ما بقي منه، كما يوجد مختصر له بالفارسية وهو مطبوع. [29] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60)، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 386). [30] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 35 ب). [31] ياقوت: "معجم البلدان" (3/ 892 - ط. ليدن)، وابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60). [32] الطبري: "تاريخ" (9/ 527). [33] انظرها في مادة «عقيدته». [34] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60). [35] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 32 أ). [36] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60)، نقلا عن ابن عساكر، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 386 – 387). [37] ياقوت: "معجم البلدان" (892 - ط. ليدن). [38] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 387)، وابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60)، وقارن بالذهبي: "ميزان الاعتدال" (1/ 104)، حيث يضيف يعقوب: ما أحد منهم أتخذه عند الله حجة الا أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح». [39] انظر أسماءهم والمصادر التي أوردتهم في الملحق. [40] هو أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقيّ صاحب "كتاب التاريخ" المتوفى 282 هـ، وقد أعدَّه للنشر شكر الله نعمة الله وهو أطروحته لنيل الماجستير من جامعة بغداد. وانظر عنه: أكرم العمري: "بحوث في تاريخ السنة المشرفة" (ص 118). [41] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 387). [42] هو محمد بن أحمد بن حبان البستي (ت 354 هـ) صاحب كتاب "الثقات"، وكتاب "المجروحين"، وكتاب "مشاهير علماء الأمصار". [43] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 386)، ويبدو أن المصنفين المتأخرين اقتبسوا عبارة ابن حبان دون نسبتها اليه (انظر السمعاني: "الأنساب" (ق 428 ب) (ط. حجر)، وابن الأثير: "اللباب في تهذيب الأنساب" (2/ 215 – 216)، وياقوت: "معجم البلدان" (3/ 892) (ط. ليدن). [44] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60). [45] الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (2/ 582). [46] ابن العماد: "شذرات الذهب" (2/ 171). [47] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60)، بتفصيل أكثر، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 388). [48] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 386)، والسمعاني: "الأنساب" (ق 28 4 ب) (ط. حجر). [49] الفسوي: "كتاب المعرفة والتاريخ" (ق 49 ب). [50] المصدر السابق (ق 62 أ، 64 ب). [51] المصدر السابق (ق 146 ب). [52] المصدر السابق (ق 147 أ). [53] ابن الأثير: "الكامل في التاريخ" (7/ 440). [54] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60)، وياقوت: "معجم البلدان" (3/ 892 - ط. ليدن) ، ويذكر فيها أن الفسوي «كان يتشيع». [55] الذهبي: "تذكرة الحفاظ" (2/ 583). [56] الذهبي: "ميزان الاعتدال" (1/ 130). [57] المصدر السابق (ق 42 أ). [58] المصدر السابق ق 149 أ. [59] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (3/ 311). [60] اللالكائي: "كتاب شرح السنة" (ق 62 ب، 67 أ، 77 ب، 103 ب، 112 ب، 203 أ). [61] الخطيب: "الكفاية" (272- 273). [62] الفسوي: كتاب "المعرفة والتاريخ" (ق 32 أ). [63] الذهبي: "ميزان الاعتدال" (3/ 648)، وابن حجر: "تهذيب التهذيب" (9/ 344). [64] انظر عن هذه المصنفات مادة (موارده). [65] ذكره الخطيب البغدادي: "تاريخ بغداد" (9/ 429)، والمالكي: "تسمية ما ورد به الخطيب دمشق" رقم 369، والسمعاني: "الأنساب" (5/ 103)، والذهبي: "تاريخ الإسلام" (1/ 14)، و"تذكرة الحفاظ" 582، والسخاوي: "الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ" 685، وحاجي خليفة: "الرسالة المستطرفة" 140 - 141، والرداني: "صلة الخلف بموصول السلف" (ق 50 ب). [66] ذكره المالكي: "تسمية ما ورد به الخطيب دمشق" رقم 425، والذهبي: "تذكرة الحفاظ" 582، و"ميزان الاعتدال" (1/ 130)، والكتاني: "الرسالة المستطرفة" (140- 141)، والرداني: "صلة الخلف بموصول السلف" (ق 126 ب)، وابن العماد: "شذرات الذهب" (2/ 171). [67] المالكي: "تسمية ما ورد به الخطيب دمشق" رقم 79. [68] المصدر السابق رقم 174. [69] الخطيب: "تاريخ بغداد" (9/ 393 سطر 4). [70] انظر وصف النسخة ومن ذكرها (ص 58). [71] يقع الجزء الثاني منها في 29 ورقة، أما الجزء الثالث فيقع في 22 ورقة، وهما مخطوطان في دار الكتب الظاهرية. [72] الرداني: "صلة الخلف بموصول السلف" (ق 50 ب)، حيث حصل الرداني على إجازة برواية مشيخة يعقوب، وسند أجازته يرقى الى الحسن ابن أحمد بن شاذان عن عبد الله بن جعفر بن درستويه عن يعقوب بن سفيان وهو سند النسخة الخطية التي وصلت إلينا من المشيخة. والكتاني: "الرسالة المستطرفة" (140- 141). [73] ابن حجر: "تهذيب التهذيب" (11/ 387). [74] حققه عبد الله الجبوري ونال به رتبة الماجستير من جامعة بغداد. [75] طبع الطبعة الثانية في بيروت، المطبعة الكاثوليكية سنة 1927 هـ بعناية الأب لويس شيخو. [76] انظر ابن درستويه: كتاب "الكتّاب"، مقدمة (ص 5). [77] المقصود جامع مدينة المنصور المدورة. [78] الخطيب: "تاريخ بغداد" (9/ 429). [79] المصدر السابق والذهبي: "ميزان الاعتدال" (2/ 401). [80] الخطيب: "تاريخ بغداد" (9/ 429)، والذهبي: "ميزان الاعتدال" (2/ 401). [81] الخطيب: "تاريخ بغداد" (9/ 429). [82] السمعاني: "الأنساب" ق 428 ب. [83] الخطيب: "تاريخ بغداد" (9/ 393). [84] ابن القيم: "إعلام الموقعين" (3/ 94). [85] ابن كثير: "البداية والنهاية" (11/ 60). [86] السمعاني: "الأنساب" (5/ 103). [87] الرداني: "صلة الخلف بموصول السلف" ق 50 ب. [88] كتاب "المعرفة والتاريخ" 3/ ق 71. [89] المصدر السابق 3/ ق 84 أ. [90] المصدر السابق 3/ ق 87 أ- 93 أ. [91] المصدر السابق 3/ ق 166 ب. [92] المصدر السابق 3/ ق 233 ب. [93] المصدر السابق 3/ ق 276 أ- ق 282 ب. [94] المصدر السابق 3/ ق 282 ب. |
الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه للإمام مكي بن أبي طالب | محمود ثروت أبو الفضل | 27-01-2020 | 6,014 | https://www.alukah.net//culture/0/138396/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%b6%d8%a7%d8%ad-%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b3%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d9%88%d9%85%d9%86%d8%b3%d9%88%d8%ae%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%83%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8/ | الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه للإمام مكي بن أبي طالب صدر حديثًا تحقيق كتاب " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " تصنيف الإمام " أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي " (المتوفى سنة 437هـ)، بتحقيق د. "أحمد حسن فرحات" ، وذلك عن " دار ابن كثير ". ويعدُّ هذا التحقيق للدكتور " أحمد حسن فرحات " ضمن اهتمامه بجمع تراث الإمام " مكي بن أبي طالب " وتحقيقه، حيث كان موضوع أطروحته العلمية لنيل درجة الدكتوراه عن " مكي بن أبي طالب وتفسير القرآن الكريم " حيث قام برحلة علمية قام فيها بجمع جميع مؤلفات مكي بن أبي طالب المخطوطة من مكتبات العالم المختلفة، وكان كتاب " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه " من جملة هذه الكتب وذلك على أربعة نسخ خطية هي جملة مخطوطات الكتاب، والذي اهتم فيه " الإمام مكي " - رحمه الله - ببسط أصول النسخ في القرآن الكريم وبيان اختلاف الناس فيه. وقد بدأ الإمام مكيُّ كتابه بمقدمة نزه الله فيها عمَّا لا يليق به من صفات المُحدَثين لمناسبتها لبحث النسخ، ثم ذكر أهمية علوم القرآن، وأكَّد على النسخ بخاصة، ثم ذكر مميزات كتابه وهي: 1- جمعه ما تفرَّق في كتب المتقدمين وما لم يحتوِ عليه كتابٌ واحد منها. 2- ذكره ما تباين فيه قولهم واختلفت فيه روايتهم. 3- تتبعه كتب الأصول وجمعه منها مقدمات في أصول النسخ التي لا يستغنى عنها، وقد أهملها أو أكثرها كل من ألف في الناسخ والمنسوخ. 4- ذكر ملاحظات على من كتب في النسخ ممن تقدمه، ونبه على أشياء دخلها وهم، ونُقلَت على حالها في كتب الناسخ والمنسوخ، وأشياء لا تلزم في الناسخ والمنسوخ، وأشياء لا يجوز فيها النسخ. ذكر جميع ذلك وبين الصَّواب فيه ووضَّحه حسب مقدرته وما بلغه من العلم. والكتاب يشمل مقدمات في أصول النسخ أجملها الإمام مكي بن أبي طالب في عشرة أبواب، حيث تكلم عن معنى النسخ في اللغة والاصطلاح في الباب الأول، وبالباب الثاني خصصه لبيان حقيقة النسخ وكيفيته، وقد سبق الإمام مكي غيره من العلماء بالأفكار التي ضمَّنها هذا الباب وقد ربط مكي في هذا الباب بين نزول القرآن منجَّمًا وإمكانية النسخ، وهي لفتة بارعة لمكي لم تُعرف لغيره، وقد ذكرها له السيوطي في " الإتقان ". والباب الثالث خصصه لبيان النصِّ على جواز النسخ للقرآن حيث ربط الآيات التي تدل على النسخ بمعاني النسخ اللغوية ودلالاتها. أما الباب الرابع فذكر فيه ما يجوز أن يُنسَخ وما لا يجوز. وعقد الباب الخامس لبيان أقسام المنسوخ، فيذكر له ستة أقسام، ومنه القسم الثالث الذي جعله في باب "ما فرض العمل به لعلة ثم زال العمل به لزوال تلك العلة، وبقي متلوًّا نحو آيات "الممتحنة" لعلة المهادنة، وهو مما سبق إليه الإمام مكي بن أبي طالب في كتابه كذلك. ثم يذكر بعد ذلك أقسام الناسخ. والباب السادس جعله لما يجوز أن يكون ناسخًا ومنسوخًا، وتحدث فيه عن نسخ القرآن بالقرآن، ونسخ القرآن بالسنة المتواترة، ونسخ السنة بالسنة، ونسخ القرآن بالإجماع، ونسخ الإجماع بإجماع بعده. ويذكر المحقق أنه من الملاحظ أن الإمام مكيَّ - رحمه الله - لم يصرح في كتابه بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة وإنما اكتفى بإيراد الاختلاف فيه، وإن كان يشتم من شرحه في هذا الباب على هذه المسألة أنه يرجح بعدم جواز نسخ القرآن بالسنة. ويتحدث بعد ذلك الإمام مكي عن نسخ السنة بالسنة، ويبذل في هذا الباب محاولات لإيجاد الشبه بين نسخ السنة بالسنة، ونسخ القرآن بالقرآن، سواء في القواعد أو في التطبيقات. ثم يعقد بابًا للفرق بين النسخ والتخصيص والاستثناء، ويخرجِّ بناء على هذه الفروق عدد كبير من الوقائع التي ادُّعي فيها النسخ لأنها تخصيص أو استثناء وليست بنسخ. ثم يتبع ذلك بشرح لأقسام ما يخصص القرآن. ويجعل الباب التاسع لبيان شروط الناسخ والمنسوخ. والباب العاشر جعله الإمام مكي للقول الجامع لمقدمات الناسخ والمنسوخ، ثم يختم ذلك بقوله: «قال أبو محمد: قد أتينا في كل أصل من أصول الناسخ والمنسوخ، والتخصيص بإشارة تذكر العالم وتنبه الغافل، وتفيد الجاهل، واختصرنا كل ذلك مع بيان، وشرحناه مع إيجاز». وقد استعرض مكي في كتابه مائتي واقعة من الوقائع التي ادَّعي فيها النسخ، وقام بردِّ هذه الوقائع، ولم يصح عنده منها إلا قليل، بالحجج التي ساقها والتطبيقات التي بنى عليها منهجه في الكتاب لبيان الناسخ والمنسوخ. وقد قام الأستاذ المحقق د. "أحمد حسن فرحات" بمقابلة الكتاب على نسخه الخطية الأربعة وإثبات متن الكتاب مع شرح ما غمض من لغوياته وتشكيل نصه ووضع مقدمة وافية له بمنهج الإمام " مكي بن أبي طالب القيسي " في كتابه، وما تفرد به عن غيره من العلماء الذين بحثوا في موضوع " الناسخ والمنسوخ" وسبقه غيره من العلماء بالقواعد والأصول التي بنى عليها مادة كتابه، والمخطوطات التي عثر عليها للكتاب هي: 1- نسخة بالمكتبة السليمانية في تركيا تحت عنوان "الناسخ والمنسوخ" في مكتبة شهيد علي باشا رقم (305) كتبت بخط نسخ جيد. 2- نسخة جيدة في الخزانة المتوكلية العامرة بالجامع المقدس بصنعاء تحت رقم (58) تفسير وهي مخطوطة في سنة (1093)، الأولى ضمن مجموع رسائل بلغ عدد صفحاتها 480 صفحة، أما عدد أوراق رسالة مكي منفردة 62 سفحة فقط. 3- نسخة ثالثة مصورة بالميكروفيلم، تحت عنوان " الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه ومعرفة أصوله واختلاف الناس فيه " من مكتبات الأزهر، صورتها اليونسكو، وهي موجودة في دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات التابع للجامعة العربية، برقم تسلسل: 198 كتبت بخط مغربي قديم في أوراق عددها 89 صفحة وبها تصحيفات واضحة. 4- نسخة في خزانة القرويين بفاس تحت رقم (63) في 77 ورقة بخط يوسف بن مخلف الكاتب في سنة عشر وخمسمائة وهي أقدم نسخ الكتاب وأصابت الأرضة أطراف الكتاب وأضاع الإصلاح بعضًا من أطراف الكتاب وكلماته. وقد سلك المحقق في تحقيق نسخ الكتاب على طريقة النص المختار، ولم يشأ أن يجعل نسخة أصلًا، لأن النسخة الأقدم ضاع شيء من أطرافها والنسخ الباقية متأخرة عنها، ومن ثم رجح ما أثبته في النص، وأشار إلى الفروق بين النسخ في الهوامش. أما عن مؤلف هذا الكتاب الهام فهو أبو محمد مكي بن أبي طالب حموش بن محمد بن مختار الأندلسي القيسي (355 - 437 هـ = 966 - 1045 م) مقرئ، وعالم بالتفسير والعربية. من أهل القيروان. ولد فيها، وطاف في بعض بلاد المشرق، وعاد إلى بلده، وأقرأ بها. ثم سكن قرطبة (سنة 393) وخطب وأقرأ بجامعها وتوفي فيها. ويعد مكي بن أبي طالب من العلماء المحققين بل هو خاتمة أئمة القرآن بالأندلس، وكان متبحرًا في علوم القرآن والعربية، حسن الفهم والخلق، مكثرًا للتأليف حيث تزيد كتبه على مائة مؤلف، ومنها: " مشكل إعراب القرآن "، و" الكشف عن وجوه القراآت وعللها "، و" الهداية إلى بلوغ النهاية في معاني القرآن وتفسيره "، و" التبصرة في القراآت السبع "، و" المنتقى في الأخبار "، و" الموجز في القراآت "، و" الإيجاز في الناسخ والمنسوخ "، و" الرعاية لتجويد التلاوة "، و" الإبانة في القراآت "، و" شرح كلّا وبلى ونعم "، و" فهرس جامع لرحلته "، مشتمل على مروياته وتراجم شيوخه وأسماء تآليفه. |
مسائل الخلاف في أصول الفقه للصيمري | محمود ثروت أبو الفضل | 26-01-2020 | 13,990 | https://www.alukah.net//culture/0/138375/%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%b5%d9%8a%d9%85%d8%b1%d9%8a/ | مسائل الخلاف في أصول الفقه للصيمري صدر حديثًا تحقيق جديد يطبع لأول مرة لكتاب " مسائل الخلاف في أصول الفقه "؛ تأليف: القاضي أبي عبدالله الحسين بن علي الصَّيمري الحنفي (ت 436 هـ)، تحقيق: " مقصد فكرت أوغلو كريموف "، وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات " دار أسفار " لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وهذا الكتاب من أهم الكتب النادرة في أصول الفقه؛ وذلك لتقدم عصر مؤلفه، فمؤلفه - أبو عبدالله الصيمري - هو شيخ الحنابلة في عصره، حيث عاش في النصف الثاني للقرن الرابع الهجري وحتى النصف الأول من القرن الخامس الهجري، وكتابه هذا من أجود كتب أصول الحنفية وأقدمها، وقد أتى فيه بكثير من المسائل الخلافية بإيحاز بحيث يتمكن قارئه من الإلمام بأهم المسائل في أصول الفقه بأقل عناء ومن أقصر طريق. وهذا الكتاب جدير بأن يكون محل عناية الباحثين في علم الأصول عمومًا سواء للحنفية والحنابلة والشافعية. أما الحنفية فلأن مصنفه من كبار فقهاء الحنفية وقضاتهم الأجلاء، أدرك الجصاص وأخذ عن تلاميذه، ويعتبر هذا الكتاب خادمًا لأصول الجصاص، فالجصاص مصدر أصيل من مصادر الصَّيمري، يصحح به نص الجصاص، ويستدرك به شيء مما فاتنا من أصول الجصاص. وأما الحنابلة: فبين هذا الكتاب وكتاب العدة لأبي يعلى - وهو عمدة الحنابلة في الأصول - اتصال وثيق واشتراك في المادة، وقد بين الكاتب في حواشي الكتاب مواضع القدر المشترك بين الكتابين. وأما الشافعية فكتاب ( مسائل الخلاف ) أول كتاب يصلنا معنيًّا بجمع الخلافات الأصولية بين الحنفية والشافعية، وبناءً عليه؛ فتبصرة الشيرازي (ت 476 هـ) مسبوقة بكتاب الصيمري. وقد سبق هذا التحقيق الموسع تحقيقان قديمان أعدا كرسالتين علميتين لمتن الكتاب إحداهما لنيل درجة الماجستير في أصول الفقه من إعداد المحقق "راشد بن علي بن راشد الحاي" وذلك من كلية الشريعة بالرياض بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وذلك عام 1405 هـ / 1985 م. والأخرى لنيل درجة الدكتوراه للباحث " عبد الواحد جهداني " بجامعة إكس بروفانس - مارسيليا - فرنسا، وذلك عام 1411 هـ/ 1991م. أما مؤلف الكتاب فهو القاضي الفقيه الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصيمري (351 - 436 هـ = 962 - 1045م) كان شيخ الحنفية ببغداد. أصله من صيمر ( من بلاد خوزستان) ولي قضاء المدائن، ثم ربع الكرخ إلى أن مات ببغداد. أخذ العلم عن أبي نصر محمد بن سهل بن إبراهيم وعن أبي بكر محمد الخوارزمي وعن أبي بكر الجصاص الرازي وعن أبي الفضل الزهري وحدث عن أبي بكر محمد بن أحمد الجرجاني وعن ابن شاهين، وأخذ عنه قاضى القضاة أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسين الدامغانى وأبو الحسن على بن الحسين الصندلى النيسابورى وروى عنه أبو بكر أحمد بن علي الخطيب. ومن مؤلفاته ( مناقب الإمام أبي حنيفة ) وكتاب ( مسائل الخلاف ) السابق الذكر. قال عنه أبو بكر الخطيب: " كان حسن العبارة جيد النظر " وقال "كان صدوقًا وافر العقل جميل المعاشرة عارفًا بحقوق أهل العلم" وذكر ابن الأثير أنه "شيخ أصحاب أبي حنيفة في زمانه". وقال عنه ابن العماد الحنبلي " كان ثقة صاحب حديث" ، وقال الإمام الذهبي في ترجمته " شيخ الحنفية العلامة المحدث ". |
تحقيق النصوص بين اختلاف الروايات وأهمية السماعات وتعدد الإبرازات | محمود ثروت أبو الفضل | 21-01-2020 | 4,939 | https://www.alukah.net//culture/0/138300/%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b5-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a3%d9%87%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%aa%d8%b9%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%b2%d8%a7%d8%aa/ | تحقيق النصوص بين اختلاف الروايات وأهمية السماعات وتعدد الإبرازات صدر حديثًا دراسة " تحقيق النصوص بين اختلاف الروايات وأهمية السماعات وتعدد الإبرازات " تأليف د. "ب شار عوّاد معروف "، وذلك عن مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي ودراسة المخطوطات الإسلامية. وأصل الكتاب محاضرة ألقاها فضيلة المحقق د. " بشار معروف " بتاريخ 23 أكتوبر 2019 م إثر دعوة تلقاها من مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي بلندن، وتناول فيها تلك المحاضرة العلمية حول قواعد تحقيق النصوص ونشرها، وما يجب أن يتحلى به المحقق في عصرنا الحديث حيال تحقيق تراثنا الإسلامي الزاخر. وقد تناولت المحاضرة ثلاث قضايا مهمة لم يولها المعنيون بتحقيق النصوص العربية ما تستحقه من الاهتمام والدراسة: أولها: اختلاف رواة الكتب المؤلفة في المئتين الثانية والثالثة للهجرة في ترتيبها ومتونها، مع أن مؤلفها واحد، والرواة عنه من تلامذته الثقات المتقنين، متخذة من " موطأ " الإمام مالك بن أنس (ت 179-795م) نموذجًا، حيث وصلت إلينا منه عدة روايات مختلفة في ترتيب كتبه وأبوابه، وعدد أحاديثه المرفوعة والموقوفة، وفتاوى الصحابة والتابعين وفتاوى مالك نفسه. الثانية: دراسة أهمية السماعات المثبتة على النسخ الخطية لكبار العلماء، وفيما إذا كانت هذه السماعات تقدّم امتيازًا للنسخة الخطية من حيث صحة المعلومات الواردة فيها، وتحديد منزلتها بين النسخ الأخرى سلبًا أو إيجابًا. الثالثة: سبل التعامل مع تعدد إبرازات الكتاب الواحد عند القيام بتحقيقه، والمنهج الأمثل المتبع في ذلك؛ فقد كان المؤلف في عصر المخطوطات، كما هو الحال في عصرنا، ربما أعاد النظر في كتابه، زيادة وحذفًا وتنقيحًا، فينتسخ النساخ من إبرازته الأولى، وينتسخ آخرون من إبرازته الأخيرة، فتختلف النسخ، وتتباين زيادة ونقصًا. ود. " بشار عوّاد معروف " مؤرخ وكاتب عراقي ومتخصص في تحقيق المخطوطات وتدقيقها، ولد في غرة شعبان سنة 1359 هـ في « الأعظمية » بالعراق. والده هو المحامي عواد معروف، ووالدته هي رضِيّة بنت أحمد الصالح، من أشهر عوائل الأعظمية، وهي أكبر خالات الشاعر المشهور وليد الأعظمي، وعمه هو المؤرخ ناجي معروف صاحب كتاب « عروبة الإمام أبي حنيفة النعمان ». • حصل على الماجستير سنة 1967 م ( بامتياز ) من جامعة بغداد، عن دراسة وتحقيق « التكملة لوفيات النقلة » للمنذري، في 8 مجلدات، وأثناء تحقيق هذا الكتاب اتصل اتصالًا قويًّا بالدكتور مصطفى جواد (المتوفى 1969م) يرحمه الله - فلازمه ودرس عليه علم تحقيق النصوص، وتأثر به تأثرًا بيّنًا في تحقيقه للكتاب، وكان يقول: « هو شيخي الذي علمني التحقيق بصفة خاصة ». • حصل على الدكتوراه من كلية الآداب بجامعة بغداد عن رسالته « الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام » • نال مرتبة الأستاذية ( بروفسور ) سنة 1981 م. تولى تأسيس ورئاسة الجامعة الإسلامية في بغداد 1989-1992م. وفي أواخر سنة 1992م انتقل إلى الأردن وعمل أستاذًا في جامعة عمّان، وجامعة البلقاء التطبيقية، وجامعة العلوم الإسلامية العالمية، والجامعة الأردنية 1992-2012م، ثم مستشارًا لصاحب السمو الملكي الأمير علي بن نايف الهاشمي في الديوان الملكي الهاشمي 2014-2017م. انتخب سنة 1985م عضوًا في المجمع العلمي العراقي، وعضوًا في مجمع اللغة العربية الأردني (1988م)، وعضوًا في المجمع الملكي (1988م)، وعضوًا في مجمع اللغة العربية بدمشق (2002م)، ونال عددًا من الدروع والجوائز كان من آخرها جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية لسنة 1439هـ/2018م. وقد ألَّف العديد من الكتب (18 كتابًا)، من أبرزها « المسند المصنف المعلل » في (41) مجلدًا، ومنها أيضًا: "أثر الحديث في نشأة التاريخ عند المسلمين "، و" المنذري وكتابه التكملة "، و" تواريخ بغداد التراجمية "، و" الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام "، و" رحلة في الفكر والتراث "، و" ضبط النص والتعليق عليه "، وحقق (38) كتابًا، بلغ عدد مجلداتها أكثر من (230) مجلدًا من أبرزها: " سير أعلام النبلاء "، للحافظ الذهبي، و "تهذيب الكمال في أسماء الرجال "، للحافظ المزي، و" تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام "، للحافظ شمس الدين الذهبي، و" سنن ابن ماجه "، للإمام محمد بن يزيد القزويني المعروف بابن ماجه، و" الموطأ " للإمام مالك بن أنس، و" حياة الصحابة "، للكاندهلوي.. وغيرها الكثير. |
الأدب والعلم | أحمد أمين | 21-01-2020 | 39,049 | https://www.alukah.net//culture/0/138299/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85/ | الأدب والعلم للأستاذ أحمد أمين [1] مرَّتْ كلمة الأدب والعلم في اللغة العربية في أدوار عدة: استعملوا كلمة الأدب أحيانًا فيما يُرقِّى الخلق ويهذِّب النفس، واستعملوها بمعنًى أوسع حتى عدُّوا أفحشَ شعر لجرير والفرزدق والأخطل أدبًا، وعدوا خمريات أبي نواس وغِلمانياته أدبًا، كما يعد الفنان بعض الصور فنًا وإن كانت صورة لوضع مستهجن أو فعل فاضح. وكذلك الشأن في كلمة العلم، كانوا أحيانًا لا يستعملونها إلا في العلم الديني، ثم توسعوا في معناها حتى شمل كل ما ينتجه العقل والفن. وفي العصور الحديثة فرقوا بين الأدب والعلم ورسموا لكلٍّ دائرة، ومن ثم كانت الصحيفة أو المجلة أحيانًا أدبية، وأحيانًا علمية، وأحيانًا أدبية علمية، وأصبح من المضحك أن نقول علم الأدب لأن العلم غير الأدب، وأصبح لدينا من يسمى ( أديبًا ) فلا يكون عالمًا، وعالمًا فلا يكون أديبًا، وقد يكون أديبًا عالمًا ولكن كلمة ( عالم ) الأزهرية إنما اشتُقَّتْ من العلم بالمعنى الواسع الذي يشمل الأدب والعلم معًا. وبعد: فما الفرق بين العلم والأدب، وما الذي يجعل الأدب أدبًا والعلم علمًا؟ الحق أنَّ كلمة الأدب والعلم من الألفاظ الغامضة التي نفهمها نوعًا من الفهم فإذا أردنا تحديدها حرنا في أمرها، كالجمال والعدل والخيال والحرية والعبودية، وإذا سألنا ( حتى الخاصة ) في معناها أجاب كلٌّ حسب ميوله وأغراضه، وحسب طبيعة فهمه للكلمة. وهناك أشياء لا نشك في أنها علم أو أدب، فلو سئلت عن نظريات الهندسة وقانون اللوغارتمات وقوانين الحساب والطبيعة والكيمياء فذلك علم بالبداهة، وإذا سئلت عن قصائد بشار وأبي نواس والمتنبي ومقامات الحريري فذلك أدب لا علم، ولكن ما حدود الأدب وما حدود العلم؟ قد عودتنا الطبيعة أن الأضداد تفهم ما تباعدت، فإذا ما تقاربت حدودها صعب فهمها، ما أسهل ما تقول: إن هذا ظل وهذا شمس، ولكن عند تقارب الظل من الشمس تجد خطوطًا يصعب أن تقول أهي ظل أم شمس، وما أسهل ما تقول: إن هذا الماء حار أو بارد إذا اشتدت حرارته وبرودته، ولكن ما أصعب ذلك إذا أخذ الحار يبرد والبارد يسخن فإنك تصل لا محالة إلى درجة يعسر عليك الحكم فيها بالحرارة أو البرودة. أكبر ظاهرة في التفريق بين الأدب والعلم أن الأدب يخاطب العاطفة، والعلم يخاطب العقل، فإذا قلتَ: إن زوايا المثلث تساوي قائمتين فإنك تخاطب العقل، ولا تمس العاطفة، وإذا قال المتنبي: خُلقْتُ ألوفًا لو رَحلْتُ إلى الصِّبا *** لفارقتُ شَيْبي مُوجَعَ القلبِ باكيَا فهو يمسُّ العاطفة أولًا، ومن أجل هذا كانت الجملة الأولى علمًا وبيتُ المتنبي أدبًا. العالم يلاحظ الأشياء، يستكشف ظواهرها وقوانينها وعلاقتها بأمثالها وما يحيط بها، على حين أن الأديب لا ينظر إليها إلا من حيث أثرها في عواطفه وعواطف الناس، ينظر النباتي إلى شجرة الورد فيدرس كل جزء منها والتغيرات التي تطرأ عليها من وقت بذرها إلى وقت فنائها، ومن أية فصيلة هي، وما علاقتها بالفصائل التي تقرب منها، أما الأديب فينظر إلى أجزاء الشجرة منسقة متناسبة ويرى أنها لم تخلق إلا لزهرتها الجميلة، وأن بين الزهر وقلبه نسبًا، يعجب بحمرة لونها على خضرة أوراقها ويذهب خياله في ذلك كلَّ مذهب. أما النباتي فيبحث لم كانت الزهرة حمراء وأوراقها خضراء. عالم الحياة لا يرى في الفتاة المحبوبة إلا إنسانًا خاضعًا لكل أبحاث البيولوجيا، أما الأديب فيرى في محبوبته شيئًا وراء كل ما يبحث عنه العالم، هي الحياة وهي الدنيا وهي النعيم إذا وصلت، والبؤس إذا صدت، أو يقول مع القائل: وَيلاه إنْ نظرتْ وإن هي أعْرَضتْ *** وقَعَ السِّهامُ ونَزْعُهنَّ أليمُ فالكلام إذا لم يثر عاطفةً لم يكن أدبًا فإذا هو خاطب العقل وحده كان علمًا، وإذا أمعن في إثارة العاطفة كان أمعن في الأدب ... وارتباط العاطفة بالأدب هو الذي منح الأدب (لا العلم ) الخلود، فالنتاج الأدبي خالد أبدي لا النتاج العلمي، فقصائد أمريء القيس والنابغة وجرير والفرزدق وبشار وأبي نواس والمتنبي كلها خالدة، تقرؤها فتلتذ منها كما يلتذ منها من كان في عصرهم، فإن احتاج إلى شيءٍ فتفسير ما غمض من الألفاظ والمعاني، وهو بعد يشعر بشعورهم ويسرُّ كسرورهم. ثم القطعة الأدبية لا تملُّ تقرؤها، ثم تقرؤها فتسر منها في الثانية سرورك منها في الأولى، تتعشق تلاوتها وتكرارها، وليس ذلك هو الشأن في العلم، فحقائق العلوم خالدة ولكن منتجات العلوم غير خالدة فما في كتاب أقليدس من نظريات هندسية خالدة ولكن الكتاب لا يُقرأ الآن إلا من أراد أن يرجع إلى تاريخ الهندسة، وكل كتاب في الهندسة يموت بمرور سنين عليه ولا تعود له قيمة إلا القيمة التاريخية مهما حوى من نظريات جديدة وترتيب جديد، وكذلك كتب الحساب والجبر والطبيعة والكيمياء والفلك ليست خالدة، وإن كانت الحقائق التي فيها خالدة، بل الطبعة الثانية من هذه الكتب تقضي على الطبعة الأولى بالفناء إذا دخلها تغيير، وليس طالب علم الآن يرجع إلى ما ألف من خمسين عامًا إلا إذا أراد أن يؤرخ العلم. ولكن طالب الأدب يرجع إلى ديوان المتنبي ليتذوق أدبه ويلذ مشاعره كما كان ذلك منذ ألف عام، وقد حفظت بعض قصائده ولا أزال أستمتع بترديدها، ولكن إن أنت قرأتَ كتابًا في الرياضة وفهمت ما فيه لا تستطيع في الحال أن تعيد قراءته إلا على مضض. والسبب في هذا - على ما يظهر - أنَّ عواطف الإنسان لم تتقدَّم كما تقدمت عقولهم. قد ترقى العواطف شكلًا فترى أن الإحسان إلى الفقير بإعطائه درهمًا ليس خيرًا، ولكن خيرًا منه بناء مستشفى وإنشاء ملجأ ونحو ذلك، ولكن العاطفة هي هي في أساسها. وقد ترقى عاطفة الحنو الأبوي فلا ترى مانعًا من دفع الأولاد إلى حرب الحياة وجوب الأقطار، ولكن العاطفة في أساسها واحدة. أما العقل فوثاب دائمًا راق أبدًا، في الشكل وفي الأساس يرى حلالًا اليوم ما كان حرامًا بالأمس ويرى حقًا الآن ما كان باطلًا من قبل ويخترع كل يوم جديدًا ويصوغ حياته وفق الجديد. ومن أجل ذلك لا يلذ له أن يقرأ عقل السابقين إلا كما يقرأ تاريخهم ولكن عواطفه هي هي ركزت وثبتت فتلذذ اليوم بما يمثل عواطف الأقدمين وإن كرَّت عليها الدهور وتوالت العصور. وليس الأمر بهذا القدر من السهولة في الفصل بين الأدب والعلم، فهناك أنواع يصعب الفصل فيها حتى على الخاصة أأدب هي أم علم؟ هناك أدب ( معلم ) وهناك علم ( مؤدب )، هناك تاريخ صيغ صياغة أدبية، فلا يكتفي بسرد الحقائق وتعيين سبب وقوعها، وإنما يضع ذلك في قالب يثير شعورك للاحتذاء والقدوة أو للحب أو الكراهة. وهناك فلسفة صيغت في قالب قصة، وهناك طبيعة وكيمياء صاغتها يدُ صَنَّاعٍ ماهرة في الفن تحمل قلم أديب فأخرجت منها موضوعات شيقة تثير عاطفة الجمال وتستخرج الإعجاب بما في هذا العالم من إبداع وفن. هذه الموضوعات وأمثالها ليست أدبًا خالصًا ولا علمًا خالصًا وإنما هي علم أدبي أو أدب علمي، هي أدبٌ بمقدار ما تثير من عاطفة، وهي علم بمقدار ما فيها من حقائق. العلم لغة العقل، والأدب لغة العاطفة، ولكن لابد في هذه الحياة أن يلطف العلم بالأدب، والأدب بالعلم، فالعقل إذا جمح استخف بالشعور وجعل الحياة ثمنًا للعلم، وهو إذا مُزج بشيء من الأدب مس الحياة ورفّه على الناس، والعاطفة إذا شردت كانت ثورانًا وهياجًا. ألا ترى التعجب يزيد فيكون نباحًا، والعشق يهيم فيكون جنونًا؟! مجلة الرسالة، العدد 3، بتاريخ: 15 - 02 - 1933 م [1] الأستاذ أحمد أمين، من كبار الكتَّاب في عصره، عالم بالأدب، واسع الاطلاع، منحته جامعة القاهرة لقب (دكتور) فخري سنة 1948، وهو: أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ، اشتهر باسمه (أحمد أمين) وضاعت نسبته إلى (الطباخ)، ولد بالقاهرة سنة 1295هـ = 1878م، وعاش فيها وتوفي بها سنة 1373هـ = 1954م. أُخذ عليه تأثره إلى درجة كبيرة ببحوث المستشرقين وكتاباتهم عمومًا، وما يتعلق منها بالموقف من الحديث النبوي والموقف من الصحابة خصوصًا. نشرنا له هذه المقالات لتميزها من الناحية الأدبية والتاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إظهارها على شبكة الإنترنت، فلزم التنبيه على مذهبه ليكون المسلم على حذر من ذلك. |
تسلسل أهم كتب الحنفية (PDF) | د. إسماعيل عبد عباس | 21-01-2020 | 11,492 | https://www.alukah.net//culture/0/138284/%d8%aa%d8%b3%d9%84%d8%b3%d9%84-%d8%a3%d9%87%d9%85-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d9%81%d9%8a%d8%a9-PDF/ | تسلسل أهم كتب الحنفية |
عيون الأدلة في مسائل الخلاف لابن القصار يطبع كاملا | محمود ثروت أبو الفضل | 19-01-2020 | 21,685 | https://www.alukah.net//culture/0/138251/%d8%b9%d9%8a%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%81-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d9%8a%d8%b7%d8%a8%d8%b9-%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%84%d8%a7/ | عيون الأدلة في مسائل الخلاف لابن القصار يطبع كاملا صدر تحقيق موسَّع وكامل لكتاب " عيون الأدلة في مسائل الخلاف بين فقهاء الأمصار "، تأليف: " ابن القصَّار المالكي، القاضي علي بن عمر البغدادي " (ت 397هـ)، حيث قام بتحقيقه الباحث المحقق د. أحمد بن عبدالسلام مغراوي، أستاذ الفقه وأصوله بجامعة ابن الطفيل بالقنيطرة- المغرب، وأصل الكتاب أطروحة علمية نال بها الباحث درجة الدكتوراه من جامعة " القاضي عياض " بمراكش، المغرب، حيث قام بالإشراف على البحث د. " الحسين آيت سعيد "، وتعد هذه الطبعة هي الطبعة الكاملة لجميع أجزاء الكتاب الموجودة بخزائن المخطوطات - عدا قطعتين من الفرائض والرهن كثيرتي الطمس -، وقد سبق إخراج طبعة مبتسرة منه تضم فقط المقدمة الأصولية وكتاب الطهارة فقط، أما هذه الطبعة التي تصدر في ستة مجلدات فتضم بالإضافة لدراسة المحقق المطولة، وتحقيقه لمقدمة الكتاب الأصولية، وكتاب الطهارة: قطعة كبيرة من كتاب الصلاة (54 مسألة)، والجهاد (34 مسألة)، والنكاح (33 مسألة)، والمعاملات (37 مسألة)، وهذه المسائل تقارب ضعف المطبوع سابقًا، فعدد مسائل الطهارة (86 مسألة). وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروعِ إصدارات " دار أسفار " لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. ويعدُّ كتاب " عيون الأدلة " لابن القصّار مرجع أصيل في الخلاف العالي عند المتقدمين، والكتاب ذو منزلة بين مصنفات الاستدلال والترجيح، فقد تأثر بمنهجه كثير ممن جاء بعده، سواء من علماء المالكية أو غيرهم ممن صنَّف في علم الخلاف، أو من عُني بمحاكمة الحجج والأدلة، من أهل القرن الخامس والسادس، إلى جانب أنَّه يعد من أقدم ما وصل إلينا من الكتب الفقهية المؤلَّفة في الخلاف العالي، إلى جانب كونه من الكتب التي أوْلت الاستدلال بالأدلة النقلية والعقلية عنايةً فقهية. وقد جمع فيه ابن القصار المالكي جملةً كبيرةً من المسائل الخلافية حيث بلغت مسائه ألفًا وأربعمائة وأربعين مسألة (1440)، ويتبين فيه طول نفس المؤلف في ذكر المناقشات والرد على الاعتراضات وقد يتكرر هذا عدة مرات في الدليل الواحد نفسه. وقد كان الدافع لتأليفه هو سؤال الطلبة له بجمع ما تفرّق من مسائل الخلاف بين الإمام مالك وفقهاء الأمصار، قال رحمه الله: "سألتموني - أرشدكم الله - أنَّ أجمع لكم ما وقع إليّ من مسائل الخلاف بين مالك بن أنس رحمه الله وبين من خالفه من فقهاء الأمصار رحمة الله عليهم، وأن أبيّن ما عَلِمْتُهُ من الحُجج في ذلك، وأنا أذكر جملة من ذلك...". وقد اختار ابن القصار المالكي منهجًا مناسبًا للغرض الذي من أجله أُلّف الكتاب، إذ رتّب أبوابه على الترتيب الفقهي المعروف، مصدّرا لذلك بمقدّمة أصولية، ويبتدئ كلّ مسألة بقوله: " مسألة "، ويذكرها من غير عنوان غالبًا، وإذا فرّع عليها فرعًا سمّاه فصلًا، ويبدأ أوّلا بسياق المسألة على مذهب مالك، ويذكر الخلاف داخل المذهب إذا وُجِدَ، ثم يذكر أقوال غيره من الأئمة، ويسوق في كثير من المسائل أقوال عدد من أئمة التابعين وتابعيهم، وبعد أن يُنهي المؤلّف ذكر الخلاف في المسألة يَشرعُ في الاستدلال لمذهب مالك بقوله: " والدليل لصحة قولنا "، أو " والدليل لقولنا "، ونحو ذلك، وهو في كلّ ذلك يحرص على بيان وجه الاستدلال من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة. وقد يذكُر رحمه الله دليلًا لمالك ولا يرتضيه لعدم توافقه مع أصول المالكية أو مع أصول المخالف، فيذكر وجه مخالفته، ثم يذكر كيفية إلزام المُخالف من وجه آخر. ولا يُشِير المؤلّف في الغالب إلى المصادر التي يعتمدها في إملاء كتابه، لكن من خلال التتبع يظهر أنه اعتمد ما سمعه وتلقّاه عن شيوخه وخاصة عن الأبهري، كما وردت الإشارة في الكتاب إلى أسماء بعض المصادر كشرح مختصر الطحاوي لأبي بكر الرازي، والحاوي لأبي الفرج الليثي، وكتاب ابن جريج في الحديث، وشرح مختصر المُزني، وغيرها. ونجد ثناء العلماء على هذا المصنف، وتلقيه بالقبول الحسن، فقد قال الشيرازي في ترجمة المؤلف: « وله كتاب في مسائل الخلاف كبير، لا أعرف لهم كتابًا في الخلاف أحسن منه »، وقال أبو حامد الإسفراييني عنه: «ما ترك صاحبكم - يعني ابن القصار - لقائلٍ ما يقول»، وقد اختصره القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي نتيجة لأهميته في كتاب طبع مرَّة باسم " عيون المسائل "، وأخرى باسم " عيون المجالس ". وابن القصار المالكي مؤلف الكتاب هو أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد الشهير بابن القصَّار الأبهري الشيرازي البغدادي، و( القصَّار ) نسبة إلى حرفة القصارة، وهي غسيل الثياب وتبييضها ودقها بقطعة من الخشب أعدت لهذا الغرض، ولعل والده أو جده كان يمتهنُ هذه الحرفة. وهو أحد كبار فقهاء المالكية، ولد في الربع الأول من القرن الرابع الهجري، نشأ ببغداد وتلقى العلم بها. تفقَّه بأبي بكر الأبهري، وحدث عن: علي بن الفضل الستوري وغيره، ثم أصبح قاضيًا ببغداد، حتى توفي بها سنة (397 هـ). وقد تتلمذ على يديه جملة من أهل العلم من أشهرهم: القاضي أبو محمد عبدالوهاب بن علي التغلبي، والإمام أبو ذر الحافظ، وأبو الحسين بن المهتدي بالله، وجملة غيرهم. وابن القصار يعد من الأعلام الذين حُفِظ بهم مذهب مالك، وومن لهم جهود في تثبيت وإعلاء شأن المذهب المالكي في العراق، قال فيه تلميذه الهروي " هو أفقه من رأيتُ من المالكيين "، وقال القاضي عياض في ترجمته: «كان أصوليًّا نظارًا، ولي قضاء بغداد». وقال تلميذه أبو ذر الحافظ يصفه: «كان ثقةً قليل الحديث». ومن مصنفاته: كتاب " عيون الأدلة "، ورسالة " المقدمة في أصول الفقه " وهي أقدم نص أصولي بعد رسالة الإمام الشافعي على غير طريقة الحنفية. |
الأنفلونزا أو النزلة الوافدة | د. سامي كمال | 19-01-2020 | 3,107 | https://www.alukah.net//culture/0/138247/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d9%81%d9%84%d9%88%d9%86%d8%b2%d8%a7-%d8%a3%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b2%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%81%d8%af%d8%a9/ | الأنفلونزا أو النزلة الوافدة «النَّزلة الوافدة» مرضٌ مستوطن في القطر المصري، فلا يمرُّ شتاء دون أن نسمع ببعض إصاباته؛ لكن هذه الإصابات لا تأخذ شكلًا وبائيًّا، وتظهر عادة في فصل الشتاء مقرونة بسابق التعرض لبرد شديد أو للرطوبة، وعاقبتها دائما حميدة. وتظهر هذه " النَّزلة الوافدة " في جميع أنحاء العالم، كما تظهر عندنا، ويكثر عدد المصابين بها في البلاد الحارة، وتقل إصاباتها عادة عند حلول فصل الربيع. وهي تنتقل بالعدوى بواسطة جراثيم خاصة؛ تلك الجراثيم عبارة عن بذور تتفاوت في حيويتها وتأثير إفرازاتها، لأنَّ الجراثيم لا تؤثر إلّا بفعل هذه الإفرازات التي هي من أقوى السموم وأشدها فتكًا بالإنسان. فإذا صادفت أجسامًا قويّة قاومتها، أما إذا عرضت لها أجسام ضعيفة فإنها تقوى عليها، وتشتدُّ بانتقالها على غيرها، وتزداد قوّةً إذا تهيَّأتْ لها ظروف خاصة، كما حصل ذلك في نهاية الحرب العظمى عام 1918م إذ وجدتْ الإنسانَ ضعيفًا جائعًا منهوك القوى والأعصاب ففتكت به، ومات بـ "النزلة الوافدة" في العالم عددٌ يفوق عددَ من مات في ميادين القتال. هنا تكون وبالًا، وهنا تكون خطرًا على العالم أجمع، حيث تنتقل مع المسافرين بسرعة الطائرات والسيارات. وهذا النوع من " النزلة الوافدة الوبائية " يسمى عادةً باسم الوطن الذي نشأ فيه، ففي عام 1918م كانت أسبانيا، وهي في هذا العام إنجليزية. وكل الأخبار تدلُّ على أنَّ خطر هذه الوافدة الإنجليزية أقل بكثير من سابقتها الإسبانية. وأوبئة الوافدة تتشابه في مجموعها من حيث الأعراض. لكنَّها تتفاوت من حيث مضاعفاتها وخطرها على العموم. ومدَّة حضانتها، أي من وقت العدوى إلى وقت ظهور أعراضها لا تزيد على اليومين. أمَّا أعراضها فزكامٌ، واحتقانٌ في أغشية الحلق والمجاري الهوائية، مع قشعريرة وحمى وشعور بتكسر في الجسم وعطس وسعال، وهي سريعة العدوى خصوصًا لأنَّ أكثر الناس لا ينعكفون في دورهم عند الإصابة بها، بل يستمرون في مزاولة أعمالهم، يذهبون ويجيئون ويختلطون بالناس. وهم لو عرفوا كيف تحصل العدوى وعزلوا أنفسهم في بيوتهم وحجراتهم لدرءوا عن أنفسهم وعن عائلاتهم وعن مواطنيهم شر هذا المرض. إنَّ العدوى تحصل بواسطة العطس أو السعال اللذين ينقلان جراثيم المرض مباشرة إلى السليم. لذا يتحتم على المريض أن يتحاشى العطس أو السُّعال في وجه الناس وليفعل ذلك يمينًا أو شمالًا. كذلك من يخالط المرضى يجب عليه أن يحتاط بوقوفه جانبًا غير هيَّاب ولا وجل، يخدم في رفق ثم يغسل يديه، ويستعمل مطهرات الفم والأنف، ويجب أن تكون غرفة المريض معرَّضة لأشعة الشمس يتجدد الهواء فيها مرارًا كل يوم ثم يلازمها المريض عند أول الشعور بالمرض، ويستعمل الأطعمة السائلة والمعرقات والمشروب الساخن وهو خير علاج بجانب الأسبرين والكينين عند الاحتياج حسب أمر الطبيب مع استعمال مطهرات الأنف والحلق. ومن خير الاحتياطات الابتعاد عن حضور الاجتماعات العامة خصوصًا في المحلات المغلقة، واستعمال مطهرات الأنف كزيت الأوكالبتوس صباحًا ومساء، ومطهرات الحلق مثل الماء المضاف إليه نقط اليود والابتعاد عن المرضى. مقال من ذاكرة الثقافة مصدره: «مجلة الرسالة»: العدد 5 - بتاريخ: 15 - 03 - 1933م |
البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع | أحمد الفيلالي | 16-01-2020 | 12,565 | https://www.alukah.net//culture/0/138210/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%84-%d8%a3%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b8-%d8%ac%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%a7%d9%85%d8%b9/ | البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع مقدمة: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله تزداد الخيرات والبركات، وبتوفيقه تُحقَّق المقاصد والغايات، والصلاة والسلام على من أُرسل إلى جميع المخلوقات، بأقوم الأحكام وأتمِّ الهدايات، وعلى التابعين الذين هم، وعلى الصحب الذين همُ همُ. أما بعد: فإن علم أصول الفقه من أجلِّ علوم الإسلام وأعلاها رتبة؛ حيث أخذ بضبعيها: المعقول منها، والمنقول، "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل؛ فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبنيٌّ على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد" [1] . لذلك كان الاهتمام به فرض عين على المستطيع؛ لأنه طريق المجتهد لاستخراج الأحكام المناسبة للنوازل المستجدة حِلًّا وحُرمةً. ومن الاهتمام بهذا العلم التأليفُ فيه رأسًا، أو الحفاظ على الكتب المؤلفة فيه؛ حيث إن أصحابها بذلوا فيها جهدًا منقطعَ النظير، وحكاياتهم لمن طالع تراجِمَهم تشير لهذا بإخراج هذه الكتب للقراء؛ ليُستفادَ منها، وحفظًا لها من الضياع والفِقدان، وحتى يكون هذا الإخراج للعيان سالمًا، لا بد من ملاحظة الضوابط العلمية. ومن الكتب التي وجب العناية بها والاشتغال عليها لِما قدمته في الساحة العلمية - كتاب: "البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع في أصول الفقه"، للعلامة حلولو: أحمد بن عبدالرحمن بن موسى الزليطي القروي المالكي المتوفى عام (898ه)، وكنيته: أبو العباس. شهرته: اشتُهر بحلولو فقط [2] ، أو بحلولو القروي [3] ، أو بحلولو الوامح [4] ، أو المغراوي [5] ، أو الطرابلسي [6] ، وورد في في بعض المصادر "الأزليتني"، لكن المشهور ما ذُكر [7] ، كما ورد في البعض الآخر "اليزليتني"، لكن المشهور أيضًا ما ذكرناه [8] . واشتهر بـ"الزليطني" نسبة إلى بلدة تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وتشتهر هذه البلدة باحتضانها للعلماء والصالحين، وتبعد هذه البلدة عن طرابلس الغرب بنحو (130 كم) تقريبًا، وهي منطقة ريفية تشتهر بالزراعة وتربية المواشي، وتعتبر مركز إشعاع علمي في العلوم العربية والإسلامية [9] . أولًا: أهمية الكتاب العلمية: القيمة العلمية للكتاب: كتاب "البدر الطالع في حل ألفاظ جمع الجوامع" من الكتب المهمة في الأصول، والمتتبع لهذا السِّفْرِ العظيم يجد له محاسنَ عظامًا؛ وهي كالآتي: 1- أن جمع الجوامع هو زُبْدةُ ما توصل إليه التاج السبكي، فإذا اجتمع مع الشرح "البدر الطالع"، فقد تولد عنهما العجب وحصلت منهما الغاية. 2- أن صاحب الأصل شافعيٌّ والشارحَ مالكي؛ فالقارئ سيستمتع بقراءة مذهبين في آن واحد. 3- الدقة في النقل عن العلماء الأعلام على عادة علماء الغرب الإسلامي في غربلة النصوص. 4- حسن تعامله مع المخالف، وعدم تجريحه لأحد، مع الاعتذار أحيانًا للمخالف. والقارئ لهذا الشرح يجد نفسه كأنه يقرأ كتابًا في الفقه المالكي، وليس شرحًا لكتاب الأصول على مذهب السادة الشافعية؛ حيث ينقل عن: أشهب، وأصبغ، وابن عرفة، والقرافي، وابن العربي، والمقري ... ما جعل هذا الكتاب مرجعًا مهمًّا في حفظ آراء المالكية الأصولية. ثانيًا: الإضافات العلمية التي سيسهم بها هذا الشرح: 1- جعل قواعد الأصول الموجودة في (جمع الجوامع) خاضعة للتطبيقات الفقهية على مذهب السادة المالكية، أما علماء الشافعية فيشرحونه تمثيلًا على مذهبهم. 2- بيان فحولة علماء المالكية، خاصة علماء الغرب الإسلامي منهم في هذا الفن. 3- ترجيح قواعد المالكية على غيرها في بعض الاستنباطات، وقلَّما تجد هذا في كتب الشافعية. 4- نقل أقوال المتقدمين من علماء المالكية في الأصول، وهذه الميزة لا تجدها في باقي الشروح الأخرى. 5- مرونة مذهب المالكية، وبيان تماشيه مع قواعد سائر المذاهب الأخرى. هذا، وقد اعتمدتُ على مجموعة من النسخ وصل تَعدادُها إلى ست نسخ؛ ثلاثة منها بالخزانة الحسنية بالرباط، وثلاثة أخرى توجد متفرقة في مكتبات خاصة عند بعض المشايخ، وقد صوَّرت من كل نسخة نسخة لي، فعكفت على خدمته خدمة متأنية، أخذت مني جهدًا كبيرًا، والآن قد أُكمِلَ والحمد لله، وهو قيد الطبع الآن. [1] المستصفى، الغزالي، (ص: 4). [2] الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، السخاوي، (2/ 260). [3] معجم المؤلفين، رضا كحالة، (1/ 270). [4] المنهل العذب في تاريخ طرابلس الغرب، لأحمد بيك النائب، (ص: 175). [5] تراجم ليبية، دراسة في حياة وآثار بعض الفقهاء والأعلام من ليبيا قديمًا وحديثًا، الدكتور جمعة الزريقي، (ص: 18). [6] الفكر السامي، محمد بن الحسن الحجوي، (2/ 262). [7] الضوء اللامع لأهل القرن التاسع، السخاوي، (2/ 260). [8] معجم المؤلفين، رضا كحالة، (1/ 270). [9] جغرافية ليبيا، لعبدالعزيز طريح شرف، مركز الإسكندرية للكتاب، ط: 3، 1996م، ص: 227. |
شعور المسؤولية | علي بن حسين بن أحمد فقيهي | 15-01-2020 | 9,799 | https://www.alukah.net//culture/0/138197/%d8%b4%d8%b9%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9/ | بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) شعور المسؤولية ♦ المسؤولية كما عرَّفها مجمع اللغة العربية: "هي شعور الإنسان بالتزامه أخلاقيًّا بنتائج أعماله الإدارية، فيحاسب عليها إن خيرًا وإن شرًّا". ♦ خلق المولى جل وعلا الإنسان وميَّزه بالعقل، وهيأه بالقدرات، وأكسبه الإرادة، ومنحه الاختيار، وحمَّله الأمانة، وكلفه المسؤولية، فـ﴿ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ﴾ [الإنسان: 3]. ♦ التكريم الإلهي، والتسخير الكوني، والتكوين الخلقي، والجزاء الأخروي - يستلزم الشعور بعظم المسؤولية، وفخامة الأمانة بجانبيها: التشريفي والتكليفي. تتعدد المسؤولية في حياة الإنسان، فهي أنواع وأشكال؛ من أهمها: 1) المسؤولية البدنية والجسدية: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن لنفسك عليك حقًّا، ولجسدك عليك حقًّا)). 2) المسؤولية الروحية: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخْلَق الثوب؛ فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)). 3) المسؤولية الأبوية: في قوله تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]. 4) مسؤولية الراعي: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته)). 5) مسؤولية الرعية: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((السمع والطاعة حقٌّ ما لم يؤمر بالمعصية)). 6) المسؤولية الأسرية: ((والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجِها ومسؤولةٌ عن رعيتها)). 7) المسؤولية المجتمعية: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينةٍ، فأصاب بعضُهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقَوا من الماء، مرُّوا على من فوقهم، فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا، ولم نؤذِ مَن فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعًا)). 8) المسؤولية الجماعية: في قول الله تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ﴾ [الروم: 41]. 9) المسؤولية الطبيعية: في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((في كل كبد رطبة أجر)). 10) المسؤولية الحياتية: في قول الله تعالى: ﴿ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ﴾ [هود: 61]. 11) المسؤولية الأخروية: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]. موجبات الشعور بالمسؤولية تنطلق من خلال المسوغات الآتية: 1) طبيعة التركيبة الإنسانية: قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، ﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34]، ﴿ خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ﴾ [الأنبياء: 37]. 2) التفضيل والتكريم للجنس البشري: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]. 3) التكليف بالخلافة في الأرض وعمارة الحياة: قال تعالى: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]. 4) التسخير الكوني: قال تعالى: ﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ ﴾ [الجاثية: 13]. 5) التشريع الإلهي بما يتوافق مع القدرات والإمكانات: قال تعالى: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ [البقرة: 286]. 6) معرفة الهدى من الضلال: قال تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]. 7) الجزاء والحساب الدنيوي والأخروي: ﴿ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36]. 8) الاجتماع والاشتراك المدني: قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]. 9) التهيئة الغرائزية: قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً ﴾ [النحل: 72]. 10) الإبراء والإعذار عن التقصير والتفريط: قال تعالى: ﴿ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 164]. 11) التماهي مع القضاء الكوني والتقدير الشرعي: قال صلى الله عليه وسلم: ((اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّرٌ لما خُلق له)). 12) الأثر الجانبي للقول والفعل: قال صلى الله عليه وسلم: ((من دعا إلى هدًى، كان له من الأجر مثل أجور من تبِعَهُ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا)). يتحقق شعور المسؤولية بجملة من التمثلات نوجزها في العناصر الآتية: 1) تسخير القدرات والإمكانات للقيام بالواجب في كافة المجالات. 2) التربية والتزكية للنفس والأهل والمجتمع. 3) الإحساس بعِظَمِ التكليف والتشريف في حمل الأمانة. 4) الدعوة والتوجيه، والنصح والإرشاد، والأمر والنهي قدر المستطاع. 5) التعاون والتكاتف مع الجميع فيما يحقق الصالح العام. 6) مواجهة التحديات والعقبات بالحكمة والاتزان. 7) التوازن والتكامل بين الحقوق الشخصية، والواجبات الأسرية، والمسؤوليات المجتمعية. 8) الوعي والتفهم والمدافعة والمعالجة للتقلبات النفسية، والتغيرات المجتمعية، والتحولات العامة. 9) ضبط النوازع الانسحابية، والأحوال الانعزالية، والأفكار الانفعالية، والمواقف الصدامية. 10) التمسك والالتزام بالمنهج النبوي والفقه الدعوي حال القوة والضعف، والعسر واليسر. 11) السعي للترقية والتطوير في كافة الجوانب العلمية والعملية. 12) النقد الهادف والمراجعة المستمرة لتجليات الفكر، وأحوال السلوك للأفراد والمجتمعات. 13) الانطراح بين يدي المولى جل وعلا بطلب الإعانة والتوفيق والإصابة والسداد. ومضة: عن أبي برزة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة، حتى يُسأل عن عمره: فيمَ أفناه؟ وعن علمه: فيمَ فعل فيه؟ وعن ماله: من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه: فيمَ أبلاه؟))؛ [رواه الترمذي ]. |
سر البقاء والريادة | د. محمد علي السبأ | 15-01-2020 | 3,391 | https://www.alukah.net//culture/0/138196/%d8%b3%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%82%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%af%d8%a9/ | سرُّ البقاء والريادة الإحسان والعطاء والتعاون من القيم والأخلاق الأصيلة في الفطرة الإنسانية التي فطر الله الخلق عليها منذ النشأة، ثم إنها تظهر وتزيد بشكل أكبر عند البعض، وتقلُّ عند البعض الآخر، وبين هذا وذاك نجد الناس يتفاوتون حتى يمتازوا؛ وعليه يصل البعض إلى أن يكون مفتاحَ خيرٍ مغلاقَ شرٍّ، أو العكس؛ كما أشار إلى ذلك الحديث الشريف. مفاتيح الخير أولئك، والذين رزقهم الله التوفيق، وجعلهم سببًا في التيسير على خلقه - هم الذين ينالون شرف الدارين، ويرزقهم المولى الكريم سعادة العطاء التي تكون أضعاف سعادة المحتاج بالأخذ والحصول على مطلوبه، وإلى هذا بعضًا من إشارة الحديث النبوي الشريف: ((اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى))، وما ورد في فضل العطاء والنفقة والصدقة والإحسان من الآيات والأحاديث أكثرُ من أن نحصرها في هذا المقام. والعمل الخيري اليوم - كما نرى - يتطوَّر ويتوسَّع بحسب مقتضى الظروف والأحوال والواقع، وفي شتى المجالات؛ سواء ما كان منها عائدًا إليه بالذات، أو عائدًا إلى مجاله وميدانه، أو عائدًا إلى ما يتصل به ويعنيه، أو إلى من هو مهتمٌّ به وعامل فيه، ويتحتَّم على روَّاد العمل الخيري اليوم والمهتمِّين به أن يصِلوا به إلى مصاف الريادة، وذلك بتطوير مؤسساته بكل ما يمكِّنه من السَيرِ بمؤسسية عالية، وحرفية مُقدَّرة، مواكبين بذلك العصر وما يفرضه من احترامٍ للأقوى والأفضل، وهذا هو الأصل في رؤية كل مؤسسة خيرية، لا أن تبقى سائرة حسب الكلاسيكية التي نشأت بها ودَرَجَتْ عليها، وإلَّا فإن شغلها الشاغل سيبقى في إثبات الوجود لا إثبات الجدارة، وبينهما من البَونِ ما لا يخفى إلَّا على مَن يخفى عليه الفرق بين من يأكل ليبقى على قيد الحياة، ومن يحيا ليقود الأحياء؛ فإلى أي منهما تنتمي مؤسسات العمل الخيري اليوم؟ وما يلزم الالتفات إليه أن ريادة العمل الخيري لا تقف على مجال دون آخر، بل ينبغي الاهتمام بكل ما من شأنه أن يرقى بالعمل في كل تفاصيله؛ حيث إن تلك التفاصيل مرتبطة ببعضها البعض، وتأهُّل جانبٍ منها منفردًا أو على حساب الآخر، يعني مزيدًا من الإشكاليات، أو مَيلًا في الحِمل، أو على الأقل تأخُّرًا في الوصول؛ ما يؤثِّر سلبًا على المُخرجات والنتائج المرجوَّة والأهداف الموضوعة. إن المؤسسة التي تصبُّ اهتمامها وتعمل على النجاح في الإيرادات المالية، ثم لا تُلقِي بالًا أو بعض عناية لكوادرها البشرية من التأهيل والتطوير - فإنها لم تفعل شيئًا، ومن عُنيَ بهذين الأمرين دون أن يوليَ العناية المناسبة بالمحسنين والمتبرعين، يضيع منه الكثير، وهكذا ...؛ إلخ، فريادة العمل الخيري لا تأتي إلَّا كُلًّا، ولا يستقيم السير إلا بالتوازن المطلوب، والعناية بالمجالات كافة حسب خطة مرسومة تراعي كل تلك التفاصيل. وما نشير إليه هنا - ونحن نتكلم عن ريادة العمل الخيري - أن تلك الريادة لا تنجح فقط بوجود المال وتوافره بالشكل الكافي أو المأمول، وحتى لا يكفي وجود الكوادر البشرية المؤهَّلة لشغل الأعمال المنوطة بها؛ إذ هناك سرٌّ من أسرار نجاح أيِّ عملٍ بشكل عام، وبالأخص في مجال العمل الخيري، ذلك السرُّ هو الإبداع والأفكار الناتجة به ومنه، فهذا السرُّ هو الضامن - بعد توفيق الله سبحانه - لبقاء المؤسسة ونجاحها وتميزها وريادتها، كما أن هذا الأمر من أهم عوامل بقاء النشاط والتفاعل بين مختلف المعنيِّين والمتصلين والعاملين، وصولًا إلى الداعمين والمستفيدين؛ إذ يعيش الجميع أجواء الإيجابية، ويجدون تصريف طاقاتهم واستثمارها بأفضل الطرق والأشكال، بينما يجد المستفيد تلبيةً لحاجاته المختلفة بما يقنعه ويكفيه ويؤهله للإنتاج، وحتى ذلك الداعم الذي يجد لعطائه ثمرة تلوِّح له بالأثر الواضح، وأملًا يتحقَّق له ويراه بين يديه وأمام عينيه، وهكذا تتمكَّن المؤسسة بحسن تصرُّفها وإدارة سِرِّها من تشغيل الجميع باحترافية عالية، ومهنية مقدرة، أَلَا يكون مكان مثل هذه المؤسسة إلَّا هناك بين السابقين الأوائل، والمتميِّزين القلائل؟ |
زمن الرويبضة والحيرة في السبيل! | محمد نصر ليله | 15-01-2020 | 7,983 | https://www.alukah.net//culture/0/138195/%d8%b2%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%a8%d8%b6%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a8%d9%8a%d9%84/ | زمن الرويبضة والحيرة في السبيل! كلٌّ منا بسبيلٍ عليه أبواب يطرقها؛ يطلب من هذا ضيافة، ومن الذي يليه إقامة، ومن الذي بعده سكن، وغيره عمل، وربما يقرع بابًا للزواج، وآخر لحل المشكلات. ولكن ليست كلُّ الأبواب تُفتح، فربما تملك القدرة على قرع الجرس، أو طرق الباب، وقد يُفتَح بابٌ لك، ولكن ليس كلُّ باب تدخله ستحقق فيه مآربَك؛ فقد تجد بباب العمل عملًا لكنك لا تطيقه، وبباب الضيافة تجد ضيافةً تضع منزلتك، وبباب السكن تجد سكنًا يؤرق مضجعك، وبباب الزواج تجد جفاء يلحقك، وبباب حل المشكلات تجد آفاتٍ تؤذيك، فلا تجزع، واعلم أن الله خلق لكل شيء قدرًا. ومآرب الناس مختلفة؛ فمنهم من ينشُدُ سبيلًا ماديًّا بحًتا، وآخر ينشد سبيلًا روحيًّا، وثالثًا ينشد سبيلًا دينيًّا، وأعقل الناس من ينشد سبيلًا يجمع الخير كله. وللناس في سُبُلِها مسالكٌ، فالناس كالسبل؛ منها المستقيم ومنها الملتوي، وأشد السبل وعورة وأسوؤها الملتوي، وكذا من الناس المتلون الملتوي، وأزكى السبل المستقيمُ اللين الممهَّد، فلا يرهق دابة ولا يُتعِب سالكًا، وكذا من الناس السمح الصريح المباشر الذي لا يتلون بغير وجه واحد، وأوسط تلك السبل المستقيمُ الذي فيه بعضُ الوِهاد وثلَّةٌ من النجاد مع التواء فيه تارة واستقامة تارة، فهذا حَسَنٌ وإن لم يكن كاملًا، وأكثر من ينشد الصلاح من الناس كذلك، يستقيم ويحيد، يعلو ويهبط، ولكنه في الغالب سمح لين. والناس في سبلهم يستوحشون الطريق، يبغون رفيقًا يؤانسهم، صاحبًا يدفع عنهم الأذى إن غفلوا، أخًا يحتمون به إذا خافوا، زوجًا يسكنون إليه، ابنًا يستندون عليه إن عجزوا، عصبة تعصبهم إن ضعفوا. ولكن ليس كلُّ رفيقٍ يؤنس، ولا كل صاحب يدفع الأذى، ولا كل أخ يُحتمى به، ولا كل زوجٍ يُسكن إليه، ولا كل ابن يُستنَد عليه، ولا كل عصبة يُتكَل عليها؛ فالزمان قد استدار، والأيام دول، والوجوه تنقلب؛ فالطاعن قد يكون رفيقًا مؤتمنًا، أو أخًا من أبيك وأمك، أو ابنًا من صلبك، أو عصبة من دمك، أو صاحبَ عمرك، أو زوجًا ضحيتَ لأجلها، فلا عجب؛ فالغدر صار نهرًا يتجرع الناس منه في زمن الرويبضة. صُدِّق الكاذب، وكُذِّب الصادق، واؤتُمن الخائن، وخُوِّن الأمين، ووُسِّد الأمر إلى غير أهله، فصار الحق باطلًا، والباطل حقًّا، وكذب البعضُ شمسَ النهار وزعموا أنه الليل، واختلط الحق بالباطل فما صِرْتَ تعلم أنَّى لك النجاة. أصبحت شَغَفُ الجبال جنَّةً لك مع غنمك، وزهرة الدنيا مع راحلتك، وأمست نوادي الأصحاب كربة، ومحافل الأحباب غُصَّة، ومجامع الخلق خديعة. صرتَ تبحث عن السكون، عن الحقيقة، عن الرفيق الصادق، ولكن ازاد الضباب، وثقُل الدَّخَنُ على القلوب، وكأن النهار أضحى ليلًا، والليل لا ينجلي، وأنت بسبيلك لا تدري: هل أنت حقًّا على السبيل الصحيح؟ تُنشِدُ: ألا فلْتَنْجَلِ يا ليلُ ... ولا مجيب. |
كتاب سيرة أبي تراب لموسى بن راشد العازمي | محمود ثروت أبو الفضل | 14-01-2020 | 6,788 | https://www.alukah.net//culture/0/138182/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%a8%d9%86-%d8%b1%d8%a7%d8%b4%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b2%d9%85%d9%8a/ | سيرة أبي تراب لموسى بن راشد العازمي صدر حديثًا كتاب " سيرة أبي تراب " تأليف " موسى بن راشد العازمي "، وذلك عن " دار الصميعي للنشر والتوزيع "، وهو دراسة محققة لسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - من مولده وحتى وفاته. ويعد الكتاب أحد أقسام السلسلة التي يعكف عليها الشيخ " موسى العازمي " في كتابة التاريخ الإسلامي بأسلوب عصري راعى فيه تقديم رؤية صحيحة لتاريخنا الإسلامي بعيدة عن أخطاء وتحريفات المؤرخين ومنقحة من أغلوطات المؤرخين والمستشرقين. وقد تناول الكاتب سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وما وقع في عهده من الفتن والحروب بينه وبين الصحابة كمعركتي الجمل وصفين بتحقيق موسع لملابسات ما جرى في تلك الفترة، وموقف الصحابة وعلماء الأمة مما جرى في تلك الحروب. وقد تميز الشيخ " موسى بن راشد العازمي " في تلك السيرة بإيجاز غير مخل وتبسيط مناسب لجمهور القارئين في عرض أهم محطات سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، حيث استوعب في تلك الدراسة سيرته مع التحقيق والتدقيق، مع حسن العبارة وترتيب المادة، مما يجعله مرجعًا في استقصاء تلك السيرة المباركة. |
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (135) | أ. د. محمد بن تركي التركي | 13-01-2020 | 5,615 | https://www.alukah.net//culture/0/138147/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-135/ | صدر حديثًا من كتب السنة وعلومها (135) 1- أبو حاتم الرازي وجهوده في تعليل الحديث، تأليف: أ.د. محمد خروبات، دار المقتبس. 2- منهج الإمام أبي القاسم الطبراني في التعليل، تأليف: د. شريف بن صالح التشادي، المكتبة العمرية، دار الذخائر، 2ج. 3- المعجم التاريخي للمصطلحات الحديثية المعرَّفة من ابن أبي حاتم الرازي إلى محمد بن جعفر الكتاني، تخطيط وإشراف: أ.د. الشاهد البوشيخي، دار ابن حزم. 4- موطأ الإمام مالك، رواية ابن بكير، تحقيق: بشار عواد معروف، محمد علي الأزهري، دار الغرب الإسلامي، 3ج. 5- الحافظ أبو الخطاب ابن دحية السبتي وجهوده الحديثية، تأليف: د. أنس وكاك، الرابطة المحمدية للعلماء. 6- الرواة الذين أخرج لهم الإمام البخاري في المتابعات وأحاديثهم في جامعه الصحيح، جمع ودراسة: د. الدمراني عبدالله سعد، المكتبة العمرية، دار الذخائر، 2ج. 7- نظرية الموارد والمقاصد في صيانة السنة من الدخيل والوارد، تأليف: الأخضر الأخضري، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي. 8- علل الحديث لابن أبي حاتم، كتاب المناسك، وفيه 36 مسألة من كتاب الغزو والسير، تحقيق ودراسة: أ.د. تركي بن فهد الغميز، دار الأوراق، 2ج، وأصله رسالة الدكتوراه للمحقق. 9- شرح الشمائل المحمدية، لميرك شاه الحنفي، تحقيق: نشأت كمال المصري، دار اللباب. 10- الأدب المفرد للبخاري، قرأه وعلق على أحاديثه: الشيخ عبدالله السعد، اعتنى به وخرَّجه: أحمد العنقري، دار أطلس الخضراء، دار الأداوة. 11- مجامع الألباب في تخريج حديث غمس الذباب، تأليف: راشد بن سالم البوصافي، مكتبة خزائن الآثار. 12- الإحكام للمجمع عليه من أحاديث الأحكام، تأليف: د. محمد أكرم الندوي، دار السمان. 13- أحاديث وآثار أذكار الصلاة وأدعيتها، تأليف: أحمد بن عبدالرحمن الزومان، دار ابن الجوزي. 14- الكلم الطيب والقول المختار في المأثور من الدعوات والأذكار، للسيوطي، تحقيق: محمد شايب شريف، دار ابن حزم. 15- سيرة الإمام البخاري من هدي الساري، مبوبة مرتبة، اعتنى بها: مساعد بن خالد الزهراني، دار إيلاف الدولية، مركز مرآة الزمان. |
شيء من سيرة والدي | الشيخ سليمان بن إبراهيم الفعيم | 13-01-2020 | 7,772 | https://www.alukah.net//culture/0/138148/%d8%b4%d9%8a%d8%a1-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a/ | شيء من سيرة والدي انتقل والدي إبراهيم بن عبدالرحمن بن سليمان الفعيم إلى رحمة الله صبيحة يوم الأربعاء الموافق 13/ 5/ 1441هـ عن عمرٍ قارب الخامسة والتسعين بعد معاناة شديدة مع المرض - أسأل الله ألَّا يحرمه أجرَ معاناته وآلامه - فقد كان في الأشهر الخمسة الأخيرة من حياته طريحَ الفراش في المستشفى متنقلًا بين قسم الترقيد وقسم العناية. والدي رحمه الله ينتمي إلى ذلك الجيل الفريد الذي تميز باهتمامه بالعمل بعيدًا عن الجدل، قلة فيهم متعلمون، لكنَّ كثيرًا منهم عاملون موفقون. كان أميًّا لم يتعلم، ولا يحفظ إلا قصار السور، لكن منذ وعيت على الدنيا لم أذكر أنه فاتته تكبيرة الإحرام، حتى أقعده الكبر والمرض، تخنقه العَبرةُ كلما تحدث عن عدم استطاعته الصلاة مع الجماعة. عندما أصابه الخرَفُ والنسيان، كان حديثه الوقت وهل أذن المؤذن؟ فربما دعانا في منتصف الليل أكثر من مرة للسؤال عن الوقت، وكم بقي على وقت الصلاة، مع أنه في أحيان كثيرة إذا كبَّر تكبيرة الإحرام أضاع ما بعدها. لسانه رطب بذكر الله، لا نعلم باشتداد المرض عليه إلا إذا سمعنا لهجه بذكر الله المتواصل بصوت مرتفع مِلؤه التذللُ والانكسار لله، حتى إنه لا يرد على من يخاطبه لانهماكه بالذكر. كان واصلَ الرحم بأقاربه، وربما سافر السفر البعيد لزيارة أحد أقاربه ممن هو في منزلة أولاده، وربما أحفاده. كان حريصًا على صلاتنا جماعةً مع المسلمين، وكان يحاسبنا حسابًا عسيرًا عندما كنا صغارًا على فوات الصلاة ولو ركعة واحدة، كما كان يشجعنا على الطاعات ويكافئنا بالمال إذا ختمنا القرآن الكريم في رمضان. عاش يتيمَ الأب في حياة قاسية صعبة، وكان يعيل أمَّه وأخواتِه من عرق جبينه وكدِّ يده، يحدثنا في مرارة بأنه ذهب مرةً من بلدتهم البرجسية إلى عنيزة التي تبعد عنهم قريبًا من خمسين كيلومترًا، وعمره دون الثامنة؛ من أجل أن يبيع حطبًا في سوق عنيزة، ويشتريَ حاجات لأهله، وكيف أنه لم يعرف الطريق؟ وخشي أن يضلَّ الطريق ويهلك، لولا أن منَّ الله عليه بلقاء عمٍّ له. هذه الحياة الشاقة جعلت منه رجلًا عصاميًّا صاحبَ جَلَدٍ وصبر في طلب الرزق، فقد تنقل في سبيل ذلك إلى بلدان كثيرة؛ منها: الكويت والرياض وبريدة والغاط والبطين وغيرها، وقد حدثني أحد أهالي الغاط ممن عرفه مزارعًا في بلدة الغاط، فقال: كان وقت حصاد القمح يركب الحصادة من بعد صلاة الفجر ومعه صميل لبن، ولا ينزل منها إلا مع غروب الشمس، طيلة وقت الحصاد الذي قد يصل إلى أكثر من الشهر. اشتُهر بمعرفة أنساب جماعته، وكان يقصده الناس للسؤال والاستفادة من ذلك. أنيس المجلس صاحب رواية وحكايات ونكت، لا تُملُّ مجالسته ولا تتكرر أحاديثه. كان كافًّا أذاه عن المسلمين، وكم شهِد الناس أيام مرضه، وفي جنازته بطيبته وسماحته وسلامة جانبه! وفي الحديث: ((مرت جنازةٌ على نبي الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فأُثني عليها خيرًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت، ومرت جنازة أخرى فذُكرت بشرٍّ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، وجبت، وجبت، قال عمر: فدًى لك أبي وأمي، مُرَّ بجنازة، فأُثني عليها خيرًا، فقلتَ: وجبت، وجبت، وجبت، ومُرَّ بجنازة، فأُثني عليها شرًّا، فقلتَ: وجبت، وجبت، وجبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أثنيتم عليه خيرًا وجبت له الجنة، ومن أثنيتم عليه شرًّا وجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض، أنتم شهداء الله في الأرض))؛ [أخرجه مسلم]. أسأل الله أن يغفر لوالدي ووالدتي ويرحمهما، ويُكرِم نزلهما، ويوسِّع مدخلهما، ويجعل قبرهما روضة من رياض الجنة، ويُعليَ منزلتهما في الفردوس الأعلى من الجنة، ويجمعنا بهما مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا. سليمان بن إبراهيم الفعيم ظهيرة السبت الموافق 16 جمادى الأولى من عام 1441 للهجرة |
أصفى الموارد في الرد على غلو المطرين لرسول الله وأهل الموالد | محمود ثروت أبو الفضل | 13-01-2020 | 6,275 | https://www.alukah.net//culture/0/138159/%d8%a3%d8%b5%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ba%d9%84%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d9%84%d8%b1%d8%b3%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d9%88%d8%a3%d9%87%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af/ | أصفى الموارد في الرد على غلو المطرين لرسول الله وأهل الموالد صدر حديثًا نسخة محققة لكتاب العلامة أبي زيد عبدالرحمن بن محمد النتيفي المغربي الجعفري (ت 1385هـ) "أصفى الموارد في الرد على غلو المطرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الموالد"، بتحقيق محمد بن سعيد بن عبد الله الجندبي، وذلك عن دار الميراث النبوي. وأصل هذا الكتاب رسالة علمية مقدمة لنيل درجة الماجستير من كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، بعنوان: "أصفى الموارد في الرَّدِّ على غلو المُطْرينَ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأهل الموالد، تأليف العلامة أبي زيد عبد الرحمن محمد النتيفي الجعفري (1385هـ) دراسة وتحقيقًا" تحت إشراف د. ذياب بن مدحل دخيل العلوي وذلك عام 1436هـ /2015م. وهذه الدراسة للعلامة " زيد عبد الرحمن محمد النتيفي " من أعلام الدعوة السلفية في بلاد المغرب الأقصى، والذي ألَّف أكثر من ألف كتاب ورسالةٍ في الرَّدِّ على المبتدعة وأهل الأهواء من الصوفية وغيرهم؛ ممن انتشروا في بلاد المغرب وعمدوا إلى بث ضلالاتهم وخرافاتهم والتهويد بها على عوام المسلمين بتلك البلاد، ويبين الشيخ "عبد الرحمن محمد النتيفي" في هذا الكتاب ضلال من أحدث في الدين بإحياء بدعة الموالد بلا دليل، وعلى من غلا في إطراء ومحبة النبي - صلى الله عليه وسلم – وبالغ فيهما حتى أوصله ذلك إلى حدِّ الكفر وأبواب الشرك، ومدارك البدع. وقد حارب الشيخَ أهلُ الصوفية في بلاد المغرب، وزهَّدوا الناس في كتبه ودعوته، ونعتوه بالصفات التي كانت ملتبسة على الناس في ذلك الوقت لتنفيرهم منه فنعتوه بالوهابي الصرف، ووصفوا عقيدته بالغلو والجفاء، بل وهاجمه أذناب الاستعمار الفرنسي في المغرب من كهنة الطرقية وسدنة الزوايا مما اضطر الشيخ وطلابه إلى لزوم أماكنهم وكانوا لا يستطيعون الخروج إلا مسلَّحين خوفًا على أنفسهم من الدهماء ومن يحرضونهم. وقد أورد الكاتب في كتابه كثيرًا من أقوال أهل العلم من السلف الصالح - رحمهم الله تعالى - في بيان بدعة الموالد والاحتفالات، واحتوى الكتاب على مسائل عقدية مهمة جدًّا في الرد على أهل البدع الصوفية وبيان العقيدة السلفية الصحيحة والمنهج السليم في توقير النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعزيره وإنزاله المنزلة التي أمرنا بها الله - عزَّ وجلَّ - دونما غلوٍّ أو تفريط. وتكوَّنت الدراسة من مقدمة وقسمين: بين المحقق في المقدمة أهمية الكتاب وأسباب اختياره، مع بيان خطة البحث ومنهج التحقيق. أما القسم الأول فهو قسم الدراسة للكتاب، وفيه فصلان: الفصل الأول: دراسة المؤلف في سبعة مباحث: عصر المؤلف، وحياته، ونشأته العلمية، وشيوخه وتلامذته، وبيان عقيدته ومذهبه الفقهي، ومكانته العلمية، وثبت بمؤلفاته. الفصل الثاني: دراسة الكتاب في سبعة مباحث أيضًا: اسم الكتاب وتوثيق نسبته للمؤلف، وبيان موضوع الكتاب وسبب تأليفه، ومصادر الكتاب، ومنهج المؤلف في كتابه، وقيمة الكتاب العلمية، وبيان بعض المآخذ على الكتاب، ووصف النسخة الخطية للكتاب، ونماذج منها. أما القسم الثاني فهو قسم التحقيق لمخطوطة الكتاب، حيث قام المحقق بتصحيح الكتاب لغويًّا وإملائيًا عما جاء بالمخطوطة والإشارة إلى ذلك في الحاشية، وشرح ما غمض من ألفاظه والترجمة لما جاء به من أعلام وأماكن وفرق مذهبية وتخريج الآيات القرآنية والأحاديث والآثار والشواهد الشعرية، مع توثيق النقول بنسبتها إلى قائلها وذكر مصادرها حسب الإمكان، وخدمة الكتاب بوضع الفهارس العلمية التفصيلية المتنوعة الملحقة بنهاية الكتاب. أمَّا مؤلف الكتاب فهو العلامة الحافظ المحدث " عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم النتيفي الجعفري "، ولد الشيخ سنة 1303هـ بقرية المقاديد بقبيلة هنتيفة، حفظ القرآن في صغره، وفي سنة 1316هـ رحل إلى مدينة السطات وبها أكمل قراءة حمزة والكسائي، وفي سنة 1319هـ بدأ قراءة العلم على يد الشيخ بوشعيب البهلولي، وفي سنة 1323هـ سافر إلى فاس فأخذ عن عدة مشايخ بها كالعلامة الفاطمي الشرادي والعلامة محمد التهامي كنون، والعلامة محمد بن جعفر الكتاني، ومحمد بن أحمد بن الحاج السلامي، وغيرهم كثير. وفي سنة 1324 هـ غادر فاس قاصدًا مراكش فعرج على الدار البيضاء فحضر موقعة " تدارت " التي تم على إثرها احتلال فرنسا للمدينة، وبعدها قصد الشيخ مدينة خنيفرة سنة 1325هـ وأنشأ بها مدرسة للعلم مدة اثني عشرة سنة، وقد تخرج منها جماعة من أهل العلم منهم الحاج عباس المعداني والحاج علال التدلاوي والفقيه العبدي الكانوني. وفي سنة 1329هـ حج بيت الله الحرام، وبعد رحلته الحجازية رجع إلى خنيفرة سنة 1330هـ فمكث فيها لنشر العلم الشرعي الصحيح وسط قبائل البرابرة. وفي سنة 1336هـ غادر خنيفرة إلى فاس فمكث فيها سنتين، وفي سنة 1341هـ دخل الدار البيضاء فاستوطنها وأنشأ بها مدرسة "السنة" وتخرج على يده مئات من أهل العلم. جهاده في سبيل الله: زيادة على نشر العلم والمعرفة أعلن رحمه الله الجهاد مع تلامذته وإخوانه المسلمين على الفرنسيين لما وصلت جيوشهم إلى خنيفرة، فحضر عدة وقائع منها: موقعة أرغوس الشهيرة وموقعة أفود احمري. وقد أثنى عليه علماء عصره فقال العلامة حافظ وقته الشيخ شعيب الدكالي من نص إجازته له: «قد استجازني أخونا في الله العلامة الألمعي الذكي الحافظ اللوذعي الفقيه السيد عبد الرحمن بن محمد النتيفي في كل ما يجوز عني روايته من معقول ومنقول وفروع وأصول». وأثنى عليه جلة من أهل العلم منهم: المؤرخ الكبير بن زيدان، والعلامة أحمد إكرام المراكشي، والعلامة عبد السلام السرغيني صاحب كتاب "المسامرة"، والعلامة الأديب المختار السوسي، والعلامة السلفي محمد العربي العلوي، وغيرهم كثير. وكان الشيخ مكثرًا من التأليف، فقد ألف أزيد من سبعين مؤلفًا معظمها ردود على المبتدعة وأهل الأهواء، ونصرة للسنة المطهرة، وأبحاث فقهية علمية، منها: ♦ "الاستفاضة في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرى بعد وفاته يقظة". ♦ "تنبيه الرجال في نفي القطب والغوث والأبدال". ♦ و"الاقتصار في جواز الشكوى والانتصار" رد على جماعة من الصوفية زعموا أن الشكوى للعبد ولله ليست من أوصاف أولياء الله. ♦ و"الذكر الملحوظ في نفي رؤية اللوح المحفوظ". ♦ و"الإلمام في رد ما ألحقه مبتدعة زايان من العار بالإمام". ♦ و"القول الجلي في الرد على من قال بتطور الولي". ♦ و"حكم السنة والكتاب في وجوب هدم الزوايا والقباب". ♦ و"نظر الأكياس في الرد على جهمية البيضاء وفاس" وهو تفسير لقوله تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5]، ونصر قول السلف في إثبات هذه الصفة والرد على من خالف من بعض الفرق. ♦ و"الوارفون الأبرار يعبدون الله طمعًا في الجنة وخوفًا من النار". ♦ و"الحجج العلمية في رد غلو الهمزية". ♦ و"الدلائل البينات في البحث في دلائل الخيرات وشرحه مطالع المسرات". ♦ و"إيقاظ الهمم في أن عهود المشايخ لا تلزم" وهو رد على الصوفية وعهودهم الباطلة. ♦ و"حل إبرام النقض في الرد على من طعن في سنة القبض". ♦ و"القول الفائز في عدم التهليل وراء الجنائز". ♦ و"إرشاد الحيارى في تحريم زي النصارى". ♦ و"الأبحاث البينات فيما قاله عبده ورشيد رضا في تعدد الزوجات". ♦ و"كشف النقاب في الرد على من خصص أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية الحجاب".. وغيرها الكثير. ومن عناوين تلك المؤلفات نلمح غيرة الشيخ على الدين ونصره مذهب أهل السنة والجماعة، وقوة حجته في ردوده على أهل البدع والضلالات الذين ضللوا كثيرًا من عوام المسلمين في تلك الفترة بأباطيلهم ونزعاتهم التصوفية الباطلة. توفي الشيخ رحمه الله ليلة الثلاثاء 23 ذي القعدة سنة 1385 هـ الموافق لـ 15 مارس 1966م بعد مرض عضال دام سنوات. وأوصى بعدم البناء على قبره وألا يكتب على شاهد القبر إلا ما يلي: "هذا قبر الراجي عفو ربه ومولاه والتارك دنياه كما أسبلها عليه لا زاده من ذلك، المرحوم بكرم الله عبد الرحمن بن محمد النتيفي"، كما أوصى بعدم تأبينه. |
أم المؤمنين زينب بنت جحش | الشيخ صلاح نجيب الدق | 13-01-2020 | 22,374 | https://www.alukah.net//culture/0/138149/%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%b2%d9%8a%d9%86%d8%a8-%d8%a8%d9%86%d8%aa-%d8%ac%d8%ad%d8%b4/ | أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أما بعد: فإن زينب بنت جحش هي إحدى أمهات المؤمنين اللاتي قال الله تعالى عنهن: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]؛ فأحببتُ أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم والنسب: هي زينب بنت جحش بن رياب بن أسد بن خزيمة، وهي ابنة عمة النبي صلى الله عليه وسلم. أمُّها أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 80]. كنية زينب:أم الحكم؛ [البداية والنهاية لابن كثير، ج: 7، ص: 106]. زواجها من زيد بن حارثة: زوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زينبَ بنت جحش لمولاه زيد بن حارثة، فعاشت معه مدةً من الزمن، ولكنها لم تستمر معه طويلًا رضي الله عنه. زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش رضي الله عنها: قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37]. روى البخاري عن ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتقِ الله، وأمسك عليك زوجك، قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتمًا شيئًا لكتم هذه، قال: فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات))، وعن ثابت: ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ ﴾ [الأحزاب: 37]، نزلت في شأن زينب وزيد بن حارثة. روى مسلم عن أنس قال: ((لما انقضت عدة زينب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة: فاذكرها عليَّ، قال: فانطلق زيد حتى أتاها وهي تخمر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فولَّيتُها ظهري، ونكصت - أي: رجعت - على عَقِبي، فقلت: يا زينب، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك، قالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أُوامِرَ- أي: أستخير - ربي، فقامت إلى مسجدها - أي: موضع صلاتها من بيتها - ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها بغير إذن))؛ [مسلم، كتاب النكاح، حديث: 89]. قال الإمام النووي رحمه الله: "قول زيد: ((فلما رأيتها عظمت في صدري، حتى ما أستطيع أن أنظر إليها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها، فوليتها ظهري)) معناه: أنه هابها واستجلها من أجل إرادة النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها، فعاملها معاملة من تزوجها صلى الله عليه وسلم في الإعظام والإجلال والمهابة؛ [مسلم بشرح النووي، ج: 5، ص: 247]. الحكمة من زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش لأسباب؛ منها: القضاء على عادة التبني التي كانت منتشرة بين العرب في الجاهلية قبل الإسلام؛ فقد كانت دينًا متوارثًا عندهم، يتبنى أحدهم ولدًا ليس من صلبه، ويجعله في حكم الولد الأصلي، ويتخذه ابنًا حقيقيًّا، له حكم الأبناء من النسب، وفي جميع الأحوال: في الميراث، والطلاق، والزواج، ومحرمات المصاهرة، ومحرمات النكاح، إلى غير ما هنالك مما تعارفوا عليه، وكان دينًا تقليديًّا متبعًا في الجاهلية، كان الواحد منهم يتبنى ولدَ غيره فيقول له: "أنت ابني، أرثك وترثني"، وما كان الإسلام ليقرهم على باطل، ولا ليتركهم يتخبطون في ظلمات الجهالة، فمهَّد لذلك بأن ألهم رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتبنى أحد الأبناء - وكان ذلك قبل البعثة النبوية - فتبنى النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة، وأصبح الناس يدعونه بعد ذلك اليوم: زيد بن محمد. روى الشيخان عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((أن زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد، حتى نزل القرآن؛ ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾ [الأحزاب: 5])) [البخاري حديث: 4782، مسلم حديث: 2425]. زوَّج النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة بابنة عمته زينب بنت جحش، وقد عاشت معه مدةً من الزمن، ولكنها لم تطل، ولحكمة سامية أرادها الله تعالى طلق زيد بن حارثة زينب، ثم أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها ليُبطِلَ بدعة التبني، ويقيم أسس الإسلام، ويأتي على الجاهلية من قواعدها، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يخشى من ألسنة المنافقين والفجار أن يتكلموا فيه ويقولوا: تزوج محمد صلى الله عليه وسلم امرأة ابنه، حتى أنزل الله تعالى: ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ﴾ [الأحزاب: 37]، وهكذا انتهى حكم التبني، وبطلت تلك العادات التي كانت متبعة في الجاهلية، وكانت دينًا تقليديًّا لا محيد عنه، ونزل قوله تعالى مؤكدًا هذا التشريع الإلهي الجديد: ﴿ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 40]. نزول آية الحجاب في منزل زينب: روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 53]))؛ [البخاري حديث: 4791، مسلم حديث: 1428]. حديث المغافير: روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش، ويشرب عندها عسلًا، فتواصيتُ أنا وحفصة أنَّ أيَّتَنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير، أكلتَ مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: لا، بل شربت عسلًا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ ﴾ [التحريم: 1] إلى ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ ﴾ [التحريم: 4] لعائشة وحفصة: ﴿ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا ﴾ [التحريم: 3]؛ لقوله: بل شربت عسلًا))؛ [البخاري حديث: 5267، مسلم حديث: 1474]. قال الإمام النووي رحمه الله: "(مغافير) جمع مغفور، وهو صمغ حلو، وله رائحة كريهة ينضحه شجر يقال له: العرفط يكون بالحجاز"؛ [مسلم بشرح النووي، ج: 5، ص: 334]. علم زينب بنت جحش رضي الله عنها: روت زينب بنت جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم أحد عشر حديثًا، اتفق البخاري ومسلم لها على حديثين، وروى عنها: ابن أخيها محمد بن عبدالله بن جحش، وأم المؤمنين أم حبيبة، وزينب بنت أبي سلمة؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 218، 212]. فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها: (1) روى مسلم عن زينب بنت أم سلمة قالت: ((كان اسمي "بَرَّة"، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب، قالت: ودخلت عليه زينب بنت جحش، واسمها "برة" فسماها زينب))؛ [مسلم حديث: 2142]. (2) روى مسلم عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا، قالت: فكن يتطاولن أيتهن أطول يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتصدق))؛ [مسلم حديث: 2452]. (3) روى البخاري عن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال لزينب: ماذا علمت، أو رأيت، فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمت إلا خيرًا، قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع))؛ [البخاري حديث: 4141]. وفاة زينب بنت جحش رضي الله عنها: روى ابن سعد عن نافع عن ابن عمر: ((أن الرجال والنساء كانوا يخرجون بهم سواءً، فلما ماتت زينب بنت جحش، أمر عمر مناديًا فنادى: ألَّا يخرج على زينب إلا ذو رحم من أهلها، فقالت بنت عميس: يا أمير المؤمنين، ألا أريك شيئًا رأيتُ الحبشة تصنعه لنسائهم؟ فجعلت نعشًا وغشته ثوبًا، فلما نظر إليه قال: ما أحسن هذا! ما أستر هذا! فأمر مناديًا فنادى أن اخرجوا على أمِّكم))؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 88]. توفيت زينب بنت جحش رضي الله عنها سنة عشرين من الهجرة، وكان عمرها ثلاث وخمسين سنة، وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقًا به، وصلى عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش، فكبر عليها أربع تكبيرات؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 8 - 91]. رحم الله تعالى زينب بنت جحش رحمةً واسعةً ورضي عنها. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
الحياء في طبيعة الحيوان | د. أحمد سعيد صالح عزام | 12-01-2020 | 6,202 | https://www.alukah.net//culture/0/138128/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d9%81%d9%8a-%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%88%d8%a7%d9%86/ | الحياء في طبيعة الحيوان قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأنعام: 38]، هذه الآية - التي نزلت قبل أربعة عشر قرنًا - كانت كافية لأن تلفتَ أنظار الناس للدواب الأرضية من حولهم، ليدركوا بعض ما بينهم وبين من يدب على الأرض من المخلوقات من تشابه، رغم التميز الذي فاز به الإنسان عن غيره؛ وذلك لأنه يضطلع بمهام صناعة الحضارة الإنسانية. ومن الصفات التي امتاز بها الرقي الإنساني خُلُقُ "الحياء"، وهو خلق نابع من تكريم الله لهذا المخلوق الفريد؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]، وربما كان يُظنَّ أنه خُلقٌ حُكِرَ على البشر لخصوصيتهم، إلا أن الإنسان لاحظ وجوده لدى العديد من الحيوانات، وهذا بلا شك أمر يدفع إلى الغرابة والبحث الجاد للوصول إلى هذه الحقيقة لدى الحيوانات، التي تعتبر عاملًا قويًّا في ضبط تصرفات وسلوك المخلوقين، وربما كان أكثر ما يستفز هذا الخلق ويبرزه واضحًا هو وقت التجارب الجنسية وعملية التزاوج بين الذكور والإناث. والحياء خلق ممدوح أثنى عليه الإسلام، واعتبره من الأخلاق السامية - حتى ولو كان الفعل مباحًا مشروعًا - لأن جلباب الحياء يبقي المخلوق في دائرة محصورة بعيدة عن الانغماس والسقوط في الرذيلة والدوائر المحرمة شرعًا. وهذا ليس غريبًا أن نجده عند الإنسان لخصوصيته، لكننا نشاهده بين الجنسين عند عدد من الحيوانات، وتلك بلا ريب من حكمة الله سبحانه وآياته العجيبة التي تدل على عظمة الخلق، وفيها إشارة ولفتة لابن آدم بأن الله الذي أودع الحياء عند الحيوانات، كان الإنسان هو الأولى بهذا الخلق الرفيع، ومع هذا فإن بعض الناس في بعض المجتمعات يتصرفون في العلاقات بين الجنسين بأخلاقيات متدنية فيما يخص عدم الحياء. ولنأخذ بعض الأمثلة على موضوع المقال، فلدى الجمال والنوق مثلًا لوحظ أنها في بعض الأحيان لا تمارس عملية التزاوج بينها أمام الناس، ولا حتى أمام جنسهم من الجمال والإبل، ويحاولون التستر عن الأعين أثناء هذه العملية، بل إن ذكور الإبل قد يتغير سلوكها في موسم التزاوج والتناسل، فتظهر عليها حالة من الغضب والغيرة الشديدة على إناثها، بحيث لا تسمح لأيٍّ كان أن تقترب من قطيع إناثها. ووجد أن بعض إناث الحمام قد لا تقبل بغير زوجها، وإن طلبها آخر فإنها تفر منه، ولوحظ أن الذكر والأنثى من هذا النوع يقومان بخفض ذيلهما وجره على الأرض بعد التزاوج بينهما، وربما كان ذلك إعرابًا عن حالة الخجل والحياء التي تعتريهما. أما الشمبانزي وغيرته، فرغم أنه معروف بمسالمته، فإنه ربما يصبح عدوانيًّا عندما يجد شريكة حياته ترحب بذكر آخر؛ فإما أن يعدوَ عليها ويشوهها، وإما أن يخرجها من أماكن معيشته. وقد كشفت دراسة حديثة أن الغيرة تتزامن مع زيادة النشاط العصبي في مناطق الدماغ المرتبطة بالترابط الزوجي والألم الاجتماعي، ومع ارتفاع هرمون ( التستوستيرون ) و( الكورتيرول )، وأوضحت الدراسة من جامعة ( كاليفورنيا ) أن حوالي 4% من أنواع الثدييات هي أحادية اجتماعيًّا لا تقبل تقاسم شريك حياتها وفق موقع ( سايكولوجي توداي ). وقد سبق علماؤنا قديمًا وذكروا طرفًا من هذه الملاحظات على بعض الحيوانات في كتبهم، كما وردت نصوص في ذلك؛ ومنها ما رواه البخاري عن عمرو بن ميمون قال: ((رأيتُ في الجاهلية قِرْدةً اجتمع عليها القِرَدَةُ قد زنت فرجموها، فرجمتها معهم))؛ [البخاري، 3849]، وعلَّق ابن تيمية على الرواية بقوله: "ومثل ذلك شاهد الناس في زماننا غير القرود حتى الطيور"؛ [مجموع الفتاوى، 11/ 545]. أهم المراجع: 1- حياء بعض البهائم في الحياة الجنسية، د. محمد فتحي راشد الحريري. 2- موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، العفة والحياء في عالم الحيوان، د. محمد يوسف، 20 سبتمبر 2019م. |
العوامل المؤثرة في الأدب العربي (2) | محمد عبدالله عنان | 11-01-2020 | 16,100 | https://www.alukah.net//culture/0/138117/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%a7%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%ab%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-2/ | العوامل المؤثرة في الأدب العربي (2) للأستاذ: محمد عبد الله عنان [1] ومن العوامل المؤثرة في الأدب الأدْيانُ وما يتَّصل بها من الأخلاق والمعتقدات، وتأثير الأديان في الأدب أمر ثابت بأدلة الطبع والسَّمع، فإنَّها تخلق موضوعات جديدة لمصنفات جديدة. وتؤثر في الأخلاق والعواطف تأثيرًا يتردَّد صداه في مناحي الأدب. على أنَّ تأثيرَها الذي يعنينا الآن هو إيجادها لأنواعٍ خاصة من النَّظم والنَّثر، فإنَّ بنى الإنسان منذ أفزعتهم تهاويل الطبيعة، وأدهشتهم تعاجيب الفلك، أحسُّوا بقوَّة القوى فألَّهوها كما فعل اليونان والهنود، أو نسبوا الأعاجيب الممتعة الخيرة لمبدأ، والتهاويل المفزعة الشريرة إلى مبدأ آخر كما فعل الإيرانيون الأقدمون، ثم امتلأت نفوسهم بجلالها وجمالها وعظمتها ففاضت على ألسنتهم بالأناشيد والصلوات، فكان من ذلك الشعر الديني وهو مبدأ كلِّ شعر في كل أمة، ومن أقدمه أناشيد (رع) عند المصريين، وأناشيد (فيدا) عند الهند البرهميين، وأناشيد (جالا) عند الإيرانيين، وأناشيد (أرفيه) عند اليونانيين، وسفر أيوب عند العرب. وعندي أنَّ الشعر العربي لم ينشأ في الصحراء على ظهور الإبل، وإنما نشأ كذلك في المعابد العربية إبَّان انفصال العرب عن الأسرة السَّاميَّة الأولى، فظهر على ألسنة الكهان باسم السجع ومن أقدمه سفر أيوب على أرجح الآراء. وربما عدت إلى بسط هذا الرأي في فرصة أخرى. وتأثير الأديان في الآداب غير مُتَّحدٍ ولا متشابه لاختلاف العقول في إدراك هذه القوة الخفية، فاليونان قد عددوا آلهتهم وجسدوها على صور البشر، ونسبوا إليها ما للإنسان من كرم ولؤم، وغضب وحلم، وحرب وسلم، وعفة ودعارة، وزواج ولذة، ولم يميزوهم من الناس إلّا بالقوة والخلود. لذلك كان شعرهم الديني في الآلهة أشبه بشعرهم الدنيوي في الملوك: يصف الخوارق والعظائم والقوة، ولا ينم عن رحمة الخالق وخشوع المخلوق، ولا يدل على الرجاء الذي يبعث على الطاعة، ولا على الخوف الذي يردع عن المعصية. أما بنو إسرائيل فقد وحدوا الله وبرءوه من النقص، ونزهوه عن المثل وملأوا صدورهم بهيبته وعزته وجلالته، فكان شعرهم في ذاته العليا فيّاضًا بالتقديس والإجلال والابتهال والاتكال وللبكاء والرجاء والخوف. كذلك يختلف تأثير الدين الواحد في الأدب باختلاف الأزمان والبلدان وطبقات الناس ونظام الحكم، فإنَّ في كل دين من الأديان السماوية قسْمًا وجدانيًّا اجتهاديًّا يختلف أبناؤه في فهمه اختلافهم في الطبائع والمنازع والغاية. فأشعار الخوارج مثلًا تنضح بالدماء، وتطفحُ بالحماسة؛ لتعصُّبهم وتصلُّبهم وجعلهم غاية الإسلام جهاد مخالفيهم في الرأي. وأشعار الشيعة تفيض بإجلال زوج البتول وصهر الرسول وتمجيد ذكرى بنيه وتمثيل آلامهم، ورثاء من قُتل من أعلامهم. وأشعار الصوفيين تصف مقاماتهم وتذكر إشاراتهم وتكثر من الكناية بالخمر والسكر والعشق والعبق عن شدة تعلقهم بالله. ولا يقتصر تأثير الأديان على النَّظم وإنما يؤثر كذلك في النَّثر، فلولاها لما كانت النبوءات عند الإسرائيليين، ولا التعازي عند الفرس، ولا خطب المنابر ومقامات الوعظ عند المسلمين والمسيحيين. ومنها: العلوم النظرية والتجريبية، وتأثيرها العام في ترقية العقل وتقوية الشعور وتنمية الصور لا يحتاج إلى تمثيل ولا تدليل، ولكن لها تأثيرًا خاصًّا في خلق أنواع طريفة من الآداب، كالشعر التعليمي مثلًا، وهو نوع من الشعر يجمع بين رشاقة اللفظ، ولطف التخيل، وجودة الوصف، ودقة البحث، وحقائق العلم. وتراه في الآداب الأجنبية القديمة والحديثة أرفع وأمتع منه في الآداب العربية، فإنَّ من الغضاضة على الفنِّ والإساءةِ إلى الذَّوق أنْ نُدخل فيه منظومةَ ابنِ عَبْد ربه في التّاريخ، وألفية ابن مالك في النحو. وقد استحدث اليونان في النثر المحاورات الفلسفية كمحاورات أفلاطون، وهي نوعٍ طريف من الأدب الإغريقي قلَّده شيشرون في محاوراته في الأخلاق والفلسفة والبلاغة. كذلك أحدث انتشار العلوم نوعًا من القصص الخيالية تمتزج فيها حقائق العلم بروعة الخيال وغرابة الحوادث؛ تحقيقًا لرأي من الآراء، أو تشويقًا لعلم من العلوم، كما فعل الفرنسيان: (فلا مريون) الفلكي و (جول فيرن) القصصي، وكما صنع من قبلهما أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل الأندلسي في رسالة « حي بن يقظان »؛ فقد أراد بوضع هذه القصة أن يشرح كيف يستطيع الإنسان بمجرد عقله أن يتدرَّج من المحسوسات البسيطة إلى أسمى النظريات العلمية، ولكنَّه يعجز عن إدراك أرقى الحقائق بغير وحي من الله أو هداية من نبي، ثم كان من نفاق العلوم التاريخية في صدر القرن التاسع عشر - وميل الجمهور إلى دراسة الماضي - أن ظهر في إنجلترا القصص التَّاريخي، ابتدعه الكاتب الإنجليزي (ولترسكوت) واقتفاه في فرنسا (الفريد دفني) في رواية « خمسة مارس »، وفي ألمانيا (جورج ايسبرس) في قصته المصرية «وردة»، وفي مصر جرجي زيدان في رواياته الإسلامية. وللعلوم فضل ظاهر على اللغة في المادة والأسلوب، وأثر قويّ في ترقية النثر خاصة لأنها تكسبه القوة والدقة والوضوح، وما ارتقى النثر في أمَّة من الأمم إلّا بعد تقدُّمها في الحضارة ورقيها في العلم؛ لأنَّ النثر لغةُ العقلِ، كما أنَّ الشعر لغة الخيال. فالنثر اليوناني لم يرق إلّا بعد عصر هوميروس بأربعة قرون، حين دوَّن تاريخ (توسيديد) ، ومحاورات (أفلاطون) ، وخطب (ديمستين) . والنثر العربي لم يرْقَ إلَّا أوائل الدولة العباسية على يد ابن المقفع، والنثر الفرنسي لم يرقَ إلّا بتأثير الفلاسفة والرياضيين في القرنين السادس عشر والسابع عشر كـ (بسكال) و (ديكارت) . ومن تلك العوامل: أحوال السياسة الداخلية، فإنَّ لمدِّها وجزْرِها، ولانتقاضِ حبلِها أو أتساق أمرها، أثرًا بالغًا في فنون الآداب يختلف باختلاف حاله. ففي... خلافة المتوكل العباسي ازدهر الأدب العربي وازداد ابتكارًا وانتشارًا وكثرةً؛ وعلة ذلك السياسة أيضا، فإنَّ الخلافة العباسية قد انتقض حبلها في أواخر عهد المأمون وانصدع شملها في عهد المتوكل باستقلال الولاة في فارس والشام ومصر والمغرب. فكان ضعف السياسة قوةً للأدب لأن الشعراء والأدباء والعلماء بعد أن كانوا مكدَّسين في بغداد لا يريمون عنها تفرقوا في الممالك الجديدة فوجدوا من أمرائها وأجوائها ما ساعدهم على وفرة الإنتاج ورفع شأن الأدب. وللأحوال السياسية كذلك أثر في خلق فنون جديدة من الأدب أو ترقية ما كان منها، ومثل ذلك النوع الذي يسميه الفرنج بالخطابة السياسية كالخطب الرائعة التي ألقاها (ديمستين) في مجالس اليونان العامة حين كان (فيلبس) ملك مقدونيا يتربص بحريَّة أثينا وسلامتها ريب المنون، وكتلك التي ألقاها (شيشرون) في مجالس الأعيان دفاعًا عن شؤون الجمهورية الرومانية، وقد نَفُقَ هذا النَّوعُ في مصر الحديثة على لسان الزعيمين الكبيرين مصطفى باشا كامل وسعد باشا زغلول، وهذا الفن وليد الحرية السياسية والحياة الديمقراطية والأنظمة الدستورية. فإذا مُنِيت الشعوبُ بالاستعباد أو طغيان الاستبداد تلاشى وانقرض، كما تلاشى في اليونان حينما وقعوا في العبودية، وانقرض عند الرومان حين فدحهم طغيان القياصرة، وهناك الشعر السياسي أيضا كالشعر الذي كانت تصطنعه الأحزاب والفرق في صدر الدولة الإسلامية. ومن ذا الذي ينسى فيضان بحور الشعر وطغيانها في بغداد ودمشق حين أُعلِن الدستور العثماني؟ لقد كان الظلام ضاربًا على العيون، والجهلُ غالبًا على الأفئدة، والجمود مستوليًا على العواطف، وقُوَى العرب المنتجة معطلةٌ، وأياديهم العاملة مغللة، فكان إعلان الدستور بسمة الأمل في قطوب اليأس، وومضة المنارة في بحر مكفهرّ الجو بالضباب مضطرب الموج بالعواصف، فاهتزت النفوس وانطلقت الألسن وصدحت البلابل تنعى الليل وتبشر العيون بالصباح. كذلك من هذه العوامل اختلاط الأجناس المختلفة العقليات والعادات والاعتقادات بالمصاهرة والمجاورة في أمة واحدة، وأثرُ هذا العامل أظهرُ ما يكون في دولة العباسيين في بغداد ودولة الأمويين في قرطبة، فإنَّ حضارتيهما نتيجة اختلاط شعوب مختلفة لكل شعب منها خصائص ومزايا أكملت نقص الآخر وساعدته على العمل والإنتاج ففي البلدين اتصلت المدنية السَّاميَّةُ بالمدنية الآرِيَّةِ فالتقى التصور العميق بالتصوير القوي، والعقلية العلمية بالوجدان الشعري، وكان من أثر هذا اللقاح في الفكر والعقل ما يعلل لنا وفرة المعاني الجديدة في شعر بشّار وأبي نُواس وأبي العتاهية وابن الرومي. ولولا هذا اللقاح المخْصِب العجيب لظل الأدب العربي ظامئ الجذوع دقيق الفروع ذابل الأوراق واحد المذاق قليل الثمر. ومنها التقليد والاحتذاء، والتقليد فطري في الإنسان لا يستطيع بدونه أن يتكلَّم ولا أن يتعلم ولا يملك لنفسه اكتساب عادة ولا تربية خلق، ولولا الاحتذاء لما كانت فنون الآداب، لأنَّ الشعر والنثر إنما يصاغان على قواعد وأساليب خاصة. وما مراعاة هذه القواعد والأساليب إلَّا اقتداء الأديب بمن سبقه، سواءً أكان اقتداؤه مقصودًا منه أم غريزيًّا فيه. على أنَّ التقليد الذي نقصد إليه هنا هو تقليدُ أمّة لأخرى لشدَّة ارتباطها بها، أو لاعتقادها السمو في آدابها، وقد أشرتُ منذ هنيهةٍ إلى مثال من ذلك، وهو ظهور القصص التاريخية في إنجلترا وانتقالها إلى الأمم الأخرى بالاحتذاء، ولقد كان للتقليد في الآداب القديمة شأن نابه وأثر ظاهر. فالشِّعر اللاتيني في عصر أغسطس عاف أساليبه الفطرية وأوزانه القديمة، واغترف من بحور الشعر اليوناني فحاكاه في أوزانه وأنواعه ومعانيه، والأدب الفرنسي قبل (رنسار) و (ماليرب) كان حائرًا بين اللاتينية والإغريقية، والتمثيل إنما نشأ بديا في كنائس رومية وباريس أثناء القرون الوسيطة لتمثيل صلب المسيح وآلام الشهداء الذين أوذوا وقتلوا في سبيل المسيحية على نحو ما يفعل الفرس من تمثيلٍ ما أصاب أهل البيت من الخطوب والاضطهاد والمحن، ثم انتشر التمثيل بالتقليد في سائر الأمم. ولما حييت الآداب اليونانية واللاتينية واطلع أدباء الغرب على ما صُنِّف فيهما من الروايات التمثيلية تهافتوا على تقليدها واقتباسها فدخل فن التمثيل من جراء ذلك في طور جديد. ولو شاء الله لأدبنا الكمال من نقصه لألهم المترجمين في عصر المأمون أن ينقلوا روائع الأدبين الإغريقي واللاتيني من الشعر والقصص والروايات والخطب والملاحم كما نقلوا العلم والحكمة، إذن لقلدهم أدباء العرب في ذلك ولسدوا في الأدب العربي خللا ما بريء منه حتى اليوم. إنما استفاد الأدب العربي من التقليد في فن الحكايات والأمثال حين ترجم ابن المقفع وبعض الكتاب شيئًا من القصص الفارسي كـ «كليلة ودمنة» و«هزار افسانه»، و«دارا والصنم الذهب»، فكان ما ترجموه حديًّا للعرب ونموذجًا لهم في وضع ما وضعوه منها. أما الأدب الفارسي والأدب التركي فهما صنيعة التَّقليد، ونفحة من نفحات الأدب العربي، فإنَّ الفُرس حينما استولى الإسلام على أفئدتهم ولغته على ألسنتهم ظلُّوا زهاء قرنين يقرضون الشعر بالعربية دون الفارسية. فلما هبُّوا في القرن الثالث يستردُّون مجدَّ أجدادهم، ويطاردون العربية ونفوذها من بلادهم، ويوحون إلى شعرائهم من أمثال الدقيقي والفردوسي أنْ يجدِّدوا مفاخر الأسلاف بتأليف المنظومات القصصية والأناشيد القومية، لم يجدوا ذلك ميسورًا إلّا باحتذاء الشعر العربي واقتباس أوزانه وبديعه، وكذلك فعلوا في النثر فقد أخذوا يُوشُّونه منذ أوائل القرن الخامس برشيق الألفاظ وغريب المجاز وزخرف البديع اقتداءً بما نشر في أقاليم العجم الشمالية الشرقية من الكتب التاريخية العربية التي كتبت بالسجع المؤنق ككتاب «اليميني» الذي ألفه أبو نصر العتبي للسلطان محمود الغزنوي. وأما الأتراك العثمانيون فإنَّهم حين أخذوا يدوِّنون أشعارهم في أوائل القرن الثامن اقتبسوا من الفرس بعض الأوزان العربية مددًا لأوزانهم القديمة، ولكنَّهم ابتداءً من القرن التاسع أغفلوا أوزانهم واصطنعوا العروض الفارسي فجروا على مناهجه وفنونه. وظل الأدب التركي صورةً من الأدب الفارسي، يترسَّم خطاه، ويردِّد صداه حتى منتصف القرن الماضي، حين هبَّ الوزير ضيا باشا المتوفى سنة 1295 للهجرة يقوِّض دعائم الشعر القديم، وينعى على الشعراء ما هم فيه من جمود وقصور ورق، فانضوى إليه رهطٌ من الشعراء المجدِّدين ككمال يكن وأكرم بك وناجي أفندي فأنقذوا أدبهم من سخف التقليد، وقوَّوه بالابتكار والتجديد، هذا مَثَلٌ من التقليدِ العاجز الذليل الأعمى. أما التقليد البصير القوي المستقل فهو الذي يُهذِّب أدبنا اليوم ويُتمِّم نقصه، فالأقصوصة والقصة والرواية، والأسلوب المهذب والفن التمثيلي، كلُّ أولئك قد أخذ - بفضل تقليد الفرنج - ينبت في حقوله، ويضيف فصولًا خالدة على فصوله. هذه هي أقوى العوامل التي تؤثِّر في الآداب على اختلاف لغاتها، وهي تعملُ إمَّا مجتمعة وإمّا منفردة، والواجب على مؤرخ الآداب أن يحلل ما تركَّب من أفعالها المتنوعة كما يحلل العالم بالميكانيكا القوة الناتجة ثم يردَّها إلى القوى البسيطة الفاعلة. وهيهات أن يقف الأديب على هذه العوامل ما لم يكن المؤرِّخُ في عونه، ولا يتسَنَّى للمؤرخ أدراك كنهها إلّا بالاستقصاء البالغ والبحث الشديد في أحوال الشعب الذي يدرسه ويؤرخه. وكل تعليل لأطوار الأدب وظواهره قبل دراسة هذه العوامل ضربٌ من التَّخرُّصِ لا يطمئنُّ إليه القلب. المصدر: «مجلة الرسالة»، العدد: 4، بتاريخ: 01 - 03 – 1933م [1] ننشر هذه المقالات لتميزها من الناحية التاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إعادة إظهارها على شبكة الإنترنت، مع التنبيه على أن كاتبها الأديب والمؤرخ (محمد عبدالله عنان) باحث ومؤرخ شيوعي، بل هو أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي المصري، فليتنبه القارئ إذا رأى له ما يخالف منهج المسلم الصحيح . |
ترجمة ابن هشام (708 – 761 هـ) | د. عبدالحكيم الأنيس | 11-01-2020 | 12,034 | https://www.alukah.net//culture/0/138106/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%87%d8%b4%d8%a7%d9%85-708-761-%d9%87%d9%80/ | ترجمة ابن هشام (708 – 761 هـ) [1] «عبدالله بن يوسف بن عبدالله بن يوسف بن أحمد بن عبدالله بن هشام جمال الدين، أبو محمد، النحوي الفاضل المشهور. ولد في ذي القعدة سنة 708. ولزِم الشيخ شهاب الدين عبداللطيف بن المرحل، وتلا على ابن السراج، وسمع من أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى، ولم يلازمه ولا قرأ عليه، وحضر دروس الشيخ تاج الدين التبريزي، وقرأ على الشيخ تاج الدين الفاكهاني جميع "شرح الإشارة" له إلا الورقة الأخيرة، وتفقَّه للشافعي، ثم تحنبل، فحفظ "مختصر الخرقي" في دون أربعة أشهر، وذلك قبل موته بخمس سنين، وأتقن العربية ففاق الأقرانَ بل الشيوخ، وحدَّث عن ابن جماعة بالشاطبية، وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم، وله: 1 - تعليق على ألفية ابن مالك. 2 - ومُغني اللبيب عن كتب الأعاريب، اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه؛ [ط]. وتصدَّر الشيخ جمال الدين لنفع الطالبين، وانفرد بالفوائد الغريبة، والمباحث الدقيقة، والاستدراكات العجيبة، والتحقيق البالغ، والاطلاع المُفرط، والاقتدار على التصرُّف في الكلام، والملكة التي كان يتمكن بها من التعبير عن مقصوده بما يريد مُسْهبًا وموجزًا، مع التواضع، والبر، والشفقة، ودماثة الخلق، ورقة القلب. قال لنا ابنُ خلدون: ما زلنا ونحنُ بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالمٌ بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه. ومن تصانيفه غير «المغني»: 3 - عمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب، مجلدان. 4 - رفع الخَصاصة عن قراء الخلاصة، أربع مجلدات. 5 - التحصيل والتفصيل لكتاب التذييل والتكميل، عدة مجلدات. 6 - شرح الشواهد الكبرى. 7 - والصغرى. 8 - قواعد الإعراب؛ [ط]. 9 - شذور الذهب. 10 - وشرحه؛ [ط]. 11 - الجامع الصغير؛ [ط] [2] . 12 - قطر الندى وبل الصدى 13 - وشرحه؛ [ط]. 14 - الكواكب الدرية في شرح اللمحة البدرية لأبي حيان؛ [ط]. 15 - شرح بانت سعاد؛ [ط]. 16 - شرح البردة. 17 - إقامة الدليل على صحة التمثيل [3] [وفساد التأويل]؛ [ط] [4] . 18 - التذكرة في خمسة عشر مجلدًا. 19 - شرح التسهيل، مسودة [5] . ورثـاه ابنُ نباتة بقـوله: سقى ابنَ هشام في الثرى نوءُ رحمةٍ يجرُّ على مثواه ذيلَ غمامِ سأروي له مِنْ سيرة المدح مُسْنِدًا فما زلتُ أروي سيرةَ ابن هشامِ ورثاه ابنُ الصاحب بدر الدين: فما لدروسٍ غبتَ عنها طلاوةٌ *** ولا لزمـانٍ لستَ فـيه «جمالُ» ومِنْ شعر الشيخ جمال الدين ابن هشام: ومَنْ يصطبر للعلم يظفرْ بنيله ومَنْ يخطب الحسناءَ يصبرْ على البذلِ ومَنْ لم يذلَّ النفسَ في طلب العلا يسيرًا يعشْ دهرًا طويلًا أخا ذُلِّ ومات في ليلة الجمعة خامس ذي القعدة سنة 761» [6] . المصدر كتاب: توضيح قطر الندى تأليف: الشيخ عبدالكريم الدبان التكريتي، بعناية: الدكتور عبدالحكيم الأنيس [1] من "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" (2/ 415-417)، وللإمام المؤرخ محمد بن عبدالرحمن السخاوي (ت: 902 هـ) «الاهتمام بترجمة النحوي الجَمال ابن هشام» ذكره في قائمة مؤلفاته في "الضوء اللامع" (8/ 17)، و"إرشاد الغاوي" ل 79/ ب وزاد فيه: ويُسمّى أيضًا: «إنعاش مَنْ للعلم مُعتني بترجمة ابنِ هشام صاحب المُغني»، وأشار إليه في "الإعلان بالتوبيخ" ص 244؛ انظر: الحافظ السخاوي وجهوده في الحديث وعلومه (1/ 295-296). [2] هذا الكتاب في النحو، وقد طُبع بتحقيق السيد أحمد محمود الهرميل، وقال في وصفه ص ح: «الكتاب قريب الشَّبه بالشذور، ويُعتبر ملخصًا لما جاء في «الأوضح» و« المغني»، ويكاد يتفق مع «القطر» في الموضوعات والمنهج». [3] في الأصل: النحيل، وقال المحقق: وفي نسخة: التحليل. قلتُ: وكلاهما خطأ. [4] هو رسالة في الصرف، حقَّقها الأستاذ هاشم طه شلاش، ونشرَها في مجلة كلية الآداب بجامعة بغداد، العدد (16)، وجاءت في (32) صفحة، وما بين المعقوفين منه. [5] ومن كتبه أيضًا - بدون استقصاء -: - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك؛ ط. - المباحث المَرضية المتعلقة بـ (من) الشرطية؛ ط. - نكتة الإعراب؛ ط. - اعتراض الشرط على الشرط؛ ط. - ألغاز ابن هشام؛ ط. - تخليص الشواهد وتلخيص الفوائد؛ ط. - رسالة في توجيه النصب في إعراب «فضلًا ولغةً وخلافًا وأيضًا وهَلُمَّ جرًّا»؛ ط. - فوح الشذا بمسألة كذا؛ ط. - مسألة الحكمة في تذكير «قريب» في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأعراف: 56]؛ ط. - موقد الأذهان وموقظ الوسنان؛ ط. - نزهة الطرف في علم الصرف؛ ط. * وانظر لاستقصاء كتبه ورسائله وبيان الثابت منها والمنحول، والمطبوع، المراجعَ الآتية: 1- مقدمة الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد لـ: أوضح المسالك (1/ 8-10). 2- مقدمة الدكتور حاتم صالح الضامن لـ: المسائل السفرية في النحو. 3- ابن هشام الأنصاري: آثاره ومذهبه النحوي للدكتور علي فودة نيل. 4- مقدمة الدكتور عبدالفتاح الحموز لـ: مسألة الحكمة... ص 9-18. 5- مقدمة الدكتور أحمد عبدالمجيد هريدي لـ: نزهة الطرف في علم الصرف ص 27-44. 6- قراءة في عنوانات آثار ابن هشام الأنصاري «بحث»؛ للدكتور محمد سامي منشور في مجلة الجامعة الإسلامية ببغداد، السنة (14)، العدد (19)، 1428 هـ-2007م ص 190-216. 7- المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع (5/ 292-302). [6] ودُفن خارج باب النصر بالقاهرة، وانظر الكلام على مكان قبره في: 1- «تحفة الأحباب» للسخاوي الحنفي ص 44 (الحاشية). 2- وكتاب «مساجد مصر» للدكتورة سعاد ماهر محمد (3/ 296-297). |
الأدب الأندلسي وأثره على الحضارة الأوروبية | قصة الإسلام | 08-01-2020 | 5,239 | https://www.alukah.net//culture/0/138089/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a9/ | الأدب الأندلسي وأثره على الحضارة الأوروبية بلغ صدق الأدب الأندلسي الباهر أنَّ تأثيره لم يقف عند الحدود السياسيَّة لدولة الإسلام في الأندلس، ولهذا لم يقتصر على المسلمين وحدهم؛ بل كان له أثرٌ بعيدٌ عند النصارى واليهود المستعربين، كما كان له أثرٌ على الممالك النصرانيَّة وأوروبَّا كلِّها. أثر الأدب الأندلسي على اليهود: لم تكد أُسس الدراسات التلموديَّة تستقر في الأندلس - بفضل ذلك الجهد الوافر الذى بذله حسداي بن شبروط (334هـ=945م - 360هـ=970م)- حتى أخذ الشعر العبري الحديث يظهر إلى الوجود ويُفصِح عن نفسه مقلِّدًا النماذج من الشعر العربي، وحتى إنَّنا نجد أوائل كتب النحو العبري الرئيسة تظهر مكتوبة بالعربيَّة كما نجد في كتاب "ينبوع الحياة" الذى ألَّفه أوَّل فيلسوف يهودي باللغة العربيَّة وهو "ابن جبيرول"، بل إنَّنا نجد أنَّه كان يُقلِّد شعراء العرب فيما نَظَم من الشعر. كذلك كتب يحيى بن فاقوذا ورسالته في الأخلاق والتصوُّف المسمَّاة "الهداية إلى فرائض القلوب"، وبها ألَّف أبو عمر يوسف بن صِدِّيق، وكتب يهودا هاليفي كتابه المسمى "الخزري" واستعملها إبراهيم بن داوود الطليطلي، وإبراهيم بن عزرا، وموسى بن ميمون، بل إنَّ الأفكار التى تدور حولها كتابات هؤلاء كلها عربية. وظلَّ اليهود بعد زوال سلطان العرب عن البلاد بزمان طويل يتدارسون الكتب العربيَّة، ويترجمونها إلى العبرية في همَّةٍ يتجلَّى فيها إعزازهم العميق لها، فاستطاعوا بذلك الجهد أن يحتفظوا لنا في أحيانٍ كثيرة بترجماتٍ عبريَّةٍ للكثير ممَّا ضاعت أصوله من آثار الأندلسيِّين، بل إنَّ أُسَرًا يهوديَّة كبني طيِّبون اللونليِّين (نسبةً إلى لونل Lunel بلدةً في جنوب فرنسا) كرَّست جهودها كلها لذلك العمل المحمود، أَلَا وهو إذاعة الكتب العربيَّة بين الناس. أثر الأدب الأندلسي على النصارى: وكان للأدب العربي الأندلسي في النصارى الأثر نفسه الذي كان له في اليهود؛ إذ كان أولئك النصارى جيرانًا للمسلمين الأندلسيِّين ربطتهم بهم الأسباب المتَّصلة زمانًا بعد زمان، ولم تقتصر علاقتهما على الحرب بل قامت بينهما صلات سلميَّة أيضًا، وعن طريق هذه العلاقات عرف نصارى الشمال ما كان للمسلمين في الجنوب من نُظم سياسيَّة وإداريَّة ودينيَّة وتجاريَّة وتنبَّهوا إلى قدرها، وكان من الطبيعي أنَّ يميلوا إلى النسج على منوالها. وعندما كُتب للنصارى الغَلَبة في حربهم الطويلة مع المسلمين -والتي يُسمِّيها كتَّابهم بحرب الاسترداد “ La Reconquista ”- وتمكَّنوا من احتلال طليطلة عام (478هـ=1085م)، وتقرير مصير الجزيرة بذلك، أخذ ملوك قشتالة يعملون على رفع مستوى الثقافة بين شعبهم بنقل كنوز الثقافة الإسلاميَّة إلى لغاتهم، ومن ثَمَّ ظهرت في طليطلة "مدرسة المترجمين" المشهورة، التي نقلت العلوم الإغريقيَّة وما أضافه العرب إليها من شروحٍ وتعليقاتٍ إلى المدارس الأوروبِّيَّة. وقد كان دافع النصارى إلى تدارس كتب العرب في بعض الأحيان هو الدِّفاع عن النصرانيَّة؛ أي رغبةً في التعرُّف على آراء خصومهم المسلمين لكي يستطيعوا مجادلتها وإظهار فضل عقيدتهم عليها. ومن هذا الفريق من النصارى الذين اهتمُّوا بدراسة لغة العرب وعلومهم "رايموندو مارتين" ، و "رايموندو لوليو" ، و" القديس بدرو بشكوال "، وغيرهم كثيرون. دانتي والكوميديا الإلهية: وفي أحيانٍ أخرى نجد أثر العرب عند كتَّاب النصارى أعمق وأوسع مدى؛ فنجد في كتاباتهم طابع الفكر العربي وروحه، ومن هذا الطراز "دانتي اللجييرى " الذي انتفع انتفاعًا عظيمًا بالقصص الإسلاميَّة المتعلِّقة بقيام الساعة وأوصاف الدار الأخرى في إنشاء الكوميديا الإلهية الخالدة. ألفونسو العاشر "العالِم" واهتمامه بعلوم وآداب العرب: وبلغ الاهتمام بدراسة علوم العرب من الفلك والرياضيات والطب أَوْجَه في إسبانيا النصرانيَّة في عهد ألفونسو العاشر، فترجموا " القرآن " و" التلمود " و" القبَّالة ". وقد تداولت أيديهم كتبًا عربيَّةً في الحِكَم والألغاز نقل أصحابها فيها حشدًا من آراء فلاسفة العرب ومفكِّريهم، كما نجد في كتابي بونيوم وبوريدات. ونقلت عن العربية كتب في الألعاب كالشطرنج، واستُعملت الموسيقى الأندلسيَّة في صياغة الأغاني الإسبانيَّة المعروفة بالكنتيجات، وذاعت بينهم ترجمات كتب عربيَّة مشرقيَّة في الحكمة مثل: ( كليلة ودمنة )، والقصص مثل: ( السندباد )، عرفها الناس عن طريق صورها العربيَّة، وأُنشئت مدرسةً للدراسات العليا في مُرسية ثم أخرى في إشبيلية، واجتمع في هاتين المدرستين أعلام العلماء من المسلمين والنصارى واليهود، وكان يُشرف على هذا العمل الضخم ذلك الملك الذي استحقَّ من التاريخ لقب "السَابْيوُ/ Sabio " أي العالِم. أثر الأدب الاندلسي في أوروبا: انتشرت الأساطير والقصص الشرقيَّة في أوروبا بدرجةٍ كبيرة، فتجد إلى جانب " ألف ليلة وليلة " و" السندباد " كتاب " سلوك رجال الدين " لبيدرو ألفونسو، وصورًا مختلفة لقصَّة " بوذا "، وكلها انتشرت وذاعت في أوروبا عن طريق ترجماتها العربية. وإنَّ أسماء مثل: ( خوان مانويل، وإيموندو لوليو، وتورميدا) ، لتشهد بأجلى بيانٍ على ما أسهم به العرب في تكوين القصص الإسباني. ويكاد يكون من المحقَّق أنَّ مجموعة حكايات " ألف ليلة وليلة " العربيَّة قد أخذت سبيلها إلى الغرب عن طريق الأندلس، بدليل ما كان متدوالًا منها بين مسلمي الأندلس، وما أخذه النصارى عنهم منها. وكانت هناك كذلك قصص عربيَّة فيَّاضة بالحيويَّة كقصة " حي بن يقظان " لابن الطفيل، التى تُعتبر نموذجًا للقصَّة الفلسفيَّة، وكالفصول الأولى من كتاب "الكريتيكون" لباتازار جراثيان. ومن الثابت أنَّ المسلمين الأندلسيِّين تداولوا قصصًا ذات طابعٍ غنائيٍّ ضاع كلُّه، فكانت لهم أغنيَّاتٌ وأساطير لها أثرٌ ملحوظٌ في نشأة شعر الملاحم الإسبانى والفرنسي، بدليل ما نجده من شواهد على وجود ذلك القصص الأندلسي في بعض كتب التاريخ العربيَّة ككتاب " افتتاح الأندلس " لابن القوطية، وقد كشف المؤرخ الإسباني " ريبيرا " هذا القصص، ووصل إلى هذه الحقائق كلَّها وأذاعها. وكذلك صيغت كل الأشعار الغنائيَّة التى نجدها في اللغات الرومانيَّة في العصور الوسطى في أوزانٍ وبحورٍ مشتقَّةٍ من أوزان فنٍّ شعريٍّ ابتكره الأندلسي "مُقدم القَبْرِي" في القرن العاشر الميلادي، وهو فنُّ الزجل والموشَّحة الذي انتقل مع الموسيقى الأندلسيَّة ذات الأصل العربي إلى فرنسا وإنجلترا وألمانيا، وطال بقاؤه في الأندلس بعد انقضاء عصر المسلمين، حتى لنجد نماذج منه في مطلع القرن السابع عشر. خاتمة: بعد سقوط غرناطة، يتجلَّى لنا شقاء الموريسكيِّين الاجتماعي فيما خلَّفوه لنا من أدبٍ قليلٍ فقير، لا يحمل من العربية إلَّا أحرف هجائها؛ إذ إنَّهم جهلوا العربيَّة، ولم يعودوا يعرفون غير القشتاليَّة، فكتبوا بها ما عَنَّ لهم تدوينه، وسجَّلوه بحروفٍ عربيَّة، وهذا ما يُعرف بـ " الأدب الخميادي" ، ومعظم ما لدينا من هذا الأدب مؤلَّفات دينيَّة، وكتب خرافات، وكتب في الشرع، ولم يخلُ هذا الأدب من شعرٍ مثل: " قصيدة يوسف "، و" تاريخ نسب الرسول "، ولكن أهم عناصره كانت الأساطير والقصص المترجمة والمقتبسة من أصولٍ عربيَّة. المصدر: تاريخ الفكر الأندلسي، تأليف آنخل جنثالث، ترجمة الدكتور حسين مؤنس. (بتصرف) |
بدر الدين الزركشي | محمد أبو الفضل إبراهيم | 05-01-2020 | 15,750 | https://www.alukah.net//culture/0/138026/%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d9%83%d8%b4%d9%8a/ | الإمام بدر الدين الزركشي [1] الإمام بَدْر الدِّينِ مُحَمَّد بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن بهادر الزركشي، أحد العلماء الأثبات الذين نجموا بمصر في القرن الثامن، وجِهْبذ من جَهابذة أهل النظر وأرباب الاجتهاد، وهو أيضا علم من أعلام الفقه والحديث والتفسير وأصول الدين. ولد بالقاهرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة حينما كانت معمورة بالمدارس، غاصة بالفضلاء وحملة العلم، زاخرة بدور الكتب الخاصة والعامة، والمساجد الحافلة بطلاب المعرفة والوافدين من شتى الجهات، ولم يكد يجاوز سن الحداثة حتى انتظم في حلقات الدروس، وتفقه بمذهب الشافعي، وحفظ كتاب "المنهاج" في الفروع للإمام النووي، وصار يعرف بالمنهاجى نسبة إلى هذا الكتاب. وكان الشيخ جمال الدين الإسنوي رئيس الشافعية بالديار المصرية بدر العلماء الزاهر، وكوكبهم المتألق، وإمام أهل الحديث بالمدرسة الكاملية غير مدافع، فلزمه وتلمذ له، ونهل من علمه ما شاء الله له أن ينهل، فكان من أنجب تلاميذه وأوعاهم، وأفضلهم وأذكاهم، كما تخرج على الشيخ سراج الدين البلقيني، والحافظ مغلطاي، وغيرهم من شيوخ مصر وعلمائها. ثم ترامت إليه شهرة الشيخ شهاب الدين الأذرعي بحلب، والحافظ ابن كثير بدمشق فشدَّ إليهما الرحال، قصد إلى حلب أولًا حيث أخذ عن الأذرعي الفقه والأصول، ثم عمد إلى دمشق حيث تلقَّى على ابن كثير الحديث، ثم عاد إلى القاهرة وقد جمع أشتات العلوم، وأحاط بالأصول والفروع، وعرف الغامض والواضح، ووعى الغريب والنادر، واستقصى الشاذ والمقيس، إلى ذكاء وفطنة، وثقافة وألمعية، فأهَّله كل ذلك للفتيا والتدريس، والتوفر على الجمع والتصنيف، واجتمع له من المؤلفات في عمره القصير ما لم يجتمع لغيره من أفذاذ الرجال، وإن كان هذا الفضل لم يعرفه الناس إلَّا بعد وفاته، وحين توارتْ شمس حياته. وكان رضِىَّ الخُلُق، محمود الخِصال، عذب الشمائل، متواضعًا رقيقًا، يلبس الخَلَق من الثياب، ويَرْضى بالقليل من الزاد، لا يشغله عن العلم شيء من مطالب الدنيا، أو شئون الحياة. قال ابن حجر: «وكان منقطعًا في منزله لا يتردد إلى أحدٍ إلَّا إلى سوق الكتب، وإذا حضر إليها لا يشتري شيئًا؛ وإنَّما يطالع في حانوت الكتبي طول نهاره ومعه ظهور أوراق يعلق فيها ما يعجبه، ثم يرجع فينقله إلى تصانيفه» [2] . وحكى تلميذه شمس الدين البرماوي أنه كان منقطعًا إلى الاشتغال بالعلم لا يشتغل عنه بشيء، وله أقارب يكفونه أمر دنياه [3] . وكان يكتب مصنفاته بنفسه، وخطه رديء جدًّا قل من يحسن استخراجه، كما أخبر بذلك ابن العماد [4] ، ولهذا شاع في الكتب المنقولة عن خطه الغموض والإبهام والتحريف والتصحيف، ولقي منها القراء والدارسون العناء الكثير. وتولى من المناصب خانقاه كريم الدين بالقرافة الصغرى. وتوفى بمصر في رجب سنة أربع وتسعين وسبعمائة، ودفن بالقرافة بالقرب من تربة بكتمر الساقي، يرحمه الله. مؤلفاته [5]: 1- «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة»، طبع بالمطبعة الهاشمية بدمشق سنة 1939، بتحقيق الأستاذ سعيد الأفغاني. 2- «إعلام الساجد بأحكام المساجد»، منه نسخة خطية بمكتبة الجامع المقدس بصنعاء، كتبت سنة 791، وعنها نسخة مصورة على الميكروفلم بدار الكتب المصرية. ومنه نسخة أيضا في مكتبة آصاف (2/ 1148)، وأخرى في مكتبة رامبور (1/ 166). 3- «البحر المحيط في أصول الفقه»، ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية (برقم 483- أصول). 4- «البرهان في علوم القرآن»، ويأتي الكلام عليه. 5- «تخريج أحاديث الشرح الكبير» للرافعي [6] ، المسمى بكتاب «فتح العزيز على كتاب الوجيز»، ذكره السيوطي في «حسن المحاضرة» وصاحب «كشف الظنون»، وسماه الزركشي في كتاب «الإجابة» (ص 87): «الذهب الإبريز، في تخريج أحاديث فتح العزيز». 6- «تشنيف المسامع بجمع الجوامع»، طبع في «مجموع شروح جمع الجوامع»، بمصر سنة 1322هـ، ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية (برقم 489- أصول). 7- «تفسير القران»، ذكره السيوطي، وقال: إنه وصل فيه إلى سورة مريم، وكذا أورده صاحب «كشف الظنون». 8- «تكملة شرح المنهاج»، للإمام النووي، ذكره الأسدي في «الطبقات»، وابن العماد في «الشذرات»، وصاحب «كشف الظنون». وذكر الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة خطية بدار الكتب الظاهرية بدمشق (الجزء الثالث) (برقم 345 - فقه الشافعي). وكان الإسنوي بدأ في «شرح المنهاج»، وسماه: «كافي المحتاج إلى شرح المنهاج»، ووصل فيه إلى باب المساقاة ولم يتمه، فأكمله الزركشي. 9- «التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح»، طبع بالمطبعة المصرية بمصر سنة 1933م. ومنه نسخ خطية بدار الكتب المصرية بالأرقام: 122، 123، 124، 125، 126، 1550، 35 م، 3 ش - حديث. 10- «خادم الرافعي والروضة» في الفروع [7] . ذكره ابن حجر في «الدرر الكامنة»، والسيوطي في «حسن المحاضرة»، وابن العماد في «الشذرات»، وقال صاحب «كشف الظنون»: «ذكر في بغية المستفيد أنه أربعة عشر مجلدًا، كل منها خمس وعشرون كراسة، ثم إنى رأيت المجلد الأول منها افتتح بقوله: الحمد لله الذي أمدَّنا بنعمائه...، وذكر أنه شرح فيه مشكلات الروضة وفتح مغلقات فتح العزيز، وهو على أسلوب التوسط [8] للأذرعي، وأخذه جلال الدين السيوطي، واختصره من الزكاة إلى آخر الحج ولم يتمه، وسماه تحصين الخادم». وقال ابن حجر: (جمع الخادم على طريق المهمات [9] ، فاستمد من التوسط للأذرعي، لكن شحنه بالفوائد الزوائد، من المطلب وغيره). ومنه نسخة خطية نفيسة بدار الكتب المصرية (برقم 21602 ب) تقع في خمسة عشر مجلدًا. 11- «خبايا الزوايا في الفروع»، ذكره صاحب «كشف الظنون»، وقال: «ذكر فيه ما ذكره الرافعي والنووي في غير مظنته من الأبواب؛ فرد كل شكل إلى شكله، وكل فرع إلى أصله، واستدرك عليه عز الدين حمزة بن أحمد الحسيني الدمشقي المتوفى سنة 874 وسمّاه: «بقايا الخبايا». ولبدر الدين ابي السعادات محمد بن محمد البلقيني المتوفى سنة 890 حاشية عليه». ومنه نسخة خطية بالمكتبة التيمورية (برقم 307- فقه)، ونسخة بمكتبة جوته (برقم981، ونسخة بمكتبة البودليانا 1: 277). 12- «خلاصة الفنون الأربعة»، ومنه نسخة خطية بمكتبة برلين (برقم 5320). 13- «الديباج في توضيح المنهاج»، ذكره السيوطي، وصاحب «كشف الظنون»، وهو غير «تكملة شرح المنهاج». ونقل الأستاذ سعيد الأفغاني أنَّ منه نسخة خطية في دار الكتب الظاهرية بدمشق في مجلد - برقم 68 فقه الشافعي. ومنه أيضا نسختان بدار الكتب المصرية (برقمي 102، 1137 - فقه الشافعي). - «الذهب الإبريز في تخريج أحاديث العزيز» = «تخريج أحاديث الرافعي». 14- «ربيع الغزلان في الأدب»، ذكره الأسدي في الطبقات، وصاحب كشف الظنون. 15- «رسالة في كلمات التوحيد». منها نسخة بمكتبة البلدية بالإسكندرية (برقم 87 - فنون متنوعة). 16- «زهر العريش في أحكام الحشيش»، منه نسخة خطية في مكتبة بلدية الإسكندرية (برقم 3812)، ونسخة بدار الكتب المصرية (برقم150- مجاميع)، ونسخة في مكتبة قَوْله (برقم 25- مجاميع)، ونسخة في مكتبة برلين (برقم 5486)، ونسخة في مكتبة جوته (برقم 2096). 17- «سلاسل الذهب في الأصول»، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية (برقم 22095 ب)، كتبت في عصر المؤلف. 18- «شرح الأربعين النووية» [10] . ذكره ابن حجر في «الدرر الكامنة». 19- «شرح البخاري»، ذكره السيوطي، وكذا ابن حجر وقال: «شرع في شرح البخاري وترك مسودة وقفت على بعضها، ولخص منها كتاب التنقيح في مجلد». 20- «شرح التنبيه» [11] ، للشيرازي ذكره السيوطي وصاحب «كشف الظنون»، ومنه نسخة خطية في مكتبة برلين (برقم 4466)، وأخرى في باتانا (1: 91). - «شرح الجامع الصحيح» = «شرح البخاري». - «شرح جمع الجوامع» = «تشنيف المسامع». 21- «شرح الوجيز في الفروع»، للغزالي. ذكر الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية بدمشق (برقم 2392). 22- «عقود الجمان وتذييل وفيات الأعيان»، لابن خلكان، ذكر العلامة أحمد تيمور في مقال له عن نوادر المخطوطات بمجلة الهلال سنة 28 أنَّ منه نسخة في خزانة عارف حكمت بالمدينة. 23- «الغرر السوافر فيما يحتاج إليه المسافر». منه نسخة خطية بمكتبة توبنجن بألمانيا، وعنها نسخة مصورة بالميكروفلم في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية. وذكر صاحب «كشف الظنون» أنه مختصر على ثلاثة أبواب: الباب الأول في مدلول السفر، والثاني في ما يتعلق عند السفر، والثالث في الآداب المتعلقة بالسفر. - «غنية المحتاج في شرح المنهاج» = «الديباج». 24- «فتاوى الزركشي»، ذكره صاحب «كشف الظنون». 25- «في أحكام التمني»، منه نسخة خطية بمكتبة برلين (برقم5410). 26- «القواعد في الفروع»، ذكره صاحب «كشف الظنون». وقال: «رتبها على حروف المعجم، وشرحها سراج الدين العبادي في مجلدين، واختصر الشيخ عبد الوهاب الأصل كما ذكر في متنه». وذكر الأستاذ الأفغاني أنَّه من «مخطوطات دمشق واسمه: القواعد والزوائد». ومنه نسختان خطيتان في دار الكتب المصرية (برقمي 853، 1103 - فقه شافعي)، ونسخة بمكتبة الأزهر (برقم 151- أصول)، ونسخة بالخزانة التيمورية (برقم 230- أصول)، ونسخة بمكتبة برلين (برقم 4605)، ونسختان في أحمد الثالث (برقمي 1238، 1239). 27- «اللآلئ المنثورة في الأحاديث المشهورة». أورده بروكلمن في الذيل، وذكره صاحب «كشف الظنون» غُفلًا من اسم المؤلف. 28- «لقطة العجلان وبلة الظمآن في أصول الفقه والحكمة والمنطق». طبع بمصر سنة 1326هـ مع تعليقات للشيخ جمال الدين القاسمي، وطبع مرة أخرى بدمشق. ومنه نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية (برقم 573- أصول). 29- «مالا يسع المكلف جهله»، منه نسخة خطية محفوظة بمكتبة الاوسكريال (برقم 707). 30- «مجموعة الزركشي - في فقه الشافعي»، منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية (برقم 253 - فقه شافعي). 31- «المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر»، منه نسخة خطية في المكتبة التيمورية (برقم 451 - حديث تيمور). وذكر الأستاذ سعيد الأفغاني أن منه نسخة في دار الكتب الظاهرية بدمشق (برقم 1115- حديث). - «المنثور» = «القواعد». - «النكت على البخاري» = «التنقيح». 32- «النكت على عمدة الأحكام»، ذكره ابن تغرى بردى في «المنهل الصافي». 33- «النكت على ابن الصلاح»، ذكره السيوطي. المصدر: مقدمة تحقيق كتاب «البرهان في علوم القرآن» للزركشي طـبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي، الطبعة الأولى، 1376 هـ - 1957م. [1] مصادر الترجمة: «حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة» للسيوطي (1 / 185- 186- الطبعة الشرقية سنة 1327)، «الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة» لابن حجر (3 / 397- 398- طبع حيدر آباد سة 1349)، «شذرات الذهب في أخبار من ذهب» لابن العماد الحنبلي (6 / 335- طبع القدسي سنة 1351)، «طبقات الشافعية» لابن قاضي شهبة الأسدي (الورقة 104- مخطوطة دار الكتب المصرية برقم 90 م- تاريخ)، «المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي» (3 : الورقة 136 ب- نسخة مصورة بدار الكتب المصرية برقم 110765ح). [2] الدرر الكامنة. [3] طبقات الشافعية للأسدي. [4] شذرات الذهب. [5] رجعت في جمع هذه المؤلفات إلى مصادر ترجمة المؤلف السابقة، وكشف الظنون، وفهارس دار الكتب المصرية ومعهد المخطوطات بجامعة الدول العربية والمكتبة الأزهرية، وبروكلمن، وإلى المقدمة القيمة التي كتبها الأستاذ سعيد الأفغاني لكتاب الإجابة. [6] هو الإمام أبو القاسم عبد الكريم بن محمد القزويني، المتوفى سنة 623، «شرح كتاب الوجيز» للإمام الغزالي ومن هذا الكتاب نسخ متعددة بدار الكتب المصرية. [7] الرافعي في شرحه على الوجيز، وكتاب الروضة للنووي اختصره من شرح الرافعي. «كشف الظنون». [8] هو كتاب التوسط والفتح بين الروضة والشرح؛ ومنه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم 58- فقه شافعي. [9] المهمات في شرح الرافعي والروضة لجمال الدين الإسنوي؛ ومنه نسخ متعددة خطية بدار الكتب المصرية؛ بالأرقام: 211، 244، 245، 246، 247، 248، 249، 410، 424، 426، 497، 498، 1450 - فقه شافعي. [10] هي أربعون حديثًا جمعها الإمام النووي؛ كل حديث منها قاعدة من قواعد الدين، التزم أن تكون صحيحة؛ معظمها من البخاري ومسلم، محذوفة الأسانيد. «كشف الظنون». [11] كتاب التنبيه في فروع الشافعية؛ للشيخ أبي إسحاق إبراهيم الشيرازي الفقيه الشافعي، المتوفى سنة 489، ومنه نسخ خطية متعددة بدار الكتب المصرية. |
ثبات الثوابت | نبيل بن عبدالمجيد النشمي | 05-01-2020 | 3,629 | https://www.alukah.net//culture/0/138023/%d8%ab%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%aa/ | ثبات الثوابت منذ أن بدأت بذرة التشكيك الخبيثة في الهجوم على السنة والقرآن وهي بين مدٍّ وجزر، وانتفاش وخمول، وفي كل مرة تنتفش فيه، يسقط في حبالها غِرٌّ، ويقع في شباكها صيدٌ، وأكثر ما تخرج فيه حملتهم في كل مرة موجةُ شكوكٍ تنتشر، فتأخذ في طريقها من كان على حرفٍ، أو من ظنَّ بعقله ذكاء وعُدِم الزكاء، أو مَن صدرُه يغلي بالشهوة، فوجد في شبههم جسرًا يمرُّ منه أو سياجًا يحتجب خلفه، أو من زادت ثقته بنفسه دون أساس إيمانيٍّ أو رصيد علمي، واقتحم المعركة؛ فضعفت قوته، وانبهر عقله بما عُرض عليه من شبهات؛ فكان فريسة سهلة. وما هي إلا ساعات أو قُلْ أيام وتظهر حقيقة الحملة، لكن بعد أن سقط الفأس على عدد من الرؤوس، وأما الثوابت فإلى يوم الناس هذا وإلى أن يشاء الله تعالى باقيةٌ شامخة، لم يسقط منها حرفٌ فضلًا عن جملة أو سطر. فقد قامت هجماتُ تشكيكٍ في فترات على امتداد التاريخ؛ منها ما كان مدعومًا بقوة، أو مؤيَّدًا بدعمٍ ماليٍّ، أو موافقًا لخمول أهل الحق، لكن الثوابت ثابتة، والمقدسات مقدسة منذ قيامها ووجودها بين الناس. فما زال وسيظل القرآن الكريم يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، وتظهر بين كل حملة شكوك نحوه دراساتٌ وأبحاث ومراكز ومؤلفات تنتصر للقرآن، وتخرج كنوزه وتنشر نوره، فكم سقط أمام شموخ القرآن من واهمٍ إسقاطه، أو زاعمٍ إضعاف تأثيره! وأما السٌّنَّة - وما أدراك ما السنة؟ - التي أنفقوا لإسقاطها، وأقاموا المؤتمرات والمؤامرات، وأحيوا المناسبات، ونشروا البحوث، وجمهروا الغوغاء، وكتبوا بلا توارٍ ولا حياء، وأرغوا وأزبدوا، وقاموا وقعدوا، وقالوا وألغَوا، وتناقلوا وتناولوا، وهاجوا وماجوا، ونفخوا وأشعلوا، وألمحوا وصرحوا، وصرخوا ونفخوا - فما نقصت السنة حرفًا ولا حكمًا؛ فها هي السنة محترمة معززة مكرمة، شامخة سامقة، سليمة مصونة، محفوظة بالإجلال محفوفة. ها هو صحيح البخاري - غُصَّة في حلوقهم - بقيَ شامخًا في رفوف المكتبات، منشرحًا في حلقات العلم، متداولًا في أوساط العامة والخاصة، ممتلئة القلوب بتعظيمه وإجلاله، مقدمة له رافعة شأنه، طباعته تزداد وتزدان، ومبيعاته تفوق الحسبان، والمعارض شاهد عِيان. وها هي أحكام الشريعة الغرَّاء تسوس حياة الناس رغبةً وامتثالًا يسأل عنها الناس، يُهِمُّهم معرفة الحلال والحرام، والجائز والممنوع، والواجب والمستحب، وما ينبغي فعله وما عليهم تركه، والدليل والنص، مهما لفق المشككون ونعق الناعقون. ومع طول المعركة وضخامة الجهود وبشاعة التشويه لأحكام الشريعة - لكنه إلى اليوم لم يسقط حكم شرعي ويتبدل، فأصبح حلالًا بعد أن كان حرامًا أو العكس بسبب هذه الحملات، فإنِ اقتنع به البعض لسبب أو لآخر، إلا أن أصل الحكم المعتبر في الشريعة هو سيد الموقف وهو السائد قولًا وعملًا. ولك أن تنظر بين يديك عشر سنوات مضت أو تنقص قليلًا، والتي كان للمشككين والمنحرفين فيها صولات وجولات في الحرب على القرآن والسنة، تأمل بعين المنصف، وحرك أيًّا من محركات البحث الإلكتروني أو الذهني - إن كان لذهنك رصيدٌ معرفي حول الموضوع - واضغط على أيقونة الجهود المبذولة في خدمة القرآن والسنة؛ كم من رسائلَ علمية، ومؤلفات محققة، وأبحاث محكمة، ومقالات تأصيلية، ومؤتمرات عالمية، ومراكز ومؤسسات ودور نشر، وندوات ومقاطع ومسابقات، وبرامج نوعية - تدور كلها في تعزيز مكانة القرآن الكريم والسنة، وتنافح عن حياضها! فكم تخرج من حفاظٍ ليس للقرآن فحسب، بل لدواوين السنة! وكم بُذلت من جهودٍ وأُنفقت من أموال بسخاء وطيب نفس! كله للقرآن والسنة، وتنوعت الإنجازات وتعددت، فظهرت مخرجات فاقت التصور، وأذهلت أهلها فضلًا عن خصومها؛ وذلك في: التدبر، والتفسير، والإعجاز، والتحقيق، والرد، والهدايات، وعلوم القرآن، وغيرها، وكأنك بلسان حال المشككين: يا ليتنا سكتنا؛ حتى لا تخرج مثل هذه الردود والثمار. وكذلك السنة حُفظت بحفظ متونها، ونشْرِ دواوينها إلكترونيًّا وورقيًّا، جمعت بين فخامة الإعداد ونوعية المنتج، وشمولية المكان والزمان، وبلغت الآفاق، ووصلت لجميع المستويات من الناس، وحملة الشكوك وإنِ انتفخت، إلا إنَّ بعض أولئك الذين أبدَوا تأثرهم بحملة الشكوك لو صدقوا مع أنفسهم وتجردوا، لقالوا الحق بأنها باطلة، وأن الدليل والنص على جبل راسخ لا تهزه ريح، لكنهم جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم. لا يهمنا من سقط - نسأل الله السلامة والعافية - بقدر ما يهمنا أن نكون على يقين أن الثوابت ثابتة، وأن الشريعة مقدسة، وأن النص قائم بحجته، محفوظٌ مهما فعلوا ومهما قالوا، ولن تغير الأيام شيئًا، لكن هي ساحة مكشوفة في معركة لا تنتهي بين الحق والباطل؛ ليتبين الصادق من الكاذب والقوي والضعيف. ولو كان شيءٌ ذاهبًا بالسنة مبطلًا لها، لكان ما قام به المستشرقون كافيًا مدمرًا، وذلك لما بُذل فيه من جهد، وقامت عليه أمم ودول، وتولته عقول وهيئات وحمتْهُ جامعات، وأُنفقت فيه أعمار وأموال ضخمة، لكن هيهات، فقد خسروا خسرانًا مبينًا مقابل ما أنفقوا وأفنوا وبذلوا، ولو صدقوا لقالوا: لم نحقق أهدافنا رغم جهودنا، ولو قارنتَ بين ما بذلوا وما حققوا، لأيقنتَ أن خسارتهم فادحة ومصيبتهم عظيمة، يمنعهم كبرهم ويشغلهم حقدهم عن الاعتراف والاعتذار، واقتضت حكمة الله وتقديره أن تُقام هذه المعركة؛ ليرى الناس بأعينهم تأويلَ القرآن واقعًا، ويتحقق التعبد لله بما تقتضيه أسماؤه وصفاته، فقد رأى الناس عينًا معانيَ واقعية ومشاهد لمثل قوله تعالى: • ﴿ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ﴾ [الأنفال: 42]. • ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ﴾ [الصف: 5]. • ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [إبراهيم: 27]. • ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ [القصص: 56]. • ﴿ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ ﴾ [الغاشية: 22]. • ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]. • ﴿ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ﴾ [الأنفال: 6]. • ﴿ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ ﴾ [محمد: 4]. • ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]. • ﴿ أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [التوبة: 126]. • ﴿ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ﴾ [المائدة: 52]. • ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ﴾ [الحج: 11]. • ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ﴾ [الجاثية: 23]. • ﴿ وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ﴾ [العنكبوت: 6]. • ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]. • ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾ [الأحزاب: 23]. وغير ذلك كثيرٌ من الآيات ترى بعينك تأويلها، وكأنها أُنزلت في تلك اللحظة وعلى تلك الحالة. فالخاسر - والله - في هذه المعركة ليس الدين ولا العلم ولا الحق ولا المسلمين ولا المتدينين، إنما الخاسر الخسران المبين من اتخذ إلهه هواه، وأتْبَعَهُ الشيطان، وأُعجب بقوله، وغرَّه سوء فعله، وفتنه تناقل غثائه وانتشار وبائه، وأغشى عينَه عن الحق إعجابُ أهل المكر وتصفيقهم له، وثناؤهم عليه وتقديمهم له، وتصفيقهم لغروره، وهو لا يدري أنه أصبح ألعوبة بين أيديهم وكُرةً بين أقدامهم، وهي سنن ربانية لن تتبدل ولن تتحول: المعركة مستمرة، والعاقبة للمتقين، والابتلاء سنة المرسلين، والفتن تصفِّي الصف وتمحص المؤمنين. يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك. يا مصرف القلوب، صرف قلوبنا إلى طاعتك. وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين. |
أم المؤمنين جويرية بنت الحارث | الشيخ صلاح نجيب الدق | 05-01-2020 | 11,786 | https://www.alukah.net//culture/0/138022/%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d9%88%d9%8a%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d9%86%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%ab/ | أم المؤمنين جُوَيْرِيَةُ بنت الحارث الحمد لله الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلفةً لمن أراد أن يذَّكَّر أو أراد شكورًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أما بعد: فإن جويرية بنت الحارث هي إحدى أمهات المؤمنين الذين قال الله تعالى عنهم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، فأحببتُ أن أذكِّر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة. الاسم والنسب: هي أم المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن المصطلق، من خزاعة، تزوجها ابن عمها (مسافع بن صفوان) فقُتل يوم المريسيع (غزوة بني المصطلق) ؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 92]. روى مسلم عن ابن عباس قال: ((كانت جويرية اسمها بَرَّة، فحوَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جُوَيْرِيَةَ، وكان يكره أن يُقال: خرج من عند برة))؛ [مسلم، حديث: (2140)]. زواج النبي صلى الله عليه وسلم بجويرية رضي الله عنها: روى أحمد عن عائشة أم المؤمنين قالت: ((لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا - أسرى - بني المصطلق - سنة خمس من الهجرة - وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - وكاتَبَتْه على نفسها، وكانت امرأةً حلوةً مُلاحةً لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها، قالت: فوالله ما هو إلا أن رأيتُها على باب حجرتي فكرهتُها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه، فقالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخفَ عليك، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - فكاتبتُه على نفسي، فجئتُك أستعينك على كتابتي، قال: فهل لكِ في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتكِ وأتزوجكِ، قالت: نعم يا رسول الله، قال: قد فعلت، قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث، فقال الناس: أصهارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا ما بأيديهم، قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأةً كانت أعظم بركةً على قومها منها))؛ [حديث حسن، مسند أحمد ج: 43، ص: 384، حديث: (26365)]. قالت جويرية بنت الحارث: ((تزوجني رسول الله وأنا بنت عشرين سنةً))؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 94]. وقد كان أبو جويرية سيدًا مطاعًا في بني المصطلق، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم؛ [الإصابة لابن حجر العسقلاني، ج: 1، ص: 281]. فضل جويرية رضي الله عنها: (1) روى مسلم عن ابن عباس عن جويرية: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلتِ على الحال التي فارقتُكِ عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلتُ بعدكِ أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وُزِنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته))؛ [مسلم، حديث: (2726)]. (2) روى البخاري عن جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: أصُمْتِ أمس؟ قالت: لا، قال: تريدين أن تصومي غدًا؟ قالت: لا، قال: فأفطري))؛ [البخاري حديث: 1986]. عِلْم جويرية رضي الله عنها: روت جويرية بنت الحارث سبعةَ أحاديث؛ منها عند البخاري حديث، وعند مسلم حديثان، حدَّث عنها: ابن عباس، وعبيد بن السباق، وكريب، ومجاهد، ويحيى بن مالك الأزدي، وآخرون؛ [سير أعلام النبلاء للذهبي، ج: 2، ص: 261، 263]. وفاة جويرية رضي الله عنها: توفيت جويرية بنت الحارث سنة خمسين في خلافة معاوية بن أبي سفيان، وصلى عليها مروان بن الحكم، وهو يومئذٍ والي المدينة، وكان عمرها يوم وفاتها خمسًا وستين سنة؛ [الطبقات الكبرى لابن سعد، ج: 8، ص: 94]. رحم الله تعالى جويرية بنت الحارث رحمة واسعة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
الإنسان من منظور التربية الإسلامية | عبير محمد الجفير | 01-01-2020 | 7,688 | https://www.alukah.net//culture/0/137980/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/ | الإنسان من منظور التربية الإسلامية [1] نظر الإسلام للإنسان على أنه مكوَّنٌ من الجسم والروح والعقل والنفس والقلب، وهذا التكوين للذات الإنسانية ليس تكوينًا مستقلًّا كلُّ مكون عن الآخر، وإنما هو تكوين شامل في إطار هذه النظرة الشمولية المتكاملة للطبيعة الإنسانية [2] ، فالجسم هو الجزء المادي في الإنسان بما يحتويه من رغبات وانفعالات وشهوات، ومن هذا المنطلق يأكل ويشرب ويتزوج؛ وذلك خضوعًا للفطرة التي أودعها الله في الأشياء؛ لذلك ينبغي العناية به حتى يساعد المرء على القيام بوظائفه [3] ، والإنسان كرمه الله وميزه على سائر خلقه بالعقل، الذي هو مناط التكليف، والأديان السماوية في مجملها تدعو إلى عبادة الواحد الأحد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن بالغَ بعض أتباع الديانات الأخرى في الاهتمام بالروح وأهملوا الجسد، أما الدين الإسلامي فهو يدعو إلي تحقيق التوازن الطبيعي في الإنسان بين الروح والبدن، والعمل على تنمية كل منهما بالأسلوب الصحيح، وعلى هدًى من القرآن الكريم؛ حتى يتخلق الإنسان المسلم بخلق القرآن، وتتحقق رفاهية المجتمع. وينظر الإسلام إلى الإنسان نظرةً متكاملة، فالإنسان فيه جسد وروح، لا ينفصل أحدهما عن صاحبه، وفيه - بحكم تركيبه الجسدي - مجموعة من الشهوات تدفعه نحو عمليات الإشباع، وبحكم تكوينه الروحي مجموعة من القوى تسمو به نحو الكمالات، وهو بحكم تكوينه العقلي فيه قدرة على اختيار هذا الطريق أو ذاك، أو يجمع بينهما في صورة لا يضحِّي فيها بجسده من أجل روحه، ولا بروحه من أجل جسده، والتضحية بأحدهما لا يتحقق معها الاستخلاف في الأرض، وقد خلقه الله؛ ليكون فيها خليفة [4] ؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة: 30]. ومن ثَمَّ فضَّل الإسلام الإنسان وميَّزه وأعلى شأنه ومكانته على ما في الكون من مخلوقات، وجعل له خصائص وميزات فهو الكائن العاقل، القادر، المكلَّف، وهذا التكريم والتفضيل مبني على أسسٍ أوَّلُها الإيمان بالله وعبادته وتقواه، والعلم من أهم الخصائص التي خص الله بها الإنسان منذ خلقه؛ قال تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ولعِلْمِ الإنسان وعقله حمَّل الله تعالى الإنسان الأمانة على سائر مخلوقاته؛ تكريمًا له وتمييزًا؛ قال عز وجل: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]، وهذا مظهر من مظاهر التكريم الإلهي للإنسان الذي خلقه الله عز وجل، فسوَّاه فعدَّله وصوَّره في أحسن صورة، وفضله على سائر خلقه، وحمَّله أمانته، وسخر له من فضلِهِ كلَّ شيء حوله، واستخلفه واصطفاه لعبادته. وأيضًا يتمايز ويتفاوت البشر لعوامل تؤثر فيهم، وقد حدد الإسلام موقفه من تلك العوامل حتى يصبح تأثيرها إيجابيًّا، فالشخصية الإنسانية تتأثر في تكوينها ومركباتها وتفاعلاتها المختلفة بعاملين رئيسين: أحدهما داخليٌّ يمكن تسميته "الوراثة"، والآخر خارجيٌّ مكتسب يسمى "البيئة" [5] ، وقد أَوْلَى الإسلام البيئةَ التي يعيش فيها الإنسان اهتمامًا بالغًا؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانِهِ أو يُنصِّرانِهِ أو يُمجِّسانِهِ، كما تُنتَجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاءَ، هل تُحِسُّون فيها من جدعاءَ؟)) ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30] [6] ، ومن أهم العوامل المؤثرة في الطبيعة الإنسانية الدوافع والحاجات، وهي حاجات أساسية في حياة الإنسان، وأُوْلَى تلك الدوافع الحاجات العضوية والجسمية، فإذا أُشبعت انتقل إلى الحاجات الأمنية، وقد وجَّه الإسلام إشباع هذه الدوافع والحاجات بضوابط؛ لكي لا تنحرف عن فطرتها وتؤدي إلى فساد وانحطاط، وجعل لهذه الدوافع ضوابط؛ منها ما هو ذاتي نابع من قلب الإنسان وضميره ووازعه الديني العقدي الذي يحدد حدود الحلال والحرام، ومنها ضوابط خارجية نابعة من البيئة المحيطة بالإنسان، واهتم الإسلام بتهذيب الإنسان واستقامته، وشرع أحكام رادعة للمتجاوزين حدودَ الشريعة برغباتهم وميولهم، وقد بلغ من كمال التشريع وعمومه أن كل فعل من أفعال المسلمين لا يخلو من حكم شرعي سواء بالوجوب أو الحرمة أو الندب أو الإباحة، وقد أودع الله تعالى في الطبيعة البشرية استعدادًا لمعرفة الخير والشر، والقدرة على السير في أي منهما؛ قال تعالى: ﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [البلد: 10]، ففي أصل الانسان الخير، لكن الشر عارض من خطأ أو جهل أو من البيئة المحيطة به، فإذا وُجِّهت توجيهًا إسلاميًّا إلى أهدافها أصبحت خيِّرةً، فالإنسان كما يقرر الإسلام ملزم فيما هو خارج عن إرادته وداخل في إرادة الله، ومخيَّر فيما دون ذلك ومسؤول عن اختياره وطريقه الذي يسلكه. وبِناءً على ذلك يتبين لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان نظرة راقية فيها تكريم وتعظيم وشمول، وأنه رسم له حدودًا تمكِّنه من بلوغ غاياته وإشباع حاجاته في مجالات شتى. [1] للكاتبة: عبير محمد الجفير، باحثة دكتوراة تخصص الأصول الإسلامية للتربية، جامعة أم القرى، كلية التربية، قسم التربية الإسلامية والمقارنة. [2] مرسي، محروس سيد، التربية والطبيعة الإنسانية في الفكر الإسلامي وبعض الفلسفات الغربية، 1988، القاهرة، دار المعارف. [3] أبو العينين، الخليل، فلسفة التربية في القرآن الكريم، 1985، ط: 2، القاهرة، دار الفكر العربي، 99. [4] نظرة التربية الإسلامية إلى الإنسان على شبكة الألوكة . [5] الميمان، بدرية، النظرية التربوية وتطبيقاتها عبر العصور، ط: 1، 1435. [6] البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب: إذا أسلم الصبي فمات هل يُصلَّى عليه، حديث رقم: (1270). |
أم المؤمنين أم سلمة | الشيخ صلاح نجيب الدق | 29-12-2019 | 23,930 | https://www.alukah.net//culture/0/137905/%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%a3%d9%85-%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9/ | أم المؤمنين أمُّ سلَمة الحمدُ لله، حمدًا طيبًا مباركًا فيه، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بعثه اللهُ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا. أما بعد: فإن أُمَّ سَلَمَةَ هي إحدى أمهات المؤمنين، فأحببتُ أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بشيء من سيرتها العطرة، وتاريخها المشرق المجيد، لعلنا نسير على ضوئه فنسعد في الدنيا و الآخرة، فأقول وبالله تعالى التوفيق: الاسم والنسب: هي: أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ، هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ بنِ المُغِيْرَةِ المَخْزُوْمِيَّةُ، بِنْتُ عَمِّ خَالِدِ بنِ الوَلِيْدِ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ202) . واسم أَبِي أُمَيَّةَ: حُذَيْفَةُ، ويُلقبُ: زَادُ الراكب؛ لأنه كان أحدُ الأجواد، فكان إذا سافر لا يترك أحدًا يرافقه ومعه زاد، بل يكفي رفقته من الزَّاد؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ4صـ439) . أُمُّهَا: عَاتِكَةُ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَذِيمَةَ؛ (الطبقات الكبرى لابن سعد جـ3صـ181) . إسلام أم سلمة وهجرتها: كانت أُمُّ سَلَمَةَ ممن أسلمَ قديمًا هي وزوجها أبو سَلَمَة، وهو عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَبْدِالأَسَدِ، وَأُمُّهُ بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِالْمُطَّلِبِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِمَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ. أسْلَمَ زَوْجُهَا أَبُو سَلَمَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الأَرْقَمِ، وَقَبْلَ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا، وَكَانَ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمُّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا، فولدت له سَلَمَةَ هناك. ثم قدما مكة وهاجرا إلى المدينة، فولدت له عُمَر، وَزَيْنَب، وَدُرَّة، وأولادها كلهم صحابيون؛ (الطبقات الكبر لابن سعد جـ3صـ181) ، (الإصابة لابن حجر جـ4صـ439) . علم أم سلمة: كانت أُمُّ سَلَمَةَ تُعد مِن فقيهات الصحابيات، روت أُمُّ سَلَمَةَ ثَلاَثَمائَةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَسَبْعِيْنَ حَدِيْثًا، وَاتَّفَقَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَهَا عَلَى ثَلاَثَةَ عَشَرَ، وَانْفَرَدَ البُخَارِيُّ بِثَلاَثَةٍ، وَمُسْلِمٌ بِثَلاَثَةَ عَشَرَ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ210) . رَوَى عَنْهَا: سَعِيْدُ بنُ المُسَيِّبِ، وَشَقِيْقُ بنُ سَلَمَةَ، وَالأَسْوَدُ بنُ يَزِيْدَ، وَالشَّعْبِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَمُجَاهِدٌ، وَنَافِعُ بنُ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ، وَنَافِعٌ مَوْلاَهَا، وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ، وَشَهْرُ بنُ حَوْشَبٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَخَلْقٌ كَثِيْرٌ؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ202) . زواج أم سلمة بالنبي صلى الله عليه وسلم: (1) مسلمٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ، أَوِ الْمَيِّتَ، فَقُولُوا خَيْرًا، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ»، قَالَتْ: فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ، قَالَ: " قُولِي: اللهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ، وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً "، قَالَتْ: فَقُلْتُ، فَأَعْقَبَنِي (أبدلني) اللهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ لِي مِنْهُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم؛ (مسلم حديث: 919) . (2) ابنُ سعدٍ عن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ أُمِّ سَلَمَةَ خَطَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَرَدَّتْهُ، ثُمَّ خَطَبَهَا عُمَرُ فَرَدَّتْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِرَسُولِهِ، أَخْبِرْ رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي امْرَأَةٌ غَيْرَى وَأَنِّي مُصْبِيَةٌ (أي ذات أولاد صغار) ، وَأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَوْلِيَائِي شَاهِدٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا رسول الله: أَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي مُصْبِيَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَكْفِيكِ صِبْيَانَكِ، وَأَمَّا قَوْلُكِ: إِنِّي غَيْرَى فَسَأَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَ غَيْرَتَكِ، وَأَمَّا الأَوْلِيَاءُ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ شَاهِدٌ وَلا غَائِبٌ إِلا سَيَرْضَانِي، قَالَتْ: يَا عُمَرُ (ابنها) ، قُمْ فَزَوِّجْ رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَمَا إِنِّي لَا أَنْقُصُكِ شَيْئًا مِمَّا أَعْطَيْتُ أُخْتَكِ فُلَانَةَ رَحَيَيْنِ وَجَرَّتَيْنِ، وَوِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ، حَشْوُهَا لِيفٌ"؛ (الطبقات الكبر لابن سعد جـ8صـ71) ، (الإصابة لابن حجر جـ4صـ440) ، وضعفه الألباني. (3) روى ابنُ سعدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ حَزِنْتُ حُزْنًا شَدِيدًا لِمَا ذَكَرُوا لَنَا مِنْ جَمَالِهَا، قَالَتْ: فَتَلَطَّفْتُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُهَا فَرَأَيْتُهَا وَاللَّهِ أَضْعَافَ مَا وُصِفَتْ لِي فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ، وَكَانَتَا يَدًا وَاحِدَةً، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ إِنْ هَذِهِ إِلا الْغَيْرَةُ، مَا هِيَ كَمَا يَقُولُونَ، فَتَلَطَّفَتْ لَهَا حَفْصَةُ حَتَّى رَأَتْهَا، فَقَالَتْ: قَدْ رَأَيْتُهَا وَلا وَاللَّهِ مَا هِيَ كَمَا تَقُولِينَ وَلا قَرِيبٌ وَإِنَّهَا لَجَمِيلَةٌ، قَالَتْ: فَرَأَيْتُهَا بَعْدُ فَكَانَتْ لَعَمْرِي كَمَا قَالَتْ حَفْصَةُ وَلَكِنِّي كُنْتُ غَيْرَى؛ (الطبقات الكبر لابن سعد جـ8صـ75) ، وقال الأرنؤوط: [فيه] محمد بن عمرو هو الواقدي لا يحتج به؛ قال الإمام الذهبي (رحمه الله) : دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بأم سلمة فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ مِنَ الهِجْرَةِ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ وَأَشْرَفِهِنَّ نَسَبًا؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ202) . منزلة أم سلمة عند أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: كانت أُمُّ سَلَمَةَ على علاقة طيبة بجميع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى إنهن كُنَّ يرسلنَ أُمَّ سَلَمَةَ لكي تتحدث نيابةً عنهنَّ عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ روى البخاريُّ عن عُروةَ بنِ الزبير قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ مَا كَانَ أَوْ حَيْثُ مَا دَارَ، قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا عَادَ إِلَيَّ ذَكَرْتُ لَهُ ذَاكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ، ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَيَّ الْوَحْيُ وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا؛ (البخاري حديث 3775) . أم سلمة: صاحبة الرأي الراجح: روى البخاريُّ عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وذلك لَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من كتابة صلح الحديبية مع سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا؛ (البخاري حديث:2731) . قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله) : وإشارتها على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الحديبية تدل على وفور عقلها وصواب رأيها؛ (الإصابة لابن حجر العسقلاني جـ4صـ440) . وفاة أم سلمة: كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها آخِرَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، عُمِّرَتْ حَتَّى بَلَغَهَا مَقْتَلُ الحُسَيْنِ الشَّهِيْدِ، فَوَجَمَتْ لِذَلِكَ، وَغُشِيَ عَلَيْهَا، وَحَزِنَتْ عَلَيْهِ كَثِيْرًا، لَمْ تَلْبَثْ بَعْدَهُ إِلاَّ يَسِيْرًا، وَانْتَقَلَتْ إِلَى اللهِ تعالى، توفيت أُمُّ سَلَمَةَ سنة إحدى وستين من الهجرة في خلافة يزيد ين معاوية، عَاشَتْ أُمُّ سَلَمَةَ نَحْوًا مِنْ تِسْعِيْنَ سَنَةً؛ (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ2صـ210) ، رَحِمَ اللهُ تعالى أُمَّ سَلَمَةَ رحمةً واسعةً، وجزاها عن الإسلام خير الجزاء، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله رب العالمين، وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمدٍ، وعلى آله، وصحبه، والتابعينَ لهم بإحسان إلى يوم الدين. |
التيفوس | د. أحمد زكي | 29-12-2019 | 2,496 | https://www.alukah.net//culture/0/137903/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a%d9%81%d9%88%d8%b3/ | التيفوس اليوم يوم من الأيام التي طواها القرن الثامن عشر بانطوائه. والبلد لندن حين لم يكن لها هذا الشأن الكبير، ولا لمرافقها الصحية هذا الخطر الكبير، ولا لأهلها هذه الثقافة وهذا اليسر المعروف. والدار دار المحكمة وهي التي تقع في سُرَّة ذلك البلد العتيق. ففي ضحوة ذلك اليوم أخذ الناس يتوافدون على تلك الدار زرافات ووحدانًا؛ هذا مجرم فاجر وفي عينيه القسوة وفي مشيته التحدي، يقوده رجال من الشرطة على حذر وريبة، وهذا مجرم منكسر الحال وفي طرفه الذلة يقوده شرطي، وهؤلاء نفر من ذوي هذا المجرم أو ذاك في أثوابهم تهدُّل القِدَم وعليها لون السنين، وفي أحذيتهم خروق السعي المتواصل، وعلى وجوههم شحوب الجوع وهم الرزق وقذارة الفقر، أو صفرة المرض أو سحنة الإسراف في فنون الدعارات الرخيصة. وهذا أحد المحلفين جاء يمشي في زهو المسيطر، وخيلاء الحاكم، وإلى جانبه صاحب له يرفع عقيرته يجادل صاحبه في شأن من شئون القضاء، يريد أن ينبه من حوله من الطغام أنه خبير بالقانون بالرغم من كونه محلف، عالم بسياسة الملك وتقسيط العدالة على الرغم من أنه اختير من صفوف السوقة وغوغاء الرعية. وهذه عربة فخمة برز منها رجل أنيق الملبس ناعم الحال في وجهه حمرة النعمة وفي جلده دهن الموائد، جاء للتفكه والتسلية لما أعوزه ما يشغل به وقته. أما في داخل الدار فقد أخذت المقاعد تمتلئ، ثم ما بين المقاعد ثم الزوايا والأركان، وامتلأ ما بين المقاعد والسقف بأنفاس ثقيلة تكاد تسقط، وأبخرة كثيفة ندية تكاد تتقطر، ورائحة تألفت من روائح ذات أسباب عدة كلها مما لا يطيب إلا في أنوف الكلاب. ودخل المحلفون فأثار اهتمام الجمهور وعلم الناس حينئذ أن القاضي يكاد يدخل القاعة، ولم يلبثوا أن صاح بهم صائح في صوته قوة وإمرة ( وقوف ) فوقف الناس ودخل صاحب الجلالة القضائية وعلى رأسه عارية من الشعر بيضاء، كأنما تطمئن الناس إلى عدل القضاء. وجاء الناس وافتتحت المحكمة وجيء بالمذنب بعد المذنب وقام الاتهام فصال وجال وبالغ في وصف الجرم ما شاء له حرصه على المجتمع أن تعبث به يد الفساد، وتذهب بطمأنينته نزعات من الشر خالدة في نفوس البشر. وقام الدفاع فأنكر الجريمة فدفع الحجة بالحجة والغضبة بغضبة أشد منها وتقبضت كفاه، ولما لم يكن من حسن اللياقة دخول الأكف في النقاش أنهال على المنضدة حتى أوجع كفيه، ولكن ذلك كان ثمنًا طيبًا للأثر الطيب الذي كان لدفاعه عند الجمهور. وجاء دور المحلفين فقالوا كلمتهم، وجاء دور القاضي فنطق بالأحكام. وانقضى اليوم والجمهور بين راض وحانق. ومضى أسبوع فأسبوع فشاع في الناس أن رئيس المحلفين قد مات، فعلم الحانقون انهم كانوا مصيبين في حنقهم وأن الحكم كان خاطئًا، وقال الراضون إن هو إلا سهم طائح طائش عارض من سهام عزرائيل أصاب المرحوم اتفاقا. ومضى أسبوع وشاع بين الناس أن اثنين من المحلفين قد ماتوا، فزاد الحانقون حنقًا على الأحكام، وأخذ الراضون يرتابون من صحة الميزان، ولكن الحق وضح واليقين تجلى لما مات القاضي بعد ذلك بأسبوع. وهل مات أحد من الجمهور؟ بالطبع لم يبلغ الناس شيء من ذلك، وما كان من الممكن أن يبلغهم. وجاءت جلسة قضائية تعقبها جلسة أخرى. فزادت الجنائز وامتلأت المقابر وسر الدفانون. فبان ما لم يكن بائنًا من قبل، ذلك أن جمهور النظارة أيضًا حصد منه الموت أكبر حصاده، وزالت الرابطة ما بين الأحكام وبين الأموات، وعلم الناس أنه وباء من تلك الأوبئة التي يبعثها الله على عباده من حين إلى حين لغرض لا يعلمه إلا سواه، وخافوا تلك المحاكم واستشأموا منها وأسموها السوداء. وفي هذا الشهر الحالي من القرن الحالي في مدينة القاهرة في أشد عيادات العالم المتمدن ازدحامًا وقذارة وسوء حال، وقع حادث كما ذكرناه فأصيب بضعة من أطباء القصر العيني ومساعديهم بنفس ذلك المرض الذي ذكرناه، ولكن علم الإنسانية بأعداء الإنسان زاد كثيرًا، وفقهه للأوبئة تقدم تقدمًا كبيرًا، فما كادت تَعرِض الأعراضُ على المنكوبين المذكورين؛ حتى عُرف المرض الخبيث وأُسرع إليهم بالعلاج، أو بالقدر الذي يستطيعه الإنسان من ذلك في المرحلة الحاضرة من تقدمه في فهم هذا المرض. والذي نتمناه ألا تنشر هذه الكلمة حتى يدخل الأطباء المصابون دور النقاهة، والذي نتمناه أن يمن الله على من لم نسمع بهم ممن لاشك قد أصيبوا من المرضى الخارجين بالقصر العيني، والذي نتمناه أن يكون هذا درس نافعًا للجميع لا للقاهرة فحسب، بل في الريف كذلك. أما «التيفوس» فمرض من أخبث الأمراض، ولاشك أنه قديم ولكن القدماء لم يتبينوه لاشتباه أعراضه بأعراض الحميات عامة، وهو قد يتوطن في الأقطار فتظهر منه إصابات قليلة، ولكنها ثابتة العدد لا تتغير إلا يسيرًا، وقد يمتد في القطر فينتشر وباؤه فيحرث في الناس حرثًا، ففي الوافدة التي زارت أيرلندا عام 1846م حصد التيفوس من عاصمتها وحدها نحوًا من ستين ألفًا. ويساعد على إحياء التيفوس ونشره ازدحام الناس مع سوء الغذاء والقذارة، لذلك تراه يظهر في الحروب بين الجيوش، وآخر أمثلة ذلك الوافدة التي زارت بلاد الصرب في الحرب العظمى، وذلك أن النمسا هاجمت البلاد الصربية لأول مرة فهاجر السكان من غير المحاربين إلى الجنوب في ازدحام وفاقة وعري وسوء حال، فأستيقظ الوباء النائم وبلغ أشده في عام 1915م، وعندئذٍ خافت النمسا على جيوشها وكانت تنوي مهاجمة الصرب المرة الثانية فأجَّلتها، وقام هذا المرض الوبيل نيابة عنها ففتك بالصرب أشد فتك فمات منهم بسببه في ستة أشهر مائة وخمسون ألف نفس. والتيفوس تنتقل عدواه بواسطة القمل، وبالقمل وحده على قدر ما حقق الباحثون. ومن الغريب أن هذه الحقيقة لم تدخل دائرة اليقين إلا في عام 1909 فأنهم حقنوا قردًا بمقدار من دم مريض بالتيفوس فانتقلت العدوى إلى القرد، فربوا عليه قملا ونقلوا هذا القمل إلى قردة أخرى فأصابتها العدوى. وهذا يفسر لنا أن التيفوس يحصل إذا اجتمعت الزحمة والفقر وفي الحروب، ولقد صدق من أسماه (داء القذر) ، ويفسر لنا سرعة انتشاره من مريض لصحيح، ومن المريض للطبيب، ويفسر لنا أنه ينتشر في البلاد المعتدلة وفي الباردة على الأغلب في الشتاء أي في الحين الذي يرغب فيه الناس ولا سيما فقراؤهم عن الاستحمام وفي الحين الذي يزدحمون فيه في المساكن والقيعان رغبة في الدفء وهربًا من البرد. أما سبب المرض فغير محقق تمامًا إلى الآن؛ يظن بعضهم أنه فعل جراثيم دقت حتى عجزت عن رؤيتها أكبر المجاهر، وصغرت حتى عجزت مرشحات الجراثيم المعروفة عن حبسها، ولكن أكثر البُّحّاث اليوم يرون أن هذه الجراثيم على صغرها يمكن ترشيحها، ودليلهم على ذلك أن دم المريض إذا رُشِّح ثم حقن الراشح منه في جسم سليم لم تصبه العدوى. وقد حاول كثيرون الحصول على هذه الجراثيم، ونجح كثيرون في الحصول على جراثيم، ولكن جراثيم الباحث لم تطابق في الصفات جراثيم الباحث الآخر، فدل ذلك على أنَّها عوارض، وبعضها لا يعطي المرض فهي ليست جراثيم المرض. ولعل أوثق ما استكشف في هذا الصدد مما له علاقة بهذا المرض جسيمات صغيرة وجدها الباحث ( ريكيتس ) عام 1909 في دم المرضى ببلاد المكسيك، وأمن على وجود أشباه لها ( فون فرو فازيك ) أثناء بحثه عام 1910 في بلاد الصرب، وجدها في باطن خلايا الدم البيضاء للمرضى، وسميت هذه الجسيمات باسمي هذين الباحثين اللذين ذهبا ضحية المرض تشريفًا لهما وحفظًا لذكرهما. ومن بعدهما وجدت هذه الجسيمات في القناة الهضمية للقمل. والأبحاث في هذا السبيل لا تزال جارية تبعث بأشعة من نور ضئيل في ظلمات هذه العلة المبيدة. وأعراض التيفوس تشابه من بعض الوجوه أعراض التيفود لذلك كانا يختلطان على الناس حتى جاء جرهارد عام 1837م ففرق بينهما. وسمى المرض الثاني بالتيفود ومعناها شبيه التيفوس: والمدة التي تمضي على دخول الميكروب في الجسم وظهور أعراضه تسمى مدة الحضانة، وبئست هي من حضانة، تتراوح ما بين خمسة أيام إلى واحد وعشرين يومًا، وتظهر الأعراض على الأرجح بغتة وقد تظهر بالتدرج؛ فترتفع الحرارة، ويصحب ارتفاعها قشعريرة، يصحبها صداع شديد وقيء، ويكون الهذيان أول الأمر زائطًا، ويظهر في نحو اليوم الخامس على جلد المريض طفح، وفي الوجه ثقل وبلاهة. وفي الأسبوع الثاني يصبح الهذيان تمتمة، وإن شاء له الله الشفاء والسلامة نزلت حرارته في نحو اليوم الرابع عشر فجأة وصحبها عرق غزير. ولا سبيل لاتقاء التيفوس إلا بتطهير السكان من القمل. والقمل من الحشرات التي يمكن استئصالها، ولو أن كثيرًا من المصريين في الأحياء الفقيرة وبؤساء الريف يظنون أن القمل كالبق لا سبيل لاستئصاله، وربما أتينا في كلمة أخرى على طرق ذلك. المصدر: مجلة الرسالة، العدد 8، بتاريخ: 01 - 05 - 1933م |
التضمين في حروف الجر في صحيح البخاري | محمود ثروت أبو الفضل | 28-12-2019 | 16,035 | https://www.alukah.net//culture/0/137881/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b6%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d8%b1%d9%88%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d9%8a/ | التضمين في حروف الجر في صحيح البخاري صدر حديثًا كتاب: "التضمين في حروف الجر في صحيح البخاري، دراسة نحوية دلالية "، تأليف " إيناس شعبان محمد درباس "، وذلك عن دار المقتبس. وأصل الكتاب رسالة علمية، قُدِّمَتْ لنيل درجة الماجستير في النحو والصرف، من كلية الآداب بالجامعة الإسلامية بغزة، وذلك تحت إشراف د. " جهاد يوسف العرجا "، ونوقشت عام 1431 هـ-2010 م. تناولت هذه الدراسة ظاهرة التضمين بين حروف الجر؛ حيث إنَّ حروف الجر هي: تلك الروابط التي تجمع بين الأسماء والأفعال داخل الجمل؛ فيتضح معناها ويبرز. وتختلف معاني حروف الجر باختلاف السياق الذي وردت فيه، بحيث يتعدد معاني الحرف الواحد في السياق؛ إما لمناسبة ورود الحرف في موضعه، أو لتضمينٍ وتأويلٍ واقع في العبارة. وتعدُّ ظاهرة التضمين في حروف الجر واحدةً من أكثر ظواهر النحو تعقيدًا؛ حيث اختلف فيها العلماء، وتضاربت فيها الآراء ما بين مؤيد أو معارض ونافٍ لها. أما عن الفريق الأول: فقد ذهب في تخريج الشواهد إلى تضمين الفعل معنًى آخر يتعدَّى بحرفِ الجرِّ، والفريق الآخر: نفى هذا التضمين، وجعل إحلال الحرف مكان غيره؛ هو من باب التناوب؛ أي: وضع الحرف محل غيره، لأنه في معناه. وترى الباحثة أنَّه لا يمكن الاستغناء عن التناوب بين الحروف؛ إذا لوحظ تقارب في المعنى. وعلى هذا ارتأت أن تقدِّم دراسة تمثيلية على ظاهرة التضمين النحوي بين حروف الجر والتناوب من خلال دراسة الحديث النبوي؛ وذلك من خلال دراسة نماذج تطبيقية من "صحيح البخاري". وكانت الدراسة قائمة على ثلاثة مستويات: المستوى الأول: النظري من خلال رصد كل ما كتب عن موضوع التضمين بين حروف الجر في كتب النحو، والاستدلال عليه من القرآن والشعر. المستوى الثاني: التطبيقي من خلال استقراء الأحاديث المتضمنة للظاهرة في " صحيح البخاري ". المستوى الثالث: الدلالي، وفيه الفائدة من استعمال حرف معين في ذلك الموضع عن غيره؛ حيث إنَّه باستقراء الأحاديث في " صحيح البخاري "، وتطبيق الدراسة النظرية عليها، وجدتُّ أنَّ الأحاديث فيها منقسمةٌ إلى عدة أقسام؛ منها ما ضمن فيه الفعل معنى آخر يتعدى بالحرف، وما وضع فيه الحرف في معناه الأصلي، والأخير: ما ناب فيه الحرف مناب آخر. ونتيجة هذا الاستقراء تثبت وجهة النظر الأولي؛ كما وتؤكد على جواز إنابة بعض الحروف عن بعض في بعض المواضع التي تقتضي ذلك، وليس في كل شاهد. ووضعتِ الكاتبة خطةَ بحثها في: تمهيد، وفصلين. التمهيد: فيه ترجمة موجزة للإمام البخاري. الفصل الأول: تناولت فيه ظاهرة التضمين عند النحاة، ويشتمل على ثلاثة مباحث. المبحث الأول: الحروف تعريفها، ومعانيها. المبحث الثاني: تعريف التضمين، وأنواعه، وفوائده. المبحث الثالث: آراء النحاة بين التضمين والتناوب. الفصل الثاني: ويشتمل على مبحثين. المبحث الأول: أهمية الاستشهاد بالحديث الشريف. المبحث الثاني: نماذج تطبيقية على ظاهرة التضمين من " صحيح البخاري ". وقد خرجتِ الكاتبة في دراستها بعدَّةِ نتائج؛ من أهمها: أنه قد يرد حرف الجر في غير موضعه الأصلي؛ أي: مع فعل لا يتعدى به؛ وذلك إشارة إلى تضمين الفعل المتعدي به معنى فعل آخر، بحيث يكون كلا المعنيين قد قُصدا تبعًا، أو لوجود تأويل يقبله اللفظ، أو لمناسبة الحرف في موضعه لذلك السياق، وإن لم يتأتَّ أيٌّ من ذلك واردًا؛ فيكون من باب التناوب بين الحروف. وترجح الكاتبة من خلال دراستها: أن مصطلح « التضمين بين حروف الجر » هو نفسه مصطلح « التناوب بين الحروف »، ولا ترى فرقًا بينهما؛ حيث كلاهما يفيد وضع حرف جر محل آخر؛ لأنه في معناه، ولا يمكن التفريق بين المصطلحين. وأنه من خلال أقوال الشراح؛ فإنَّه لا يمكن إلغاء التناوب بين حروف الجر على وجه الإطلاق، أو قبولها على الاطلاق؛ فمن خلال السياق يمكن قبول النيابة في بعض المواضع، ويمكن رفضها وترجيح التضمين والتأويل عليها. وهذا ما ظهر جليًّا في الأحاديث الشريفة التي حصرتها الكاتبة في دراستها؛ حيث إن من الشواهد ما لو لم تخرجه على النيابة وحاولت فيه التضمين، لظهر فيه التكلف والتصنع واضحًا. وبينت الكاتبة أن بعض أحرف الجر قد جاءت وتكررت في الشواهد بكثرة، وبعضها وردت بقلة في أحاديث مثلت الظاهرة. وقد تركزت الأحاديث التي تمثل الظاهرة في أحرف سبعة؛ وهي: (في، من، الباء، على، إلى، اللام، عن )، أمَّا باقي أحرف الجر فلم ترد لها أحاديث تمثل ظاهرة التضمين بها؛ ولعل ذلك يرجع إلى شيوع استخدام بعض الحروف في التراكيب اللغوية عن بعض لسهولتها واتساع معانيها. مثلًا: حرف الجر " في " ورد عليه ما يقارب الستين حديثًا، حرف "الباء" ورد عليه ما يقارب الأربعين حديثًا، حرف "من" ورد عليه ما يقارب الأربعين حديثًا، حرف "على" ورد عليه ما يقارب الثلاثين حديثًا، حرف "اللام" ورد عليه ما يقارب الخمس وعشرين حديثًا، حرف "إلى" ورد عليه ما يقارب العشرين حديثًا، الحرف "عن" ورد عليه ما يقارب الخمس أحاديث. وخلصت الكاتبة من خلال دراستها أنه من خصائص اللغة العربية المرونة في استخدام مفرداتها وتراكبيها، وهذه النقطة يجب التركيز عليها في مسألة التضمين والتناوب. ومن أمثلة النماذج التي جاءت بها الكاتبة في دراستها على أحاديث "صحيح البخاري" ما يلي: 1- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إِذَا شَرِبَ الكَلْبُ في إِنَاءِ أحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا». الشاهد: (شرب في)؛ ورد في الحديث حرف الجر (في) مع الفعل (شرب)، وهذا الفعل لا يتعدى بـ(في)؛ وإنَّما بـ(مِن)، ولكن جاء هنا على سبيل التضمين؛ حيث ضمَّن (شرب) معنى (ولغ)، والوَلْوغ: هو شرب السباع بألسنتها، ولغ السبع والكلب، وولغ فيها ولغًا: شرب ماءً. وولغ الكلبُ في الإناء ولوغًا؛ أي: شرب فيه بأطراف لسانه. وقيل: ولغ الكلب بشرابنا، وفي شرابنا، ومن شرابنا؛ فالولوغ يكون عن طريق اللسان؛ فكأنما مدَّ لسانه وأحاط الشراب به، لذلك مجيء شرب مع حرف لا يتعدى به إشارة إلى أن هناك فعلًا أخر تضمنه شَرِبَ ويكون ذلك الفعل أكثر إيصالًا للمعنى. 2- عن منصور بن صفية أن أمه حدثته: أن عائشة رضي الله عنها حدثتها: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَتَّكِئُ في حِجْرِي وأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ. الشاهد: (يتكئ في). الفعل يتكئ لا يتعدى بالحرف (في)، وإنما يتعدى بـ (على)؛ جاء في "لسان العرب": «توكأ على الشيء، وأتكأ: تحمَّل واعتمد عليه، وفي قوله تعالي: ﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ﴾ [طه: 18]، وقوله تعالى: ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ [الرحمن: 54]. ولكن في الحديث استخدم الحرف (في) ليدل على الإحاطة والشمول والحنان من زوج الرسول صلى الله عليه وسلم تجاهه، أما استخدام الحرف (على) في موضعه ففيه استعلاء، والاستعلاء لا يراد في هذا الموقف، فتصرف الرسول صلى الله عليه وسلم يؤكد على سماحة الإسلام ورفقه بالنساء؛ حيث أوصى بالمعاملة الحسنة في جميع الحالات التي تكون بها المرأة، بينما نجد ديانات أخرى تحقر المرأة، وتحط من شأنها خاصة المرأة الحائض؛ فاليهودي مثلًا لا يجلس مع الحائض في بيت، ولا يآكلها حتى تطهر. |
عكاظ والمربد (4) | أحمد أمين | 26-02-2020 | 2,711 | https://www.alukah.net//culture/0/138838/%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a8%d8%af-4/ | عكاظ والمربد (4) للأستاذ أحمد أمين [1] وكان لكل شاعرٍ من شعراء المربد حلقةٌ ينشد فيها شعره وحوله الناس يسمعون منه؛ جاء في "الأغاني": «وكان لراعي الإبل والفرزدق وجلسائهما حلقةٌ بأعلى المربد بالبصرة»، وكان الناس يخرجون كل يوم إلى المربد، يعرف كل فريق مكانه، فيجلس فيه ينتظر شاعره، فقد روى "الأغاني" – أيضًا- أن جريرًا بات يشرب باطية من نبيذ، ويهمهم بالشعر في هجاء الفرزدق والراعي، فما زال كذلك حتى كان السحر وقد قالها ثمانين بيتًا في بني نمير، فلما ختمها بقوله: فغُضَّ الطرفَ إنَّك من نُميرٍ *** فلا كعبًا بلغْتَ ولا كلابَا كبَّر ثم أصبح حتى إذا عرف أن الناس قد جلسوا في مجالسهم بالمربد، وكان يعرف مجلسه ومجلس الفرزدق، دعا فادَّهن ولف رأسه، ودعا غلامه، فأسرج له حصانًا، وقصد مجلسهم، وأنشدها فنكس الفرزدق وراعي الإبل. ونرى بجانب هؤلاء الفحول - أعني جريرًا والفرزدق والأخطل - طائفة أخرى من كبار الرُّجاز يقصدون المربد وينشدون رجزهم، فالعجاج الراجز يخرج إلى المربد عليه جبة خزٍّ وعمامة خز على ناقة له، قد أجاد رحلها ويقف بالمربد على الناس مجتمعين، ويقول رجزه المشهور: ( قد جبَر الدين الإله فجُبِر )، ويهجو ربيعة، فيأتي رجل من بكر بن وائل إلى أبي النجم، ويستحثه على الرد عليه، فيخرج أبو النجم إلى المربد، ويقول رجزه: ( تذكَّر القلبُ وجهلًا ما ذكَر )، ورؤبة الرجاز ينشد رجزه: ( وقاتم الأعماق خاوي المخترق )، ويجتمع حوله فتيان من تميم، فيرد عليه أبو النجم في رجزه: ( إذا اصطبحت أربعًا عرفتني ). كذلك نرى ذا الرمة يقف بالمربد وعليه جماعة مجتمعة، وهو قائم وعليه برد قيمته مائتا دينار، وينشد دموعه تجري على لحيته: ( ما بال عينيك منها الماء ينسكب )، وينشد كذلك بعض قصائده، فيقف خياط، فينقد شعره نقدًا شديدًا، ويسخف بعض تشبيهاته، فيمتنع ذو الرُّمَّة عن الذهاب إلى المربد حتى يموت الخياط، والأمراء والولاة قد يتدخلون فيسكتون بعض الشعراء، وقد يهجون بعضهم على بعض خدمة لأغراض حزبية أو سياسية، فعبدالملك بن مروان يأمر أبا النجم بالمفاخرة مع الفرزدق، وعباد بن حصين - وكان على أحداث البصرة - يعين جريرًا على الفرزدق ويعير جريرًا الدرع والفرس والسلاح. وهكذا كان المربد في العهد الأموي معهدًا كبيرًا أنتج أدبًا غزيرًا من جنس خاص، وكاد هذا الشعر يكون امتدادًا للشعر الجاهلي، لاتحاد الأسباب والبواعث، فأما الشعر الغزلي كشعر عمر بن أبي ربيعة وأمثاله، فليس له كبير أثر في المربد؛ لأنه فوق النزال والمهاجاة والمفاخرة، فليس مجاله حياة المربد التي وصفناها. المربد في العصر العباسي: بقي المربد في العصر العباسي. ولكنه كان يؤدي غرضًا آخر غير الذي كان يؤديه في العهد الأموي، ذلك أن العصبية القبلية ضعفت في العصر العباسي بمهاجمة الفرس للعرب، وأحس العرب بما هم فيه جميعًا من خطر؛ من حيث هم أمة لا فرق بين عدنانيهم وقحطانيهم، فقوي نفوذ الفرس وغلبوا العرب على أمرهم، وبدأ الناس في المدن كالبصرة يحيون حياة اجتماعية هي أقرب إلى حياة الفرس من حياة العرب، وانصرف الخلفاء والأمراء عن مثل النزاع الذي كان يتنازعه جرير والفرزدق والأخطل، وظهرت العلوم تزاحم الأدب والشعر، وفشا اللحن بين الموالي الذين دخلوا في الإسلام، وأفسدوا حتى على العرب الخالصة لغتهم، فتحول المربد يؤدي غرضًا يتفق وهذه الحياة الجديدة. أصبح المربد غرضًا يقصده الشعراء لا ليتهاجوا، ولكن ليأخذوا عن أعراب المربد الملكة الشعرية، يحتذونهم ويسيرون على منوالهم، فيخرج إلى المربد بشار وأبو نواس وأمثالهما، ويخرج إلى المربد اللغويون يأخذون اللغة عن أهله ويدوِّنون ما يسمعون، روى القالي في الأمالي عن الأصمعي، قال: «جئت إلى أبي عمرو بن العلاء، فقال لي: من أين أقبلت يا أصمعي؟ قال: جئت من المربد؛ قال: هات ما معك، فقرأتُ عليه ما كتبت في ألْواحي: فمرت به ستة أحرف لم يَعرفها، فخرج يعدو في الدرجة وقال: شمرت في الغريب.. أي غلبتني)؛ والنحويون يخرجون إلى المربد يستمعون من أهله ما يصحح قواعدهم، ويؤيد مذاهبهم، فقد اشتد الخلف بين مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة في النحو، وتعصَّب كلٌّ لمذهبه؛ وكان أهم مدد لمدرسة البصرة هو المربد، وفي تراجم النحاة تجد كثيرًا منهم من كان يذهب إلى المربد يأخذ عن أهله، ويخرج الآباء إلى المربد يأخذون الأدب من جمل بليغة وشعر بليغ وأمثال وحكم، مما خلفه عرب البادية وتوارثوه عن آبائهم كما فعل الجاحظ؛ يقول ياقوت: «إن الجاحظ أخذ النحو عن الأخفش وأخذ الكلام عن النظَّام، وتلقَّف الفصاحة من العرب شِفاهًا بالمربد»، وبذلك كان المربد مدرسة من نوع آخر تغير برنامجها في العصر العباسي عن برنامجها في العهد الأموي، وأدت رسالة في هذا العصر تخالف رسالتها في العصر السابق. آخر الأخبار عن المربد: في ثورة الزنج التي ظهرت في فرات البصرة، وبدأت سنة 255هجرية، حدث قتال بالمربد بين الزنج وجيش الخليفة، فاحترق المربد، روى الطبري قال: يقول ابن سمعان: فإني يومئذ لفي المسجد الجامع؛ إذ ارتفعت نيران ثلاث من ثلاثة أوجه: زهران والمربد وبني حمان في وقت واحد، كأن موقديها كانوا على ميعاد، وجلَّ الخَطب وأيقَن أهل البصرة بالهلاك، وتوالت فيه الحرائق وعوتب شاعر البصرة أبو الحصين بن المثنى على أنه لم يقل شيئًا في حريق المربد، مع أن المربد مِن أجلِّ شوارعها، وسوقه مِن أجلِّ أسواقها، فقال ارتجالًا في آخر حريق لها: أتتكم شهود الهوى تشهد فما تستطيعون أن تجحدوا فيا مربديون ناشدتكم على أنني منكم مجهد جرى نفَسي صاعدًا نحوكم فمن أجلِه احترق المربد وهاجت رياح حنيني لكم وظلت به ناركم تُوقد ولولا دموعي جرت لم يكن حريقكم أبدًا يخمد ويذكر ابن الأثير في حوادث سنة 499 م أن سيف الدولة صدَقةَ بن مزْيد تقاتل مع إسماعيل، فنهبت البصرة وغنم من معه من عرب البر... ولم يسلم منهم إلا المحلة المجاورة لقبر طلحة والمربد، فإن العباسيين دخلوا المدرسة النظامية، وامتنعوا بها وحموا المربد، وعمَّتِ المصيبة بأهل البلد سوى من ذكرنا، ويقول ياقوت: «إن المربد كان سوقًا للإبل، ثم صار محلة عظيمة سكنها الناس، وهو الآن: (عاش ياقوت حتى سنة 626هـ) بائن عن البصرة، بينهما نحو ثلاثة أميال، وكان ما بين ذلك كله عامرًا وهو الآن خراب، فصار المربد كالبلدة المفردة في وسط البرية»، ثم عفا أثر المربد، ولم نعُد نجد له ذكرًا ذا قيمة، وأخنى عليه الذي أخنى على عكاظ، ومات بموته معهدان أدبيان اتصلت حياة الثاني منهما بحياة الأول، فقاما نحو ستة قرون يخرجان شعرًا وأدبًا ونقدًا كان من خير تراث العرب. [1] الأستاذ أحمد أمين، من كبار الكتَّاب في عصره، عالم بالأدب، واسع الاطلاع، منحته جامعة القاهرة لقب (دكتور) فخري سنة 1948، وهو: أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ، اشتهر باسمه (أحمد أمين)، وضاعت نسبته إلى (الطباخ)، ولد بالقاهرة سنة 1295هـ = 1878م، وعاش فيها وتوفي بها سنة 1373هـ = 1954م، أُخذ عليه تأثره إلى درجة كبيرة ببحوث المستشرقين وكتاباتهم عمومًا، وما يتعلق منها بالموقف من الحديث النبوي والموقف من الصحابة خصوصًا، نشرنا له هذه المقالات لتميزها من الناحية الأدبية والتاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إظهارها على شبكة الإنترنت، فلزم التنبيه على مذهبه؛ ليكون المسلم على حذر من ذلك. |
خمس رسائل على كتاب الهداية في الفقه الحنفي للإمام المرغيناني | محمود ثروت أبو الفضل | 26-02-2020 | 26,860 | https://www.alukah.net//culture/0/138837/%d8%ae%d9%85%d8%b3-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d9%81%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%ba%d9%8a%d9%86%d8%a7%d9%86%d9%8a/ | خمس رسائل على كتاب الهداية في الفقه الحنفي للإمام المرغيناني صدر حديثًا خمس رسائل على " كتاب الهداية " في الفقه الحنفي للإمام المرغيناني، وهذه الرسائل للأئمة العمادي والحمزاوي واللكنوي والمطيعي رحمهم لله تعالى، اعتنى بها وعلق عليها: محمد بن عبد الله الشعار، نشر دار الحديث الكتانية. ونجد أن كتاب " الهداية " للإمام برهان الدين أبي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني كان يعتبر من المصادر الأساسية للمؤلفين من بعده في الفقه الحنفي، قال اللكنوي: «كل تصانيفه مقبولةٌ، معتمدة، لا سيما كتاب " الهداية " فإنه لم يزل مرجعًا للفضلاء ومُنظِّرًا للفقهاء». وكتاب " الهداية " شرح لمتن، واختصار لكتاب في وقت واحد، وذلك أنه خطر ببال المؤلف في أول الأمر أن يؤلف كتابًا في الفقه، جامعًا لأنواع المسائل، صغيرًا في الحجم، وكان من متون المذهب المشتهرة إذ ذاك كتابان: الأول: "مختصر القدوري" للإمام أبي الحسين أحمد بن محمد القدوري. الثاني: "الجامع الصغير" للإمام محمد بن الحسن الشيباني. فوقع اختيار صاحب " الهداية " على هذين الكتابين وجمع مسائلهما في كتاب سماه " بداية المبتدي "، اختار فيه ترتيب " الجامع الصغير "، ثم وفق لشرح هذا الكتاب، فشرحه شرحًا طويلًا، وسماه " كفاية المنتهي "، ولما كاد أن يفرغ منه تبين له فيه الإطناب، وخشى أن يهجر لأجله الكتاب، فاختصره من جديد بكتابه هذا الذي سماه " الهداية "، والذي وُضعَ له القبول بين فقهاء المذهب الحنفي. قال محمود بن عبيد الله المحبوبي، عن كتاب الهداية: «كتاب فاخر لم يكتحل عين الزمان بثانيه». وقال العلامة البدر العيني، شارح الهداية، في مطلع شرحه " البناية ": «إن كتاب الهداية قد تباهجت به علماء السلف، وتفاخرت به فضلاء الخلف، حتى صار عمدة المدرسين في مدارسهم، وفخر المصدرين في مجالسهم، فلم يزالوا مشتغلين به في كل زمان، ويتدارسونه في كل مكان، وذلك لكونه حاويًا لكنز الدقائق، وجامعًا لرمز الحقائق، ومشتملًا على مختار الفتاوى، ووافيًا بخلاصة أسرار الحاوي، كافيًا في إحاطة الحادثات، وشافيًا في أجوبة الواقعات، موصولًا في قواعد عجيبة، ومفصلًا على قواعد غريبة، وماشيًا على أصول مبنية، وفصول رصينة، ومسائل غريزة، وترتيب أنيق، وترکيب حقيق.... » انتهى. ونجد أن المرغيناني مال في كتابه للمقارنة بين المذهب الحنفي وغيره من المذاهب، حيث اهتم بذكر خلاف المذاهب الأخرى في كثير من مسائله مما يجعل لكتابه مكانة ومنزلة بين كتب الفقه بعامة، فهو في عداد كتب الفقه المقارن، كما اهتم بذكر الاختلاف بين الإمام الأكبر وصاحبيه وما فيه من اختلاف الروايات عنهم. وكذلك يذكر أقوال مشايخ المذهب المعتبرين في كثير من المسائل مما يجعل للكتاب مكانة علمية بين كتب المذهب بخاصة. ونتيجة لأهمية هذا المتن وشهرته تناوله العديد من العلماء بالشرح والتعقيب والحواشي على متنه، وتخريج أحاديثه، ونظم متنه، وذكر صاحب " الكشف " من شروح " الهداية " والتعليقات عليها والتخاريج لأحاديثها ما يجاوز ستين كتابًا، ولو ضممنا ما صنف بعد صاحب الكشف لصار العدد أزيد بكثير. وأغلب هذه الشروح والمختصرات طبع مرارًا، خاصةً أنها كانت لأئمة كبار كالشيخ القاضي شمس الدين أبي العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي، وابن التركماني، والعيني المصري، والزيلعي، وعبد الله بن أحمد النسفي، والسغناقي الحنفي، وابن عبد الحق الواسطي الفقيه المحدث، والنابلسي، وطاش کبرى زاده... وغيرهم كثير. وقد جمع المحقق خمس رسائل غير شهيرة من جملة تلك الرسائل الغزيرة تناولها بتحقيق مخطوطاتها والتعليق على ما جاء فيها، وخدمتها، وإخراجها من جديد في تلك الرسالة الجامعة وهي: 1- " العقد الثمين في ترجمة صاحب الهداية برهان الدين " وهي ترجمة للإمام المرغيناني أفرده بها العلامة حامد بن علي العمادي، صاحب الفتاوى الحامدية، المفتي الدمشقي الحنفي المتوفي سنة 1171 هـ رحمه الله. 2- " مصباح الدراية في اصطلاح الهداية " لمفتي دمشق الشام، ومدير المعارف محمود أفندي الحمزاوي. رحمه الله تعالى. وهي مجموعة من الحواشي في اصطلاحات "الهداية"، وقال في مقدمتها: «الحمد لله الذي تفضل علينا بالهداية إلى الإسلام، ومنَّ علينا برسالة سيدنا محمد خير الأنام، صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى ونور الظلام، ما سجع على أفنان أشجار الحدائق حمام. أما بعد: فإن كتاب الهداية للإمام برهان الدين أبي الحسن عليّ بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغناني الذي شرح به متنه المسمى: بـ(البداية) هو من أجلِّ الكتب التي يعول في الأحكام الشرعية عليها، ومن أوثق ما يرجع في مسائل الفتوى إليها، وكيف لا وقد بقي صائمًا في تصنيفه ثلاث عشرة سنة، وكانت وفاته سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة، وقد اعتنى في شروحه الأئمة الأعلام، في سائر بلاد الإسلام، حتى زادت شروحه عن الستين فيما أعلم، وما ذاك إلا لاعتمادهم عليه، إذ أمر صحته ومتانة عبارته عند الكل معلوم ومسلم، كما قيل: إنَّ الهدايةَ كالقرآنِ قد نَسخَتْ ما ألَّفوا قبلَها في الشَّرعِ من كتبِ فاحْفَظْ قواعدَها واسلُكْ مسَالكَهَا يسْلَمْ مقالُك من زَيغٍ ومن كَذِبِ غير أن مدارك غورها بعيدة، وميادين جولانها مديدة، ومسائل أصولها سديدة، تحتاج إلى تدقيق نظر، وتعميق فكر، ومعرفة ما اصطلح عليه المؤلف - رحمه الله تعالى- من العبارة، وممارسة ما أومأ إليه من رقيق الإشارة، فإن غير الممارس لا ينتبه إلى سبكها ورقمها، فتفوته دقائق معانيها ورقائق حكمها، فأريت أن أجمع ما وقفت عليه من اصطلاحاته، وما مشى عليه من دأبه وتلميحاته، مما عثرت به أو نبه عليه من ألف كتابه تدريسًا من المشايخ المتقنين، والأئمة الأعلام المدققين، كالمولى أبي السعود العمادي وغيره أملًا بالانتفاع وشفقة عليه من الضياع، وليكون المتأمل في عبارته على بصيرة في ذلك، ويقف ما في زواياها من الخبايا والمسالك، كيلا يركب متن عميا، فيخبط خبط عشوا، وسميت هذه الرسالة: "مصباح الدراية في اصطلاح الهداية"». 3- " مذيلة الدراية لمقدمة الهداية " تأليف العلامة أبي الحسنات محمد بن عبد الحي اللكنوي الهندي ت: 1304 هـ، قسم هذه المقدمة إلى عدة أقسام وجزئيات، الأولى في تراجم من ذكر في المجلدين الأولين من الهداية، أخذًا ترجماتهم من التهذيب وتهذيبه وتذهيبه والإصابة وغيرها من كتب التراجم، الثانية في بيان وشرح بعض الأمور المبهمة التي وردت في النصف الأول من كتاب الهداية، الثالثة في أسماء القبائل ونحوها التي وردت في الهداية، الرابعة عرف فيه الأمكنة والأمصار، والخامسة لبيان المسامحات التي وقعت من صاحب الهداية في النصف الأول، و فرغ من تأليفه يوم السبت 16 ربيع الثاني سنة 1287 هـ. 4- " عمدة الرعاية لحل ما في شرح الهداية " للعلامة اللكنوي ت: 1304 هـ، وهو حاشية على كتاب النقاية شرح الوقاية لتاج الشريعة محمود المحبوبي الحنفي، ( والنقاية هو أحد المتون الفقهية الأربعة المعتمدة لدى الحنفية ). والنقاية هو شرح لكتاب ( وقاية الرواية في مسائل الهداية ) وهي مختصر للهداية، لتاج الشريعة. و( الهداية ) شرح بداية المبتدي للعلامة المرغيناني. 5- " بغية أهل الدراية من ختم كتاب الهداية " للعلامة محمد بخيت المطيعي، وتشتمل هذه الرسالة على نبذة صغيرة في هدى التشريع الديني وقت ختمه لشرح كتاب الهداية كما صرح بذلك في مقدمة رسالته. |
عكاظ والمربد (3) | أحمد أمين | 25-02-2020 | 3,708 | https://www.alukah.net//culture/0/138823/%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a8%d8%af-3/ | عكاظ والمربد (3) للأستاذ أحمد أمين [1] المربد: أما المِرْبد - على وزن مِنْبر - فضاحية من ضواحي البصرة في الجهة الغربية منها ما يلي البادية، بينه وبين البصرة نحو ثلاثة أميال، كان سوقًا للإبل، قال الأصمعي: «المربد كل شيء حبست به الإبل والغنم... وبه سُميت مربد البصرة، وإنما كان موضع سوق الإبل» [2] ، وهو واقع على طريق من ورد البصرة من البادية ومن خرج من البصرة إليها، ويظهر أنه نشأ سوقًا للإبل، أنشأه العرب على طرف البادية يقضون فيه شؤونهم قبل أن يدخلو الحضر أو يخرجوا منه. وقد كان العرب في بادية العراق قبل الفتح الإسلامي، ونزلت فيه قبائل من بكر وربيعة، وكوَّنوا فيه أمارة المناذرة في الحيرة، فكان هذا الإقليم معروفًا لهم، وكانت الرحلات من البادية إلى العراق، ومن العراق إلى البادية في حركة مستمرة، (ومعلوم أن البصرة إنما خططت في الإسلام في عهد عمر بن الخطاب، ونزل بها العرب على منازلهم من يمنية ومضرية)، ولكن يظهر أن المربد كان قبل أن تخطط البصرة، وكان قبل الإسلام، وربما فهم ذلك من قول الطبري: بعث عمر بن الخطاب عتبة بن غزوان، فقال له: انطلق أنت ومن معك حتى إذا كنتم في أقصى أرض العرب وأدنى أرض العجم، فأقيموا، فأقبلوا حتى إذا كان بالمربد، وجدوا هذا الكذان، قالوا: ما هذه البصرة [3] . وقال في اللسان (في مادة ب ص ر)، وقال ابن شميل: البصرة أرض كأنها جبل من جص، وهي التي بنيت بالمربد، وإنما سُميت البصرة بصرة بها، ولكن أخباره في الجاهلية منقطعة أو معدومة؛ مما يدل على قلة خطره إذ ذاك، إنما كان له الخطر بعد أن فتح العرب العراق، وسكنوه وخططوا البصرة، فقد أنشئت فيه المساكن بعد أن كان مربدًا للإبل فقط، واتصلت العمارة بينه وبين البصرة [4] حتى قالوا فيه: (العراق عين الدنيا، والبصرة عين العراق، والمربد عين البصرة، ودارين عين المربد) [5] . وقد كان المربد في الإسلام صورة معدلة لعكاظ، كان سوقًا للتجارة، وسوقًا للدعوات السياسية، وكان سوقًا للأدب؛ جاء في كتاب (ما يعول عليه): المربد كل موضع حبست فيه الإبل، ومنه سمي مربد البصرة لاجتماع الناس وحبسهم النَّعم فيه، كان مجتمع العرب من الأقطار، يتناشدون فيه الأشعار، ويبيعون ويشترون وهو ( كسوق عكاظ )، وقال العيني: (مربد البصرة... محلة عظيمة فيها (البصرة) من جهة البرية، كان يجتمع العرب من الأقطار ويتناشدون الأشعار ويبيعون ويشترون) [6] . وليس يهمنا هنا أثره السياسي والأدبي، وهما مرتبطان بعضهما ببعض أشد الارتباط، فلا داعي للتفريق بينهما، فقد كانت الأحزاب السياسية تنتج أدبًا من خطب وشعر، وكانت الخطب والشعر تقوي الأحزاب السياسية، وتساعد في تكوينها والحروب بينهما. المربد في عصر الخلفاء الراشدين: كانت أهم الأخبار في ذلك العصر ما كان بعد قتل عثمان بن عفان من سير عائشة أم المؤمنين إلى البصرة، فإنها نزلت بفضاء البصرة، ورأت أن تبقى خارجها، حتى ترسل إلى أهلها تدعوهم بدعوتها، وهي المطالبة بدم عثمان، وبعبارة أخرى الخروج على عليَّ، وكان معها طلحة والزبير، ثم سارت إلى المربد معهما، وخرج إليها من قبل دعوتها، وخرج إلى المربد كذلك عامل عليَّ على البصرة، وهو عثمان بن حنيف ومن يؤيده، وأصبح المربد وهو يموج بمن أتى من الحجاز ومن خرج من البصرة، حتى ضاق المربد بمن فيه، ورأينا المربد مجالًا للخطباء ممن يؤيد عائشة ومن معها، ومن يؤيد عليًّا وعامله، أصحاب عائشة في ميمنة المربد وأصحاب علي في ميسرته، ويخطب في المربد طلحة ويمدح عثمان بن عفان، ويعظم ما جنى عليه ويدعو إلى الطلب بدمه، ويخطب الزبير كذلك، وتخطب عائشة أم المؤمنين بصوتها الجهوري ويؤيدهم في ميمنة المربد، ويقولون: صدقوا وبروا، وقالوا الحق وأمروا بالحق، ويؤثر قول عائشة في أهل الميسرة، فينحاز بعضهم إليها، ويبقى الآخرون على رأيهم، وعلى رأسهم عثمان بن حنيف، ويخطبون كذلك يبينون خطأَ الدعوة، وأن طلحة والزبير بايعا عليًّا، فلا حق لهما في الخروج عليه، ويؤيدهم أبو الأسود الدؤلي وأمثاله [7] . وهكذا ينتقل المربد إلى مجمع حافل، فيه الدعوات السياسية مؤيدة بالحجج والبراهين، وفيه معرض البلاغة من خطب طويلة وجمل قصيرة متينة، وفيه الجدل والمناظرة، وبحث أهم الأحداث في ذلك العصر، وهو مقتل عثمان بن عفان، وتحديد المسؤولية في قتله، ولم تفد هذه الحرب اللسانية، فانتقلت إلى حرب بالسلاح، وأصبح المربد ساحة للقتال. المربد في عهد بني أمية: كان العصر الأموي أزهى عصور المربد؛ ذلكم لأن العرب كانوا قد هدؤوا من الفتح، واستقرت الممالك في أيديهم، وأصبح العراق مقصد العرب، يؤمه من أراد الغنى وخاصة البصرة، جاء في الطبري (أن عمر بن الخطاب سأل أنس بن حجية، وكان رسولًا إلى عمر من العراق، فقال له عمر: كيف رأيت المسلمين؟ فقال: انثالت عليهم الدنيا، فهم يُهيلون الذهب والفضة، فرغب الناس في البصرة، فأتوها)، وكان المربد باب البصرة يمر به من أرادها من البادية، ويمر به من خرج من البصرة إلى البادية، ويقطنه قوم من العرب كرهوا معيشة المدن، ويقصده سكان البصرة يستنشقون منه هواء البادية، فكان ملتقى العرب، وكانوا يحيون فيه حياة تشبه حياة الجاهلية من مفاخرة بالأنساب وتعاظم بالكرم والشجاعة، وذكر لما كان بين القبائل من أحن، فالفرزدق يقف في المربد ينهب أموالَه فعل كرماءِ الجاهلية، (حُكي في النقائض أن زياد بن أبي سفيان كان ينهى أن يَنهَب أحد مال نفسه، وأن الفرزدق أنهب أمواله بالمربد، وذلك أن أباه بعث معه إبلًا ليبيعها، فباعها وأخذ ثمنها، فعقد عليه مِطرفَ خزٍّ كان عليه، فقال قائل: لشد ما عقدت على دراهمك هذه، أما والله لو كان غالب ما فعل هذا الفعل، فحلها ثم أنهبها، وقال: من أخذ شيئًا فهو له، وبلغ ذلك زيادًا، فبالغ في طلبه فهرب... فلم يزل في هربه يطوف في القبائل والبلاد حتى مات زياد) [8] . وكان الأمويون على وجه العموم يعيشون عيشة عربية ويحتفظون بعربيتهم، وإن أخذوا شيئًا من الحضارة صبغوه بصبغتهم، وحوَّلوه إلى ذوقهم، وكذلك فعل عرب البصرة، أرادوا أن يكون لهم من مربد البصرة ما كان لهم من سوق عكاظ في الحجاز، فبلغوا غايتهم، وأحيوا العصبية الجاهلية، وساعد الخلفاء الأمويون أنفسهم على إحيائها لما كانوا يستفيدون منها سياسيًّا، فرأينا ظل ذلك في الأدب والشعر، ورأينا المربد في العصر الأموي يزخر بالشعراء يتهاجون ويتفاخرون، ويعلي كل شاعر من شأن قبيلته ومذهبه السياسي، ويضع من شأن غيره من الشعراء ومذاهبهم السياسية. ومن أجل هذا خلف لنا المربد أجَلَّ شعرٍ أموي من هذا النوع، فكثير من نقائض جرير والفرزدق والأخطل، كانت أثرًا من آثار المربد قِيلت فيه، وصدرت عما كان بينهم من منافرة وخصومة، يروي الأغاني أن جريرًا والفرزدق اجتمعا في المربد، فتنافرا وتهاجَيا وحضرهما العجاج والأخطل وكعب بن جعيل... إلخ في خبر طويل [9] . كان كل من جرير والفرزدق يلبس لباسًا خاصًّا، ويخرج إلى المربد ويقول قصائده في الفخر والهجاء، والرواة يحملون إلى كليهما ما قاله الآخر، فيرد عليه؛ قال أبو عبيدة: (وقف جرير بالمربد وقد لبس درعًا وسلاحًا تامًّا، وركب فرسًا أعاره إياه أبو جهضم عباد بن الحصين)، فبلغ ذلك الفرزدق فلبس ثيابَ وشي وسوارًا، وقام في مقبرة بني حصن ينشد بجرير والناس يسعون فيما بينهما بأشعارهما، فلما بلغ الفرزدق لباس جرير السلاح والدرع، قال: عجبتُ لراعي الضَّأنِ في حُطميَّةٍ *** وفي الدِّرعِ عبدٌ قد أُصيبتْ مقاتِلُه ولما بلغ جريرًا أن الفرزدق في ثياب وشى قال: لبستُ سلاحي والفرزدقُ لُعْبةٌ *** عليه وشاحا كرْجٍ وجلاجلُه [10] وما زالا كذلك يتهاجيان ويقولان القصائد الطويلة الكثيرة، حتى ضج والي البصرة فهدم منازلهما بالمربد، فقال جرير: فما في كتاب الله تهديم دارنا *** بتهديم ماخور خبيث مداخله [11] [1] الأستاذ أحمد أمين، من كبار الكتَّاب في عصره، عالم بالأدب، واسع الاطلاع، منحته جامعة القاهرة لقب (دكتور) فخري سنة 1948، وهو: أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ، اشتهر باسمه (أحمد أمين)، وضاعت نسبته إلى (الطباخ)، ولد بالقاهرة سنة 1295هـ = 1878م، وعاش فيها وتوفي بها سنة 1373هـ = 1954م. أُخذ عليه تأثره إلى درجة كبيرة ببحوث المستشرقين وكتاباتهم عمومًا، وما يتعلق منها بالموقف من الحديث النبوي والموقف من الصحابة خصوصًا، نشرنا له هذه المقالات لتميزها من الناحية الأدبية والتاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إظهارها على شبكة الإنترنت، فلزم التنبيه على مذهبه؛ ليكون المسلم على حذر من ذلك. [2] "لسان العرب" في (ر ب د)، ومعجم ياقوت في (مربد). [3] "تاريخ الطبري" 1 : 1166. [4] "معجم ياقوت" في مادة (مربد). [5] "عيون الأخبار" 2 :222. [6] "عقد الجمان" مخطوط بدار الكتب جزء 4 : 93. [7] انظر القصة بطولها في الطبري جزء 1 : ص 2531 طبع أوربا وفيه بعض ما قيل من الخطب في المربد في ذلك اليوم. [8] "النقائض" 607 ، 608. [9] "النقائض" 624. [10] "الأغاني" 4 /122. [11] "النقائض" 683. |
دولة زنجبار العربية لنورمان بينيت | محمود ثروت أبو الفضل | 25-02-2020 | 3,758 | https://www.alukah.net//culture/0/138821/%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%b2%d9%86%d8%ac%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%86%d9%88%d8%b1%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%aa/ | دولة زنجبار العربية لنورمان بينيت صدر حديثًا ترجمة لكتاب "د ولة زنجبار العربية، لمحة تاريخية " لمؤلفه: " نورمان بينيت "، ترجمة المترجمة العمانية " رحمة الحبسي "، وذلك عن دار الرافدين للنشر والتوزيع. ويتناول الكتاب دراسة تاريخية لتاريخ الوجود العربي في زنجبار، والأسر التي تعاقبت على حكمها مثل الدولة اليعربية التي وقفت في وجه المستعمر البرتغالي، ومرورًا بسلاطين الأسرة البوسعيدية، وحتى الانقلاب الدموي في يناير 1964 م. وربما لا يعرف البعض أن زنجبار كانت أرضًا مسلمة منذ القرن الأول الهجري، حكمها العرب العمانيون قرابة الألف عام، وقد تم ضم الجزيرة - قسرًا - مع منطقة " تنجانيقا " على يد القوى الاستعمارية الأوروبية التي تكالبت على السلطنات الإسلامية شرق إفريقيا واقتطعت أوصالها، وكان من نتائج الكيد للمسلمين العرب في سلطنة " زنجبار " أن وقعت مذبحة مروعة ذهب ضحيتها 20 ألف مسلم في أيام معدودة، واُقتسمت السلطنة ليتم تشكيل ما يسمى الآن بدولة " تنزانيا " وطرد آخر سلاطين الأسرة البوسعيدية خارج زنجبار. لكن الآثار العمرانية الاقتصادية والإسلامية في زنجبار ما زالت شاهدة على الأخوة الضاربة بجذورها في أعماق التاريخ بين الحضارتين العمانية والزنجبارية، كما يشهد جهل الكثيرين - في الوقت الحاضر - بتاريخ هذه السلطنة الإسلامية على مدى التدهور الحضاري والتاريخي الذي وصل إليه المسلمون في القرن الحديث. حيث نجد أن كثيرًا من مؤرخي الساحل الأفريقي يؤكدون أنه كان للعرب العمانيين مراكز في القارة الأفريقية وكانت لهم قوات وسلطات متصلة من بر الصومال إلى مدغشقر منذ النصف الأول للقرن الأول الميلادي، ولقد زار ابن بطوطة الرحالة المغربي العربي الساحل الأفريقي ووصف بدقة تلك الآثار القديمة الموجودة في سواحل إفريقيا الشرقية من قصور وقبور ومساجد، ويقول المؤرخ الأمير " شكيب أرسلان " في كتابه " حاضر العالم الاسلامي " إن العرب العمانيين قد تملكوا الجزر والسواحل في شرق أفريقيا، وجاء البرتغاليون فانتزعوها من أيديهم عام 1503م، ثم استردها "سلطان بن سيف" الذي طرد البرتغاليين من كل من ممباسة، وكلوة، وبمبا، وأرسى أول دولة عمانية مستقرة في أفريقية الشرقية. وكان سقوط هذه السلطنة الزاهرة نتيجة لضعف القوى الإسلامية بدايات القرن التاسع عشر، حيث رغم قوة سلاطين الدولة البوسعيدية الذين طردوا المستعمرين البرتغاليين وقعت البلاد أخيرًا تحت الحماية البريطانية أكثر من سبعين عامًا، بذرائع عديدة منها إبطال تجارة الرقيق في الساحل الأفريقي، وذلك في عام 1890 م، حتى دبروا أخيرًا - بعد خروج بريطانيا من البلاد - قيام ثورة انقلابية ضد حكم العرب وذلك عام 1964 م، وطُرِدَ آخر سلاطين الأسرة البوسعيدية السلطان "جمشيد بن عبد الله" فارًا من البلاد لتحدث حالة من الفوضى على يد النصارى انتهت بترصد كل عربي مسلم وأتباعهم من الهنود، وطردهم من الجزيرة مع قتل من تعذر خروجه. لذا كانت هذه الدراسة هامة من الناحية التاريخية التوثيقية حيث اتبع "نورمان بينيت" نهجًا قائمًا على الإحصائيات والروايات التي وثقها العديد ممن عاشوا وعملوا في شرق أفريقيا وتحديدًا في جزر زنجبار وممبا، وذلك خلال فترة حكم سلاطين الدولة البوسعيدية ومن سبقهم، وتتبع الكاتب تاريخ زنجبار وبدء قيامها كدولة قوية على أيدي البوسعيد وازدهارها في عهد السيد "سعيد بن سلطان" . وتطرق الكاتب لعدة قضايا شائكة في تاريخ زنجبار بصورة محايدة، ومنها قضية الإتجار بالرقيق وجهود السيد "سعيد بن سلطان" ومن جاء بعده من سلاطين البوسعيد في اجتثاث هذه التجارة من أصولها. كما قدم الكاتب صورة مفصلة عن الوضع الاقتصادي والمالي لزنجبار خلال فترة حكم السلاطين العرب، وتناول كذلك دور الجمارك وتجارة القرنفل في انتعاش زنجبار اقتصاديًا، وتناول الكاتب صراع القوى الاستعمارية الكبرى في زنجبار، والأسباب التي أدت إلى خسارتها للاستقلال، ووقوعها تحت الحماية البريطانية، والظروف الاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بالانقلاب. جدير بالذكر أن كلمة زنجبار عربية أو فارسية الأصل. واشتق الفرس تلك الكلمة من كلمتين فارسيتين تعنيان (بر الزنج) . أما العرب فنحتوا لها اسمًا يعني ( زين ذا البر) . وهو لقب يشير إلي جمال هذه البلاد الأخاذ. وكتب نورمان بينيت في مقدمة تاريخه لتلك الدولة الخلابة يقول: "انبهر زائر زنجبار في مطلع القرن العشرين من أول نظرة عليها، فقال: "من اليقين أنه لا شئ أجمل منها علي وجه البسيطة، مشاركًا بذلك الانطباع المشترك الذي خرج به معظم من زاروا تلك الجزيرة الواقعة بالمحيط الهندي". |
عكاظ والمربد (2) | أحمد أمين | 24-02-2020 | 4,222 | https://www.alukah.net//culture/0/138799/%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a8%d8%af-2/ | عكاظ والمربد (2 ) للأستاذ أحمد أمين [1] وقد يتفاخر الرجلان من قبيلتين، فيفخر كلٌّ بقبيلته ومكارمها، فيتحاكمان إلى حكم عكاظ، كما فعل رجل من قضاعة فأقرَّ رجلًا من اليمن، فتحاكما إلى ذلك الحكم. ومن كان داعيًا إلى إصلاح اجتماعي أو انقلاب ديني، كان يرى أن خير فرصة له سوق عكاظ، والقبائل من أنحاء الجزيرة مجتمعة، فَمَنْ قَبِلَ الدعوة كان من السهل أن يكون داعيًا في قومه إذا دعا إليهم، فنرى قُسَّ بن ساعدة يقف بسوق عكاظ يدعو دعوته، ويخطب فيها خطبته المشهورة على جمل له أورق، فيرغِّب ويُرهِّب ويحذِّر ويُنذر. ولما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، اتَّجه إلى دعوة الناس بعكاظ؛ لأنها مجمع القبائل، روى الواقدي أن رسول الله أقام ثلاث سنين من نبوته مستخفيًا، ثم أعلن في الرابعة فدعا عشر سنين، يوافي الموسم، يتبع الحُجاج في منازلهم بعكاظ والمجنة وذي المجاز، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلِّغ رسالة ربه ولهم الجنة، فلا يجد أحدًا ينصره حتى إنه يسأل عن القبائل ومنازلهم قبيلة قبيلة، حتى انتهى إلى بني عامر بن صعصعة، فلم يلق من أحد من الأذى ما لقي منهم، وفي خبر آخر أنه أتى كندة في منازلهم بعكاظ، فلم يأت حيًّا من العرب كان ألينَ منهم، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في الموسم فيدعو القبائل فما أحد من الناس يستجيب له نداءه، ويقبل منه دعاءه، فقد كان يأتي القبائل بمجنة وعكاظ ومِنًى، حتى يستقبل القبائل، يعود إليهم سنة بعد سنة حتى كان من القبائل من قال: أما آن لك أن تيئَس منَّا؟ من طول ما يعرض عليهم نفسه حتى استجاب هذا الحي من الأنصار. وروى اليعقوبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قام بسوق عكاظ عليه جُبة حمراء، فقال: يا أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تُفلحوا وتنجحوا، ويتبعه رجل يكذبه، وهو أبو لهب بن عبدالمطلب، كذلك كان لعكاظ أثرٌ كبير لغوي وأدبي، فقد رأينا قبائل العرب على اختلافها من قحطانيين وعدنانيين تنزل بها، وملك الحيرة يبعث تجارته إليها، ويأتي التجار من مصر والشام والعراق، فكان ذلك وسيلة من وسائل تفاهم القبائل وتقارب اللهجات، واختيار القبائل بعضها من بعض ما ترى أنه أليق بها وأنسب لها، كما أن التجار من البلدان المتمدنة كالشام ومصر والعراق، كانوا يطلعون العرب على شيء مما رأوا من أحوال تلك الأمم الإجماعية، وفوق هذا كانت عكاظ معرضًا للبلاغة ومدرسة بدوية يُلقى فيها الشعر والخطب، وينقد ذلك كله ويُهذَّب، قال أبو المنذر: «كانت بعكاظ منابر في الجاهلية يقوم عليها الخطيب بخطبته وفعاله، وعَدِّ مآثره وأيام قومه من عام إلى عام، فيما أخذت العرب أيامها وفخرها»، وكانت المنابر قديمة يقول فيها حسان: أُولاءِ بنو ماءِ السماء توارَثوا دمشق بملكٍ كابرًا بعد كابرِ يؤمُّون مُلك الشام حتى تمكَّنوا ملوكًا بأرض الشام فوق المنابرِ فيقف أشراف العرب يفخرون بمناقبهم ومناقب قومهم ... فبدر بن معشر الغفاري كان رجلًا منيعًا مستطيلًا بمنعته على مَن ورد عكاظ، فاتخذ مجلسًا بهذه السوق وقعد فيه، وجعل يبرح على الناس ويقول: نحن بنو مدركة بن خندف من يطعنوا في عينه لا يطرف ومن يكون قومه يغطرف كأنهم لجَّة بحر مُسدَف فيقوم رجل من هوازن فيقول: أنا ابن همدان ذوي التغطرف بحر بحور زاخر لم ينزف نحن ضربنا ركبة المخندف إذ مدَّها في أشهر المعرف وعمر بن كلثوم يقوم خطيبًا بسوق عكاظ وينشد قصيدته المشهورة: ألا هبي بصَحنك فأصبحينا والأعشى يوافي سوق عكاظ كل سنة، ويأتي مرة فإذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها، فينشدهم الأعشى في مدح المحلق، والنابغة الذبياني تضرب له قبة أدم بسوق عكاظ يجتمع إليه فيها الشعراء، فيدخل إليه حسان بن ثابت وعنده الأعشى والخنساء، فينشدونه جميعًا، ويفاضل بينهم، وينقد فيما زعموا قول حسان: لنا الجفنات الغر يلمعن في الضحى فيقول لحسان: قلْلَت العدد، ولو قلت: الجفان، لكان أكثر، وقلت: يلمعن بالضحى، ولو قلت: يبرقن بالدجى، لكان أبلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقًا. ودريد بن الصمة يمدح عبدالله بن جدعان بعد أن هجاه، فيقول: إليك ابن جدعان أعملتها = محففة للسرى والنصب ...إلخ. وقس بن ساعدة يخطب الناس خطبته المشهورة، فيذكرهم بالله والموت ورسول الله يسمع له، والخنساء تسوم هودجها براية، وتشهد الموسم بعكاظ، وتعاظم العرب بمصيبتها في أبيها عمرو بن الشريد، وأخويها صخر ومعاوية، وتنشد في ذلك القصائد، فلما وقعت وقعة بدر وقتل فيها عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، أقبلت هند بنت عتبة إلى عكاظ، وفعلت كما فعلت الخنساء، وقالت اقرنوا جملي بجمل الخنساء، ففعلوا، فعاظمت هند الخنساء في مصيبتها وتناشدتا الأشعار: تقول إحداهما قصيدة في عظم مصيبتها، وترد الأخرى عليها، وعلى الجملة فكانوا في عكاظ يتبايعون ويتعاكظون ويتفاخرون ويتحاجون، وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وفي ذلك يقول حسان: سأنشر ما حييت لهم كلامًا *** ينشر في المجامع من عكاظ فمن هذا كله نرى كيف كانت عكاظ مركزًا لحركة أدبية ولغوية واسعة النطاق، كما كانت مركزًا لحركة اجتماعية واقتصادية. نظام سوق عكاظ : كانت القبائل (كما أسلفنا) ، تنزل كل قبيلة منها في مكان خاص بها، ثم تتلاقى أفراد القبائل عند البيع والشراء، أو في الحلقات المختلفة، كالذي حكينا أن الأعشى رأى الناس يجتمعون على سرحة، أو حول الخطيب يخطُب على منبر، أو في قباب من أدم تقام هنا وهناك، ويختلط الرجال بالنساء في المجامع، وقد يكون ذلك سببًا في خطبة أو زواج أو تنادر، وكانت تحضر الأسواق (وخاصة سوق عكاظ) أشراف القبائل، وكان أشرف القبائل يتوافون بتلك الأسواق مع التجار، من أجل أن الملوك كانت ترضخ للأشراف، لكل شريف بسهم من الأرباح، فكان شريف كل بلد يحضر سوق بلده، إلا عكاظ فإنهم كانوا يتوافون بها من كل أوب). والظاهر أن المراد بالملوك هم الأمراء ورؤساء القبائل الذين يرسلون بضائعهم لبيعها في أسواق العرب؛ كملك الحيرة والغساسنة، وأمراء اليمن ونحوهم، (وكانت القبائل تؤتي لرؤسائها إتاوة في نظير إقامتهم بالسوق، فقد ذكر اليعقوبي في تاريخه أخبار أسواق كثيرة كان يعشرها أشرافها) ؛ أي: يأخذون العشر، وفي عكاظ كانت القبائل تدفع لأشرافها هذه الإتاوة، (فهوازن كانت تؤتي زهير بن جذيمة الإتاوة كل سنة بعكاظ، وهو يسومها الخسف، وفي أنفسها منه غيظ وحقد) ، وكانت الإتاوة سمنًا وأقطًا وغنمًا، (وكان عبدالله بن جعدة سيدًا مطاعًا، وكانت له إتاوة بعكاظ يؤتى بها، ويأتي بها هذا الحي من الأزد وغيرهم، ومن هذه الإتاوة ثياب) . وكان الأشراف يمشون في هذه الأسواق ملثمين، ولا يوافيها (عكاظ) شريف إلا وعلى وجهه برقع، مخافة أن يؤسر يومًا، فيكبر فداؤه، فكان أول من كشف طريف العنبري، لما رآهم يطلعون في وجهه ويتفرسون في شمائله، قال: قبح من وطن نفسه إلا على شرفه، وحسر عن وجهه وقال: أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إليَّ عريفهم يتوسم فتوسموني إنني أنا ذلكم شاكي السلاح وفي الحوادث معلم إلى آخر الأبيات. وكان على سوق عكاظ كلها رئيس إليه أمر الموسم وإليه القضاء بين المتخاصمين، قال أبو المنذر: وتزعم مضر أن أمر الموسم وقضاء عكاظ كان في بني تميم ... وكان من اجتمع له ذلك منهم بعد عامر بن الظرب العدواني سعد بن زيد بن مناة من تميم، وقد فخر المخبل بذلك في شعره: ليالي سعد في عكاظ يسوقها *** له كل شرق من عكاظ ومغرب حتى جاء الإسلام فكان يقضي بعكاظ محمد بن سفيان بن مجاشع. تاريخ عكاظ: من العسير جدًّا أن نحدد بدء عكاظ، فلم نجد في ذلك خبرًا يصح التعويل عليه؛ يقول الآلوسي في بلوغ الأدب: (إنها اتخذت سوقًا بعد الفيل بخمس عشرة سنة) ، ولكن إذا بحثنا في الأحداث التي رويت في عكاظ، وجدنا ذلك غير صحيح، فهم يروون (كما قدمنا) أن عمرو بن كلثوم أنشد قصيدته في عكاظ وعمرو بن كلثوم، كان على وجه التقريب حول سنة500 م. كذلك إذا عدنا إلى ما رواه المرزوقي في الأزمنة والأمكنة عن رؤساء عكاظ، وجدنا أنه عددهم قبل الإسلام عشرة، أولهم عامر بن الظرب العدواني، وهذا (من غبر شك) ، يجعل تاريخ عكاظ أبعد مما يحكي الآلوسي بزمان طويل، كذلك يروي الأغاني أن عبلة زوجة عبدشمس بن عبدمناف باعت أنحاء سمن بعكاظ. وظلت سوق عكاظ تقوم كل سنة وكانت فيها قبيل الإسلام حروب الفجار، وهي حروب أربع وكان سبب الأولى على ما يروى، المفاخرة في سوق عكاظ، وسبب الثانية تعرض فتية من قريش لامرأة من بني عامر بن صعصعة بسوق عكاظ، وسبب الثالثة مقاضاة دائن لمدينهِ مع إذلالهِ في سوق عكاظ، وسبب الأخيرة أن عروة الرجال ضمن أن تصل تجارة النعمان بن المنذر إلى سوق عكاظ آمنة، فقتله البراض في الطريق. فكلها تدور حول سوق عكاظ وهذه الحروب كانت قبل مبعث (النبي صلى الله عليه وسلم) بست وعشرين سنة، وشهدها النبي وهو ابن أربع عشرة سنة مع أعمامه، وقال: كنت يوم الفجار أنبل على عمومتي، واستمرت هذه الحروب نحو أربع سنوات، وقد كانت هناك نزعتان عند أشراف العرب، نزعة قوم يقصدون إلى السلب والنهب، وسفك الدماء لا يصدهم صاد، ولا يرعون حتى الأشهر الحُرم، ويتحرشون بالناس، فيمد أحدهم رجله في سوق عكاظ، ويتحدى الأشراف مثله أن يضربوها فتثور من ذلك الثائرة. وفريق يميل إلى السلم ودرء أسباب الحروب، ونجاح التجارة والأسواق بتأمين السالكين وعدم التعرض لهم بأذى. جاء في تاريخ اليعقوبي: (إنه كان في العرب قوم يستحلون المظالم إذا حضروا هذه الأسواق، فسموا (المحلون) ، وكان فيهم من ينكر ذلك وينصِّب نفسه لنصرة المظلوم، والمنع من سفك الدماء، وارتكاب المنكر، فيسمون الذادة (المحرمون) ، فأما المحلون فكانوا من أسد وطيء وبني بكر بن عبدمناة، وقوم من بني عامر بن صعصعة، وأما الذادة المحرمون، فكانوا من بني عمرو بن تميم وبني حنظلة بن زيد مناة، وقوم من هذيل، وقوم من بني شيبان ... فكان هؤلاء يلبسون السلاح لدفعهم عن الناس. وكان من أشهر الداعين إلى السلم عبدالله بن جدعان، فقد كان إذا اجتمعت العرب في سوق عكاظ، دفعت أسلحتها إلى ابن جدعان، ثم يردها عليهم إذا ظعنوا، وكان سيدًا حكيمًا مثريًا. ويظهر أن أصحاب هذه النزعة الثانية - وهم الذادة - هم الذين سموا هذه الحروب حرب الفجار لِما ارتكب فيها من الفجور وسفك الدماء، وهم الذين تغلبوا فيما بعد، ونجحوا في وقف هذه الحروب، (ودعوا الناس أن يعدوا القتلى، فيدوا من فضلٍ، وأن يتعاقدوا على الصلح فلا يعرض بعضهم لبعض) ، وربما كان من أثر ذلك حلف الفضول، وقد عقد في بيت عبدالله بن جدعان هذا. واستمرت عكاظ في الإسلام، وكان يعين فيها من يقضي بين الناس، فعين محمد بن سفيان بن مجاشع قاضيًا لعكاظ، وكان أبوه يقضي بينهم في الجاهلية، وصار ذلك ميراثًا لهم. ولكن يظهر أن هذه الأسواق ضعف شأنها بعد الفتوح، فأصبحت البلاد المفتوحة أسواقًا للعرب خيرًا من سوق عكاظ، وصار العرب يغشون المدن الكبيرة لقضاء أغراضهم، فضعفت أسواق العرب ومنها عكاظ، ومع ذلك ظلت قائمة، وكان آخر العهد بها قبيل سقوط الدولة الأموية. قال الكلبي: (وكانت هذه الأسواق بعكاظ ومجنة وذي المجاز، قائمة في الإسلام حتى كان حديثًا من الدهر، فأما عكاظ فإنما تركت عام خرجت الحرورية بمكة مع أبي حمزة المختار بن عوف الأسدي الإباضي في سنة129، فخاف الناس أن ينهبوا وخافوا الفتنة، فتركت حتى الآن، ثم تُركت مجنة وذو المجاز بعد ذلك) . واستغنوا بالأسواق بمكة وبمنى وبعرفة ... وآخر سوق خربت سوق حباشة خربت سنة 197. أشار فقهاء أهل مكة على داود بن عيسى بتخريبها، فخرَّبها وتُركت إلى اليوم. فعكاظ عاصرت العصر الجاهلي الذي كان فيه ما وصل إلينا من شعر وأدب، وجرت فيها أحداث تتصل بحياة النبي صلى الله عليه وسلم قُبيل مبعثه، مهَّدت السبيل قبيل الإسلام لتوحيد اللغة والأدب، وعملت على إزالة الفوارق بين عقليات القبائل، وقصدها النبي صلى الله عليه وسلم يبث فيها دعوته، وعاصرت الإسلام في عهد الخلفاء الراشدين، والعهد الأموي، ولكن كانت حياتها في الإسلام أضعف من حياتها قبله، وبدأ ضعفها من وقت الهجرة لما كان من غزوات وحروب بين مكة والمدينة، أو بين المؤمنين والمشركين، فلما فُتحت الفتوح رأى العرب في أسواق المدن المتحضرة في فارس والشام والعراق ومصر عوضًا عنها، ثم كانت ثورة أبي حمزة الخارجي بمكة، فلم يأمن الناس على أموالهم، فخُربت السوق، وخُتمت صحيفة لحياة حافلة ذات أثر سياسي واجتماعي وأدبي. [1] الأستاذ أحمد أمين، من كبار الكتَّاب في عصره، عالم بالأدب، واسع الاطلاع، منحته جامعة القاهرة لقب (دكتور) فخري سنة 1948، وهو: أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ، اشتهر باسمه (أحمد أمين) وضاعت نسبته إلى (الطباخ) ، ولد بالقاهرة سنة 1295هـ = 1878م، وعاش فيها وتوفي بها سنة 1373هـ = 1954م، أُخذ عليه تأثُّره إلى درجة كبيرة ببحوث المستشرقين وكتاباتهم عمومًا، وما يتعلق منها بالموقف من الحديث النبوي والموقف من الصحابة خصوصًا، نشرنا له هذه المقالات لتميُّزها من الناحية الأدبية والتاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إظهارها على شبكة الإنترنت، فلزم التنبيه على مذهبه؛ ليكون المسلم على حذرٍ من ذلك. |
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (136) | أ. د. محمد بن تركي التركي | 24-02-2020 | 2,769 | https://www.alukah.net//culture/0/138785/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-136/ | صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (136) 1- تفسير القرآن، للإمام ابن جريج، تحقيق د. عبدالرحمن بن حسن قائد، دار الكمال المتحدة. 2- معجم شيوخ شرف الدين الدمياطي، قسم المحمدين، تحقيق د. الحسن آيت بلعيد، الدار المغربية، دار الكلمة. 3- منهج الخطيب البغدادي في نقد الحديث من خلال كتابه: تاريخ بغداد، تأليف محمد محب الدين أبو زيد، رسالة دكتوراه، المكتبة العمرية، دار الذخائر. 4- رياض الأنس لعُقَلاءِ الإِنس في معرفة أصل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم منذ ولد إلى أن لُحد وتاريخ الخلفاء بعده، لأبي شجاع شيرويه بن شهردار الديلمي، تحقيق ناصر محمدي جاد، أصول للنشر والتوزيع. 5- التوجه للرب بدعوات الكرب، للسخاوي، تحقيق د. أحمد رجب أبو سالم، دار الكتب العلمية. 6- الضوابط الحديثية لفهم أحاديث الفتن وبيانها، تأليف د. صالح بن نمران الحارثي، دار ابن الجوزي. 7- الوافي في تخريج أحاديث الكافي لابن قدامة، تخريج د. خالد الشلاحي، دار المنهاج القويم، 6ج. 8- خلاصة الأقوال في حديث إنما الأعمال، للكافيجي، ومعه عدة رسائل للمؤلف، تحقيق د. أحمد رجب أبو سالم، دار الضياء، دار الأصالة. 9- المحدثون والسياسة، قراءة في أثر الواقع السياسي على المحدثين، تأليف د. إبراهيم بن صالح العجلان، طبعة جديدة، آفاق المعرفة. 10- أمالي السهيلي في النحو واللغة والحديث والفقه، تحقيق أ.د. محمد إبراهيم البنا، المكتبة العمرية، دار الذخائر. 11- موطأ الإمام مالك، طبعة جديدة من إصدار جمعية المكنز الإسلامي، ٢ ج. 12- سنن الدارقطني، طبعة جديدة من إصدار جمعية المكنز الإسلامي، ٣ ج. 13- مسند الحميدي، طبعة جديدة من إصدار جمعية المكنز الإسلامي، ١ ج. 14- سنن الدارمي، طبعة جديدة من إصدار جمعية المكنز الإسلامي، ٢ ج. 15- المعجم الصغير للطبراني، طبعة جديدة من إصدار جمعية المكنز الإسلامي، ٢ ج. |
أجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشبهات التفصيلية للمعطلة في الصفات الذاتية | محمود ثروت أبو الفضل | 23-02-2020 | 14,056 | https://www.alukah.net//culture/0/138775/%d8%a3%d8%ac%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d9%87%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%b5%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b7%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/ | أجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشبهات التفصيلية للمعطلة في الصفات الذاتية صدر حديثًا كتاب " أجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الشبهات التفصيلية للمُعطلة في الصفات الذاتية "، تأليف: أبي عبد المحسن فيراندا أنديرجا بن عابدين"، بإشراف الشيخ أ. د. " عبدالرزاق بن عبدالمحسن البدر "، وذلك عن دار الخزانة- الكويت. وأصل الكتاب أطروحة علمية تقدَّم بها الباحث لنيل درجة الماجستير في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، تحت إشراف الأستاذ الدكتور "عبدالرزاق البدر " وذلك عام 1430 -1431 هـ. ويتناول الكاتب في رسالته جمع واستقصاء جهود الإمام ابن تيمية في رد شبهات المعطلة لصفات الله تعالى؛ فقد صنَّف ابن تيمية كتبًا كثيرةً خاصةً في الرد على شبهات الفرق، بل غالب مؤلفاته في العقيدة إنما هي في الردُّ على شبهات تلك الفرق بالأدلَّة النقلية والعقلية. فجمعُ كلامه في رد شبهات هؤلاء وإبرازه وتهذيبه من المباحث العلمية الهامة "حتى يكون أسهل لفهم القارئ مهم إلى الغاية"، إلى جانب الامتداد الواضح القوي لمذهب المعطلة وانتشاره العريض في الأماكن المختلفة من العالم الإسلامي. فالجهمية والمعتزلة وإن لم يكن لهم وجود بهذا الاسم الآن إلا أن عقيدتهم في الصفات دخلت على الأشعرية والماتريدية. ثم إن أفكار الفلاسفة قد تغلغلت في عقول كثير من المنتسبين إلى الإسلام لا سيما الدارسين في الجامعات الإسلامية في العالم الإسلامي. إلى جانب انتشار مذاهب الفلسفة وإحيائها من جديد، وظهور الفلاسفة الجدد في الأزمنة المتأخرة الذين قد غَرّوا كثيرًا من الشباب بعقلياتهم - التي هي في الحقيقية من الجهليات - في الأمور الإلهية. وقد ناقش الكاتب أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية ونقدها بالتحليل والإيضاح من خلال المنهجية التالية: 1) الاقتصار في إيراد شبهات المعطلة والمؤولة على ما أورده شيخ الإسلام فقط. 2) إيراد التأويلات التي رد عليها شيخ الإسلام من دون التعرض لشبهات هذه التأويلات إذا كان شيخ الإسلام لم يتعرض لها. 3) محاولة حصر تلك الشبهات والتأويلات التي لها تعلق بالفصول والمباحث موضع الدراسة. 4) محاولة عزو تلك الشبهات والتأويلات إلى قائليها من طوائف المعطلة. 5) 5. محاولة جمع كلامه المتفرق من جميع كتبه المطبوعة في الرد كل شبهة، لأن شيخ الإسلام كثيرًا ما يكرر ردوده في مناسبات مختلفة. وقد قسم الباحث دراسته إلى: مقدمة، وتمهيد، وأربعة فصول، وخاتمة، على النحو التالي: مقدمة: في أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، والدراسات السابقة في موضوع البحث، ومنهجه المتبع في هذه الدراسة. تمهيد: وفيه ترجمة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، والتعريف بمفردات العنوان، مع مبحث في أجوبة شيخ الإسلام ابن تيمية الموجزة عن الأصول التي بنى عليها المعطلة مذهبهم في تعطيل الصفات الذاتية: التشبيه والتجسيم والتركيب وتعدد القدماء. الفصل الأول: يتناول فيه الباحث أجوبة شيخ الإسلام عن الشبهات التفصيلية للمعطلة في صفة العلو، وما أورده الحلولية والاتحادية من شبهاتهم المتعلقة بعلو الله عزَّ وجلَّ واستدلالهم بآيات المعية على أن الله في كل مكان. الفصل الثاني: أجوبة شيخ الإسلام عن الشبهات التفصيلية للمعطلة في مسألة الرؤية، مع بيان مجمل عقيدة أهل السنة في الرؤية وبيان أن ثبوت الحجاب لله من أدلة إثبات الرؤية. الفصل الثالث: أجوبة شيخ الإسلام عن الشبهات التفصيلية للمعطلة في صفات اليدين والوجه والعينين والساق، ومجمل عقيدة أهل السنة في إثبات تلك الصفات لله عز وجل. الفصل الرابع: أجوبة شيخ الإسلام عن الشبهات التفصيلية للمعطلة في صفات النور والعلم والحكمة. خاتمة: في مجمل البحث وأهم نتائجه. وقد خلَص الكاتب في دراستِه إلى النتائج التالية: 1) إن شيخ الإسلام يتحلى بأمانة في نقل شبهات هؤلاء المعطلة من كتبهم ومصادرهم، فشأنه شأن أهل السنة، فقد قال وكيع - رحمه الله -: « أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم». 2) إن الشبهات التي أجاب عنها شيخ الإسلام، وكشف بطلانها من أهم الشبهات التي يدندن حولها أولئك القوم، وغالب الشبهات التي لم يتطرق لها شيخ الإسلام منتقضة بأجوبته المسددة على ما أجاب عنه من شبهاتهم. 3) إنَّ المعطلة ليسوا على قواعد منضبطة في تعطيل الصفات، وإنما قواعدهم مبنية على أهوائهم، وقد كشف ذلك شيخ الإسلامِ من خلال أجوبته عن شبهاتهم. 4) كثيرًا ما يتفق المعطلة على هذه الشبهات مع تشتت مذاهبهم وشدة التنافر بينهم، فوجد المحقِّق أن كثيرًا من الشبهات التي أوردها الأشاعرة هي إرثٌ ورثوه من أسلافهم الجهمية مع أنهم يدَّعون مخالفة الجهمية والرد عليهم. وكذلك وجد كثيرًا من الشبهات يتفق عليها المعتزلة والأشاعرة مع شدة الخصومة بينهم. وهذه الظاهرة ليست بغريبة، فإن المعطلة بنوا مذاهبهم في تعطيل الصفات على أصول ضالة يتفقون عليها. 5) إن شبهات المعطلة مبنية على عقليات فاسدة، ولم يعتمدوا على النصوص ابتداءً، وإنما يلتقطون النصوص التي - في زعمهم - توافق عقلياتهم القاصرة الفاسدة. 6) إن شيخ الإسلام كثيرًا ما يذكر أقوال الأشاعرة المتقدمين ليبرز مدى مخالفة الأشاعرة المتأخرين لهم، وهذا من أقوى الرد على هؤلاء القوم المنتسبين إلى المذهب الأشعري. 7) إن شيخ الإسلام في رد الشبهات قد ينقل كلامًا من المعطلة بل من المتفلسفة إذا كان الكلام موافقًا للحق. فوجدت - مثلًا - كثيرًا ما ينقل عن ابن رشد الحفيد، مع أن شيخ الإسلام قد نبه في أثناء نقله أن ابن رشد يميل إلى مذهب الفلاسفة ويدافع عنه. 8) إن شيخ الإسلام يعتني كثيرًا بإبراز تناقضات المعطلة في أقوالهم، وهذا من أبين الدليل على فساد أقوالهم. 9) إن أجوبة شيخ الإسلام السديدة القوية عن شبهات المعطلة التفصيلية في الصفات الذاتية من أكبر الأدلة على رسوخ عقيدة أهل السنة والجماعة وثباها في الصفات الذاتية حيث لا تزعزعها شبهات المعطلة وتأويلاتهم، بل كم من شبهات أجاب عنها شيخ الإسلام من أوجه كثيرة. 10) إن منهج أهل السنة والجماعة في صفات الله الذاتية قائم على إثبات ما أثبته الله عزَّ وجلَّ لنفسه في كتابه وما أثبته رسوله في الأحاديث الصحيحة، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل. وهذا المنهج مطرد في كل صفات الله عز وجل الثابتة بلا استثناء ولا حاجة فيها لأي تأويل. 11) إن المنهج الذي رسمه شيخ الإسلام في باب الصفات ليس أمرًا مبتدعًا من عنده، بل قد نقل كثيرًا من كلام الأئمة المتقدمين في تقرير منهجه، - بل في أثناء أجوبته عن الشبهات- مما يدل على أن منهجه مستمد من الكتاب والسنة، لذا جاء التوافق بين عقيدة شيخ الإسلام والأئمة المتقدمين. |
الحافظ العلائي | عبدالرحمن محمد أحمد القشقري | 22-02-2020 | 6,651 | https://www.alukah.net//culture/0/138758/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d8%a6%d9%8a/ | الحافظ العلائي هو الشيخ صلاح الدين العلائي، الحافظ المفيد المحدث الفقيه الأصولي الأديب، خليل بن كيكلدي بن عبد الله، الدمشقي الشافعي. وُلِد في أحد الربيعين سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق. بدأ طلبَ العلم صغيرًا حيث ورد أنه سمع " صحيح الإمام مسلم " سنة ثلاثٍ وسبعمائة على الشيخ شرف الدين الفزاري، وسمع البخاري على ابن مشرف سنة أربع وسبعمائة، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها على الشيخ نجم الدين القحفازي، والفقه والفرائض على الشيخ زكي الدين زكوي. ثمَّ جدَّ في طلب الحديث سنة عشر وسبعمائة، وقرأ بنفسه على القاضي سليمان الحنبلي وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم ومن بعدهم حتى بلغ شيوخُه بالسماع نحو سبعمائة شيخ، ومن مسموعاته الكتب الستة وغالب دواوين الحديث [1] . أقوال النقاد فيه: قال السبكي: كان حافظًا ثقة ثبتًا عارفًا بأسماء الرجال والعلل والمتون [2] . وقال ابن كثير: كانت له يدٌ طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللغة، والعربية والأدب [3] . ولو انتقلنا إلى رحلاته فمُصنِّفُنا كان من أولئك الذين ارتحلوا للسماع والأخذ عن الشيوخ، وقد ذكر من ترجم له أنه حجَّ مرارًا، واستقر به المقام في مدينة القدس مدرسًا للحديث في التنكزية. إلى جانب الفتوى والتصنيف، حتى وافاه الأجل المحتوم في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد [4] . مؤلفاته: لقد خلَّف الإمام العلائي مجموعة كبيرة من المؤلفات العلمية التي كان لها الأثر الكبير في إثراء المكتبة الإسلامية، وكانت جُلُّ تلك المصنفات في علم الحديث والرجال وعلوم الفقه وأصوله، وكانت لمؤلفاتِه صدًى واسعًا بين العلماء لا سيما في عصره. فمن مؤلفاته التي خلَّفها لنا بعد وفاته ما يلي: 1) إتمام الفوائد الموصولة في الأدوات الموصولة [5] . 2) إجمال الإصابة في أقوال الصحابة [6] . 3) الأحكام الكبرى. ذكره صاحبُ "الأنُس"، وقال: «علَّق منها قطعةً نفيسةً» [7] . 4) الأربعين في أعمال المتقين [8] . 5) الأربعين الإلهية. 6) الأربعين المغنية بفنونها عن المعين [9] . 7) الأشباه والنظائر [10] . 8) برهان التيسير في عنوان التفسير [11] . 9) بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس [12] . 10) تحفة القادم من فوائد أبي القاسم. 11) تحقيق الكلام في نية الصيام [13] . 12) تحقيق المراد في أنَّ النَّهي يقتضِي الفساد [14] . 13) تفصيل الإجمال في تعارض بعض الأقوال والأفعال [15] . 14) تلقيح الفهوم في صيغ العموم [16] . 15) التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة [17] . 16) تهذيب الأصول إلى مختصر جامع الأصول [18] . 17) توفية الكيل لمن حرَّم لحوم الخيل [19] . 18) تيسير حصول السعادة في تقرير شمول الإرادة [20] . 19) جامع التحصيل لأحكام المراسيل [21] . 20) الدرة السنية في مولد خير البرية. 21) رفع الإشتباه عن حكم الإكراه [22] . 22) رفع الإشكال عن حديث صيام ستة أيام من شوال [23] . 23) شفاء المسترشدين في حكم اختلاف المجتهدين [24] . 24) العدة في أدعية الكرب والشدة [25] . 25) عقيلة الطالب في أشرف الصفات والمناقب [26] . 26) فصل القضاء في أحكام الأداء والقضاء [27] . 27) الفصول المفيدة في الواو المزيدة [28] . 28) الفوائد المجموعة في الفرائد المسموعة [29] . 29) حديث قطَعَ في مِجنٍ وما يتعلق به [30] . 30) كتاب القواعد [31] . 31) كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب [32] . 32) الكلام على حديث ذي اليدين [33] . 33) الكلام في بيع الفضولي [34] . 34) المائة المنتقاة من الترمذي. 35) المائة المنتقاة من صحيح مسلم. 36) المائة المنتقاة من مشيخة الفخر. 37) المباحث المختارة في تفسير آية الدم والكفارة. 38) المجالس المبتكرة [35] . 39) المجموع المذهب في قواعد المذهب [36] . 40) المدلسين [37] . 41) المسلسلات [38] . 42) مقدمة كتاب نهاية الأحكام [39] . 43) منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض [40] . 44) النفحات القدسية [41] . 45) النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح. وهو كتابنا هذا، وسيأتي الكلام عليه. 46) الوشي المعلم في من روى عن أبيه عن جده [42] . 47) منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة [43] . المصدر: مقدمة كتاب "النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح" للحافظ العلائي، بدون دار نشر، الطبعة الأولي 1405هـ/ 1985م [1] "الدراس" (1/ 60). [2] "طبقات الشافعية" (10/ 36). [3] "البداية والنهاية" (14/ 267). [4] "الأنس الجليل" (2/ 107). [5] ذكره د. عمر حسن في مقدمة "المراسيل" (1/ 13). [6] منه نسخة في مكتبة عارف حكمت (المجموع رقم 117، من 35-47) كما ذُكر في المصدر السابق. [7] "الأنس الجليل" (2/ 107). [8] هكذا ذكره الحافظ ابن حجر في "الدرر" (2/ 91). [9] ذكرهما د. عمر فلاته في مقدمة "المراسيل" (1/ 13). [10] ذكره السبكي في "طبقاته" (10/ 35)، ووقفت على نسخة مصورة من مكتبة الجامعة العثمانية تحت رقم: (قع ش) 362، 297، وعدد أوراقه: 219. [11] ذكره د. عمر فلاته في مقدمة "المراسيل" (1/ 13). [12] منه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم: 1579، من ورقة 56 - 97. [13] ذكرهما د. عمر حسن في مقدمة "المراسيل" (1/ 14). [14] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 65. [15] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 1304. [16] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 647 / 648. [17] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 878. [18] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 2510. [19] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 878. [20] ذكره د. عمر حسن في مقدمة "المراسيل" (1/ 14). [21] حققه د. عمر حسن لنيل شهادة الماجستير وطبعه الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي. [22] ذكره د. عمر حسن في مقدمة "المراسيل" (1/ 15). [23] ذكره د. عمر حسن في مقدمة "المراسيل" (1/ 15) وقال موجود في القاهرة. [24] منه نسخة في كوبريللي تحت رقم: 386 / 2. [25] منه نسخة في كوبريللي تحت رقم: 334 ب م 4148. [26] ذكره صاحب "الأُنس" (2 / 107) وقال جمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. [27] ذكره د. عمر حسن في مقدمة "المراسيل" (1/ 15). [28] منه نسخة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم: 2709 (109-126) . [29] ذكره الحافظ ابن حجر في "الدرر" (2 / 91)، وقال: عبارة عن فهرست لمسموعاته من شيوخه. [30] منه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم: 542. [31] ذكره صاحب الأنس 2/ 107، وقال: كتاب نفيس يشتمل على علمي الأصول والفروع. [32] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم 1770. [33] ذكره صاحب الأنس 2/ 107 وقال: في مجلد. [34] منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 878. [35] ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/ 15. [36] منه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم 1790. [37] ذكره السبكي في طبقاته 10/ 35. [38] ذكره د. عمرحسن في مقدمة كتابه 1/ 15. [39] ذكره المؤلف في مقدمة كتابه نقد الصحيح. [40] ذكره صاحب الأنس 2/ 107. [41] ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/ 16. [42] ذكره صاحب الأنس 2/ 107، وقد وقفت على قطعة مصورة لدى الشيخ حماد بن محمد الأنصاري. [43] قمت بتحقيقه معتمداً على نسختين أولاهما من الأسكوريال، والأخرى من مكتبة خدابخش. |
كتب علوم القرآن والتفسير (13) | عبدالعزيز سالم شامان الرويلي | 22-02-2020 | 5,273 | https://www.alukah.net//culture/0/138751/%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-13/ | كتب علوم القرآن والتفسير (13) علوم القرآن الكريم بين المصادر والمصاحف أ.د. غانم قدوري الحمد لطائف التعبير القرآني في آيات الدعاء د. محمود أحمد الأطرش قرأت القرآن فعرفت الإيمان د. وديع فتحي سؤال وجواب للمسند المجاز في تجويد القرآن مجدي خليل صالح أبو دف الحوار بين أتباع الأديان والثقافات في القرآن الكريم: دراسة موضوعية أ.د. عادل بن علي الشدي دلاله أسماء السور القرآنية على محاورها وموضوعاتها عمر علي حسان عرفات الأصالة في عربية القرآن الكريم: دراسة في بعض مفردات القرآن د. هاني عبدالمقصود الفرنواني الأحكام الفقهية المستمدة من قصص القرآن: أولو العزم أنموذجاً د. أحمد حسن الطه مع القرآن وحملته في حياة السلف عبيد بن أبي نفيع الشعبي شرعة الله للأنبياء في القرآن الكريم والسنة النبوية (شرع من قبلنا) أ.د. محمد مصطفى الزحيلي الحمد والشكر في القرآن الكريم د. خالد أحمد الجايح حسن التخلص في القرآن الكريم دراسة بلاغية د. آلاء أحمد حسن نزع الخافض بين الدلالة النحوية والتعبير القرآني د. طه شداد العبيدي شذرات من القضاء والجزاء في التعبير القرآني د. فاضل صالح السامرائي علم المناسبات وأهميته في تفسير القرآن الكريم وكشف إعجازه أ.د. نور الدين عتر الهدى والبيان في أسماء القرآن صالح بن إبراهيم البليهي العاطفة في القرآن الكريم بدور سند المطيري مفهوم التقوى في القران والحديث: دراسة مصطلحية وتفسير موضوعي د. محمد البوزي الدروس التربوية والعلمية المستنبطة من القرآن الكريم: (سورة الكهف وسورة يوسف) أ.د. عبد الواحد حميد الكبيسي إعراب القرآن بين المشكل لمكي والبيان لابن الانباري: دراسة مقارنه في المصادر والشواهد د. فادي صقر عصيدة الحياة الزوجية في القرآن الكريم د. عبد الفتاح أحمد الخطيب وصل القراء البررة بإسناد القراءات الأربع الزائدة على قراءات العشرة علي بن سعيد الغامدي المكي أفعال العباد في القران الكريم عبد العزيز المجدوب تاريخ علم القراءات د. إبراهيم عبد القادر الوزان الدرس المصطلحي للقرآن الكريم بين التأصيل والتطوير فريدة زمرد |
المراتب العلية في فنون المدرسة الحنبلية لحمد المزروعي | محمود ثروت أبو الفضل | 18-02-2020 | 5,467 | https://www.alukah.net//culture/0/138714/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b2%d8%b1%d9%88%d8%b9%d9%8a/ | المراتب العلية في فنون المدرسة الحنبلية لحمد المرزوعي صدر حديثًا كتاب " المراتب العلية في فنون المدرسة الحنبلية "، جمع وتحقيق د. حمد المزروعي، وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن إصدارات " دار الظاهرية "، و" مركز الراسخون للتأصيل الشرعي "، وقدَّمَ للكتاب فضيلة الشيخ " فيصل يوسف العلي " جاءت فكرة هذا الكتاب من باب التيسير على الطالب المبتدئ في التفقه في علوم الفقه الحنبلي، والتدرج في طلب العلم، حيث جمع الكاتب مجموعة من المتون العلمية في فنون مختلفة، لأئمة وفقهاء الحنابلة، يقول الكاتب في تقديمه لها: «"اخترناها بعناية، لتكون مرتبة أولية، يعلو بها طالب العلم المبتدئ في مسيرته العلمية، وحصرنا أن تكون جميعها حنبلية التأليف، فغصنا في بحار الكتب والمخطوطات، واستخرجنا أفضلها وأخصرها - في نظرنا - وعملنا على تحقيقها وإخراجها بحلة جديدة ومجموعة فريدة». والكاتب قد راجع هذه المختارات الفقهية على أصولها الخطية وراجعها وقام بالعناية بتحقيقها وإخراجها بصورة علمية صحيحة، إلى جانب شرح أهم ما جاء فيها والتعليق عليها، وهو ما يعطي لهذه المختارات قيمتها وأهميتها لطلاب العلم الحنابلة. وهذه المختارات على النحو التالي: 1) علم العقيدة: جزء فيه اعتقاد أهل السنة " العقيدة الرحبية " للمحدث أبي بكر بن قاسم الرحبي الحنبلي. 2) علم التجويد: " بغية المستفيد في علم التجويد " للإمام محمد بن بدر الدين بن بلبان الدمشقي الحنبلي، رسالة مختصرة، جامعة، جمع فيها مؤلفها من علم التجويد ما لا يستغني عنه قارئ القرآن، وما يستفيد منه أي طالب علم يريد أن يطلع على مخارج الحروف في اللغة العربية وعلى صفاتها. 3) علم مصطلح الحديث: " بلغة الحثيث إلى علم الحديث " ليوسف بن حسن بن أحمد بن حسن ابن عبد الهادي الصالحي، جمال الدين، ابن المِبْرَد الحنبلي (المتوفى: 909هـ) 4) أحاديث الأحكام: " الأربعون الحنبلية ". 5) مدخل إلى الفقه الحنبلي: " المختصر الجلي في بيان معالم المذهب الحنبلي ". 6) الفقه: "المسائل الفقهية" . 7) أصول الفقه: " رسالة في أصول الفقه ". 8) القواعد الفقهية: " منظومة القواعد الفقهية "، للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله ضمنها طائفة من مختاراته في القواعد والضوابط، وقد احتوت على مهمات القواعد كما ذكره الناظم في الشرح بقوله: (وبعد، فإني وضعت لي ولإخواني منظومة مشتملة على مهمات قواعد الدين، وهي وإن كانت قليلة الألفاظ، فهي كثيرة المعاني لمن تأملها). ومن ثَمَّ كانت عناية المتأخرين بهذا النظم دراسةً وحفظًا، وتفهُّمًا وضبطًا. 9) النحو: " الطرفة في النحو "، لمحمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، رسالة صغيرة جمع فيها الحافظ ابن عبد الهادي أصول النحو في ورقات معدودة تبين لك براعته في العربية. 10) الآداب: منظومة " السير إلى الله والدار الآخرة "، للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي المتوفى سنة 1376هـ، وهي منظومة أخلاقية تربوية مختصرة، في الحث على عبادة الله، ومحبته، والإنابة إليه، وفي الحث على سلوك الطريق الموصل إلى دار السلام. |
الأحاديث الإلهيات للشحامي يطبع لأول مرة | محمود ثروت أبو الفضل | 17-02-2020 | 4,580 | https://www.alukah.net//culture/0/138688/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%84%d9%87%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d9%84%d8%b4%d8%ad%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%8a%d8%b7%d8%a8%d8%b9-%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%85%d8%b1%d8%a9/ | الأحاديث الإلهيات للشحامي يطبع لأول مرة صدَر حديثًا تحقيق جديد يطبع لأول مرَّة لكتاب " الأحاديث الإلهيات "، تصنيف " أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمد الشحامي " (ت 533هـ)، وتحقيق " محمود خيري أبو شمَّة "، وإشراف: " عبدالعاطي محيي الشرقاوي "، وذلك عن دار عِلْمٍ لإحياء التراث والخدمات الرقمية - القاهرة. وكتاب " الأحاديث الإلهيات " مصنَّف فريد في باب معروفٍ مشهور عند المسلمين، وهو الأحاديث القدسية، وقد جمع فيه الإمام الشِّحامي جملةً كبيرة من الأحاديث الإلهية التي يرويها بأسانيدِه عن شيوخه، منها ما هو صحيح، ومنها ما دون ذلك، وتكلَّم على كثير منها بتخريجها تارة، وإيضاح بعض ألفاظها تارة أخرى. فجمع الشِّحامي كل ما وقع له من مسموعات وأجزاء وكتب حديثية، وأخرج منه كل حديث أو أثر قدسي، سواء كان هذا الحديث أو الأثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو الصحابة رضوان الله عليهم أو من دونهم طالما متعلق بكلام الله. ويُعدُّ الإمام الشحامي أوَّلَ من ألَّف في هذا الفن، فحاز قصب السبق، فعلى ما نعلم لم يُؤلَّف كتابٌ منفردٌ في هذا التصنيف (الأحاديث الإلهية) قبل كتابه، وإنَّما كان مضمَّنًا في بطون الكتب ضمن سياق الأحاديث. وضمن الشحامي كثيرًا من المصادر التي استقى منها مادة كتابه فمنها على سبيل المثال: " الأربعون الصغرى" للبيهقي، و" تاريخ الفسوي "، و" التوحيد " لابن خزيمة، و" الزهد " لوكيع ابن الجراح، و" الزهد " لعبد الله بن المبارك، و" صحيح مسلم "، و" صحيح ابن خزيمة "، و" صحيح ابن حبان "، و" القدر " لابن وهب، و" مستخرج أبي عوانة الإسفراييني "، و" مسند " أبي يعلى والسراج، و" المصنف " لعبدالرزاق الصنعاني، و" الموطأ " وغيرها الكثير. وبالجملة فقد استوعب الشِّحَاميُّ في كتابه جملة كبيرة من الآثار والأحاديث القدسية، تزيد على أربعمائة حديث، وبعض مصادره التي نقل عنها تُعدُّ من قبيل المفقود في الوقت الحالي أو ما تزال في أدراج المخطوطات. ومن ميزات هذا الكتاب أنَّ المؤلفَ - رحمه الله - استخرج كتابه هذا من مسموعاته الكثيرة، وقد يسوق الأحاديث بإسناده، بل إنَّه أخرج في كتابه جملة من أحاديث الصحيحين من طريق نفسه على هيئة مستخرج؛ يقول الشحامي في مقدمة رسالته: «قد سألني بعض طلبة الحديث - كثَّرهم الله - أن أجمع لهم من جملة مسموعاتي التي رزقها الله لي عن مشايخي رحمهم الله أحاديث الإلهيات .. وعاودوني في طلبها فاستخرتُ الله تعالى وسألته التوفيق، وطالعت بعض أجزاء مسموعاتي فإنَّ فيها كثرة سوى الكتب المصنفة للأحاديث، فاختصرت منها على تسعة أجزاء بعون الله تعالى".. ثم يستطرد الكاتب في ذكر أن جزء الكتاب العاشر قد استخلصه من صحيح ابن حبان "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع". وبذلك نجد أن المؤلف رحمه الله يعتني بالعلو في جملة مروياته. وقد حقق الباحث " محمود خيري أبو شمَّة " هذا الكتاب على نسخة فريدة وحيدة توجد في مكتبة الدولة ببرلين بألمانيا تحت رقم (1297)، ولها مصورة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تحت رقم (1078)، وهي مكتوبة بخط نسخ حر منقوط ومقروء في الغالب. أما مصنف الكتاب فهو الإمام الحافظ أبو القاسم زاهر بن طاهر النيسابوري الشَّحامي المستملي (ت 533 هـ)، مسند نيسابور في عصره. ولد سنة ست وأربعين وأربعمائة، اعتنى به أبوه وسمع منه الكثير، ثم أخذ العلم عن أبي سعد الكنجروذي، وعلي بن محمد البحاثي، وعن محمد بن أحمد الزوزني، وأبي يعلى إسحاق بن عبدالرحمن الصابوني، ومحمد بن علي الخشاب، وعبدالكريم القشيري، وأبو الوليد الحسن بن محمد البلخي.. وغيرهم الكثير. وقد حدث بنيسابور وبغداد وهراة وهمذان وأصبهان والري والحجاز. وحدث عنه الحفاظ أبو القاسم علي بن عساكر الدمشقي، وأبو سعد بن السمعاني، وأبو موسى المديني، ومنصور بن أبي الحسن الطبري، وصاعد بن رجاء الهمذاني، وعلي بن القاسم الثقفي، وعلي بن الحسين بن زيد الثقفي، وأسعد بن سعيد، ومحمود بن أحمد المقريء. وعبد الغني ابن الحافظ أبي العلاء العطار، وأبو العمد عبد الوهاب ابن سكينة، وزاهر بن أحمد الثقفي، وعبد اللطيف بن محمد الخوارزمي، ومحمد بن محمد بن محمد بن الجنيد، وعبد النبي بن عثمان الهمذاني، وإبراهيم بن بركة البيع المقريء، وعبد الله بن المبارك بن دوما الأزجي، وأبو الخير أحمد بن إسماعيل القزويني، وإبراهيم بن محمد بن حمدية، وعبد الخالق ابن عبد الوهاب الصابوني، وثابت بن محمد المديني الحافظ، وعلي بن محمد بن يعيش الأنباري، ومحمد بن أبي المكارم أسعد القاضي، ومودود بن محمد الهروي ثم الإصبهاني، والمؤيد بن محمد الطوسي، وأبو روح عبد المعز الهروي... وكثير من أهل العلم وأئمتهم. قال ابن الجوزي في ترجمته في " المنتظم ": «رحل في طلب الحديث وعمَّر، وكان مُكثرًا متيقِّظًا صحيح السماع، وكان يستملي على شيوخ نيسابور، وسمع منه الكثيرُ بأصبهان والري وهمذان والحجاز وبغداد وغيرها، وأجاز لي جميعَ مسموعاته، وأملى في جامع نيسابور قريبًا من ألف مجلسٍ، وكان صبورًا على القراءة عليه، وكان يكرم الغرباء الواردين عليه ويمرِّضُهم ويداويهم ويُعيرُهم الكتب». وقال أبو إسحاق الصيرفيني في " المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور ": «أبو القاسم الشحامي: زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد الشحامي، أبو القاسم المستملي، ثقة الدين، شيخ مشهور، ثقة معتمد، من بيت العلم والزهد والورع والحديث والبراعة في علم الشروط والأحكام، وأبوه أبو عبد الرحمن بارع وقته. سمع زاهر الكثير من مشايخ الطبقة الثانية، كأبي سعد الكنجروذي، والبحيرية، والبيهقي، وأكثر عنه من تصانيفه، وحصل النسخ، وجمع أبوابًا من مسانيد المشايخ، وأملى قريبًا من عشرين سنة في الحظيرة المنسوبة إليهم، وقرئ عليه الكثير من التصانيف والمتفرقات. روى عنه أبو الحسن الحافظ والخلق». قال ابن السمعاني: «كان مكثرًا متيقظًا، ورَدَ علينا مرْوَ قصدًا للرواية بها، وخرج معي إلى أصبهان، لا له شغل إلا الرواية بها. وازدحم عليه الخلق. وكان يعرف الأجزاء. وجمع، ونسخ، وعمر. فقرأت عليه " تاريخ نيسابور " في أيامٍ قلائل». وتوفي - رحمه الله - سنة 533 هـ وعاش سبعًا وثمانين سنة. |
بعض قواعد المال وفن إدارته وحفظه من الضياع | يزن الغانم | 17-02-2020 | 7,718 | https://www.alukah.net//culture/0/138677/%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%88%d9%81%d9%86-%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%aa%d9%87-%d9%88%d8%ad%d9%81%d8%b8%d9%87-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%8a%d8%a7%d8%b9/ | بعض قواعد المال وفن إدارته وحفظه من الضياع بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد: هذه قواعد وفوائد في فن إدارة المال، وحفِظه من الضياع، وحصول البركة فيه، فالله سبحانه أسأل أن ينفع بها. أولًا- المال الحلالُ الطيب يُبارك الله فيه ولو كان قليلًا، والمال الحرام يَمحق الله بركته ولو أعجبتْك كثرتُه؛ قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]. ثانيًا- ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻷﻭﻟﻮﻳﺎﺕ في الإنفاق، ويقدم في ذلك الأهم فالأهم، وهي على ثلاثة مراتب. ١- الضروريات: وهي ما لا يمكن الاستغناء عنه ويحصُل الضرر بفقده. ٢- الحاجيات: وهي ما يشق على الإنسان الاستغناء عنه من الحاجات. ٣- الكماليات: وهي ما يمكن الاستغناء عنه، وذلك مثل أمور الزينة المباحة. ثالثًا- ﺍلاﻗﺘﺼﺎﺩ في الإنفاق: وذلك أن الغني ينفق نفقة الغني من دون إسراف، والفقير ينفق نفقة الفقير من دون إمساك، والناس في ذلك درجات، فكل أحد بحسبه؛ قال تعالى: ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]. رابعًا- ﺍﻟﺘﺸﺎﻭﺭ في إدارة المال: ومن ذلك التشاور بين ﺍﻟﺰﻭﺟﻴﻦ ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻤﺎﻝ، فما ندم من استشار، والشورى مشروعة في عموم الأمور، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159]. خامسًا- ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ: القناعة بما في اليد غنى وراحة؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب)؛ متفق عليه. سادسًا- ﺍﺳﺘﺸﻌﺎﺭ المسؤولية ﻋﻤﻦ ﺗﻌﻮﻝ: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثمًا أن يضيِّعَ من يَقُوت)؛ رواه مسلم وغيره. يعني: أن يحبس القوت عمن استرعاه الله إياهم، كالولد والزوجة والخادم، وما إلى ذلك. سابعًا- ﺍﻻﺳﺘﺜﻤﺎﺭ اﻵﻣﻦ ﻭﻟﻮ ﺑﻤﺒﻠﻎ ﻗﻠﻴﻞ، وكل يأخذ ما يناسبه فباب الحلال واسع؛ قال تعالى: ﴿ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275]. قال المفسرون في تفسير الآية: هذا أصل في حل جميع أنواع التصرفات الكسبية حتى يرد ما يدل على المنع. ثامنًا- ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ: ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [سورة نوح ١٠ - ١٢]. تاسعًا- ﻣﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻬﺪﺭ والإسراف ﺍﻟﻤﺎلي وفحص أسبابه، ووضع خطة شهرية: لكيلا نكون ممن قال الله تعالى فيهم: ﴿ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]. عاشرًا- ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ: ومن ذلك طلب الرزق والبركة فيه ومن ذلك أيضًا الحذر والاستعاذة من الدين؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم؟ فقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)؛ رواه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: المغرم؛ أي: الدين، يقال: غرم بكسر الراء؛ أي: أدان، قيل: والمراد به ما يستدان فيما لا يجوز، وفيما يجوز، ثم يَعجِز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك؛ فتح الباري (٣١٩/٢). الحادي عشر- في أولى وأفضل النفقات: فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (دينارٌ أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدَّقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك)؛ رواه مسلم. الثاني عشر- في أن ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﺍﻟﺤﻜﻴﻤﺔ ﺭﺍﻋﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻣﺎﻝ ﺯﻭﺟﻬﺎ، ﻓﺘﻨﻔﻖ ﻏﻴﺮ ﻣﺴﺮﻓﺔ؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (والمرأة راعية على بيت زوجها وولده...)؛ رواه البخاري. الثالث عشر- ميزان الإنفاق قد بيَّنه تعالى في كتابه أحسن بيان وأوفى إيجاز؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]. وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29]. فالناس في الإنفاق على ثلاثة أصناف: الأول المسرف، والثاني الممسك البخيل، والثالث المعتدل في النفقة، وهو الواجب. اللهم بارك لنا فيما رزقتنا، وقنا شرَّ ما رزقتنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. |
المستخرج على صحيح البخاري لأبي نعيم | محمود ثروت أبو الفضل | 16-02-2020 | 19,175 | https://www.alukah.net//culture/0/138672/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%b1%d8%ac-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d9%86%d8%b9%d9%8a%d9%85/ | المستخرج على صحيح البخاري لأبي نعيم الأصبهاني صدر حديثًا تحقيقٌ يطبع لأول مرة لقطعة من كتاب " المستخرج على صحيح البخاري " للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبدالله الأصبهاني (ت 430هـ)، وذلك بتحقيق د. رضا بوشامة، وعمَّار تَمالِتْ، وتوفيق عمروني، وذلك عن دار " الميراث النبوي " للنشر والتوزيع. وهذا الكتاب كان في عداد المفقود، بالرغم أنه من أشهر كتب الأصبهاني وأكثر مصنفاته فائدة ونقلًا، وقد ذكره العلماء في ترجمة أبي نعيم وأشادوا به، واستفادوا منه، لكنه لم يعرف له مخطوط حتى وفق الله الباحث " عمار تَمالِتْ " - أثناء جرده كامل ما تحتويه قاعدة البيانات الخاصة بالمكتبة السليمانية بإستانبول من نسخ مخطوطات " صحيح البخاري " - للعثور عليه، وقد سُجلت المخطوطة خطأ بعنوان " صحيح البخاري "، لكن من خلال تصَفُّحِها تبيَّن أنها قطعٌة من " المستخرج على صحيح البخاري " لأبي نعيم الأصبهاني حيث نُصَّ على اسمه في بدايات الأجزاء. وهي قطعة مبتور أولها وآخرها، ويُقدَّر البتر من أولها بـ(170 ورقة) وذلك لأنَّ كراساتها خماسية وهي تبدأ بأول الكراسة السابعة عشر، وهي تقع في (178) ورقة وخطها نسخي يعود إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري تقديرًا، والنسخة مقابلة على أصلها المنقول عنها، ومصححة في أجزائها، وقد قُرئت على المحدِّثة الحافظة زينب ابنة الكمال أحمد بن عبدالرحيم المقدسية الصالحية، المتوفاة سنة 740 هجرية، ومما يدلل على نسبة هذه النسخة للأصبهاني هو سند هذه النسخة وكل جزء من أجزاء الكتاب مقروء على زينب بنت الكمال عن الحافظ يوسف بن خليل الدمشقي، عن محمد بن إسماعيل الطرسوسي، عن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد، عن الحافظ أبي نعيم الأصبهاني. وبهذا السند الذي رواه الحافظ ابن حجر عن شيخه عبدالله بن محمد بن عبيد الله الصالحي، ومحمد بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي الوراق، كلاهما عن زينب به. إلى جانب أن نقولات الأئمة وشراح "صحيح البخاري " من هذه النسخة والنقولات في ذلك كثيرة، فنقلوا من فوائده وتعليقات أبي نعيم في بيان الأسماء والألفاظ والمبهمات وغير ذلك، ومن الناقلين ابن الملقن في " التوضيح شرح الجامع الصحيح "، وبدر الدين العيني في " عمدة القاري" ، والحافظ ابن حجر في " فتح الباري "؛ بل كان مستخرج الأصبهاني من أعظم مصادره في وصل معلقات البخاري في كتابه " تغليق التغليق ".. وغيرهم الكثير. وهذه النسخة محفوظة في مكتبة ( أمير خواجه كمانكش ) برقم (95). وهذا المستخرج يعني بإيراد أحاديث الكتاب بأسانيد خاصة، من غير طريقة الإمام البخاري، وقد يحصل الاجتماع معه في إحدی طبقات الإسناد. وقد رتَّب أبو نُعيم المُستخرج وِفقَ ترتيب البخاري لأحاديث الجامع الصحيح، على الكتب والأبواب، بَيْدَ أنَّه خَاَلَفَهُ في أمور منها: 1- يأتي أبو نُعيم بطرق ومتابعات متعددة للحديث الواحد الذي يسوقه الإمام البخاري. 2- الاختلاف بين ألفاظ أحاديث المستخرج وأحاديث صحيح البخاري، وهي متعددة، وأحيانًا تأتي على الحديث كله. 3- وكذلك ألفاظ التحمل تختلف بين المستخرج وأصله. وقد يخرِّج أبو نُعيم الحديث من طريق آخر غير طريق الإمام البخاري، مثال: حديث أخرجه البخاري: عن مالِكٌ، عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينارٍ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، وهو عند أبي نعيم: عن مالِكٌ، عن نافع: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. ويذكر أبو نعيم بعد كلِّ حديث عمن روى البخاري هذا الحديث ويسوق السند إلى مكان اللقاء بين السندين، وقد يكون في شيخ البخاري أو عند شيخ شيخه أو من بعده. وقد يذكر فوائد مثل قوله بعد الحديث رقم [22]: (ذكره وقال: قال الليث ولم يذكر من دونه، لأنَّ الحديث لأبي صالح، وأبو صالح ليس من شرطه). حيث يقدم ويؤخر في بعض الأحاديث ويخالف الترتيب الموجود في مطبوع صحيح البخاري. ومن معالم منهج أبي نُعيم في "المستخرج": 1- المُخالفة في ألفاظِ مُتون الأحاديث وهذا من باب التَنَوُّع. 2- المُخالفة في الأسانيد. 3- المخالفة في صيغ الأداء. 4- المخالفة في إيراد حديثٍ في موضعٍ، لم يُورده البخاريُّ فيه. 5- المخالفة في صيغ التَّراجم. وقد دَرَجَ شُرَّاح الجامع الصَّحيح، والمُتكلمون عليه، على النّقل من مُستخرج أبي نُعيم، لكنَّهم لم يُقلدوه في بعض ما قد يقع لَهُ من أوْهامٍ وأغْلاطٍ، وكان الحافظُ ابن حجر أكثر هؤلاء الشُّراح تعقبًا لأقوال أبي نُعيم، وانتقادًا لبعض صَنيعه. وفي الجملة كان لِمُستخرج أبي نُعيم، فوائدُ تخدم الجامع الصَّحيح خدمة جليلة، وتُسْعِفُ في حَلِّ مشكلاته، وتُنير الطريق أمام المُستفيدين من دُرره. |
الطاهر بن عاشور وجهوده في البلاغة في ضوء تفسيره | محمود ثروت أبو الفضل | 15-02-2020 | 12,276 | https://www.alukah.net//culture/0/138648/%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d8%b4%d9%88%d8%b1-%d9%88%d8%ac%d9%87%d9%88%d8%af%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%84%d8%a7%d8%ba%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b6%d9%88%d8%a1-%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d9%87/ | الطاهر بن عاشور وجهوده البلاغية في ضوء تفسيره "التحرير والتنوير" صدرَ حديثًا كتاب " الطَّاهر بنُ عاشور وجهودُه البلاغية في ضوءِ تفسيره "التَّحرير والتَّنوير" ( المعاني والبديع )"، تأليف " رانيه جهاد إسماعيل الشوبكي "، وذلك عن دار المقتبس. وأصلُ الكتاب رسالة علمية قُدِّمَتْ لنيل درجة الماجستير في البلاغة العربية من كلية الآداب بالجامعة الإسلامية بغزة وذلك تحت إشراف أ.د. " محمد شعبان علوان " وذلك عام 1430 هـ- 2009 م. تناولت هذه الدراسة أهمية تفسير الطاهر بن عاشور المسمى بـ" التحرير والتنوير " وذلك من الناحية البلاغية، فقد ظهرت جهوده الجلية في مجال تطبيق الدرس البلاغي، وإظهار بلاغة القرآن الكريم وبيان إعجازه، حيث نلاحظ اهتمام ابن عاشور بالدقائق البلاغية، وهذا نجده بكثرةٍ في كلِّ آي الكتاب الحكيم، فقلَّما تخلو آية من كتاب الله منه، فهو لا يكتفي بسرد الأوجه البلاغية المتضمّنة، بل يعمد إلى تفنيدها ومناقشتها، ويرد على أعلام البلاغة كالزَّمخْشَري وغيره، وهذا ما يدل على تضلُّعِ شيخنا بعلوم العربية بأنواعها البلاغية. ويتناول موضوع البحث دراسة المسائل البلاغية عند ابن عاشور من خلال تفسيره "التحرير والتنوير"، وبالنسبة لآلية الدراسة فتتمثل في: استقراء القضايا البلاغية ورصدِها، ومن ثمَّ تصنيفها وتحليلها ومناقشتها وقياسها بما ورد عند العلماء، وقد تناولتِ الكاتبة من خلال الدراسة ترجمةً وافية عن ابن عاشور، وتأثره بالعلماء السابقين عليه في مجال البلاغة، ومنهم: الزمخشري وابنُ عطيّة. وقد شمل هذا البحث الفنون البلاغية المتمثلة في علمي "المعاني" و"البديع" في تفسير (التحرير والتنوير) لإظهار وبيان مدى قدرة هذا العلم في استخراج المعاني البلاغية بصورة عقلية فذة، وإمكاناته الإبداعية في هذا المجال مع دراسة مفصَّلة لعلمي المعاني والبديع، وما يندرج تحتهما من فنون أثرت البلاغة العربية. وينقسم هذا البحث إلى مقدمة، وتمهيد، وفصلان، وخاتمة. المقدمة: فيها بيان أسباب اختيار موضوع الدراسة وبيان منهج البحث. أما التمهيد: فتتناول فيه الكاتبة الحديث عن حياة الطاهر بن عاشور، اسمه ونسبه ومولده، وعصره، وحياته العلمية، وشيوخه، وتلاميذه، والمناصب التي تقلدها، ومكانته العلمية، وآثاره العلمية، ووفاته، وتفسير التحرير والتنوير، مع بيان أسلوبه العام في تفسيره. الفصل الأول: تناول تأثر ابن عاشور بالعلماء السابقين، منهم: الزمخشري وابن عطية. الفصل الثاني: في مسائل علم المعاني في تفسير ابن عاشور، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: مادة الكلمة وملاءمتها للسياق. ♦ وظيفة الكلمة وما تحمله من معانٍ بلاغية من حيث تعريفها وتنكيرها. ♦ أدوات الربط وما تحمله من معان بلاغية. المبحث الثاني: البحث في الجملة. ♦ الخبر والإنشاء. ♦ المجاز العقلي. ♦ خروج الكلام عن مقتضى الظاهر. ♦ القصر وأسراره البلاغية. المبحث الثالث: بلاغة الإيجاز والإطناب. الفصل الثالث: في علم البديع في تفسير ابن عاشور، وفيه مبحثان: المبحث الأول: المحسنات المعنوية. المبحث الثاني: المحسنات اللفظية. الفصل الرابع: توجيه القراءات القرآنية بلاغيًا عند ابن عاشور. الخاتمة: وفيها نتائج البحث وأهم التوصيات. حيث خلصت الكاتبة في بحثها إلى السعة العلمية والثروة اللغوية التي تمتع بها الشيخ الطاهر ابن عاشور في علوم اللغة والبلاغة، لذلك يعتبر تفسيره جملةً تفسيرًا بلاغيًا ودلاليًا. وأن تفسير ( التحرير والتنوير ) يعتبر في الجملة تفسيرًا بلاغيًا بيانيًا لغويًا عقلانيًا، يعتمد فيه الشيخ الطاهر بن عاشور على تحليله العقلي، ولا يغفل المأثور ويهتم به. ومن الملاحظ في جميع أرجاء تفسيره أنه يعتمد على استقراء جميع جزئيات الموضوع ومسائله التي يتعرض لبحثه ودراسته، سواء كانت لغوية أو بلاغية أو فقهية أو اجتماعية وغير ذلك، وإخضاع كل ما له علاقة بالموضوع للشرح والتحليل والتفصيل، ليستنبط بعد ذلك النتيجة التي قاده إليها البحث. تقول الباحثة: "من خلال البحث وجدنا أنفسنا أمام إمام لغوي من أئمة اللغة، وفارس من فرسان البلاغة والفصاحة، بل ريانًا من علوم اللغة العربية وآدابها، ووقفاته أمام الإعجاز البياني لآي القرآن الكريم، وتحليلاته الرفيعة خير شاهد له بذلك، يعرض ويناقش، ويحلل ويعارض أكبر أئمة التفسير البلاغي؛ ليخرج برأي منفرد عن كل من سبقوه، وبالتالي أضاف آراء لغوية وبلاغية للمكتبة العربية". |
عمالقة الأشجار | د. محمد بهجت | 12-02-2020 | 3,459 | https://www.alukah.net//culture/0/138621/%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%ac%d8%a7%d8%b1/ | عمالقة الأشجار (1) لا ريب أنَّ العالم كان مسكونًا بكائناتٍ على جانب عظيم من الضخامة، فالعلم يخبرنا عن " الداينصور " العظيم الذي يوجد هيكلُه العظمي الهائل بالمتحف البريطاني مع هياكل أشباهِه من عظائم الحيوان وأغواله، وكذلك " العنقاء "، أو الطير العظيم، أو المسمى " بتروداكتيلس " ولم يكن هذا الأخير طيرًا بمعنى الكلمة أو وطواطًا بل نوعًا من العظايا الهائلة اكتسب خصوصية الطيران. دبَّت هذه الحيوانات المرعبة على ظهر الأرض في العهد " الميوسيني " كما يسميه علماءُ طبقات الأرض أو عهد منتصف الحياة، وذلك من ملايين السنين الخالية!! ويحتمل أنها عاشتْ قبل الإنسان بكثير. ويظهر أنَّ هذه الحيوانات انقرضت فجأة بفعل وبتأثير بركان عنيف أباد معظم المخلوقات، ثم تبع ذلك العصر الجليدي فأتى على آخرِها ولم يترك لنا من آثارها إلَّا عظامًا نخرة أقامها العلم هياكل هائلة، ووقف الإنسان مبهوتًا فاغرًا فاه. أمَّا في البحار فلا يزال بها من المخلوقات العظيمة ما لم تنقرض كأقربائها الدواب، فالحوت الهائل يمخر البحار ويشق عبابها وأذكر أنهم اقتنصوا وحشًا منه في المحيط الهادئ قرب شاطئ كاليفورنيا الجنوبي منذ سنتين وكان يزن سبعين طنًا!! كذلك كان الحال في المملكة النباتية، كانت لها عمالقتُها، كانت هناك أشجار ضخمة تؤلف غابات شاسعة تشمل المناطق الشمالية من أوربا وأمريكا، ولا ريب أنها أظلّت وحمت الكثير من تلك الوحوش، ومن هذه الأشجار شجرة "السيكويا" - ملكة النباتات - التي قاست ولا ريب كل المحن التي ألمَّت بالكائنات الحية التي عاصرتها ولكنها نجت من دونها وعاشت إلى هذا الوقت تخبرنا في صمت رهيب عن ماضٍ بعيد مليء بالكوارث والخطوب. وتنتمي شجرة " السيكويا " إلى العائلة المخروطية أي عائلة الصنوبر، يوجد منها نوعان: ( سيكويا مبرفيرنس ) و( سيكويا جايجانتيا ) ولا يوجدان في مكان ما على ظهر البسيطة إلّا في ولاية كاليفورنيا. فيوجد النوع الأول ناميًا على ساحل المحيط في شمال الولاية حيث الطقس باردٌ صيفًا وشتاءً، وحيث الرطوبة متوفرة طول السنة، وفي منطقة يبلغ طولها 450 ميلًا بموازاة الساحل، ويقل تدريجيًّا كلَّما ابتعد عن البحر وامتدَّ شرقًا إلى الجبال الساحلية. وأما خشبُه فضاربٌ إلى الحمرة ويعرف في مصر بالجوز الأمريكاني الذي يُصنع منه الأثاث. وأمَّا النوع الثاني فيوجد بداخل الولاية ومنتصفها في ثلاثة أحراج متقاربة في قمة جبال السييرا على ارتفاع عظيم من سطح البحر. ومن العجب أنه لا توجد أشجار متفرقة من هذا النوع فكأنها خافت على نفسها نوائب الحدثان وخشية الانقراض فتجمعت في هذه الأحراج متقاربة كما تتقارب أفراد القطيع إذا أحسّت خطرًا. وعندما اكتُشف النوع الثاني الذي هو أضخم من الأول في سنة 1855، أُرسلت منه نماذج إلى إنجلترا فأسماه النباتي لندلي ( وللنجتونيا ) تمجيدًا لاسم الجنرال ( ولنجتون ) الذي قهر نابليون والذي كان في ذروة المجد وقمّة الشهرة إذ ذاك، فأخذت الأمريكان النعرة الوطنية إذ عزّ عليهم أن تُسمَّى شجرة أمريكية باسم رجل إنجليزي فأسموها ( واشنطجطونيا ) نسبة إلى جورج واشنطن أبى الأمريكيين. وأخيرًا قر الرأي على جعل اسمها الجنسي ( سيكويا ) نسبة إلى رجل من متوحشي الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين لم يصب مجدًا بالفتح وإراقة الدماء، بل بعقلية جبارة وعبقرية نادرة. ينتمي هذا الهندي إلى قبائل ( الشيروكي ) التي كانت ضاربة في تخوم ولاية جورجيا الجنوبية، تزوج أبوه الأبيض من أمه الهندية ثم لم يلبث أن هجرها فاعتزلت وابنها ركنًا في غابة ونشأ نشأة هادئة تغاير نشأة أترابه الهنود الذين يتلقنون فنون الصيد والقنص والحرب وغيرها من أعمال الفروسية في سن مبكرة فكان يساعد أمَّه على أعمال المنزل أو فلاحة الأرض وقطع الأخشاب، فلما شبّ وترعرع احترف الصياغة ونبغ فيها نبوغًا عظيمًا وذاع صيتُه ذيوعًا كبيرًا ثم وجد أنَّ البِيض يُغِيرون على وطنِه، ويقتطعون أراضيه، ويجلون أهله وعشيرته عن مساقط رؤوسهم، فأحزنه ذلك وأخذ يفكر في الأمر وخرج من تفكيره بضرورة مقاومة المدنية بالمدنية. ولما أدرك بثاقبِ فكره أنَّ السرَّ في تفوق البيض وتمدينهم ينحصر في مقدرتِهم على التفاهم قراءةً وكتابةً قرَّر أن يخترع لغةً لقومه فنبذ الصياغة وعكف على الدَّرسِ في الغاب وأخذ يكدُّ ذهنه ويحفر في قشور الأشجار إلى أن وصل بعد ثلاث سنين إلى اختراعِ رموزٍ تمثِّلُ كلَّ كلمة أو فكرة في لغة قومِه، ولكن هذه تكاثرت لدرجة يصعب على الأذهان استيعابها ففكَّر مرَّة أخرى واهتدى أخيرًا إلى أنَّ الصوْت هو مفتاح اللغة، فكدّ واجتهد إلى أن خلق حروفًا أبجديَّة فاستطاع أن يكتب لغةً أغنى بمفرداتها من لغاتنا!! بعد ذلك علَّمها قومَه فتهافت عليها صغيرهم وكبيرهم إلى أن حذِقوها، ومن ثم تحسَّنتْ أحوالهم العمرانية وازدادت ثروتهم وخطوا في سبيل المدنية خطوة واسعة، ولكن جشع الأبيض وظلمُه كانا دائبين؛ فما زال بأراضيهم يغتصبها بقوَّةِ السلاح إلى أن تشرَّدتْ قبائل الشيروكي وتقلَّصتْ حدودهم. لم يقف " سيكويا " عند هذا الحدِّ بل خرج وهو في الثانية والثمانين من عمره في صُحْبة صبي صغيرٍ ليدرس لهجات الهنود المختلفة، ويضع بعد ذلك لغة عامة للهندي الأحمر. فعبر السهول والجبال ولكن مات رفيقُه الصبيُّ من مشاق الرحلة فسار وحده ضاربًا في الفيافي المقفرة والغابات الموحشة والجبال الشامخة المكسوّة بالجليد، إلى أن وقفه الضعف والإعياء فحطّ رحلَه قرب حدود المكسيك لآخر مرة. ودفن حيث مات في حفرة عادية، ولم تلبث الذئاب أن نبشتْ قبره وبعثرت عظامه. هذا رجل من عظماء العالم قلَّ من يعرفه، حتى قبره امتهن ولم تكن عليه أقل إشارة تدل على عقله الراجح ونفسه العظيمة ولكن العبقرية لا تفنى فقدر لاسمه أن يقترن بهذه الأشجار الخالدة وسوف يخلّد معها إلى الأبد. وأشعر بعد طول هذه المقدمة أن أقْصُر كلامي على حرج واحد من الأحراج الثلاثة، لا لأنه أهمها فقط، بل ولأنه أعجبها... يتبع. مجلة الرسالة، العدد 12، بتاريخ: 01 - 07 - 1933 |
تاريخنا .. نحو وعي جديد | محمود ثروت أبو الفضل | 12-02-2020 | 3,628 | https://www.alukah.net//culture/0/138620/%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%86%d8%a7-..-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d9%88%d8%b9%d9%8a-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af/ | تاريخنا.. نحو وعي جديد لنجيب بن خيرة صدر حديثًا كتاب " تاريخنا.. نحو وعي جديد " تأليف د. " نجيب بن خيرة الجزائري "، وذلك عن دار ابن كثير. ويتناول الكاتب التاريخ كعنصرٍ رئيسي من عناصر تأصيل الهوية، حيث يرى في كتابه أن الدراسات التاريخية اليوم بحاجة ماسة إلى تأطير جهودها بالتأصيل لعلم التاريخ وحاجة الأمة إليه، مع بيان من يقوم بهذا الجهد وما هي صفاته، وما هي معالم الاستمداد منه، لضمان مواجهة واعية لهجوم كاسحٍ على تاريخ الأمة وتراثها وثقافتها. يقول د. "نجيب بن خيرة" في مقدمة الكتاب: «وهو بلا شكٍّ تأصيل يستشرف المستقبل، بل يجعل من التاريخ " علم المستقبل" بجدارة، لأنَّه يضع المعالم المضيئة لصياغة جديدة للمعرفة التاريخية، بما يتناسب مع ثقافة العصر المسلَّح بالتقانة والرقمنة ووسائل التواصل المبهرة». وينبه الكاتب أن القراءة الماضوية لتاريخنا العربي اليوم لم تعد تصنع الوعي المطلوب، حيث يرى أن من أبرز سلبيات قرائتنا للتاريخ أنها قراءة مشحونة بالزهو الكاذب بالماضي، الذي لم نشارك في إنجاز مباهجه، وهو ما جعل من اجترار الذكريات مادة دسمة للتندر والسخرية من أدعياء الحداثة، حتى « أضحى هذا التاريخ عبئًا ثقيلًا، لا دافعًا ومعينًا ». ويؤكد الكاتب في تلك الدراسات أن التاريخ لا يمكن إحياؤه كما كان، بل يجب أن نحيي التاريخ كما نحن بحاجة إليه. ويأمل الكاتب أن يكون الوعي بالتاريخ مساهمة رشيدة في التحرير والعتق من النمطية التي يراد لنا أن نكون عليها، وأنه قد آن الأوان لاستدراك ما فات، والعمل على توظيف التاريخ كأداة لصناعة الوعي والتغيير لمستقبل أفضل. ويناقش الكاتب في مباحث الكتاب عددًا من الموضوعات المعاصرة كإشكالية " الحضارة الإسلامية بين منابع الاعتدال ومظاهر التطرف "، حيث يرى أن الوسطية في الرؤية التاريخية هي السبيل الوحيد للنجاة من تفسيرات متحيزة أو عاطفية توردنا موارد الغلو وعشوائية النتائج. وفي مقال " التاريخ.. لماذا نكتبه. ومن يكتبه؟ " يورد رؤيته العقلانية في أهمية التاريخ كرافد من روافد حضارتنا الإسلامية، وضرورة تخليص الأحكام التاريخية من الانحياز لطرف معين، وأهمية الحياد التاريخي للمؤرخ المعاصر. وفي مقالة " سؤال الهوية من زمن التأسيس إلى العصر الرقمي " ينبه على أهمية البحث عن " الهوية " في ظل زمن العولمة وتسارع الاتصالات بشكل قد يهدد تأصيل الهوية لدى الأجيال الجديدة. وينبه الكاتب في مقالة " استدعاء التاريخ في الخطاب الديني المعاصر. أخطاء وضوابط "، على بعض الشوائب التي غلَّفت أغلب الدراسات التي تناولت تاريخنا المعاصر بشكل أعاق تطورنا الحضاري نتيجة لتقاعس المؤرخين عن الاستفادة من تجارب الماضي كأحد مقومات النهوض الحضاري في تاريخنا الحديث، وأهم الضوابط لتدارك ذلك في المستقبل، وبعث المنهج التاريخي من جديد لتقويم تجاربنا الإسلامية. ويتناول رؤية نقدية لأهم كتابات المؤرخين المعاصرين ممثلًا بنموذج فكري معاصر وهو الباحث والمؤرخ المغربي " إبراهيم القادري بوتشيش "- أستاذ التاريخ الوسيط الإسلامي بجامعة مولاي إسماعيل في مكناس بالمغرب وذلك في مقالة "ملامح المنهج التاريخي في فكر الدكتور إبراهيم القادري بوتشيش". والمؤلف هو د. " نجيب بن خيرة " باحث ومؤرخ جزائري، ولد عام 1966م، حاصل على دكتوراه في التاريخ والحضارة الإسلامية من جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية - قسنطينة - الجزائر - 2004م. شغل منصب رئيس قسم التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعة الشارقة بالإمارات، وهو عضو اتحاد المؤرخين العرب وعضو اتحاد الكتاب الجزائريين، وله العديد من الأبحاث والكتابات المنشورة التي تستقصي المنهجية التاريخية في الحضارة الإسلامية، منها: " تاريخ عصر الخلافة الراشدة "، و" نظرات في التاريخ الإسلامي "، و" أبحاث في الفكر والتاريخ "، و" كتاب شفاء الصدر بآي المسائل العشر من درر الفقه المالكي ويليه إيقاظ الوسنان في العمل بالحديث والقرآن "، و"لله..ثم للتاريخ ( مقالات في الفكر والاجتماع والأدب و الرحلة )"، " الأمن الفكري في التاريخ الإسلامي ".. وغيرها. |
عرض كتاب: صناعة الكتاب المدرسي | نجلاء السبيعي | 12-02-2020 | 17,068 | https://www.alukah.net//culture/0/138612/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d9%8a/ | عرض كتاب صناعة الكتاب المدرسي معلومات الكتاب: • اسم الكتاب: صناعة الكتاب المدرسي. • اسم المؤلف: أ.د أحمد الحسين. • الناشر: مركز الحسين للاستشارات والبحوث والتدريب. (1438ه / 2017م). يُعد هذا الكتاب من المراجع المهمة في مجال المناهج؛ نظرًا لكونه يتناول أغلب الموضوعات الخاصة بالمناهج وطرق التدريس، وإن كان يتمحور حول الكتاب المدرسي، إلا أن الكاتب انطلق من موضوع صناعة الكتاب المدرسي إلى عدد من المواضيع المرتبطة به، فصناعة الكتاب المدرسي موضوع ذو شجون، ويتشعب إلى موضوعات أخرى، والمتأمل لهذه الموضوعات التي طرقها الكاتب يصل إلى أن الكتاب المدرسي ما هو إلا حصيلة لعدد من النظريات والتوجهات والتجارب والتقنيات، التي تجعل من صناعته أمرًا دقيقًا وغايةً في التعقيد، لذا يجب أن تتكاتف الجهود وخاصة جهود المختصين لوضع الأدلة والمنظمات التي تساعد على التأليف والبناء، ومن هذه الجهود المباركة كان هذا الكتاب الذي سعى فيه الكاتب لتقديم نماذج ومواصفات ترشد صانع الكتاب المدرسي، وقدم أفكار ومقترحات وخطوات تسهم في توضيح معالم الطريق وتكون مرشدًا مساعدًا عند الصناعة. تَميَّز الكتاب بالإجرائية في الطرح، فبعد أن يعرض الكاتب الآراء والتوجهات والتجارب، يعرض خطوات مقترحة، أو نموذجًا مساعدًا، أو تطبيقات عملية تجعل صانع الكتاب المدرسي أمام خارطة طريق توصله - بإذن الله - إلى كتاب مدرسي جيد، ومما يزيد قيمة هذه الإجراءات هو تجربة الكاتب وخبرته في مجال المناهج وطرق التدريس. كما اعتمد الكاتب أحيانًا إثارة التساؤل لدى القارئ قبل طرح أفكاره، مما يشد انتباهه لهذه الأفكار، كذلك الاستشهاد بالدراسات والبحوث يزيد حجةَ الكاتب وإقناع القارئ. كما يستوقف القارئ لهذا الكتاب الروح الإسلامية والوطنية التي تسري في أغلب فصول الكتاب، فلا يكاد يتناول الكاتب توجهًا حديثًا إلا يربطه بما في التراث الإسلامي، أو مشكلة في الميدان إلا ويطرح لها حلولًا. جاء الكتاب في 421 صفحة، تضمنت عشرة فصول، وكانت فصول الكتاب على النحو التالي: الفصل الأول: كان هذا الباب بِمنزلة المدخل إلى صناعة الكتاب المدرسي، ويأخذ الكاتب القارئ في نزهة تاريخية لتتبُّع نشأة الكتاب حتى الوصول إلى وقتنا الحالي. ومما يدعو للتأمل ما ذكره الكاتب في هذا الفصل عن أن الكتاب المدرسي لا يشكل إلا 20 إلى 30% من مكونات المنهج بمفهومه الحديث، ولكن هل الميدان التربوي على وعي بهذه النسبة التي تعد ضئيلة إذا ما قارنَّاها بالنسبة الواقعية التي يأخذها الكتاب حيزًا في منظومة المنهج حسب ممارسات من هم في الميدان. وفي هذا الفصل ذكر الكاتب أسلوبين لتوفير الكتاب المدرسي في الدول العربية والإسلامية، وتمنيت أن يطبق لدينا الأسلوب الأول، وهو المسابقات لصناعة الكتاب المدرسي، خاصة أننا بلد مترامي الأطراف ويزخَر بطاقات وإمكانيات بشرية قد يغيب بعضها ولا تتاح له الفرصة، فالمسابقات قد تضمن أن يُختار الكتاب الأنسب والأجود، وأن تستثمر وتكتشف خبرات وثروات بشرية قد تكون غائبة لأي سبب كان. الفصل الثاني: وقد تناول فيه الكاتب الخصائص العامة والعمرية لمستخدمي الكتاب المدرسي وعلاقتها بعملية صناعته، ومما يدعو للتأمل ما ذكره الكاتب من أن كثير من حالات فشل الكتاب المدرسي في تحقيق أهدافه، تعود إلى أنه لا يتوافق مع الخصائص العمرية للمتعلمين المقدم لهم، وقد يكون تقويم الكتب الموجودة حاليًّا في ضوء الخصائص العمرية المناسبة، هو أحد المواضيع البحثية الناجحة. كما استوقفني ما قدمه الكاتب في هذا الفصل من ربط بين خصائص المتعلمين وانعكاساتها التربوية على الكتاب المدرسي، وقد يكون هدف الكاتب تقديم أمثلة واضحة لصانع الكتاب المدرسي، بحيث يسير خطوة بخطوة وَفق هذه الخصائص والانعكاسات؛ حتى يخرج بكتاب مدرسي ناجح في مراعاة خصائص المتعلمين. إلا أن هذه الأمثلة أيضًا قد يستفيد منها الميدان التربوي في إعداد حقائب تدريبية توضح للمعلمين - الجدد منهم خاصة - كيف يراعي الكتاب خصائص المتعلمين، فكثير من الأنشطة الموجودة في الكتب المدرسية تكون أُعدت لهذا الغرض، ولكن قلة وعي المعلم بها قد يجعله يهملها ولا يعيرها الاهتمام المناسب، فلو استثمرت هذه الأمثلة لشكلت وعيًا جيدًا لدى المعلمين بالآلية التي تراعى بها الخصائصُ العمرية في الكتاب المدرسي. الفصل الثالث: جاء هذا الفصل ليتناول موضوع صناعة الكتاب المدرسي، وفيه زادت جرعة التطبيق والأمثلة، فعندما تناول الكاتب الأسس التي يُبنى عليها الكتاب، وضَّح كيف تُضمن هذه الأسس في الكتاب بشكل تطبيقي وعملي من خلال طرح عدد من الأمثلة. وعرض الكاتب عددًا من النماذج في التصميم التعليمي، وأضاف عليها نموذجًا من تصميمه حاول فيه الجمع بين كثير من النماذج بتوليفة مناسبة أكثر دقة ومرونة. الفصل الرابع: استعرض الكاتب في هذا الفصل ملامح لأنظمة التعليم والكتب المدرسية في عددٍ من دول الخليج والعالم العربي والإسلامي والعالم. واستوقفتني تجربة اليابان لمخالفتها لعدد من التوجهات الحديثة؛ حيث يتسم نظامها التعليمي بالمركزية والصرامة، وتأكيد أهمية التحصيل العلمي بخلاف دول مثل فنلندا. الفصل الخامس: يتحدث هذا الفصل عن صناعة الكتاب المدرسي وَفق منهج الوحدات القائم على تكامل المادة الدراسية. ومن الأمور التي وضَّحها الكاتب وقلما نجدها في غيره من الكتب: العلاقة بين الاستمرارية والمدى والتتابع؛ حيث ذكر الكاتب أن الاستمرارية تظهر في البعدين الرأسي والأفقي لتنظيم الوحدة، كذلك تضمينه للخرائط المفاهيمية في التنظيم الداخلي للوحدة، وهذا نابع من قناعة الكاتب بدورها في رفع الدافعية لدى المتعلم وزيادة فهمه لها. ولازمت مصفوفة المدى والتتابع هذا الفصل في عدد من المواضيع منها الوحدات والمحتوى والأهداف وخرائط المفاهيم، الأمر الذي يؤكد سعي الكاتب لصنع كتاب مدرسي يتسم بالعمق والتوسع في آن واحد. الفصل السادس: تناول هذا الفصل المواصفات الشكلية والفنية والتحسينات لصناعة الكتاب المدرسي، وكان الكاتب دقيقًا في تحديد متطلبات الشكل الخارجي للكتاب الذي قد لا يعيره بعضُ صنَّاع الكتاب المدرسي أي اهتمام، وعرض بعض المشكلات التي وقعت بالفعل نتيجة عدم الاهتمام بالشكل الخارجي للكتاب. وفي هذا الفصل لفت الكاتب إلى موضع مهم جدًّا، وهو مستوى مقروئية الكتاب المدرسي وتأثيرها على المحتوى، وفي نهاية الفصل قائمة لضبط طباعة الكتاب المدرسي، وهي أشبه بالمعايير التي يجب على صانع الكتاب المدرسي الالتزام بها. الفصل السابع: كان هذا الفصل خاصًّا بكتاب النشاط والتدريبات، واستوقفني اشتراط الكاتب أن يكون كتاب النشاط والتدريبات ثريًّا بالمواقف الصفية المعززة لتنمية التفكير والمختلفة عن كتاب الطالب المدرسي، ثم تذكَّرت كتب الأنشطة التي أُلزم بتفعيلها المعلم في بعض التخصصات، وهي لا تختلف عن كتاب الطالب، بل قد يكون كتاب الطالب أكثر تنوعًا وإثراءً منها، وقد تنبَّهت الوزارة لهذا الأمر، وأوقفت طباعتها. وقد نبَّه الكاتب في هذا الفصل إلى موضوع غاية في الأهمية، وهو تدريب المعلمين على استخدام كتاب النشاط والتدريبات، وقد يكون أهمية هذا الموضوع ليس في التدريب فحسب، بل في إقناع المعلم بجدوى هذا الكتاب وفائدته. الفصل الثامن: تناول هذا الفصل كتاب المعلم، موضحًا مفهومه وعلاقته بالكتاب المدرسي، ومبينًا خصائصه ومواصفاته، ومستعرضًا محتوياته ومكوناته ومعايير الحكم على جودته. وكتاب المعلم مع أهميته فإنه لم ينل نصيبه من الدراسات كما هو حال الكتاب المدرسي، فماذا لو كانت هناك دراسة لتحليل الإستراتيجيات وأساليب التعلم في كتاب المعلم، أو دراسة تقويم جودة الكتاب في ضوء المعايير الموجودة في هذا الكتاب أو غيره. الفصل التاسع: عرض الكاتب في هذا الفصل عددًا من النماذج لمعايير تقويم الكتاب المدرسي، ثم عرض نموذجًا خاصًّا به اتَّسم بالشمول والتكامل والاتساق المنهجي، وربط فيه بشكل واضح بين كل معيار والمؤشرات الدالة عليه. وفي نهاية هذا الباب تناول الكاتب موضوع تجريب الكتاب المدرسي وأهميته، ولن يكون مجديًا دون الأخذ بعين الاعتبار آراء الميدان. الفصل العاشر: تناول هذا الفصل موضوع الكتاب الإلكتروني من عدة جوانب، وطرح تساؤلًا بعدها عن المستقبل هل هو للكتاب الإلكتروني أم الورقي؟ وأعتقد أن الكتاب الإلكتروني سيكون داعمًا ومعززًا للكتاب الورقي، ولكن لن يلغيه، وفي هذا نسترجع تجربة لوس أنجلوس في الكتاب الرقمي التي لم يكتب لها النجاح. وختم الكاتب هذا الفصل وهذا الكتاب بموضوع المناهج والكتاب المدرسي في ضوء التحول الوطني ورؤية 2030، وطرح وجهة نظره حول ما يلزم لتواكب المناهج والكتب المدرسية رؤية 2030، والحقيقة أن عددًا من الأفكار البحثية يمكن أن تخدم هذا الموضوع خاصة بعد صدور الإطار الوطني لمعايير المناهج الذي أعدته هيئة تقويم التعليم، ويتيح المجال للباحثين لتقويم الكتب المدرسية في ضوء هذه المعايير. |
الوقت وتعلق الأمر به عند الأصوليين وتطبيقاته الفقهية | محمود ثروت أبو الفضل | 11-02-2020 | 5,404 | https://www.alukah.net//culture/0/138602/%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d8%aa-%d9%88%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%87-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a%d8%a9/ | الوقت وتعلق الأمر به عند الأصوليين وتطبيقاته الفقهية صَدَر حديثًا كتاب " الوقت وتعلُّق الأمر به عند الأصوليين وتطبيقاتُه الفقهية " للدكتور " أثير عوّاد جمال العاني "، وذلك عن دار الفتح لدى: أرْوقة للدراسات في مجلَّدٍ واحد. وأصل الكتاب رسالة علميّة قُدِّمَتْ لنيل درجة الدكتوراه في تخصص الفقه وأصوله من جامعة العلوم الإسلامية العالمية بالأردن، بإشراف أ.د. " عبد الملك عبد الرحمن السعدي " عام 2015م. حيث يتناول الأحكام المتعلقة بالوقت، وما يتعلق به الحكم الشرعي سواء أكان تكليفًا أم كان وضعًا. ويجيب موضوع الكتاب على الأسئلة التالية: هل للأمر تعلق بالوقت في الأحكام الشرعية؟ وكيف يكون هذا التَّعلُّق؟ وما الذي ينتجه هذا التعلق من أحكام شرعية، وكيف اختلف الأصوليون فيه؟ وما الذي بناه خلافهم من أحكام اختلفوا فيها؟ وتأتي أهمية البحث للحاجة الماسة إلى معرفة أهمية الوقت في بناء الحكم الشرعي، وكيفية استخراجه للأحكام الشرعية، والتي لا تخلو منها حياة الناس اليومية، سواء في الشعائر التعبدية اليومية كالطهارة والصلاة مثلًا، أم الموسمية كالصيام والزكاة والحج، أم في شئون أسرهم كعقود النكاح والطلاق، وما يترتب من آثار على الكل. كما أنها محاولة موفَّقة لجمع الأحكام الأصولية المتعلقة بالوقت من متفرقات كتب الأصول المتعددة؛ ليسهل التعرف عليها وتيسير تطبيقها فيما يحتاجه المسلم في حياته. ومن أهداف تلك الدراسة ومبرراتها: 1- تعريف الوقت وأقسامه. 2- معرفة العلاقة بين الأمر والمأمور به، وأقسامه حسب الوقت. 3- بيان وتوضيح العلاقة بين الأمر والوقت، وحصر صيغ الأمر. 4- بيان العلاقة بين الوقت والحكم الشرعي، ودخول الوقت في الحكم الشرعي بأقسامه، ومعرفة أقسام الحكم، ومعرفة التطبيقات الفقهية التي تدل على ذلك. وقدَّم للكتاب بفصل تمهيدي عرَّف بالحكم الشرعي وأقسامه، حيث عرَّفَ الكاتب الحكم الشرعي لغةً واصطلاحًا، وبيان تعريف الفقهاء للحكم الشرعي، وبماذا اختلفوا عن تعريف الأصوليين للحكم الشرعي؟ تلاه الفصل الأول في الوقت وأحكامه، عرَّفَ فيه الكاتب الوقت، وأهميته، والألفاظ ذات الصلة، وأقسام الوقت من ناحية الأداء. أما الفصل الثاني فتناول علاقة الوقت بالمأمور به من ناحية الأداء، والعادة، والقضاء. وتطرق الفصل الثالث إلى علاقة الوقت بالأمر، وتحدث عن ما يخص أحكام الأمر، من تعريفه لغةً واصطلاحًا، وشروطه، وصيغ الأمر. أما الفصل الرابع فتناول علاقة الوقت بالحكم الشرعي. حيث بين الكاتب الحكم التكليفي، تعريفه وبيان أقسامه، وخلاف الحنفية مع الجمهور في تقسيم الحكم التكليفي إلى سبعة أقسام بإضافة الواجب، وتقسيم الكراهة إلى كراهة تحريمية وكراهة تنزيهية، مع ضرب الأمثلة على ذلك، وأتى الكاتب بتطبيقات في تعلق الأمر بالوقت في كل حكم تكليفي. تم تحدث الكاتب عن الحكم الوضعي تعريفًا وتقسيمًا، وخلاف الأصوليين في تعدادها، واعتبار بعضٍ منها، وإلغاء بعض، وخلاف الحنفية مع الجمهور في اعتبار الفساد في العبادات والمعاملات، وأتى بتطبيقات فقهية تبين أثر الوقت في الأحكام الشرعية. أمَّا الخاتمة فقد لخَّصتْ أهم مضامين الدراسة ونتائجها؛ حيث بيَّن الكاتب في نتائج الدراسة أن الوقت الذي حدده الشارع؛ لإيقاع وأداء المأمور به ينقسم إلى أقسام ثلاثة، فإمَّا أن يكون الفعل مساويًا للوقت، أي يكون الوقت على قدر الفعل بحيث لا يزيد عن الفعل ولا ينقص عنه، فهذا يسمى الوقت المساوي، وإما أن يكون الوقت أقل من الفعل لا يتسع أداء الفعل في الوقت، فهو يسمي الوقت الضيق، وإما أن يتَّسع الوقت للفعل ويكون الوقت زائدًا على الفعل، فهو يسمى الوقت المخير أو الموسع أو الزائد. كما أن التطبيقات الفقهية التي تخص تعلق الأمر بالوقت في الحكم التكليفي والحكم الوضعي، أظهرت هذا التعلق الواضح بين الأمر والوقت في تعيين الشارع لمواقيت العبادات لتؤدى على الوجه الصحيح، فالصلاة كتاب موقوت، والصيام أيام معدودات، والزكاة لحول بعد حول أو يوم الحصاد، فالأحكام لها أوقات معلومة، بل جميع أحكام العبادات المكلف بها المسلم، في يومه، نهاره وليله، وشهره، وعامه، ترتبط ارتباطًا كليًا بعامل الزمن، سواء كان هذا الزمن محددًا مضيقًا أم موسعًا. كما أوصى الكاتب بالعناية والتركيز بمسألة الوقت في الأحكام الشرعية، حيث حددت الأحكام بمواقيت منها: الزمانية ومنها المكانية، ومنها ما جمع بينهما، ولها أهميتها الواضحة في جعل الطالب يغوص في بحر كتب الأصول والفقه؛ للاطلاع على آرائهم النافعة وتطبيقاتهم الواضحة؛ للاستدلال والوصول إلى الترجيح بين أقوالهم، ورؤية أدلتهم، والترجيح من خلال استعراض أدلتهم. كما يجب على الباحث عن مقاصد الشرع في الأحكام معرفة مواقيتها؛ ليتطلع على حكمة الشارع في تحديد تلك المواقيت. |
تعليقة على المستصفى تطبع لأول مرة | محمود ثروت أبو الفضل | 09-02-2020 | 10,671 | https://www.alukah.net//culture/0/138570/%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%b5%d9%81%d9%89-%d8%aa%d8%b7%d8%a8%d8%b9-%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84-%d9%85%d8%b1%d8%a9/ | تعليقة على مستصفى الإمام الغزالي تطبع لأول مرة صدر تحقيقٌ جديد يطبع لأول مرة لكتاب "المحصول في علم الأصول" تصنيف: أبي المظفر محمد بن سعد الخواري الشافعي؛ من فقهاء القرن السادس الهجري، حيث قام بتحقيقه الباحث المحقق "عدنان بن فهد العبيَّات"، وقد ظل مخطوط هذا السفر مجهولًا لفترة طويلة من الزمن، حيث اشتبه على من فهرس مخطوط هذا الكتاب فنظر إلى عنوانه وسبق إلى وهمه أنه "محصول" فخر الدين الرازي المشهور صاحب التصانيف (ت 606 هـ)، فكان اشتباه اسمه باسم محصول الرازي سببًا لضياع خبره فترة من الزمان. وهذا الكتاب مختصر من مستصفى الغزالي كما وصف بذلك في النسخة الخطية، أو تعليقة عليه كما ذكره المحقق في عنوان الكتاب، وهي تعليقة مختصرة منتخبة المسائل مبنية على ترتيب وفصول كتاب "المستصفى" لأبي حامد الغزالي، فإنَّ صاحبه قد قصد في بناء كتابه إلى كتاب الغزالي فنسج عليه وانتخب من مسائله جملة صالحة، وقد يقصد فيها التعقب على الغزالي وغيره في بعض ما ذهبوا إليه مما خرجوا فيه عن رسم الفقهاء – بحسب رأي المصنف. وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات "دار أسفار" لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وقد أراد الفقيه النيسابوري أبو المظفر محمد بن سعد الخواري في كتابه هذا تخليص علم أصول الفقه مما شَابَه من علم الكلام، ونجدُ أن المتكلمين وإن كانوا قد خدموا هذا الفن في بداياته وأثروا مسائله، وجعله من مفاخر العلوم الشرعية النظرية، إلا أنهم قد أضروا بمسائله أيضًا وضعفوا صلته بالفقه، مما أوهن أثره في الإنتاج الفقهي. وقد تصدى الفقهاء للفصل بين العِلْمين ليُعرف كلُّ علم على حدَة، وممن أشار إلى هذا الفقيه أبي الحسين البصري الذي يقول في مصنفه "المعتمد" « ... عدلت فيه عن ذكر ما لا يليق بأصول الفقه من دقيق الكلام، إذ كان ذلك من علم آخر لا يجوز خلطه بهذا العلم » (المعتمد 1/7). وقد اتبع هذا الأسلوب أبو المظفر الخواري في تلك التعليقة بذكره أصول الفقه على ما هو مقرر عند الفقهاء دون غيرهم ممن لهم مشاركة في هذا الفن من المتكلمين، فجاء كتابه مجوَّدًا سهل المأخذ عزيزًا نادر المثال، فريدًا في أسلوبه، محرر الحجج، مفرع المسائل، قليل الحشو. والأمر الآخر الذي يزيد من أهمية هذه التعليقة هو تقدم مؤلفه، فهو من أصحاب الإمام الغزالي، وكذلك لم يصلنا من مؤلفات القرن السادس الأصولية إلا القليل، منها هذا المؤلف. أما مؤلف الكتاب فهو أبو المظفر محمد بن سعد الخواري الشافعي، ترجم له ابن الساعي في كتاب "الدر الثمين في أسماء المصنفين" فذكر أنه كان إمامًا فاضلًا، شافعي المذهب، برع في الفقه، وصنّف كتبًا منها: كتاب "المعترض"، وكتاب " سحر البيان "، وكتاب " الأربعين في الخلاف "، وكتاب " المحصول في الأصول "، وكتاب " مقترح الطلاب في مصطلح الأصحاب "، وكتاب "النّهاية في الجدل"، وكتاب "أساس القياس". وكانت وفاته بأصبهان. وترجم له الذهبي في " تاريخ الإسلام " وكنَّاه بأبي المظفر المؤدب. المتوفى: 580 هـ، شيخ بغدادي، مليحُ الخطِّ، علَّم خلقًا. [تاريخ الإسلام ت بشار (12/ 644)]. |
عرض كتاب: السياسات المبنية على البراهين والبحوث الموجهة نحو السياسات | نجلاء السبيعي | 09-02-2020 | 6,397 | https://www.alukah.net//culture/0/138556/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d9%88%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa/ | عرض كتاب السياسات المبنية على البراهين والبحوث الموجهة نحو السياسات إعداد: نجلاء السبيعي ماجستير مناهج وطرق تدريس معلومات الكتاب: اسم الكتاب: السياسات المبنية على البراهين والبحوث الموجهة نحو السياسات. اسم المؤلف: أ.د. صالح النصار. الناشر: دار جامعة الملك سعود للنشر (1441هـ/ 2020م). تتجلى أهمية هذا الكتاب في تناوله لأحد المواضيع المهمة، وندرة المؤلفات العربية والترجمات المتخصصة في مجاله؛ فالسياسات وصناعتها موضوع مهم ونادر في المكتبة العربية، وهذا ما تؤكده المراجع التي رجع إليها الكاتب في هذا الموضوع؛ حيث كانت كلها أجنبية ما عدا كتابًا لنفس المؤلف، وقد تميز هذا الكتاب بالتطبيقات والنماذج التي تزيد من فهم القارئ للمحتوى، خاصة أن مؤلفه صاحب تجربة في إدارة المشروعات والإستراتيجيات، والبرامج الوطنية، ورسم السياسات والخطط الإستراتيجية، والإشراف على الفرق العلمية والإدارية، وتحرير وتدقيق التقارير الإدارية. والكاتب يرى أن الثورة في تطوير السياسات والبرامج والمشروعات الحكومية تتطلب ثورةً مصاحبة تقودها الجامعات ومراكز الفكر؛ لتطوير أدوات ومنهجيات بناء السياسات، وتنفيذ السياسات ونشر السياسات، وتقويم أثر السياسات على الفرد والمجتمع، ولكن لم يحظَ موضوع تطوير السياسات بالاهتمام الكافي من الجامعات ومراكز البحوث في المملكة والوطن العربي. وقد سلط هذا الكتاب الضوء على موضوعين مهمين لنجاح عمليات تطوير الأنظمة والإجراءات والبرامج الحكومية؛ وهما: السياسات المبنية على البراهين، والبحوث الموجهة نحو السياسات، مستعرضًا المفاهيم المتعلقة بالموضوع والتجارب الرائدة فيه. وعند قراءة الكتاب تشعر أن الكاتب لديه همٌّ، ويشعر بمشكلة يحاول حلها؛ وهي: الفجوة بين أصحاب السياسات والباحثين، فقد ركز في أغلب الفصول على طرقٍ تردم هذه الفجوة، سواء في السياسات المبنية على البراهين، أو البحوث الموجهة نحو السياسات. وقد اشتمل الكتاب على 151 صفحة، تتضمن سبعة فصول، وجاءت فصول الكتاب على النحو الآتي: الفصل الأول: استعرض الكاتب في القسم الأول من هذا الفصل مفاهيم السياسات وتعريفاتها، وعرض تعريف (توماس دي) المختصر للسياسة العامة بأنها: "أي أمر تختار الحكومة فعله أو عدم فعله"، ويرى الكاتب أن هذا التعريف بالرغم من بساطته إلا أنه يقوم على ركائز مهمة؛ وهي: الحكومة، واتخاذ القرار، والركيزة الثالثة هي العدالة، وفي سياق توضيح مفهوم السياسات، وضَّح الكاتب الفرق بينه وبين مفهوم القانون، ثم عرض الكاتب أقسام السياسات العامة وتصنيفاتها، ثم ضرب مثالًا برؤية المملكة العربية السعودية 2030، فهي تُصنَّف كسياسة تنموية عامة ذات نمط رأسي وبُعد مستقبلي، ومبنية على البراهين المتعددة، ثم إن الرؤية كسياسة عامة انبثق منها سياسات فرعية عبارة عن 13 برنامجًا تنفيذيًّا، وضعها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وفي القسم الأخير من هذا الفصل تناول الكاتب السياسات الاجتماعية وتطبيقاتها، وعرض الكاتب الدول الرائدة التي يمكن الاستفادة من تجربتها في السياسات الاجتماعية، وإن كان لم يفصِّل في هذه التجارب، وإنما اكتفى بذكر الدول، وهذا ما يفتح مجالًا للباحثين لتتبع هذه التجارب، واقتراح مشروع سياسات اجتماعية تتواءم مع مشكلات المجتمع السعودي وتطلعاته. الفصل الثاني: هنا تجلت خبرة الكاتب بالتفصيل في مراحل صنع السياسات، وتحديد عوامل قد تكون سببًا لنجاحها أو فشلها - بعد مشيئة الله - فقد استعرض مراحل صنع السياسات التي تعددت باختلاف واضعي هذه المراحل، ولكنه فصَّل في المراحل التي وضعها (تورجمان وريمر) والمجلس التنفيذي في حكومة دبي، التي جاءت في خمس مراحل، ثم تناول مراحل مشروع صنع السياسات، وكان عرضه لها في جدول يبين المدة الزمنية، والأنشطة، وذوي العلاقة، والمهارات المطلوبة، والمخرجات لكل مرحلة - يزيد من فهم القارئ ويوضح له التسلسل الذي تسير فيه هذه الخطوات في جدول. الفصل الثالث: جاء هذا الفصل ليتناول موضوع السياسات المبنية على البراهين، الذي طرح في أول قسم منه تساؤلًا عن المقصود بالسياسات المبنية على البراهين، ونبَّه الكاتب على أنه يجب الحذر من أن تكون البراهين المستخدمة واهية، كأن تكون قديمة، أو تناسب فئة معينة، أو تكون غير مؤكدة، أو تنطلق من ادعاءات وغير ذلك، وهو بذلك يعزز الأسلوب العلمي في البحث بتحري الدقة في الدلائل التي يستند عليها الباحث، ثم تناول التحديات التي تواجه السياسات المبنية على البراهين، ووضع لهذه التحديات حلولًا وإجراءاتٍ تساعد صنَّاع القرار على تجاوزها. وكان لافتًا للانتباه رصدُ الكاتب واقعَ استخدامِ السياسات المبنية على البراهين عالميًّا، والذي بدأه بالتحديات التي تواجه الدول المطبقة لهذه السياسات مثل دول الاتحاد الأوروبي، وكأنه يؤكد على أن تطبيق هذه السياسات لن يكون سهلًا، بل يحتاج المزيد من الجهد، فحتى الدول التي لها باعٌ في تطبيقها ما زالت تواجه هذه التحديات، التي من أهمها الفجوة بين الأوساط الأكاديمية وصانعي السياسات، وبالرغم من هذه التحديات، فإن الحكومات على مستوى الدول الأعضاء للاتحاد الأوروبي تعترف بقيمة البراهين في ضمان اتخاذ القرارات بشكل جيد، وهناك جهود لمواجهة التحديات. وفي القسم الأخير من هذا الباب، عرض الكاتب تجارب عالمية في تطبيق السياسات المبنية على البراهين، واختار الدول بناءً على وقوفه عليها بحكم عمله السابق في أبحاث الجريمة، وقد أشار الكاتب إلى أن هذا لا يعني مناسبة هذه التجارب للتطبيق لدينا، بل الهدف هو الاطلاع على دور هذه التجارب والدروس المستفادة منها. الفصل الرابع: جاء هذا الفصل ليتناول مفهوم البحوث الموجهة نحو السياسات والتطبيقات عليها، موضحًا المقصود بالبحوث الموجهة نحو السياسات، وأكد الكاتب في هذا الفصل أهمية وصول الباحث إلى صانعي القرار وكسْبِ ثقتهم؛ حتى يُستفاد من بحوثه. وفي عرضه للفرق بين البحوث الموجهة نحو السياسات والبحوث الأكاديمية - أشار إلى أن البحوث الموجهة بالسياسات قد تكون أنشطة مندرجة بشكل عام ضمن البحث الأكاديمي، وهنا إضاءة قد يستفيد منها الباحث الأكاديمي؛ فمن الممكن تحويل البحث الأكاديمي إلى بحث موجه نحو السياسات إذا ما طُبِّقت الشروط والخطوات المذكورة في هذا الكتاب، التي فصَّل فيها الكاتب أيضًا في كتاب له آخر بعنوان "دليل تأثير البحوث العلمية". الفصل الخامس: جاء هذا الفصل ليتناول تأثير البحوث في السياسات، وفيه طرح الكاتب تساؤلًا عن كيفية استفادة صانعي القرار من البحوث الموجهة نحو السياسات، ثم يجيب بخطوات تسهم في ردم الفجوة بين صانعي السياسات والباحثين، وكأنه بذلك يؤكد أن صانع القرار لا يمكنه الاستفادة من هذه البحوث طالما أن هناك فجوة بينه وبين الباحثين. الفصل السادس: جاء هذا الفصل ليبين كيفية كتابة أوراق السياسات، التي غالبًا ما تكون على شكل الورقة البيضاء، وأحيانًا تكتب على شكل موجز البيانات، وقد وضَّح الكاتب مكونات أوراق السياسات، ثم توسع الكاتب في شرح توجيه البيانات نحو الحلول المحتملة باستخدام الرسوم، موضحًا نوعين من التحليل الأكثر استخدامًا في البحوث؛ وهما: تحليل بيست، وتحليل سوات، داعمًا شرحه بالأمثلة والتطبيقات، ووضح الكاتب أجزاء رئيسة في هيكل ورقة السياسات، وملحوظات يجب أخذها في الاعتبار عند البدء في كتابة ورقة السياسات، وهي تساعد الباحثين الذين لديهم أفكار وتحليلات جيدة، ولكن تنقصهم الخبرة في كتابة ورقة سياسات فاعلة ومؤثرة. الفصل السابع: وهو الفصل الأخير، وفيه عرض الكاتب نماذج لأوراق السياسات وملخصاتها التنفيذية، وأتبعها بمثال لموجز سياسات ناجح ومؤثر في سياسات الحكومة البريطانية، الذي ساعد في إدراج قضية حرائق الغابات لأول مرة في السجل الوطني للمخاطر في عام 2013م، وهذا المثال يجعلنا نطرح تساؤلًا مهمًّا: هل مثل هذه الورقة ستكون الحل؟ هل نحن في التعليم - مثلًا - نحتاج إلى ورقة سياسات مؤثرة وناجحة، يكتبها باحث مهتم، ويضع فيها الحلول التي ينادي بها الميدان، ويوصلها إلى صانع قرار قادر على اعتماد هذه الحلول؟ أعتقد أن من يقرأ هذا الكتاب في أي مجال، سيخلص إلى أن الجواب: نعم، ورقة السياسات قد تكون هي الحل. |
عكاظ والمربد (1) | أحمد أمين | 08-02-2020 | 3,178 | https://www.alukah.net//culture/0/138553/%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a8%d8%af-1/ | عكاظ والمربد (1) للأستاذ أحمد أمين [1] مِنْ أبعد الأماكن أثرًا في الحياة العربية " عُكاظ " و" المرْبد "، وقد كان أثرهما كبيرًا من نواحٍ متعددة: من الناحية الاقتصادية، ومن الناحية الاجتماعية، ومن الناحية الأدبية، ودراستهما تضئ لنا أشياء كثيرة في تاريخ العرب. ولكن يظهر لي أنه لم يُعن بهما العناية اللائقة، فلا نرى فيما بين أيدينا إلا كلمات قليلة منثورة في الكتب يصعب على الباحث أن يصور منها صورة تامة أو شبهها، ومع هذا فسنبدأ في هذه الكلمة بشيء من المحاولة في توضيح أثرهما وخاصة من الناحية الأدبية. عكاظ: في الجنوب الشرقي من مكة وعلى بعد نحو عشرة أميال من الطائف ونحو ثلاثين ميلًا من مكة، مكان منبسط في وادٍ فسيح به نخل وبه ماء وبه صخور، يسمى هذا المكان ( عُكاظ )، وكانت تقام به سوقٌ سنوية تُسَمَّى " سوق عُكاظ "، وقد اختلف اللغويون في اشتقاق الكلمة، فقال بعضهم: اشتقت من (ت عَكَّظ القومُ ) إذا تحبسُّوا لينظروا في أمورهم، وقال غيرهم: سميت عُكاظًا لأنَّ العرب كانت تجتمع فيها فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة؛ أي يعركه ويقهره، كما اختلفت القبائل في صرفها وعدم صرفها، فالحجازيون يصرفونها وتميم لا تصرفها، وعلى اللغتين ورد الشعر: قال دُرَيدُ بنُ الصِّمَةِ: تَغيَّبْتُ عَنْ يَوْمَيْ عُكَاظٍ كليْهِما وقال أبو ذُؤيْبٍ: إذا بُنى القبابُ على عُكاظٍ *** وقام البَيْعُ واجْتمعَ الألوفُ وكان للعرب أسواقٌ كثيرة محلية كسوق صنعاء، وسوق حضرموت، وسوق صحار، وسوق الشحر، إنما يجتمع فيها - غالبًا - أهلها وأقرب الناس إليها. وبجانب هذه الأسواق الخاصة أسواق عامة لقبائل العرب جميعًا، أهمها: سوق عكاظ، وسبب عمومها وأهميتها على ما يظهر: (1) أن موعد انعقادها كان قُبيل الحج، وهي قريبة من مكة وبها الكعبة، فمن أراد الحج من جميع قبائل العرب سهل عليه أن يجمع بين الغرض التجاري والاجتماعي بغشيانهم عكاظ قبل الحج، وبين الغرض الديني بالحج. (2) أن موسم السوق كان في شهر من الأشهر الحرم - على قول أكثر المؤرخين [2] ، والعرب كانت في الشهر الحرام لا تقرع الأسنة، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يُهيِّجُه تعظيمًا له، وتُسمِّى مُضر الشَّهر الحرام بالأصمِّ لسكون أصوات السلاح فيه [3] ، وفي انعقاد السوق في الشهر الحرام مزيَّة واضحةٌ، وهي أنْ يأمن التجار فيه على أرواحهم، وإن كانوا أحيانًا قد انتهكوا حرمة الشَّهر الحرام فاقتتلوا كالذي روي في الأخبار عن حروب الفُجَّار كما سيجيءُ، ولكن على العموم كان القتلُ في هذا الشهر مستهجنًا، قال ابن هشام: «إني آتٍ قريشًا فقال: إنَّ البراض قد قتلَ عُروة وهم في الشهر الحرام بعكاظ،.. »إلخ [4] ، وقد قال ذلك استعظامًا لقتله. «فكان يأتي عكاظَ قريشٌ وهوازن وغطفان والأحابيش وطوائفُ من أفناء العرب» [5] ، وكانت كلُّ قبيلة تنزل في مكان خاص من السوق، ففي الخبر أنَّ رسول الله ذهب مع عمه العباس إلى عكاظ ليريه العباس منازل الأحياء فيها [6] ، ويروى كذلك أن رسول الله جاء كندة في منازلهم بعكاظ [7] . بل كان يشترك في سوق عكاظ اليمنيون والحيريون. يقول المرزوقي: «كان في عكاظ أشياءٌ ليست في أسواق العرب، كان الملك من ملوك اليمن يبعث بالسيف الجيد والحُلة الحسنة والمركوب الفاره فيقف بها وينادي عليه ليأخذه أعز العرب، يراد بذلك معرفة الشريف والسيد فيأمره بالوفادة عليه ويحسن صلته وجائزته» [8] . ويروي ابن الأثير عن أبي عبيدة: «أنَّ النُّعمان بن المنذر لما ملَّكه كسرى أبرويز على الحيرة كان النعمان يجهز كل عام لطيمةً - وهي التجارة - لتباع بعكاظ». فترى من هذا أن بلاد العرب من أقصاها إلى أقصاها كانت تشترك في هذه السوق. واختلفت الأقوال في موعد انعقادها، وأكثرها على أنَّه كان في ذي القعدة من أوله إلى عشرين منه، أو من نصفه إلى آخره، قال الأزرقي في "تاريخ مكة ": «فإذا كان الحج... خرج الناس إلى مواسمهم فيصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة فيقيمون به عشرين ليلة تقوم فيها أسواقهم بعكاظ، والناس على مداعيهم وراياتهم منحازين في المنازل تضبط كل قبيلة أشرافها وقادتها، ويدخل بعضهم في بعض للبيع والشراء، ويجتمعون في بطن السوق، فإذا مضت العشرون انصرفوا إلى مجنة فأقاموا بها عشرًا، أسواقهم قائمة، فإذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا إلى ذي المجاز ثم إلى عرفة؛ وكانت قريش وغيرها من العرب تقول لا تحضروا سوق عكاظ والمجنة وذا المجاز إلا محرمين بالحج، وكانوا يعظِّمون أن يأتوا شيئًا من المحارم أو يعدو بعضهم على بعض في الأشهر الحرم وفي الحرم» [9] . وظيفته: كانت سوق عكاظ تقوم بوظائف شتَّى فهي أوَّل كلِّ شيء متجر تُعرض فيه السلع على اختلاف أنواعها، يعرض فيه الأدم والحرير والوكاء والحذاء والبرود من العصب والوشي والمسير والعدتي [10] ، ويباع به الرقيق [11] ، ويعرض فيه كل سلعة عزيزة وغير عزيزة، فما يهديه الملوك يباع بسوق عكاظ [12] ، ويتقاتل ابن الخمس مع الحارث بن ظالم فيقتله ابن الخمس ويأخذ سيف الحارث يعرضه للبيع في عكاظ [13] ، وعبلة بنت عبيد بن خالد يبعثها زوجها بأنحاء سمن تبيعها له بعكاظ [14] . ونسبوا إلى عكاظ فقالوا: أديم عكاظي، أي: مما يباع في عكاظ [15] . ولم تكن العروض التي تعرض في سوق عكاظ قاصرة على منتجات جزيرة العرب، فالنعمان يبعث إلى سوق عكاظ بمتجر من حاصلات الحيرة وفارس لتباع بها ويشتري بثمنها حاصلات أخرى [16] ، بل كان يباع في عكاظ سلع من مصر والشام والعراق، فيروي المرزوقي أنه قبل المبعث بخمس سنين حضر السوق من نزار واليمن ما لم يروا أنه حضر مثله في سائر السنين، فباع الناس ما كان معهم من إبل وبقر ونقد وابتاعوا أمتعة مصر والشام والعراق [17] . وكانت السوق تقوم بأعمال مختلفة اجتماعية، فمن كانت له خصومة عظيمة انتظر موسم عكاظ «كانوا إذا غدر الرجل أو جنى جناية عظيمة انطلق أحدهم حتى يرفع له راية غدر بعكاظ، فيقوم رجل فيخطب بذلك الغدر، فيقول: ألا إن فلان ابن فلان غدر فاعرفوا وجهه، ولا تصاهروه، ولا تجالسوه، ولا تسمعوا منه قولًا، فإن أُعتب وإلا جعل له مثل مثاله في رمح فنصب بعكاظ فلعن ورجم، وهو قول الشَّمّاخ: ذَعرْتُ به القَطا ونفيْتُ عنه *** مقامَ الذِّئبِ كالرَّجلِ اللعينِ ومَنْ كان له دينٌ على آخرَ أنْظره إلى عُكاظ [18] ، ومن كان له حاجة استصرخ القبائل بعكاظٍ، كالذي حكى الأصفهاني: أنَّ رجلًا من هوازن أُسر فاستغاث أخوه بقومٍ فلم يُغيثوه، فركب إلى موسمِ عُكاظٍ وأتى منازل مُذْحَج يستصرخهم [19] . وكثيرًا ما تُتَّخذ السوق وسيلةً للخُطبةِ والزَّواج فيروي "الأغاني" أنَّه اجتمع يزيدُ بن عبد المدان وعامر بن الطفيل بموسم عُكاظ، وقدَّم أميّة بن الأسكر الكناني وتبعتُه ابنةٌ له من أجمل أهل زمانها فخطبها يزيد وعامر فتردد أبو هاشم، ففخر كل منهما بقومه وعدد فعالهم في قصائد ذكرها [20] . ومَن كان صعلوكًا فاجرًا خلعتْه قبيلتُه - إن شاءتْ - بسوق عُكاظٍ، وتبرَّأت منه ومن فعاله، كالذي فعلت خزاعة: خلعتْ قيسَ بن مُنقذٍ بسوق عكاظ، وأشهدت على نفسها بخلعِها إيَّاه وأنَّها لا تحتملُ له جريرةً ولا تطالبُ بجريرةٍ يجرُّها أحدٌ عليه [21] . المصدر: «مجلة الرسالة»، العدد: 12 - بتاريخ: 01 - 07 - 1933م [1] الأستاذ أحمد أمين، من كبار الكتَّاب في عصره، عالم بالأدب، واسع الاطلاع، منحته جامعة القاهرة لقب (دكتور) فخري سنة 1948، وهو: أحمد أمين ابن الشيخ إبراهيم الطباخ، اشتهر باسمه (أحمد أمين) وضاعت نسبته إلى (الطباخ)، ولد بالقاهرة سنة 1295هـ = 1878م، وعاش فيها وتوفي بها سنة 1373هـ = 1954م. أُخذ عليه تأثره إلى درجة كبيرة ببحوث المستشرقين وكتاباتهم عمومًا، وما يتعلق منها بالموقف من الحديث النبوي والموقف من الصحابة خصوصًا. نشرنا له هذه المقالات لتميزها من الناحية الأدبية والتاريخية، ولكونها مقالات قديمة نرغب في إظهارها على شبكة الإنترنت، فلزم التنبيه على مذهبه ليكون المسلم على حذر من ذلك. [2] الأشهر الحرم: هي رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم. [3] "تفسير الطبري" (2/ 201). ولشدة تعظيمها إيَّاه قيل له: رجب مضر ولم يكن يستحله إلا حيان: خثعم وطيء. "الأزمنة والأمكنة" (1/ 90). [4] "سيرة ابن هشام" طبع أوربا : 118. [5] "الأزمنة والأمكنة" طبع الهند للمرزوقي (2/ 165). [6] "دلائل النبوة" لأبي نعيم، طبع الهند (ص 105). [7] "دلائل النبوة" (ص101 ، 102). [8] "الأزمنة والأمكنة" (2/ 165). [9] "أخبار مكة" للأزرقي (ص 132). [10] "الأغاني" (19/ 73 – 82). [11] "تاريخ الطبري" (3 / 298). [12] "الأغاني" (10/ 9). [13] "الأغاني" (10 / 29). [14] "الأغاني" (1 / 84). [15] "ما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه"، نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 78 أدب. [16] "الأغاني" (19 / 73 – 82). [17] الأزمنة والأمكنة" (2/ 168). [18] "الكامل" لابن الأثير (1/ 246). [19] "الأغاني" (10/ 248) وما بعدها. [20] انظر الحكاية بطولها في "الأغاني" (10/ 145). [21] "الأغاني" (13 / ص 2) وما بعدها. |
الضوء الباهر في حل ألفاظ روضة الناظر وجنة المناظر | خاص شبكة الألوكة | 08-02-2020 | 21,216 | https://www.alukah.net//culture/0/138552/%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%88%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%87%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%ad%d9%84-%d8%a3%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b8-%d8%b1%d9%88%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b8%d8%b1-%d9%88%d8%ac%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b8%d8%b1/ | الضوء الباهر في حل ألفاظ روضة الناظر وجنة المناظر لكاملة الكواري صدر حديثًا كتاب " الضوء الباهر في حل ألفاظ روضة الناظر وجنة المناظر " في أصول الفقه للشيخة د. كاملة الكواري - نفع الله بها -، طُبعَ في مجلد ضخم عن دار ابن حزم. وهذا الكتاب هو شرح مُبسَّط سهل لكتاب الإمام ابن قدامة المقدسي " روضة الناظر "، وذكرتْ الكاتبة في مقدمتها للكتاب أن ابن قدامة قد بنى كتابه على كتاب " المستصفى " للغزالي، حيث نقلَ كثيرًا من نصوصه وألفاظه، ورتَّبه على أبوابٍ، مع تصرفٍ فيه بترتيب العبارات، حتى إنه تبعه في إضافة المقدمة المنطقية إلى كتابه، والتي كانت مثار انتقاد له من بعض العلماء، حتى قيل: إنه حذفها فيما بعد من بعض النسخ. وقد قال بعض علماء الحنابلة: "الروضة مختصر من المستصفى ". وقد اعتنى فيه ابن قدامة بآراء الإمام أحمد وأصحابه حتى قال عنه ابن بدران: «إنه أنفع كتاب لمن يريد تعاطي الأصول من أصحابنا، فمقام هذا الكتاب بين كتب الأصول مقام "المقنع" بين كتب الفروع». وقد تبع " ابن قدامة " الغزالي أيضًا في ترتيب أدلة الأحكام، فجعلها على هذا النحو: كتاب الله تعالى، ثم سنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم الإجماع، ثم دليل العقل المبقي على النفي الأصلي، ثم في الأدلة المختلف فيها، وأخَّرَ القياس وجعله في باب: ما يقتبس من الألفاظ، مخالفًا ما عليه جمهور العلماء من المذاهب الأربعة، حيث يجعلون القياس من الأدلة الأربعة المتفق عليها: الكتاب، السنة، الإجماع، القياس. وبصفة عامة يُعدُّ كتاب " روضة الناظر " من أهم الكتب التي ألِّفت في علم الأصول وفي مذهب الحنابلة بصفة خاصة، حيث كثرت مختصراته وشروحاته والتعليقات عليه. فكان أول من شرحه ابن المجاور حسن بن محمد النابلسي المتوفى سنة 772 هـ في كتابه " حجية المعقول والمنقول في شرح روضة علم الأصول ". وممن اختصره: أبو الفتح الحنبلي المتوفى سنة 709 هـ في "تلخيص روضة الناظر" . واختصره أيضًا نجم الدين الطوفي المتوفى سنة 716هـ اختصره في كتاب سماه "ا لبلبل في أصول الفقه " طبع بمطبعة النور بالرياض عام 1383هـ. ثم قام بشرح هذا المختصر شرحًا وافيًا، أضاف إليه أمورًا كثيرة من اجتهاداته، ومن أقول العلماء الآخرين، مما جعل لهذا الشرح أهمية بالغة. وقد حقق هذا الشرح معالي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي ونشر بمكتبة مؤسسة الرسالة. وقام بشرح الكتاب والتعليق عليه الشيخ عبد القادر بن أحمد بن مصطفى بدران الدمشقي المتوفى سنة "1346هـ-1920م" وسماه " نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر ". وكذلك الشيخ محمد الأمين الشنقيطي المتوفى سنة 1393هـ علق عليه في " مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر للعلامة ابن قدامة رحمه الله ". وشرحه د. محمد البورنو في كتابه " كشف الساتر شرح غوامض روضة الناظر "، ود. عبدالكريم النملة في شرحه " إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر "، ود. علي الضويحي في " فتح الولي الناصر شرح روضة الناظر ". هذا إلى جانب عشرات الشروح المسموعة التي قام بشرحها طائفة من العلماء من باب تيسير المادة الأصولية والتي ذكرت الكاتبة أسماؤهم في مقدِّمتها وذكرت أنَّها استفادت منها في شرحها ومنهم: د. مسلم الدوسري ود. عائض الشهراني ود. جميل الخلف ود. محمد المبارك ود. وليد الدرعان ود. وليد العجاجي ود. أحمد العنقري ود. عياض السلمي. وقد قامت الكاتبة بهذا الشرح بأيسر العبارات حيث ذكرت أنها بالغت في تسهيل العبارة وتكرارها لينتفع بالشرح طلبةُ العلم المبتدئين في الجامعات، وقامت بتفقيره واختيار أبسط عباراته ليسهل على طالب العلم الفهم، كما قامت بتفريعه ووضعت للمسائل عناوين؛ وذلك من أجل خدمة المتن، وإخراج الشرح في أحسن صورة. |
التصنيف في أبناء القرن الواحد | د. محمد بن حميد العوفي | 08-02-2020 | 2,245 | https://www.alukah.net//culture/0/138540/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b5%d9%86%d9%8a%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af/ | التصنيف في أبناء القرن الواحد الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ وبعد: فهذا مبحث لطيف في حَدِّ التصنيف في تراجم أبناء القرن الواحد. وقد جاء في أربعة مطالب وخاتمة. المطلب الأول: المعتاد في التصنيف على تراجم أبناء القرن الواحد. عمد المصنفون في هذا الباب على ترجمة الأعلام الذين توفوا في القرن الموسوم لتصانيفهم؛ ومن ذلك: 1- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة؛ لابن حجر (ت 852هـ). 2- الضوء اللامع لأهل القرن التاسع؛ للسخاوي (902هـ). 3- النور السافر عن أخبار القرن العاشر؛ للعيدروس (ت 1038هـ). 4- خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر؛ للمحبي (ت 1111هـ). المطلب الثاني: ا لتصنيف ولَـمَّا ينته القرن. ومن ذلك: 1- الغصون اليانعة في محاسن شعراء المائة السابعة؛ لابن سعيد المغربي (ت 685هـ). 2- الكتيبة الكامنة فيمن لقيناه بالأندلس من شعراء المائة الثامنة؛ للسان الدين ابن الخطيب (ت 776هـ). المطلب الثالث: إلحاق من لم يدرك القرن. قال الغِبريني (ت 714هـ) في (عنوان الدراية فيمن عُرف من العلماء في المائة السابعة) معتذراً -بعدما ذكر جماعة ألحقهم بكتابه-: "فهؤلاء الفضلاء هم الذين رأيت أن أُلحقهم بعلماء هذه المائة؛ لأنهم كانوا في أواخر المائة السادسة، وقد بقي خلق كثير من أهل المائة السادسة ممن لهم جلال وكمال؛ ولكن شرط الكتاب منع من ذكرهم" [1] . المطلب الرابع: إلحاق من أدرك القرن التالي. ترجم عبد الرزاق البيطار (ت 1335هـ) في (حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر) معاصريه [2] ؛ فزاد تراجم جماعة من معاصريه ممن أدرك القرن الرابع عشر [3] . الخاتمة: وبعد؛ فهذه أبرز نتائج المبحث: 1- عامة التصانيف في تراجم أبناء القرن الواحد التزموا ترجمة المتوفين في القرن الموسوم لتصانيفهم. 2- صنف بعض العلماء في تراجم أبناء القرن ولَـمَّا ينته. 3- توسع بعضهم بإلحاق من لم يدرك القرن، ثم اعتذر لهذا التوسع. 4- تسامح البيطار في (الحلية) فترجم جماعة من معاصريه ممن أدرك القرن التالي. والحمد لله على مَنِّه وبلوغ التمام [1] عنوان الدراية: ص55. [2] كما وصف الزركلي في (الأعلام: 3 /351). [3] من أبرزهم محمود (ت 1316هـ) ابن أخيه الشيخ حسن البيطار. (ص 1483). |
في وفاة العلامة محمد بو خبزة وتحرير بعض مرويه | محمد زياد التكلة | 07-02-2020 | 7,920 | https://www.alukah.net//culture/0/138539/%d9%81%d9%8a-%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%88-%d8%ae%d8%a8%d8%b2%d8%a9-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%85%d8%b1%d9%88%d9%8a%d9%87/ | في وفاة العلّامة محمد بو خُبْزَة وتحرير بعض مَرْوِيِّه الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. أما بعد: فإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون. قد سمع القاصي والداني يوم الخميس رابع جمادى الآخرة سنة 1441 خبر وفاة شيخنا الإمام، العلَّامة السَّلَفي، المحدِّث الفقيه، الأديب، الزاهد الواعظ، أحد مراجع إفادة التراث والمخطوطات، المسند الكبير، المعمّر الشريف، أبي أُويس، محمد بن الأمين بو خُبْزة الحَسَني التِّطْواني، تغمَّده الله بواسع رحمته، وجَمَعنا به في دار كرامته، وقد تجاوز التسعين. والشيخ رحمه الله له أيادٍ وأفضال على العبد الفقير، مثلي مثل كثيرٍ من طلبة العلم في بلاده وخارجها، ومع الحُزن على فقده: فقد أثلج الصَّدْرَ كثرةُ الكتابات والكلمات والثناءات التي انهالتْ عليه بعد وَفَاته، من الخاصَّة والعامَّة، بل الموافق والمخالِف، مع ما حَصَلَ من جنازته العَظيمة التي لعله لم يُرَ نظيرُها في تِطْوان، وقبلها ما حكاه مَنْ تولى غَسْلَه وتكفينه من كرامة تبسُّمه ولينه، وغيره مما يُستبشر له، ويدلُّ على القَبول وحُسْن الخاتمة. وفي هذه المساهمة البسيطة رأيتُ أن أذكر أشياء عنه وفاءً لبعض حقِّه. فقد أكرمني الله بالأخذ عن شيخنا مكاتبة سنة 1418، وأرسل الإجازة لي ولمن استدعيتُ لهم منه، وأرسل لي ترجمته الذاتية بخطِّه الأندلسي الحسن [1] ، ثم تكررت الزيارات له والمهاتفات، وقرأتُ عليه أشياء عدَّة، وأجاز لي وعلى استدعاءاتي مرات، وكَتَب لي كلمةً ضافيةً في الردِّ على فِرْيَة الجزء المفقود المزعوم من مصنف عبد الرزاق -الذي أخرجه عيسى الحميري وسوَّى أمره له محمود سعيد ممدوح- وأثنى على تلميذه الفَقير بكلمات تشجيعية لا يستحقها، وتكرَّم بإعارتي أصله الخطِّي النَّفيس من جزء الحافظ بَقِيّ بن مَخْلَد في طرق حديث الحوض والكوثر، وذكرتُ في كتابي فتح الجليل (ص366 ط1) ترجمة موجزة له من 16 سنة. وقد تباحثتُ معه مرارًا عن مروياته، وأرجو أنني تحققتُ منها في سنوات عدَّة، ومن ذلك أنني سافرتُ له رحلة خاصة لتحرير مرويه عن الإمام الألباني، رحم الله الجميع، وكتبتُ ملخَّص ما حرَّرْتُه عنه، وصادَقَ عليه بخطِّه، بوجود بعض المشايخ الكرام، أقول ذلك نظرًا لكثرة ما حصل في ذلك من أخذٍ وردٍّ ممن لم يُمعن في تحرير ذلك على الوجه، وتكرر سؤال الفضلاء عن ذلك لي في حياته، ولا سيما أن شيخنا رحمه الله كان أكرمني بتوكيلي بالإجازة عنه. فأقول: كان فضيلة الشيخ البحاثة بدر العمراني -وفَّقه الله ورعاه- قد بَرّ شيخنا بتخريج فهرسة له في حياته، وهي مطبوعة، بيد أنني سأذكر ما تحرر لديَّ من روايته في مسألتَيْن: تفصيل الرواية عن الألباني، والحديث المسلسل بالأولية عن عبد الحي الكَتَّاني. فأمَّا روايته عن الإمام المحدِّث الألباني فقد كان شيخنا الفقيد يعتزُّ بها، وحُقَّ له ذلك، وكان عندما يتكلم عنها يفصِّل أحيانًا، وأحيانًا لا يفصِّل، وقد يذكر كلَّ الأوجه في روايته، وقد يكتفي ببعض ما رآه أميز من غيره، فمن هنا اختلف الناقلون بحسب القدر الذي عَلِمُوه. ♦ ورواية شيخنا عن الألباني هي على أربعة أوجه: 1- مناولة: لبعض كتبه، مناولة مقصودة ومبَيَّنة للرواية، مرة في المدينة، وأخرى في عَمَّان. 2- قراءة: لأبواب من أول مخطوطة السنن الكبرى للنَّسائي الموجودة في تِطْوان لما زارها الألباني، وكان قرأ بقصد الرواية، وحدَّد لنا أن القراءة كانت لورقتين أو ثلاثة من أول المخطوط، وقال مرة: لبضعة أبواب. 3- إذنًا عامًّا: فقد قال للإمام الألباني: أريد الرواية عنك، فقال ما لفظه: اروِ عنِّي إن شئت. 4- مكاتبة: أرسل له بعض كتبه. وكلُّ هذا تكرر سماعي له من شيخنا، وكلُّه سمعه منه غيري من الأصحاب المعتنين، قَبْلي، ومعي، وبعدي، ولكن أكثر ما كان يذكره شيخُنا هو الأمر الأول، ثم الثاني، وكما ترى فإن أهم ذلك هو الأمر الثالث، فهو الذي يفيد الرواية عامة، وكان شيخنا يصرِّح لمن يستفصله عن مسألة الإذن أنه إذنٌ مطلَق، ولما سألتُ شيخنا عن قوله: (إن شئت): هل شئت أنت الرواية؟ فاعتدل في جلسته مغتبطًا مفتخرًا؛ وقال: وكيف لا أشاء الرواية عن الألباني؟ ومما يؤكِّدُ أن الإذن عام أنه جاء في جلسة أخبره بها الإمام الألباني بأنه يروي عامة عن الشيخ محمد راغب الطَبّاخ، وطَلَب فيها شيخنا الإجازة من الألباني، وأنه وإن لم يتلفظ بالإجازة الصريحة -لقوله في الجلسة إنه لا جدوى منها فيما يراه- ولكن تعليق الإذن بالمشيئة لمطلق الرواية قد تحقَّق، وهو في المحصلة سيَّان مع الإجازة العامة، وما دام الراوي -وهو الأدرى بمرويه- رآه: فلا توقف في الاحتجاج به إن شاء الله. وبعد أن لخَّصتُ منه في إحدى الرحلات هذه النقاط، أعدتُ قراءتها عليه مع التحقق منه فقرةً فقرة، ولا سيما الثالثة كنت أُعيد فيها وأُبدي، وأقرَّ شيخُنا لفظًا وكتابة، ولله الحمد. ثم في آخر زيارةٍ زرتُه فيها أعاد الشيخ أمر الرواية بالإذن العام عن الألباني، وبقي كلامه متحدًا فيها طوال السنوات التي باحثتُه فيها، وسَمَح لنا أن نقرأ من السُّنَن الكبرى أبوابًا من أولها كما كان فعل مع الألباني، رحم الله الجميع. وقد كتب شيخنا مقالًا جميلًا عن صِلَته بالشيخ الألباني سنة 1421، نَشَره صاحبُنا العالم البحَّاثة المحقِّق جمال عَزُّون في موقع الألوكة، لمن أراد مراجعته، ففيه غالب ما ذكرته هنا مفرَّقًا: https://www.alukah.net/culture/0/923/ ♦ وأما رواية شيخنا للحديث المسلسل بالأولية عن الكَتّاني وغيره، فقد كان حدَّثني هاتفيًا بالمسلسل سنة 1420، وقال لي ابتداءً منه إنه سمعه بشَرْطِه من المشايخ: أحمد الغُماري، وعبد الحي الكَتّاني، وعبد الحفيظ الفِهْري، والطاهر بن عاشور، وقال لي إنه أجاز له غيرهم، وقيّدتُ ذلك عنه في حينه. وكان أخبر بعض الزملاء [2] والآخذين عنه غيري -قبلُ وبعد- أنه سمع الأولية من الكتاني. ثم في لقائي معه سنة 1431 قال لي إنه سمع المسلسل من شيخنا محمد المنّوني فقط -وكانا قد تدبَّجا بأَخَرة- وإنه لم يسمعه من غيره. وكذلك فلم يذكر ما كان أخبرني به من سماع الأولية في فهرسته التي خَرَجَتْ سنة 1428، وصار بعد ذلك لا يكاد يذكرها عن الكَتّاني. ثم في آخر لقاء لي مع شيخنا شهر صفر سنة 1438 تباحثتُ معه حوله، وقلت له إنك أخبرتني من نحو عشرين سنة أنك سمعت الأولية من الكَتّاني وعبد الحفيظ وغيرهما. فقال لي: لا أتحققُه. فقلت له: هل تنفيه محقَّقًا أم أنه ممكن؟ فقال: لا يبعد أني سمعتُه من عبد الحي، فقد كان لهجًا بالحديث، وعادته يحدِّث به لما يُجيز، وقد قابلته مرارًا. وقال لي: إن كنتُ قلتُه لك وقتها فلن أقوله إلا وأنا متحقق، ولكني لا أذكره الآن لأني لا أتحقّقُه. وهذا من تثبُّته رحمه الله. وذَكَر لنا حينها أنَّ من سوء حظِّه أنه كان استُدعي مع شيخنا المَنُّوني ومحمد العربي الخَطّابي لفهرسة مكتبة الكَتّاني التي بالخزانة الملكية بمَرَّاكُش، ولكن كانت أمُّه مريضة، فاعتذر عن المهمَّة، ونَدِمَ بعدُ كثيرًا كما قال لنا لفوات الاطلاع على كتبه النفيسة. أمر آخر: كان شيخنا رحمه الله ربما إذا نسي شيئًا نفاه، وسبق أن حصل حينًا من أنه وكَّلني عنه! فلما ذكّرتُه في إحدى الرحلات تذكر. قلتُ: فهذا ما تحرَّر لديَّ بشأن هاتين المسألتَيْن في رواية شيخنا، ومن لطائفه في الإسناد أنه أجاز لأربعة على نَسَق، فكان قد تدبَّج مع شيخنا سماحة الشيخ عبد الله العَقيل رحمه الله، وأجاز لابنه الشيخ عبد الرحمن، وحفيده الشيخ أنس، وأجاز لأولاد الشيخ أنس أيضًا. فيكون ألحق أبناء الأحفاد بالأجداد. ♦ وأمرٌ أخير أودُّ ذِكرَه في هذه الكلمة: كان شيخُنا فيما أحسب ممن لا يُبالي بقولِ ما يراه حقًّا، وأحسبُه كان لا يبتغي إلا رضا الله عز وجلَّ في ذلك، وزهد في مناصب سامية عُرضت عليه، ولكنه أوذي من قِبَل بعضهم، حتى مُنع من الخطابة والتدريس، ووصلتْ أذيّتُه إلى المحاكم، وكانت له ردودٌ شديدة عنيفة، ويهمُّني منها أن أذكر خاتمة ما كان بينه وبين شيخنا المحدّث عبد الله التَّليدي، رحمهما الله، فكلاهما كان من القريبين لأحمد الغُماري، وهو -رغم عِلْمِه واطِّلاعه- قد كان عليه الكثير من المآخذ، وبعضها شَديد، وكتبتُ عنه في عدة مواطن، فأما شيخنا بوخبزة فرغم القُرْب والمصاهرة فقد قطع علائقه بشيخه بالكلِّية، وتبرأ منه ومن التصوُّف جهارًا، وأما شيخنا التَّليدي فتدرَّج في التصحيح مع الوقت دون تبرؤ، ولكنه خالف شيخه في كثير من المآخذ عليه، كما تشهد كتبه المتأخرة وذكرياته [3] . فحصلت بين شيخينا قطيعةٌ لعقود، وشدةٌ بالغةٌ في الكلام من طرف شيخنا أبي أُويس، وكلامُ الأقران يُطوى ولا يُروى، ولكن قبل وفاة التَّليدي بأسبوع، أرسل إلى زميله القديم باكيًا بسَلَامِه، وكلاهما قد عَلِمَ قُرب الرحيل، فَقُطِعَتْ القطيعة بينهما بحمد لله، كما أفاد الشيخ محمد ابن شيخنا عبد الله التَّليدي على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك)، رحمهما الله وسائر شيوخنا والمسلمين، وأفلح من لقي الله متخففًا من الخصومات. تعازينا لأهل شيخنا، وذَويه ومحبّيه، ولا سيما طلبته والآخذين عنه. وإنا لله وإنا إليه راجعون. كتبه محمد زياد بن عمر التُّكْلَة حامدًا مصليًّا مسلِّمًا في دارْبي 12 جمادى الآخرة 1441 [1] وانظرها هنا للفائدة: https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=3246 [2] منهم المشايخ الكرام عبد الله المِخْلافي، ومحمد سعيد مِنْقارة، وغيرهما. ورأيت نحوه للشيخ د. يحيى البكري الشهري. ورأى بعض الزملاء إلحاق شيخنا بخطه في هامش إجازته سماعه للأولية من الغماري. [3] بل صرَّح شيخنا بوخبزة في لقاء ملتقى أهل التوحيد أن الشيخ التليدي تراجع عن موافقة شيخه الغماري في سب الصحابة، ووحدة الوجود، واتخاذ القبور مساجد. ودعا له بالهداية. |
كتاب (الإجماعات الفقهية التي حكاها الإمام أحمد) للفريح | خاص شبكة الألوكة | 04-02-2020 | 9,640 | https://www.alukah.net//culture/0/138513/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d9%84%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%8a%d8%ad/ | كتاب "الإجماعات الفقهية التي حكاها الإمام أحمد" للفُريح صدر حديثًا عن دار اللؤلؤة كتاب "الإجماعات الفقهية التي حكاها الإمام أحمد بن حنبل - رحمه - الله جمعًا ودراسة " من تأليف " د. محمد بن فهد بن عبد العزيز الفُريح " عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للقضاء. ويتناول هذا الكتاب الإجماعات التي حكاها الإمام أحمد - رحمه الله - ونصَّ عليها فيما نُقِل عنه في مسائل العقيدة والعبادات .. وغيرها، ويرى الكاتب أن تعلُّقَ البعض بردِّ الإمام أحمد الإجماع بمقولة قالها؛ وهي: «من ادَّعى الإجماع فقد كذَبَ، لعلَّ الناسَ قد اختلفوا»، وجعلها متكأ لرد الإجماع، خطأ محض، حيث ظنَّ البعض أنَّه لا يمكن أن يُحكى الإجماع خاصة في مسائل الفقه وذلك لكثرة الخلاف! وقد جاء هذا الكتاب لإنكار أن يكون الإمام أحمد قد أنكر الإجماع، ولا يمنع من نقله حتى في مسائل الفقه، لأنه - رحمه الله - قد حكى الإجماع في مسائل فقهية كثيرة، بل كان شديد الإنكار على من خالف الإجماع. ويرى ابن تيمية أنه يمكن حمل عبارة الإمام أحمد على حكاية الإجماع بعد القرون الثلاثة المفضلة، قال ابن تيمية رحمه الله: «والذي أنكره الإمام أحمد دعوى إجماع المخالفين بعد الصحابة، أو بعدهم وبعد التابعين، أو بعد القرون الثلاثة المحمودة، ولا يكاد يوجد في كلامه احتجاج بإجماع بعد عصر التابعين، أو بعد القرون الثلاثة». [المسودة: 2 /618]. ويقول د. محمد الفريح أنه لا يمكن جعل مقولة الإمام أحمد سببًا وطريقًا لرد الإجماع ونقضه إذا حكاه عالم مستقرئ مُطَّلعٌ في الزَّمانِ الأول. وهو نفس استنتاج الإمام ابن حزم - رحمه الله - الذي يقول: « صدق أحمد - رضي الله عنه -، من ادَّعى الإجماع فيما لا يقينَ عنده بأنَّه قول جميع أهل الإسلام بلا شك في أحدٍ منه: فقد كذب على الأمة كلها، وقطع بظنه عليهم». [المحلى: 3 /146]. وقد قام د. محمد الفريح ببيان تلك المسائل التي ورد عن الإمام أحمد نقل الإجماع فيها، وذلك بأن يذكر في كل مسألة ما يأتي: 1. نص الإجماع الذي ورد عن الإمام أحمد - رحمه الله. 2. من حكى الإجماع في المسألة، أو نقله من العلماء. 3. مستند الإجماع. 4. إذا كان في المسألة خلاف معتبر ذكر الكاتب الأقوال مع الأدلة والترجيح. 5. النتيجة، والمقصود بها: هل الإجماع ثابت أم هناك خلاف لا يُسلَّم معه بالإجماع؟ وقد حصرَ الكاتب الإجماعات التي ذكرها الإمام أحمد بن حنبل في كتاب: الطهارة، ومنها: ♦ نجاسة الدم الكثير الفاحش المسفوح. ♦ طهارة صوف الميتة. ♦ أداء أكثر من صلاة بوضوء واحد. ♦ وجوب تعميم الوجه بالمسح في التيمم. والإجماعات التي في كتاب الصلاة، ومنها: ♦ لباس المرأة في الصلاة هو الدرع والخمار، والمقصود ستر جميع بدنها ورأسها. ♦ الإنصات لقراءة الإمام في الصلاة الجهرية. ♦ الإدراك للركوع إدراك للركعة. ♦ تحليل الصلاة للتسليم. ♦ لا يعيد المأموم الصلاة إذا أداها خلف إمام محدث لا يعلم بحدثه، وكان الإمام ناسيًا لحدثه. ♦ من نسي صلاة حضر، فذكرها في سفر صلاها أربعًا. والإجماعات التي نقلها الإمام أحمد في الاعتكاف والتكبير والحج: ♦ سنية الاعتكاف. ♦ التكبير المقيد يبدأ بعد صلاة الصبح يوم عرفة لغير المحرم. ♦ مشروعية خطبة يوم عرفة. ♦ ركنية طواف الإفاضة. ♦ اليوم العاشر والحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة وقت للنحر. ويخلص الكاتب في نهاية كتابه إلى أن الإمام أحمد بن حنبل لم يغفل دليل الإجماع، ولم يرده، بل كان يذهب إليه، وينص عليه في عدد من المسائل التي قد لا يكون فيه مستند الإجماع ظاهرًا، وغالبًا يكون الاستناد على إجماع الصحابة من أقوالهم وأفعالهم - رضي الله عنهم. والكتاب في الأصل عبارة عن بحث نشره الكاتب في " مجلة الجمعية الفقهية السعودية " الصادرة عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، العدد العشرون: شوال/محرم 1435-1436 هـ/ 2014 م، ثمَّ قام المؤلف بالتوسع في مباحثه وذكر كافة الإجماعات التي نقلها العلماء عن الإمام أحمد بن حنبل في مذهبه والمذاهب الأخرى. |