article_title
stringlengths
1
185
author_name
stringlengths
2
70
date_added
stringlengths
10
10
read_count
int64
24
10.8M
article_link
stringlengths
45
1k
text
stringlengths
6
254k
تنبيه الغبي على مقدار النبي صلى الله عليه وسلم لابن العربي المالكي
محمود ثروت أبو الفضل
14-06-2022
2,274
https://www.alukah.net//culture/0/155448/%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a8%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d9%82%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a-%d8%b5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d9%88%d8%b3%d9%84%d9%85-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a/
تنبيه الغبي على مقدار النبي لابن العربي المالكي صدر حديثًا كتاب "تنبيه الغبي على مقدار النبي صلى الله عليه وسلم"، للإمام الحافظ "أبي بكر محمد بن عبد الله بن محمد ابن العربي المعافري الإشبيلي" (ت 542 هـ)، دراسة وتعليق: د. "عبد الله التوراتي"، تقديم: أ.د. "محمد الطبراني"، نشر: "دار الحديث الكتانية". وهذا الكتاب من جملة مؤلفات الإمام "ابن العربي المالكي" في السيرة النبوية والعقيدة، والتي قصد بها الذب عن مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ضد أهل الأهواء من غلاة الصوفية والمعتزلة والفلاسفة، حيث نجد قبسًا من تتبع ابن العربي للفرق الكلامية التي كثرت في بلاد الأندلس على عهده فيما يجوز في حق الأنبياء، وما يجب ويستحيل، وهذا الكتاب من أنفع ما ألفه المغاربة في تعظيم قدر النبوة والنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبان فيه شفوف ابن العربي ونبوغه، وامتلاكه لناصية علم الكلام، ومعرفته بقواعده ومقاصده، وما ينضاف إلى ذلك من المخالطة لمقالات الفرق، والمعرفة بأغراضها، والوقوف على شبهها، والرد عليها بطريقتهم الجدلية في إثبات عظم قدر النبوة وعلو مقامها. يقول الأستاذ "عبد الله التوراتي" في تقديمه للكتاب: "إنما شرع القاضي أبو بكر فيه لما يرجوه من الدُّخر، ويبتغيه من الأجر؛ بصون مقام النبوة عن طعن الطاعنين، وافتراء المفترين، وكان من آكد ما يدعوه إلى ذلك قصد بعض العارفين لقدره، والمدركين لنُبله، إلى كشف ما يجول في كتب المفسرين، مما يحتطبه البعضُ في تصانيفهم، وفيه المساءة للنبوة، والشَّين لمقام القدوة، ولا أرى في ذلك إلا إحدى بركات مجالس الإمام أبي بكر، فبعد أوبته من رحلته، وما جلبه في سَفرته، وقد كان من نهجه ذِكْرُه لمفاخر ما رآه، ومباهج ما لاقاه، وفيها تلك القواعد الركينة من علم التوحيد وكُتبه، فتطلَّعت همته إلى تبيّن حقيقة ما يُشاع من تلك الروايات، من غير نظر إلى أسانيدها، ولا مداخلة لدلائل دَفعها، فكان ذلك الرجاء الذي أثمر هاته الرسالة المنبهة. وقد ألقى الإمامُ هنا باللائمة على كُتب التفسير، لجمعها كل ما قيل، وتقصيرها في تمحيصه، وقد كانت الأندلس على دُستور من سبقها؛ من الاعتمال بالقرآن، والنظر في حروفه، والاقتصار على معانيه، من غير خلط ذلك بعلم الكلام، فكانت تفاسيرهم على نهج أهل الأثر، وربما أوردوا في أثناء الفَسر والبيان ما يكون مشكلًا، ولا يرون التعرض له، أو النقض لمفهومه، إلى أن رَحل الرحَّالون من أهل النظر؛ كأبي الوليد الباجي، وابن العربي، وغيرهما ممّن سلك طريق المتكلمة، ورام تنزيه مقام الدين، وتبيان قواعد اليقين". قال الإمام أبو بكر: "وسببُ ذلك: أن كل مُتعرِّض للقول على كتاب الله تعالى، وإن تبحَّر في فَنٍّ من العلوم والفنون؛ فإنه تَقْصُرُ خُطاه عن الترقي إلى ذُروة البحث عن الإله وصفاته والنبي وأحكامه، فإنْ أَخَذَ في ما يُحسنه من فنون عِلْمِ الكتاب أجاد، وإن وقع في هاتين الدَّيمُومَتين اعتسف من غيرها". وقسم ابن العربي كتابه على ثلاثة فصول، وثلاثة أصول: الفَصْل الأوَّل: في شَرح النُّبوة والنبيّ. الفصل الثاني: في وَجْهِ معرفة النبيِّ صلى الله عليه وسلم بكونه نبيًّا. الفصل الثالث: في وَجْهِ معرفة الخَلق بكونه نَبِيًّا. أما الثلاثة الأصول التي قامت عليها مادة الكتاب: الأصل الأوَّل: في معرفة ما يجوز عليه من صفات البَشر الذي هو منهم. الأصلُ الثاني: في تسطير الروايات في المسألة ومقارنتها بجميعها. الأَصْل الثالث: في وَجْهِ تخريجها على مِقدار الجائز عليه. والمعضلاتُ التي قَصَد إليها ابن العربي في هذا التنبيه هي: الأولى: حكاية الغرانيق، وما جاء فيها من الروايات الباطلة. الثانية: زواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من زينب رضي الله عنها، وما قيل في ذلك من الأخبار الباطلة. الثالثة: أحاديثُ السَّهو؛ حديث ذي اليَدَيْنِ، وعبد الله بن مسعود، وابن بُحَينة. وأجاب عن كل معضلة بما يُزيح عنها وجوه الإشكال، وبَسط ذلك وأتمّه على ما ينبغي البيان وأكثر. وأورد على المعضلة الأولى بعد بيان فسادها واختلال رواياتها ونكارتها ثمانية إشكالات، ثم أجاب عنها، وكان جوابه على هذا النحو: الإشكال الأوَّل: أجاب عنه من ثلاثة عشر وجهًا من وجوه البيان. سائر الإشكالات: أجاب عن كل واحد منها بوجه واحد من أوجه البيان. والمعضلة الثانية ذَكر ما ورد فيها من الروايات، وأجاب عن كل واحدة منها، بعد استضعاف الزائغ منها، السائر على غير أَمم الوثاقة. والأخيرة من تلك المعضلات ذَكر فيها الأصل الذي ينبغي أن يعول عليه في ما أشبهها، ثم فسّر ما يحسُن تفسيره. وقد قام المحقق بتحقيق متن الكتاب على نسخة خطية وحيدة هي من كتب العلَّامة الشريف عبد الحي بن عبد الكبير الكتَّاني، في ثمان وعشرين ورقة، بخط نسخي قديم نوعًا، وعلى الكتاب خط الوفائي وتملُّكه. وعلى الرغم من وجود نقص في نسخة الكتاب، فقد أعمل الأستاذ "عبدالله التوراتي" جهده في جبر ذلك النقص، ويسّر الله تعالى له في تقدير ذلك النقص، والنظر فيه، مع الاستعانة بكُتب الإمام ابن العربي، حيث جرّد منها ما يُعين على فهم مسائل الكتاب، وربطها بعضها ببعض. وقام بالتقدمة للكتاب بدراسة مختصرة، ذكر فيها زمن تأليفه، وموضوعه، والباعث على تصنيفه، وموارده، وغير ذلك من مسائل التحقيق وأصوله . وصاحب السفر هو أبو بكر ابن العَرَبي (468 - 453 هـ = 1076 - 1148 م) محمد بن عبد الله بن محمد المعافري الإشبيلي المالكي. قاض، من حفاظ الحديث. ولد في إشبيلية، ورحل إلى المشرق، وبرع في الأدب، وبلغ رتبة الاجتهاد في علوم الدين. وصنف كتبًا في الحديث والفقه والأصول والتفسير والأدب والتاريخ. وولي قضاء إشبيلية، ومات بقرب فاس، ودفن بها. قال ابن بشكوال: ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها وحفاظها. من كتبه: • (العواصم من القواصم). • (عارضة الأحوذي في شرح الترمذي). • (أحكام القرآن). • (القبس في شرح موطأ ابن أنس). • (الناسخ والمنسوخ). • (المسالك على موطأ مالك). • (الإنصاف في مسائل الخلاف) عشرون مجلدًا. • (أعيان الأعيان). • (المحصول) في أصول الفقه. • (كتاب المتكلمين). • (قانون التأويل)، في التفسير.
فلاسفة الغرب والحضارة الغربية الحديثة
د. زيد بن محمد الرماني
13-06-2022
5,593
https://www.alukah.net//culture/0/155430/%d9%81%d9%84%d8%a7%d8%b3%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a9/
فلاسفة الغرب والحضارة الغربية الحديثة لقد شهد فلاسفة الغرب ومفكروها بأن السعادة في هذا القرن قد ضاعت من حضارة وتقدم الغرب، إلى درجة أن يقول برتراندرسل: إن حيوانات عالمنا يغمرها السرور والفرح، على حين كان الناس أجدر من الحيوان بهذه السعادة، ولكنهم محرومون من نعمتها في عالمنا الحديث، ولقد أصبح من المستحيل الحصول على هذه النعمة؛ أي: السعادة. ويقرر روجيه جارودي أن الحضارة الغربية تمضي بالعالم إلى الهاوية بما أنتجته من آلات واختراعات تملأ حياتنا وتغزونا من كل جانب، وتشوش تصورنا، ويضيف أن العلوم الغربية أدت إلى تدمير ستين 60 مليون إنسان منذ الحرب العالمية الثانية وقنبلة هيروشيما شاهد على ذلك، وإذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإننا سنواجه أضعاف ما عشناه ويلات وكوارث. وينادي ألكسيس كاريل بضرورة قلب الحضارة الغربية، وظهور فكرة أخرى للتقدم البشري، ويقول: إن من الواجب أن يحوِّل اهتمام البشرية من الآلات وعالم الجمادات إلى جسم الإنسان وروحه إلى العمليات العقلية والعضوية التي ابتدعت الآلات، وابتدعت دنيا نيوتن وأينشتين، ويقول كذلك: إن أحدًا لا يطيع الأخلاق اليوم، فقد نبذ الإنسان العصري كل نظام في سبيل شهوته، إننا قلَّما نشاهد أفرادًا يتبعون مثلاً أخلاقيًّا أعلى، في تصرفاتهم في هذه المدنية العصرية. ويقول نورثروب: إن عالمنا هذا عالم متناقض؛ فالمنجزات التي تمثِّل أمجاده هي التي تهدده بالدمار، ويبدو أننا كلما تقدمنا في الحضارة، فقدنا القدرة على الحفاظ عليها. ويقرر كونكلين في كتابه الإنسان: الواقع والمثال أن الجنس البشري الآن في أشد أزمة مرَّ بها في تاريخه الطويل. ويقول هارولد تيتوس: إن نظرة الغربيين إلى الإنسان تنطوي على خطأ قاتل، والدليل على ذلك هو مسيرة الأحداث في العقود الأخيرة من هذا القرن التسعينيات، لقد فاز الإنسان بقوى جديدة كبرى في مجالات العلم والتقنية، بَيدَ أن هذه القوى استُخْدِمت لأغراض التدمير بكثرة زائدة، ولقد حدد الإنسان بسرعة نطاق معرفته وجود نوعيتها، بَيدَ أنه لم يتقدم نحو السعادة، وخفض العيش إلا قليلاً، ولقد صمم الإنسان المخططات، وأنشأ المؤسسات العديدة؛ ليفوز بمزيد من الأمن والراحة، ومع ذلك فهو يعاني من الخوف. أما جوليان هكسلي، فيقول: إن هذه الحقبة حقبة شديدة الحرج يسودها العنف والصراع والثورة، والدمار والوحشية والأخطار النووية والذرية، والانفجار السكاني والتلوث البيئي، والانفصام الأيديولوجي والإضراب العام. ويقول لويس ممفورد: الخوف والكراهية والشك والعنف أصبحت جميعًا وباءً مستوطنًا. أما هلبرونر، فيقول: كل الآراء المتفائلة قد باءت بالفشل حقًّا، لم يعد السؤال البيِّن هو عما إذا كانت قوى التقنية والديمقراطية والرأسمالية هي العوامل التي تبشِّر بمستقبل زاهر، بل أصبح السؤال عن درجة مسؤولية هذه العوامل عن الآثار الحاقدة والمدمرة التي تولدت عن الماضي. وفي هذا الصدد يقول إريك فروم: العالم الغربي في طريق مسدود، لقد حصل على الكثير من الأمور الاقتصادية، وفقد أي معنى وهدف في الحياة، وبدون هذا فإن المجتمع الغربي مثل أي مجتمع آخر في الماضي لا بد من أن يفقد حيويته وقوته الداخلية. ويقول بيتريم سوروكين: إن كل جانب من حياة المجتمع الغربي ونظامه وثقافته، إنما هو في أزمة طاحنة أن جسد المجتمع الغربي مريض وعقله مريض، ولا تكاد توجد نقطة صغيرة واحدة على جسده إلا ويعتورها الألم. هذه آراء سجلها قادة ومفكرون وفلاسفة غربيون هي المعبِّر الحقيقي عما تعانيه الحضارة المادية الغربية من عجز في تلبية حاجات الإنسان الضرورية، ومدى ما تركته من آثار مدمرة على البشرية، إن الخلل في موقف الغرب هو خلل ثقافي، بل في قلب الثقافة وجوهرها ألا وهو النظرة إلى الإنسان.
نثر الجمان في مآثر العلامة الشيخ يحيى بن عثمان رحمه الله تعالى
عمير الجنباز
01-02-2022
2,652
https://www.alukah.net//culture/0/152614/%d9%86%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%89-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89/
نثرُ الجُمان في مآثر العلَّامة الشَّيخ يحيى بن عُثمان رحمه الله تعالى رحم الله شيخنا العلَّامة المُحدِّث الشَّيخ أبا زكريَّا يحيى بن الشَّيخ عثمان بن الحسين المُدرِّس العظيم أبادي المكِّي، الَّذي قضى من سنيّ عُمرهِ المديد ٧٠ عامًا في أروقة المسجد الحرام مُدرِّسًا وواعظًا ومُفتيًا، وحسبُه ذلك من الخيريِّة والاصطفاء، تغمَّده الله بغفرانه، وبوَّأه فسيح جنانه. حازَ من الرُّتب الشَّريفة أعلاها، ومن الأوصاف السَّنيَّة أسناها، درَّسَ وأفاد وأفتى، وتميَّز بمكارم وفنون شتَّى، وهو من أهل الحديث والإسناد، وأشياخ الرِّحلة إليه من البلاد، وأحدُ أربابه وفُرسانه، وأعيانه وذوي شأنه، ممَّن تشرَّف بسلاسل الإسناد، وارتقى مراقي الفلاح والإسعاد.. ولد بمحلَّة أجياد بمكَّة المكرَّمة سنة ١٣٥٤ه، ونشأ في كنف والده العلَّامة المُحدِّث الشَّيخ عثمان بن حسين العظيم أبادي ت:١٣٧٥ه، -المدرِّس بالمسجد الحرام منذ سنة ١٣٤٩ه، وأحد تلامذة محدِّث الهند السَّيِّد نذير حسين البهاري الدِّهلوي-، فربَّاه على كمال الصِّيانة، والعفَّة والدِّيانة، وحفظَ عليه القرآن وأتقنَه، وجوِّده وأحسنَه، ثمَّ بعد أن أتمَّ قراءته وجمعَ آدابَه، ألحقه والده لتعلُّم الخطِّ والحسابِ والكتابَة، عند الشَّيخ إبراهيم الخلوصي في كتاتيب الحَرم عند باب الزِّيادة، ثمَّ بعد ذلك ألحقه والده في دار الحديث المكيَّة، وارتوى فيها من نمير العوارف، وتحلَّى بحلية الجمالات واللَّطائف، فأكبَّ على الطَّلب والتَّحصيل، ولازم الأساتذة ملازمة المدلول للدَّليل، منهم: الشَّيخ عبدالظَّاهر أبو السَّمح مدير الدَّار ومؤسِّسها، وأخوه الشَّيخ عبدالمهيمن أبو السَّمح، والشَّيخ محمَّد عبدالرزَّاق حمزة، والشَّيخ عبدالحق بن عبدالواحد الهاشمي، والشَّيخ محمَّد عبد الله نور إلهي اللَّكنوي أبو سعيد، والشَّيخ محمَّد بن عمر بن عبدالهادي الشَّايقي، والشَّيخ محمَّد بن عبدالله الأغاديني الصُّومالي، والشَّيخ عارف الخوجة، والشَّيخ محمَّد طاهر كردي، وغيرهم. وممَّن أخذ عنهم أيضًا في المسجد الحرام: الشَّيخ سليمان بن حمدان في العقيدة والتَّوحيد والحديث، وكان مُدرِّسًا مقابل الرُّكن العراقي، والشَّيخ ناجي المخلافي في النَّحو، والشَّيخ عبيدالله الرَّحماني المباركفوري صاحب: "مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" وقت قدومه للحجِّ. ثمَّ بعد تخرُّجه من دار الحديث تصدَّر للإفادة والتَّعليم بالمسجد الحرام سنة ١٣٧٢ه، ثمَّ مدرِّسًا بدار الحديث سنة: ١٣٧٧ه إلى سنة ١٣٩٠ه، ثمَّ استدعاه الشَّيخ عبدالله بن حُميد سنة ١٣٩١ه للتَّدريس بمعهد الحرم المكِّي والإشراف على المُدرِّسين، وتشرَّف بإمامة المصلِّين بالمسجد الحرام، حيث أنابه الشَّيخ عبدالمهيمن أبو السَّمح أيَّام مرضه في صلاتي الفجر والعشاء قرابة شهرين. وله عدَّة دروس وشروحات على كتبٍ عديدة تصدَّى لشرحها، منها: في التَّفسير: تفسير الحافظ ابن كثير، وفي الحديث: صحيحي البخاري ومسلم، وسنن أبي داود والتِّرمذي والنَّسائي، وبلوغ المرام وعمدة الأحكام، وفي المصطلح: البيقونيَّة ونزهة النَّظر، وفي العقيدة: فتح المجيد والطَّحاويَّة والواسطيَّة والتَّدمريَّة والحمويَّة، وفي الفقه: السَّلسبيل في معرفة الدَّليل، والرَّحبيَّة في الفرائض. وكان مهذَّبًا في نفسه متواضعًا، لطيف المعشر والكلام، حسن السِّيرة بين الأنام، عالمًا بمناهج المحدِّثين واختلاف المذاهب، مطِّلعًا على الفِرَق والغرائب، مواظبًا على الطَّاعة، حافظًا أوقاته عن الإضاعة، مثابرًا على تعلُّمِ العلم وتعليمه، وتوضيحه وتفهيمه، بديعَ التَّقرير متينَ التَّحقيق، مُتحلِّيًّا بدقَّة النَّظر وكمال التَّدقيق، سالكًا طريق السَّلف الأخيار، ناهجًا سبيل السُّنَّة والآثار، مع تقنُّعِ الزُّهد والكفاف، وارتداء الصَّون والعفاف، فاشتهر علمه وفَاق، وسما قدره في الآفاق، وانتفع بعلومه الكثير، وأخذَ عنه الجمُّ الغفير.. أوَّلُ ما شرفتُ بلقائه وحضور مجالسه ودروسه سنة ستٍ وعشرين في حلقته بالمسجد الحرام، الكائنة في مشاية باب المدينة يسار الدَّاخل ممَّا يلي جهة باب الفتح، وتردَّدتُ على حلقته كثيرًا في مواسم ومناسبات، وزرته مرارًا في بيته بالزَّاهر، والقراءة عليه في عدَّة أجزاء ورسائل، مع عدل المُدِّ إلى مُدِّه، وكثيرًا ما يُوصي الطَّلبة بتقوى الله ودوام ذكره، وتلاوة كتابه العزيز بالتَّدبُّر، والعمل بسنِّة الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم ومجانبة البدع والمنكرات وأهلها، أجزل الله مثوبته.. ولم يزل الشَّيخ على حالته المَرضيَّة، وإفادته السَّنيَّة، إلى أن اخترمته المنيَّة، ليلة الخميس: ٢٤ جمادى الآخرة ١٤٤٣ه، وصُلِّي عليه في المسجد الحرام، ودُفن في مقبرة الشُّهداء بالشَّرائع، أحسن الله قراه، وجعل الجنَّة مأواه ومثواه، وبلَّغه ما يرجوه، وضوَّاه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه، وعوَّضَ الأمَّةَ بفقد علمائها وصُلحائها العاملين، وأحسنَ عزاء أبنائه وأهله وطلَّابه ومُحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا، ﴿ كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ، وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ ﴾ [الرحمن: 26]. عليه منَ الله تحيَّةٌ ورحمةٌ...وهتَّانُ رضوانٍ وعفوٌ مسرمدُ
أسبوعان في الشارقة ودبي وأبو ظبي
محمد تقي
31-01-2022
2,871
https://www.alukah.net//culture/0/152597/%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d9%88%d8%b9%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d9%88%d8%af%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b8%d8%a8%d9%8a/
أسبوعان في الشارقة ودبي وأبو ظبي وفقني الله في هذه الأيام لرحلة علمية قصيرة في الخليج العربي برفقة فضيلة الوالد حفظه الله، كان الهدف منها الالتقاء مع نخبة من أهل العلم وزيارة بعض المراكز العلمية هناك، حسب المواعيد المقررة مسبقًا، ولا يخلو قطر من أقطار الوطن الإسلامي من خير وعلم، وقد أصر عليَّ قريبٌ حبيب لأسرد برامج هذا السفر في منشور، حتى يستفيد منه مَن يزور تلك البلاد ولو لغرض آخر من الأغراض التي تُزار لها تلك البلاد غالبًا، فأسرد في التالي برامج السفر بدون التعرض للتواريخ أو الفوائد: 1- لقاء الشيخ مطيع الحافظ - مؤرخ دمشق ومسندها - حفظه الله ورعاه في منزله بدبي، وشخصية الشيخ ومآثره في خدمة التراث غنية عن البيان، وقد تكرم أول اللقاء بإجازتنا بالحديث المسلسل بالأولية، كما أكرمنا بإجازة عامة مكتوبة وموقعة في نهاية اللقاء، وقد أعجبني شوقه للعلم وحلمه وبساطته في مثل هذا السن المتقدم، وقد أطرفنا بنوادر وفوائد، وأهديتُ له نسخة من بعض أبحاثي. 2- لقاء العلامة المحقق الشيخ عبد الحكيم الأنيس - حفظه الله ورعاه - في منزله بدبي مرتين، وكلا اللقاءين كان ماتعًا ممتعًا، مفيدًا جد الإفادة، وأجازنا خصوصًا بالحديث المسلسل بالأولية، وحديث المحبة والمصافحة، وعمومًا بسائر مروياته، على أنه - كما قال لنا - لا يجيز عمومًا إلا لأخص الخواص، وإنما دأبه العام الإجازة الخاصة بكتاب معين بشرط قراءته عليه، وقد أهدى لنا نسخة من سائر مؤلفاته وأبحاثه تقريبًا، وأثقلنا بهدايا الكتب ملء سيارةٍ! وكانت له إفادات تراثية وإسنادية عالية في المجلس، وأطلعتُه على أعمالي الكتابية والدراسية الجارية. 3- لقاء الشيخ المحدث الأستاذ عبد السميع الأنيس حفظه الله، وهو شقيق الشيخ عبد الحكيم، التقيتُ به مرة في مكتبه بكلية الشريعة في جامعة الشارقة، وقد أجازني هناك شفهيًّا بسائر مروياته، وأهدى إليَّ عدة من مؤلفاته، وحصلت مذاكرات علمية ودعوية نافعة، ثم التقينا مرة أخرى بدعوته في منزله في حدود جامعة الشارقة؛ حيث عقد مجلسًا حديثيًّا قرأتُ فيه من ( الأوائل المائة ) الذي أُلِّف بإشراف فضيلته، وقد جمع المجلس ضيوفًا من إخوة سوريا، وقد تشرفنا أيضًا بالتعارف على الأخ الدكتور محمد نور الدين الأنيس نجل الشيخ عبد السميع الأنيس حفظهما الله، وهو مسؤول في المنتدى الإسلامي بالشارقة، واقترح الشيخ عبد السميع - حفظه الله - أن يطبع كتابي ( فقه العرف ) بالمنتدى الإسلامي إن ترتبت الأمور، وأهدى إلينا نسخة من كتابه المطبوع حديثًا ( علوم الحديث بثوب جديد ). (وقد تدبَّج فضيلة والدي الإجازة مع الشيخ عبد السميع حفظهما الله، وأجاز أيضا نجلَ الشيخ الدكتور نور الدين الأنيس. هذا، وقد أرسل إليّ الشيخ عبد السميع الأنيس حفظه الله -أخيرا- الإجازة العامة المكتوبة التي تشملني وإخوتي وزوجتي وشقيقتي، فجزاه الله عنا خيرا، وتقبل فينا دعاءه ورجاءه.). 4- جاء بنا الشيخ عبد السميع الأنيس - حفظه الله ورعاه - في اللقاء الأول إلى مكتب الشيخ المحدث المعروف الأستاذ قاسم علي سعد حفظه الله ورعاه، أستاذ كلية الشريعة بجامعة الشارقة، وقد أهدى إلينا الشيخ قاسم نسخةً من كتابه النافع المبتكر ( تثقيف اللسان بضبط الأعلام )، المطبوع حديثًا في 4 مجلدات ضخمة. 5- وفي صلاة المغرب في بعض الأيام في جامع جامعة الشارقة لقينا الأستاذ اللغوي الدكتور عبد القادر السعدي العراقي حفظه الله ورعاه، وهو أيضًا أستاذ بجامعة الشارقة، وقد وعظنا بحاله ومقاله. 6- وأتاح لي القدر الالتقاء مع رجال العلم والدعوة غير من سبق، منهم الشيخ عمر المدفع حفظه الله، مدير أوقاف الشارقة سابقًا، والشيخ سالم عبيد الظاهري - وهو ممن له قدم صدق في مجالات العمل الدعوي والخيري - وابنه الأستاذ المهندس محمد بن سالم عبيد حفظهما الله، والأستاذ النجيب الدكتور عبد الحميد نجيب حفظه الله؛ حيث أكرمنا بلقاء علمي، وتحدث عن تجاربه في طباعة ( معلمة زايد للقواعد الفقهية والأصولية ) في 41 مجلدًا، وأهدى إلينا نسخة من ( مختصر المعلمة ) في 4 مجلدات ضخمة. 7- وتشرفنا بزيارة دار المخطوطات الإسلامية بالجامعة القاسمية في الشارقة، وشفنا الأصول النادرة، وساعدنا في الاستفادة منها الأستاذُ الدكتور محمد عمر الكاف حفظه الله، وتلقانا بحفاوة فضيلةُ الشيخ شهاب الله جنك بهادر حفظه الله، وهو صاحب تجربة فريدة في التعايش مع التراث، وقد صاحبَنا طول الوقت، والتقيت هنا بأساتذة آخرين ممن عرفتُ وممن لم أعرف، وزرتُ مكتبة الدار العامرة. 8- كان من أهم برامجي في هذا السفر زيارة مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وقد قضيت هناك ساعات أيامًا ثلاثة، واطلعت على مخطوطات، واشتريت بعض ما أحتاج، وقد ساعدني وتكلف لي الكثير الأستاذ الكريم الحليم الأخ عبد الرحمن طه حفظه الله، وفي اليوم الأول تعارفت مع الشيخ الدكتور طه فارس حفظه الله، وهو من أهل العلم السوريين، وفي اليوم الأخير زرت مكتبات المركز ومستودعاته وأقسام الفهرسة والتصوير، وذلك برفقة الأستاذ سيد هاشمي الهندي حفظه الله، المسؤول بالمركز، وقد أُعجِبنا بخدمات المركز الباهرة كمًّا وكيفًا. 9- والتقيت في الشارقة -أخيرا- بالأخ الكريم المفضال، الأستاذ البحاثة عادل عبد الرحيم العوضي - حفظه الله ورعاه - في منزله، وله نشاط مرموق في مجال الاهتمام بالتراث المخطوط، تقبل الله منه ونفع به، وكانت إحساناته العلمية عليَّ متتاليةً خلال السفر، وقبله وبعده. 10- جُلنا في المدينة الجامعية بالشارقة التي تحتضن عديدًا من الجامعات والكليات والمعاهد التراثية المرموقة، وزرنا أيضًا مقر جائزة دبي الدولية بمشورة بعض أهل العلم، وكان الهدف زيارة مكتبتها ومطبعتها، ولكن الوقت لم يناسب فلم تكتمل الزيارة، كما زرنا مكتبات مختلفة في الشارقة واقتنينا بعض ما يهمنا، ومن أهم المكتبات التي استفدنا منها: مكتبة الشارقة العامة، وقد سرَّحتُ النظر على جناح الكتب الإسلامية فيها خلال ساعتين، واستفدتُ الكثير من العناوين. وفاتني – للعجلة - بعض الزيارات واللقاءات؛ منها: زيارة مجمع القرآن الكريم، ومجمع اللغة العربية، كلاهما في المدينة الجامعية المذكورة، وفاتني لقاء المؤرخ الكبير الشيخ عبد الله الحبشي اليمني حفظه الله، المقيم بأبو ظبي، وذلك لضعفه عن اللقاءات حاليًّا، ولكن تواصلت معه مرارًا هاتفيًّا، ويقول الأستاذ عادل العوضي: ( إن رده عليك هاتفيًّا إنجاز )! كما فاتني لقاء المحدث الناقد المعروف الشيخ حمزة عبد الله المليباري حفظه الله؛ حيث كان حضرته في إجازة، ثم دعاني يومًا ولكن لم يترتب اللقاء لمشاكل في التنقل، وأخيرًا فاتني أيضًا لقاء الشيخ العلامة عبد الكريم تتَّان الحموي حفظه الله، أخبرني الشيخ عبد الحكيم الأنيس أنه حاليًّا رهينُ منزله في دبي، شفاه الله وعافاه. هذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله سبحانه وتعالى، والفضل ظاهرًا في تهيئة هذه الرحلة عائدٌ إلى فضيلة الوالد حفظه الله، فله الشكر بالغًا كاملًا، كما أشكر معارفنا وأصدقاءنا المقيمين في الإمارات، خصوصًا فضيلة مولانا حافظ عبد المتين، وفضيلة خالي مولانا ذي النون، وفضيلة أستاذي الكريم مولانا نصر الكريم، وفضيلة مولانا ميزان الرحمن، حفظهم الله ورعاهم؛ حيث لم يألوا جهدًا في التكريم والرعاية والمساعدة. ولله الحمد أولًا وآخرًا، وصلى الله تعالى على خير خلقه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أعظم سجين في التاريخ
عامر الخميسي
31-01-2022
4,964
https://www.alukah.net//culture/0/152594/%d8%a3%d8%b9%d8%b8%d9%85-%d8%b3%d8%ac%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae/
أعظم سجين في التاريخ منذ سُنيَّات قليلة مضت كنت في رحلة بين السماء والأرض، وهبطنا بعد منتصف الليل في مطار أديس أبابا، وهو مطار يكتظ بآلاف البشر، الليل والنهار فيه سواء، وفي صالة الانتظار - حيث الزحام الأشد - يوجد بهوٌ في الزاوية؛ حيث الأضواء الخافتة لمن يريد أن يغفو أو يرتاح بعيدًا عن النور والصخب والزحام، ومن عادتي في الأسفار أن أبحث عن الأماكن الأكثر هدوءًا؛ حتى أجمع عليَّ فكري، فما إن اقتربت حتى سمعت صوت كهلٍ ينبعث طريًّا شجيًّا بقوله تعالى: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، ويرددها بصوت خافت خاشع، فتبين لي أنه يصلي، وأنه ماضٍ في وِرده، يقطع ظلمة الليل البهيم بتلك التلاوة الندية، التي تسلب القلوب، وتأخذ بالأرواح. جعلت أفكر كيف أحبَّ هذا الكهل أن يخلو بربه، ويترك الناس ومعاملاتهم وهيشاتهم وضوضاءهم وزحمتهم، ويُهرع إلى تلك الصلاة الخاشعة، مستغلًّا تلك الدقائق أو الساعات قبل إقلاع طائرته. وكيف أن هناك مَن هو متعلق بالله لا ينصرف عنه ألبتة، حتى في الأسفار التي تُقصر فيها الصلاة؛ لِما يجده المسافر من العناء والمشقة، والإجهاد والتعب واللأواء. وبقيتِ الآية في ذهني، كلما مررت عليها، أذكر صوته وهو يرن في أذني. لقد توارد عليَّ هذا المشهد وأنا أكتب عن دعاء يوسف، وبعث هذا الحدث من مرقده، وأنا أذكر هذه الخواطر عن الأنبياء ودعائهم. إنه يوسف النبي ابن النبي ابن النبي ابن النبي، الطاهر المطهر العفيف، النقي التقي الصادق، يُقاد إلى السجن في تهمة أخلاقية، هو بريء منها كبراءة الذئب من دمه، يُسجَن وما كان مجرمًا أو مفسدًا، بل كان أكرم وأطهر وأشرف عباد الله على الأرض يومئذٍ، لكن لولا قوله: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ ﴾ [يوسف: 33] ما تُوِّج بتاج ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾ [يوسف: 101]. تعالَ لتتأمله وهو يقول: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33]. تعالَ لتشاهده يجأر إلى الله بهذا النداء؛ لترى أن الصالحين يفضلون نعيم الأنس بربهم في السجون على لذائذ المتعة في القصور، فسجنٌ فيه القرب من الله أعظم من قصر فيه البعد عنه. إن المؤمن أمام الشهوات كجبل أشم، وطود عالٍ لا تحركه الرياح العاتية، فهو صامد قويٌّ بإيمانه، تتلاشى أمامه الرغبات الجارفة واللذائذ الزائلة. ﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ﴾؛ لأنني فيه سأكون مع ربي، محافظًا على عفتي حتى لا تُمسَّ بسوء، والمؤمن قد يفاضل بين السيئ والأسوأ عندما تُغلَق في وجهه الأبواب، وتنعدم المخارج، وتضيق السبل، وتوصد الطرقات. ﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ﴾، لغة الحب لا تخفى حتى في السجون، إنه أحب من الراحة والدعة في القصور، ولأنه محب لله، فإن الله لن يخذله، وسيجعل مع وحشة السجن بردًا وسلامًا وأنسًا ورضًا، وإن خيرت يومًا بين لذة العيش والبعد عن الله في هُوَّةِ المفاتن، وبين السجن وظلمته وقيوده، فليكنِ السجن أحب، وما أقبل على الله عبدٌ إلا فتح عليه من الفتوح ما لا يحتسب، وأكرمه بعِوضٍ فوق ما يتخيل، وإذا ما كانت المساومة على فعل المعصية أو غياهب السجون، فلتكن غياهب السجون؛ فثَمَّ هناك الخير والغوث، والفلاح والعوض، ومن ترك شيئًا لله، عوضه الله خيرًا منه. وما بين بلاء الدين (الفاحشة) وبلاء الدنيا (السجن)، كن قويًّا بالتضحية بدنياك من أجل دينك، ومن ضحى بدنياه من أجل دينه، سلم دينه، وأتتْهُ الدنيا وهي راغمة، ومن ضحى بدينه من أجل دنياه خسرهما، وكما يضحي الصالحون بدنياهم من أجل دينهم، فإنهم لَيضحون أيضًا بحريتهم من أجله. تعالَ لتنظر إليه وهو يدعو ربه بخيار السجن، يدعو لأن الدعاء خير صارف للبلاء، يدعو لأن الدعاء حماية من مكر الأعداء، وعصمة من شر أصحاب الزيغ والفتن، والشرور والأهواء. يا ألله! حين تخشى على قلبك من أن ينسلَّ إيمانه أمام المغريات، فتلجأ إلى الله داعيًا أن يلهمك رباطة الجأش، وأن يثبته، فبدون حفظ الله أنت ورقة في مهب الريح، لا تملك لنفسك حولًا ولا قوة، فيوسف مع أنه نبي، وأبوه نبي، وجدُّه نبي، وهو من سلالة الأنبياء، فإنه يدعو الله بإشفاق ووَجَلٍ أن يصرف عنه الفتنة، فما أجمل قلبه وقد خبت في محراب الافتقار، داعيًا راهبًا راغبًا متبرأً من الحول والقوة، يخشى أن يقع في الهوى بعد الهدى، والجهل بعد العلم، وتأمل أدبه أيضًا في دعائه وعفة لسانه بعد أن عف بدنه؛ إذ لم يقل: "أحب إليَّ من الزنا"، وإنما قال: ﴿ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، عفَّ فَرْجُه، وعف لسانه، وهذا مختصر الطريق إلى الجنة، (( من يضمن لي ما بين لحييه ورجليه أضمن له الجنة ))، وهذه العفة لا تحصل إلا بكمال الافتقار إلى الله. ثم إن يوسف عندما اختار السجن كان متيقنًا أنه لن تغلق دونه الأبواب بل ستفتح، ولن تظلم في وجهه المسالك بل ستشرق، ولن تتصحر الدروب بل ستخضر، ولن تضيق بل ستتوسع، وهذا هو اليقين اليوسفي الذي نحن بحاجة ماسة لتعلمه. وفي دعاء يوسف واختياره السجن ملمح مؤثر بليغ، يُشعِرك بمدى هروب المؤمن من المعصية، وتخلصه منها بأي حيلة، حتى ولو كان خلاصه منها إلى طريق السجن؛ لأنه يؤثِرُ عقوبة العاجل على الآجل؛ إذ تتراءى أمامه مشاهد القيامة، فيتصور العرض والمساءلة والحساب، ومشاهد القيامة والنار؛ فيعتبر كل أذًى في الدنيا وفضيحة وتهمة هينة بجانب بدو الفضائح، وظهور المُخبَّآت غدًا في مشهد القيامة. والصالحون لا يفتُرون عن دعاء الله تعالى في كل وقت وحين؛ فها هو يوسف عليه السلام في وقت المحنة يقول: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ ﴾ [يوسف: 33]، وفي وقت النعمة يقول: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ ﴾ [يوسف: 101]، انظر جمال الدعاء وأثره على حياته، فهو مع الله في كل حال، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن، وقد أفلح - والله - من كان الدعاء دِثاره وشعاره. وفي الأرض صالحون يدفعون ثمن بُعْدهم عن الحرام، كما يدفع العصاة ثمن اقترافهم له سواء بسواء، إنه الاستعلاء بالمبدأ والعقيدة. وفي قول يوسف‏:‏ ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [يوسف: 33].‏ ثلاث عِبر:‏ إحداها‏: ‏ اختيار السجن والبلايا على الشهوات والخطايا، وإيثار الاضطهاد والقضبان، على التوغل في الإثم والعصيان. والثانية‏:‏ الإلحاح على الله أن يثبت هذا القلب، فلا يزول ولا يحول؛ فإن القلب إذا لم يُوفَّق للثبات، صبا إلى الشهوات، وأصبح من عداد الجاهلين، وهذا مهم جدًّا أن يكثر العبد من اللجأ إلى ربه. الثالثة: إن الإنسان - مهما بلغ تدينه والتزامه - مهدد في لحظة من اللحظات بتقلب قلبه، وانزلاق رجله؛ ألم يقل الله: ﴿ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ﴾ [النحل: 94]؟ فلا يغتر إنسان ألبتة بما يحمل من إيمان وتقوى وصلاح. لقد حقق يوسف عليه السلام التقوى بفعل المأمور والصبر على المقدور؛‏ حيث اتقى الله بالعفة عن الحرام، وصبر على إلجام شهوته، ووقف طَودًا شامخًا أثناء مراودته، ودخل السجن شامخًا غير هيَّاب مكرهم، وصبر على أذاهم له بالمراودة، وصبر على حبسهم له، واستعان بالله ودعاه، في صرف كيدهن عنه، ومن صبر واتقى، هل يضره كيد أحد؟ لقد قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 120]‏، ومن صبر واتقى، فهو من أصحاب العزائم الذين طاولوا السماء بهِمَمِهم، وحاموا حول العرش بقلوبهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186]‏،‏ والصبر والتقى أمران بهما يُستجلَب المدد، مدد القوة الذي لا يقف أمامه الأعداء، وتتلاشى أمامه قوتهم وجبروتهم وكيدهم، ومن استجلب هذا المدد بهذين السببين، فلن يُخذَل وستكون العاقبة له؛ ألم يقل الله مبينًا استجلاب المدد بهذين السببين:‏ ﴿ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ ﴾ [آل عمران: 125]؟ وفعلًا كانت العاقبة له، ألم يحصحَصِ الحق وتُعلن براءته؟ وليس هذا فقط، فقد جُوزيَ أحسن الجزاء، وانهمر عليه غيث العطاء، ألم يدخل السجن هاربًا من الوقوع في فخ المعصية، ويخرج منه مباشرة لتسلم خزائن مصر، مستشارًا خاصًّا للملك؟ تلك - والله - هي العاقبة الجميلة التي لا يمكن أن تخطر على بال، هطل عليه مدد ربه تعالى، ثم ما زالت العطايا تحفُّه حتى أصبح عزيزًا لمصر. إنك عندما تتأمل في حياة الأنبياء وسيرهم من خلال نظرك في القرآن، تجد أنهم ابتُلوا بجميع أنواع البلاء من الاضطهاد والعذاب والتنكيل، والحصار والمطاردة، والسجن والفراق، ولقد ابتُلي يوسف بالسجن، فاتخذَهُ مدرسةً للتعليم والدعوة، ومكانًا للخلوة والعبادة، وفي النهاية وبعد سنين خلف القضبان رفض أن يخرج من السجن حتى يظهر الحق، وتسقط الدعاوى الباطلة، وكان يكثر من الدعاء بأن يصرف الله عنه كيد الكائدين: ﴿ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ ﴾ [يوسف: 33 - 35]. لقد أزهرت أشجار يوسف في السنين العجاف، ومضى في المحيط مبحرًا وحيدًا حتى وصل في أمان وسلام إلى الضفاف؛ فرفع الله ذكره ومكانته. كان حاله: يا جابـر الكسر، اجبر كسري وارفع ضري، يـا رب، بيـن يديك خزائن الغيوب؛ فهَبني كـل مطـلوب، القصر على أنواره مظلم، فافتح لي نافذة نور من أنوارك، وضيقٌ على سعته، فوسع عليَّ من سعتك، وموحش على أنسه، فآنسني بالقرب منك، والبعد من كل شيء يبعدني عنك. في قصة يوسف تغير مفهوم السجن، لم يعد للمجرمين، بل للكرماء النبلاء، الأطهار الشرفاء، مهما كان ذلك الشرف، سواء شرف الموقف أو الكلمة. قد يتسبب السجن في ضعف الجسد، لكن التخلي عن المبدأ يضعف الروح، فلا تكن متخليًا عن مبدئك عند محنة الرغبة أو الرهبة. يُسجن يوسف سبع سنوات كاملة بسبب مكيدة، لكن لأن سجنه كان لله، ومن أجل الله، وفي الله، خرج من السجن مرفوع الرأس، عاليَ الهامة، عظيمًا ممكَّنًا في مصر. السجين في ذات الله تأخذك الدهشة من كرامات الله له؛ فقد حُبس الصحابي الجليل خبيب بن عدي رضي الله عنه في مكة، فرزقه الله رزقًا حسنًا في محبسه كرامة له؛ تقول مارية مولاة حجير بن أبي إهاب: "حُبس خبيب في بيتي، ولقد اطلعت عليه، وإن في يده لقطفًا من عنب مثل رأس الرجل يأكل منه"، فلما خرجوا به من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه، جعلوا يفاوضونه على إيمانه وثباته ليتنازل عنه، فكان إيمانه قويًّا كالجبال الرواسي. وسُجن الإمام ابن تيمية رحمه الله قريبًا من ست سنوات، وقد فتح الله عليه في العلم وتدبر القرآن والدعاء، ولذة المناجاة والعبادة، فكان هذا زاده في الخلوة وقوته، وقد نعت أخباره، وحكى أسراره: "فقال: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أين رحْتُ فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة". وكان يقول في محبسه في القلعة: "لو بدلت لهم ملء هذه القلعة ذهبًا، ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما سببوا لي فيه من الخير". وقال مرة: "المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه". ولما دخل القلعة وصار داخل سورها نظر إليه؛ وقال: ﴿ فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحديد: 13]، ما أجمل روحه وهي تتقلب بين جدران السجن الضيق في سعة رحمة الله! يقول تلميذه ابن القيم: "وعلم الله، ما رأيت أحدًا أطيب عيشًا منه قط، مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشًا، وأشرحهم صدرًا، وأقواهم قلبًا، وأسرهم نفسًا، تلوح نضرة النعيم على وجهه، وكنا إذا اشتد بنا الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه، فيذهب عنا ذلك كله، وينقلب انشراحًا وقوة، ويقينًا وطمأنينة، وكان يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل، فأتاهم من رَوحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها". وقد مات في محبسه، فأعلى الله شأنه، وبارك في أثَرِه، وسارت الركبان بأحاديثه، وتناقل الأجيال علمه، وذلك من كرامات الله له، وما ضره - والله – سجنه، بل رُفع بسببه مكانًا عليًّا. خرج يوسف من السجن أقوى مما كان؛ لأن قوته كانت بالله، ومن استقوى بالله، فلن يضعف، وخرج أعز مما دخل؛ لأن من اعتز بالله لا يذل. كان يرى تدبير الله وحكمته في كل شيء؛ لأنه مشمول برزق الحكمة، وذاك رزق من يؤتاه، فقد أوتيَ خيرًا كثيرًا. إن من اتكأ على حسن تدبير الله لم يتحسر على فائت، ولم يجزع من واقع، ولم يتهيب من قادم، ومن اكتفى بالله نصيرًا، سِيقت له العزة والرفعة سَوقًا، شاء أم أبى. كان إسقاطه في البئر بداية لسُكنى القصر، وكان اتهامه في عرضه طريقًا موصلًا لمعرفة معدِنه وكرامته، ونجابته وشرفه، وكان إدخاله السجن ولُقيا المتاعب بداية لتولي الملك وأعلى المناصب. ربما يتآمر عليك الكل، لكن ثِقْ أن الله سيبعث منهم من يقول: ﴿ لَا تَقْتُلُوهُ ﴾ [القصص: 9]. لن يأكلك الذئب الكاذب، ولن تتلطخ ثيابك بدمك، بل وأنت في قاعة جب الهم ستجد أنسًا وطمأنينة، وراحة وبشرى. ستجد حبل الله ممدودًا لك، وتصافحك البشريات، وتهبط عليك السكينة، ويربط على قلبك لتكون قويًّا ضد الشدائد. في سجن الحياة لن يقع ما كنت تحذره، بل سيفتح عليك بفتح من عنده، ما نخافه كثيرًا لا يقع. الغيب الذي نتوجس خيفة منه سيمر مرور السحاب. يقول المؤمن عن كل فتن آخر الزمان: "هذه مهلكتي، ولكن يرقق بعضها بعضًا". لا تحمل الهم، ولا تحزن على أحلامك التي كانت وردة ففركوها، بل دَعها تجري على قدر الله، فلو فتح لك ستار الغيب، لمُتَّ فرحًا من اختيار الله لك. هل يمكن أن ترى حياة يوسف فيك؟ هل لك أن تعيشها كل يوم وساعة؟ كم قُدَّ لك من قميص بسبب مراودة الحياة! وكم تزخرفت أمامك الدنيا! وكم عُرضت عليك من عروض، فأنِفتَها ومضيتَ نحو بابك لا تلتفت للوراء. كم وجدت من يلصق بك ما ليس فيك! لقد عابوا الذهب بأنه يلمع، والبدر بأنَّ فيه كلفًا، فهوِّن على نفسك، فإنك لن تُرضِيَ أحدًا. ستجد في مسيرة حياتك من يتجنَّى عليك، لا لشيء من تقصيرك، بل لأنك جاد في مسيرك. إياك أن تلتفت بسبب أن قميصك قُدَّ، لا تعاتب من نسيَك عند الملك، أو لم يُعرِّف بك عند العزيز، أو أهمل ملف قضيتك، ولم يُعِرْكَ أدنى اهتمام، أو لم يوصل سيرتك إلى أصحاب الشأن، فالوقت أقصر من أن تقضيه في لومه وعتابه، وكفاك أن تنشغل بمشروعك وهدفك والتخطيط لمستقبلك. لا تستعجل في الخروج حتى يصدر حكم البراءة، وكن مطمئنًا ما دامت صفحتك بيضاء. كانت هذه اللحظات قصيرة، لكنها فارقة في حياة يوسف. استعصم بالله في كل منعطف، وتشبَّث بعُرى الصبر في كل شدة، ومن الشدائد ما هي رغائب لذائذ، والموفَّق من ألهمه الله وُعورتها وعاقبتها. وما أجمل أن تعيش محسنًا، فإن مَن وَأدَ اليوم حلمَك، فسيمد يده لك غدًا، حاله: ﴿ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88]. من كان يظن أن البئر بداية القصر، والمراودة تعويد على الإرادة، وسجن البدن تهذيب لقوة الروح. يئِنُّ يوسف من سبع عجاف، وفي الحقيقة ربه يخصه بلطف منه، ويحفه برعايته، ويمده بأفضاله، ويغيثه بنواله. يا من بيده الملك والعزة، آوِنا إليك. يا رب، نعوذ بك من البعد عنك، ومن خطًا لا تبلغنا إليك، ما خُذل مَن توكل عليك، وما خاب من يمَّم روحه إليك. إنْ مـسَّ قلبك النصب، وأرهقتك القيود، وبلغ الضر مبلغه، فادخـل إليه بالتـبري من حولِك، وكن محسنًا؛ فالله يحب المحسنين. إنْ عبدتـه بالذل والخضوع والافتقار، آتاك ما عنده من فضله كالغيث المدرار. فإنْ تفوهت بـ﴿ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]، وتفاخرت بـ﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا ﴾ [فصلت: 15]، أوكلك إليك، لكن إن انطرحت بـ ﴿ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي ﴾ [يوسف: 33]، أوصلك إلى ﴿ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا ﴾ [يوسف: 21]. فاخلع حولك، وتبرأ من أسبابـك، وقـل: أنـا... مـن ذا أنـا؟ ضعيف مسَّتني الحاجة، وجئت ببضاعة مزجاة؛ فاجعل من اليبس حقولًا، ومن الآلام آمالًا. كم منحة ظاهرها محنة! وكرب يكمن فيه الخير! وكم أثر في الحياة ظهر بسجن صاحبه! كل بلاء في الدنيا وقع عليك استشعر الأجر وحلاوة المثوبة، وستعلم غدًا كيف يصب عليك الأجر صبًّا. قد تُؤذَى في الدنيا، لكن ثق أنها ستمر سريعًا، وما ثَمَّ إلا لحظات حتى يُزَفَّ لك الخير، ويرتفع قدرك، ويعلو شأنك؛ وقد ورد في الحديث أن نبي الله إبراهيم أول من سيُكسَى يوم القيامة، قيل: لأنه عُري على الملأ حين ألقَوه في النار. لقد كان يوسف عليه السلام وهو في السجن يقاوم ويُظهِر صلابته وثباته بكل ما أُوتي من قوة، غير هيَّابٍ مواصلًا مشروعه في الدعوة إلى الله: ﴿ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ ﴾ [يوسف: 39]، يريد أن يعبِّد الناس لله، وذاك هو أسمى هدف في حياة الأنبياء والمرسلين، وعُقبى لمن اتخذه هدفًا له، وسار عليه لا تُثنيه عن ذلك الظروف، ولا تقف أمامه العوائق. لقد كان يوسف معلقًا بالله، مبتهلًا إليه، رافعًا شكواه إليه، مستأنسًا في خلوته به. بمنْ يستغيث العبد إلا بربه ومَن للفتى عند الشدائد والكرب؟ ومن مالك الدنيا ومالك أهلها ومَنْ كاشف البلوى على البعد والقرب؟ ومنْ يرفع الضراء وقت نزولها وهل ذاك إلا منْ فعالك يا ربي؟ كانت تمر على مخيلته ذكريات فراق الأب الحنون، وتتجلى مراتع الطفولة، وتبدو أمام ناظريه غيابة الجب ووحشته، ويلمح لطف الله وكرمه وبره وإحسانه، ويعتقد واثقًا أن غيابة السجن ليست بأشد من غيابة الجب، ومع كل محنة بشيرٌ ووارد، فكن واثقًا من موعود الله كثقة يوسف بربه وطمأنينته به وسكونه إليه؛ وردد: ألقوا فؤادي في غيابة جبهم يا رب يوسف مُدَّني بالقافلهْ في السجن ألقوني ففرجْ كربتي بجميل رؤيا يا كريمًا نائلهْ يخرج يوسف من السجن، فتنكسر له المغاليق من الأمنيات ويسهل نوالها، وتذل له الصعاب فتنصهر أقفالها، وتتقطع حبالها. يسير على بساط الوعد بالموعود، وتهرول نحوه العطايا، ما أقصر المسافات اليوم ليوسف، وكأنه ما أضاع ليلة قط خلف القضبان! ما حُرِم عمره في السجن، بل كانت كل ليلة هي درجة سُلَّمٍ يصعد عليها إلى القمة.
كيف نرسخ المحكمات؟ أفكار عملية
عمار محمد أعظم
30-01-2022
2,278
https://www.alukah.net//culture/0/152552/%d9%83%d9%8a%d9%81-%d9%86%d8%b1%d8%b3%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a7%d8%aa%d8%9f-%d8%a3%d9%81%d9%83%d8%a7%d8%b1-%d8%b9%d9%85%d9%84%d9%8a%d8%a9/
كيف نرسخ المحكمات؟ أفكار عملية المحكمات هنُّ أم الكتاب وأم الدين الإسلامي، فهي القضايا البينة الواضحة الدلالة، بحيث لا تلتبس على أحد من الناس، وبالمحكمات يقوى عمود الدين، وإليها يفزع العقلاء إذا ما اعتراه لينٌ، ولا يتيه من اهتدى به، فهو حبل متين، وهي بينة واضحة لا تتغير ولا تتبدل على مر السنين؛ ومن هنا فإنه ينبغي على المسلم أن يتمسك بالمحكمات ويبثها وينشرها ويذكر بها ويرد كل ما اشتبه عليه من النصوص والمسائل والقضايا الدينية إليها، "فمن رد ما اشتبه عليه إلى الواضح منه، وحكم محكمه على متشابهة عنده فقد اهتدى، ومن عكس انعكس" [1] . وإن كان كذلك فكيف نرسخ المحكمات؟ وما أهم الأفكار العملية لترسيخها؟ أهم الأفكار العملية لترسيخ المحكمات: نستعرض هنا مجموعة من الأفكار التي يمكن تطبيقها على أرض الواقع لترسيخ المحكمات [2] ، فمن أهم الأفكار: 1. تحرير المحكمات في الدين ونشرها: قبل البدء في بث المحكمات ينبغي على أهل العلم أن يحرِّروها ويخلِّصوها من غيرها، حتى يعرف المحكم حقًّا من غيره؛ وإذا كان الله تعالى أمرنا أن نجعل المحكمات أمًّا لنا وملاذًا ومتبعًا فلا شك أن أهم ما يجب علينا هو معرفة هذه المحكمات وتخليصها مما قد يشوبها، ولا شك أن خلط المحكمات بالمتشابهات سيجعل من المحكمات بناءً هشًّا لا يمكن أن يبنى عليه المسائل والمقالات ويعتمد عليه في المدلهمات بل على العكس من ذلك، فإدخال غير المحكمات في دائرة المحكمات من الخطورة بمكان على الدين كله، ويدخلنا في دائرة قوله تعلى: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ﴾ [آل عمران: 7]، وهي الدائرة التي نهدف إلى الحذر منها بالتمسك بالمحكمات، فنقع في عين ما نفر منه إن لم نحرر المحكمات ونخلصها من غيرها. ولم يأل أئمة الإسلام جهدًا في تحرير المحكمات، فعلى سبيل المثال نجد الصحابة يؤكدون على المحكمات ويحررونها إذا ما مروا عليها في كتاب الله سبحانه وتعالى كتنبيه ابن عباس رضي الله عنهما على أن من المحكمات الآيات الثلاث من سورة الأنعام وهي قوله تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا... ﴾ الآيات [الأنعام: 151 - 153]. 2. بيان الأدلة اليقينية للمحكمات ووجه إحكامها للأمة: من أهم الأفكار العملية لترسيخ المحكمات بيان الأدلة اليقينية للمحكمات وبيان الشاهد من تلك الأدلة، ولا شك أن أيقن اليقينيات الكتاب وصحيح السنة، ولم يأل أئمة الإسلام جهدًا في بيان ذلك كما سبق أن بينا في آيات الأنعام حيث نبه ابن عباس رضي الله عنهما على أنها من المحكمات، ومن أهم المحكمات التي استنبطها العلماء منها: أ‌. وجوب عبادة الله وحده وتحريم الإشراك به. ب‌. وجوب بر الوالدين والإحسان إليهما. ت‌. وجوب حفظ النفس وتحريم قتلها بغير حق. ث‌. تحريم سائر الفواحش ومنها الزنا. ج‌. وجوب حفظ المال وأداء الحقوق. ح‌. وجوب الوفاء بالعهد. خ‌. وجوب العدل في الإنفاق والوزن بالقسط [3] . ولسنا بصدد تفصيل القول في ذلك فبعض الربيع ببعض العطر يختصر. 3. رد كل من ناقش وسأل عن المتشابه إلى المحكم: فهذا من أهم الأفكار العملية لأصحاب الكلمة ومن يجيب الناس عن استشكالاتهم وفتاويهم، بحيث لا يناقشون طويلًا في المتشابه من المصطلحات والمسائل والأفكار بل يردونها بمجرد السؤال عنها إلى المحكم من النصوص ويبينون ما ورد فيه من محكمات؛ درءًا للتلبيس والتشويش وحفظًا لوقت وقلب وذهن السائل والمجيب والمستمع لهما، والأمثلة العملية لهذا حاضرة في تاريخ سلفنا رضوان الله عليهم، فحين سئل الإمام الزبيدي رحمه الله عن الجبر، وهو من المصطلحات المتشابهة التي تحتمل حقا وباطلا رد الأمر إلى المحكم نزَّه المبيَّن في كتاب الله تعالى، وقال: "أمر الله أعظم، وقدرته أعظم من أن يجبر أو يعضل، ولكن يقضي ويقدر، ويخلق ويجبل عبده علي ما أحب" [4] . وفعل مثل ذلك الإمام الأوزاعي رحمه الله حين سأله شخص عن الجبر فقال صراحةً وهو ينتهج هذا النهج الذي أشرنا إليه: "ما أعرف للجبر أصلًا في القرآن ولا السنة، فأهاب أن أقول ذلك، ولكن القضاء والقدر والخلق والجبل، فهذا يعرف في القرآن والحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإنما وضعت هذا مخالفة أن يرتاب رجل تابعي من أهل الجماعة والتصديق" [5] . فعلى الرغم من أن هذا المصطلح قد يُقصد به معنى صحيح إلا أن الإمام الأوزاعي منع منه؛ لأنه لا أصل له في المحكمات من الوحي، ولأنه من المتشابهات التي يمكن أن تفضي إلى إطلاق لفظ ملبس ويَقصد به معنى مبتدعًا باطلًا. 4. كتابة الأبحاث والمقالات والكتب والمنشورات حول المحكمات ونشرها: فموضوع المحكمات ما زال بحاجة إلى مزيد من الدراسات سواء النخبوية أو العامة، فلا شك أننا بحاجة إلى الدراسات العميقة للمحكمات سواء تأصيلها أو تطبيقاتها أو أمثلتها أو آثارها كما أننا بحاجة إلى المقالات والمنشورات العامة التي توجه لشريحة أكبر من المجتمع وتنشر الوعي بينهم خاصة من لا يتهيأ له الوقت لقراءة المجلدات وجرد الرسائل العلمية الجادة. وامتلاء الساحة العلمية بالحديث عن المحكمات مطلب مهم في نشرها وبثها بين العلماء خاصة وبين المسلمين عامة، كيف لا وَهُنَّ "قد أحكمن بالبيان والتفصيل، وأثبتت حججهن وأدلتهن على ما جُعلن أدلة عليه...، كيف لا وهنَّ أصل الكتاب الذي عليه عماد الدّين، ففيه الفرائض والحدود، وسائر ما بالخلق إليه الحاجة من أمر دينهم، وما كلفوا من الفرائض في عاجلهم وآجلهم، وإليه المفزع" [6] . 5. تكثيف الحديث عنها في المجالس وفي كل الوسائل: تكرار المعلومة على الإنسان يجعلها مستقرة ومعروفة ومتداولة، ويجعل المجتمع متقبلًا لها متمسكًا بها بعكس ما لو لم تبث ولم يتحدث عنها، ومن هنا فإنه ينبغي علينا تكثيف الحديث عن المحكمات في كل مكان وفي كل وسيلة، كيف وقد أوصانا الله بالتمسك بها والاعتصام بها؟ وكيف وقد بين الله لنا أنها طريق الهدى والرشاد والرسوخ في الحق. ومن المؤسف أن يبقى الحديث عن المحكمات في المحاضرات الدراسية أو الكتب المدرسية ويغفل عنها عامة الناس. 6. استخدام الخطاب الدعوي العاطفي إلى جانب الخطاب العلمي العقلي: فالإنسان ذو قوتين: قوة وجدانية وقوة علمية، فكما أنه يتأثر بالأدلة والبراهين فهو أيضًا تؤثر فيه المشاعر والعواطف والأحاسيس، فهو يحتاج إلى غذاء قلبه من لذة وألم وحب وبغض واشتياق وانقباض كما يحتاج إلى غذاء عقله من علم ومعرفة وحقائق وحجج ونقاشات. ولا يجمع بين هذين الأمرين إلا كلام "الله رب العالمين، فهو الذي لا يشغله شأن عن شأن. وهو القادر على أن يخاطب العقل والقلب معًا بلسان. وأن يمزج الحق والجمال معًا يلتقيان ولا يبغيان. وأن يخرج من بينهما شرابًا خالصًا سائغًا للشاربين، وهذا هو ما تجده في كتابه الكريم حيثما توجهت؛ ألا تراه في فسحة قصه وأخباره1 لا ينسى حق العقل من حكمة وعبرة؟ أوَ لا تراه في معمعة براهينه وأحكامه لا ينسى حظ القلب من تشويق وترقيق، وتحذير وتنفير، وتهويل وتعجيب، وتبكيت وتأنيب؟ يبث ذلك في مطالع آياته ومقاطعها وتضاعيفها" [7] . ومن هنا فإن نشر المحكمات بالخطاب الدعوي العاطفي إلى جانب الأدلة والبراهين والحقائق العلمية من الأهمية بمكان، وقد ظهر أثرها في الساحة اليوم سواء على مستوى العلماء وطلبة العلم أم على مستوى عامة الناس، فأقبل كثير من الناس على الحق وتغيَّرت كثير من القناعات الخاطئة، "واليوم كثر الإعراض عن العلم، فأنفع ما للعامي مجلس الوعظ، يرده عن ذنب، ويحركه إلى توبة" [8] ، ويصده عن سبل الضلال من إلحاد وانسلاخ من الدين أو بعض أحكامه، ومن مزالق الشبهات ومهاوي الشهوات، ومن الممكن في ذلك إبراز المآلات الإيجابية للتمسك بها وتقبيح المآلات المهلكة للأمة في حال اللهث وراء المتشابهات. ولئن كانت المؤسسات التسويقية التجارية تتفنن في التلاعب بالمشاعر والعواطف لجني الأرباح وتغيير قناعات جماهيرهم فإن من ينشر المحكمات التي فيها الحق الواضح أحرى بأن ينهج ذلك النهج الساحر. 7. نشر آية آل عمران في المحكمات وتفسيرها بشتى الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية: يمكن القول بأن مرتكز القول في المحكمات هو آية آل عمران، وفهمها واستيعابها يجعل المرء على قدر كبير من الاستيعاب والإدراك لأهمية المحكمات ورسوخ فقهها في نفسه؛ ومن هنا فإن نشر هذه الآية وتفسيرها مع التركيز على مكانة المحكمات من الأهمية بمكان، فالأمر المحكم "واضح المعنى ظاهر الدلالة" [9] ، وهو ما يسهل علينا إيصاله إلى القلوب والعقول بأقل كلفة وأدنى بذل. ويمكن عمل ذلك على شكل مادة مكتوبة كمقالة قصيرة أو قصص مصورة ونحوها أو مسموعة كمقاطع منتجة إنتاجًا جيدًا، وتنشر في الإذاعات ونحوها أو مرئية، بحيث يعمل حولها فيلم قصير أو إنفوجرافيك أو فيلم كرتون ونحوها. 8. نشر الآيات والأحاديث وأقوال السلف في المحكمات ونشرها كبطائق ورسائل قصيرة في وسائل التواصل الاجتماعي: فمن الأفكار العملية لنشر المحكمات جمع الثروة العلمية الموجودة عنها في مصادرنا الإسلامية العريقة كالقرآن والحديث الصحيح وأقوال السلف رضوان الله عليهم، ثم نشرها على شكل بطائق صغيرة بشكل دوري يومي أو شبه يومي، بحيث يتلقاها المسلم ويتذكر هذا الموضوع وأهميته ويعمل بمقتضى تلك النصوص سواء بالإيمان والإقرار أو بالطاعة والامتثال، وكونها بطائق صغيرة أدعى لقراءتها واستيعاب ما فيها أكثر من غيرها من البحوث الطويلة أو المقالات التي لا يتسنى لكل أحد أن يقرأها. 9. عمل جلسات دورية لمدارسة عن المحكمات في الأسرة وغيرها. من الأفكار العملية لترسيخ المحكمات تخصيص وقت من أوقات الأسرة للحديث عن المحكمات، وهناك أفكار كثيرة ووسائل إبداعية لتعزيز هذا الأمر فقد يكون على شكل دروس وقراءة من كتاب، وقد يكون على شكل مسابقة تجمع فيها المحكمات بقراءة أو بحث على الإنترنت، وقد يكون بطريقة عفوية غير مباشرة يتم الحديث عنها في جلسات الغداء والعشاء، وقد يكون بعمل لوحات ومشجرات من صنع الأسرة حول المحكمات، وما ذكرناه في داخل الأسرة يمكن عمله في المسجد وفي الأنشطة الاجتماعية والطلابية أيضا. وهذا لا شك أن له أثره خاصة على النشء؛ حيث يربى على معرفة المحكمات واليقين بها؛ ومن ثم تستقيم له حياته الفكرية والسلوكية مستقبلًا. 10. الحديث عن المحكمات في درس المسجد عقيب الصلوات: من الأفكار العملية أيضا تناول المحكمات في دروس المساجد القصيرة أعقاب الصلوات، ولا يحتاج الحديث عن المحكمات كبير عناء؛ إذ هي "بينة واضحة لا تفتقر في بيان معناها إلى غيرها" [10] . وتناول المحكمات بدرس عقيب الصلوات يتطلب إنتاج كتب مناسبة لقراءتها على المصلين أعقاب الصلوات بحيث تكون مختصرة ومركز على مفهوم المحكمات وتأصيله وتطبيقاته ونماذجه وأمثلته. 11. كتابة روايات أدبية ترسخ المحكمات في النفوس: أصبحت الروايات اليوم سوقًا رائجة تتطلع إليها شريحة كبيرة من المجتمع وتقضي بين جنباتها الأيام والليالي وتتهافت إلى شرائها وتناولها، وهي في حقيقتها فن أدبي وسلاح ذو حدين يمكن استثماره في نشر الخير وبث الحقائق وترسيخ المحكمات، وذلك بلا شك يتطلب كتابًا ذوو مهارات أدبية وفنية وكتابية يستطيعون تضمين المحكمات وجعلها هدفًا من الأهداف التي تدور حولها الرواية، ولعل الله يسخر للأمة أقلامًا ترسخ فيها حقائق الدين من عقائد وشرائع وأحكام وتبث فيه أشجانه وتروي أفراحه وأتراحه وتجول في تاريخه وأدبه ورجاله وتحكي قصصه وأيامه وأمجاده، وما ذلك على الله بعزيز. 12. كتابة قصص ما قبل النوم للأطفال تتضمن المحكمات: يدرك الآباء والأمهات المهتمون والتربويون المختصون قيمة وأهمية قصص ما قبل النوم بالنسبة إلى الأطفال، لا سيما إذا مصنوعة بأسلوب تشويقي وفيه جذب للانتباه وشد للعواطف والأشجان وصنع شخصيات حيوانية ووهمية تساعد الأطفال على تنمية ثروتهم المعرفية واللغوية، ومن الجميل جدا أن تصنع القصص لما قبل النوم بحيث ترسخ المحكمات في نفوس الأطفال. 13. إنتاج ألعاب الكترونية وتطبيقات محترفة تهدف إلى ترسيخ المحكمات: من يتابع الساحة التقنية المعاصرة اليوم يدرك بلا شك ما نعيشه من ثورة في عالم الأجهزة الذكية وما صاحبها من تغيرات على جميع جوانب الحياة ثقافيًّا واجتماعيًّا وفكريًّا سواء بالنظر إلى الأفراد أو المجتمعات وسواء في ذلك الذكور أو الإناث ولم يختلف في ذلك الكبار عن الشبان والفتيان ومن هو أقل منهم. وهذا يدعونا إلى الدخول في هذه المجالات والمشاركة فيها، ومن أهم القضايا التي يمكن أن نشارك بها في ذلك ترسيخ المحكمات فيها سواء بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي أو صناعة التطبيقات التي ترسخ المحكمات سواء بشكل مباشر برسائل تذكيرية أو تنبيهات صوتية بآياتها وفقهها أو غير مباشر بحيث ترسخ المحكمات. ومن الأفكار العملية المهمة في هذا الباب إنتاج ألعاب الكترونية جذابة منافسة لما هو مطروح في سوق الألعاب الالكترونية ترسخ المحكمات. 14. إنتاج قصص مصورة وبرامج كرتونية ترسخ المحكمات: القصص المصورة والأفلام الكرتونية من أكثر الأشياء تأثيرًا، ومن ينكر ذلك فهو كمن أعمى عينه عن الشمس في رابعة النهار؛ فقد أثبتت الدراسات أنه يصل أثرها على الأطفال إلى 95%!، كيف لا والطفل يشاهد التلفاز من أربع إلى خمس ساعات يوميًّا إذا كان في أسرة معتنية به، وأما غيرهم فإلى تسع ساعات يوميا! [11] ، ومعلوم أن ما يتلقاه الطفل في طفولته له أعظم الأثر في تكوين شخصيته وبناء فكره وثقافته [12] . وإذا عرفنا ذلك كان من المهم جدًّا الدخول في هذا العالم وتكوين وإنتاج البرامج الهادفة وصناعة المحتوى الذي يعزز من قيمة المحكمات ويرسخها في نفوس النشء خاصة. 15. عمل برامج تلفزيونية ولقاءات مسجلة مع المختصين في المحكمات: البرامج التلفزيونية وحلقات اليوتيوب اليوم أصبح لها دورها في صناعة الوعي وترسيخ الحقائق، ومن المهم جدا في هذا الإطار كفكرة عملية عمل برامج وحلقات متخصصة في ترسيخ المحكمات وبيان فقهها مما يعود على المجتمع بالنفع والفائدة، ومن أهم المميزات لمثل هذه البرامج بالإضافة إلى كونها سريعة الانتشار وواسعة الجمهور ولا يتوقف عنده حدود بلدان أو أطر أزمان أنها تبقى شبه خالدة يستفيد منها الناس على مر الأزمان، وكم من الأبحاث والدراسات استفادت اليوم من كثير من البرامج الحوارية التي قد تكون ضئيلة الجمهور حين نشرها ثم استفاد منها عامة الناس في أزمان لاحقة. 16. إنتاج أفلام ومسلسلات تستهدف ترسيخ المحكمات: الأفلام والمسلسلات أصبحت جزءًا من حياة كثير من الناس اليوم يقضون فيه الساعات، وأثرها لا يخفى على ذي لب عاقل اليوم، وفي ذات الوقت أصبحت مزرعة لفلاحي الفلسفة والأفكار الباطلة المنحرفة أكثر منها الصحيحة، فلقد أصبحت الفلسفات والمذاهب الفكرية تروَّج وتقدم لعامة الناس في أطباق من ذهب من خلال الأفلام والمسلسلات، وهو ما يجعل لزامًا علينا السعي في هذا المضمار لترسيخ الحقائق والدعوة إلى الدين الحق الذي أنزله الله إلينا، ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه وهو المحكمات، فمن المقترحات المهمة جدا عمل الأفلام والمسلسلات الهادفة المنافسة لما هو مطروح في الساحة الإعلامية بحيث ترسخ المحكمات في نفوس مشاهديها. الخاتمة: أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتمسك بالمحكمات واللجوء إليها عند المدلهمات، وقمن بالعاقل الفطن اللبيب أن يحرص على تعلمها وتعليمها وترسيخها ونشرها بين أهله وذويه وفي مجالسه ومنتدياته وفي مواقعه وصفحاته وحساباته وكل وسيلة ممكنة؛ ففيها الهدى والنور والسراج يوم يلتبس الحق ويخفت السراج. وما في هذه المقالة من أفكار هي نتاج عصف وبحث ولا شك أن ما كان كذلك فهو قابل للزيادة والنقصان والحذف والإضافة والتعديل. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. المراجع: 1- أفلام الرسوم المتحركة وأثرها على الطفل المسلم في المملكة العربية السعودية، فاطمة أبو ظريفة، بدون دار طباعة. 2- تفسير القرآن العظيم، لابن كثير، المحقق: سامي بن محمد سلامة، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية 1420هـ - 1999م. 3- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، للطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م. 4- خطورة الرسوم المتحركة اليابانية (الأنميات) على العقيدة، عمار أعظم، بحث مقدم للمؤتمر العلمي الخامس لطلاب وطالبات التعليم العالي، غير مطبوع. 5- درء تعارض العقل والنقل، ابن تيمية، تحقيق: الدكتور محمد رشاد سالم، الناشر: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1411 هـ - 1991م. 6- صيد الخاطر، ابن الجوزي، بعناية: حسن المساحي سويدان، الناشر: دار القلم – دمشق، الطبعة: الأولى 1425هـ - 2004م. 7- الغزو الفكري في أفلام الكرتون، أحمد نتوف، دار نحو القمة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى 1428ه – 2007م. 8- فتح القدير، للشوكاني، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب - دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى - 1414هـ. 9- المحكمات صمام أمن الأمة وأساس الثبات، حاتم العوني، بحث منشور ضمن سلسلة دعوة الحق كتاب محكم، برعاية الإدارة العامة للإعلام والثقافة برابطة العالم الإسلامي، طبع عام 1432هـ. 10- المحكمات في الشريعة الإسلامية وأثرها في وحدة الأمة وحفظ المجتمع، عابد السفياني، الناشر: المجلة العربية للدراسات الأمنية، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية – المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى 1419هـ. 11- الموافقات، للشاطبي، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م. 12- النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم، محمد بن عبد الله دراز، الناشر: دار القلم للنشر والتوزيع، طبعة مزيدة ومحققة 1426هـ- 2005م. [1] تفسير ابن كثير ت سلامة (2/ 6). [2] ومن الكتب التي تطرقت لها: المحكمات صمام أمن الأمة وأساس الثبات، حاتم العوني (45). [3] المحكمات في الشريعة الإسلامية وأثرها في وحدة الأمة وحفظ المجتمع، عابد السفياني (ص:34 وما بعدها). [4] درء تعارض العقل والنقل (1/ 66). [5] درء تعارض العقل والنقل (1/ 66). [6] جامع البيان (6/ 170) بتصرف. [7] النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز (ص: 150). [8] صيد الخاطر، ابن الجوزي (ص: 115). [9] فتح القدير للشوكاني (1/ 360). [10] الموافقات (3/ 305) بتصرف. [11] الغزو الفكري في أفلام الكرتون، أحمد نتوف (ص:10)، وينظر: أفلام الرسوم المتحركة وأثرها على الطفل المسلم في المملكة العربية السعودية أ. فاطمة أبو ظريفة (ص: 6). [12] خطورة الرسوم المتحركة اليابانية (الأنميات) على العقيدة، عمار أعظم (ص: 4).
الإرشاد إلى مدى صحة ما ينسب للإمام النَّووي من الأحزاب والأوراد
عبدالله الحسيني
29-01-2022
9,177
https://www.alukah.net//culture/0/152548/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b1%d8%b4%d8%a7%d8%af-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%af%d9%89-%d8%b5%d8%ad%d8%a9-%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d9%86%d8%b3%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%91%d9%8e%d9%88%d9%88%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%b2%d8%a7%d8%a8-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%af/
الإرشاد إلى مدى صحَّة ما يُنسب للإمام النَّووي من الأحزاب والأوراد الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فهناك حِزب أو وِرْد أدعية مشهورٌ متداولٌ يُنسب إلى شيخ الإسلام محيي الدِّين أبي زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي الدِّمشقي (631 هـ- 676 هـ) – تغمَّده الله تعالى بواسع رحمته-. وفي النَّفس شيءٌ من صحَّة نسبة هذا الحِزب إليه؛ وذلك لعدَّة أمور، منها [1] : أوَّلًا: أنَّ الإمام النَّووي لم يُشر إليه إطلاقًا في أيّ من مصنَّفاته وأجزائه حتَّى التي هي مظنَّة ذِكره وأقربها مناسبة به، مع أنَّ من عاداته المعروفة الإحالةُ عليها. ثانيًا: أنَّ الإمام النَّووي -كغيره من الأئمَّة المحقِّقين- من أشدِّ النَّاس تعظيمًا للمأثور وعنايةً به ضبطًا وتحقيقًا وشرحًا، وأكثرهم دعوةً إلى المواظبة عليه والتزام لفظه وأفضليَّته على غيره وتأكيدًا على أنَّ أفضل أحوال العبد هو الاشتغال به، ولا أدلَّ على ذلك من كتابه الشَّهير المبارك الذي سمَّاه: (حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار) ، والمنهج العلمي الرَّصين الذي سلكه فيه. قال الإمام النَّووي في (المجموع) (3/ 495): (وتقعُ هذه الألفاظ في كتب الفقه مغيَّرة، فاعتمِد ما حقَّقتُهُ، فإنَّ ألفاظ الأذكار يُحافَظ فيها على الثَّابت عن النَّبي صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم ) ا.هـ. وذَكَرَ في (منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري) (14/ 288) اختلاف العلماء في سبب إنكار النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم على البراء بن عازب رضي الله عنه وردِّه قوله: (آمنتُ برسولك)، ثمَّ قال: (واختار المازَرِيُّ وغيره أنَّ سبب الإنكار أنَّ هذا ذِكرٌ ودعاءٌ، فينبغي فيه الاقتصارُ على اللَّفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلَّقُ الجزاء بتلك الحروف، ولعلَّه أُوحي إليه صلَّى الله عليه وسلَّم بهذه الكلمات، فيتعيَّنُ أداؤها بحروفها، وهذا القولُ حَسَنٌ) ا.هـ. وقال (14/ 311): (فأمَّا المأثور في وقتٍ أو حالٍ ونحو ذلك، فالاشتغالُ به أفضل) ا.هـ . وقال في (الأذكار) (ص 28): (فقد قال الله العظيم العزيز الحكيم: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ ، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ ، فعُلِمَ بهذا أنَّ من أفضل أو أفضل حال العبد، حال ذِكرِهِ ربَّ العالمين، واشتغالِهِ بالأذكار الواردة عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سيِّد المرسلين) ا.هـ . وقال (ص 136): (وله أن يدعُوَ بالدَّعوات المأثورة، وله أن يدعُوَ بدعواتٍ يخترِعها، والمأثورة أفضل) ا.هـ . ونَقَلَ كلامًا لابن الصَّلاح (ص 39)، وأقرَّه: (إذا واظبَ على الأذكار المأثورة المثبتة صباحًا ومساءً، وفي الأوقات والأحوال المختلفة ليلًا ونهارًا -وهي مُبيَّنة في كتاب عمل اليوم واللَّيلة-، كان من الذَّاكرين الله تعالى كثيرًا) ا.هـ . كما نَقَلَ كلامًا للغزالي عن آداب الدُّعاء (ص 638)، وأقرَّه: (والأَولى أن يقتصر على الدَّعوات المأثورة، فما كلُّ أحدٍ يُحسن الدُّعاء، فيُخاف عليه الاعتداء) ا.هـ . ونَقَلَ عنه ابن علّان كلامًا مهمًّا في (الفتوحات الرَّبَّانيَّة على الأذكار النَّواويَّة) (1/ 17)، فقال ما نصُّه: (عن المصنِّف أنَّ أوراد المشايخ وأحزابهم لا بأس بالاشتغال بها، غير أنَّ الخير والفضل إنَّما هو في اتِّباع المأثور في الكتاب والسُّنَّة، وهذا ليس كذلك، وفيهما ما يكفي السَّالك في سائر أوقاته) ا.هـ . وأعاد ذكره في موضع آخر، فقال (7/ 190-191): (وتقدَّم أوَّل الكتاب عن المصنِّف أنَّ الاشتغال بغير أذكار الكتاب والسُّنَّة لا بأس به، غير أنَّ الخير والفضل إنَّما هو في اتِّباع المأثور في الكتاب والسُّنَّة، وهذا -أي: غير أذكارهما- ليس كذلك، وفيهما ما يكفي السَّالك في سائر أوقاته) ا.هـ . وأمَّا الحزب ففيه عدَّة إشكالات تتنافى مع ما تقدَّم، منها: 1- أنَّه نُسب إلى الإمام النَّووي أنَّه قال عنه: (مَن واظب على قراءته عند الصَّباح وعند المساء أَمِنَ من الظَّاهر والباطن، الظَّاهر: هم الإنس، والباطن: هم الجنّ) ا.هـ، كما تفرَّد بنقل ذلك عنه: عبد الرَّحمن الإسفراييني الآتي ذِكره! وحاشاه أن يقول مثل هذه المقالة التي توحي بمضاهاة المأثور والتَّزهيد فيه وادِّعاء أمر غيبي لا يُعلم إلَّا بالوحي. 2- أنَّ غالب ما فيه من قبيل غير المأثور الذي لم أقف على شواهد له في تراث الإمام النَّووي. 3- أنَّه تضمَّن حديثًا مأثورًا رواه ابن السُّنِّي في كتابه (عمل اليوم واللَّيلة) (346) في (باب ما يقول إذا خاف سلطانًا أو شيطانًا أو سبُعًا) عن أنس رضي الله عنه من طريق الرَّاوي أبان بن أبي عيَّاش الذي يراه الإمام النَّووي "ضعيفًا، متروكًا" [2] ، وكتاب ابن السُّنِّي من الكتب التي أثنَى عليها في هذا الباب، وهو من مسموعاته على شيخه الحافظ خالد بن يوسف النَّابلسي (المتوفى 663 هـ)، وصرَّح في كتابه (الأذكار) (ص 46) أنَّه سينقل جُملًا منه، ومع ذلك أعرض عن هذا الحديث تمامًا في (باب ما يقول إذا خاف سلطانًا) (ص 224)، ونَقَلَ فيه حديثًا ذَكره ابن السُّنِّي قبل هذا الحديث مباشرة، ثمَّ أكَّد إعراضه عنه بقوله: (ويستحبُّ أن يقول ما قدَّمناه في الباب السَّابق من حديث أبي موسى) ا.هـ، وقد نصَّ (ص 31) أنَّ كتابه (الأذكار) أصلٌ معتمدٌ في باب سرد المأثور المعنيِّ به، يذكر فيه الصَّحيح غالبًا، ولا يذكر فيه الضَّعيف إلَّا نادرًا مع بيان ضعفه، فإعراضه عن هذا الحديث ينبئ أنَّه شديد الضَّعف لديه لا يرى العمل به في فضائل الأعمال، فكيف يصحُّ بعد هذا كلِّه أن يذكر في الحزب ما أعرض عنه في الأصل؟! 4- أنَّه تضمَّن شيئًا من المأثور الذي لم يُلتزم فيه اللَّفظ الوارد بحروفه. ثالثًا: أنَّه غريبٌ عن النَفَس المعهود المعروف عن الإمام النَّووي، وبعيدٌ عن بيانه وسياقه وأسلوبه، وغير مألوف عنه، وهذا ظاهرٌ لكلِّ ممارس لآثاره، مديم النَّظر فيها، مطَّلع على دعواته وابتهالاته في ثنايا مصنَّفاته -يسَّر الله جمعها ونشرها-. رابعًا: أنَّ جُلَّ مَن أفرد ترجمته بالتَّصنيف واعتنَى بسرد مصنَّفاته التَّامة والنَّاقصة من أهل العلم لم يذكره ضمنها، وهم العُمدة في هذا الباب لداعي الاختصاص والتَّتبُّع، كتلميذه الخاص وأعرف النَّاس به: العلاء ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) في (تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين)، والتّقي اللّخمي (المتوفى 738 هـ) في (ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي)، والسِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) في (عمدة المحتاج إلى شرح المنهاج) (1/ 229-234) -وذَكَرَ فيه انكباب النَّاس على كتابة مصنَّفاته التَّامة والنَّاقصة حتَّى مختصره للتَّنبيه الذي كَتَبَ منه ورقة-، والكمال ابن إمام الكامليَّة (المتوفى 874 هـ) في (بغية الرَّاوي في ترجمة الإمام النَّواوي)، حتَّى أنَّ الجلال السُّيوطي (المتوفى 911 هـ) – وهو مَن هو في سعة الاطِّلاع وطول الباع- لمَّا سَرَدَ كتبه في (المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي) ولم يتطرَّق إليه، قال (ص 74) ما نصُّه: (هذا ما يحضرني من مصنَّفاته بعد الفَحص) ا.هـ ، ولهذه العبارة العلميَّة الدَّقيقة منه واستقراره عليها دلالتها عند أهل التَّحقيق. وإذا كانت القرينة التي اعتمدها الجمال الإسنوي (المتوفى 772 هـ) في (المهمَّات) (1/ 99) والسِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) في (عمدة المحتاج) (1/ 232) في نفي نسبة بعض الكتب إلى الإمام النَّووي هي عدم ذِكر تلميذه ابن العطَّار لها حين عدَّد تصانيفه، وتعقَّبَهما بعضهم في تلك القرينة، فإنَّ اتِّفاق جميع هؤلاء أهل الاختصاص على عدم ذِكر الحزب من بينها يُعدُّ من أقوى القرائن في نفي نسبته إليه أو حصول الرّيبة فيها، ولا يدع مجالًا للتَّعقُّب عليهم. ♦♦♦♦♦♦ فإن قيل: قد نسبه الشَّمس السَّخاوي (المتوفى 902 هـ) إليه ضمن مصنَّفاته، فقال في (المنهل العذب الرَّوي في ترجمة قطب الأولياء النَّووي) (ص 81) ما نصُّه: ("وحِزْب أدعية"، رأيتُهُ بمكَّة) ا.هـ. فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأوَّل: أنَّه يسرد في (المنهل العذب الرَّوي) كلّ ما وقف عليه من تصانيف تُنسب إليه من باب الجمع والاستيعاب والتَّقميش سواء صحَّت إليه أم لا، وليس من باب الفَحص والتَّدقيق والتَّفتيش، بدلالة أنَّه أورد بعضها ونَقَل الإشكالات في نسبتها إليه دون أن يجزم برأيه في ذلك، مثل: (مختصر مسلم)، و(مشكلات الوسيط)، و(النِّهاية في الاختصار للغاية). الثَّاني: أنَّ رأيه الصَّريح الذي لا يحتمل غيره هو عدم الجزم بنسبة الحزب للإمام النَّووي، وذلك في كتابَين من كتبه المتأخِّرة -كما سيأتي-، فقال في (إرشاد الغاوي بل إسعاد الطَّالب والرَّاوي للإعلام بترجمة السَّخاوي) (ص 878) -وهو ترجمته الذَّاتيَّة التي لن يُثبت فيها إلَّا رأيه واختياره-، و(الضَّوء اللَّامع لأهل القرن التَّاسع) (1/ 86)، في ترجمة تلميذه البرهان أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمَّد بن إبراهيم المقدَّمي الأُحبُولي الملحاني اليماني الشَّافعي ما نصُّه: (لَقِيَنِي بمكَّة، وقَرَأَ عليَّ: "الحِزب" المنسوب للنَّووي، وسمع [عليَّ] غيره، وأَجَزتُهُ) ا.هـ . (إرشاد الغاوي) للسَّخاوي وعليه خطُّه بخطِّ تلميذه العز عبد العزيز بن عمر ابن فهد الهاشمي المكِّي (850هـ-920هـ) مكتبة آيا صوفيا (2950) [179/ أ] (الضوء اللامع) فقوله: ("الحزب" المنسوب للنَّووي) عبارةٌ علميَّةٌ نقديَّةٌ يعني بها أنَّه ليس له أو مشكوكٌ في نسبته إليه، وقد استخدم هذه العبارة النَّقديَّة ذاتها في (الضَّوء اللَّامع) في ثلاثة مواضع [3] مع كتاب (النِّهاية في الاختصار للغاية) الذي نَقَلَ هو في (المنهل العذب الرَّوي) عن الجمال الإسنوي (المتوفى 772 هـ) والسِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) أنَّه ليس من تصنيف الإمام النَّووي [4] ، وهكذا يظهر أنَّ الشَّمس السَّخاوي يتَّفق مع الذين لم يذكروه، ويزيد عليهم بنَقْدِهِ له، وأنَّ عبارته أعلاه يعني بها أنَّه رآه بمكَّة المكرَّمة منسوبًا إليه، وبهذا يفسَّر كلامه المجمَل الموهِم الذي في (المنهل) بالمفصَّل الصَّريح الذي في (الضَّوء) و(الإرشاد)، ويبدو لي أنَّه رؤيته للحزب وقراءة إبراهيم المقدَّمي له عليه هو موقفٌ واحدٌ حصل أثناء مجاورته الثَّانية لمكَّة المكرَّمة سنة 870 هـ وقبل تصنيفه لكتاب (المنهل)، وهو يعدُّه من حينها أصلًا منسوبًا إليه. الثَّالث: لو افترضنا أنَّه نسبه إليه في (المنهل العذب الرَّوي)، فإنَّ العبرة بما أَثبَته بصريح العبارة في كتابَين من كتبه المتأخِّرة: (الضَّوء اللَّامع) نَقَلَهُ من المسوَّدة وبيَّضه في ربيع الآخر سنة 896 هـ، ونَسخَهُ عن خطِّه تلميذه العز عبد العزيز بن عمر ابن فهد الهاشمي المكِّي (850هـ-920هـ) في مدَّة آخرها يوم الاثنين ربيع الآخر سنة 899 هـ في منزله بمكَّة المكرَّمة، وانتهى من قراءته عليه في أوائل شعبان من السَّنة، وأجازه والحاضرين، و(إرشاد الغاوي) ذَكَر فيه سماعات ولقاءات وتأريخًا سنة 901 هـ والتي تليها، ونُسخته الخطِّية عليها خطُّه ومحفوظة بخطِّ العز الهاشمي، وأمَّا (المنهل) فقد فرغ من جمعه في جمادى الأُولى سنة 873 هـ. وإن قيل: إنَّ الجلال السُّيوطي ذَكَرَ في كتابه (نظم العقيان في أعيان الأعيان) (ص 141) [5] في ترجمة محمَّد بن أبي بكر الأسيوطي (المتوفَّى 859 هـ) ما نصُّه: (وقد قَرَأ "الحزب" للشَّيخ محيي الدِّين النَّووي على الشَّيخ المربِّي يحيى بن محمَّد الشَّاذلي أخي سيِّدي بن أبي بكر الشَّاذلي، قال: أنبأنا الشَّيخ يوسف العجمي، أنبأنا عبد الرَّحمن الإسفراييني، أنبأنا المصنِّف) ا.هـ. فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأوَّل: أنَّ كتاب (نظم العقيان) وإن كان متأخِّرًا، لكن ما في (المنهاج السَّوي) له هو المعتمد وعليه المعول؛ لأنَّه كتابٌ مخصَّصٌ معنيٌّ بترجمة الإمام النَّووي، لم يسرد فيه من تصانيفه إلَّا بعد فحْصِها -كما صَّرح بذلك- والتَّثبُّت منها والاستقرار عليها، وممَّا يؤيِّد ذلك عدم استدراكه له فيه لاحقًا كما يظهر في نسخه الخطِّيَّة الأربع التي رجعتُ إليها. الثَّاني: أنَّه نَقَلَ ذلك فيما وَجَدَهُ من ترجمته عن غيره، ويؤكِّد ذلك أنَّ السَّخاوي نقله كذلك بتصرُّف في (الضَّوء اللَّامع) (7/ 178)، فقال: (وقرأ "حزب النَّووي" على يحيى بن محمَّد الشَّاذلي أخي أبي بكر الشَّهير) ا.هـ، فهما ينقلان من مصدر واحد كعادة المؤرِّخين، وفحْصُ الجلال السُّيوطي وتصريحُ الشَّمس السَّخاوي -كما مرَّ بنا- مقدَّمان على مجرَّد نقلهما. الثَّالث: أنَّهما يُشيران بذلك إلى غرابة هذا الإسناد الذي مداره على: يوسف العجمي، عن عبد الرَّحمن الإسفراييني، بدلالة أنَّهما لم يذكراه ولا استدركاه في ترجمة الإمام النَّووي، ولم نقف عليه في كتب الأثبات والفهارس والمعاجم المتقدِّمة التي تعتني بالأسانيد المتَّصلة للكتب مع شدَّة عناية مؤلِّفِيها برواية مصنَّفات الإمام النَّووي وأجزائه، ولا ذَكَرَهُ السَّخاوي في (المنهل العذي الرَّوي) (ص 200-205) ضمن مرويَّات شيوخه وغيرهم لها. وإن قيل: إنَّ للحِزب نسخًا خطيَّة كثيرة في مكتبات العالم جميعها تنسبه إليه. فالجواب عنه من وجهَين: الأوَّل: أنَّ أغلب هذه النُّسخ الخطِّيَّة –إضافة لما وقع فيها من اختلاف كالتَّقديم والتَّأخير والزِّيادة والنَّقص- متأخِّرة جدًّا عن عصر الإمام النَّووي والرُّواة عنه من تلاميذه المشاهير، لا يُطمئنُّ إليها في ميزان التَّحقيق العلمي، وأقدم نسخة خطِّيَّة منه وقفتُ عليها ترجع إلى أواخر القرن الثَّامن الهجري، أي: بعد وفاته بقرن من الزَّمان! وليس فيها أيّ قرينة معتبرة تُثبت صحَّة نسبته إليه، بخلاف سائر مصنَّفاته التي هي مقابلة على نسخته أو مسموعة على الرُّواة عنه من تلامذته، أو مقابلة على أصولهم المعتمدة، أو منصوص عليها عند جمهور أهل العلم من المعتنين به، أو يظهر فيها بجلاء لكل معتنٍ بتراثه نَفَسُهُ وأسلوبُهُ. الثَّاني: أنَّ هناك بعض الكتب وُجدت لها نسخ خطِّيَّة قريبة العهد بعصر الإمام النَّووي، نَسَخَها بعض تلامذته ومَن في طبقتهم، ونَسَبَها إليه بعض أهل العلم ممَّن عاصروه أو أتوا بعده بيسير، ومع ذلك جَزَمَ المحقِّقون من أهل العلم بعدم صحَّة نسبتها إليه، مثل: (مشكلات الوسيط) الذي نسبه إليه: النَّجم أحمد بن محمَّد ابن الرِّفعة (645 هـ-710 هـ) في (المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي)، والتَّقي محمَّد بن الحسن اللّخمي (680 هـ-738 هـ) في (ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي) (ص 60) ووصفه أنَّه كامل في كراريس، والكمال جعفر بن ثعلب الأدفوي (685 هـ-748 هـ) في (البدر السَّافر) ووصفه أنَّه لم يكمل، بينما جَزَمَ الجمال الإسنوي (المتوفى 772 هـ) والسِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) أنَّه ليس من تصنيفه [6] ، و(مختصر مسلم) الذي له عدَّة نسخ، منها: نسخة بخطِّ العلاء علي بن أيُّوب بن منصور المقدسي (666 هـ-748 هـ) -الذي نصَّ السَّخاوي في (المنهل العذب الرَّوي) (ص 87، 127) و(الضَّوء اللَّامع) (2/ 141) و(التُّحفة اللَّطيفة) (2/ 410) أنَّه تلميذٌ للإمام النَّووي، وذَكَرَ أنَّه نَسَخَ بخطِّه كتابه (المنهاج) وحرَّره ضبطًا وإتقانًا-، وفرغ منها سنة 747 هـ، وأخرى بخطِّ محمَّد بن عمر بن إبراهيم بن محمَّد، وفرغ منها سنة 717 هـ، ونسبه إليه: التَّقي اللّخمي في (ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي) (ص 55) ووصفه أنَّه مجلَّد كبير ضخم، بينما جَزَمَ السِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) أنَّه ليس من تصنيفه [7] ، فإذا انتَقَدَ المحقِّقون نسبة هذين الكتابَين إليه مع ما ترى من حالهما، فكيف بالنُّسخ الخطِّيَّة -المتأخِّرة أو النُّسخة التي في أواخر القرن الثَّامن الهجري- للحزب التي ما نَسَبَها ولا جَزَمَ بنسبتها إليه أحدٌ من أهل العلم المتقدِّمين المعتنين به؟! وإن قيل: إنَّه يُروى بالأسانيد إلى الإمام النَّووي. فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأوَّل: أنَّ هذه الأسانيد معلولةٌ مردودةٌ غير مُسَلَّم بها، لأمرين: أوَّلًا: أنَّها ليست أسانيد الحزب، إنَّما هي مركَّبة عليه لم تُعرف إلَّا في القرون المتأخِّرة، وقد رُكِّبت على الحزب أخذًا من الإجازة العامَّة في المصنَّفات الثَّابتة للإمام النَّووي. فهناك مَن ركَّبها مِن طريق الزَّين عبد الرَّحمن بن عمر القِبابي (749 هـ- 838هـ)، عن النَّجم محمد بن إسماعيل ابن الخبَّاز (667 هـ-756 هـ)، عنه. ورواية ابن الخبَّاز عن الإمام النَّووي بالإجازة العامَّة لا بالسَّماع، وكذلك رواية القِبابي عن ابن الخبَّاز [8] . وهناك مَن ركَّبها مِن طريق السِّراج عمر بن رسلان البلقيني (724 هـ-805هـ) عن الجمال يوسف بن عبد الرَّحمن المزِّي (654 هـ-742 هـ)، عنه. ورواية البلقيني عن المزِّي بالإجازة العامَّة لا بالسَّماع [9] . وهناك مَن ركَّبها مِن طريق الزَّين عبد الرَّحيم بن الحسين العراقي (725 هـ- 806 هـ)، عن العلاء علي بن إبراهيم ابن العطَّار (654 هـ-724 هـ)، عنه. وهذا إسناد فيه وهْمٌ؛ لأنَّ العراقي وُلد بعد وفاة ابن العطَّار، وصوابه: عن الصَّدر محمَّد بن محمَّد الميدومي (664 هـ-754 هـ)، والتَّاج محمَّد بن أبي بكر بن أبي البركات النُّعماني (المتوفى 755 هـ)، كلاهما عنه، ورواية الميدومي والنُّعماني عن الإمام النَّووي بالإجازة العامَّة لا بالسَّماع [10] . والكتاب إذا ثَبَتَت نسبته إلى مصنِّفه جاز أن يُروى بالإجازة العامَّة، أمَّا إذا لم ينسبه إليه جُلّ مترجميه من المتقدِّمين المعتنين به أو صرَّح بعض هؤلاء أنَّه منسوبٌ إليه دون مخالف له، فينبغي ألَّا يُجزم بنسبته إليه، وأن يُقيَّد بعبارة نحو: (المنسوب) -كما قيَّد الشَّمسُ السَّخاوي هذا الحزب-، ولا يستقيم أبدًا أن يُروى بالإجازة العامَّة ما لم نتيقَّن من صحَّة نسبته إليه. ثانيًا: أنَّ هذه الأسانيد المعلولة والمركَّبة التي تنتهي إلى الرُّواة المشاهير عن الإمام النَّووي لم يُعرف عن واحد منهم نسبته إليه، فلا يُعوَّل عليها. ثالثًا: أنَّ بعض هذه الأسانيد تفرَّد بها مَن لم يُذكروا أصلًا ضمن الرُّواة عن الإمام النَّووي، ولم نقف لبعضهم على ترجمة. فهناك مَن يرويه مِن طريق يوسف العجمي، عن عبد الرَّحمن الإسفراييني، عنه. ولم نقف للإسفراييني على ترجمة. وهناك مَن يرويه مِن طريق النَّاصر منصور بن أحمد المشدالي (632 هـ-731هـ)، عنه. ولم نقف على مَن اعتبر الإسفراييني والمشدالي مِن تلامذة الإمام النَّووي والرُّواة عنه، حتَّى أنَّ الشَّمس السَّخاوي -المطَّلِع على طريق الإسفراييني- الذي تتبَّع الآخذين عنه في (المنهل العذي الرَّوي) (ص 123-133) حسبما وَقَفَ عليه في المطالعة، وأوردهم على ترتيب حروف المعجم، ونصَّ على احتياج بعض مَن سمَّاهم إلى مزيد تحقيقٍ، لم يذكرهما ضمنهم، ممَّا يعني أنَّه ما أَثْبَتَ أحدًا ولا أَعرَضَ عن آخر إلَّا بعد التَّحقيق والتَّدقيق، ولذلك فإنَّ تفرُّدهما في حدِّ ذاته دون سائر رواته الثِّقات المشاهير كافٍ في ردِّ تلك الأسانيد ونكارتها. الثَّاني: أنَّ المتقدِّمين من أهل العلم المعتنين برواية المصنَّفات الثَّابتة للإمام النَّووي في الأثبات والفهارس والمعاجم المشتملة على الأسانيد المتَّصلة للكتب لم يذكروا هذا الحزب في أيٍّ منها. الثَّالث: أنَّ مجرَّد رواية الحزب بالأسانيد لا تُثبت النِّسبة إلى الإمام النَّووي ما لم تكن صحيحة مُسلَّمًا بها، فقد نَقَلَ الشَّمس السَّخاوي عن محمَّد الأسيوطي أنَّه قرأه على يحيى الشَّاذلي –كما تقدَّم- مشيرًا إلى إسناده فيه في مصادر أخرى مع تصريحه في الكتاب نفسه وغيره أنَّه منسوبٌ له. وإن قيل: إنَّه اعتنَى به جماعة شرحًا وقراءةً. فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأوَّل: مع كثرة عناية أهل العلم بمصنَّفات الإمام النَّووي إلَّا أنَّنا لم نقف على مَن اعتنَى به مِن القرن السَّابع إلى القرن الحادي عشر الهجري، وجميع هذه الشُّروح متأخِّرة جدًّا من القرن الثَّاني عشر الهجري فما بعده، وإنَّما شرحوه بسبب ظنِّهم أنَّه ثابت عنه، ولم يتبيَّن لهم الإشكالات الواردة في نسبته إليه. الثَّاني: أنَّ هناك كتبًا نُسبت إلى الإمام النَّووي وشُرحت، ومع ذلك نصَّ المحقِّقون من أهل العلم على عدم صحَّة نسبتها إليه، مثل: كتاب (النِّهاية في الاختصار للغاية) المنسوب إليه الذي شَرَحَهُ جماعة من أهل العلم، كالكمال النَّشائي (المتوفى 757 هـ)، والتَّقي الحِصني (المتوفى 829 هـ)، والشَّمس العجلوني (المتوفى 831هـ) [11] ، بينما جزم السِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) وغيره أنَّه ليس من تصنيفه [12] . الثَّالث: أنَّ شَرْح أو قراءة بعضهم للحزب لا يُثبت النِّسبة إلى الإمام النَّووي، فقد شَرَحَ الجمال الإسنوي (المتوفى 772 هـ) كتاب (النِّهاية في الاختصار للغاية) المنسوب إلى الإمام النَّووي، مع جزمه أنَّه ليس من تصنيفه [13] ، وذَكَرَ الشَّمس السَّخاوي -في موضعَين كما تقدَّم- أنَّ أحد تلامذته قرأ عليه هذا الحزب، مع جزمه في الموضع نفسه أنَّه منسوبٌ له. ♦♦♦♦♦♦ ولعلَّ الذي جَمَعَ هذا الحِزب كان يُلقَّب بـ: (محيي الدِّين)، ولشهرة الإمام النَّووي بهذا اللَّقب أيضًا نَسَبَهُ إليه بعضهم وهْمًا، أو أراد جامعه إشهاره بين النَّاس فنسبه إليه؛ لما له من قبول ومكانة بين العامَّة والخاصَّة. وإن رُمتَ حقيقةً وِرْدهُ وحِزبهُ المستطاب -الذي ارتضاه- المبني على السُّنَّة والكتاب، فدونك كتابه الجليل (الذي لا يَستغني طالبُ الآخرة [متديِّنٌ] [راغبٌ في الخير] عن مثله) [14] المسمَّى بـ: (حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار) الذي نصَّ في مقدّمته (ص 31) على أنَّه أصلٌ معتمدٌ في هذا الباب، تحرَّى فيه بيان صحيح الأحاديث وحسنها وضعيفها ومنكرها، ولا يذكر فيه الضَّعيف إلَّا نادرًا مع بيان ضعفه، وأنَّ هذا ممَّا يُخَلّ به غالبًا، ويفتقر إلى معرفته جميع النَّاس، وأهمّ ما يجب الاعتناء به، وقد أحال عليه في مصنَّفاته الأخرى، ورغَّب فيه وأثنى عليه، واعتنَى بإقرائه تسع سنوات من سنة تصنيفه له (667 هـ) إلى سنة وفاته، وأجاز فيه إجازةً خاصَّة وعامَّة، ورواه عنه سماعًا عليه المشاهير من تلاميذه، مثل: النَّجم حسن بن هارون بن حسن الهَذَباني (المتوفى 699 هـ) مرَّتين سنة 668 هـ والتي تليها، والشِّهاب محمَّد بن عبد الخالق بن عثمان الأنصاري (المتوفى 690 هـ) سنة 673 هـ، والعلاء علي بن إبراهيم ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) سنة 676 هـ، والشِّهاب أحمد بن محمَّد بن عبَّاس بن جَعوان الأنصاري (المتوفى 699 هـ) سنة 676 هـ، والجمال سليمان بن عمر بن سالم الزُّرَعي (المتوفى 734 هـ)، وغيرهم، ويُروَى من طريقهم المتَّصل إليه في كتب الأثبات والفهارس والمعاجم المتقدِّمة، ونُسخُهُ الخطِّيَّة النَّفيسة المقروءة على تلاميذه لا تزال محفوظة، ونُسخُهُ الأخرى تفوق الحصر ولا تكاد تخلوا منها مكتبات العالم . هذا والله تعالى أعلم. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. [1] عرضتُ البحث على أخي فضيلة الشَّيخ د. محمد رفيق الحسيني، وفضيلة الشَّيخ د. محمَّد الجوراني، وفضيلة الشَّيخ د. محمَّد السريّع، فأفادوني بفوائد ثريَّة قيِّمة، جزاهم الله خير الجزاء. [2] (المجموع) (9/ 69). [3] قال في (الضَّوء اللَّامع) (6/ 124) في ترجمة عمر بن محمَّد بن محمَّد العيني الحموي النَّجَّار المقرئ الشَّافعي: (فحفظ القرآن، و"الملحة"، و"النبيه مختصر التَّنبيه"، و"الغاية" المنسوبة للنَّووي) ا.هـ، وقال (7/ 16) في ترجمة محمَّد بن أحمد بن علي ابن المحلى السَّمنودي الشَّافعي الرّفاعي: (فحفظ القرآن عند ابن ناصر الدِّين محمَّد بن محمود العجمي، تلميذ الشَّيخ مظفّر، وعليه جوَّده، و"النِّهاية" المنسوبة للنَّووي في الفقه) ا.هـ،  وقال (10/ 34) في ترجمة محمَّد بن محمَّد بن يوسف ابن سويدان المنزلي الشَّافعي: (فحفظ القرآن، وصلَّى به، و"الشَّاطبيَّة"، وبعض "عمدة الأحكام"، وجميع التبريزي، و"النِّهاية" المنسوبة للنَّووي، كلاهما في الفقه) ا.هـ. [4] قال السَّخاوي في (المنهل العذب الرَّوي) (ص 82-83): (و"الغاية" في الفقه، قال ابن الملقِّن: "وعندي أنَّها ليست له، وإن كانت له، فلعلَّها ممَّا صنَّفَهُ في أوَّل أمره"، وسمَّاها غيره: "النِّهاية في الاختصار للغاية "، وجَزَمَ الإسنوي بأنَّها ليست له) ا.هـ. [5] أحالني عليه فضيلة الشَّيخ د. عبد الحكيم الأنيس حفظه الله. [6] قال الإسنوي في (المهمَّات) (1/ 98-99) -بعد قوله: (ويُنسب إليه تصنيفان لَيسا له)-: (والثَّاني: "أغاليط على الوسيط" مشتملة على خمسين موضعًا، بعضها فقهيَّة وبعضها حديثيَّة، وممَّن نسب هذا إليه: ابن الرِّفعة في "شرح الوسيط"، فاحذره، فإنَّه لبعض الحمويِّين) ا.هـ.، وقال ابن الملقِّن في (عمدة المحتاج) (1/ 232): (و"مشكلات الوسيط": والظَّاهر أنَّها ليست له، وإن عزاها إليه صاحب "المطلب"، وغيره) ا.هـ، وعلَّق على كلامه السَّخاويُّ في (المنهل العذب الرَّوي) (ص 82)، فقال: (يعني: كالكمال الأدفوي، فإنَّه سمَّاه في "البدر السَّافر" من تصانيفه مع: "إشكالات على المهذَّب"، وقال: إنَّهما لم يكملا) ا.هـ. [7] قال في (عمدة المحتاج) (1/ 232) -بعد جزمه في "النِّهاية" أنَّه ليس له- :  (وكذا "مختصر مسلم"، وكأنَّ مصنِّفه أخذ تراجمه من "شرح صحيح مسلم" له، وركَّب عليها متونه، وعزاه إليه) ا.هـ. [8] انظر: (الدُّرر الكامنة) (5/ 119)، و(الضَّوء اللَّامع) (4/ 114)، و(6/ 86). [9] انظر: (الضَّوء اللَّامع) (6/ 86). [10] انظر: (طرح التَّثريب) (1/ 107، 124). [11] قال السَّخاوي في (المنهل العذب الرَّوي) (1/ 232): (شَرَحَ "الغاية" المنسوبة له: الجمال الإسنوي، والكمال النَّشائي، والتَّقي الحِصني، والشَّمس محمَّد بن أحمد بن موسى العجلوني) ا.هـ. [12] قال في (عمدة المحتاج) (1/ 232): (وممَّا يُعزى إليه: "النِّهاية" في الفقه، وعندي أنَّها ليست له، وإن كانت له، فلعلَّها ممَّا صنَّفه في أوَّل أمره) ا.هـ. [13] قال في (المهمَّات) (1/ 98-99): (ويُنسب إليه تصنيفان لَيسا له: أحدهما: مختصرٌ لطيفٌ يُسمَّى: "النِّهاية في الاختصار للغاية") ا.هـ. [14] قاله الإمام النَّووي في (الإيضاح) (ص 203)، و(منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري) (4/ 226) والمعقوفة الأُولى منه، و(روضة الطَّالبين) (10/ 233) والمعقوفة الثَّانية منه، انظر: (تقييد الأفكار عن كتاب الأذكار).
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (143)
أ. د. محمد بن تركي التركي
29-01-2022
2,068
https://www.alukah.net//culture/0/152545/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-143/
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (143) 1. موقف الحافظ ابن حجر من زيادات ألفاظ متون الإمام مسلم على الإمام البخاري فيما اتفقا عليه، تأليف أحمد حسن سعد، دار الفاروق، عمان. 2. إرواء الظمي بمعرفة من تكلم فيه الإمام الهيثمي وتعقبات الألباني عليه، تأليف علي بن سليم العبادي، دار الفاروق، عمان. 3. صحيح البخاري بين نقد المحدِّثين ونقد دعاة تجديد التراث الإسلامي، مجموعة أبحاث بتنسيق د. رشيد عموري، مركز فاطمة الفهرية للأبحاث والدراسات، المغرب، ركاز للنشر والتوزيع. 4. الفيض الجاري فيما صنفه المغاربة حول صحيح الإمام البخاري، تأليف أمحمد رحماني، دار ركاز للنشر والتوزيع. 5. ثبت الباندرموي المسمى: جامع روايات الفهارس ولامع إجازات أهل الفوارس تأليف الشيخ حامد بن يوسف الباندرموي، تحقيق د. عبدالقادر بن عمر البوجاكي، دار أرباب العلم. 6. رياض الأنس لعقلاء الإنس في معرفة أصل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، تخريج أبي شجاع شيروية بن شهردار الديلمي، تحقيق ناصر محمدي محمد جاد، دار أصول للنشر والتوزيع. 7. صناعة الحديث في صحيح مسلم، تأليف د. أمل حامد السبيعي، دار الإسراء. 8. التخريج كم يجب أن يكون، مع (13) تدريب عملي، تأليف د. أمل حامد السبيعي، دار الإسراء. 9. دراسة الأسانيد، مع (20) تدريب عملي، وتلخيص (6) كتب، تأليف د. أمل حامد السبيعي، دار الإسراء. 10. المدخل إلى علم الشمائل النبوية، تأليف د. خالد بن قاسم الردادي، دار الميراث النبوي. 11. المدخل إلى علم شرح الحديث، دراسة منهجية تأصيلية، تأليف د. خالد بن قاسم الردادي، دار الميراث النبوي. 12. المدخل إلى كتاب المحرر في الحديث لابن عبدالهادي، تأليف د. خالد بن قاسم الردادي، دار الميراث النبوي. 13. مداد الاقلام في الأحاديث والأخبار التي ضعفها شيخ الإسلام ابن تيمية، أعدّه وجمعه محمد بن جابر الأسواني، دار اللؤلؤة. 14. أنوار أولي الألباب في اختصار كتاب الاستيعاب، لابن الزهراء الورياغلي، تحقيق د. يونس بقيان، دار النور المبين، 3ج. 15. صحيفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، إعداد د. فهد بن صقر الروقي، دار أجيال التوحيد. 16. تنزيه المصطفى المختار عما لم يثبت من الآثار، لابن العجمي الوفائي، تحقيق د. محمد بن محمد خير هيكل، مؤسسة الرسالة ناشرون. 17. تثقيف اللسان بضبط الأعلام، تأليف أ.د عواد الخلف، أ.د قاسم علي سعد، مطبوعات جامعة الشارقة، 4ج. 18. ختم عمدة الأحكام الصغرى لعبدالغني المقدسي، إعداد الشيخ شعبان العودة، دار اليسر. 19. كفاية القاري بشرح ثلاثيات البخاري، لحميد الدين السندي، حققه أبو البركات السندي، دار الرياحين. 20. التجديد في أنواع علوم الحديث بين التنظير والتطبيق، تأليف أ.د أشرف خليفة السيوطي، دار اللؤلؤة. 21. منهجية كتب السنة في معالجة قضايا الأمن الفكري (صحيح البخاري نموذجاً)، تأليف أ.د أشرف خليفة السيوطي، دار اللؤلؤة. 22. فضائل الصحابة الصحيحة على منهج المحدثين، تأليف أ.د محمد عبدالله الأعظمي، دار طيبة الخضراء. 23. مقدمة موطأ الإمام مالك، تأليف محمد بن علي السنوسي الإدريسي، تحقيق د. محمد علي بلاعو، وسم للنشر والتوزيع. 24. القول المبين برد الشبهات حول حديث " ناقصات عقل ودين "، تأليف د. أحمد حمدي سلام، مركز إحياء للبحوث والدراسات. 25. الرد على الجهمية، لابن منده، طبعة جديدة بتحقيق أحمد بن علي القفيلي، الناشر المتميز، دار النصيحة.
إعلام السائلين عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين لحسن قاسم الكوهن
محمود ثروت أبو الفضل
29-01-2022
3,296
https://www.alukah.net//culture/0/152541/%d8%a5%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d9%85%d9%86-%d8%a3%d9%82%d8%a8%d8%b1-%d8%a8%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%86-%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d9%82%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d9%87%d9%86/
إعلام السائلين عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين لحسن قاسم الكوهن صدر حديثًا كتاب "إعلام السائلين عمن أقبر بمصر من صحابة سيد المرسلين"، تأليف: المؤرخ الأثري النسابة "حسن قاسم الكوهن" (ت ١٣٩٤ هـ)، اعتنى به: د. "أحمد جمعة عبد المجيد" ود. "جواد جاسم الجنابي"، نشر: "دار الإحسان للنشر والتوزيع"، مصر. وتعتبر هذه الرسالة للأستاذ النسابة "حسن قاسم" من الأعمال التاريخية المتخصصة، التي تناولت قبور الصحابة - رضي الله عنهم - في أرض مصر، سواء من دفن منهم في منطقة سفح جبل المقطم، وخاصة حول "جامع الفتح" المعروف الآن بـ"مسجد سيدي عقبة بن عامر الجهني" أو في أنحاء مصر وربوعها. قال النسابة "حسن قاسم" في بداية رسالته: "الحمد لله حق حمده ( وبعد ) فهذه تحقيقات لتاريخ مسجد الفتح المعروف الآن بمسجد سيدى عقبة بالقرافة الواقعة فى الشرق الجنوبي من مسجد الإمام الليث بن سعد والتعريف بمن أقبر به من الصحابة - رضى الله عنهم - ممن تحقق إقبارهم به وضعتها ليهتدى إليها من يريد زيارتها على الوجه الصحيح ممزوجة بما يناسبها من الاستشهادات عما عرف من قبورهم وما لم يعرف للاهتداء إليها حسبما يقتضيه الظروف وبالله سبحانه التوفيق". وتمتاز هذه الرسالة عن نظيراتها مثل رسالة السيوطي "در السحابة فيمن دخل مصر من الصحابة" بأن مؤلفها تحقق من مواضع الدفن بالأدلة التاريخية القاطعة، أما السيوطي فقد ذكر من دخل مصر ومات بها دون تحديد أماكن دفنهم. كما دلل "حسن قاسم" بالأدلة التاريخية على عدم صحة الكثير من المشاهد المنسوبة للصحابة - رضي الله عنهم - في مصر، وسماها "المشاهد المزعومة" مثل: سارية المدفون داخل قلعة صلاح الدين بالقاهرة، أو تميم الداري دفين جنين في فلسطين، وأبي أيوب الأنصاري دفين القسطنطينية (إستانبول الآن) والموجود ضريحه بشارع الكردي، وأبي هريرة الصحابي المشهور، والمنسوب له ضريح بالجيزة، أو الضريحين المنسوبين إلى محمد ابن الحنفية، أو خالد بن الوليد، أو غير ذلك. وتعد هذه الرسالة ضمن المصادر والمراجع الطبوغرافية المهمة، وخاصة أن مؤلفها بناها على المشاهدات والمعاينات والدراسات الميدانية. وقد صدر هذا الكتاب في طبعته الأولى عام 1350 هـ، ونجد أنه برصد الدلائل فإنه لم يصح من قبور الصحابة بمصر سوى بعض الآثار التاريخية التي تثبت موت "عقبة بن عامر الجهني" - رضي الله عنه - المتوفى (85 هـ - 703 م) ودفنه بمصر في الموضع المعروف به حاليًا وهو مسجد سيدي عقبة الموجود بالقرافة الكبرى، وكذلك موت عمرو بن العاص - رضي الله عنه - المتوفى (43 هـ - 664 م) ودفنه في الموضع المجاور لقبر سيدي عقبة بن عامر" أو "حوش أبي علي" الواقع مقابل "جامع القرافة الكبير". والبقية مشاهد مزعومة لم تثبت فيها روايات تاريخية صحيحة. وصاحب الكتاب هو الحسن بن محمد بن قاسم، أبو علي الكوهن التازي: مؤرخ مغربي، من فقهاء المالكية من أهل فاس كان يعمل في تجارة الكتب، وجمع لنفسه مكتبة خاصة حافلة بالنفائس، ووقفها على الزاوية الفتحية بخوخة السويقة في الرباط. وجاور بالحجاز. وقد عين فى مقتبل العمر خوجة أي مدرس، ومترجم بمدرسة الألسن وكان ناظرها وقت رفاعة بك الطهطاوي، وفى هذا الوقت قام بترجمة وتعريب كتاب "تاريخ ملوك فرنسا من مبدأ ملكهم إلى الملك لويس فليب" وقام بإهدائه إلى خديوي مصر وقتها عباس باشا حلمي. ثم عين بقسم التاريخ بـ"مجلة الإسلام" عام 1933م فكتب العديد من المقالات في تحقيق كثير من قبور مصر ومشاهدها، وقد اشتهر الأستاذ حسن قاسم وأخذ لقب النسابة عندما ألف كتاب "بحر الأنساب فى أنساب العلويين"، وعين بعد ذلك مديرًا لمجلة "هدى الإسلام"، وله العديد من المقالات التاريخية الهامة، ومن أشهر كتبه: "طبقات الشاذلية الكبرى" ويسمى (جامع الكرامات العلية في طبقات الشاذلية)، و"ذكرى مصرع الحسين"، و"أخبار الزينبيات"، و"كتاب الآثار الإسلامية والمزارات المصرية"، وموسوعته "تاريخ الجندية الإسلامية ونظام العسكرية الحربية والبحرية فى مصر والعالم العربى من فجر الإسلام إلى القرن 14".. وغيرها.
مأساة فلسطين
محمد عارف عمرزهي
29-01-2022
5,604
https://www.alukah.net//culture/0/152521/%d9%85%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d8%a9-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86/
مأساة فلسطين لم يزددِ المسلمون في القرون الأخيرة إلا ضعفًا وخِذلانًا، ولم تزدد أخلاقهم إلا تدهورًا وانحطاطًا؛ فقد أصبحوا أمة جوفاءَ لا روحَ فيها ولا حياة، وأصبحت دولهم فريسةً لكل مفترس وطُعمة لكل آكلٍ، وصدق رسول الله صلی الله عليه وسلم حين قال: « يُوشِك أن تداعی الأمم عليكم، كما تداعی الأكَلَةُ إلى قصعتها »، فقال قائل: أو مِن قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال صلی الله عليه وسلم: « بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفَنَّ في قلوبكم الوَهْنَ ... »؛ [رواه أبو داود في سننه: ٤٢٧٩]، مضی المسلمون علی هذه الحالة وزيادة حتی أغارت عليهم الدول الغربية؛ فاعتزل المسلمون عن قيادتهم للعالم، وسلَّموا مفاتيح ملكهم إلی الغرب، وبلغ بعض الدول الإسلامية من الذل والهوان مبلغًا اتخذ اليهود أولياء. وها هي فلسطين الوطن العربي الإسلامي المقدَّس، والقِبلة الأولَی للمسلمين، والمسجد الثالث الذي تُشدُّ إليه الرِّحال، أصبحت - نتيجة ضعف المسلمين - طُعمة للصهاينة، وتواجه الدَّمار والفوضی والقتل والتشريد جرَّاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني الغاصب، شعبٌ يُقدَّر بالملايين، ويحرم الحريَّةَ ليعيش ذُلًّا وأسباب الحياة ليموت جوعًا، والحرية شعار الدول، وأسباب الحياة سهلة الوصول، لكنها تُقام في وجهها السدود والحصون والحواجز، إن الشعب الفلسطيني يُمنع عن السكون والطمأنينة حتی في المساجد؛ حيث يتعرَّض المصلون في المسجد الأقصی من قِبل قوات الاحتلال للاعتداءات الوحشية، ويقتحم الاحتلال باحاتِ المسجد، ويهاجم المصلين ويعتقل آخرين، كأن الحرية للفلسطيني في بلاده حرام أي حرام، فتُرصد لها العيون، وتُغلق لها الأبواب، أما الإسرائيلي، فلا تُقام في وجهه الأرصدة؛ لأن الإسرائيلي يهوديٌّ ومرحبًا باليهود، والفلسطيني مسلم ولا مرحبًا بالمسلمين، فكم من حق فلسطين سُلب؟ وكم من دمٍ أُريق؟ وكم من نفوس أُزهقت؟ وكم من ولد أُصيب وهو في حِضن أمِّه؟ وكم من أمٍ أُصيبت وفمُ ولدها علی ثديها، فرضع منها مكان اللبن دمًا؟ إذا طالب الشعب الفلسطيني بحقه وأن يتحرَّرَ ويكون أمره بيده، سُلِّط عليه أنواع العذاب في أبشع صورة، واستُخدم آخرُ ما وصل إليه العلم والاختراع في التدمير والتخريب، تحدث كل هذه الجرائم تحت مسمَعِ العالم وبصره، وهيئة الأمم المتحدة تعقد بدعوی تحقيق العدل وإنقاذ الإنسانية، وأجواء العالم تتجاوب بالديمقراطية، وحق المصير، ومؤازرة الحرية. إنه ليس في تاريخ الظلم والعدوان قضية كقضية فلسطين، ولا في تاريخ التخاذل والهوان مثل موقف العالم في قضية فلسطين، ولا في تاريخ قلة الاهتمام مثل موقف الدول المسلمة - في شرق الأرض وغربها - في قضية فلسطين، فتخاذُل المسلمين هو الذي دفع اليهود وجعلهم يمدون أيديهم إلی الأراضي الفلسطينية، فما أخذ اليهود الذي أخذوه بقوتهم وسلاحهم، ولكن بإهمال المسلمين وتخاذلهم، إن قضية فلسطين قضية العالم، وإن مسؤوليتها قد قُسمت علی الشعوب جميعًا، والذي يؤسفنا هو أنه لا يری شعب نفسه أولی بها من غيره، ولا يضْطَلع بها أحد، ولا تری دولة نفسها مسؤولًا عنها، ولماذا التخلُّف عن هذه القضية؟ ونحن - المسلمين - لا ينقصنا العَدد والعُدد، ولا السلاح ولا المال؛ فلو بصق كل مسلم بصقة لأغرقت يهود العالم، ولو نفخ كل واحد منا نفخة لأطارتهم، وإذا كان لا ينقصنا شيء مما ذُكِر، فما الذي ينقصنا؟ إن الذي ينقصنا هو الدين والإيمان، فتَّشَ عقلاء الأعداء عن منابع القوة الكامنة في قلوب المسلمين، فوجدوا الدين والإيمان أكبر منبع للقوة والحياة في قلوبهم - وقد شهدوا ما فعل الإيمان قديمًا، وما أظهر من معجزات وخوارقَ، وما هو خليق بأن يفعل - فسلَّطوا علی المسلمين عدوَّیْنِ هما أضرُّ وأفتك بهم من الوباء الفاتك: أ– الشك وضعف اليقين والإيمان؛ ولا شيء أدعی للضعف والجبن منه. ب– الذل والهوان؛ ومعنی ذلك أن المسلمين صاروا يشعرون بالذل في داخل نفوسهم وأعماق قلوبهم، ويزدرون كل ما يتصل بهم من دين وعقيدة، وإذا تمكن الذل والهوان من أمة، ماتت تلك الأمة؛ فلا روح لها ولا حياة، وإن كنت تراها تغدو وتروح. فقد ابتُلي المسلمون في القرون الأخیرة بعبادة المال، وحب الدنيا، والجري وراء النعم، وتقديم ملذات الدنيا علی نِعَمِ الآخرة، وإن هذه النفسية والتربية تَحُولُ دون الجهاد في سبيل الله، وتحمل المشاقِّ، وتجرُّعِ المرائر، ومكابدة الأهوال، والعقيدة السامية، لكن لا داعي لليأس والتشاؤم؛ فإن منبع الدوافع والبواعث - وهو الإيمان والحمية الدينية – موجود في الأمة، وإن العاطفة التي تبعث علی الجهاد لا تزال قوية، فالأمة الإسلامية أمة لم تُصب بالعُقم، كيف وقد أنتجت في كل أزمة ومحنة رجالًا مجاهدين واجهوا العدو ودافعوا عن الأمة بأسرها، فإذا عمرت القلوب بالدين والإيمان، وتزكَّت النفوس، وجاشت الصدور بالحماسة والشجاعة جَيَشَانَ المِرجل، وأخذ المسلمون عُدَّتهم للدفاع عن الأمة، يتحول المسلمون قوة خارقة للعادة. وأخيرًا لنعلم أن ضياع فلسطين ودمارها جريمة كبيرة سيحكم فيها التاريخ حين ينكشف الخفي، ويُفتضح المزوِّرُ، وحینئذٍ يحدِّد التاريخ المسؤولَ عنها، ويجعله نكالًا للظالمين، علی أن المحكمة الكبری التي بين يدي رب الأرباب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا ينفع جند ولا أعوان.
من منا أويس القرني كان بارا بوالدته
أ. د. فؤاد محمد موسى
27-01-2022
24,760
https://www.alukah.net//culture/0/152500/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%a7-%d8%a3%d9%88%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86%d9%8a-%d9%83%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d8%b1%d8%a7-%d8%a8%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%aa%d9%87/
من منَّا أويس القرني كان بارًا بوالدته يا شباب هذا العصر؛ من منكم بارٌ بوالدته في خضم هذه الحياة الماجنة والمثيرات الغامرة الهالكة التي تحيط بكم من كل جانب ومن كل صوب. عصيتم الآباء وانقدتم بالأهواء وتركتم الفضل العظيم للمقولة الشهيرة: " الجنة تحتَ أقدامِ الأمهات"، فإن المسلم بين أبيه وأمه يتقلب في طرق الجنة، في أبواب الجنة في نفحات الجنة، إن الله سبحانه وتعالى جعل من أسرع الطرق إلى الجنة بر الوالدين. فعن معاوية السلمي رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: « ويحك، أحيَّةٌ أمك؟ »، قلت: نعم يا رسول الله، قال: « ويحك الزم رجلها فثمَّ الجنة »؛ رواه ابن ماجة، وصححه الألباني. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23 - 24]. وقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]. ومن أروع الأمثلة على بر الوالدين قصة أويس القرني مع أمه وبره لها. فمن منكم يعرف " أويس القرني " صاحب الدعوة المستجابة عند رب العالمين، الذي أخبر الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه بارًا بوالدته، ولم راه وكان على بعد آلاف الأميال منه، جعله الله مستجاب الدعوة. كان يخدم أمه، فقالت له: ابق معي يا بني، فترك الذهاب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليبر أمه، فسرعان ما نزل الوحي من السماء، لنشر هذه الفضيلة المخبئة في زوايا الأرض، لعظمة البر، حتى طلب رسول الله من شيخي المسلمين أن يطلبوا منه أن يستغفر لهما، لعظيم قصة أويس القرني مع أمه وبره بها وزهده في الدنيا. فعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: « يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ»، فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَةُ؟! (صحيح مسلم). ليتنا نربي أولادنا على سماع مثل هذه الأمثلة من الصغر، فتحكى لهم قبل النوم. ليت أصحاب الفن يخرجون لنا مثل هذه الأمثلة في صور محببة للناس فينالون عليه الثواب العظيم، بدل انشغالهم بالفساد في الأرض. ليت أصحاب القنوات الفضائية يعرضرون لنا مثل هذه القصص في قنواتهم ومسلسلاتهم فينالون ثواب الدنيا والآخرة. ليت أصحاب التعليم يتناولون ذلك القصص في المناهج التعليمية فيعم الخير علينا جميعًا. رحماك يا رب بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ثلاثية الإنجاز
د. محمد عبدالله الفقي
26-01-2022
2,549
https://www.alukah.net//culture/0/152484/%d8%ab%d9%84%d8%a7%d8%ab%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%ac%d8%a7%d8%b2/
ثلاثية الإنجاز كل باحثٍ عن الحق، وكل طالبٍ للخير يستلهم كلمة تهديه، أو تجربة تقصّر عليه مسافات طويلة في البحث والتحرّي، ويتطلع إلى إنجاز مهمته، والوصول إلى هدفه. وفي كلام أسلافنا من العلماء المخلصين، والأفذاذ المجتهدين ما ينير لنا الطريق، ويضع أيدينا على مكامن التوفيق، وما يستحق أن نسميه ( ثلاثية الإنجاز ). فمن ذلك ما قاله القاضي أبو بكر بن العربي مادحًا عمل الإمام الترمذي (صاحب الجامع) ومثنيا عليه... فيقول: " وفيه – أي: جامع الترمذي - أربعة عشر علمًا.. وكل علمٍ من هذه العلوم أصلٌ في بابه، وفرد في نصابه... ثم قال: "وهذا شيء لا يعمُّه إلا العلمُ الغزير، والتوفيقُ الكثير، والفراغُ والتدبير".ا. هـ. فهذه ثلاثية إنجاز الأعمال الجليلة والكبيرة تضمنها هذا السطر المبارك من كلام الإمام ابن العربي رحمة الله عليه.. 1- العلم الغزير. 2- التوفيق الكثير. 3- الفراغ والتدبير. فأما أولها فـــ(العلم الغزير)، فيستقي منه الباحث أو العالم مادة بحثه، ويغترف منه أصول كتابه. وسبيل ذلك أن يقرأ كل ما يتعلق بموضوع بحثه، ويجمع مفرداته، ويكوّن فصوله وأبوابه، ويتحصل على الدرر والفوائد، فيبحث ويجتهد، ويعرض ويناقش، وينظر هنا وهناك جامعًا وحاصرًا، ومرتبًا ومهذبًا ومستنتجًا؛ حتى يستوي بحثه على سوقه. وكلما كان إلمامه بما يبحث فيه، وما يكتب عنه أكثر، كانت إفادته أعظم وأغزر. ولذا قيّد الإمام العلم بكونه غزيرا؛ لأن هذا هو الذي ينفع ويثمر. وما لم تكن للباحث أو المؤلف قاعدةٌ متينة من العلم الذي يكتب فيه لم يُفِد. فمن يكتفي بظواهر المسائل ولا يسبر أغوارها، ولا يحرّر مُشكلها، ولا يبين غوامضها؛ يأتي عمله خِداج لا يسمن ولا يغني من جوع. وأصحاب العلم الضحل الذين يكتبون من أجل الكتابة لا من أجل الإفادة، فتراهم يتحصلون على شيءٍ من العلم فيطيرون به، فلا يجمعون أقوال أهل العلم في المسألة الواحدة، ولا يلمّون بأطرافها، فيكتبون دون تحقيق أو تمحيص، أو مراجعة وتدقيق فتخرج أعمالهم مبتسرة لم يكتمل نموها، فتشوّه وجه العلم، وتكدّ قرائح طلابه، وتضيع أوقاتهم في مهاترات ومناقشات. وأما ثانيها فـــ(التوفيق الكثير): فالتسديد والإعانة من الله عز وجل، والتيسير والتوفيق، والإرشاد إلى المطلوب بفضل الله ومنّته. وهذا ما لا يستغني باحثٌ عنه، ولا بدّ لطالب الحقّ منه. وإنما يتأتى ذلك للباحث بكثرة دعائه، وعظيم رجائه، وإخلاص نيته، ونقاء طويته، وتجريد قصده، ورغبته في نفع الإسلام والمسلمين بل والبشرية جمعاء. وإذا حالف التوفيق العبد في سيره فُتحت له المغاليق، وانقادت له صعابها، وذلت له شواردها؛ و ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]. وفي هذا الأمر الثاني ملمحٌ دقيق: ألا وهو أنه لابدّ لطالب الحق والباحث عنه أن يتبرأ من الحول والطول، وأن يحذر من الغرور والعجب؛ فتلك الآفات تُردي صاحبها؛ فيكون سعيه يبابا، وعمله خرابا، فينقلب اجتهاده على نفسه، ويكون حتفه بيده. وصدق الذي قال: إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى فأولُ ما يجني عليه اجتهادُه وأما ثالثها فـ(الفراغ والتدبير): والمراد به أن يتفرغ طالب العلم للعلم، وأن يكون هو شغله الأول، وهمّه الأكبر، فذلك دأبه، وتلك مهمته، فلا يعطي الباحث وطالب العلم فضول وقته للعلم، بل يتفرغ لعمله قدر طاقته ووسعه. وسبيله إلى ذلك أن ينظم وقته، وأن يرتب أولوياته، وأن يصب جلّ اهتمامه بأمر واحد حتى ينتهي منه، ولا يشتت نفسه وفكره بين أكثر من موضوع. ثم عليه بعد ذلك أن ينظّم ويبوب، ويُجمل ويفصّل، ويقدم ويؤخر، ويشرح ويهذّب، حتى يصل بعمله إلى المستوى المطلوب، والهدف المرغوب. وقديما قالوا: من سار على الدرب وصل. وفقنا الله لما فيه رضاه.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير- البدايات)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
26-01-2022
4,934
https://www.alukah.net//culture/0/152476/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - البدايات ) عندما قَدم وفد من نصارى نجران إلى المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم كانت بينه وبينهم مناقشات وحوار وحِجَاج، انصرف الوفد بعدها فاختلفوا في قبول الرسالة، فمنهم من عاد وآمن بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من بقي على نصرانيته [1] . ويُعَدُّ هذا الموقفُ والموقفُ الذي تم في الحبشة بين النجاشي أصحمةَ ومهاجرةِ المسلمين - نواةَ العلاقة بين النصرانية والإسلام، التي تجسدت في هذا الحوار والنقاش الذي دار حول طبيعة المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام [2] . منذ ذلك الحينِ والحوارُ بين المسلمين وغيرهم قائمٌ؛ مصداقًا لأمر الله تعالى المسلمين إلى الحوار في قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ﴾ [آل عمران: 64]. ومن أشكال الحوار بين النصرانية والإسلام ذلك المفهوم القديم المتجدد في دعوة غير النصارى إلى النصرانية، واصطلح عليه باسم التنصير، ويسميه البعض بالتبشير، ولكنه إلى التنصير ألصق [3] ،فقام لهذا رجال ونساء منصرون يجوبون البلدان مدنها وقُرَاها وأريافها، يدعون الناس إلى اتباع يسوع المسيح ابن مريم - عليهما السلام - على أنه ابن الله، أو أنه ثالث ثلاثة، أو أنه هو الإله المخلص الشافي، يدعون إلى ذلك من دون أن يكونوا جميعًا في عمق إيمانهم على اقتناع تام بما يدعون إليه. وعندما يعملون في هذا المجال في مجتمع مسلم يتعرفون على عقيدة المسلمين القائمة على التوحيد - وليس الاتحاد - فيجدون الأمان الروحي الذي يبحثون عنه، فلا تلبث طائفة منهم طويلًا في البحث والدرس والقراءات حتى يعلنوا إسلامهم ويتخلَّوْا عن الحملات التي يقودونها أو يشاركون فيها،ومن هؤلاء مَن يتحول إلى داعية إلى الإسلام، محاولًا بنهجه الجديد أن يكفِّرَ عن جهوده في التنصير بعد أن تبين له الحق. ولم تعُدْ هذه الفكرة في التحول تمثل حالات فردية، ولكنها أضحت ظاهرة يمكن رصدها وبحثها والكتابة عنها،ولا يقتصر الأمر على المنصرين العاديين، بل إن القسس أنفسهم أقبلوا على الإسلام، ليس في الماضي فحسب، بل إن هذه الظاهرة تتجدد إلى يومنا هذا،ولا يكتفي القسس بالتحول إلى الإسلام ونبذ النصرانية، ولكنهم بحُكْم ما هم عليه من مرتبة دينية يسعون إلى كشف بعض أسرار النصرانية، وما يدور في مجتمع الرهبان والكهان والراهبات، مما يزيد من الابتعاد عن النصرانية، وبالتالي الاقتراب من الإسلام [4] . ويستمر هذا الشكل من أشكال الحوار، الذي تتجلى فيه هداية الحيارى إلى الدين الحق إذا ما لاحظنا أن ارتداد المسلمين من خلال هذا الحوار يكاد يكون معدومًا؛ نظرًا لقوة السلاح العقدي لدى المسلمين، الذي يحيِّرون به محاوريهم بما في ذلك إيمانهم بالمسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وبمريم الصِّدِّيقة - عليها السلام - وبالنصرانية دينًا منزلًا على عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وبالإنجيل كتابًا منزلًا على عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وأن القرآن الكريم قد أفرد سورة باسم مريم - عليها السلام - وأنه قد ورد ذكر لعيسى - عليه السلام - في القرآن الكريم أكثر من ورود محمد صلى الله عليه وسلم،يقدِّم المسلمون هذا السلاح العقدي دون أن يتأثروا هم بما لدى الآخر من مقدمات خاطئة، تقوم عليها نتائج خاطئة، مما يؤدي إلى تخلي الآخر عن هذه المقدمات والنتائج والوصول إلى الأمن العقدي باعتناق الإسلام. ولا بد من التركيز على هذا الحوار والإكثار منه؛ لما فيه من فوائد عديدةٍ، يأتي منها تجلية الإسلام وتخليصه مما ألحقه به الآخر وبعض أهله من تشويه، ثم يأتي منها هداية الآخر إلى دين الله، إن هو رغب في ذلك. [1] انظر: ابن قيم الجوزية، الإمام المحدث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي ، زاد المعاد في هدي خير العباد/ حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط - 5 مج - بيروت، مؤسسة الرسالة، 1399هـ/ 1978م - 3: 629 - 638. [2] انظر: محمد بن فارس الجميل ، الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات - مرجع سابق - ص 70 - 80. [3] انظر: محمد عثمان صالح ، النصرانية والتنصير أم المسيحية والتبشير: دراسة مقارنة حول المصطلحات والدلالات - المدينة المنورة: مكتبة ابن القيم، 1410هـ/ 1989م - ص69. [4] انظر: محمد بن ناصر الطويل ، إسلام القساوسة والحاخامات - الرياض: دار طويق، 1424هـ - ص ، وانظر أيضًا: محمد عزت الطهطاوي ، لماذا أسلم هؤلاء؟: قساوسة ورهبان وأحبار مستشرقون وفلاسفة وعلماء - القاهرة: مكتبة النافذة، 2005م - ص 194.
سؤال اللذة (2)
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
25-01-2022
1,691
https://www.alukah.net//culture/0/152456/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%b0%d8%a9-2/
بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) سؤال اللذة (2) الميل للذة والانصراف للشهوة غريزة فطرية، ونوازع طبيعية، لا ينفك عنها الكائن الحي؛ كما قال تعالى: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ﴾ [آل عمران: 14] . وتتعدد منافذ اللذة ومجالات الشهوة لتشمل جميع مكونات الجنس البشري؛ عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: « إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، والنَّفْس تتَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أوْ يُكَذِّبُهُ »؛ رواه البخاري. ومن أبرز الغرائز البشرية شهوة النظر للجميل والحسن من المخلوقات، وأعظم تعبير عن تأثيرها ما قصه المولى جل وعلا في سورة يوسف عن نسوة المدينة بقوله سبحانه: ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ [يوسف: 31] ، قال ابن سعدي: ( ﴿ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ ﴾ ؛ أي: أعظمنه في صدورهن، ورأين منظرًا فائقًا لم يشاهدن مثله، ﴿ وَقَطَّعْنَ ﴾ من الدهش ﴿ أَيْدِيَهُنَّ ﴾ بتلك السكاكين اللاتي معهن، ﴿ وَقُلْنَ حَاشَ لِلهِ ﴾ ؛ أي: تنزيهًا لله، ﴿ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ ﴾ ، وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء، ما كان به آية للناظرين وعبرة للمتأملين) . ومن الغرائز الإنسانية غريزة السماع والاستمتاع بالأصوات العذبة والمؤثرات المطربة، عن أنس قال: كانَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَادٍ يُقَالُ له: أنْجَشَةُ، وكانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقالَ له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: « رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ، لا تَكْسِرِ القَوَارِيرَ »؛ رواه البخاري. قال الخطابي في شرح الحديث: ( إن الغلام كان حَسَنَ الصوت بالحِدَاء، فكَرِهَ أن يُسْمِعْهُنَّ الحداء، فإنَّ حُسْنَ الصوت يُحَرِّكُ من نُفوسِهِنَّ، فشبَّه ضِعفَ عزائمهنَّ، وسرعة تأثير الصوت فيهنَّ بالقوارير ). وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاستماع لأبي موسى الأشعري إعجابًا بصوته وتلذذًا بترنمه، وقال له: « يا أبا مُوسَى، لقَدْ أُوتِيتَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ »؛ رواه البخاري. ومن النوازع الفطرية شهوة اللهو ومتعة اللعب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ﴾ [العنكبوت: 64]، قال ابن سعدي: (تلهو بها القلوب، وتلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل الله فيها من الزينة واللذات، والشهوات الخالبة للقلوب الباهجة للعيون المفرحة للنفوس). وعن عائشة قالت: ( كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهنَّ إليَّ فيلعبن معي )؛ متفق عليه. قال ابن تيمية: (اللهو فيه لذة ولولا ذلك لما طلبته النفوس، ولكن ما أعان على اللذة المقصودة فهو حق، وأما ما لم يعن على ذلك فهو باطل، لا فائدة فيه، ولكن إذا لم يكن فيه مضرة راجحة لم يحرم ولم ينه عنه، والنفوس الضعيفة، كنفوس الصبيان والنساء، قد لا تشتغل - إذا تركته - بما هو خير منها لها، بل قد تشتغل بما هو شر منه، فيكون تمكينها من ذلك من باب الإحسان إليها والصدقة عليها، كإطعامها وإسقائها، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بعض أنواع اللهو من الحق، وكان الجواري الصغيرات يضربنَ بالدف عنده، وكان صلى الله عليه وسلم يُمكنهن من عمل هذا الباطل بحضرته؛ إحسانًا إليهن ورحمة بهن، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبذل للنفوس من الأموال والمنافع ما يتألَّفها به على الحق المأمور، ويكون المبذول مما يلتذ فيه الأخذ ويحبه؛ لأن ذلك وسيلة إلى غيره)؛ [الاستقامة (٢ / ١٥٤)].
إعراب القرآن لابن النحاس تحقيق عبد المنعم خليل إبراهيم
محمود ثروت أبو الفضل
25-01-2022
5,553
https://www.alukah.net//culture/0/152447/%d8%a5%d8%b9%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d8%a7%d8%b3-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b9%d9%85-%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85/
إعراب القرآن لابن النحاس تحقيق عبد المنعم خليل إبراهيم صدر حديثًا طبعة جديدة من كتاب "إعراب القرآن"، تأليف: العلامة الإمام "أبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل ابن النحاس" (ت ٣٣٨ هـ)، تحقيق: "عبد المنعم خليل إبراهيم"، في خمسة مجلدات، نشر: "دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع" بيروت، لبنان. وهذا الكتاب إرث لغوي من القرن الرابع الهجري، يتضمن اهتمام العلامة ابن النحاس بمبحث إعراب القرآن ضمن علوم القرآن، حيث ألف في تلك العلوم العديد من الكتب الهامة مثل: "إعراب القرآن"، و"معاني القرآن"، و"الناسخ والمنسوخ". وأهمية هذا الكتاب أنه أول كتاب وصل إلينا بهذا العمق وهذه المادة العلمية الغزيرة. حيث حشد ابن النحّاس الكثير من أقاويل علماء اللغة التي أخذها عن مشايخه أو من الكتب التي كانت بين يديه لمن سبقه. ولما كانت علوم اللغة آلة لخدمة القرآن الكريم، فقد جاء في ثنايا الإعرابات بيان وتفسير لمعاني بعض المفردات، وبعض الأحاديث المفسرة للآية بالسند، وبيان للقراءات، ووجوهها، وقد ساق "ابن النحاس" 602 شاهد شعري، ومن ميزات الكتاب أنه وإن لم يستوعب إعراب جميع كلمات القرآن إلا أنه أتى على كثير منها، والكتاب نموذج من مذهب البصريين. وهكذا، فإن الكتاب ينقل إلينا عددًا كبيرًا من آراء العلماء الذين أخذ عنهم ابن النحاس، فتعددت آراء الكتاب فمنها البصري ومنها الكوفي. يقول ابن النحاس في مقدمة كتابه: "هذا كتاب أذكر فيه إن شاء الله إعراب القرآن، والقراءات التي تحتاج أن يبيّن إعرابها والعلل فيها ولا أخليه من اختلاف النحويين، وما يحتاج إليه من المعاني وما أجازه بعضهم ومنعه بعضهم وزيادات في المعاني وشرح لها، ومن الجموع واللغات، وسوق كلّ لغة إلى أصحابها ولعلّه يمرّ الشيء غير مشبع فيتوهّم متصفّحه أنّ ذلك لإغفال وإنما هو لأنّ له موضعًا غير ذلك. ومذهبنا الإيجاز والمجيء بالنكتة في موضعها من غير إطالة، وقصدنا في هذا الكتاب الإعراب وما شاكله بعون الله وحسن توفيقه". ونجد أن من أهم الكتب التي اعتمدها: كتاب سيبويه، وكتاب العين، وكتاب المسائل الكبير للأخفش سعيد بن مسعدة، وكتاب معاني القرآن للزجاج، وكتاب ما ينصرف وما لا ينصرف للزجاج، وكتاب معاني القرآن للفرّاء، وكتاب المصادر في القرآن للفرّاء، والمقصور والممدود للفراء، وكتاب القراءات لأبي عبيد القاسم بن سلام، وكتاب القراءات لابن سعدان النحوي، وكتاب الغريب المصنّف لأبي عبيد. وقد اشتمل كتابه "إعراب القرآن" على آراء أعلام المذهب البصري في النحو واللغة والقراءات مثل: أبي عمرو بن العلاء، ويونس، وقطرب، والأخفش سعيد بن مسعدة، وأبي عبيدة، وأبي عمرو الجرمي، وابن الأعرابي، والمازني، وأبي حاتم السجستاني، والمبرّد ومحمد ابن الوليد ولّاد، وأبي إسحاق الزجاج بالإضافة إلى الخليل بن أحمد وأبي الخطّاب الأخفش وسيبويه. وكذلك عرض ابن النحاس آراء النحاة واللغويين الكوفيين فكان يعرض آراء هؤلاء إلى جانب آراء البصريين فيرجّح مرّة ويترك الآراء دون ترجيح أحيانًا. ومن الكوفيين: الكسائي وثعلب والفراء ومحمد بن حبيب ومحمد بن سعدان وابن السكيت ونفطويه وابن رستم. أما الحفّاظ والمحدّثون من شيوخه فهم يؤلّفون جانبًا من مصادر كتابه، ومن شيوخه: بكر بن سهل الدمياطي، وأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي والنّسائي أحمد بن شعب، والطحاوي أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي، والحسن بن غليب المصري، وأبي الحسن أحمد بن سعيد الدمشقي وأبي القاسم عبد الله بن محمد البغوي، والطبري في تفسيره. الشواهد الواردة في كتاب "إعراب القرآن": اعتمد ابن النحاس الأنواع الثلاثة من الشواهد وهي: ١- الشعر (عدد الشواهد ٦٠٢) وهي موزّعة على العصر الجاهلي والإسلامي والأموي. ٢- الحديث النبوي (عدد الشواهد ١٦٧). ٣- الأمثال والأقوال الأخرى. وقد وضع المحقق لائحة لبيان المصطلحات الإعرابية المشكلة وألحق بالكتاب فهارس تفصيلية، وقدم للكتاب بترجمة للإمام ابن النحاس ومنهجه في الكتاب، مع بيان لمحة تاريخية عن مباحث إعراب القرآن. والمؤلف هو أبو جعفر، أحمد بن محمد بن إسماعيل، المصري النحوي، ابن النحّاس: العلّامة، إمام العربية. ولد في مصر، ونشأ فيها ثم ارتحل إلى بغداد فأخذ عن المبرّد، والأخفش علي ابن سليمان، ونفطويه، والزّجّاج وغيرهم. ثم عاد إلى مصر وتصدّر للتدريس، وكانت مصر خلال النصف الثاني من القرن الثالث والنصف الأول من الرابع للهجرة حلقة الوصل بين المغرب والمشرق، وقد قصده طلّاب المعرفة، كما قصدوا غيره، من المغرب وأخذوا عنهم صنوف علوم اللغة والقرآن، وعادوا بها إلى بلادهم. وبذلك انتقلت مصنّفات هؤلاء العلماء المصريين إلى هناك. نشأ ابن النحاس محبًّا للعلم وكان لا يتوانى أن يسأل أهل العلم والفقه ويفاتشهم بما يشكل عليه في تصانيفه. وقد صنّف كتبًا حسنة مفيدة منها: • كتاب الأنوار. • وكتاب الاشتقاق لأسماء الله عزوجل. • وكتاب معاني القرآن. • وكتاب اختلاف الكوفيين والبصريين سمّاه "المقنع". • وكتاب أخبار الشعراء. • وكتاب أدب الكتّاب. • وكتاب الناسخ والمنسوخ. • وكتاب الكافي في النحو. • وكتاب صناعة الكتاب. • وكتاب إعراب القرآن. • وكتاب شرح السبع الطّوال. • وكتاب شرح أبيات سيبويه. • وكتاب الاشتقاق. • وكتاب معاني الشعر. • وكتاب التفّاحة في النحو. • وكتاب أدب الملوك.
سؤال اللذة (1)
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
24-01-2022
2,679
https://www.alukah.net//culture/0/152426/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%b0%d8%a9-1/
بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) سؤال اللذة (1) اللذة حالة وجدانية تعقب إدراك الملائم للنفس والجسد والروح والعقل، وهي نتيجة وثمرة لإدراك الشيء والشعور به ومحبته . واللذة أنواع متعددة: فمنها اللذة الحسية بالأكل والشرب والنكاح، ولذة شعورية نفسية بحب المدح والثناء والتعظيم والإكرام، ولذة عقلية بالعلم والمعرفة والبحث والتأمل، ولذة روحية متسامية بالطاعة والإيمان . وتعتبر اللذة حالة فطرية وثمرة طبيعية لما خلَقه المولى جل وعلا في الكائن الحي من قوى الإدراك والحركة، وهي نعمة ربانية يتحقق بها مقاصد الحياة بجلب المنافع ودفع المضار . أما اللذة فلسفيًّا، فهي مذهب أخلاقي يرى أن دوافع النشاط الإنساني تنحصر في التماس اللذة وتجنب الألم، فاللذة هي الخير الأسمى. ومن أبرز شخصياته الفيلسوف أبيقور اليوناني الذي يرى أن اللذة هي غاية الحياة، وأن المعرفة لا تتحقق إلا بالحواس. والفلاسفة الإنجليز كجيرمي بنثام وجون ستيوارت ميل، واللذة عندهم هي المنفعة العامة، واتخذت. وقد توسع ابن تيمية وتلميذه ابن القيم في بيان حقيقة اللذة وأنواعها وخصائصها، بالرد على الفلاسفة بقولهم: إن اللذة العقلية هي اللذة الفعلية والحقيقية، كما أشارَا إلى لذة معنوية لا يدركها إلا المؤمنون، وهي لذة الأنس بالله والقرب منه: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا) ، ونبَّها إلى أن اللذات الدنيوية كافة إنما هي وسيلة لتحقيق غاية عظيمة، وهي العبودية للمولى جل وعلا؛ قال ابن تيمية: "وإذا كَانَت اللَّذَّة مَطْلُوبَة لنَفسهَا، فَهِيَ إنما تذم إذا أعقبت ألَمًا أعظم مِنْهَا، أو منعت لَذَّة خيرًا مِنْهَا، وتُحمد إذا أعانت على اللَّذَّة المستقرة، وَهُوَ نعيم الآخرة الَّتِي هِيَ دائمة عَظِيمَة"؛ الاستقامة (٢ / ١٥٠) . قال ابن القيم: "ولهذا كان المؤمن يثاب على ما قصَد به وجهَ الله، من أكله وشربه ولبسه ونكاحه، وشفاء غيظه بقهر عدو الله وعدوه، فكيف بلذة إيمانه ومعرفته بالله، ومحبته له، وشوقه إلى لقائه، وطمعه في رؤية وجهه الكريم في جنات النعيم"؛ الجواب الكافي.
رسالة نادرة: بيان سامق ووفاء صادق
أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
24-01-2022
5,791
https://www.alukah.net//culture/0/152422/%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%86%d8%a7%d8%af%d8%b1%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%b3%d8%a7%d9%85%d9%82-%d9%88%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a1-%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%82/
رسالة نادرة بيان سامق ووفاء صادق رسالة نادرةٌ مضى عليها قُرابة سبعين (70) عامًا، بخطِّ سيِّدي الوالد الأستاذ الفيزيائي المربِّي أحمد ذو الغنى (1347- 1437هـ/ 1928- 2016م)، تغمَّده الباري برحمته وعفوه، يوم كان في الخامسة والعشرين من عمره . أرسلها إلى شيخه في مدينة حماة (إمام جامع شيخ مسعود)، الذي كان آيةً في الفضل والنُّبل، وكان له أبًا حانيًا ناصحًا، في السَّنة الوحيدة التي قضاها بمدينة أبي الفداء مدرِّسًا في ثانويتها، في العام الدراسي 1951- 1952م. ۞۞۞۞۞ وقد وجدتُّ الرسالةَ مكتوبةً على ظهر صفحة مُلئت معادلاتٍ في الكيمياء، وهي مُسَوَّدةُ الرسالة التي كان بيَّضَها وأرسلها إلى الشيخ حينئذ. ولفتَ نظري أسلوبُ الرسالة ولغتُها، وبيانها العالي وإحكامُها، وهي بقلم شابٍّ متخصِّص في الفيزياء والكيمياء والرياضيات، لا في العربية وآدابها! وهذا مما يدلُّ على رِفعة التعليم في تلك الحِقبة من تاريخنا المعاصر، وعلى عناية المعلِّمين والمتعلِّمين باللغة العربية، وتحصيل آدابها، والتشبُّع ببلاغتها وبيانها. تاريخ الرسالة: حَزِيران 1953م نص الرسالة: والدي الكريم لقد أشجاني فِراقكُم فحَطَّ من همَّتي، وأكْبَى زَنْدي، ونَكَّسَ بصَري. وَيلٌ له كم أضرَمَ قلبي، وكم أقضَّ مَضْجَعي! هأنذا لا أزالُ كالمنـزولِ بي، وكالمكسُورِ في زَنْدي؛ أذرِفُ العَبَراتِ كلَّما مثَلَ طَيفُكم أمام ناظِري، وكلَّما جالَ أُنسُكم وإلفُكُم في ضَميري، وكلَّما غَلَت في قلبي مَراجلُ إخلاصِكُم ووَفائكم، ونُصحِكُم وإرشادكم. لقد توَسَّمتُ في جِواركم لأوَّل وَهْلةٍ شاهَدتُّكم [فيها] مَنهَلاً مُشرقًا فوَرَدتُّ، ومَحبِسًا راقيًا فحَبَستُ، فإذا بنظَري لا يُخطِئُني؛ حيثُ أنا أمامَ والدٍ كريم، قد سَبَكَتهُ تصاريفُ الدَّهر، وحَنَّكَتهُ تجارِبُه، ووقَّرَتهُ حَوادثُه، سَديدِ الرأي، نافذِ البصيرة، راجحِ الحِلْم.. فلساني ويَراعي يعجِزان عن التعبير عمَّا يَجيشُ في صَدري؛ لأدائكم حقَّكم من الشُّكر؛ لما أسبَغتُم عليَّ خلال هذه الفَترة التي مرَّت كلَمْح الطَّرْف من جميلِ الصُّنع، ولُطفِ الإبْساسِ والإيناس. إنني سأبقى مَدينًا لفَضلِكُم ولحُسن وِفادتِكم؛ ما اصطَحَبَ الفَرْقَدان، وما لاحَ النيِّران، فـ[إنَّ] الهَوى الذي بصَدري لكُم ولمدينتكُم [حماة] لراسخٌ صادق، لن يُبليَه كَرُّ الجديدَين، ولا اختلافُ العَصرَين، والحُرقةَ التي أصابت سُوَيداءَ قلبي - نتيجةَ بُعدي عنكم، وعن كلِّ شخصٍ عرَفتُه في مَدينتِكُم - لشديدةُ الإيلام، كما أن اتِّقادَها يزدادُ من يومٍ لآخرَ، وإنَّ استِحكامَ شَكيمَتِها يجعَلُني مُعَرِّجًا عليكُم بين الفَينةِ والأُخرى؛ ولو للحَظات، ولقد قِيلَ: ( إلى حيثُ يَهْوَى المرءُ تَهْوِي به الرِّجلُ ). وختامًا، تفضَّل - سيِّدي الوالدَ الكريمَ - بقَبول أجَلِّ الاحترامات، وأعطَر التحيَّات، من ولدِكم أحمـد ذو الغـنى ، الذي يبتهلُ إلى الله أن يصونَكُم ويَرعاكُم، ويُديمَ عليكُم سَترَه ورَحمتَه ولُطفَه، إنَّه بالمؤمنينَ رحيم. والسَّلام عليكُم ورحمةُ الله وبركاتُه [دمشق حَزِيران 1953م] صورة الرسالة بخطِّ كاتبها صورة كاتب الرسالة أحمد ذو الغنى يوم ترشُّحه للبرلمان السوري زمن الوَحدة السورية المصرية، عام 1958م ♦ لمطالعة مقال ( من الذكريات المشرقة مع خدن الشباب الأستاذ أحمد ذوالغنى )، للأستاذ عاصم بن محمد بهجة البيطار، اضغط هنا . ♦ لمطالعة مقال ( مربِّي الأجيال الأسـتاذ الفيزيائي أحمـد ذو الغـنى ) ، اضغط هنا .
المحكمات منهج تفكير
إبراهيم بن محمد صديق
24-01-2022
2,023
https://www.alukah.net//culture/0/152420/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%83%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d8%aa%d9%81%d9%83%d9%8a%d8%b1/
المحكمات منهج تفكير تمهيد: جاءت الشريعة بتأصيل أهميَّة الفكر والتفكير، فجاءت آيات كثيرة في الدعوة إلى التَّأمُّل والتفكُّر والتدبر، ودراسة الكون ومخلوقات الله جل وعلا، وكذا في الدين وتشريعاته، بل قبل ذلك في وجود الله وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ﴾ [سبأ: 46]، كما ذكر في آيات كثيرة ما يدلُّ على أن الله سبحانه وتعالى يريد من الإنسان أن يتفكر في الحوادث والأمور الكونية، ولذا يكرر الله سبحانه وتعالى قوله: ﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219 – 266] إلى غير ذلك من الآيات. والإسلام حين دعا إلى التفكير وحثَّ عليه، فإنَّه قد بناه على أسس وقواعد متينة، ولذا كان من خصائص التفكير الإسلامي أنَّه شامل فلا يقتصر على الدِّين فقط أو على الدنيا فقط، بل هو شاملٌ لكل متطلبات الدنيا والدين، كما أنَّه يتميز بالرسوخ والثَّبات وعدم قبوله للتلبيسات والشبهات، وهذا إنَّما كان كذلك للأسس المتينة التي بُني عليها التفكير الإسلامي، ومن أهم تلك الأسس: المحكمات . فالمحكمات التي جاءت في الشريعة الإسلامية ليست مجرد الجزئيات القطعية المحكمة التي هي مهمَّة بلا ريب، لكنَّ الأهم هي تلك المحكمات الكليَّة التي يغير للإنسان طريقة التَّفكير، وسبل التفكر، ويحفظ هذا التَّفكير من الزلل والخلل والانزياح نحو النسبيَّة المطلقة، فالمحكمات تضبط العقل والتفكير حتى يصبح التعايش معها أي مع المحكمات هو منهج تفكير عام للإنسان، فيبني تفكيره ونظره للأمور ودراسته لحاجات الأمة من خلال المحكمات. والذي أريد الوصول إليه: أن المحكمات تغير طريقة تفكير الإنسان حتى تصبح هي المنهج الذي ينطلق منه في بناء فكره. المحكمات وضبط الفكر: ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ما يضبط الفكر، وهو الرجوع والإرجاع إلى المحكمات، قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: ٧]، فالآيات المحكمات تضبط الفهوم والعقول والفكر من أن تزلَّ في المنهج أو حتى في تطبيقاته ، وذلك بكون المحكم هو الأساس والأصل الذي يبني عليه الإنسان تفكيره، فإذا ما عرضت له شبهةٌ أو أمرٌ لا يحسن ضبطه وتعقله فإنه يرجعه إلى المحكم ويبني عليه، فمثلًا: نجد في كتاب الله أنَّ الله سبحانه وتعالى منزَّهٌ عن كل نقص وعيب، ثم نجد عند بعض الطوائف والفرق ما يمكن أن يشبِّه على الناس، لكنه في الوقت ذاته يناقض التنزيه؛ مثل قول بعض الفرق بوحدة الوجود الذي يقتضي وجود الله في الأماكن التي لا تليق بالله؛ فمهما كان الإنسان لا يستطع الرد على تلك الشبهات أو لا يتعقلها أو تشتبه عليه، فإنه يمكنه أن يرجع إلى المحكم، وهو أنَّ الله منزه عن النقائص والعيوب، أما من كان في قلبه زيغ فإنه يترك المحكمات ويتبع المشتبهات، يقول الطبري في هذه الآية: "يعني بقوله جل ثناؤه: "فيتبعون ما تشابه"، ما تشابهت ألفاظه وتصرفت معانيه بوجوه التأويلات، ليحققوا بادعائهم الأباطيل من التأويلات في ذلك ما هم عليه من الضلالة والزيغ عن محجة الحق، تلبيسًا منهم بذلك على من ضعفت معرفته بوجوه تأويل ذلك وتصاريف معانيه" [1] ، ونجد في أصول الفقه أنَّ علماء الأصول وغيرهم يجعلون المحكم مقابل المنسوخ، فمن اتبع المنسوخ وترك النَّاسخ فقد اتبع المتشابه ولبس على نفسه وعلى الناس دينهم، يقول ابن تيمية رحمه الله: "والمنسوخ يدخل فيه في اصطلاح السلف العام كل ظاهر ترك ظاهره لمعارض راجح، كتخصيص العام، وتقييد المطلق، فإن هذا متشابه؛ لأنه يحتمل معنيين، ويدخل فيه المجمل فإنه متشابه، وإحكامه رفع ما يتوهم فيه من المعنى الذي ليس بمراد، وكذلك ما رفع حكمه، فإن في ذلك جميعه نسخًا لما يلقيه الشيطان في معاني القرآن؛ ولهذا كانوا يقولون: هل عرفت الناسخ من المنسوخ؟ فإذا عرف الناسخ عرف المحكم" [2] ، والشاطبي يعمم أكثر فيجعل من المتشابه أمورًا كثيرة، يقول: "ويدخل تحت المتشابه والمحكم بالمعنى الثاني ما نبَّه عليه الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهات" [3] . فالبيّن هو المحكم، وإن كانت وجوه التشابه تختلف بحسب الآية والحديث، فالمعنى واحد؛ لأن ذلك راجع إلى فهم المخاطب، وإذا تُؤُمِّل هذا الإطلاق وجِد المنسوخ والمجمل والظاهر والعام والمطلق قبل معرفة مبيِّناتها داخلةً تحت معنى المتشابه، كما أنّ الناسخَ وما ثبت حكمُه والمبيَّن والمؤوَّل والمخصَّص والمقيَّد داخلةٌ تحت معنى المحكَم" [4] . ولا يتعلق هذا بالدين فقط بل في سائرة شؤون الحياة، فالإنسان الذي يكون عنده أمرًا محكمًا في تعامله مع الناس كإحسان الظن بهم وأن الأصل فيهم العدالة فإنه لا يصدق أي خبرٍ عن أحد حتى يتبين ويتثبت؛ لأن الأصل عنده والمحكم لديه هو أنه عدل لا فاسق. فالمحكمات إذن تضبط الفكر من الزلل سواء في الفهم أو في إنزال الحكم على قضايا أو أشخاص، وهذا شامل لأمور الدنيا والآخرة. الانطلاق من المحكم وجعله الأساس: إذا كان المحكم هو من يضبط الفكر فإنَّه ينبغي علينا أن نبني حياتنا وأمورنا الدينية والدنيوية على المحكمات، فننطلق منها في تعاملنا مع كثيرٍ من القضايا الجزئية، ولا يعني هذا التهوين من شأن الجزئيات، وإنَّما الإشارة إلى أنَّ المحكمات ثابتة لا تتغير، ويبني الإنسان تفكيره بناء على ثبات هذا المحكم، وقد يغيِّر من فكره من زمانٍ لآخر ومكانٍ لآخر لكنَّه يدور في فلك المحكمات، فمتى ما كان للإنسان أمور محكمة يعرفها ويتمسك بها فإنه سيجيد التعامل مع الواقع الفكري أو الحياتي. مثال ذلك: أنَّنا ندرك يقيًا أنَّ حفظ العقل من محكمات الشريعة الكبرى، فمتى ما أراد المربي أو المعلم أو الأب أو ولي الأمر أن يولي اهتمامًا بجزئيات من الدين أو الدنيا فإنه يبنيه على المحكمات؛ مثل هذا المحكم الذي بين أيدينا، فقد يُمنع الإنسان مثلًا من الخوض في أمور فكرية معينة أو القراءة لشخص معين صونًا لعقله لأنَّه هو المحكم، وقد يتغير هذا من زمان لآخر، ولهذا قد يمنع المربي أو ولي الأمر مثلًا الدُّخان ويشدد فيه أكثر من غيره ممَّا يضر الصحة بشكل عام، وذلك لأنه قد يؤدي ويجر إلى المخدرات التي تفقد العقل، وربما النفس، والشاهد: أنَّ الوسائل تتغير من زمانٍ لآخر لكن المحكم يبقى ثابتًا، وهذا لا شكَّ أنها طريقة في التفكير تميز بها من تمسك بالمحكمات، خلاف من لا يتمسك بها ولا يعوِّل عليها، فتجد له في كل مسألة رأيًا مختلفًا لا ينضبط بل تجد له في المتماثلات آراء غير منضبطة؛ لأنَّ المحكمات هي التي تضبط مثل هذه الأمور، فإذا كان عند الإنسان أمر محكم واضح يقيني ثابت يعرفه بنى عليه ودار في فلكه، فالمحكمات ليست مجرد مسائل وإنما هي طريقة تفكير. ماذا تغير المحكمات في الفكر والتفكير؟ المحكمات من يعمل بها ويتأملَّ فيها كثيرًا ستكون هي منهج تفكير له يرى به الأشياء بمنظور مختلف، فلا يقتصر على إصلاح الحال بل ينظر إلى المآل ويدرك الأمور وخطورتها قبل أن تُقبل أو تَعظُم، فنحن حين نقول: إنَّ المحكمات منهج تفكير فإننا نعني أنها تعطي الإنسان خارطة طريق يتعامل بها مع شتَّى المسائل وليس مع مسائل جزئيَّة فقط، فالإنسان الذي يفقه المحكمات ويتعامل بها وينظر من خلاله فإنَّه يغير كثيرًا من الأمور في نفسه ومجتمعه، فينظر مثلًا إلى أنَّ الضرر في المآل ينزل منزلة الضَّرر في الحال، فما كان ضارًّا مضرًّا في المستقبل فإنه يسد أبوابه، ومن هذا ما يذكر العلماء في باب سد الذرائع وإن كانت القضيتان لا تتفقان في كل شيء، أعني النظر في المآل وسد الذرائع. وعلى كل حال؛ فإنَّ العارف بالمحكمات والمطبق لها ينظر في المآل كما ينظر في الحال، ومثل هذا يعطي للفقيه ملكةً تمكنه من الحكم على النوازل فيكون نظره للمسألة شاملا عامًّا، يقول الشاطبي: "والحاصل أنَّه مبني على اعتبار مآلات الأعمال، فاعتبارها لازم في كل حكم على الإطلاق" [5] ، والانتباه إلى مثل هذه الأمور يغير كثير من طريقة الخطاب الديني أو الوعظي أو حتى التعامل مع الناس، فمن يحث الناس على محكمة من محكمات الدين كالصلاة على أنها واجبة أمر الله بها ويجب على المسلم أداؤها كل يوم خمس مرات؛ قد يكون أقل أثرًا ممن يربط هذا بالمآل وكيف تحافظ الصلاة على تماسك المجتمع، ويربط المسلمين بعضهم ببعض، وأنها عاصمة من كثير من الزلل وغير ذلك من المآلات للصلاة الحاضرة، ومثل ذلك أيضًا: الحدود الشرعية؛ فمن ينظر إلى حالها ويشرحها من هذا المنطلق قد لا يستطيع إيصال المقصد الشرعي كاملًا، فقطع اليد مثلا في سرقة قد يعدونه أمرًا كبيرًا لكن من عرف مآلات ذلك وأن هذا حفظ له أولا ولغيره وللمجتمع بأسره ثانيًا فإنَّه تنجلي له أمور لم يكن في محيط نظره وتفكيره، والشاهد أن المحكمات تغير في الإنسان وتفكيره ليجعل تفكيره أكثر شمولية. ومما تغيره المحكمات من طريقة تفكير الإنسان: نظره للأعمال ومراتبها، بل نظره إلى الأولويات الدينية والدنيوية، فمن ينظر في هذه المحكمات ويبني عليها فإن المحكمات بلا شك ستصبح مهج تفكير له في كل شؤون حياته، فيعرف المصالح من المفاسد ويعرف ماذا يقدم عند تعارض مصلحتين أو مفسدتين، فإن هذا مقصود الشارع كما قال ابن تيمية رحمه الله: "ومعلومٌ أنَّ الشَّريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأمرنا بتقديم خير الخيرين بتفويت أدناهما، وبدفع شر الشرين باحتمال أدناهما" [6] . وهذا التفاضل والموازنة لا يتأتى إلا لمن كان عارفًا بالمحكمات متأملا فيها جاعلًا إياها منهاج حياته. ومما تغيره المحكمات في الفكر والتفكير أنها تثري جانب الاستقراء والاستنباط لدى الشخص، وهذا يجعله يركب الأمور والجزئيات الصغير بعضها ببعض ليخرج بالأحكام الكلية الشاملة، ويستفيد من هذا: المربي والوالدين وأولياء الأمور ومن عليهم مسؤوليات تربوية، بل حتى الشباب في طريقة سيرهم في الحياة الدينية والدنيوية، إذ يجعل اهتمامه منصبًّا نحو استقراء كثيرٍ من الجزئيات ليتعامل معها وفق قواعد معينة، وهذا لا شك منهج عالٍ في التفكير. وأخيرًا: من يعيش مع المحكمات يعيش مع منهج شامل للحياة والعقل والتفكير، إذ يبني الإنسان حياته وطريقة تفكيره في كل شؤون حياته عليها حتى يستطيع أن يوازن بين الأمور، ويعرف ترتيب الأولويات، وهو ما ينعكس إيجابًا على حياة الإنسان كلها. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. مراجع المقال: 1- الإكليل في المتشابه والتأويل، لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد ابن تيمية الحراني الحنبلي الدمشقي، خرج أحاديثه وعلق عليه: محمد الشيمي شحاتهـ الناشر: دار الإيمان للطبع والنشر والتوزيع، الإسكندرية - مصر. 2- تفسير الطبري (جامع البيان في تأويل القرآن)، لمحمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 2000 م. 3- صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، لمحمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1422هـ. 4- صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، لمسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت. 5- مجموع الفتاوى، لتقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، عام النشر: 1416هـ/1995م. 6- الموافقات، لإبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر: دار ابن عفان، الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م. [1] تفسير الطبري (6/ 185) . [2] الإكليل في المتشابه والتأويل، لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية (9-10). [3] متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (52)، ومسلم برقم (1599). [4] الموافقات، للشاطبي (3/306) . [5] الموافقات (4/ 211). [6] مجموع الفتاوى (30 /234).
مشاعر مضطربة
ميسون سامي أحمد
23-01-2022
2,549
https://www.alukah.net//culture/0/152381/%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b9%d8%b1-%d9%85%d8%b6%d8%b7%d8%b1%d8%a8%d8%a9/
مشاعر مضطربة نسمع في الآونة الأخيرة بظواهر غريبة طرأت على المجتمعات العربية المسلمة، وقد يكون سببها الإنتاج الكبير للأفلام والمسلسلات التي تُدغدغ مشاعر الشباب، وتُزين لهم المنكر، وتسمي الأشياء والمشاعر المحرمة بغير تسمياتها، وهو من جهة غزو فكري، ومن جهة أخرى لتحقيق الأرباح وتحقيق نسبِ مشاهدة كبيرة يستفاد منها العاملون في هذا المجال المربح تجاريًّا، نسمع الكثير من الشكوى والألم والمعاناة نتيجة الاختلاط بين الجنسين، سيدات متوجعات يعترفن بحبهنَّ لزملائهنَّ في العمل رغم أنهن متزوجات، وبعضهنَّ لا يعانين من مشكلة في زواجهن، ولديهن أولاد. نحن لا نريد أن نناقش الموضوع من ناحية دينية، ونقول بأننا مجتمع مسلم يرفض هذه المشاعر والأحاسيس، ويعتبرها آثمة ويحرِّمها، فذلك أمر مفروغ منه، وكل الأديان السماوية حتى اليهودية والمسيحية، ترفض الاختلاط والإباحية، وتدعو إلى المحافظة على المرأة وحمايتها من كل ما يسيء لها، وتدعو إلى حماية المجتمع من أضرار الاختلاط، وتحذر من الرذيلة، وتحرم الزنا وتعاقب عليه، وتُحذر من الوقوع فيه ومن نتائجه وآثاره على المجتمع وعلى الأشخاص أنفسهم. ونحن لا نريد أن نتهجم على المرأة وننتقدها، ونظهرها بمظهر يسيء لها ويجرح كرامتها، فهي في النهاية عدمت الحيلة والوسيلة، ولجأت إلى طلب المساعدة، والمفروض أن من لجأت إليه يقدم لها النصيحة والحلول العملية التي تخلِّصها من هذه المشكلة، والمستشار أمين في الحفاظ عليها وعلى سرها. نريد أن نناقش الموضوع من ناحية اجتماعية، ونسلِّط الضوء على هذه المشاعر المستهجنة والخارجة عن السيطرة. الإنسان بطبيعة الحال اجتماعي يحب الاختلاط بالناس الآخرين، ولا يستطيع العيش منعزلًا عنهم؛ لذلك يكون السجن عقوبة للمذنب، ويحصل نتيجة الاختلاط خاصة بين الجنسين بعض التقارب في الأفكار، وبعض الانسجام وطيب المعشر، وقد يفسِّره البعض على أنه مشاعر حب وميل جنسي للطرف الآخر. فالعمل في مكان واحد وقضاء ساعات طويلة معًا بين الرجال والنساء بحكم طبيعة العمل، وتعقُّد العصر يسمح للعاملين بالتحدث ومناقشة بعض الأمور, وقد تفلت بعض التصرفات من أحد الأشخاص، وتكون غير محسوبة، طبيعة النفوس تختلف، فالبعض يحب الاختلاط بالناس ويستمع لهم باهتمام، والبعض تتضخَّم عنده النظرة والكلمة التي قد تكون غير مقصودة، فيبني عليها قصورًا من الرمال، ويؤِّلها ويفسِّرها على هواه خصوصًا إذا كان هذا الشخص يفتقد الحب والاهتمام، وبعض الناس مشاعره مستقرة وعنده إشباع عاطفي، فلا تعلق هذه الكلمات والنظرات في باله كثيرًا. الأساس والطبيعي في المرأة المتزوجة أنها تكون محصنة ومحاطة بسور من المحرمات الشرعية والقيود الاجتماعية، وهي تكون مستقرة عاطفيًّا، وتكون قد تعدت مرحلة الميل الجنسي للطرف الآخر، فلا تؤثر فيها النظرة والابتسامة والكلام اللطيف من قِبل الآخرين، غير أن تعتبره مجاملة لا أكثر ولا أقل, ولا يتضخم في رأسها ويخرب طُمأنينتها، وسكنها الأُسري. وسواء كانت المرأة المتزوجة ذات زوج طيب وخلوق، أو غير ذلك، ينبغي أن تضع في بالها أنه غير مسموح لها الارتباط عاطفيًّا مع أي شخص آخر, نعم قد يكون الزوج في بعض الحالات فظًّا وغليظًا، وفي أسوء الحالات قد يكون غلطة العمر، ولكن ماذا تفعلين وقد وقع الفأس على الرأس، ولا مجال للتراجع، والطلاق حل غير مستساغ، ويكون مؤذيًا لجميع الأطراف، ولكن أنت ابنتي العزيزة بذكائك تستطيعين تحويل هذا الألم الكبير الذي تعيشينه إلى أحلى قصة حب، فأنت في النهاية امرأة وجميلة وذكية، وزوجك ملك لك، وأنت تستطيعين تحويله إلى حبيب وزوج حنون. تذكري أن البيوت لا تقوم على الحب فقط، فالإنسان لا يموت إذا فقد الحب، ونحن نتحمل طبيعة الزوج وقسوته ومشاكله، كل ذلك من أجل الأولاد، فنحن أمهات، والأمومة أن نموت من أجل أطفالنا، نحترق في النار؛ ليعيشوا سعداءَ، أطفالنا هم الحب الحقيقي والوحيد الذي يستحق أن نضحي من أجله، فلا ندنِّس أنفسنا بنزوة عابرة وحب أعمى لا نهاية له ولا يدوم، يوسوس به الشيطان لنا ليبعدنا عن مرضاة الله. وهذه زوجة أوس بن الصامت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تشكو له زوجها، فقالت كلامًا حكيمًا اختصرت فيه حال أولادها إذا تم الطلاق، فقالت: إن ضممتُهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا، فالحياة الطبيعية والسوية للأولاد أن يتربوا في أحضان الأب والأم، وإلا فإنهم يضيعون ويَجوعون، والواقع يشهد بذلك. إن هذا الزميل الذي ملأ قلبك حبًّا ليس ملاكًا، ولا يَملِك كلَّ الصفات التي تحلمين بها، ففي الحقيقة لا وجود لشخص كهذا في الحياة، وفرضًا وُجِدَ ذلك ألا يأتي يوم ويُحزنك أو يرميك ليعبث مع امرأة أخرى، فأنت في النهاية تخليتِ عن زوجكِ وبيتك من أجله، ألَا يتخلى هو عندما يجد أحسن منك أو أجملَ. ماذا تفعلين لو أن امرأة تقربت من زوجك ألا تَحرقين الأخضر واليابس، وتقيمين الدنيا ولا تُقعدينها، وتفضَحينه أمام كل الناس، وتُمسكين الهاتف لساعات وأنت تتحدثين عن فساده وعن إهماله، وعن سوء المرأة التي أغوته وأخَذته من بيته وأولاده، لو جاءت ابنتك إليك بعد سنين طويلة وأخبرتك أنها تريد إنهاء حياتها الزوجية من أجل شخص آخر ألستِ ترين مستقبل هذه العلاقة ببصيرتك، ومن خلال خبرتك تعرفين أن هكذا علاقة محكوم عليها بالفشل والتعاسة، وأنك ستفعلين المستحيل من أجل أن تحافظ ابنتك على حياتها الزوجية المستقرة والهادئة. تأكدي عزيزتي لو أن هذا الزميل يُحبك حقيقةً، لَما سمح لنفسه بأن يتقرب منك، أو أن يبدي اهتمامه لك, ولخاف عليك حتى من نظراته، ولحاوَل ألا يجتمع معك في مكان واحد، ألا يعرف هذا الزميل من الدين الإسلامي شيئًا ألم يَقرأ كتاب الله؟ ألا يعيش في مجتمع مسلم محافظ مثلما نعيش نحن؟ أين طيبته وأخلاقه وهو يأخذك من زوجك وأولادك؟ وهل يرضى ذلك لأخته أو إحدى قريباته؟ هل لا يوجد في الدنيا كلها أو مكان العمل كله امرأةٌ أخرى تنفع زوجة له غيرك؟! تخلَّصي من هذه المشاعر حتى وإن تأذَّيت، والنسيان سهل إذا عزَمت وتوكلتِ على الله، ابتعدي عن جو العمل قدرَ ما تستطيعين، اهتمي بأولادك وقضاء حاجاتهم ومتطلباتهم، اهرُبي من مشاعرك ولا تستسلمي لها، اشغلي نفسك عن هذا الشخص بأي شيء، وستجدين مع مرور الوقت أنك نسيت الدنيا مع كثرة هذه الأعمال وليس فقط زميلك، وهو في النهاية لن يبق في مكانه، فهو أيضًا سيبحث عن زوجة، وعنده حياة عليه أن يُكملها، وستجدين أنه سينساك أسرع مما تتصورين. تذكَّري ماذا جنى المحبون عبر السنين غير الألم والجنون والبكاء على الأطلال، وماذا جنى الفنانون والشعراء من إثارة الغرائز الجنسية المحرمة غير بضعة دنانير وأطنان من الذنوب والآثام والأوزار التي تُثقل ظهورهم. ابنتي الحبيبة إنها جنة، وإنها نار، فلا تظلمي نفسك وأولادك، طوبى لِمَن زُحزح عن النار، ومن نُجِّيَ يومئذ من العذاب، فقد فاز فوزًا عظيمًا.
هل حقا كان خط الرافعي رديئا؟
فضل محمد الحميدان
22-01-2022
3,220
https://www.alukah.net//culture/0/152377/%d9%87%d9%84-%d8%ad%d9%82%d8%a7-%d9%83%d8%a7%d9%86-%d8%ae%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a-%d8%b1%d8%af%d9%8a%d8%a6%d8%a7%d8%9f/
هَلْ حقًّا: كانَ خطُّ الرَّافِعيّ رَدِيئًا؟ فضل محمّد الحميدان [1] ما زِلْنَا كلّما قرَأْنا عبارةَ الأستاذ سعيد العريان رحمه الله [2] : " وكانَ الرَّافِعيّ رديءَ الخطّ لا يكادُ يُقرأُ إلا بعدَ علاجٍ ومعاناةٍ، فكانَ الأستاذُ مهدي ( أستاذُه في اللغة العربية) يسخَرُ منهُ قائلاً:" يا مصطفى، لا أحسَبُ أحداً غيري وغيرُ اللهِ يقرأُ خطّكَ"، وقدْ ظلَّ خطُّ الرَّافِعيّ رَدِيْئًا إلى آخرِ أيّامِهِ" [3] . [صورةُ الاقتباس كما هو في كتاب العريان" حياة الرّافعيّ"- ص 28 ] = استحضرْنَا في الذاكرة ما كان ويكون على صفحات التّواصل كلّها، من اشتجارِ الأقلام بين محبّيه، وقارئي أدبِهِ، حول هذه الفكرةِ الباقية ما بقي الرّافعي وأدبِهِ. وخلاصة اشتجارِ هذهِ الأقلامِ واحترابِها تَغْدو بسؤالٍ واحدٍ وتروحُ: هَلْ حَقًّا: كَانَ خطُّ الرَّافِعيّ رديئًا؟ وأمّا قبلُ.. فإنّه من البديهةِ القولُ: إنّ مَنْ قرأ ما كتبَ العريان حولَ هذه المسألةِ لا بدَّ وأن يوافقَهُ رأيه، فالعريانُ صِنْوُ الرّافعيّ [4] ، ومُترجِمُ حياتِهِ، وصديقُ دربِه، والشاهدُ على أسرارِ أكثرِ مقالاته، وكاتبها عنه: الرّافعيّ يُملي عليه، وهو يكتبُ.... وهنا يطالعُني في مناقشةِ هذه القضيّةِ تساؤلاتٌ منطقيّةٌ تُمهّدُ لها: • هل الخطُّ، وصورتُهُ، والحكمُ عليه، أمرٌ يختلفُ النّاس في تقييمِهِ، وتذوّقِهِ، والحكمِ عليه؟ • وهل للخطِّ، عند الكاتبِ الواحدِ، صورةٌ واحدةٌ، تأتي منه متماثلةً متشابهةً كما هي، بجلّها وجليلها، في أحوالهِ كلِّها، على هيئةٍ واحدة: في راحتِه وتعبِهِ، وفي غضبِهِ وهدوئِه، وفي بطئه وعَجَلَتِهِ؟ • وهل خطُّ المرءِ في صِغَرِهِ باقٍ برسمهِ حتّى في كِبَرِه ونضُوجِهِ واكتمالِ أدواتِهِ؟ • وسؤالٍ بآخرةٍ، وهو أهمّها: هلْ من فرقٍ بينَ جمالِ الخطِّ ورداءَته من جهة؟ وبين صعوبَةِ الخطّ وتشابكِهِ وتعقّده من جهةٍ ثانية؟ = كلُّ هذهِ الأسئلةِ ستساعدُنا في إبرازِ تصوّر ربما يكونُ مختلفًا عمَّا فُهم من كلام العريان وتقريره عن خطّ الرّافعيّ. وبعدُ.. فإنّهُ لا بدّ، قبلَ أن نشير إلى النماذجِ الخاصّة بخطّ الرّافعيّ وتحليلِها وإتمامِ مناقشتِها، = أن نُلمِحَ إلى حقائقَ تتعلّقُ بالخطّ وصفاته وصلاته بصاحبِهِ: رسمًا وتنظيمًا، وجمالًا وقبحًا، إذ إنَّ العربَ قد عَرَفُوا أسرارَ الخطِّ، وعرّفُوها، ودَرَسُوا حالاتِها، ودرّسُوها، فقالوا: الخطُّ لسانُ اليد [5] ، وقال معهمُ ابنُ سيرينَ رحمه الله تعالى جميعًا:" أجودُ الخطِّ أبينُهُ" [6] . ولنا أن ننظرَ، في هذه الدّراساتِ العِلميّة الماتعةِ، الحالةَ النفسيّة للكاتب حين يرسمُ حروفَهُ على بياضِ الصفحات؛ ننظرُها في حالاته المختلفةِ: بين الرّاحة والتَّعب، وبينَ الرّضا والغَضَب، وبينَ السّرعة والبطء، واهتمامُهُ بموضوعِه الذي يكتبُ فيه وانعدامُ هذا الاهتمامِ، فلكلٍّ من هذه الأحوالِ أثرُها الكبيرُ في طريقةِ رسمِ الحرف وترجمتِه: مكتوبًا على الورق، ومرسومًا على سوادِ صفحاتِ الكتابة، وهــــذا كلُّهُ مبنيٌّ على أسسِ علم الجرافولوجي الخاصّ بالخطّ وأنواعِهِ. ووفْقَ هذا العلمِ (الجرافولوجي )؛ فإنَّ أصحابَ الخطوطِ غيرِ المقروءةِ غالبُهم العلماءُ؛ حيثُ أكّدَ الدكتور هاشم بحري، أستاذ الأمراض النفسية بجامعة الأزهر [7] ، أنّ أصحابَ الخطوطِ غيرِ المقروءةِ همُ الأكثرُ إبداعًا، وأنّ صاحبَ الخَطِّ المنظَّمِ، والمرتّبِ أفكارَهُ = لديه نظامٌ ونهْجٌ محدّدٌ يسيرُ عليهِ، وأرجو أن يربطَ القارىءُ هذا بحالِ الرّافعيِّ وخطّهِ كما وصفه العريان.. ويقول الدكتور هاشم بحري: إنَّ شخصيةَ الإنسانِ عبارةٌ عن سلوكياتٍ تَظْهَرُ من خلال أشكالٍ وطرقٍ مختلفة، من ضمنها طريقةُ الكلام والكتابة، فالخطُّ جزءٌ من الشَّخصية، حيثُ نجد أنَّ كلَّ خطٍّ مرتبطٌ بعددٍ من الصِّفاتِ السُّلوكية، إذْ إنّ تحليلَ خطِّ اليد يكشفُ الكثيرَ من الملامح والصّفاتِ المتعلّقةِ بشخصيةِ الإنسان، ومنها: العصبيةُ، الكتمانُ، الطُّموحُ، الغرورُ، الكذبُ، البخلُ، والقدرةُ على إنجاز كثيرٍ من الأعمالِ إلى جانبِ العديد من الصِّفات الأخرى. وإنَّ مطالعةَ نماذجَ من خطِّ الرَّافِعيّ، من زمنٍ سابقٍ لتلكَ الفترةِ التي كان يُملي فيها على العريان، أي قبل زمانِ تعرّفِهِ عليه، وهو عام 1932م [8] = تأخذُنا إلى حقيقةٍ تخالفُ هذا التّقريرَ الذي جاء في ترجمةِ صاحبِهِ وتلميذِهِ الأستاذ سعيد العريان له. ولنا مثلًا أن ننظرَ أولًا في هذا النموذجِ الذي كتبَه الرَّافِعيّ عام 1929م؛ أي قبل ثلاثةِ أعوام من زمنِ تَعَرُّفِ العريان عليه= لنرى أنّ سماتِ خطِّ الرّافعيّ ههنا تعكسَ، في رسْمِ خطِّه، وضوحَ الحرفِ، بل: وجمالَه كذلك، لا تعقيدَه وقبحَهُ ورداءَتَه؛ فهو يجمع فيه، كما في النّموذجِ ههنا، بين خطَّيْ: الرّقعة بحدّة أكثرِ زوايا الحروف فيه، والفارسيِّ بامتداد نهاياتِ هذه الحروف فيه، واستدارة بطونها، ولك، أيّها القارئ أنْ تتبيّنَ ما أقولُهُ بتأمّل يسير لهذا النّموذج: وبالعودةِ إلى الدّكتور هاشم بحري في مقالِهِ؛ فإنّه قد أشارَ إلى أنّه يُمكِنُ، ومن خلالِ علمِ ( الجرافولوجي )، التَّوَصُّلُ بأكثرَ من طريقةٍ لملامحِ الشَّخصية، حيث يمكنُ دراسةُ تَبَاعُدِ الأسطرِ وتقاربِها، وشكلِ الخطِّ من حيث الانحناءُ أو التَّقويس، أو ميلُ الكلماتِ وتباعدُ الأحرفِ، ولذلك يمكنُ من خلال هذا العلمِ قراءةُ الدّماغ على الوَرَق. وعن ميلِ الكلماتِ إلى التَّقارب والتَّمدُّدِ والتَّقوُّس بحيثُ تصبحُ القراءةُ محتاجةً للتّدقيقِ والتّحليل كأنّما تقرأُ مخطوطًا؛ فلنا أنْ نفسّرَ هذا النموذجَ من رسائل الرَّافِعيّ للعريان: = فالمتأمّل في الرّسالة أعلاهُ يلحَظُ جمالَ الحَرْفِ عندَ الرّافعي، ودقّةَ كتابتِهِ، ولكنّ تداخلَ هذا الحرفِ مع سابقه ولاحقه، واقترابِ المسافات فيما بينَهُ وبين جيرانيه= تجعل من قراءته أمرًا ليس باليسير على القارىء البسيطِ المتعجّل، وخاصّة ذلكَ القارئ الذي لا يدري صورَ الخطوطِ، وطريقَ تفرعاتِ صورِ الحروف فيها، ومَنْ يُدَقِّقْ يِجِدْ أنَّ الرَّافِعيّ يكتبُ رسالتَهُ ليُخبرَ بها صاحبَهُ العريانَ بوفاةِ زوجةِ أخيه في دمنهور، والرّسالة بتاريخ 1936م. إذًا، فإنّ هذهِ النّماذجَ التي مرّت بنا من خطّ الرّافعيّ لا تعكس، كما ترى أيّها القارىءُ، قُبْحَ الخطّ عندَه أو رداءَتَه، فهي نماذجُ تعكسُ جمالَ حرف الرَّافِعيّ وحسنَهُ، وتعكس، كذلك، صورةً من صعوبةِ قراءته، وهذا لا ينكرُهُ منكِرٌ رشيدُ النَّظَر، لكنّهُ فَرْقٌ كبيرٌ في الحكم على خطٍّ: بينَ الرّداءة مع القبحِ وعدمِ الوضوح، وبين الصُّعوبةِ في قراءته مع جمالِ حرفِهِ وموسيقى حركتِهِ، فما زلنا نرى اللوحاتِ الفنيةَ الباهيةَ التي نتحدى أنفسنا، وبعضنا بعضًا في قراءتها لتداخُلِ حُروفِها، وصعوبةِ تصويرِها، فصعوبةُ قراءَتها لا تنفي عنها جمالَها وموسيقى حروفها، وهذا برأيي إشكالُ قضيةِ خطِّ الرّافعي، فهو خطٌّ جميلُ الحرف، لكنّه لتداخُل هذا الحرفِ مع سابقِهِ ولاحقِهِ غدا صعبَ القراءة، لا رديئَها. ولنا أن نأخذَ نموذجًا آخرَ كتبه الرَّافِعيُّ على عَجَلٍ، وهي رسالةُ تَوْصِيَةٍ في العَريان كما يتّضح، ولنا أن نلاحظَ حروفَها كيف اضطربَتْ، وابتعدَتْ عن الاستقامة في تمديداتِ بعضِ حروفِها، لكنها بقيت واضحةً مقروءةً، لا مُستغلقةً خافيةً، أو قبيحةً رديئةً: [ أقدّمُ إليكم صاحبنَا الشّيخ سعيد العريان، مع التّحيات الطّيبة] وهذا نموذج آخرُ أيضًا من رسائله لأبي ريّة في 20 ديسمبر سنة 1920، أي قبل معرفتِهِ للعريان باثني عشر عامًا، يقول [9] : " طنطا، في 20 ديسمبر سنة 1920 أيّها الفاضل الأديبُ: السّلامُ عليكم، وبعد فإنّي أشكر لكَ ما أطريْتَ، وأحمدُ إليكَ كما أثنيتَ، وأرجو أن تكونَ أهلًا لخيْرِ ما وصَفْتَني به إن شاء اللهُ؛ فإنّ الأدبَ يرقُبُ نوابغَهُ دائمًا من بينِ المُعجبينَ به، والرّاغبينَ فيه وذوي الحرص عليه. أمّا ما سألتَ من أمرِ كُتُبِ النّحو والصّرف، فيشُقُّ عليَّ أن أدلّكَ على غرضِكَ منها، لأنّي لستُ على بيّنةٍ من قوّتِكَ في فهْمِ كُتُبِ القومِ والبصر بها، غير أنّك لو سألتني عن أنفعِ وأمْتَعِ كتابٍ طُبِعَ في النّحو لدللْتُكَ على " شرح الكافية للرّضي"، وهو كتابٌ ضَخْمٌ ليسَ في كُتُبِ العربيّة ما يساويه بحثًا وفلسفةً. وللرّضي أيضًا شرحٌ على الشّافية في الصّرف، هو كصِنوهِ في النّحو، لا يعدِلُهُ غيرُهما، فاشترِهما، وضُمَّ إليهما كتاب" متن التّوضيح" لابن هشام وشرحه، فإنْ لم تنتفع بالأوّلين انتفعتَ بالآخرين. وإلى اللهِ الدّعاء في توفيقِكَ وتسديدكَ، واذكرْ (أذكرُ) أنّي مُعجَبٌ برغبَتِكَ في الأدب وإخلاصِكَ لأهلِهِ، والسّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاته. مصطفى صادق الرّافعي". وفيما يلي صورة خطّ الرّافعي: وهو خطٌّ بائنٌ عمّا فيه من معانٍ، لطيفُ الرّسم، باهي الحرف، تبوحُ صورُه بوضوحِهِ، بل بحسنِهِ وورائِه، فأين الرّداءةُ منه، وأين السّوءُ والقبح فيه. وبعدُ أيّها القارئونَ... فلكم أنْ تنظروا إلى الخَتْمِ الإشاري الذي تلا كلمةَ ( الطّيّبة )، فهي رسمٌ اعتادهُ الخطّاطون في نهايةِ جُمَلِهم.. أفلا يُنبيكَ هذا بأنّ للرافعيِّ الأديبِ المُلهم خطًّا يحاكي إبداعَهُ الأدبيّ، ويحولُ مضاهاةَ علمِ صاحبِهِ وتقدّمِهِ؟ هذا، ولا بدّ لنا أن نعلمَ أنّ الجمالَ والقبحَ في الخطّ أمرٌ نِسبيٌّ، ووَفْقًا لعلم الخطّ ( الجرافولوجي )= فإنَّ الخطَّ الجميلَ هو الخطُّ المقروء، وتحليلُ الشّخصيةِ فيه يتمُّ من خلال شَكْلِ الخطّ بِصَرْفِ النّظَرِ عن كونهِ جميلًا أو قبيحًا، كما نجد أنّ الشّخص الذي يكون خطُّهُ منظَّمًا ومرتَّبًا تكونُ أفكارُهُ مرتَّبةً، ولديهِ نظامُ ونَهْجٌ مُحدَّدٌ يسيرُ عليه، أمّا الشّخصيةُ التى يكونُ خطّها غيرُ مقروء فإنَّ ذلكَ يشير إلى أنّها تبدعُ أكثرَ من غيرِها من الشّخصياتِ الأخرى التي قد تتميّزُ بالخطّ الجميل [10] . وفي الخِتَامِ أدعوكم إلى المقارنةِ بين خطِّ العريان، والخطِّ المنسوبِ للرّافعي في اللوحات السّابقة، لتروا أنّ للرّافعي في خطّه، كما له في أدبِهِ، أحوالًا من الوضوحِ والتّعقيدِ، والقُرْبِ من القارىء والبعدِ عنه، فإنّ له في خطّه أحوالًا مشابهةً، وهذا التنوّعُ في صورة الخطّ للإنسان الواحد، بين الوضوحِ والتّعقيد، قد لاحظهُ العلماءُ والخطّاطون، وقد كنتُ عَرَضْتُ نماذجَ من خَطّ شيخِنا الرَّافِعيّ على غيرِ خبيرٍ بالخطّ العربيّ، فأكّدوا لي جميعُهم أنّها للرّافعي نفسِهِ، وذلكَ مِنْ خلال تَتَبُّعِ روحِ حرفِهِ وحركتِهِ، وطريقةِ تغيُّرِهِ حتّى في الصّفحة الواحدةِ كما ستجدُ في مقدّمتهِ لديوانِهِ في النّموذج أدناهُ... وأترُكُ بين أيديكم ههنا نموذجين من خطّ العريان، تأمّلوهما، فهم يظهرانِ أنّ العريانَ كانَ كاتبًا خطّاطًا بديعَ الحرفِ، ولستُ أستبعدُ أنّ جزءًا من حكمِهِ على خطّ أستاذِهِ الرّافعيّ قد جاءَ من مقارنتِهِ خطّهُ الباذجَ الواضحَ المنظّمَ بخطّ الرّافعيّ، وهذا يقعُ في حياتِنا ونظرتنا في أحكامِنا على ما حولنا من الصّورِ والمشاهد، ثم قارنوها بخط الرَّافِعيّ، لتعلموا أنهما طريقانِ منفصلان، وخطّان متباينان، فخطُّ الرّافعيّ موصومٌ بختمِهِ عليهِ، على الرّغم من تبدّلِ حروفِهِ رسمًا بين نموذجٍ وآخر، وقد شرحتُ هذا في مطلعِ هذهِ المقالة.. ثم انظروا خطَّ الرَّافِعيّ ههنا: وفي خِتامِ الخِتَام... فإني أعتقدُ أنّ وسْمَ خطِّ الرَّافِعيّ بالرّدَاءةِ إنما هو سَبْقُ قَلمٍ مِنَ العريان رحمه الله جاءَ على طريقِ الفكاهةِ والتّنفيس على القارئ، وإنّه إنّما أراد بالرّداءة، والله أعلمُ، الصّعوبةَ في القراءة، فهو لمْ لم يُرِدْ جمالًا ولا قُبحًا ، ولعلّه ساقَ هذهِ القصّةَ بهذهِ الطّريقةِ الفُكاهيّة، في سياقِ لقاءِ الأستاذ مهدي خليل [11] ، أستاذ الرّافعيّ في المرحلة الابتدائيّة، من باب إمتاع القارىء وتسليتِهِ بهذا النّمَطِ من النكتة التي يحبُّها القارىء العربيّ، وتبعثُ في نفسِهِ النّشاط للاستمرارِ في القراءةِ والإفادَةِ، فكيف إن كانتْ هذه النكتةُ متلّقةً بكاتبٍ جادٍّ ملهِمٍ كأستاذه الرَّافِعيّ. وعلى كلِّ حال، فإنّهُ لَفَرْقٌ زمنيّ طويلٌ بين تقريرِ الأستاذ مهدي خليل في السّنةِ التي كان فيها الرَّافِعيّ طالبًا بين يديهِ في الابتدائية- وليكن عمرُه وقتها ثماني سنين أو اثنتي عشرة سنة (تقريبًا من 1888- إلى 1894م)- وبين خطّه بعد عام (1903) مثلًا، وهو عامُ صدورِ ديوانِهِ الأوّل الذي احتفى به، واحتفى به وبصاحبِهِ النّاس. ومرّةً أخرى، فبقاء خطّه إلى أواخرِ حياته صعبُ القراءة، لا رديءَ الصّورة = هو ما يتهيأ لي في تحليلي هذا، خاصة مع اضطراب روح الرَّافِعيّ ودوامِ ثورتِها وقلقِها وبحثها = هذه الرّوح الطّلُعَة التي لا تقف عن حركتها وتعبها وانشغالها بقضايا الأمّة وأدبها وتاريخها، ثم إنّ صَمَمهُ المبكّر في الثلاثين؛ عزّ العمر وسحره واختياله، وثورتَه الفكريّة الدّائمة على ما كان في عصره من العدول عن حقيقة الدين الحنيف، والأدب الرّصين، والفكر المتنور الموصول ببيان الله وسنة نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلّم= قد زادَ في قلقِهِ المستمرّ، واحتراب قلمِهِ مع أندادِه، وكثرة ذلك كثرةً جعلتْه حينَ يكتب يترجمُ كل ذلك بخطٍّ صعْبِ المراسِ، كفكرهِ ولغتِهِ وبيانِهِ، ولك أن أبوحَ بخاطر: إنّني لا أرى خطَّ الرّافعيّ إلا خطًّا كُتبَ موصولًا بعظمةِ أدب صحبِهِ وامتدادِه في التّاريخ= لا أراه إلا مخطوطاتٍ معتقّةً وكأنّها كُتبتْ في القرن الرابع أو الخامس والسّادس، ذلك العصر الذّهبي للمعرفةِ والإنجاز، ومن هذا فرداءَتهُ هي تاريخيته واتّصال طريقة كتابتِهِ بزمن الفحولة المسكونةِ في أدبه: أدب الأربعةَ عشرَ قرنًا كما يقول الطنطاويّ، وهذا عندي حسنٌ جديدٌ من حُسْنِ الرّافعي وجمالِهِ. واتركْ كلّ ما كتبتُهُ ههنا وتذكّر أنّ عملَ الرّافعي من بداية وظيفتِهِ في محكمة طنطا حتّى وفاتِهِ= هو ( كاتب محكمة طنطا )، فكيف لمنْ كان كاتبُ المحمكة أن يكونَ رديءَ الخطّ للحدّ الذي لا يقرؤه القارىء!!. هذا، وإنَّ في حياةِ الرّافعيّ لغيرَ خبرٍ يشي بأنّ النّاس كانتْ تقرأ خطََ الرّافعيّ من غير صعوبةٍ، فلم تشتكِ من رداءةٍ فيه أو صعوبة، ولك في خبر مقدّمتهِ لديوانِهِ الأوّل مثلٌ وتقريبٌ.. وغير ذلك كثير... المصادر والمراجع: • أبي ريّة، محمود، رسائل الرّافعي، د.ط، (مصر، الدار العمرية، د.ت). • حسين، قاسم، رحلة مع الخطّ العربي، روافد وذكريات، ط1، (مركز أوال للدّراسات والتوثيق، 2019). • شوحان، أحمد، رحلة الخطّ العربي، ط1، (دمشق، اتحاد الكتّاب العرب، 2001م). • العريان، سعيد، حياة الرَّافِعيّ، ط3، (مصر: المكتبة التّجارية الكبرى، 1955م). • كسّاب، وليد، تحت الرّماد- محمّد سعيد العريان، ج 1، كتاب المجلة العربيّة، العدد 262، 1438هـ، ص 117. • كسّاب، وليد، مقالات الرَّافِعيّ المجهولة، ج 1، كتاب المجلة العربيّة، العدد 242، 1438هـ • كسّاب، وليد، مقالات الرَّافِعيّ المجهولة، ج 2، كتاب المجلة العربيّة، العدد 249، 1438هـ. مواقع الكترونية: https://twitter.com/sh7ahm/status/1276766349671510016?lang=fr https://almesryoon.com https://majles.alukah.net/t127306 [1] كاديمي وباحث سوري في اللغة والأدب، من كتبه: من وحي الرّافعي، دار المقتبس 2019م، والدلالة وضوابط تطوّر المعنى، دار الغوثاني 2021م. [2] العريان، سعيد، حياة الرّافعي، ط3، ( مصر: المكتبة التّجارية الكبرى، 1955م)، ص 28. [3] الرّديءُ من الأعمالِ ونحوِها: السَّيِّءُ، ومن معانيها: الفاسدُ، والضّعيفُ، ولا يخفى أنّ الخطّ الرّدِيءَ هو السّيّءُ، وسوءُهُ أنّهُ لا يُقرَأُ ولا يَبينُ. [4] ِنْو الشّخص: أخوه وشقيقُهُ لأمّهِ وأبيهِ، وقد أردتُ هنا شدّةَ قربِهِ منه. المعجم التاريخي (صنو). [5] سين، قاسم، رحلة مع الخطّ العربي، روافد وذكريات، ط1، (مركز أوال للدّراسات والتوثيق، 2019)، ص12. [6] أحمد، شوحان، رحلة الخطّ العربي، ط1، ( دمشق: اتحاد الكّاب العرب، 2001م)، ص 14. [7] ينظر كلامُهُ في الرابط الخاص بجريدة ( المصريون) في فهرس مصادر هذه المقالة. [8] العريان، سعيد، حياة الرّافعي، ص 12. [9] أبي ريّة، محمود، رسائل الرّافعي، د.ط، ( مصر، الدار العمرية، د.ت)، ص 13-14. [10] ينظر مقال مجلة المصريين، الرابط في فهرس المصادر. [11] توفّى الأستاذ مهدي خليل رحمَهُ الله عام 1944م، كما يذكر العريان في حياة الرّافعي ص 28.
الموفور من شرح ابن عصفور لأبي حيان الأندلسي بتحقيق مصطفى محمود
محمود ثروت أبو الفضل
22-01-2022
4,107
https://www.alukah.net//culture/0/152370/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d9%81%d9%88%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%b5%d9%81%d9%88%d8%b1-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b3%d9%8a-%d8%a8%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af/
الموفور من شرح ابن عصفور لأبي حيان الأندلسي بتحقيق مصطفى محمود صدر حديثًا كتاب: "الموفور من شرح ابن عصفور"، لأبي حيان الأندلسي (ت 745 هـ)، تحقيق: "مصطفى محمود أبو السعود"، نشر: "درة الغواص لنشر مكنون العلم ومصونه". وهو اختصار بديع لشرح ابن عصفور الكبير على كتاب "الجمل في النحو" للزجاجي، وأصل هذا التحقيق أطروحة علمية تقدم بها المحقق لنيل درجة الماجستير في قسم النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم- جامعة القاهرة، تحت إشراف د. "محمد عبد المجيد الطويل"، وذلك عام 2019 م. ونجد أن ابن عصفور قد اهتم بكتاب (الجمل)، فشرحه شروحًا متعددة، منها شرحه المسمى (شرح الجمل الكبير)، وقد اختصر أبو حيان هذا الشرح، وسمى هذا المختصر (الموفور من شرح ابن عصفور). وأبو إسحاق الزجاجي أحد الأئمة الذين أسسوا المدرسة البغدادية في النحو؛ وكتابه (الجمل) حظي بشهرة كبير واسعة بين النحاة المشارقة والمغاربة، فشرحوه وعلقوا عليه، حتى قيل: إن شروحه بلغت عند المغاربة مائة وعشرين شرحًا، ومنهم من ألف في شرح شواهده، ومنهم من تعقبه. ويعد كتب "الجمل" من كتب النحو الجامعة مع يسر وسهولة في منهجه، وقدر جيد من الشواهد، والأمثلة التوضيحية، وهو على رأس مؤلفات الزجاجي النحوية، ومن أهميته أنه كان كتابًا اشتغل يه أهل مصر والمغرب والحجاز واليمن والشام، فهو كتاب عظم النفع به؛ لوضوح عبارته، وكثرة أمثلته. ونجد أنه إن كان كتاب سيبويه وأمثاله يصلح للشيوخ المتعمقين في العلم، الواقفين على دقائقه وأسراره، فإن كتاب الزجاجي نافع للمبتدئين في النحو، والمتطلعين إلى تعلمه، وذلك لأن طريقته متوسطة، وتصانيفه يقصد بها الإفادة. وهو كتاب لغة بما تضمنه من نقول عن قبائل العرب، وعلماء اللغة، فقد نقل عن ست لهجات عربية، وهي: "أزد السراة، وأسد، وبنو تميم، والحجازيون، وبنو سليم، وطيئ"، وعن خمسة من علماء اللغة، وهم "الأصمعي، وأبو حاتم السجستاتي، وابن دريد، وأبو زيد الأنصاري، وأبو عمرو بن العلاء". كما تضمن الكتاب أبوابًا وثيقة الصلة بعلم اللغة والأصوات كباب "ألف الوصل وألف القطع، والهجاء وحكام الهمزة، والمقصور والممدود، والإدغام، والحروف المهموزة والمجهورة". كما أنه كتاب نحو وصرف من أهم المختصرات بما احتواه من نقول عن نحويين هم أئمة الفن، وأبواب ومسائل خلافية، وشواهد متنوعة، فقد نقل عن تسعة من أئمة النحو، وهم: "الأخفش الأكبر، والخليل، وسيبويه، والأخفش الأوسط، والجرمي، وأبو عثمان المازني، والفراء، والكسائي". وضم الكتاب خمسة وأربعين ومائة باب، هي أبواب نحو وتصريف ولغة، كما ضم سبعًا وعشرين ومائة آية، وواحدًا وستين ومائة بيت من بيوت الشعر والرجز، وعشرة من الأقوال والأمثال العربية، أما الحديث النبوي فلم يكثر أبو القاسم الزجاجي في الاستشهاد به، فلم يرد في جمله إلا حديثان. والكتاب جاء موجزًا بالنسبة للمعلومات التي تناولها، وقد جاء بلغة عربية فصيحة واضحة حتى إن القارئ لا يرى فيه من الكلمات التي لا يقوى على فهمها إلا ما ندر. ولوجازة معلومات الكتاب، فقد عمد ابن عصفور إلى بسطه في شرح مطول، ثم جاء كتاب "الموفور من شرح ابن عصفور" لأبي حيان الأندلسي؛ لاختصار هذا البسط من جديد لإفادة طلاب العلم، فالأسلوب التعليمي واضح في الكتاب، ويدلل عليه كثرة الأمثلة المصنوعة، لتثبت المعلومات النحوية في ذهن النحوي، إلى جانب أنه اكتسب قدرة كبيرة في كثير من مؤلفاته على التقسيم والعرض والتبويب، ومنها هذا الكتاب الذي عمد فيه لتقسيم " كتاب الجمل" إلى فصول أو أقسام بغرض التبسيط وزيادة الإيضاح. ومن يطالع شرح ابن عصفور على كتاب "الجمل" يجد أنه جعله مصنفًا مبتكرًا، وليس شرحًا لمتن الزجاجي، وقد نالت مؤلفات ابن عصفور اهتمامًا كبيرًا عند أبي حيان، فقد لخص بعضها، وهذب مسائل بعضها الآخر، وأوضح ما فيها من غموض، وكان ذلك في أكثر من مؤلف، فقد اختصر "المقرب" و"الممتع"، وذكر ذلك في مقدمة الموفور، فقال: "فإني لما اختصرت المقرب للأستاذ أبي الحسن بن عصفور في كتاب سميته بالتقريب، وردفته بشرح لطيف، وسميته بالتدريب، واختصرت في التصريف الممتع في كتاب سميته "المبدع"، رأيت أن أختصر كتابه المسمى عند الناس بالشرح الكبير". ثم قال: "رأيت أن أختصر كتابه المسمى عند الناس بالشرح الكبير، وكان قد حوى من الفن العربي قواعد محررة، وفوائد محبرة، يستفيد منها البادي، ويتذكر الشادي، فاختصرته من غير تنبيه على ما فيه من النقود، ولا خروج في اختصاره بالاعترض عن المقصود، ولم أبالغ في إيجازه فأخل، ولا أسهبت فيه فيُمَلَّ، بل أبرزته بين عبارة ملخصة، وإشارة مخلصة، وتقسيم قسيم، وترسيم وسيم". كما أنه ذكر في مقدمة الكتاب سبب تسميته له بهذا الاسم بقوله: "ولما تكمل هذا المختصر في سماء العلوم بدرًا، وشرف ما بين الموضوعات قدرًا، وكان قد وُفِرَ حظه من علم اللسان، وجمع فيه ما تشتت من الإحسان، سميته بالموفور من شرح ابن عصفور". ونجد أنه لم يتابع ابن عصفور في كامل ترجيحاته، بل كان يخالفه أحيانًا، كما أنه لم يقتصر على اختصار شرح الجمل لابن عصفور، بل زاد عليه مسائل ليست فيه، كما أننا رأينا في هذا المختصر على صغر حجمه أبا حيان - كعادته في مصنفاته - قد حشد فيه آراء لأعلام المدرستين: البصرية والكوفية، وكثير من المتأخرين، وسندها إلى أصحابها، وكان يناقشها، فيوافق بعضها، ويخالف بعضها الآخر. وللكتاب نسخة مشهورة بخط مؤلفها أبي حيان في القرن السابع الهجري، محفوظة بدار الكتب المصرية ضمن مجموع فيه عدة رسائل برقم (100317 ف)، وتقع في 61 صفحة، وخطها معتاد، وبعض صفحات المخطوط طمست فيها بعض الكلمات وخاصة في المواضع التي استدرك فيها أبو حيان ما سقط من المتن في الحاشية. وقد قام المحقق بإخراج هذا المتن مع التعليق على ما جاء فيه، مقدمًا له بمقدمات حول الترجمة لأعلام هذا الشرح والاختصار، وقيمة كل من الكتب الثلاثة علميًا: كتاب الجمل للزجاجي، وشرحه الكبير لابن عصفور، والموفور من شرح ابن عصفور لأبي حيان الأندلسي. وصاحب المتن الأصل هو الزجاجي، أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزَّجاجي النّهاوندي (توفي 377هـ/949م) عالم لغوي، وُلد في نهاوند، وانتقل في طلب العلم إلى بغداد موئل اللغة والفصاحة لينهل من حلقات علمائها، ثم سافر إلى الشام فأقام بحلب مدة ثم غادرها إلى دمشق حيث درّس وصنّف وأملى، ثم غادرها إلى طبرية ومات بها. كان الزجَّاجي شديد الولع بالعلم، أكثرَ الأخذ عن علماء عصره فأخذ عن الزَّجاج أبي اسحاق علم النحو ولازمه حتى نُسب إليه، وروى عن محمد بن السّري أبي بكر ابن السّراج، وحدّث عن ابن قتيبة الدينوري، وعن محمد بن رستم الطبري، وابن كيسان، وابن شقير، وابن الخياط، والأخفش، وغيرهم. أما تلاميذه فقد ذُكِر منهم قِلّة وليس لهم آثار علمية تُذكر، منهم: أحمد بن محمد بن سلامة، وأبو محمد بن أبي نصر، وأبو بكر بن أبي العباس، والغسَّاني، وعبد الرحمن بن عمر، وأبو الحسن السبتي. كان الزجاجي من أكثر العلماء طلبًا للعلم وأنشطهم في التأليف، فلقد ألََّف في شَتى علوم اللغة والأدب، وطُبع من مؤلفاته "الإيضاح في عِلل النحو" وهي أمشاج من نصوص القرآن الكريم والحديث النبوي ومختار كلام العرب وحكمائهم وشعرائهم وخطبائهم، و"مجالس العلماء" وهو مسائل ومناقشات لغوية وأدبية مع العلماء، و"الأذكار بالمسائل الفقهية" وهو مجموعة مسائل نحوية تتصل بالفقه، و"معاني الحروف"، و"اشتقاق أسماء الله تعالى"، و"الإبدال والمعاقبة"، و"اللامات" الذي جمع فيه أكثر من أربعين قسمًا للاّم في كلام العرب وعرض معانيها وإعرابها بدقة منهجية، ثم "الجمل في النحو" وهو أشهر كتبه، صنَّفه بمكة المكرمة. وكان إذا فرغ من باب طاف بالبيت الحرام سبعة أشواط، ودعا الله أن يغفر له، وأن ينفع به قارئه، وانتفع به الطلبة كثيرًا، إلى أن اشتغل الناس بكتاب "اللُمَع" لابن جِنِّي و"الإيضاح" للفارسي. والشارح هو ابن عُصْفُور (597 - 669 هـ = 1200 - 1271 م) علي بن مؤمن بن محمد، الحَضْرَمي الإشبيلي، أبو الحسن المعروف بابن عصفور: حامل لواء العربية بالأندلس في عصره. ولد بإشبيلية، وتوفي بتونس، تلقى ابن عصفور الإشبيلي علم العربية عن جماعة من أشهر علماء عصره منهم أبو الحسن الدباج وأبو علي الشلوبين. ولازم الأخير عشر سنين إلى أن ختم عليه كتاب سيبويه. قال مترجموه: كان أصبر الناس على المطالعة لا يمل من ذلك. ثم كان بينه وبين شيخه أبي علي الشلوبين منافرة ومقاطعة، فجال بالأندلس وتصدر للاشتغال مدة بعدة بلاد، فأقرأ بإشبيلية، وشريش، ومالقة، ولورقة، ومرسية. وأقبل عليه الطلبة، وعلا ذكره، فكان، كما يقول مترجموه، حامل لواء العربية في زمانه بالأندلس. ولكن لم يكن عنده ما يؤخذ عنه غير النحو، ولا تأهل لغيره من علوم العربية. واتصل ابن عصفور بأمراء زمانه، فكان يخدم الأمير عبد الله بن محمد ابن أبي بكر الهتناني. من كتبه: ♦ المقرب، وقد نشر في بغداد سنة 1971 في جزأين بتحقيق أحمد عبد الستار الجواري وعبد الله الجبوري. ♦ الممتع في التصريف، وقد نشر في حلب سنة 1970 في جزأين أيضًا، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوه. ♦ كتاب المقنع: مخطوط بجامع القرويين بفاس رقم 1195. ♦ السلك والعنوان ومرام اللؤلؤ والعقيان. وهو رجز في النحو مع شرح. ♦ إيضاح المشكل، شرح "المغرب" للمطرزي. ♦ منظومة في النحو، بشرح صدقة بن ناصر بن راشد الحنبلي، ألفه سنة 1016 هـ-1607 م. وأما صاحب "الموفور" هو أبو حيان الأندلسي (654 - 745 هـ / 1256 - 1345 م). محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي أثير الدين أبو حيان الجياني الأندلسي النحوي. كان من أقطاب سلسلة العلم والأدب وأعيان المبصرين بدقائق ما يكون من لغة العرب، حُكِي أنه سمع الحديث بالأندلس وإفريقية والإسكندرية ومصر والحجاز من نحو 450 شيخًا، كان شيخ النحاة بالديار المصرية أخذ عنه أكابر عصره، كان ثبتًا صدوقًا حجة سالم العقيدة من البدع. درس النحو في جامع الحاكم سنة 704 هـ، وأصبح مدرسًا للتفسير في قبة السلطان الملك المنصور في عهد السلطان القاهر الملك الناصر، وتولى منصب الاقراء بجامع الأقمر. توفي بالقاهرة 28 صفر 745 هـ، ودفن بمقبرة الصوفية خارج باب النصر، وصلي عليه بالجامع الأموي بدمشق صلاة الغائب، ورثاه الصفدي وذكره في "نكت الهيمان". وقد ألف عددًا من الكتب، ومن أهمها ما يأتي: ♦ "البحر المحيط في التفسير" هو من أشهر أعمال أبي حيان التفسير المعروف بالبحر المحيط، الذي يعد من أهم التفاسير التي عنيت بالنحو، والإعراب، ورواية القراءات وتوجيهها، والاحتجاج لها والدفاع عنها، وهذا العمل جاء ليمثل خلاصة علم أبي حيان وخبرته، فقد وضعه بعد أن رسخت قدمه في اللغة العربية وعلومها. ♦ "ارتشاف الضرب من لسان العرب" يعدّ من الكتب النحوية المهمة التي تناول فيها أبو حيان الأندلسي الأبواب النحوية جميعها، وحاول مناقشتها، وتناول الآراء المختلفة فيها، ولكنه ذكر رأيه أيضًا من ضمن الآراء في كتابه، فضلًا عن أن الكتاب يمزج بين الثقافة المشرقية والمغربية، وهذا أهم ما يميز المنهج الذي اتبعه المؤلف في كتابه. ♦ "منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك" وفي هذا الكتاب -كما يظهر من عنوانه- أن أبا حيان الأندلسي اهتم فيه بدراسة ألفية ابن مالك، وناقش آراه النحوية، وأخذ عليه بعض القضايا النحوية، وأيده في بعضها الآخر.
سؤال المنهج وخطورة الاستدعاء التاريخي غير المنضبط
د. عمر عيسى عمران
20-01-2022
1,864
https://www.alukah.net//culture/0/152347/%d8%b3%d8%a4%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac-%d9%88%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%b9%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b6%d8%a8%d8%b7/
سؤال المنهج وخطورة الاستدعاء التاريخي غير المنضبط يحتل سؤالُ المنهج - عرضًا ونقدًا، استشكالًا واستدلالًا - موقعًا مهمًّا في نظام التفكير المعرفي المعاصر، وبخاصة مع ازدياد الحاجة لردم الهُوة وتقريب المسافات، وتوفيق الوجهات بين الأيديولوجيات والأفكار المدرسية في المجتمع المسلم، وتبرز أهمية المنهج في إزالة ما قد يَعلَقُ من غموض وإبهام في الذهن، حين يراد تصنيف الآراء وَفقَ المسائل المثارة ومحاولة إلحاق الفروع بالأصول، ومن هنا تجد أقوالًا لمصنف تنتمي لمدرسة ما، لكن المنهج الذي يسير عليه المصنف ينتمي لمدرسة مغايرة؛ لذا تجد الفيصل هو المنهج لا المسائل والأدلة، فالمسائل تقرَّر وفق طرائق الأدلة، والأدلة تقرر وفق قراءة المنهج غالبًا، وليس دومًا، ومن هنا غلط بعضهم حينما صنَّفوا بعض الأعلام ضمن اتجاهات ومدارس معينة، لوجود توافق في بعض الآراء والمسائل والدلائل، وأغفلوا المنهج، فالمنهج رأس العلوم، وإليه يجب أن يصار الاحتكام، ومن هنا يمكن القول: إن ثمة فرقًا بين الدليل ومنهج الدليل، فحين نحكم بأن الشمس أكبر من القمر، فإنما نطلق هذا الحكم استدلالًا بأقوال العلماء، لذا فالمنهج سيكون من خلال اعتماد أقوال العلماء طريقًا موصلًا للحقيقة، وحين نجزم بأن فلانًا سيموت استدلالًا برؤية ذلك في الحلم، فيكون المنهج من خلال اعتماد الرؤى والأحلام طريقًا موصلًا إلى الحقيقة، وحين نحكم بأنَّ الباراسيتول مخفف للضغط استدلالًا بالتجربة والتكرار، فإن المنهج سيكون اعتماد التجربة طريقًا للوصول إلى الحقيقة، وكذلك بالنسبة للمشاهدة والحواس، فالمنهج فيها يكون من خلال التزام الحسِّ طريقًا للوصول إلى الحقيقة، أمَّا صحة كلِّ تلك الاستدلالات، فهي ترتبط أولًا وأخيرًا بصحة المنهج، واكتمال أصوله، وأسسه، وأركانه، وشرائطه وضوابطه، ومن هنا لا يسوغ مطلقًا الخوض في المسائل والدلائل من غير أن يسبقه النظر في المنهج والطريق الموصل لتقريرها. وعلى هذا فإن كل منهج يقوم على ثلاثة أُسس: مصدر التلقي، طرق الاستدلال، طبيعة الأسلوب. وهذه ركائز مهمة جدًّا، فلا بد أولًا من أن نقف على مصدر التلقي في تقرير المسائل والآراء، وما حجية ذلك المصدر، وما قيمته؟ وفي هذه النقطة تتمايز مناهج المدارس، وليس هذا فحسب، بل نقف أيضًا على العلاقة بين مصادر التلقي، ونعرف أيها مقدم على الاخر. أما طرائق الاستدلال، فهي ترشدنا إلى كيفية توظيف الاستدلالات قرآنًا وسنَة وإجماعًا ومعقولًا، فضلًا عن توظيف معارف اللغة، والتفسير، والتأريخ، ونحوها في خدمة المسائل والآراء، ثم الوقوف على طبيعة كلِّ طريق وضوابطه، فطريق الاستدلال بالقرآن له أسس وضوابط، وكذا طريق الاستدلال بالسُّنة له أسسٌ وضوابط ونحوها. أما طبيعة الأسلوب، فهي ترشدنا إلى صور كاشفة، وإنْ كانت غير محددة المعالم في طريقة التعاطي مع الآراء والمسائل هل يتوخى فيها الوضوح، أم الابهام، أو التطويل، أم الايجاز، ثم الموقف من الفرق والرؤى والاتجاهات المغايرة، وأسلوب التخاطب معها شدة ولينًا. وعلى هذا نجد هناك ما يسمى بالمنهج النقلي، وهو طريق دراسة النقل أي النصوص المنقولة يعني توثيق النصِّ إلى قائله، والتحقق من سلامة النص من التحريف، أو التصحيف، أو الزيادة، أو النقصان، ثم فهم مدلول النص، وبيان قوته ثبوتًا، وقطعيته دلالة من عدمها. وهناك المنهج العقلي الذي يلتصق بالعقل، ويحتكم إلى ما تواضع عليه العقلاء في تفسير المسألة، وتخريجها، وتحليلها. وهناك المنهج الجامع بينهما على تفاوت من المنتسبين إليه قربًا وبعدًا عن أحدهما دون الآخر، لذا فإنَّ أيَّ اغفال عن المنهج سيوقعنا في مزالق علمية كثيرة ليس أقلها ضررًا هو إلحاق الأعلام ضمن اتجاهات ومدارس لا ينتمون إليها، وهذا ما وقع وحصل حين حُوكِم أعلام الأمة المتقدمين لهذا الفهم المغلوط، وأصبح عندهم في نظر هؤلاء المتأخرين مخالفات عقدية، ولم ينتبهوا أن هؤلاء الأعلام ينتمون لمدارس منسجمين معها في المنهج والرؤى، وإن وقع لهم مخالفات اجتهادية في بعض المسائل.
القلم ودوره
عبدالحميد عيد محمد البلوشي
19-01-2022
11,243
https://www.alukah.net//culture/0/152327/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%af%d9%88%d8%b1%d9%87/
القلم ودوره المقدمة: أهمية القلم: القلم يعدُّ من أهم أداة العلم والمعرفة، وبه تُمْلأ أوعيةُ العقول، وتُحفَظ كنوزُ الأمم، وقد ذكَره الله في كتابه العزيز ذكرًا مميزًا، فأقسَم: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1]، والقسم يدل على عظمة المقسَم به، وجعَله الله وسيلة للعلم، فقال: ﴿ عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾ [العلق: 4]، وبه وصلتنا العلومُ، وحفِظ لنا سلفُنا التاريخ، وعرفنا سيرَ السابقين، واعتبرنا بما كان من حوادث الزمان، ولولا القلم لذهب العلوم أدراج الرياح. مكانة القلم في القرآن: حلف الله بالقلم وما يسطرون معًا مرةً واحدةً، وقال: ﴿ ن والقلم وما يسطرون ﴾، فمنَّ الله على البشر بالقلم كما منَّ بالنطق، وقال: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ [الرحمن: 3، 4]، فالقلم والبيان نعمتان کبريان، فالبيان تخاطب الحاضرين، کما أن بالقلم تخاطب الغائبين، ثم إن في الحلف بالقلم والكتابة إلماعًا إلى مكانة القلم والكتابة في الإسلام، كما أن في قوله تعالى: ﴿ عَلَّمَ بالقَلَمِ ﴾ إشارة إلى ذلك، والعجب أن القرآن نزل وسط مجتمع سادَه التخلف والجهل والأُمية، وكان من يجيد القراءة والكتابة في العصر الجاهلي لا يتجاوز عدد أصابع اليد، ويذكر ابن خلدون في مقدمته أن عهد قريش بالكتابة لم يكن بعيدًا، بل كان حديثًا وقريبًا بعهد رسول الله، ومع ذلك يعود القرآن ليؤكد بالحلف بالقلم على مكانة القلم والكتابة في الحضارة الإسلامية. اهتمام السلف بالقلم: وقد كان السلف يهتكون بالقلم اهتمامًا فائقًا لا نظير له في هذه العهود الأخيرة؛ حيث يقول الإمام النووي: ما من يوم يمر إلا وأنا أكتب فيها صفحات كثيرة، وكذلك يقول على الطنطاوي (من علمائنا المعاصرين): أينما كنت جالسًا أو قائمًا والقلم بيدي أكتُب ما يخطر ببالي، وما أشاهد في أطرافي من الحوادث؛ قال ابن جرير الطبري لإصحابي: أتنشطون لتفسير القرآن؟ قالوا: كم يكون قدره؟ قال ثلاثون ألف ورقة، فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل إتمامه! فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، وأملأ في سبع سنين، ثم قال لهم: أتنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟ قالوا: كم قدره؟ فذكر نحو ما ذكره في التفسير، فأجابوه بمثل ذلك! فقال: إنا لله! ماتت الهمم! فاختصره في نحو مما اختصر التفسير. عوامل تقوية القلم: من أهم عوامل تقوية القلم: المطالعة؛ وذلك أن تطالع كلَّ يوم صفحات معلومة محددة، لأنها تغذيك فكريًّا وعلميًّا وأدبيًّا، وتقوي قلمك، الثاني: الاستمرار في الكتابة، تواصل الكتابة كل يوم؛ بحيث لا يمضي يوم إلا وأنت تكتُب فيه، فإن الكتابة اليومية تُعد من الطرق المجرَّبة المثمرة في تقوية القلم، اكتُب كلَّ يوم ولو أسطرًا قليلة، فإن هذا الاستمرار يتسبب في تقوية قلمك. أقوال العلماء المعاصرين في القلم: المفتي محمد قاسم القاسمي: لا أغتبط بشيء كما أغتبط بصاحب القلم. الأستاذ عبدالرحمن محمد جمال: صاحب القلم هو مستقل الشخصية، والقلم يصنع الأعاجيب في حياتك، ومن أخذ بناصية القلم فكأنما اتصل بالعالم. كيف تكون كاتبًا في رأيي؟ في رأيي أن تكتب كل يوم بالدوام، وتسجل على صفحات كراستك كل ما يجول في خاطرك، وترسم على الأوراق بكل ما يحدث في حياتك يوميًّا من النجاح والفشل والرقي والتقاعس. الثاني: تقديم كتاباتك إلى شخص أقوى منك لتصحيح، ثم استعمال صفوة التعابير في كتاباتك. النتيجة: القلم أكبر سلاح في تثقيف المجتمع وإنارة العقول في هذا العصر، وله دورٌ في إيقاظ الشعوب وصنع المجتمع، فمن ملك ناصية القلم فكأنما ملك العقول والألباب.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - المفهوم)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
19-01-2022
5,762
https://www.alukah.net//culture/0/152323/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%87%d9%88%d9%85/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - المفهوم) من محددات العلاقة بين الشرق والغرب: التنصير، الذي كان - وما يزال - موجهًا إلى المسلمين وغير المسلمين بصور مختلفة تتقلب بحسب الحال وبحسب البيئة، بل وبحسب الزمان والمكان؛فالحملة التنصيرية الموجهة إلى مجتمع مسلم تختلف عن الحملة إلى مجتمع غير مسلم بعيدٍ عن الإسلام في عقيدته، وتختلف عن الحملة التنصيرية الموجهة إلى مجتمع مسلم قوي في عقيدته بوضوح أكثر،ومع عدم الادعاء التام بالبعد عن العقيدة وقوتها في نفوس المسلمين، نجد أن الحملات التنصيرية الموجهة إلى المسلمين جنوب الصحراء الكبرى تختلف عن الحملات التنصيرية الموجهة إلى منطقة الخليج العربية. وسواء أكان الدافع الأول للحملات الصليبية هو الدين أم أن هناك دوافعَ أخرى احتلالية واقتصادية وسياسية [1] ، إلا أنه يمكن أن يقال: إن الحملات الصليبية كانت في ظاهرها على الأقل حملاتٍ تنصيريةً أخذت صورة التنصير القسري بالغزو المسلح واحتلال الأرض وإخراج المسلمين منها [2] . وحيث لم تنجح هذه الصورة عَمَد التنصير إلى الدراسة والتحليل للمجتمعات المسلمة، فواجهها بما تحتاجه من تعليم وتدريب أو علاج أو هبات مالية على شكل مشروعات تنموية،هذا في الوقت الذي استعان فيه المنصرون بالمستشرقين في الدخول في عمق المعتقد الإسلامي، وامتهان مهمة الاستشراق القديم في التشكيك في هذا الدين بجميع مقوماته ورموزه. وحيث لم تنجح هذه الصورة أيضًا بالشكل الذي يوازي الجهود البشرية والمالية المبذولة، عَمد التنصير إلى اتباع الصور الأخرى التي اتُّفِقَ على تسميتها بالوسائل الخفية للتنصير، التي تُظهر شيئًا غيرَ التنصير، فجاء التنصير مع العاملين النصارى في المجتمعات المسلمة، سواء أكان هؤلاء العاملون مِهنيين فنيين خبراء أم كانوا عمالًا غير مؤهلين مهنيًّا. وتَبِع هذا وجودُ مؤسسات تُظهر أنها تقوم بمهمات رسمية وأعمالٍ خدمية مدنية، ولكنها تخدم التنصير مباشرة، كبعض البعثات الدبلوماسية والملحقيات الثقافية والتجارية والإعلامية والشركات وغيرها،ومن المهم التوكيد أن هذا الاتهام لا ينسحب على الجميع، ولكن التنصير ظهر في بعض هذه المؤسسات [3] . ومع هذا كله ومع هذه الجهود كلها، فشل التنصير في تحقيق هدفه الظاهر والقريب، وهو أول ما يتبادر إلى الذهن من مصطلح التنصير الذي يوحي بإدخال غير النصارى في النصرانية، فقد تنازل التنصير عن هذا الهدف مرحليًّا، لا سيما في المجتمعات المسلمة، وأضحت مهمة التنصير العمل على إخراج المسلمين من الإسلام. ولم يتحقق هذا الهدف أو هذه المهمة بالسهولة المتوخاة؛ إذ إن الإسلام يقوم على عقيدة التوحيد التي تتماشى مع فطرة الإنسان،هذا بالإضافة إلى أن الإسلام بقي نقيًّا محفوظًا من كل محاولات التغلغل فيه لتقويض دعائمه؛ ذلك أن الله تعالى قد تكفل بحفظه، ما دام على هذه الدنيا نفسٌ تتعطش للأمان الروحي، وتسعى إلى توطيد علاقة المخلوق مع الخالق؛قال الله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. وهنا عاد المنصرون إلى المستشرقين في مسألة التشويه، والدخول في عمق العقل البشري المسلم، وتشكيكه في عقيدته من خلال استخدام الأسلوب الاستشراقي في التشويه من لدن بعض قدامى المستشرقين، الذي لم يعُدْ بحق مقبولًا حتى من مستشرقي اليوم أنفسهم. ولما لم تُجْدِ هذه الوسيلة، عَمد التنصير الموجَّه للمجتمع المسلم إلى إدخال أفكار غريبة على المفهومات الإسلامية في الممارسات وفي الأفكار، مما نسميه اليوم بالدعوة إلى التغريب، الأمر الذي دعا المسلمين إلى التحذير من هذه الحملة التنصيرية، والتصدي لها بالتأصيل، أو الأصالة، وأسلمة العلوم وتوجيهها الوجهة الإسلامية. وهذه وقفة أخرى من الوقفات التي تحد من هذا التيار الذي أسهم في تحديد العلاقة بين الشرق والغرب،على أن موضوع التنصير موضوع طويل، لا يزال الفكر العربي والإسلامي يكتب عنه الكتب والمقالات، وتدرسه الجامعات ومراكز البحوث [4] ، مما يستدعي إطالة الوقوف معه في الوقفات القادمة. [1] انظر: أيوب أبو دية ، حروب الفرنج حروب لا صليبية - مرجع سابق - ص 182. [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة ، التنصير القسري وأثره في التعدي على الحريات الدينية - الرياض: هيئة حقوق الإنسان، 1430هـ/ 2009م - ص47. [3] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة ، التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص 295. [4] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة ، التنصير في المراجع العربية: دراسة ورصد وراقي للمطبوع - ط 2 - الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1424هـ/ 2003م - ص 419.
المسلم بين التقويمين الميلادي والهجري
محمد نصر ليله
19-01-2022
3,016
https://www.alukah.net//culture/0/152318/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%88%d9%8a%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%84%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%ac%d8%b1%d9%8a/
المسلم بين التقويمين الميلادي والهجري كثيرًا ما يصل إلى كلِّ واحدٍ منَّا عدة رسائل من أصدقاء أعزاء على القلوب، تهنئةً بحلول عام "ميلادي" جديد، وكثيرًا ما نودُّ من كل قلوبنا أن نرُد التحية بخيرٍ منها أو مثلها على الأقل، لكن، هل العام الميلادي هو بالفعل عامنا المنتظر؟ وتقويمه هو تقويمنا نحن المسلمين؟ وما حقيقة التقويم الميلادي؟ وما التقويم الذي يرتبط به المسلم أكثر في حياته، وللإجابة على هذه الأسئلة أقول وبالله التوفيق: حاجة الإنسان إلى تقويم: • التقويم في أصله موضوع للاحتياج إليه في شؤون حياتية أو دينية، ونضرب بذلك مثلًا: التقويم القبطي؛ حيث تَمَّ وضعُ التقويم القبطي "المصري القديم" لارتباط المصريين بالزراعة وحاجتهم إلى معرفة مواعيد "النوات"، واختلاف الفصول، وشؤون الزراعة، ولا زال "الفلاح المصري" يستخدم التقويم "القبطي" في الزراعة إلى اليوم، اعتمادًا على الأسس التي توارثتها الأجيال جيلًا بعد جيل؛ شهر "توت" هو شهر الفيضان، وشهر "هاتور" أبو الذهب المنثور فيه زراعة القمح، وشهر "برمهات" هو شهر الحصاد، وشهر "بؤونة" شهر التخزين... إلخ. حقيقة الشهور الميلادية: • وبالنسبة للتقويم الميلادي تَم وضعُه بعد عصر السيد المسيح بحوالي ٣٤٠ عامًا، وذلك بعد اعتناق الدولة الرومانية للمسيحية ودعوتهم إليها، ونبذ الآلهة الوثنية القديمة، فكان ارتباطهم بالديانة سببًا في وضْع التقويم، فقسموا التاريخ إلى قسمين أساسيين:- 1- عصر ما قبل الميلاد : ويعني عصر ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام. 2- عصر ما بعد الميلاد : أي من بعد ميلاد المسيح عليه السلام. واعتمدوا في ذلك التقويم الشهور الرومانية، ولم ينسلخوا منها التي ترتبط في الأصل بمعبودات وثنية وآلهة تُعبد من دون الله، أو أسماء ملوك معظمين عندهم. وهنا ننسب أسماء الشهور الرومانية: وبالحديث عن نسبة أسماء الشهور الرومانية، نرى وضوح علاقة تلك الأسماء بالدين والعقيدة عندهم، فهي في الأصل أسماء آلهة مقدسة معبودة عند الرومان القدماء كانوا يعبدونها من دون الله ، وهم: 1- يناير ، نسبة إلى "يانوس" حارس السماء . 2- فبراير نسبة إلى الإله "فيبرووس" إله العالم السفلي !! 3- مارس نسبة إلى "آريس" إله الحرب والزراعة . 4- أبريل نسبة إلى أفروديت إله الحب . 5- مايو وأصله مايوس نسبة إلى الإلهة مايستا التي ترمز للشرف والمهابة أو النضج والخصب والتبجيل. 6- يونيو نسبة إلى الإله "جونو". 7- يوليو نسبة إلى الإمبراطور يوليوس قيصر. 8- أغسطس نسبة إلى الإمبراطور "جايوس أوكتافيوس". 9- أما سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر، فهي مأخوذة من الأرقام ٧-٨-٩-١٠؛ حيث كان ترتيب تلك الأشهر سابقًا. ومن ذلك يظهر جليًّا أن التقويم الميلادي لا علاقة لنا نحن العرب المسلمين به مطلقًا، وهو دخيل علينا؛ حيث إن أول عهدنا به في العصر الحديث كان مع قدوم الحملات الاستعمارية في القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي إلى بلدان العالم الإسلامي لنهْب خيراته، فهو من إرث الاستعمار. التقويم الهجري وارتباط المسلم به: • ولكن النقيض تمامًا في الإسلام، فلم يتمَّ وضع التقويم مرتبطًا بميلاد أو وفاة أشخاص، بل إنه مرتبط بحدَثٍ كان مفصليًّا في تاريخ الدعوة الإسلامية، وهو - الهجرة النبوية - المباركة، وأكد الله عز وجل في كتابة ثباتَ التقويم وأهميته: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 36] ، وهي الأشهر الهجرية، وجعل من هذه الأشهر أربعة حُرمًا لهم أحكام خاصة ﴿ منها أربعة حُرُم ﴾ . • وللتقويم الهجري مكانةٌ مهمة عند المسلمين، وترتبط به الأحداث التاريخية الإسلامية كلها، حيث يُعتمد عليه في عباداتهم، فشهر محرَّم فيه عاشوراء، وشهر ربيع فيه مولد ووفاة الرسول، وشهر شوال تُرفع الأعمال إلى الله، وشهر رمضان هو شهر الصوم، وفي العشر الأواخر من رمضان ليلة القدر، وسنة الاعتكاف، وصدقة الفطر آخر رمضان، وأول شوال عيد الفطر، والعشر الأول من ذي الحجة فضل على غيرهنَّ، وفيها يوم عرفة وفيها يوم النحر، ثم عيد الأضحى... إلخ من المناسبات والمواسم الإسلامية. • وبالتقويم الهجري تُحسب أعمار المسلمين، ومقدار الحول لإخراج الزكاة عام هجري كامل. • ولا ارتباط لنا كمسلمين بالشمس وتغيُّراتها إلا في مواقيت الصلاة، فتُحسب بموضع الشمس ووقت غروبها وإشراقها، وصلاة الكسوف فقط. أما استخدام التقويم الميلادي هذه الأيام، فلا يُنسينا تقويمنا الأصيل - التقويم الهجري - الذي نعتزُّ ونفخر به وبتاريخه العظيم الذي سنظلُّ نرتبط به ارتباطًا لا ينفصل، فهو رباط الدين والعبادة.
نظرية السلم الاجتماعي من خلال تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة
محمد السيد حسن محمد
18-01-2022
3,925
https://www.alukah.net//culture/0/152294/%d9%86%d8%b8%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%aa%d8%ad%d9%83%d9%8a%d9%85-%d8%b3%d8%b9%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b0-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d9%8a-%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b8%d8%a9/
نظرية السلم الاجتماعي من خلال تحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة بدت علامات احتمال تأثر الجبهة الداخلية حين حاصر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بني قريظة، وكانت الأوسُ صوتَها الإعلامي، ومن جانب أن بني قريظة كانت مواليهم؛ وعلى حد ما قاله الإمام ابن اسحاق رحمه الله تعالى: "فلما أصبحوا نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواثبت الأوس، فقالوا: يا رسول الله، إنهم كانوا موالينا دون الخزرج، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت" [1] ، وإذ كانوا يعنون عفوه صلى الله عليه وسلم عن بني قينقاع، حين سأله فيهم عبدالله بن أبي بن سلول، وكيما يخمد فتنة المنافقين، وإذ كان عبدالله بن أبي هذا هو الناطق الإعلامي لهم، ولكن عفوه - وما عُهد عنه - قد كان أسبق أيضًا، وحين لم يجد لذلكم ثقبًا إلا ولجه صلى الله عليه وسلم. وفي ظل هذه الأجواء كان نبينا صلى الله عليه وسلم أوعى، ولما يمكن أن تتأثر به جبهته الداخلية، لكن فطنته صلى الله عليه وسلم كانت أولى وأسبق، وإنما حرصه على السلام الاجتماعي كان أبدى وأوفق. كان تواثب الأوس حوله صلى الله عليه وسلم بادرة احتمال شقاق، وإذ يمكن تأثيره على سلامة الجبهة الداخلية، ولو من باب الاحتمالات - وكما أنف - لكنه صلى الله عليه وسلم أخمد الفتنة في محلها، وحين قابلها بحكمته وحلمه صلى الله عليه وسلم، ومن أول ابتدائها ومن مهدها. إن براعة الراعي تكون وحين يجمع صفوف أمته خلفه، وبمحبته ووده، لا بسيفه ونبله، وهذا ما تبدى واضحًا، حين بادرة الأوس لمواليهم بني قريظة! (( يا معشر الأوس، ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ )) [2] ، هذا عرض نبوي بلاغي هادئ، ليس مصحوبًا بصخب السيف والرمح، ولأثرهما الغائر في مشاعر الشعوب. وهذا نداء لطيف حاذق حانٍ، ليس مشوبًا بقوة سيف مصلت، ولأن السلم الاجتماعي غاية هذا الدين أبدًا. وهذا معلم الناس الخيرَ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يحكِ تاريخه أنه رفع سيفه إلا على جبهات القتال الخارجية، ولأن السيف إنما كان خصيصًا لحرب أعداء الملة؛ نشرًا للدين ودفاعًا عن حَوزته. وهذه نظرية السلم الاجتماعي في ديننا، غاية في الإلف، وأوسع مدى في التأثير وإلهاب الجماهير. إن السلم الاجتماعي هو مهمة الراعي الأولَى، ولأنه بها يضمن التفاف رعيته حوله، بل ويذودون دونه، وما أشد حاجته إليهم، وحين يناديهم يومًا! وإذ قدم نبينا صلى الله عليه وسلم درسًا في السلام الاجتماعي، وحين نادى الأوس مهدْهِدًا مشاعرهم، ومستجيشًا ضمائرهم، وليعين حكمًا منهم هم أنفسهم في بني قريظة، وهذا تحريك لمشاعر الولاء أعلاه، وهذا داعٍ من دواعي طمأنتهم أقصاه. وإذ كان يمكنه صلى الله عليه وسلم إسكات صوت الأوس يومهم هذا، ولكنه ومن بعده لن يطيقوا ثلمًا في السلم الاجتماعي، كانوا هم غارسو غراسه الأول. إنه حين استلهب نبينا صلى الله عليه وسلم مشاعر الأوس، قالوا: بلى، وهكذا حين يتحسس القائد مشاعر رعيته، وأحاسيسهم الداخلية، ليأخذ منهم أوفى مما يمنحهم. وإذ قال سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه وحين وقع اختيار نبينا صلى الله عليه وسلم له في مسألة التحكيم في بني قريظة: (( قد آن لسعد ألَّا تأخذه في الله لومة لائم )) [3] ، وهذا صواب ودقة القائد؛ لأنه وإن حافظ على سلمه الاجتماعي، لكن حد الله أوفق وأولى، وإذ كان التوفيق بينهما أوفى وأدعى. وهذا بيان سعد، ولمن أتى بعده، أن يحسن بلاغه عن ربه تعالى، فإن مسألة التحكيم غاية في مقدماتها ونتائجها. وفيه تقديم الحازم، وتفضيل الجازم، وأولوية الحاسم، وخاصة في مصالح الأمة العليا؛ وانظر قوله تعالى: ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]. وهذه وجهة ولي الله، وحين يكون التعبيد له تعالى من حواليه كله، فيضمن معه التجرد، ويؤمن دونه الحيود. إن التعامل مع مصالح الأمة العليا يعوزه قوم متجردون من هوًى، ويلزمه طاقة من إخلاص، تقودهم قودًا إلى تقوى الله تعالى، فعلًا وتركًا. وبهكذا أعلن سعد، وحين استجمعت الأوس عليه، ظانين محاباة، وملتمسين ميلًا، وهكذا القاضي لا يرعوي لصخب إعلامي، ولا يتأثر بهمس الجماهير. (( قد آن لسعد ألَّا تأخذه في الله لومة لائم ))، هذا إعلان عام، في حسن سير عملية التقاضي، فلا يتأثر القاضي بصخب إعلامي، أو هوًى شخصي، أو دعم شعبوي. وإذ حد سعد مسيرة التقاضي في عبارة أوجز من الإيجاز نفسه، وحين كانت وجهته لله وحده، نظرًا مستقيمًا. وإذ كان يمكن لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أن يحكم في بني قريظة، لكنه أراد أن يترك في الأمة مساحة، تعلم من خلالها إكرامه لها، وأنها محط عنايته وثقته معًا. وإذ كان يمكن لنبينا صلى الله عليه وسلم أن يحكم في بني قريظة غير أوسي، لكن ذلك أدعى قبولًا، وهذا فن إداري؛ وانظر قوله تعالى: ﴿ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا ﴾ [المائدة: 12]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ﴾ [إبراهيم: 4]، وإذ وكما قيل: أهل مكة أدرى بشعابها. إن قيادة الأمم توفيق رباني إنشاءً، وفن إداري سببًا، وهذا ما تبدى واضحًا في مسألة التحكيم في بني قريظة، وحين انتدب نبينا صلى الله عليه وسلم سعدًا أوسيًّا، تقديرًا لمشاعر الأوس، وهذا تلمس الراعي لحاجات الرعية، ومشاعرها ورعايتها، وجعلها محطَّ أنظاره، ومن حيث لا تصادم نصًّا، ولا تخالف هديًا. إن انتداب سعد بن معاذ الأوسي، في تحكيم بني قريظة، برهان أن يكون القاضي ملمًّا بأعراف الخصوم، ومن بينهم، وهذا فن في العدالة، سبق به ديننا! إن عوارًا في سير عملية التقاضي، وحين يحكم أبناء الشرق في قضية أبناء الغرب؛ نظرًا في نصوص، وإذ تبدو أمامهم جامدة، وحين كانت منبتة الصلة بعادات الناس الحاكمة، وهم إذ يجهلونها. وهذا موجب النعي عليه بالبطلان المطلق لا النسبي. إن مراعاة عادات الناس الحاكمة، وحين لا تعارض نصًّا أعلى، وهو القرآن أو السنة، هو أدب التقاضي الحميد، وحين استلهمناه من تحكيم سعد بن معاذ؛ أوسيًّا يعرف شعاب الأوس، ويدرك ما يعمل فيهم عمله، أو يترك فيهم أثره، إلفًا اجتماعيًّا، وثيق الصلة بمسألة التقاضي، وحين إنزال النصوص منازلها، وحين إيقاعها مناطًا للحكم؛ كيما تلقى قبولًا لدى الخصوم، وإذ إنها وإن تنزلت من السماء من علٍ، إلا أنها كانت تراعي حاجات الناس، وما ينفعهم فتأتي به، وما يضرهم فتنأى بهم عنه، وهذه مسألة غاية في الأهمية بمكان، وحين كان شرعه تعالى المنزل يحكي وكأنما نزل ومن بينهم، ويكأنه يعرفهم عرفًا، وهذا ما يتسق تمامًا مع ربوبيته ورحمته تعالى للعالمين سبحانه. إنه لا تعارض بين عادات الناس الحاكمة، وحين كانت مدلولات اللغة لديهم ضابطة أمام القاضي، وهو إذ يعمل نص الوحيين في المسألة، وهذا فن قاضويٌّ. إن حكمًا قضائيًّا صدر، وإذ كان حاله أنه منبت الصلة بعادات الناس الحاكمة، فإنما يكون وأمره هكذا معيبًا، يعرضه للبطلان المطلق، ولا يصححه إلا حكم آخر صدر، ومن كونه كان وثيق الصلة بعادات الناس الحاكمة، وإذ عرف مدلولات ألفاظهم وأعرافهم فيها. وإنه ما كانت لتخطئه صلى الله عليه وسلم اختياراته، وحين تربى سعد بن معاذ على مائدة نبوته صلى الله عليه وسلم، وإذ كان صواب حكمه موفورًا، وعدل قضائه مأجورًا، لكنه فن مراعاة عادات القوم، وإذ أكرر أنه لا تصادم بين ذلك ونص كريم، بل لحمة واحدة متآلفة، متضامة، متجانسة، غير متباينة، أو متعارضة، أو متخالفة. ولا ننسى أن سعد بن معاذ رضي الله تعالى عنه قاضي قضية التحكيم في بني قريظة، قد تم حمله على حمار، وقد كانت هنالك إبل، وقد كانت هنالك خيول، وهذا تواضعه رضي الله تعالى عنه، وإذ قد تربى على مائدة التواضع الأولى، مائدة مدرسة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ولسنا نغادر هذا المكان إلا ذكرًا وتذكيرًا بهكذا دور لعبه الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، وحين أصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المؤمنين، وحين كان علمًا على نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيضًا؛ وحين قال: (( إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )). فعن أبي بكرة نفيع بن الحارث: (( اسْتَقْبَلَ – واللَّهِ - الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ مُعَاوِيَةَ بكَتَائِبَ أمْثَالِ الجِبَالِ، فَقالَ عَمْرُو بنُ العَاصِ: إنِّي لَأَرَى كَتَائِبَ لا تُوَلِّي حتَّى تَقْتُلَ أقْرَانَهَا، فَقالَ له مُعَاوِيَةُ وكانَ واللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ: أيْ عَمْرُو، إنْ قَتَلَ هَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، وهَؤُلَاءِ هَؤُلَاءِ، مَن لي بأُمُورِ النَّاسِ؟ مَن لي بنِسَائِهِمْ؟ مَن لي بضَيْعَتِهِمْ؟ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ مِن بَنِي عبدِشَمْسٍ: عَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ سَمُرَةَ، وعَبْدَاللَّهِ بنَ عَامِرِ بنِ كُرَيْزٍ، فَقالَ: اذْهَبَا إلى هذا الرَّجُلِ، فَاعْرِضَا عليه، وقُولَا له: واطْلُبَا إلَيْهِ، فأتَيَاهُ، فَدَخَلَا عليه، فَتَكَلَّمَا وقالَا له، فَطَلَبَا إلَيْهِ، فَقالَ لهما الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ: إنَّا بَنُو عبدِالمُطَّلِبِ قدْ أصَبْنَا مِن هذا المَالِ، وإنَّ هذِه الأُمَّةَ قدْ عَاثَتْ في دِمَائِهَا، قالَا: فإنَّه يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وكَذَا، ويَطْلُبُ إلَيْكَ ويَسْأَلُكَ قالَ: فمَن لي بهذا؟ قالَا: نَحْنُ لكَ به، فَما سَأَلَهُما شيئًا إلَّا قالَا: نَحْنُ لكَ به، فَصَالَحَهُ، فَقالَ الحَسَنُ: ولقَدْ سَمِعْتُ أبَا بَكْرَةَ يقولُ: رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى المِنْبَرِ والحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ إلى جَنْبِهِ، وهو يُقْبِلُ علَى النَّاسِ مَرَّةً وعليه أُخْرَى، ويقولُ: إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ )) [4] . وهذا حدث مشهور، وحين تنازل الحسن بن علي لأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهم أجمعين، وذلك جمعًا للكلمة، ووحدة للصف، وحقنًا للدماء، وحفاظًا على سلامة الجبهة الداخلية للمسلمين، هدفًا منشودًا، وغرضًا محمودًا. ولسنا نغادر مكاننا هذا إلا بيانًا آخر ضافيًا، وحين ذكروا أن فضًّا لنزاع نشب بين طائفتين من المؤمنين، وإنما كان فضه بالعصي والنعال، لا بالسيف ولا بالنبال. وهذا تأويل حسن لقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]. فعن أنس بن مالك: ((قِيلَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو أتَيْتَ عَبْدَاللَّهِ بنَ أُبَيٍّ، فَانْطَلَقَ إلَيْهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَكِبَ حِمَارًا، فَانْطَلَقَ المُسْلِمُونَ يَمْشُونَ معهُ - وهي أرْضٌ سَبِخَةٌ - فَلَمَّا أتَاهُ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: إلَيْكَ عَنِّي، واللَّهِ لقَدْ آذَانِي نَتْنُ حِمَارِكَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ منهمْ: واللَّهِ لَحِمَارُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ، فَغَضِبَ لِعَبْدِاللَّهِ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، فَشَتَمَهُ، فَغَضِبَ لِكُلِّ واحِدٍ منهما أصْحَابُهُ، فَكانَ بيْنَهُما ضَرْبٌ بالجَرِيدِ والأيْدِي والنِّعَالِ، فَبَلَغَنَا أنَّهَا أُنْزِلَتْ: ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ﴾ [الحجرات: 9])) [5] . وشاهده قوله: (( فَكانَ بيْنَهُما ضَرْبٌ بالجَرِيدِ والأيْدِي والنِّعَالِ )). ومع أنهم كانوا يملكون المنجنيق والسيوف والنبال، ولكنها أمة مرحومة، ومن سنيها الأولى، وما نطمح أن يكون في عهودها الآخرة أيضًا. [1] تاريخ الطبري، الطبري، ج: 2/ 248. [2] السيرة النبوية، ابن هشام الحميري، ج: 3/ 720. [3] السيرة النبوية، ابن هشام الحميري، ج: 3/ 720. [4] صحيح البخاري: 2704. [5] صحيح البخاري: 2691.
أسئلة وإجابات على متن أخصر المختصرات لعامر بهجت
محمود ثروت أبو الفضل
18-01-2022
16,155
https://www.alukah.net//culture/0/152272/%d8%a3%d8%b3%d8%a6%d9%84%d8%a9-%d9%88%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%aa%d9%86-%d8%a3%d8%ae%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%87%d8%ac%d8%aa/
أسئلة وإجابات على متن أخصر المختصرات لعامر بهجت صدر حديثًا كتاب "أسئلة وإجابات على متن أخصر المختصرات"، إعداد: د. "عامر بن محمد فداء بهجت"، أجاب عنها الشيخان: "مشعل بن شطّي الشمّري" و"محمد بن عودة الشمّري"، تقديم: "أ.د. "خالد بن علي المشيقح"، ود. "مطلق بن جاسر الجاسر"، نشر: "دار طيبة الخضراء للنشر والتوزيع". وهذا المؤلف عبارة عن أسئلة شاملة وأجوبتها المنهجية لجميع مسائل كتاب "أخصر المختصرات"، كتبها د. "عامر بهجت" وأعدها على كل باب فقهي من أبواب الكتاب، وقام بتنقيح إجابات الشيخين "مشعل الشمري" و"محمد الشمري" وإعدادها للنشر في صورة منسقة مبسطة للتحصيل والتدريس من جانب طلبة العلم؛ ولتكون عونًا لمن أراد مراجعة الكتاب أو مذاكرته. وكتاب "أخصر المختصرات" في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، من المتون المعتمدة عند المتأخرين من الحنابلة. اختصره ابن بلبان من كتابه المسمى بـ (كافي المبتدئ من الطلاب)، وهو على اختصاره إلا أنه أوسع من مُختصَره هذا. وقد بين المؤلف في مقدمة أخصر المختصرات الموجزة مادة كتابه، وسبب تأليفه، واسم مختصره، وسبب تسميته بذلك، فقال: (فَقَدْ سَنَحَ بِخَلَدِي أَنْ أَخْتَصِرَ كِتَابِيَ المُسَمَّى بِـ «كَافِي المُبْتَدِي»، الكَائِنَ فِي فِقْهِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ حَنْبَلٍ الصَّابِرِ لِحُكْمِ المَلِكِ المُبْدِي؛ لِيَقْرُبَ تَنَاوُلُهُ عَلَى المُبْتَدِئِينَ، وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ عَلَى الرَّاغِبِينَ، وَيَقِلَّ حَجْمُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ، وَسَمَّيْتُهُ «أَخْصَرَ المُخْتَصَرَاتِ»؛ لِأَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى أَخْصَرَ مِنْهُ جَامِعٍ لِمَسَائِلِهِ فِي فِقْهِنَا مِنَ المُؤَلَّفَاتِ). وقد اعتنى الحنابلة- بعده- بمختصره هذا عنايةً لا تقل عن عنايتهم بباقي المختصرات المعتمدة في المذهب، فحفظوه وشرحوه واشتغلوا به ودرسوه. ويدل على عنايتهم بأخصر المختصرات: أنهم عدُّوه أول درجة يرتقي بها المبتدئ في المذهب الحنبلي، فيقول ابن بدران عند ذكره مُقترحًا علميًّا يسير عليه المعلم والمتعلم في دراسة مذهب الحنابلة: (فالواجب الديني على المعلم- إذا أراد إقراء المبتدئين- أن يقرئهم أولًا كتابَ أخصر المختصرات أو العمدة للشيخ منصور). ومما يجلي مكانة هذا المختصر عند الفقهاء المتأخرين من الحنابلة أيضًا، ما قاله أهل العلم والفضل منهم عنه: فيقول الأمين المحبي (ت: 1111 هـ)، في خلاصة الأثر: (وله مختصر في مذهبه صغير الحجم، كثير الفائدة). ويقول عبد الرحمن بن عبد الله البعلي (ت: 1192 هـ)، عن أخصر المختصرات: (في غاية الوقع الحميد، وعظم النفع للمريد). وقال الشيخ عثمان بن عبدالله بن جامع النجدي الحنبلي (ت: 1240 هـ): (إني لما وقفت على الكتاب الموسوم بأخصر المختصرات للإمام المحقق محمد البلباني الحنبلي رفع الله له الدرجات، وجدته مع كونه في غاية الاختصار يشتمل على جل المسائل الكبار، ولا يستغني طالب العلم عن حفظه). ونجد أن كتب ابن بلبان كتب لهما القبول بين جمهور الطلاب في المذهب الحنبلي وعلمائه، خاصة كتابيه "كافي المبتدي" و"أخصر المختصرات" حتى أنه: "بهما أقفل باب المتون في المذهب وأسدل الحجاب" كما قال عنهما الشيخ بكر أبو زيد، وقال محب الدين الخطيب: "ومما لا شك فيه أن "كافي المبتدي" أجزل عبارة وأفصح عما تضمنه من الأحكام من مختصره "أخصر المختصرات"، فالاعتماد عليه في تفقيه النشء أيسرُ وأنفع من مختصره". وقد وضع د. "عامر بهجت" أسئلة تحيط بكافة مباحث هذا الكتاب، وتبغي التعريف به وبمنهج مؤلفه "ابن بلبان" في تصنيفه، ومنها أسئلة تتعلق بفحوى الكتاب من أمثلة: 1- من أي كتاب اختُصر هذا الكتاب؟ 2- ما سبب اختصاره؟ 3- ما سبب تسميته بأخصر المختصرات؟ ثم بدأ في تعداد الأسئلة على كل باب فقهي بحيث تشمل الأسئلة كافة اختيارات الباب الفقهية ومباحثه ومسائله، مع اختصار الإجابات وتبسيطها لجمهور الطلاب المبتدئين للإحاطة بأهم أصول الفقه الحنبلي في الأبواب الفقهية، وعلى سبيل المثال من أسئلة باب الطهارة: 1- عدد أقسام المياه إجمالًا. 2- ما ضابط الطهور؟ 3- ذكر المؤلف أنواعًا للطهور من جهة حكمه فما هي؟ وما حكم الطهارة بكل نوع؟ وما الذي يندرج تحته؟ 4- ما حكم الماء الطاهر في التطهير؟ 5- ما الصور التي يكون فيها الماء طاهرًا؟ 6- ما حكم استعمال الماء النجس؟ 7- ما صور تنجس الماء؟ 8- ما حكم الماء الجاري في باب المياه؟ 9- ما الكثير من الماء وما اليسير؟ حتى وصل إلى الباب (123) وهو كتاب الإقرار وهو خاتمة أبواب الكتاب، ومن ضمن أسئلته: 1- ممن يصح الإقرار؟ 2- بم يكون الإقرار؟ 3- ما حكم الإقرار على الغير؟ 4- ما حكم الإقرار في مرض الموت؟ 5- هل المعتبر في حال المقر له أو المعطى من جهة كونه وارثًا أو أجنبيًا - حال الموت أو حال الإقرار أو الإعطاء؟ 6- هل يقبل إقرار المرأة أو الولي بالنكاح؟ 7- هل يقبل إقرار الصبي بالبلوغ؟ 8- ما ألفاظ الإقرار؟ مع تمييزها مما يشبهها لفظًا ويخالفها حكمًا. 9- ما أثر الإنشاء في الإقرار؟ 10- إذا وصل بإقراره ما يغيره أو يبطله فما الحكم مع التمثيل. 11- هل تقبل بينة الدفع بعد إنكار سبب الحق؟ 12- ما حكم إنكار القبض بعد الإقرار به؟ 13- هل يقبل الإقرار بالمال للغير بعد بيعه أو هبته أو عتقه؟ وما أثر هذا الإقرار بَين الصور؟ 14- هل يقبل رجوع المقر؟ 15- كيف يتعامل مع الإقرار بالمجمل؟ وما التفسير المقبول له وما التفسير المرفوض؟ 16- الإقرار بتمر في جراب أو سكين في قراب أو فص في خاتم ونحوها يُلزم المقر بماذا؟ 17- هل الإقرار بالشجر أو بالأمة أو بالبستان إقرار بأرض الشجر وحمل الأمة وأشجار البستان؟ 18- إذا ادعى أحدهما صحة العقد والآخر فسادهُ فالقول لمن؟ ود. "عامر بهجت" أستاذ مساعد بجامعة طيبة بالمملكة العربية السعودية، حاصل على شهادة الماجستير في الفقه المقارن بتقدير ممتاز من قسم الفقه المقارن- المعهد العالي للقضاء- جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، ودرجة الدكتوراه من قسم الفقه بكلية الشريعة بالجامعة الإسلامية بالمدينة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى. له من المؤلفات: • الأحكام الفقهية المتعلقة بالتسجيلات الصوتية. • حكم الإيقاعات المشابهة للموسيقى- أول بحث فقهي يُكتب في هذه النازلة. • نازلة المسعى الجديد، دراسة وتلخيص. • تحريك اليد في خطبة الجمعة دراسة فقهية. • فقه خطبة الجمعة [مذكرة تدريبية- عرض تقديمي]. • فقه العبادات [حقيبة تدريبية – عرض تقديمي]، وهي الحقيبة التدريبية المعتمدة في دورات المعهد العالي للأئمة والخطباء. • الاختلاط بين الجنسين في ضوء الكتاب والسنة من خلال أصول الفقه ومقاصد الشريعة. • مسألة محاذاة المواقيت معناها الفقهي، وأثرها على مسألة الإحرام من جدة، التنظير الفقهي والتنزيل على الخرائط. • الطريق إلى علم أصول الفقه [كتاب منهجي يشمل جميع أبواب الأصول بطريقة التشجير مع تمارين تطبيقية في كل باب]. • مهارات اختيار الموضوع وإعداد خطة البحث في الفقه الإسلامي وفقه القضايا المعاصرة [حقيبة تدريبية]. • تنبيه الفقيه وتفقيه النبيه [كتاب فقهي يقدّم جميع الأبواب الفقهية في صور وجداول وخرائط ذهنية]. • الأخطاء المنهجية في دراسة القضايا الفقهية المعاصرة [بحث محكّم مقدّم لمؤتمر "نحو منهج علمي أصيل في دراسة القضايا الفقهية المعاصرة"]. • مقررات الفقه في الجامعات السعودية بين الواقع والمأمول [بحث محكّم مقدّم لمؤتمر "تدريس فقه القضايا المعاصرة في الجامعات السعودية" بجامعة الإمام]. • تعامل الأئمة والخطباء مع فقه النوازل [بحث مقدّم إلى الملتقى العلمي الأول للأئمة والخطباء]. • معايير تحديد المسائل المستحدثة [ورقة عمل مقدّمة لوزارة الأوقاف الكويتية لورشة عمل "نحو منهجية علمية أصيلة للمسائل المستحدثة" المنعقدة بالكويت للتأسيس العلمي لمشروع الموسوعة الفقهية الكويتية للمسائل المستحدثة]. • مهارات تدريس الفقه وأصوله [حقيبة تدريبية لمدرسي الثقافة الإسلامية بوزارة الدفاع]. • أحكام صلاة المرأة في الجماعة [ضمن بحث "التخلف عن صلاة الجماعة" المقدّم لكرسي الأمير نايف للحسبة]. • الطريق إلى الفقيه المنشود، ورقة عمل لمنهجية إعداد الفقيه المعاصر. • أحكام العشرة الزوجية. • تحقيق مخطوط "مسائل حرب الكرماني عن الإمامين أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه". • التدريبات على مسائل الورقات. • مدى انطباق وصف الخمر على الكحول والمنتجات الكحولية، والأحكام المترتبة على ذلك. • التمارين الأصولية على مفتاح الوصول للتلمساني. • التقاسيم الفقهية على زاد المستقنع.
علماء الإسلام أمام فتنة العلمانية في العصر الحديث
روضة محمد شويب
17-01-2022
2,673
https://www.alukah.net//culture/0/152248/%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%85-%d9%81%d8%aa%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab/
علماء الإسلام أمام فتنة العلمانية في العصر الحديث الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض، وجعل الظلمات والنور، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ؛ أما بعد: فإن مقام علماء الشريعة في الإسلام عظيم؛ فهم ورثة الأنبياء، ومصابيح الدجى، وسراج العباد، وقوام الأمة، وينابيع الحكمة، فهم في الأرض كالنجوم في السماء يُهتدَى بها في ظلمات البر والبحر، بهم يُعرف الحلال من الحرام، والصحيح من الفاسد، والحق من الباطل، وبهم يُذاد عن السنة، ويُقضى على الفتنة والبدعة، فهم أمناء الله في تبليغ دينه، وإقامة العدل بين عباده [1] . درج علماء الإسلام على مر العصور على أنهم جسد واحد؛ لأنهم علية الأمة الواحدة، والعلم رحم بينهم، فهم متحابون متآلفون، متعاونون على البر والتقوى، وحدُّهم الإسلام، وفرض نصرة دين ربهم، ومسؤولية إبلاغه للناس، وما أوجب الله عليهم نحو دينهم وأمتهم، يعذر بعضهم بعضًا في الخلافات الاجتهادية؛ لذا فعدوهم يحسب لترابطهم، ووحدة كلمتهم ألف حساب، ثم إن العلماء عندهم من الوعي التام أن عزتهم وتمكنهم من إبلاغ رسالة ربهم، ومصلحة الأمة في الدنيا والآخرة إنما تكمن في وحدتهم وعدم تفرقهم، ونصرة بعضهم لبعض، إذا ضربوا أروع الأمثلة في هذا التلاحم على مر العصور، إلا أنه قد يحصل – أحيانًا - في حقبة من الزمن، أو رقعة من الأوطان شيء من التفكك والتخلي عن النصرة، وتفرق الكلمة، لأسباب ليس هذا موضع ذكرها، فينتج تجاسر على بعضهم من بعض ضعاف الإيمان، فتحصل المحنة والشدة، نتيجة قيام بعضهم بفريضة الوقت وخذلان إخوانهم لهم، فبتفرقهم وعدم نصرة بعضهم لبعض يفترسهم عدوهم واحدًا تلو الآخر؛ وقد قيل: أُكِلت يوم أُكل الثور الأبيض، والله المستعان [2] . إن أمة لا يحكمها شرع الله تعالى أمة ميتة، ولن ينفخ فيها الروح من جديد إلا أن تعود لمصدر الحياة الوحيد، ألا وهو الاستجابة لله العزيز الحميد، ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهديه التليد: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، فشرع الله يحيينا، وشرع البشر سم قاتل مميت، شرع البشر مزرعة للظلم وحمى للظالمين، شرع البشر ساحة تتفاقم فيها المعضلات، وتتوالد فيها المآسي، شرع البشر شرع قاصر بقصور البشر، جاهل بجهل البشر، شرع محكوم بالهوى والنفعية والجهل، ولا يستطيع الإنسان أن ينفك عما جُبل عليه من هذه النقائص؛ إذ هي من نسيج مكوناته وصنعته، وملاط بنيته وطلاء واجهته، وهذا ما يجعل شرع الإنسان يحمل كل النقائص الطابعة لفطرته، ولا يُرجى الكمال من ناقص، وفاقد الشيء لا يعطيه [3] . ولا يكاد يسلم من الأذى والمحنة إلا من شاء الله، فما من قائم بأمر الله متجشمًا الصعاب إلا ناله من المحن؛ ولذا قال لقمان لابنه كما ذكر الله ذلك عنه بقوله: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17] [4] . الصراع الدائر رحاه اليوم في العالم العربي، وفي بعض بقاع العالم الكبير، ليس صراعًا سياسيًّا يمكن اختزاله في مواجهة، طرفاها هما الإسلاميون والعلمانيون، بل هو صراع أشمل من ذلك وأخطر، إنه صراع بين ما يمثله الدين الإسلامي اليوم، وما تمثله العلمانية اليوم [5] . إن هذه العالمانية التي ترسم معالم واقعنا، في عظيم أموره ودقيقها - تقف اليوم كأعظم تحدٍّ للإسلام بمنظومته الفكرية المجردة والعملية الحية، وهي تتجدد دائمًا في شكلها وخطابها الدعائي؛ ليعلم أنصارها أن حال الاصطراع مع الإسلام لا يمكن أن تنتهي إلى مصالحة تامة مع من يحملون فهمًا شاملًا للرسالة النبوية [6] . في ظل أزمة الخطاب الإسلامي وثورة النشاط العالماني، نحتاج أن نعيد قراءة العالمانية ليتعرف حقيقتها كتصور مبدئي، ولنكون على علم بلازم هذا التصور ميريًّا، وحقيقة هذه الفكرة في ميزان الوحي، وهي خطوات نشق بها طريقا إلى الوعي بحقيقة إيماننا بالله ربًّا، وبمحمد نبيًّا في زمن تظل فيه لأول مرة منذ البعثة النبوية شريعة الإسلام عن الحكم في أمة التوحيد [7] . التصور السائد بين بعض مؤرخي العلمانية أن الأفكار العلمانية ظهرت في أوروبا المسيحية؛ بسبب طبيعة المسيحية مصطلح العلمانية العربي، فالتصور السائد بين بعض مؤرخي العلمانية أن الأفكار العلمانية ظهرت في أوربا المسيحية؛ بسبب طبيعة المسيحية باعتبارها عقيدة، تفصل الدين عن الدولة: (أدوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله) [متى: ۲۱، ۲۲]، وبسبب فساد الكنيسة وسطوتها، فالعلمانية من ثم ظاهرة مسيحية وحسب، مرتبطة ارتباطًا كاملًا بالغرب الذي لا يزال بعضهم يصفه بأنه مسيحي، لا علاقة للإسلام والمسلمين بها، وأن ما حدث هو أن بعض المفكرين العرب، وخصوصًا مسيحيي الشام، "قام بنقل الأفكار العلمانية الغربية وأنهم تسببوا بذلك في نشر العلمانية في بلادنا، بل يذهب بعضهم إلى أن عملية نقل وتطبيق الأفكار العلمانية تتم من خلال مخطط محکم"، أو ربما مؤامرة عالمية يقال لها أحيانًا: صليبية، أو یهودية، أو غربية [8] . وتقدم دائرة المعارف البريطانية تعريف العلمانية بأنها: حركة اجتماعية تتجه نحو الاهتمام بالشؤون الدنيوية بدلًا من الاهتمام بالشؤون الأخروية، وهي تعتبر جزءًا من النزعة الإنسانية التي سادت منذ عصر النهضة، الداعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به، بدلًا من إفراط الاهتمام بالعزوف عن شؤون الحياة والتأمل في الله واليوم الآخر، وقد كانت الإنجازات الثقافية البشرية المختلفة في عصر النهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلًا من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاه في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية [9] . فمعنى العلمانية اليوم في بلدان العرب والمسلمين هي عدم الاحتكام لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء، وتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف التي شهد بصلاحيتها أعداء الإسلام أنفسهم، وكل يوم والإسلام ومنهجه وآدابه يثبت للعالم أجمع بأنه الدستور الأمثل للحياة الإنسانية بلا منازع؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85] [10] . رأى أوليفيه روا "أن هناك مقتضى منهجيًّا يجعل من اللازم النظر إلى السياق الإسلامي بأدوات مختلفة؛ إذ إن المسالة في العالم المسلم لم تكن يومًا مسألة موقع الكنيسة، بل موقع الشريعة" [11] . ما نسميه "العولمة" ليس في حقيقته سوی "الغربنة"؛ إذ لم نشهد في هذا العالم عولمة أي قيم غير غربية، ولا معارف غير غربية، ولا ممارسات غير غربية، فأين العولمة إذًا؟ لأجل ذلك كان الأدق أن يسمى ما نشهده "الغربنة"؛ أي: جعل الإنسان الغربي نموذجًا لبقية العالم في كل مجالاته، ولأن الإنسان الغربي أصبح معولمًا، فإن الأسئلة المعروضة على الوعي العالمي اليوم هي أسئلة الإنسان الغربي في الحقيقة، والإجابات المقدمة هي إجابات الإنسان الغربي، بل حتى على مستوى المشاعر أصبح العالم مطالبًا بأن يفصِّل مشاعره على مقاس مشاعر الإنسان الغربي، فإذا أثار شيء حزنَ الإنسان الغربي وجب أن يثير حزنه لبقية العالم، وإلا كانت هذه البقية غير إنسانية، وإذا كان ثمة ما يفرح الإنسان الغربي فالواجب أن يفرحنا هذا الشيء ونحتفل به، وإلا فنحن متخلفون، كما نرى ذلك في الأعياد الغربية التي أصبح العالم فجأة يحتفل بها، وإن لم يدرك ما سبب كونها عيدًا، كل ذلك انعکاس مباشر لعولمة الإنسان الغربي قيمًا ومشاعر وممارسات [12] . فالإسلام دين يراعي المصالح والمبادئ والأخلاق، ويتحرك في الشأن السياسي تحركًا عقلانيًّا بحسب توازنات القوى بدقة ظاهرة، وهذا بحد ذاته يوجب علينا مكافحة هذا الوهم الجاثم في عقول العلمانيين، من أنه لا أحد يفكر بعقلانية وإنسانية إلا العلماني، إذًا لا يمكن للعلماني أن يدعي احتكار العقلانية ولا حتى أن يدعي تلازمها معها، ليس فقط لأن الهيكل الفكري للعلمانية غير متقن للبناء، بل لأن السلطة اللادينية تفكيكية؛ تفكك العلاقة بين ما هو ديني، وما هو سياسي، لكنها تسكت عما وراء ذلك، فيتبعون أيديولوجيات مختلفة [13] . يطالب العلمانيين بحرية التهجم على الدين، وفصل الدين عن الدولة، ورفض تطبيق الشريعة، وحماية الروايات الجنسية بحجة الإبداع الأدبي، وتقليد الغرب في بعض عقائده وعاداته واحتفالاته... أدت إلى فتن عقائدية واجتماعية وإلى إشغال الشعوب بقضايا محسومة، ومن المعروف أن الاختلاف العقائدي هو أكثر الأنواع تدميرًا للوحدة الشعبية، وأكثرها زرعًا للكراهية والتنافر، وتم استغلال هذه الاختلافات مِنْ بعض مَنْ فسدت ضمائرهم وأخلاقهم، فزادوا في انحرافاتهم واعتداءاتهم على مصالح الوطن والأمة [14] . العلمانيون العرب الحقيقيون قلة قليلة وضعيفة جدًّا، ولكنهم نجحوا في الهدم وإثارة الشبهات، والتشويش على أبصار وعقول فئات أخرى نتيجة جهل الشعوب، وضعف وعيهم واتصالاتهم، فإذا كنا كمسلمين عرفنا بفضل الله سبحانه وتعالى الحق من الباطل، والهداية من الضلال في القضايا العقائدية والتشريعية، فإن العلمانيين يريدون أن نقف ونفكر ونتساءل: أين الحق؟ وأين الباطل؟ وما هي الحرية؟ وما هو العدل؟ وهذا بحد ذاته فتنة ناهيك عن إضاعة الجهد والوقت [15] . فقد جمعت العلمانية بين وصفين؛ وهما: الاجتماع على غير الإسلام، والانتساب إلى غير الشرع، أو بمعنى آخر جمعت العلمانية بين: اتخاذ غير الله وليًّا: بالتجمع والموالاة على غير الإسلام. ابتغاء غير الله حكمًا: بقبول شرع غير شرع الله، والانتساب إليه، وهذا القدر من الوضوح - من وضع العلمانية على ميزان الشرع - كافٍ لرفض العلمانية كشريعة غير شريعة الله، ورابطة ولاء غير رابطة وهوية الإسلام [16] . ما الأهداف والخطط الدعوية للقضاء على فتنة العلمانية واسترداد الواقع الشرعي؟ دور العلماء الربانيين العاملين الذين يحملون همَّ الدين، هم أمل هذه الأمة فدورهم هو سد الثغور، والتوغل في ساحة الجهاد بالعلم والعمل، وتوعية الناس والأخذ بأيديهم. أولًا: تعزيز مركزية الله في قلوب الناس، وتعظيم شرعه في قلوب المسلمين، والتذكير بأن الله عز وجل اصطفى للناس جميعًا دينًا كاملًا تامًّا، وأتم به نعمته على عباده، وجعله الدين الخاتم، وجعل رسالته الرسالة الخاتمة [17] . ثانيًا: التذكير والتكرار أن الله اصطفى لهم القرآن كتابًا هو آية أنه كتاب الله لا كتاب من بشر، بما فيه من وجوه إعجاز تجعل أولي الألباب يؤمنون بأنه تنزيل العزيز الحميد، وجعله هو الكتاب الرباني الخاتم [18] . ثالثًا: التذكير أن الله اصطفى من الناس لتلقي الوحي بهذا الدين الخاتم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من عرب قريش، الذين هم من سلالة إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، واصطفى الله عز وجل لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم جمهورًا من الصادقين المجاهدين، الذين آمنوا واتبعوه بعضهم من قومه، وبعضهم من غير قومه، فكانوا أصحابه وأنصاره فحملوا رسالته عاملين بها، داعين إليها، وناشرين لها، ومجاهدين في سبيل الله حق جهاده، وحافظين لكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم [19] . رابعًا: إنه لا يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فلا بد من الاستنان برسول الله في: إحياء الهوية الإسلامية؛ بتجريدها وقيامها على التوحيد الخالص، ومنع الافتراق الديني والدنيوي، وذلك بإحياء الهوية الإسلامية في قلوب أبناء هذه الأمة، بتقوية الشعور الديني، والانتماء للإسلام، واستخراج هذه الهوية من اللاشعور [20] . خامسًا: المحافظة على قوة الشعور الديني مع قوة التأصيل الشرعي، وقوة البصيرة الدينية، لرفض العلمانية اللادينية، والقومية، والتبعية لمعسكرات الشرك الدولية، وأي التباسات أخرى تطرأ على مفهوم الإسلام [21] . سادسًا: القضاء على ظاهرة الشرك في الحكـم والـولاء والنسـك، وإخراج من أراد الله له النجاة من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، لتتحقق له النجاة الأخروية من الخلود في النار؛ ((سُئل رسول الله: ما الموجبتان؟ فقال: من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)) [22] . سابعًا: تطهير الأمة من عبادة القبور ومظاهر الشرك والبدع. ثامنًا: الهوية الإسلامية التي تميز المسلم هي الانتماء إلى الله ورسوله، وإلى دين الإسلام، وعقيدة التوحيد، فبها يعتز المسلم، وفيها يوالي، وفيها يعادي ويحب ويكره، وهي منهج المسلم الذي يتابع فيه سنن من تقدمه من النبيين والصديقين، والشهداء والصالحين، ويسأل الله الهداية والثبات عليه في دعائه في الصلاة؛ حيث يقول: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، وأهمية هذه الهوية في حياة المسلم مثل أهمية الدين في حياته، وتنكر المسلم لها خطير على معتقده ودينه [23] . وهنا لا بد من التنبه إلى أن الشريعة تراعي في كل أحكامها واقع المكلفين الخاص والعام، ولذلك جاءت قواعدها الكلية والجزئية تتلاءم مع هذا المبدأ، فمن هذه القواعد أن الاستطاعة هي مناط التكليف، وأن الضرر يزال، وأن المشقة تجلب التيسير، وأن العادة محكمة، وأن الأمور بمقاصدها، ومن يدرك كنه هذه القواعد وأمثالها من قواعد الشريعة يعلم يقينًا مدى ملاءمة الشريعة لمعايش الناس، مهما اختلف واقعهم، وتنوعت مقاصدهم، وتعددت مشاربهم [24] . ختامًا: قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43]، وقال الله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 12]؛ قال ابن كثير في تفسير الآية: "ستغلبون في الدنيا وتحشرون إلى جهنم يوم القيامة"، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق بعدة بشائر؛ فقال: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس))؛ [رواه مسلم]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل به الكفر))؛ [رواه أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عدي بن حاتم، وصححه الشيخ الألباني] [25] . والله أسأل أن يهدي الضالين، ويرد الأمة إليه ردًّا جميلًا، وينصر المجاهدين في شرق الأرض وغربها، آمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا. والله أعلم. [1] الممتحنون من علماء الإسلام، سليمان العيثم، ص: ٢. [2] الممتحنون من علماء الإسلام، سليمان العيثم، ص: 20. [3] العلمانية وخطرها على الأمة، مداد، بتصرف. [4] الممتحنون من علماء الإسلام، سليمان العيثم، ص: ١٣. [5] عربي بوست بتصرف. [6] العالمانية طاعون العصر، د. سامي عامري، ص: ٢٦، بتصرف. [7] العالمانية طاعون العصر، د. سامي عامري، ص: ٢٦، بتصرف. [8] د. عبدالوهاب المسيري، ص: ١٩. [9] ويكيبيديا، علمانية فصل الدين عن الدولة. [10] من العلمانية إلى الخالقية، ص: ١٩٧. [11] نفس المصدر. [12] من العلمانية إلى الخالقية، ص: 178. [13] نفس المصدر. [14] نفس المصدر. [15] نفس المصدر. [16] التبيان كيف انحرفت الأمة؟ وكيف تعود؟ [17] فقه الدعوة إلى الله، ص: ٢٤، بتصرف. [18] نفس المصدر. [19] نفس المصدر. [20] من مقال: تبيان كيف انحرفت الأمة؟ وكيف تعود؟ [21] نفس المصدر بتصرف. [22] نفس المصدر بتصرف. [23] الفتوى: 102940 هوية المسلم. [24] الفتوى: 152085. [25] الفتوى: 32949، البشاير الحتمية لنصر الدين.
أستاذي ومعلمي العلامة المحدث الشيخ شعيب الأرنؤوط
عادل مرشد
17-01-2022
4,899
https://www.alukah.net//culture/0/152247/%d8%a3%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d8%b0%d9%8a-%d9%88%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b4%d8%b9%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d9%86%d8%a4%d9%88%d8%b7/
أستاذي ومعلمي العلامة المحدِّث الشيخ شعيب الأرنؤوط الحمد لله قيُّوم السماوات والأرض، الذي خلقَ الموت والحياة ليبلوَنا أينا أحسن عملًا، وأشهد أن لا إله إلا هو، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، ورضي الله على من سار على هديه وسَنَنه إلى يوم الدين. أما بعد: فإنْ أنسَ لا أنسَ يومَ التقيت أستاذي وسيِّدي العلامة المحدِّث المتفنِّن الشيخ شعيب الأرنؤوط رحمه الله رحمة واسعة، وكان ذلك في شهر تموز (يوليو) من سنة 1983م، وعمرُه إذ ذاك يقارب عمري الآن وأنا أكتب هذه الكلمات الحزينة في وداعه، فدخلتُ عليه حينئذٍ في مكتبه الذي كان في منطقة الشميساني في عمَّان، وقد أتممتُ الثامنة عشرة من عمري، وكنت قد أنهيت للتوِّ الدراسة الثانوية، فاستقبلني وصاحبي الذي عرَّفني به وأدخلني عليه -جزاه الله خيرًا - استقبالًا حسنًا وَدودًا كعادته رحمه الله في استقبال أضيافه، ثم بادرَني بالسؤال عن مسألة في أسلوب التعجُّب فأعربتها له، فأعجبَه ذلك مني، فقد كان رحمه الله محبًّا للعربية وآدابها، محتفيًا بها، فقَبِلني منذ ذلك اليوم تلميذًا عنده أعمل تحت يده في هذا الفنِّ الشريف، في خدمة كتب تراثنا العظيم وتحقيقها وبخاصَّة كتب السنَّة النبوية، فشرفتُ بصحبته وخدمته، ومن ذلك الحين إلى أيام طَعْنه في السنِّ، ثم وفاته رحمه الله، وأنا ملازمٌ له، قريب منه، على اتصالٍ به، لم أنقطع عنه حضورًا ووِجدانًا، لما له من الفضل والمنَّة عليَّ، فما أعرف أحدًا من البشر - بعد والدتي رحمها الله إذ ربَّتني وإخوتي أيتامًا - أمنَّ عليَّ منه، إذ حاطَني برعايته وكَنَفه ولطفه، فكان لي أبًا وأستاذًا ومُرشدًا، ونِعمَ ما كان!. لقد كان أستاذي الشيخ شعيب رحمه الله على مرِّ هذه العقود التي صحبته فيها مثالًا للعالم المجدِّ المجتهد الذي لا يفتُر عن مطالعة كتب أهل العلم والاستزادة من بركاتها وخيراتها، مع الصبر والتجلُّد في العمل على تحقيق تراثنا العظيم، فقد كان يعمل الساعات الطِّوال بجدٍّ وإتقان، وكم مرَّت عليه من أيام في كهولته يبقى يعمل فيها إلى ساعاتِ المساء في تحقيق صفَحات كتابٍ أو التدقيق في مسألةٍ ما، حتى لكأنه ينسى نفسَه ويُطلق لها العِنانَ في تقليب صفَحات الكتب والمراجع العلمية؛ ليستنبطَ منها الدُّررَ والفوائد ويزيِّنَ بها تحقيقاته. لقد كان أستاذي الشيخ شعيب رحمه الله - فيما رأيتُ وشاهدتُ - وسطيًّا في منهجه العلمي والفكري، لا ينحو إلى التشدُّد ولا ينحدر إلى التفريط، محبًّا لأهل العلم بأجمعهم على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، معظِّمًا للدِّين وأهله، ممقتًا للانحراف وحزبه، تشهد له تعليقاته وتحقيقاته على وسطيته واحتفائه بأهل العلم على اختلاف مناهجهم ومدارسهم المذهبية. لقد استطاع هذا الأستاذُ الكبير أن يُنشئَ على هذا المنهج العلمي الوسطيِّ المحكَم، ويبني عليه في عالم تحقيق التراث والعناية بكتب السنَّة، مدرسةً متميزةً خرَّجت عددًا كبيرًا من الأساتذة المحقِّقين الأكفياء، وهو رحمه الله بحقٍّ قد تفرَّد بهذا، وكان مَن قبله من أهل العلم رحمهم الله جميعًا ممن خاض غِمار هذه الصنعة - أعني صنعةَ التحقيق - يعملون بمفردهم، مُنجزينَ بعض الكتب بآحادهم دون أن تتعدَّى مهاراتهم وقدُراتهم في صنعة التحقيق إلى غيرهم، بخلاف أستاذنا الشيخ رحمه الله، فقد كان حريصًا على نقل معارفه وقدُراته إلى مَن حوله من الأساتذة، فلم يبخل عليهم من فيوض علمه ومعرفته وحُنكته في هذا الفنِّ. وكانت بواكيرُ عمله المبارك هذا في مكتب التحقيق في دمشق الذي أنشأه الأستاذ زهير الشاويش رحمه الله في المكتب الإسلامي في أواخر الخمسينات من القرن الماضي، فمكثَ فيه الشيخ ما يزيد على عشرين عامًا، ثم انتقل إلى العمل في مؤسسة الرسالة في أواخر السبعينات، وفي هذه المؤسسة العامرة أينعت وأزهرت أفكار الشيخ وقدراته، وتم إنشاء مكتب التحقيق فيها، فجمع حوله ثُلَّة من الأساتذة الأفاضل، قام على تدريبهم والأخذ بأيديهم في دروب هذا الفنِّ الشريف، فتفتقت هذه المدرسةُ بإشرافه ورعايته عن عشَرات الكتب المحقَّقة المعتَنى بها أتمَّ عناية، وما ذلك إلا بفضل الله سبحانه وتعالى إذ هيَّأ لهذا العمل الجليل أستاذنا الشيخ شعيبًا وصرفه بكلِّيته إليه. ولا يفوتني هنا أن أنوِّهَ بفضل صاحب مؤسسة الرسالة الأستاذ الفاضل رضوان دعبول حفظه الله في هذا الجهد المبارك، فقد حبَّب الله إلى قلبه خدمةَ التراث الإسلامي، فقام بهذه المهمَّة أتم قيام، وسخَّر جهده وماله في سبيل إنجاز تحقيق ونشر كتب السنَّة على الوجه المَرضِيِّ من حيثُ الإتقان والتنوُّق بإخراجها، ومن بعده حمل هذه الرايةَ وأخذ على عاتقه إتمامَ المهمَّة ابنُه الأريب الأستاذ محمد إقبال، فكانا بحقٍّ خيرَ معين لأستاذنا الشيخ شعيب رحمه الله، ومن كان يعمل معه في مكتب التحقيق، في إنجاز هذه المشاريع الحيَّة الباقية بإذن الله من الموسوعات والكتب الإسلامية التي لا يكاد طالبُ علم أو معرفة إلا أفادَ منها ونهلَ من مَعينها، فحفظهما الله وجزاهما خيرَ الجزاء. أعود فأقول: لقد ترك أستاذُنا الشيخ شعيب رحمه الله وراءه ذخيرةً جليلة من الكتب العلمية المحققة التي كان يَفخَر بها ويفاخر، وحُقَّ له ذلك، تحفل بها مكتباتُ العالم الإسلامي على امتداده شرقًا وغربًا، شمالًا وجنوبًا، فأسأل الله سبحانه أن يجدَ شيخُنا أجرها أمامه عند المليك المقتدر في صحائف أعماله، وموازين حسناته، وأن يُعينَنا من بعده على الثبات على خُطاه ومنهاجه. كما أنه رحمه الله ترك خلفه جمًّا غفيرًا من التلاميذ والمريدين، من أهل العلم والفضل، تتزيَّنُ بهم المجالس، وتتحلَّى بهم صحائفُ الكتب، فهم حسنةٌ من حسناته، وطاقة في حدائق ريحانه، كتب الله له أجورهم، وجمعهم وإيَّاه في مستقرِّ رحمته في أعلى جنَّات الخُلد، إخوانًا على سُررٍ متقابلين، آمين. إني على يقين أنَّ هذه الكلماتِ التي خطَّها بَناني الكليلُ الحزين، لن تفيَ هذا الشيخَ الوالد حقَّه، ولا بعضَ حقِّه، لكنَّ عزائي فيه أنَّ الله تعالى سيَجزيَه أحسنَ الجزاء بكرمه وفضله، على ما قام به من خدمة سنَّة نبيِّه الأمين، ونشر لوائها في العالمين، أقول هذا ولا أزكِّيه عليه سبحانه، فهو حسيبُه وحسيبُنا أجمعين، ولا نقول إلا ما يُرضي ربَّنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. الشيخ المحدِّث شعيب الأرنؤوط رحمه الله تعالى وعن يساره تلميذه كاتب المقالة الشيخ عادل مرشد وعن يمينه د. أيمن العاني
موجز تاريخ قادة الفتح الإسلامي للمغرب
عمر محمود عبدالحليم
17-01-2022
8,042
https://www.alukah.net//culture/0/152237/%d9%85%d9%88%d8%ac%d8%b2-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d9%82%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8/
موجز تاريخ قادة الفتح الإسلامي للمغرب تـوطـئة: الحمد لله رب العالمين حمدًا كثيرًا طيبًا، والصلاة على من أوتي جوامع الكلم، خير من نطق بالضاد، أفصح العرب لغة، وأعظمهم بيانًا وحجة، سيدنا محمد وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فهذه بعض صفحات بحثية أعرض فيها موجزًا لقادة الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، معرجًا على إحدى فترات المسلمين الزاهية، وسعيهم الحثيث لنشر الإسلام وتبليغ رسالة ربهم وإقامة دولة التوحيد. فقد أنفذ النبي صلى الله عليه وسلم جيش أسامة بن زيد (في صفر 11هـ) إلى الشام لقتال الروم، وكان قبل قد أرسل الرسل إلى الممالك والدول المجاورة، وغزا العرب، والغساسنة في مؤتة، ثم استكمل خلفاؤه الراشدون مسيره فسيروا الجيوش؛ وكان أولهم بَعْثَ أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ت 13هـ) جيش أسامة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ت 23هـ) فغزا الفرس في العراق وإيران، والروم في الشام ومصر، ثم كان عثمان رضي الله عنه (ت 35هـ) فاستكمل الفتح واتسعت الدولة وجهز الأسطول، وكان من بين الغزوات في عهده فتح إفريقية، ثم استكمل فتح المغرب في عهد معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه (ت 60هـ) واستتب أمر الدولة ودخل البربر في دين الله أفواجًا. وقد اعتمدتُ في جل مادتي على مصدرين مهمين؛ الأول منهما كان مصدر الترجمة للفاتحين وهو "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لعز الدين بن الأثير (ت 630هـ)، وأما الثاني فهو مصدري لرواية المعارك والأحداث وهو "الإصابة فيمن غزا المغرب من الصحابة" لمحمد أبو راس المعسكري (ت 1238هـ)، وقد ترجم في كتابه لـ53 صحابيًّا ممن غزا المغرب، فضلًا عن اعتمادي على بعض المراجع لمؤرخين معاصرين على رأسهم الدكتور حسين مؤنس وكتابه "فتح العرب للمغرب". فقد جاء الصحابة ناشرين الإسلام، غازين بلاد المغرب على ثلاث مراحل: 1- مقدمات الفتح: وكانت غزوات وسرايا يقودها والي مصر الصحابي عمرو بن العاص رضي الله عنه، غير أن المسلمين لم يستوطنوا إفريقية والمغرب في هذه المرحلة. 2- محاولات الفتح: بجيش يقوده عبدالله بن سعد بن أبي سرح سنة 27هـ، ومعه عبدالله بن الزبير بن العوام، ثم جيش معاوية بن حديج السكوني سنة 34هـ. 3- الفتح واستتباب الأمر: وكان على يدي عقبة بن نافع الفهري سنة 50هـ، ثم سنة 63هـ. والجدير بالذكر أن الفاتحين رضي الله عنهم لم يكتفوا بمجرد فتح البلاد وملك أمرها وضمها لدولتهم الإسلامية، وإنما وطَّنوا واستوطنوا حتى دُفن بها من أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم: أبو زمعة البلوي، وعقبة بن نافع، كما دفنت بالقيروان فاطمة بن عبدالله بن عمر بن الخطاب، وغيرهم مما لا يتسع المقام لذكره. وختامًا أسأل المولى تعالى أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجه الكريم. عمر محمود / (رمضان 1442هـ) المرحلة الأولى/ مقدمات الفتح عمرو بن العاص: أولًا: ترجمته [1] : هو عمرو بن العاص بن وائل بن سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي، يكنى: أبا عبدالله، وأمه النابغة بنت حرملة من بني عنزة، وأخوه لأمه عمرو بن أثاثة العدوي، وعقبة بن نافع بن عبد قيس الفهري. وهو الذي أرسلته قريش إلى النجاشي (ملك الحبشة) ليرسل إليهم من عنده من المسلمين جعفر بن أبي طالب ومن معه، فلم يفعل، وقال له: يا عمرو، وكيف يعزب عنك أمر ابن عمك؟ فوالله إنه لرسول الله حقًّا! قال: أنت تقول ذلك؟! قال: إي والله، فأطعني، فخرج من عنده مهاجرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم عام خيبر ... وبايع على أن يغفر له ما كان قبله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإسلام والهجرة يجب – يمحو - ما قبله)). ثم بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرًا على سرية إلى ذات السلاسل إلى أخوال أبيه العاص بن وائل يدعوهم إلى الإسلام، ويستنفرهم إلى الجهاد، فسار في ذلك الجيش وهم ثلاثمائة، فلما دخل بلادهم استمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمده، واستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم (جعله عاملًا/ واليًا) على عمان، فلم يزل عليها إلى أن توفي رسول الله. وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص))، وقال طلحة بن عبيدالله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن عمرو بن العاص من صالحي قريش))، وكان من شجعان العرب وأبطالهم ودُهاتهم. ثم سيره أبو بكر أميرًا إلى الشام، وولي فلسطين لعمر بن الخطاب، ثم سيره عمر في جيش إلى مصر فافتتحها، ولم يزل واليًا عليها إلى أن مات عمر، فأمره عليها عثمان أربع سنين ثم عزله عنها، ثم سيره معاوية إلى مصر فاستنقذها من يد محمد بن أبي بكر - عامل علي بن أبي طالب عليها - إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين. ثانيًا: مشاركته في الفتح [2] : أول ما فتح المسلمون زمن عمر بن الخطاب لما غزا عمرو بن العاص المغرب الأدنى: بلاد فزان وودان والواحات، ثم بعث عقبة بن نافع سنة ثلاث وعشرين إلى برقة وزويلة وما جاورها من البلاد فصارت تحت ذمة الإسلام. لما تمهد لعمر بن العاص إقليم مصر غزا طرابلس فافتتحها، وافتتح جبال نفوسة - وكانوا على دين النصرانية - ثم بعث في إقامته على طرابلس بسر بن أرطاة ففتحة ودان، ثم رجع عمرو بجيشه إلى مصر ولم يجاوز طرابلس ... "فمات بمصر ليلة عيد الفطر ودفن بالمقطم، وجامعه بمصر أشهر من أن يذكر، ولأهل مصر عنه نحو عشرة أحاديث". المرحلة الثانية/ محاولات الفتح (أ) عبدالله بن سعد بن أبي سرح: أولًا: ترجمته [3] : هو عبدالله بن سعد بن أبي سرح بن الحارث من لؤي القرشي العامري، يكنى أبا يحيى، وهو أخو عثمان بن عفان من الرضاعة، أرضعت أمه عثمان. أسلم قبل فتح مكة، وهاجر، وكان يكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد مشركًا ... فلما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله، ولو وجد تحت أستار الكعبة، ففر إلى عثمان، فغيبه عثمان حتى أتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما اطمأن أهل مكة، فاستأمنه له، فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلًا، ثم قال: ((نعم))، وأسلم ذلك اليوم فحسن إسلامه، ولم يظهر بعد ذلك منه ما ينكر عليه، وهو أحد العقلاء الكرماء من قريش. ثم ولاه عثمان بعد ذلك مصر سنة خمس وعشرين، ففتح الله على يديه إفريقية ... وكان على ميمنة عمرو بن العاص لما افتتح مصر. وغزا عبدالله بعد ذلك الأساود من أرض النوبة سنة إحدى وثلاثين، وغزا غزوة الصواري في البحر إلى الروم، ودعا عبدالله فقال: "اللهم اجعل خاتمة عملي الصلاة"، فصلى الصبح ... ثم ذهب يسلم عن يساره فتوفي بعسقلان سنة ست وثلاثين، ولم يبايع لعلي ولا لمعاوية. ثانيًا: مشاركته في الفتح [4] : بعد أن ولاه عثمان مصر، أمَّره سنة ست وعشرين على غزو إفريقية، وكان في جنده من مشاهير الصحابة جمع عظيم، ولما وصل إفريقية، بث سراياه ثم أناخ على مدينة سبيطلة - بين القيروان وجبال أوراس - وهي قاعدة ملك جرجير إلى طنجة، إلى حدود السودان، ومع هذا كان عاملًا لهرقل ملك الروم، وقيل: خلع طاعة هرقل واستقل بملكه، فكان بينه وبين عبدالله بن سعد مراسلات وأبى عنها وتأهب للحرب، وبرز في مائة وعشرين ألفًا، والصحابة في عشرين ألفًا، "فكان من هزيمة العرب له وفتحهم سبيطلة وتخريبهم إياها وقتلهم جرجير، وما نفلهم الله من أموالهم وبناتهم". ثم إن البربر والإفرنج بعثوا إلى عبدالله بن سعد في الصلح فصالحهم على ثلاثمائة قنطار من الذهب، ثم رجع إلى مصر بعد أن أقام بإفريقية سنة وشهرين، وكان له بتلك الولاية آثار محمودة، وقد انتهت غازيته إلى الجزائر في بلاد بحر المغرب، وحصل في فتوحه ألف ألف وخمسمائة ألف سوى ما غنمه من صنوف الأموال، حتى كان سهم الفارس ثلاثة آلاف دينار، وقد شكر فعله أكابر صحابة جنده كعقبة بن عامر الجهني وغيره. عبدالله بن الزبير بن العوام أولًا: ترجمته [5] : هو عبدالله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة القرشي الأسدي، أبو بكر، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، ذات النطاقين، وجدته لأبيه صفية بنت عبدالمطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخديجة بنت خويلد أم المؤمنين عمة أبيه الزبير، وأم المؤمنين عائشة خالته، وهو أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة للمهاجرين، فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمرة لاكها في فيه، فكان ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم أول شيء دخل جوفه، وسماه عبدالله. وكان صوامًا قوامًا، طويل الصلاة، عظيم الشجاعة، وأحضره أبوه الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعه وعمره سبع سنين، فلما رآه النبي مقبلًا تبسم، ثم بايعه، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وعن أبيه، وعن عمر، وعثمان، وغيرهم، وروى عنه: أخوه عروة ... وعطاء، والشعبي، وغيرهم. وغزا عبدالله بن الزبير إفريقية مع عبدالله بن سعد بن أبي سرح ... وشهد الجمل مع أبيه الزبير مقاتلًا لعلي، وامتنع من بيعة يزيد بن معاوية، وبويع عبدالله بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية (64هـ)، وأطاعه أهل الحجاز والعراق واليمن وخراسان، وجدد عمارة الكعبة، وبقي خليفة إلى أن ولي عبدالملك بن مروان بعد أبيه، فلما استقام لعبد الملك الشام ومصر جهز العساكر، فسار إلى العراق فقتل مصعب بن الزبير، وسير الحجاج بن يوسف إلى الحجاز، فحصر عبدالله بن الزبير بمكة، أول ليلة من ذي الحجة سنة 72هـ ... ونصب منجنيقًا فكان يرمي الحجارة إلى المسجد، إلى أن قُتل عبدالله في النصف من جمادى سنة 73. فلما كان اليوم الذي قُتل فيه ... خرج على الناس وقاتلهم في المسجد، فكان لا يحمل على ناحية إلا وهزم من فيها من جند الشام، فأتاه حجر من ناحية الصفا فوقع بين عينيه، فنكس رأسه وهو يقول: ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا ولكن على أقدامنا يقطر الدما ثانيًا: مشاركته في الفتح [6] : قدم عبدالله مصر في خلافة عثمان، وشهد فتح إفريقية مع عبدالله بن سعد، "ولما وقع المصاف بين عسكر جرجير وعسكر ابن سعد، جعل (جرجير) ابنته آمنة على إيوان عالٍ، وأقسم بدينه لا يقتل أحد الأمير ابن سعد إلا زوَّجه ابنته، ولما بلغ خبره إلى عبدالله بن سعد أقسم بالذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يقتل أحد جرجيرًا إلا أعطاه ابنته، فالتحم القتال"، ونصر الله المسلمين وقتل عبدالله بن الزبير جرجيرًا، وأخذ ابنته. ثم إن عبدالله ذهب بشيرًا بالفتح، وأخذ معه آمنة فأسرعت الموت في دوابه ... وماتت آمنة فدفنها ببرقة. غزوة العبادلة السبعة [7] : اشتهرت الغزوة الأولى لإفريقية بغزوة العبادلة السبعة، قدموا مع جيش يتكون من عشرين ألف مقاتل بإمرة عبدالله بن سعد بن أبي سرح - السالف ذكره - أما العبادلة الستة الآخرون فهم: 1) عبدالله بن عباس: حبر الأمة وترجمان القرآن، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولد قبل الهجرة بأربع سنين وتوفي 68هـ، ومن نسله كان خلفاء الدولة العباسية وإلى أبيه ينتسبون، يسمى البحر لسعة علمه، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((اللهم فقهْهُ في الدين وعلمه التأويل))، وكان رضي الله عنه مرجعًا في فهم القرآن وبيان سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان مثالًا في كرمه وعفته وعبادته واعتكافه. 2) عبدالله بن الزبير بن العوام: سبق ذكره. 3) عبدالله بن عمرو بن العاص: ولد لعمر وهو ابن 12 سنة، وتوفي 63هـ، أسلم قبل أبيه، وكان كاتب رسول الله في الحديث، وأحد حفاظه الكبار، حتى قال عنه أبو هريرة: "ما كان أحد أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إلا عبدالله بن عمرو، فإنه كان يعي بقلبه وأعي بقلبي، وكان يكتب وأنا لا أكتب، وكان عبدالله قوامًا صوامًا يجتهد في العبادة والتهجد. 4) عبدالله بن مسعود: توفي سنة 32هـ، هو فقيه الأمة ومحدثها، كان حافظًا للحديث وللقرآن، وهو أول من جهر بالقرآن في مكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه أم عبد، كان ينسب إليها فيقال: ابن أم عبد، كان يُلبِس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه ويمشي بين يديه (أمامه) بالعصا فكان حاجبه وصاحب سره وطهوره، وكان منارة للعلم عند الصحابة؛ فسمي تلاميذه بالقناديل، ومن أشهرهم: النخعي. 5) عبدالله بن عمر بن الخطاب: توفي سنة 73هـ، هو صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم أخو حفصة أم المؤمنين، قال الرسول لحفصة: ((إن أخاك عبدالله رجل صالح لو كان يقوم الليل))، فما ترك عبدالله قيامه، وقد حل بالقيروان مرتين؛ الأولى: مع ابن أبي سرح 27هـ، والثانية مع ابن حديج - آتٍ ذكره - سنة 34هـ، وكان عبدالله عالمًا، روي عنه أنه كان يفتي طوال حياته. 6) عبدالله بن أنيس الجهني: توفي سنة 54هـ، وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار، كان راويًا للحديث، من ذلك: ((أكبر الكبائر الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس))، وقد شهد مع الرسول غزواته وصلى معه إلى القبلتين، واشتهر بحديث ليلة القدر إذ سأل النبي عنها. المرحلة الثالثة/ محاولات الفتح (ب) معاوية بن حديج السكوني: أولًا: ترجمته [8] : هو معاوية بن حديج بن جفنة السكوني، وقيل: الخولاني، يكنى أبا عبدالرحمن، وقيل: أبو نعيم، يعد في أهل مصر، قيل: هو الذي قتل محمد بن أبي بكر - عامل علي بن أبي طالب على مصر - بأمر عمرو بن العاص، وغزا إفريقية ثلاث مرات، فأصيبت عينه في إحداها، وقيل: غزا الحبشة مع ابن أبي سرح، فأصيبت عينه هناك. روى أحمد (4016) عن معاوية بن حديج قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غدوة في سبيل الله أو روحة، خير من الدنيا وما فيها))، وروى عبدالله بن شماسة المهري قال: دخلنا على عائشة فسألتنا: كيف كان أميركم في غزاتكم؟ تعني معاوية بن حديج، قالوا: ما نقمنا عليه شيئًا، وأثنوا عليه خيرًا، قالوا: إن هلك بعير أخلف - أي معاوية - بعيرًا، وإن هلك فرس أخلف فرسًا، وإن أبقَ خادم أخلف خادمًا، فقالت: أستغفر الله، إن كنت لأبغضه من أنه قتل أخي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فاشقق عليه))؛ [أحمد: 626]. وتوفي معاوية قبل عبدالله بن عمر بيسير، وكان محله بمصر عظيمًا. ثانيًا: مشاركته في الفتح [9] : شهد معاوية فتح مصر مع عمرو بن العاص، وهو الوافد على عمر بن الخطاب بفتح الإسكندرية. قال ابن ناجي: "أول جيش غزا إفريقية جيش عبدالله بن سعد بن أبي سرح، ثم معاوية بن حديج ثلاث مرات؛ الأولى سنة أربع وثلاثين قبيل مقتل عثمان (ت 35هـ)، والثانية سنة أربعين، والثالثة في خلافة معاوية، "زحف ابن حديج إلى إفريقية في عشرة آلاف، وكان معه عبدالله بن عمر بن الخطاب، وعبدالله بن الزبير، وعبدالملك بن مروان، وعمه يحيى بن الحكم بن العاص وعدة أشراف من قريش، فبعث ابن الزبير لسوسة ففتحها، وظهرت منه شجاعة عظيمة حتى إنه صلى العصر عند بابها والعدو قريب منه ولم يكترث بهم، وأرسل عبدالملك بن مروان إلى جلولا ففتحها عنوة وغنم منها وسبى"، ثم أرسل جيشًا في المراكب إلى صقلية ففتحوها، ثم فتح بنزرت. ثم رجع معاوية إلى مصر بعد أن حفر الآبار بالقيروان وهي التي عند باب تونس المسماة بآبار حديج، ثم إن معاوية بن أبي سفيان عزله عن إفريقية وأقره على مصر، وكان قد خلد بإفريقية آثارًا حسنة، ثم عزله عن مصر سنة إحدى وخمسين، ومات بها سنة اثنين وخمسين. المرحلة الرابعة/ الفتح عقبة بن نافع الفهري القرشي أولًا: ترجمته [10] : هو عقبة بن نافع بن عبدالقيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الظرب بن الحارث بن عامر بن فهر القرشي الفهري، ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا تصح له صحبة. وكان أخا عمرو بن العاص، وولاه عمرو إفريقية لما كان على مصر، فانتهى إلى مدينتي لواتة ومزاتة فأطاعوا ثم كفروا، فغزاهم ... وذلك سنة 41هـ، وافتتح في سنة 42 غدامس فقتل وسبى، وافتتح سنة 43 مواضع من بلاد السودان، وافتتح ودان - وهي من حيز برقة من بلاد إفريقية - وافتتح عامة بلاد البربر، وهو الذي بنى القيروان وذلك في زمان معاوية، وكانت هي أصلًا بلاد إفريقية، ومسكن الأمراء ... وكان موضع القيروان كثير الأشجار مأوى الوحوش والحيات، فأمر بقطع ذلك وإحراقه واختط المدينة، وأمر الناس بالبنيان. "قال خليفة بن خياط: وفي سنة خمسين اختط عقبة القيروان، وأقام بها ثلاث سنين، وقُتل عقبة بن نافع سنة ثلاث وستين، بعد أن غزا السوس الأقصى، قتله كسيلة بن لمزم، وقتل معه أبا المهاجر دينارًا، وكان كسيلة نصرانيًّا، ثم قُتل كسيلة ... قتله زهير بن قيس البلوي". ويقال: إن عقبة كان مجاب الدعوة. ثانيًا: مشاركته في الفتح [11] : شهد عقبة فتح مصر، وولي إمرة المغرب ... على يد معاوية بن أبي سفيان بعد قفول (عزل) ابن حديج عنها، فاختط القيروان سنة خمسين، ومدنها ومصرها ووسع خطتها ... واختط بها الجامع الأعظم (جامع عقبة)، وبنى بلصقه من جهة القبلة داره، وقد سكنها أمراء بعده، وقد شتت شمل الإفرنج حتى لاذوا بالحصون، وترك البربر بضواحيهم. وفي سنة 51هـ عزله معاوية بن أبي سفيان عن إفريقية وولَّى مسلمة بن مخلد الأنصاري على مصر وإفريقية، وتوفي معاوية رضي الله عنه، واستخلف ابنه يزيد بعده فولى عقبة على إفريقية سنة 62ه، فعمر القيروان وأزمع على الجهاد، فاستخلف على القيروان زهير بن قيس البلوي، ومضى في جند عظيم فافتتح قرية باغاية المطل عليها جبل أوراس، وغنم خيلًا جيادًا منها، وفتح لميس وقفصة وسائر الجريد فتحًا ثانيًا، وصالحه أهل فزان وهوارة، كل منهما على 360 عبدًا، ثم توجه إلى الزاب وتاهرت فلقيه جموع البربر ففضهم جمعًا بعد جمع، ثم لقيته جنود مكناسة فهزمهم إلى المغرب الأقصى، وأطاعته غمارة ووصل إلى درعة ووليلي، وحاصر المصامدة بجبال درن حتى أسلموا، ثم عمد لقتال صنهاجة أهل اللثام ولمتونة وغيرهم، فأثخن فيهم وفي ترودانت. وقاتل مسوفة من وراء السوس وسباهم، وانتهى إلى ثافرا وطرفلة التي ليس وراءها أنيس، وسبى من السوس سبيًا لم ير مثله، ثم انتهى إلى البحر المحيط (الأطلسي) وكر راجعًا وقد دوخ البلاد ... ولم يبق في المغرب من يخالفه، فلما بلغ طبنة من أرض الزاب تقدمت جيوشه وبقي في (جند) قليل، فمر بتهودة وبادس وغلقوا أبوابهم وشتموه، فدعاهم إلى الله فلم يجيبوا فأرسل كسيلة - وكان وقتذاك أسيره - إلى قومه، فقتلوا عقبة وقومه، وهم زهاء (قرابة) 300 وفيهم أبو المهاجر، وقبورهم بأرض الزاب إلى الآن. زهير بن قيس البلوي: أولًا: ترجمته [12] : هو أبو حذيفة "مولى أم سلمة أم المؤمنين، صحابي خدم النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين، سكن الصعيد، روى عنه بكير ... قال ابن يونس: إن له صحبة، شهد فتح مصر، ونوبه عبدالعزيز بن مروان وهو أمير على مصر (65-85هـ) إلى برقة، فخاطبه بشيء، فقال له: تقول لرجل جمع ما أنزل الله على نبيه قبل أن يجتمع أبواك؟، وقد روى (الحديث) عن علقمة بن يزيد، وروى عنه هو سويد بن قيس التجيبي فقط". ثانيًا: مشاركته في الفتح [13] : لما ولي عبدالملك بن مروان (65-86هـ) سألوه أن ينظر في أحوال إفريقية ويخلصها من يدي كسيلة لما استولى عليها بعد قتله لعقبة وأبي المهاجر، فقال: ما أرى لها إلا زهيرًا لدينه وورعه، وهو أعرف الناس بسير عقبة، فكتب له وأمره بالجيوش والأموال، ولما تكامل أمره زحف لكسيلة لطلب الثأر وذلك سنة 67، وجمع له كسيلة سائر البربر ولقيه بممس - من نواحي القيروان - واشتد القتال ثم انهزم البربر وقتل كسيلة، وتبعهم العرب إلى وادي ملوية، فذل البربر ومات فرسانهم، واضمحل أمر الإفرنج فلم يعد. ثم فتح بعد ذلك تونس، ثم ناله بإفريقية ملك عظيم، فكره الإقامة بها لرفاهية عيشها زهدًا منه رضي الله عنه، وقال: إنما جئت للجهاد، وأخاف أن أفتتن بالدنيا، فرجع إلى المشرق، فلما كان ببرقة أخذ ساحل البحر فوجد قومًا من الروم أخذوا جماعة من المسلمين أسارى فاستغاثوا به، فقاتل هو ومن معه حتى استشهدوا رحمهم الله، ولم يفلت (منهم) إلا رجل واحد، وذلك سنة 76، وفتح في أيامه باجة وسقبنارية والأربص. وبعد زهير أتى من القواد من وطد قدم المسلمين بالمغرب وأقام ولايتهم وقاد غزوتهم، ومن هؤلاء: أبو المهاجر دينار: مولى مسلمة بن مخلد الأنصاري، ولاه مسلمة على إفريقية - بعد ولاية عقبة الأولى - سنة 55هـ، وظل فيها حتى ثنى يزيد بن معاوية إمرة عقبة سنة 62هـ، وقد سار أبو المهاجر بجيشه إلى قرطاجنة عاصمة الروم في شمال إفريقية فاستغلقت المدينة وتحصنت بالأسوار العالية، فطلبوا الصلح فصالحهم أبو المهاجر على إخلاء جزيرة "شريك"، وكانت تعد قاعدتهم العسكرية ضد المسلمين، ثم سار مع الساحل حتى وصل إلى ميلة فنازلها وفتحها وغنم ما فيها واستقر فيها، ثم قصد تلمسان وكان قد عسكر فيها كسيلة - زعيم البربر بالمغرب - فانتصر المسلمون وأسر كسيلة، فأحسن إليه أبو المهاجر وأظهر كسيلة الإسلام، فصالح أبو المهاجر بربر إفريقية وعجمها، وكان أبو المهاجر أول أمير للمسلمين وطئت خيله المغرب الأوسط، وقد استشهد مجاهدًا مع عقبة [14] . حسان بن النعمان الأزدي الغساني: كان من التابعين، وقد حدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت له مكانة مرموقة عند بني أمية وعند الناس، فلما بلغ عبدالملك بن مروان مقتل زهير بن قيس البلوي وأصحابه اشتد عليه وعلى المسلمين ذلك، وسأل أشراف المسلمين عبدالملك أن ينظر إلى أهل إفريقية ويؤمنهم من عدوهم ويبعث الجيوش إليهم، فقال عبدالملك: "ما أعلم أحدًا أكفأ بإفريقية من حسان بن النعمان الغساني"، فجهز عبدالملك جيشًا واستعمل عليه وعلى إفريقية حسان بن النعمان وسيرهم إليها في سنة 74هـ، فلما وصل حسان إلى قرطاجنة رأى بها من الروم والبربر ما لا يحصى كثرة، فقاتلهم وحصرهم وقتل منهم كثيرًا، فلما رأوا ذلك ركبوا مراكبهم فسار بعضهم إلى صقلية وبعضهم إلى الأندلس، ثم بلغه أن الروم والبربر قد اجتمعوا له في صطفورة وبنزرت فسار إليهم وقاتلهم وانهزم الروم، واستولى المسلمون على بلادهم، ولم يترك حسان موضعًا من بلادهم إلا وطئه. ثم سأل حسان أهل القيروان عن أعظم ملوك إفريقية ليسير إليه فيبيده أو يسلم، فدلوه على امرأة بجبل أوراس يقال لها: الكاهنة، وجميع من بإفريقية من الروم خائفون منها، وجميع البربر مطيعون لها، فإن قتلتها دان لك المغرب كله، وكانت هذه الكاهنة بربرية تطلعهم بأشياء من الغيب واجتمعوا إليها بعد قتل كسيلة، فخرج إليها حسان بجيوشه فاقتتلوا قتالًا شديدًا وانهزم حسان بعد بلاء عظيم، وقتل من العرب خلق كثير، فسمي ذلك اليوم: يوم البلاء، ثم سير عبدالملك إلى حسان الجنود والأموال وأمره بالمسير إلى إفريقية وقتال الكاهنة، فرحل حسان إليها أواخر سنة 81هـ، ثم التحم القتال فانهزمت الكاهنة فأتبعها حسان حتى قتلها. موسى بن نصير اللخمي: أبو عبدالرحمن، كان أبو من حرس معاوية بن أبي سفيان ثم أصبح على حرس معاوية وعلى جيوشه، وُلد موسى سنة 19هـ، وقد ولاه معاوية البحر، فغزا قبرص، وكان موسى مع مروان بن الحكم حين دخوله مصر، وتولى إفريقية والمغرب سنة 86هـ، ووجد أن البربر قد طمعوا في البلاد بعد مسير حسان، فجمع الناس، وبدأ باستعادة جبل زغوان - بالقرب من تونس - ثم أرسل ألف فارس إلى هوارة ووزناتة (من قبائل البربر) فأغاروا عليهم وقتلوا منهم وسبوا، فعرضوا الصلح فصالحهم المسلمون، وسار موسى حتى صنهاجة ومن كان معها من قبائل البربر فقتلهم وسبى منهم، ثم غزا سجومة في المغرب الأوسط في عشرة آلاف من المسلمين، وحاصر موسى طنجة حتى افتتحها، وهو أول من نزلها، فأسلم أهلها وخطها موسى قيروانًا للمسلمين. التابعون العشرة الذين أرسلهم عمر بن عبدالعزيز إلى المغرب: وإمعانًا من المسلمين في نشر دينهم وتبليغ رسالتهم وتثبيت أركان دولتهم فإنه لما تولى عمر بن عبدالعزيز خلافة المسلمين ولى على إفريقية واليًا من لدنه، يثق فيه ويطمئن إلى اهتمامه بإسلام أهل البلاد وهو إسماعيل بن عبيدالله، فولاه "في المحرم سنة 100 هجرية على حربها وخراجها وصدقاتها" ... فكان خير من يعهد إليه بمثل هذه المهمة، وكان عمر قد بعث معه "عشرة من التابعين أهل علم وفضل، ومنهم عبدالرحمن بن نافع وسعيد بن مسعود التجيبي وغيرهما". ويغلب أن هؤلاء التابعين انبثوا (تفرقوا) بين أهل البربر وأخذوا يعلمونهم أصول الدين، ويبصرونهم بقواعده وأشراطه ... ومن المساجد التي بنيت على يد هؤلاء التابعين: مسجد "الرباطي" بناه أبو عبدالرحمن عبدالله بن يزيد المعافري الإفريقي، و"جامع الزيتونة" بناه إسماعيل بن عبيدالله المعروف بتاجر الله، وقد أخذ عن هؤلاء التابعين (العلم) نفر طيب من أهل إفريقية، ذكر المالكي منهم: سوادة الجرامي وعبدالرحمن بن سياد "أخذًا عن إسماعيل بن عبيد الأنصاري"، بل يبدو أن هؤلاء التابعين كانوا على درجة وافرة من العلم، بحيث انتشر صيتهم ووفد الناس من شتى النواحي للأخذ عنهم، فقد روى المالكي أن: "عمران بن عوف الغافقي أخذ العلم عن إسماعيل بن عبيد" [15] . المصادر والمراجع: • ابن الأثير؛ الإمام عز الدين أبو الحسن علي بن محمد الجزري (ت 630هـ)، أسد الغابة في معرفة الصحابة، دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى، 1433هـ/ 2012م. • المعسكري؛ محمد أبو راس بن أحمد بن الناصر (ت 1238هـ)، الإصابة فيمن غزا المغرب من الصحابة، تقديم وتحقيق: الدكتور أحمد الطويلي، المطبعة العصرية، تونس، 1431هـ/ 2010م. • الدكتور؛ حسين مؤنس، فتح العرب للمغرب، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، بلا تاريخ. • اللواء؛ محمود شيت خطاب، قادة فتح المغرب العربي، دار الفكر، الطبعة السابعة، 1404هـ/ 1984م. [1] أسد الغابة: ص: 942-943. [2] الإصابة، ص: 36-37. [3] أسد الغابة، ص: 677-678. [4] الإصابة، ص: 38-40. [5] أسد الغابة، ص: 699-670. [6] الإصابة، ص: 42-44. [7] الإصابة، ص: 24-26. [8] أسد الغابة، ص: 1145. [9] الإصابة، ص: 45-47. [10] أسد الغابة، ص: 858. [11] الإصابة، ص: 49-53. [12] الإصابة، ص: 54. [13] نفسه، ص: 54-55. [14] قادة فتح المغرب، ص: 137-141. [15] نفسه، ص: 172-196.
الشيخ اللحيدان.. بدر أفل
الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
17-01-2022
2,042
https://www.alukah.net//culture/0/152235/%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%af%d8%a7%d9%86..-%d8%a8%d8%af%d8%b1-%d8%a3%d9%81%d9%84/
الشيخ اللحيدان.. بدرٌ أفلْ رُزئت الأمة الإسلامية جمعاء، وفُجعت بموت عالم من علمائها، وإمام من أئمتها، إمام من أئمة الهدى ومصابيح الدجى، شهد له بالعلم والفضل القاصي والداني، وسارت بذكره الركبان، وطوقت شهرته الآفاق؛ إنه الإمام الرباني، ناصر السنة، وقامع البدعة؛ سماحة الشيخ صالح بن محمد اللحيدان، عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس مجلس القضاء الأعلى سابقًا رحمه الله، وأسبل عليه رضوانه ومغفرته. أهكذا البدر تخفي نوره الحفرُ ويفقد العلم لا عين ولا أثرُ خبت مصابيح كنا نستضيء بها وطوحت للمغيب الأنجم الزهرُ بالأمس القريب وضعت الأمة يدها على قلبها، عندما ترامت الأنباء بمرض شيخها، ثم انفرجت أساريرها مستبشرة باستقرار حالته، وقرب خروجه من عارضه الذي ألمَّ به، وكان مرضه حديث الناس، تلهج ألسنتهم له بالدعاء الصادق بالشفاء والعافية، ولكن لما كانت سنة الله نافذة وأمره واقعًا، قضى الله أمرًا كان مفعولًا، لتأتي الفاجعة في ليلة الأربعاء الثاني من شهر جمادى الآخرة عام 1443هـ؛ فودعت البلاد سماحة الشيخ العلامة صالح اللحيدان، وصُلِّي عليه بعد صلاة العصر بجامع الراجحي بالرياض، وأمَّ المصلين سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ حفظه الله، وجموع غفيرة من العلماء والفضلاء والمصلين الذين امتلأت بهم جنبات الجامع وخارجه، في دلالة على عظيم مكانة أهل العلم في نفوس المجتمع ومحبتهم لهم؛ وكما قال الإمام المبجل أحمد بن حنبل رحمه الله: "قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم يوم الجنائز". ولِما كان لوفاة الشيخ رحمه الله من أثر عظيم ووقع أليم على نفوس الناس، ومن باب الثناء على المحسنين بسجاياهم الكريمة وخصالهم الحميدة، ومن باب بر الشيخ ووفائه وذكر فضله - كتبت هذه الأحرف وسطرت هذه الكلمات، وماذا عساي أن أقول، والفقيد بحجم ومكانة الشيخ صالح اللحيدان رحمه الله؟ فالكلمات تتلعثم، ويقف البيان عصيًّا وكالًّا، والفؤاد محزون يكاد يتفطر، والعبارات قد ندت شاردة عليَّ، ولكنها شآبيب من القول بعضها آخذة برقاب بعضٍ، في ذكر هذا العالم العَلَم الذي انهد بموته جانب عظيم من الحكمة والفقه والبصيرة في الدين؛ فأي رجل هذا الذي قضى نحبه، ولاقى ربه؟ إنه طود شامخ أشم، ونجم هوى، وبدر أفَلَ، وكأنه بنيان قوم تهدم: وما كان قيسٌ هَلْكُهُ هَلْكُ واحدٍ ولكنه بنيان قوم تهدما إن الموت آتٍ على كل أحد، وهو سنة في الناس ماضية؛ قال تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ﴾ [آل عمران: 185]، وقال تعالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 26، 27]، فهو سبحانه الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولًا، وهذه الآية كما قال ابن كثير فيها تعزية لجميع الناس، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت. هو الموت ما منه ملاذ ومهرب متى حط ذا عن نعشه ذاك يركبُ نشاهد ذا عين اليقين حقيقة عليه مضى طفل وكهل وأشيبُ تؤمل آمالًا ونرجو نتاجها وعلَّ الردى مما نرجيه أقربُ لقد كان الشيخ عالمًا يعمل بعلمه، وفقيهًا يفتي على بصيرة، ويتمسك بالدليل والحجة، كان نير الفكر، صحيح الاعتقاد، مطبقًا للسنة، قامعًا للبدعة، داعيًا إلى التوحيد، مهابًا وقورًا، رحب الجناب، عفَّ اللسان، قويَّ الحجة، كريمًا، رفيقًا بالأصحاب والزوار، مع الخلق الأتم والأدب الجم. الشيخ صالح اللحيدان رجل خدم دينه ووطنه وولاة أمره سنوات طويلة وفي مواقع مختلفة؛ فكان الناصح والقوى الأمين، ومحل ثقة وتقدير ولاة الأمور - أيدهم الله - وكان محل القبول لدى عموم المسلمين، وخواص طلاب العلم والقضاة، ممن استفاد من علمه في الدروس والمحاضرات في الحرمين الشريفين والمساجد وغيرها، ناهيكم عن علمه المبثوث عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. ومن تأمل سيرة الشيخ، يرَ جهودًا مباركة في القضاء، والفتوى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر العلم، وتقرير العقيدة الصحيحة وفق منهج السلف الصالح. ولئن كان الشيخ قد مات وواراه الثرى، فإنه باقٍ معنا بعلمه، باقٍ بسيرته العطرة، باقٍ بمآثره وكريم سجاياه. أخو العلم حيٌّ خالد بعد موته وأوصاله تحت التراث رميمُ وقال آخر: كم مات قوم وما ماتت مكارمهم ومات قوم وهم في الناس أحياءُ لقد ذهبتَ يا شيخنا، لكن محاسنك لم تذهب، ورحلت، لكن فضائلك لم ترحل، إنه الميراث الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، إنها العمر الثاني: دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثواني فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثاني وبعد؛ فهذه مشاعر أبت إلا أن تخرج وفاء لفقيدنا، ونقول صابرين محتسبين راضين بقضاء الله وقدره: إن لِلَّهِ ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، اللهم اغفر لعبدك صالح بن محمد اللحيدان، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونوِّر له فيه، اللهم اجعل مآله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا شيخنا لمحزونون، والحمد لله على قضائه وقدره.
ولادة خير البشر
د. محمد منير الجنباز
16-01-2022
5,007
https://www.alukah.net//culture/0/152207/%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%ae%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b4%d8%b1/
ولادة خير البشر هذه هي الحالة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد وُلد صلى الله عليه وسلم في هذه البيئة، وكان مولده في مكة المكرمة عام الفيل، وهو العام الذي غزا فيه أبرهة الحبشي أرض الحرم ليهدم الكعبة، فأذاقه الله الذل والخزي، فأفنى معظم جيشه بما في ذلك الفيل؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ﴾ [الفيل: 1 - 5]، وقد ورد أن مولد النبي صلى الله عليه وسلم كان في الثاني عشر من ربيع الأول، وقد روت أمه آمنة أنها لما حملت به رأت أنه خرج منها نور أضاء أمامها قصور بصرى من أرض الشام. مات والد محمد صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال حملًا في بطن أمه، فلما ولدته أمه كان يتيم الأب؛ لذلك أرسلت إلى جده عبدالمطلب أنه قد وُلد لك غلام، فتعالَ فانظر إليه، فحضر فنظر إليه ودخل حبُّه في قلبه، فأخذه إلى الكعبة ودخل جوفها، فدعا اللهَ له وشكره على ما وهب تعويضًا عن عبدالله، ثم التمس له من يرضعه، وكان من عادة أهل مكة أن يرسلوا أولادهم إلى البادية لتقوية أجسامهم وإرضاعهم من نساء البادية، فيعود الطفل بعد سنة أو سنتين وقد اشتد عوده. وهكذا جرى هذا الأمر مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذَتْه حليمة السعدية، وهي تنسب إلى هوازن، وأرضعته سنتين، فقوِيَ عوده وفاق بالصحة أقرانه، وقد كان حالُ حليمة أقربَ إلى الفقر، فأغناها الله، وظهرت بركتُه عليها وعلى قومها وديرتها؛ لذلك لما انتهت السنتان وحانت مدة إعادته إلى والدته، أخذته إلى مكة ثم رجت آمنة أن تبقيَه عندها سنتين أخريين؛ لأنها تخشى عليه وباء مكة، فوافقت آمنة، وعادت حليمة به إلى ديارها ثانية وهي ترجو بركته. وفي أحد الأيام عاد أخوه من الرضاعة فزعًا، فقال لحليمة: ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقا بطنه، فهما يسوطانه - يحركانه - وأبوه يسمع، فخرجت هي وزوجها نحوه، فوجداه قائمًا منتقعًا وجهه، فقالت حليمة: فالتزمتُه والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بني؟ قال: جاءني رجلان فأضجعاني وشقا بطني، فالتمسا فيه شيئًا لا أدري ما هو، قالت: فرجعنا إلى خبائنا، فقال لها أبوه: يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أُصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه فقدِمنا به على أمه، فقالت آمنة: ما أقدمك به يا ظئر - مرضعة - وقد كنتِ حريصة عليه وعلى مكثه عندك، فقالت: قد بلغ الله بابني وقضيت الذي عليَّ، وتخوفت الأحداث عليه، فأدَّيتُه إليك كما تحبين، قالت: ما هذا شأنك؛ فاصدقيني خبرك، فلم تدعها حتى أخبرتها ما جرى له، فقالت: أتخوفت عليه الشيطان؟ قالت: نعم، قالت: كلَّا، والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لِبُنيَّ لشأنًا، أفلا أخبرك خبره؟ قالت: بلى، قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نورٌ أضاء لي قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فوالله ما رأيت من حمل كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يده بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة. ويروي ابن إسحاق في السيرة: أن نفرًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا له: يا رسول الله، أخبرنا عن نفسك، قال: ((نعم، أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام، واستُرضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهمًا لنا؛ إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطَسْت من ذهب مملوءة ثلجًا، فأخذاني فشقا بطني، واستخرجا قلبي فشقاه، فاستخرجا منه علقة سوداء، فطرحاها، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه))، قال: ((ثم قال أحدهما لصاحبه: زِنْه بعشَرة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زِنْه بمائة من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، ثم قال: زِنْه بألف من أمته، فوزنني بهم فوزنتهم، فقال: دَعْه عنك، فوالله لو وزنته بأمته لوزنها) )، وأما دعوةُ إبراهيم فعنى بها قوله عندما أتم بناء الكعبة مع إسماعيل: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129]، وأما بشارة عيسى ففي قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6]، وفي عملية شرح الصدر وتنقيته، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ [الشرح: 1 - 4]، فهذه التنقيةُ لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وتصفيته من العلقة المؤذية منذ الصغر هي بمثابة إعداد وتهيئة جسمية له، وتقوية لجريان دمه، وصفاء فكره، وذكاء عقله. وقد رُوي أن إيوان كسرى قد اهتز اهتزازًا عنيفًا يوم ولادته صلى الله عليه وسلم؛ قال مخزوم بن هانئ: لما كانت الليلة التي وُلد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس، ولم تخمُد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة، ورأى الموبذان - كبير الكهنة المجوس - إبلًا صعابًا تقود خيلًا عرابًا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، ثم أخبر رجال دولته وقص عليهم الخبر، فقال الموبذان: وأنا قد رأيتُ هذه الليلة رؤيا، فقصها عليهم، ثم فسِّر حُلم كل منهما بقُرب سقوط دولة فارس بعد أن يحكم منهم أربعة عشر ملكًا وملكة، وتحقَّق هذا في خلافة عثمان رضي الله عنه بعد أربع وثمانين سنة تقريبًا؛ حيث قُتل آخر ملوكهم يزدجرد. وعاد محمد صلى الله عليه وسلم إلى أمه، فأتمت رعايته وتربيته تحت كفالة جده، وعاش في هذه الفترة معززًا مكرمًا؛ فقد كان جده يحبه ويُحله في الصدارة معه، قال ابن إسحاق: كان يوضع لعبدالمطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه إلى أن يخرج إليه، فلا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، قال: فكان محمد صلى الله عليه وسلم يأتي وهو غلام جفر - ناضج - حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبدالمطلب إذا رأى ذلك منهم: دعوا ابني؛ فوالله إن له لشأنًا، ثم يجلسه معه ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه ويصنع، وقد ذكر الله نبيه بما أفاء عليه من النعم في مرحلة اليتم: ﴿ وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ﴾ [الضحى: 1 - 11]. وفي هذه الفترة صحب أمَّه في زيارة أخواله من بني عدي بن النجار في يثرب - المدينة المنورة - وفي طريق العودة توفيت والدته في الأبواء، مكان بين مكة ويثرب، وعمره ست سنوات، فأصبح يتيم الأبوين، وبعد عامين توفي جده عبدالمطلب، فكفله عمه أبو طالب، وهو أخ شقيق لوالده، وكان صاحب عيال، ولا يعد من الأثرياء؛ لذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم - بما أوتي من فهم وذكاء لماح - أن يخفف عن عمه عبء إعالته، فعمل في رعي الأغنام لأهل مكة؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من نبي إلا وقد رعى الغنم) )، قيل: وأنت يا رسول الله؟ قال: ((وأنا) )، وفي رواية: رعاها على قراريط لأهل مكة؛ أي: بأجر، ولما بلغ اثنتي عشرة سنة تعلق قلبه بعمه، ولم يرد مفارقته، خصوصًا عندما أراد الذهاب إلى الشام بتجارة له، وفيها سيغيب طويلًا؛ لذلك أخذه معه ليبقى تحت نظره، وكانت تجارتهم غالبًا تنتهي عند بصرى الشام، وهناك كان على الطريق عند بصرى صومعة قديمة ينزل بها الرهبان، وكان فيها الراهب بَحيرا، فقد لاحظه من الشرفة وغمامة تظله من بين الركب، ثم جلس تحت شجرة فمالت إليه أغصانها، وقرر أن يجمع القوم على وليمة ليكون قريبًا من الفتى، فقام يلحظه، ويتوسم فيه أمرًا، حتى إذا تفرق القوم قال بحيرا: أسألك باللات والعزى - وقد عرف أن هذين آلهة القوم - إلا صدقتني فيما أنا سائلك عنه، فقال محمد صلى الله عليه وسلم: ((لا تسألني باللات والعزى شيئًا؛ فوالله ما أبغضتُ شيئًا قط بغضهما) )، فقال بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسالك عنه، فقال: ((سَلْني عما بدا لك) )، فجعل يسأله عن حاله ونومه وهيئته وأحلامه، ورأى خاتم النبوة بين كتفيه، فعزَّز من اعتقاده بأنه النبي الخاتم المنتظَر، ثم أوصى عمه أبا طالب بأن يعود به إلى بلده، ويحفظه من غدر يهودَ.
ترجمة الشيخ العلامة محمد أبو شهبة المتوفى 1403هـ
د. علي أحمد عبدالباقي
15-01-2022
5,503
https://www.alukah.net//culture/0/152187/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b4%d9%87%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%88%d9%81%d9%89-1403%d9%87%d9%80/
الشيخ العلامة محمد أبو شهبة (1332هـ = 1914م / 1403هـ = 1983م) هو: الشيخ العلامة أبو السادات محمد بن محمد أبو شَهْبَة ( بفتح الشين المعجمة وسكون الهاء بعدها باء موحدة من تحت ). ولد رحمه الله في قرية " منية جناح " التابعة لمركز دسوق بمحافظة كفر الشيخ يوم 25 شوال سنة 1332هـ الموافق 15 سبتمبر سنة 1914م. وقفه والده لخدمة القرآن الكريم، فحفظ القرآن صغيرًا في التاسعة من عمره، وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي بالأزهر، ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرج فيها. حصل على الدكتوراه بدرجة ممتاز عن رسالته: « الوضع في الحديث ورد شبه المستشرقين وغيرهم من الباحثين »، نوقشت في ذي الحجة سنة 1365هـ = نوفمبر 1946م. عمل أستاذًا للتفسير والحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة، وبكلية الشريعة بمكة، وبكلية الشريعة في جامعة بغداد، وفي جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان. عندما أُنشئ أول فرع لجامعة الأزهر بمصر في محافظة أسيوط سنة 1389هـ = 1964م عُين عميدًا لكلية أصول الدين بها. من أشهر شيوخه بالجامع الأزهر فضيلة الشيخ العلامة محمد الخضر حسين، وفضيلة الشيخ محمد الشربيني وغيرهم. قدَّم العديد من البرامج في الإذاعة المصرية وفي الإذاعة السعودية، وكوَّن مدرسة علمية مرموقة في مختلف أقطار العالم الإسلامي؛ أشهرهم في مصر فضيلة الشيخ الدكتور الشيخ محمد الأحمدي أبو النور رحمه الله، وشيخنا فضيلة الدكتور الشيخ أحمد معبد عبد الكريم وفضيلة الدكتور الشيخ عزت علي عطية وغيرهم. ترك مجموعة عظيمة من المؤلفات النافعة في علوم القرآن والحديث، أهمها: • « الوسيط في علوم ومصطلح الحديث »، طبع عدَّة طبعات. • « السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة »، مطبوع بدار القلم، دمشق. • « المدخل لدراسة القرآن الكريم »، طبع بدار اللواء، الرياض. • « الوضع في الحديث ورد شبه المستشرقين وغيرهم من الباحثين »، طبع عدَّة طبعات وهو في الأصل رسالة دكتوراه. • « دفاع عن السنة ورد شبه المستشرقين والكتاب المعاصرين »، طبع عدَّة طبعات. • « الإسرائليات والموضوعات في كتب التفسير »، طبع بمكتبة السنة، القاهرة. • « أعلام المحدثين » طبعته الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء بمشيخة الأزهر. وطبع له مجمع البحوث الإسلامية عدة كتب، منها: • « الحدود في الإسلام مقارنة بالقانون الوضعي ». • « في رحاب الكتب الستة ». • « نظرة الإسلام إلى الربا ». وغيرها من المؤلفات النافعة. توفي رحمه الله خامس أيام عيد الفطر (5 شوال) سنة 1403هـ الموافق 15 يوليو سنة 1983م، وشيعت جنازته من الجامع الأزهر، وصلى عليه الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الجامع الأزهر وقتها، رحمه الله وأنزل على قبره شآبيب الرحمات.
سيرة زيد بن علي بن الحسين وآثاره (رحمهم الله)
م. نكتل يوسف محسن
15-01-2022
10,303
https://www.alukah.net//culture/0/152183/%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b2%d9%8a%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1%d9%87-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
سيرة زيد بن علي بن الحسين وآثاره (رحمهم الله) أولًا: اسمه ونسبه: أبو الحسين زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني [1] ، وأمه أمة سندية [2] ، أخو محمد، وعُمَر وعبدالله والحسين، سمع أباه، وَأبا عبدالله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي، وقد رَوَى عَنه أبو الحارث عبدالرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وَأبُو جحيفة الأجلح بن عبدالله الكندي، أخبرنا أبو جعفر محمد بن الحسين بن حفص الخثعمي، حَدَّثنا إسماعيل، وَهُو ابن موسى الفزاري أخبرنا عَمْرو [3] ، كما روى عنه ابن أخيه جعفر بن محمد الصادق، ومحمد بن مسلم بن شهاب الزهري، وسعيد بن منصور المشرقي الكوفي، وهاشم بن البرند، وبسام الصيرفي وعبدالرحمن بن أبي الزناد، وعبدالحميد بن الحارث، وعبدالله بن مروان (108- ظ) ، وأبو خالد عمرو بن خالد الواسطي، ومحمد بن سالم، وأبو بسطام شعبة بن الحجاج، وآدم بن عبدالله الخثعمي، وأبو سلمة راشد بن سعد الصائغ الكوفي، وأبو اسماعيل كثير النواء وسوار بن مصعب وعبيد بن أصطفى، وأبو الزناد موج بن علي، والسّدي، ومولاه سالم مولى زيد بن علي [4] . ثانيًا: علمه وآراؤه: وكان ذا علم وصلاح وجلالة، وهو ما يتضح من خلال العدد الكبير الذين أخذوا عنه العلم [5] ، ويروى أنه قد آثر تَحْصِيل علم الْأُصُول، فتتلمذ لواصل بن عَطاء رَئِيس الْمُعْتَزلَة ورأسهم وأوَّلهم، فَقَرَأَ عَلَيْهِ واقتبس مِنْهُ علم الاعتزال، وَصَارَ زيد وَجَمِيع أَصْحَابه معتزلةً فِي الْمَذْهَب والاعتقاد، وَكَانَ أَخُوهُ الباقر محمد بن علي يعيب عَلَيْهِ كَونه قَرَأَ على وَاصل بن عَطاء وتتلمذ لَهُ واقتبس مِنْهُ، مَعَ كَونه يُجوِّز الْخَطَأ على جدِّه علي بن أبي طَالب لسَبَب خُرُوجه إِلَى حَرْب الْجمل والنهروان، ولأنَّ واصلًا كَانَ يتكلَّم فِي الْقَضَاء والقدر على خلاف مَذْهَب أهل الْبَيْت وَكَانَ زيد يَقُول علي: أفضل من أبي بكر الصديق وَمن بقيَّة الصحابة) [6] ، وعلى الرغم من تفضيله علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الشيخين، ولكنه كان يتولهما، فقد ذكر عنه أنه سَأَلَ بعض أَصْحَابه عَن قَوْله: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾ [الواقعة: 10، 11]، قَالَ أَبُو بكر وَعمر ثمَّ قَالَ: لَا أنالني الله شفاعةَ جدي إِن لم أُوالهِما، وَقَالَ: الْبَرَاءَة من أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان الْبَرَاءَة من علي، والبراءة من علي، الْبَرَاءَة من أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان [7] . ثالثًا: ثورته على الأمويين: وذلك أنه قدم الكوفة وأسرعت إليه الموالون، وقالوا: إنا لنرجو أن يكون هذا الزمان الزمان الذي يهلك فيه بنو أمية، وجعلوا يبايعونه سرًّا، وبلغ الخبر يوسف بن عمر في الوقت الذي أمر زيدًا بالخروج وبايعه أربعة عشر ألفًا على جهاد الظالمين والدفع على المستضعفين [8] ، ويوسف بن عمر جاد في طلبه وتواعدت أصحابه بالخروج، وجاؤوا إلى زيد فقالوا: ما تقول في أبي بكر وعمر، فقال: ما أقول فيهما إلا خيرًا، فتبرَّؤوا منه، ونكثوا بيعته، وسعوا به إلى يوسف بن عمر، فبعث في طلبه قومًا، فخرج زيد ولم يخرج معه إلا أربعة عشر رجلًا [9] ، فقال: جعلتموها حسينية، ثم ناوشهم القتال، فأصابه سهم بلغ دماغه، فحمل من المعركة ومات تلك الليلة ودُفن، فلما أصبحوا استخرجوه من قبره وصلَبوه سنة 122 [10] ، وكان له فيما قيل اثنتان وأربعون سنة وكان مسكنه بالمدينة [11] . رابعًا: أقوال العلماء فيه: وَذكره جَعْفَر الصادق يَوْمًا فَقَالَ: رحم الله عمِّي كَانَ وَالله سيدًا، وَلَا وَالله مَا ترك فِينَا لدُنْيَا وَلَا آخِرَة مثله [12] . وقال عنه الزهري: يروى أنه سمع جلبةً فَقَالَ لمن عنده: مَا هَذَا، فَنَظَروا فَإِذا رَأس زيد بن علي يُطَاف بِهِ بيد للعانين، فَأَخْبَرته فَبكى، ثمَّ قَالَ: أهلك أهل هَذَا الْبَيْت العجلة [13] . وقال عنه الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان (رحمه الله) : وقال أبو حنيفة: ما رأيت في زمانه أفقه منه ولا أسرع جوابًا ولا أبين قولًا [14] . وقال الجاحظ: عدَّه الجاحظ من خطباء بني هاشم [15] . [1] أبو أحمد الحاكم، الأسامي والكنى، تحقيق: يوسف بن محمد الدخيل، دار الغرباء الأثرية، (المدينة المنورة: 1994)، ط1 ،3/ 383. [2] أبو محمد عبدالله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، (القاهرة : 1992) ط2، 216. [3] الحاكم، المصدر السابق، 3/ 383. [4] عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي، بغية الطلب في تاريخ حلب، تحقيق: سهيل زكار، دار الفكر، (بيروت: د/ ت) 9/ 4027. [5] شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي ، سير أعلام النبلاء، تحقيق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة، (بيروت : 1992) ، 5/ 389. [6] صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبدالله الصفدي ، الوافي بالوفيات، أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفي ، دار إحياء التراث العربي، (بيروت : 2000)، 15/ 21. [7] الصفدي ، المصدر السابق، 15/ 21 . [8] المظهر بن طاهر المقدسي، البدء والتاريخ، مكتبة الثقافة الدينية، (بور سعيد :د/ ت)، 6/ 49. [9] المقدسي، المصدر نفسه، 6/ 49 . [10] المقدسي، المصدر نفسه، 6/ 49. [11] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، المنتخب من ذيل المذيل، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بيروت : د/ ت) 130. [12] الصفدي ، المصدر السابق، 15/ 21. [13] الصفدي ، المصدر السابق، 15/ 21. [14] خير الدين الزركلي، الأعلام، دار العلم للملايين، (بيروت : 2002)،2/ 59. [15] الزركلي، المرجع نفسه، 2/ 59.
شهداء القراءة
عامر الخميسي
15-01-2022
3,111
https://www.alukah.net//culture/0/152181/%d8%b4%d9%87%d8%af%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a9/
شهداء القراءة إن الإنسانَ الذي يقرأ ويتعلق بالكتاب، إنما يعيش بين دُرَر وفوائد وكنوز؛ لأن القراءة مفتاح العقل ومصباح الفكر، وسبيل العلوم النافعة، ودرب الحضارة الماجدة، ومنهاج السعادة، والسلم إلى الريادة، والقارئ المنهمك في القراءة يجول بفكره وعقله في زمان قد غبَر، وتاريخ قد سُطر، ويسلب لبه حكم الأولين، وتجارب الماضين، وخبرات العارفين، وهو في هذا يطالع سِيَرَ العلماء، وينظر في نبوغ الأذكياء، وتهزه شجاعة العظماء، وأخلاق الصلحاء، ويسبر أغوار النفس، ويكتشف الجديد من الإبداع، وتتولد لديه حماسة بالنهوض بنفسه، وقد يغيب عن الوعي وهو يقرأ، فلا يلتفت لشيء؛ لأن القراءة قد ملكت عليه سمعَه وقلبَه وجوارحَه، وقد يموت بين الكتب، فيصير شهيد القراءة والاطلاع والبحث والنظر.. فهذا الإمام مُسلم بن الحجاج صاحب الصحيح، وأحد أعلام المسلمين الكبار في الحديث النبوي، عُقد له مجلسٌ للمذاكرة، فذُكِرَ له حديث لم يعرفه، فانصرف إلى منزله وأوقد السراج، وقال لمن في الدار: لا يدخلن أحدٌ منكم هذه الغرفة، فقِيل له: أُهديت لنا سَلة فيها تمر، فقال: قدموها إليَّ، فقدموها إليه، فكان يطلب الحديث ويأخذ تمرة تمرة يمضغها، فأصبح وقد فني التمر، ووجد الحديث، ولكنه مات بعد أن وجد الحديث، فقيل: سبب موته هي تلك السلة إذ لم يركز مع ما يأكل، وإنما كان كل تفكيره البحث عن الحديث [1] . وابنُ السُّنِّي: أحمدُ بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط الدينوري، أبو بكر السُّنِّي المحدث المشهور صاحب كتاب (عمل اليوم واللَّيلة) ؛ مات فجأةً وهو يكتُبُ، وكأنه أصيب بأزمة قلبية أثناء القراءة والانهماك فيها [2] . ومثله ابن قاضي شُهبة: أبو بكر بن أحمد بن محمد بن عمر الأسدي الشهبي الدِّمشقي، تقيُّ الدِّين: فقيه الشَّام في عصره ومؤرِّخها وعالمها، من أهل دمشق، اشتَهر بابن قاضي شهبة؛ لأنَّ أبا جده (نجم الدين عمر الأسدي) ، أقام قاضيًا بشهبة (من قُرى حوران) أربعين سنة، بينما كان يصنف ويكتب وولده أمامه، إذ أصابته نوبة قلبية ومات على إثرها مباشرة [3] . وكذلك الشيخ المُعَلِّمي: عبدالرحمن بن يحيى بن عليِّ بن محمد المعلمي العُتْمي: أحد فقهاء الزمان، وأحد أعلم أهل اليمن في عصره، نِسبته إلى (بني المعلم) من بلاد عُتْمة، باليمن، ولد ونشأ في عتمة، وتردَّد إلى بلاد الحُجَرية (قريبة من تعز) ، وتعلَّم بها، وسافر إلى جيزان (سنة 1329) في إمارة محمد بن علي الإدريسي، بعسير، وتولَّى رئاسةَ القضاة، ولقِّب بشيخ الإسلام، وبعد موت الإدريسي (1341 هـ) سافر إلى الهند، وعَمِلَ في دائرة المعارف الحديثة بحيدر آباد، مصححًا كتب الحديث والتاريخ (حوالي سنة 1345 هـ) زهاء ربع قرن، وعاد إلى مكَّة (1371) ، فعُيِّن أمينًا لمكتبة الحرم المكِّي (1372) ، وهو عالم جهبذ وإمام مجتهد لا تخفى جهوده في علوم الحديث، وقد لقَّبه العلامة الدكتور بكر أبوزيد "ذهبي العصر"، وقد صدرت أعماله الكاملة في موسوعة ضخمة، وقد بَقِيَ في مكتبة الحرم منهمكًا على الكتب إلى أن شُوهِد فيها منكبًّا على بعض الكتب وقد فارق الحياة، وكأنه والله أعلم أصابته أزمة قلبية مات على إثرها فورًا [4] . ومثل هؤلاء العلماء عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله الخَبْري، أبو الحكم: أحد علماء الأدب والفرائض والحساب، من فقهاء الشافعيَّة، من كتبه (شرح ديوان الحماسة) ، و (شرح ديوان البحتري) ، و (شرح ديوان المتنبي) ، و (شرح ديوان الشريف الرضي) ، ذكره مترجموه في جملة كتبه، وبينما هو قاعد يَكتب، وضع القلمَ من يده واستند، وقال: والله إنَّ هذا موت هنيء وطيِّب، ومات [5] ! وذكر ابنُ الوردي في تاريخه في حوادث سنة 256هـ أنَّ أبا عثمان الجاحظ الأديب المشهور الباقعة صاحب الكتب التي سارت مسير الشمس، وقعَت عليه مجلَّداته المصفوفة وهو عليل فقتلَته [6] . وقد كان الجاحظ لشغفه بالكتب وغرامه بها يكتري حوانيتَ الورَّاقين (باعة الكتب) ، ويبيتُ فيها للمُطالعة. وقد قضى عمره عاكفًا على التأليف، وبسبب هذا الغرام والهُيام بالمعرفة والثقافة، وصل به الحد أن ينسى كُنيته ثلاثةَ أيام، فذهب إلى أهله قائلًا: بمن أُكْنى؟! فقيل له: بأبي عُثمان! وكان يعيش ليلًا مع الكتب ونهارًا مع الناس، يتعرف على طبقاتهم، ويسألهم عمَّا يُهمُّه ويريد أن يتفهَّمه، ويأخذ من كلِّ من يعتقد أن عنده مِن المعارف ما ليس عند سواه، حتى يسجل تلك الحوادث، فهو (يسترشد بآراء الحراس، ويتحدَّث إلى الحُواة والجزارين والعطارين والنجَّارين والصيادين والأكارين والقابلات، ويسأل الحشوة وأرباب البطانة، وقد يأخذ بآراء البحريين إذا رووا له غرائب قبِلها عقلُه، أو يردها إذا كانت حديث خرافة، ويتحدَّث إلى كل مَن عنده طرائف من الكلام، وعجائب من الأقسام) . وكتابه البيان والتبيين أحد أهم أربعة كتب تصنع ثقافة الأديب، وهو أحد أكبر كتَّابنا ونوابغنا العرب المسلمين رغم فساد عقيدته، وقد ثابر على ملازمة الكتاب حتى لَقِيَ حتفه في مكتبته، فقد انهارت عليه رفوفُها وأكداسها وهو مُقعَد، فذهب في موكب من ماتوا على كتبهم.. وكان سبَب موت الخليل بن أحمد الفراهيدي أنَّهُ قال: أُريدُ أن أقرِّب نوعًا من الحِساب، تمضي الجاريةُ إلى البيَّاع فلا يُمكنُه ظلمها، ودخل المسجد وهو يُعمِل فكرَهُ في ذلك، فصدمَته ساريةٌ وهو غافلٌ عنها بفكرِه! فانقلَبَ على ظهره، فكانت سَبَبَ موته رحمه الله تعالى [7] . والخليل مؤسس العروض والقافية، وأستاذ أساتذة البصرة والكوفة في النحو، وشيخ سيبوبه، ومؤسس علم المعجمات العربية، وقد ذكر المؤرخون أنه اجتمعت له علوم لم تجتمع لواحد قبله، وقد عَمِلَ أول كتاب العين المعروف المشهور الذي به يتهيأ ضبط اللغة، وكان من الزهاد في الدنيا، والمنقطعين إلى العلم، فهو المؤسس لعلم المعاجم، وقد كان أعلم الناس بعد الصحابة بلغة العرب، وكما رأيت كانت تلك نهايته وهو يكرر مسألة علمية يريد أن يصل فيها إلى حل كي يسهل استذكارها لطلبة العلم.. وورد في ترجمة العلامة النحوي أحمد بن يحيى المعروف بثعلب رحمه الله: كان سبب وفاته: أنه خرج من الجامع يوم الجمعة بعد العصر، وكان قد لحقه صمم لا يسمع إلا بعد تعبٍ، وكان في يده كتاب ينظر فيه في الطريق، فصدمته فرس، فألقته في هوة، فأخرج منها وهو كالمختلط، فحمل إلى منزله على تلك الحال وهو يتأوَّه من رأسه، فمات ثاني يوم [8] . لقد كان لا يفارقه الكتاب صباحَ مساء ليلًا ونهارًا في كل أحواله وهو جالس ومضطجع ويمشي، فكانت نهايته وهو يقرأ، وقد قيل: إن الناس كانوا يصيحون به أثناء هيجان تلك الفرس وبسبب صممه لم يسمع، وهو عالم نحوي بليغ من عجائب الزمان.. عندما يتعلق الإنسان بشيء يصبح جزءًا من كِيانه، وإذا أحب شيئًا تغلغل في عروقه ودمه، وفي تاريخنا هذه النماذج وغيرها كثير من العلماء الكبار الذين أحبوا القراءة حبًّا عظيمًا، وشغفوا بها وماتوا وهم يقرؤون أو يرددون، ويكررون مسائل العلم لقد ماتوا بين كتبهم وغادروا دنيانا الفانية وهم يمارسون لذة القراءة التي تُعد من أعظم لذائذ الحياة.. [1] تاريخ بغداد للخطيب البغدادي 13/ 103. [2] الأعلام 1/ 209. [3] "الأعلام" 2/ 61. [4] "الأعلام" 3/ 342. [5] "الأعلام"4 /63. [6] "تاريخ ابن الوردي" 1 /225 طبعة دار الكتب العلمية. [7] "صفحات من صبر العلماء"، ص (166). [8] وفيات الأعيان (1/ 104).
إزالة إيهام القائلين بوجود الجهالة في بعض رجال الصحيحين لوائل حمود هزاع
محمود ثروت أبو الفضل
15-01-2022
1,673
https://www.alukah.net//culture/0/152173/%d8%a5%d8%b2%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a5%d9%8a%d9%87%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%84%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d9%88%d8%ac%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%87%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d9%87%d8%b2%d8%a7%d8%b9/
إزالة إيهام القائلين بوجود الجهالة في بعض رجال الصحيحين لوائل حمود هزاع صدر حديثًا كتاب "إزالة إيهام القائلين بوجود الجهالة في بعض رجال الصحيحين"، تأليف: د. "وائل بن حمود بن هزاع"، نشر: "دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع". ويتناول الكتاب الرد على بحث يزرع شبهة وجود جهالة في بعض رجال الصحيحين البخاري ومسلم. حيث يؤسس الباحث قواعد تعامل الأئمة مع الرواة الذين لم يوصفوا بجرح أو تعديل، والتي لابد من مراعاتها في الصنعة الحديثية ومنها ضبط الرواية ومقارنة المرويات وخلو الرواية من التفرد والنكارة وغير ذلك من القواعد التي يتكامل فهمها الدقيق بأخذها جملة واحدة لا تنفك. ونجد في الكتاب بيان كيفية الصنعة الحديثية لدى المتقدمين الجامع بين النظرية والتطبيق وأهمية مراعاتها من ضبط الرواية ومقارنة المرويات وخلو الرواية من التفرد والنكارة وغير ذلك من القواعد التي يتكامل فهمها الدقيق بأخذها جملة واحدة لا تنفك. وقد أوضح الباحث أن منهج المتقدمين في الصناعة الحديثية يجمع بين النظرية والتطبيق من غير اختلال. حيث يبين موطن الخلل لدى بعض الباحثين في تعاملهم مع نصوص أو قواعد أطلقها الأئمة في هذا العلم دون الرجوع إلى التطبيق والذي أخذه من دواوين الأئمة: أبرزها الصحيحين. وفي الكتاب عدة تطبيقات ودراسات نقدية في علم العلل والجرح والتعديل وسبر أقاويل الأئمة وطرق الحديث وكيفية التعامل مع المصادر الحديثية وكيفية تناولها ودراستها بما توثق هيبة الثوابت الحديثية لدى الأمة. والبحث بشكل عام يهدف إلى القيام بواجب الدفاع عن الإسلام من خلال ردّ شبهة "وجود رواة مجهولين في أسانيد صحيح البخاري ومسلم". يقوم البحث -على منهج البحث الحديثي الاستقرائي- وينقسم إلى: مقدمة وثلاثة مباحث. • أما المقدمة فذكر فيها: سبب البحث، وأهميته، وهدفه بكونه يتعلق بصحيح البخاري ومسلم، وعلاقة ذلك بعلوم السنة النبوية، وبيان مدى تأثير الأبحاث التي تتناول المساس بهما، وخطورة مآلات الأبحاث التي يستفيد منها الطاعنون على الصحيحين خاصة، والسنة عمومًا، مع ذكر ركائز البحث إجمالًا. وأما الثلاثة مباحث فهي: المبحث الأول: الجهالة في مصطلح أهل الحديث وأسبابها وأقسامها وحكمها. وتحته ثلاثة مطالب، هي: • المطلب الأول: تعريف "الجهالة" لغةً واصطلاحًا وأقسامها. • المطلب الثاني: أسباب الجهالة. • المطلب الثالث: حكم الجهالة. المبحث الثاني: أسباب الخلل عند الباحث في وجود من لم يُوصف بجرح أو تعديل في بعض رجال الصحيح. وتحته تمهيد وثلاثة مطالب، هي: • المطلب الأول: ضعف التصور وسابقية الاعتقاد. • المطلب الثاني: الباحث مع قواعد المحدثين. • المطلب الثالث: دعوى الإحصاء والجمع. المبحث الثالث: الاستقراء والدراسة بين دعوى الباحث والمنهجية العلمية. وتحته تمهيد ومطلبان، وهما: • المطلب الأول: محاور قصور الاستقراء والدراسة. • المطلب الثاني: المثال العلمي للجمع والدراسة. ثم الخاتمة: وفيها أهم نتائج البحث. وبعدها أرفق الكاتب فهرسة للمراجع والمصادر والموضوعات. ومن أبرز نتائج البحث: • الفائدة من تسمية الإمامَين البخاري ومسلم كتابيهما بـ: "الصحيح" أنه ليس فيه شيء ضعيف عندهما؛ وإن كان فيه مواضع قد انتقدها غيرهما؛ فقد أجيب عنها في موضعه، وعلى ذلك وقع اتفاق الأمة بصحة حديثهما، وقد صحَّ عنهما ما يدل على أنهما ما أدخلا في الجامع إلا ما صح عندهما. ورواة أسانيدهم مقبولو الرواية، إلَّا أنَّ التعامل مع رواة الصحيحين ليس له اعتبار واحد يقاس به جميع الرواة، دون النظر في مقدار الإكثار أو الانتقاء في رواية الشيخين لهم، أو الرواية لهم في الأصول من غيرها. • فيما وقف عليه الباحث بحث جمع ودرس فيه صاحبُه "مَن لم يُوصف بجرح أو تعديل في بعض رجال الصحيح" وكانت أبرز أسباب الخلل فيه تعود إلى سوء فهم منهج المتقدمين في الصناعة الحديثية الجامعة بين النظرية والتطبيق من غير اختلال. كما أنه لم يهتد إلى الصواب في كيفية تعامله مع نصوص أطلقها المتأخرون مع المتقدمين؛ إذ ليس كل عملٍ وفهمٍ عند المتأخر يطّرح جهد مصنف سابق بالكلية؛ ومنه أن جعل أحكام عامة عند ابن حجر في "التقريب" قاضية على توثيق ضمني بإخراج البخاري ومسلم في "الصحيح" لرواة قال فيهم ابن حجر: "مقبول" وكتأصيل ترك توثيق العجلي وابن حبان جملة وتفصيلًا لتساهلهما عنده. • لا بدَّ أن يُراعى في جمع رواة لم يوصفوا بجرح أو تعديل من رواة الصحيحين بأنهم من رواة الإسناد، لا أنه ورد ذكر الواحد منهم في قصة - أو نحوها - في الرواية. والتوصيف بوجود من لم يوصف بجرح أو تعديل ليس معناه بالضرورة مجهول. • لا بدَّ أن يُراعى في جمع رواة لم يوصفوا بجرح أو تعديل من رواة الصحيحين خلو ذكر اسم الراوي من الوهم أو الخطأ، سواء كان في اختلاف الأسماء واتفاق الذوات الواقع في كتب التراجم، أم كان خطأ في نسبة رواة بأنهم من رجال الصحيحين أو أحدهما، فإنَّه لا دراسة إلَّا لمن ثبت أنَّه من رجال الصحيح ولم يوصف بجرح أو تعديل غير ملتبس براو آخر موصوف بجرح أو تعديل. • لا يُجعل من إخراج الإمامين البخاري ومسلم لراوٍ في الشواهد والمتابعات دليلًا على ضعفه أو جهالته عندهما، لكن يُدفَع النقد عنهما لما جاء من غمز في راوٍ عندهما بكيفية إخراجهما لهذا الراوي، ومن ذلك كون هذا الراوي خُرِّج له في الشواهد والمتابعات، والفرق واضح بين الأول والثاني. • ليس هناك - فيما يرجح- من صنَّف من المتقدمين كتابًا خاصًا يجمع فيه من لم يوصف بجرح أو تعديل من رجال الصحيح، أو أفرد مصنفًا خاصًا لنقد أحاديث الصحيح بعلة كهذه، وفي هذا دليل كاف لرد مزاعم من رام حول هذا الموضوع بتأليف خاص، وإن جرت مناقشات من أئمة وإلزامات على البخاري - أو مسلم - بوجود راو ليس هناك من وثقه؛ فإن إعراض الأئمة عن الإعلال بوجود الجهالة كاف بترك النقد بمثل هذا. نعم، يذكر الإسماعيلي شيئًا قليلًا من هذا، يجمعه مع إشكالاته الأخرى حول حديثٍ (ما) في الصحيح؛ لكن لم يُسلَّم له ذلك، وتركه الإشكال لأكثر الرواة الذين ليس فيهم توثيق شاهد على ما يقول الباحث في هذه الدراسة، وتلقف وجود إشكال هنا أو هناك خطير على صاحبه إن سلمت طويته. وقد جاء عنوان هذا البحث عامًا صالحًا للرد على مَن يتناول الشبه حول الصحيح، بوجود جهالة في بعض رواته، فيلتف المتناول بذلك على حديث الصحيح بالتضعيف، ويرى الباحث وجوب ما قام به -كباحث في علوم الحديث- وعلى غيره من أهل العلم التنبه في صيانة الصحيحين للشبه الواردة حوله في عصرنا هذا، الذي يتسارع فيه أعداؤنا للنيل من ثوابتنا، ويزداد الأمر خطورة حين تكون بعض تلك الشبه صادرة من أبناء جلدتنا بحسن نية! وفي الردود على كلٍّ بالبحث العلمي الرصين نفع عظيم للباحثين والمحبين للسنة النبوية وأهل نحلتها، الذين لا يعدلون عن كلام الأئمة إلى شيء غير منقول، وبالاحتمال من غير سلف لا يسوَّغ في المعقول. والباحث د. "وائل بن حمود بن هزاع ردمان" يمني الجنسية، أستاذ مشارك في الحديث وعلومه بجامعة نجران - المملكة العربية السعودية. حصل على ماجستير في الحديث وعلومه من كلية الدعوة وأصول الدين- جامعة أم القرى - عام التخرج 1428هـ. وكانت الرسالة: تحقيق ودراسة جزء من شرح الدميري على سنن ابن ماجه المسمى (الديباجة على سنن ابن ماجة). حصل دكتوراه في الحديث وعلومه عام (1434هـ) من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، كلية الدعوة وأصول الدين - قسم الكتاب والسنة -. وعنوان الرسالة: (طبقات الرواة عن الإمام سفيان الثوري) وقد طُبع الكتاب بزيادات تحت مسمى: "معنى الطبقة في علل ومراتب الرواية، وطبقات الرواة عن الإمام سفيان الثوري). من مؤلفاته: 1. مفهوم الطبقة في علل الرواية وتصحيحها وطبقات الرواة عن الإمام سفيان الثوري، وهي أصل رسالة الدكتوراة. (مطبوع). 2. تحقيق وتخريج كتاب الديباجة لسنن ابن ماجه (للدميري) - جزء - رسالة الماجستير. 3. قرة العينين في حديث الكساء الثقلين رواية ودراية (مطبوع). 4. إيضاح ما أشكل من حديث زيد بن أرقم للأمير الصنعاني (دراسة وتحقيق) (مطبوع). 5. حديث الأئمة الموصفين بالتدليس في الصحيحين، بحث محكم ومنشور. 6. دفع موهم تعارض أدلة التفضيل بين فاطمة وخديجة وعائشة رضي الله عنهن، بحث محكّم ومنشور. 7. الرواية بالمعنى (حديث الإمام أيوب السختياني مثالًا) بحث محكّم ومنشور. 8. الآثار الواردة في فقه الصلاة في ساحات الحرم والمباني المجاورة له، بحث محكّم وتحت النشر. 9. ثنائيات الإمام سفيان الثوري (ت161 هـ) في الكتب الستة، بحث محكّم ومنشور.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال - التبعية)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
12-01-2022
4,914
https://www.alukah.net//culture/0/152122/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d8%a9/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال - التبعية ) مرت وقفتان عن الاحتلال، من حيث كونه محددًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، وكانتا قد ركزتا على العلاقة بين الاستشراق والاحتلال من جهة، والتنصير والاحتلال من جهة أخرى، حتى عدت هذه المحددات الثلاثة أهم ركائز البعد بين المسلمين والغرب، بل الأبعاد بين المسلمين والغرب،ويتجاوز الحديث هنا عن التأريخ الدقيق للاحتلال والدول المحتلة. لم يألُ الاحتلال عبر تاريخه الطويل للبلاد العربية والإسلامية جهدًا في تغريب المجتمع المسلم، بنزع الإسلام نزعًا من نفوس المسلمين؛ رغبةً في ضمان التبعية السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها من مناحي الحياة، التي يراد بها أن تسير بهَدْيٍ من الإسلام. ليس المقصود هنا إلقاء اللوم على الغرب وحده في هذا، وتحميله كل ما حل بالمجتمع المسلم نتيجةً للاحتلال؛ لأن الغرب في هذا إنما يسعى إلى ترسيخ مصالحه في هذا المجتمع وغيره، ويسعى إلى إبعاد أي عامل من عوامل التنغيص لهذا الترسيخ،ويؤيد ذلك ما ذهب إليه المفكر الجزائري مالك بن نبي - رحمة الله عليه - من أن الاحتلال قد وجد قابليةً لدى المسلمين له، فربض بينهم عقودًا طويلة لم ينغِّص وجودَه إلا تلك الأصوات العاقلة التي نبهت إلى أخطاره، ودعت إلى مقاومته والوقوف في وجهه. الذين يدرسون الاحتلال ومقاومته يعلمون أن الذين وقفوا في وجهه هم - في الغالب - المسلمون القادة الذين خلدهم التاريخ، وإن كانوا قد عانَوْا في سبيل إخراج المحتل حسًّا ورُوحًا. وظلت التبعية للاحتلال والمحتل قائمةً حتى مع مرور عقود عديدة من السنين على أفول نجم الاحتلال،ولا تزال المجتمعات المسلمة تعاني من آثار الاحتلال التي تمثلت في وسائل شتى، منها: أولًا: محاولة القضاء على اللغة العربية، لغة القرآن الكريم التي تربط المسلم بمقومات وجوده، وقصرها على المعابد؛ أي دور العبادة، وهي المساجد هنا، وإبعادها عن المعاهد؛ أي الجامعات والمؤسسات البحثية والمؤسسات التنموية الأخرى،ولا تزال بيننا مؤسسات علمية وتعليمية تصر على التعليم بلغة أخرى غير اللغة العربية في بلاد العرب، وهي في واقع الحال تزيد عددًا ورقعةً. ثانيًا: السعي إلى فصل الدين عن الدولة، وإبعاد علماء الدين عن التأثير في السياسة في كثير من الدول الإسلامية، وليس بالضرورة في جميع البلاد الإسلامية، وقصر الدين على السلوكيات الخاصة والأحوال الشخصية مما يطلق عليه العلمانية الجزئية [1] ، وبالتالي يتولى أمورَ الدولة أشخاصٌ ليسوا متحمسين لإدخال الفكرة الدينية في السياسة، وإن كانوا قد انطلقوا في البداية من الدين،وليس هذا مجالًا للتشهير والتشفي والنياحة، بل الأمر هنا يعمِد إلى التحليل العلمي الهادئ الذي يشخص واقعًا مَرَّ على هذه الأمة وهي تحاول الخروج منه إلى الأفضل،وربما عمدت قيادات مسلمة إلى عزل الدين عن الحياة، ليس فقط فصل الدين عن الدولة، فيما يطلَق عليه: العلمانية الشاملة [2] . ثالثًا: إبعاد الدين عن الاقتصاد، والسعي إلى زج المجتمع المسلم في نظامين اقتصاديين كانا قائمين، هما: الاشتراكية والرأسمالية، بل كلنا يذكر أن بلدًا قياديًّا من بلاد المسلمين عندما تبنى الاشتراكية جعل الإسلام هو دين الاشتراكية، وجعل محمدًا صلى الله عليه وسلم وصَحْبَه رضي الله عنهم اشتراكيين، وتغنَّتِ المغنية بأن النبي محمدًا عليه الصلاة والسلام هو إمام الاشتراكيين، ووصَف أحد الكتَّاب - غفر الله له - أبا ذر الغفاري رضي الله عنه بأنه ذلك الاشتراكي الزاهد [3] ،وكتب آخر - غفر الله له - عن اشتراكية الإسلام، أو الاشتراكية في الإسلام [4] ،وسعت كتابات أخرى إلى "مركسة الإسلام" [5] ، و"مركسة البعثة" [6] ، وإن لم تصرح بذلك،وكانت على هذا التوجه ردودٌ مختلفة، لعل أفضلها ما كتبه شيخ الأزهر عبدالحليم محمود - رحمه الله تعالى - عن الشيوعية والاشتراكية وموقف الإسلام منها [7] . رابعًا: تبني الثقافة والآداب الدخيلة، بل تلك التي سئمها أصحابها فصدَّروها إلى من تلقَّفها، ورأى فيها مخرجًا للمأزق الثقافي الذي عاشته الأمة في فترة تغييبها عن الوعي، تلك الفترة الاحتلالية وما سبقها،فظهرت على المجتمع ظاهرة الحداثة التي تبنَّت - على ما ظهر من بعض أطروحاتها - الحرب على التراث، وكان هناك صراع مفتعل بين التراث والمعاصرة، وحورب التراث في سبيل النهوض بالحداثة [8] ، وأهينت أوعيةُ معلومات التراث من الكتب والمخطوطات، وصارت تدعى بالكتب الصفراء التي تعيد الناس إلى "الماضوية"، وصارت العناية بالتراث توحي بالتخلُّف والرجعية. خامسًا: دعوة المرأة إلى التمرد على الأوضاع التي تعيشها،وهنا يدور خلطٌ بين الأوضاع السيئة التي تعيشها المرأة العربية والمسلمة بسبب تقاليد وعادات محلية لا تحترم بالضرورة المرأة، ولا تنطلق من منطلق ديني، وبين نظرة الإسلام الواضحة للمرأة، بل ربما كان هناك تعمدٌ بلصق هذه العادات والتقاليد بالإسلام، وأنه لم يعطِ المرأة حقوقَها التي حصَلَت عليها نظيراتها في المجتمعات المتقدمة، إن كانت قد حصلت عليها فعلًا، مما يعني الثورة على هذا الوضع، وتبني النموذج الغربي في التعامل مع المرأة، من دون النظر إلى سلبيات هذا النموذج على المرأة نفسها، وبالتالي على المجتمع والأمة. سادسًا: بذر الشقاق بين المسلمين على المستويات الرسمية، بالمغالطات في رسم الحدود بين الدول، وإيجاد تداخلات فيما بينها، بحيث تبقى المنطقة في قلق دائم ومنازعات مستمرة، مما يرسخ الحاجة الدائمة إلى الآخر في فض النزاعات، واللجوء إلى التحكيم الدولي، بل النزوع إلى المؤسسات الدولية في الحكم على نزاعات نَعدها سطحية، وإن كانت العزيمة المعلنة قائمةً على التفاهم والود ونبذ الخلاف، والتلاقي عند نقاط اللقاء، وغير هذه العوامل التي يطول بذكرها المقام. ويظل الاحتلال، برغم أفوله، عاملًا مهمًّا ومؤثرًا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب، مما يستحق معه إطالة الوقوف مع هذا العامل الذي ترك آثارًا سلبية على المجتمع المسلم، ما يزال المسلمون يعانون منها، وقد يحتاجون إلى زمن طويل قبل الخروج من هذه المؤثرات لهذا المحدد الواحد. [1] انظر: عبدالوهاب المسيري ، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - 2 مج - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ / 2002م - 1: 6. [2] انظر: عبدالوهاب المسيري ، العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة - المرجع السابق - 1: 16. [3] انظر: عبدالحميد جودة السحار ، أبو ذر الغفاري: الاشتراكي الزاهد ، القاهرة: دار الهلال، 1385هـ/ 1966م - ص 201 - (سلسلة كتاب الهلال؛ 178) ، وانظر أيضًا: عبدالحميد جودة السحار ، أبو ذر الغفاري صاحب رسول الله: مصدر يبحث "الاشتراكية في الإسلام" - ط 10 - القاهرة: مكتبة مصر، د ، ت - ص 208 ، ويرد الدكتور عبدالحليم محمود على هذا التوجه عن أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه - في: أبو ذر الغفاري والشيوعية - ط 4 - القاهرة: دار المعارف، 1985م - ص 87. [4] انظر: مصطفى السباعي ، اشتراكية الإسلام - ط 2 ، دمشق: دار المطبوعات العربية، 1379م - 425ص. [5] انظر: منصور أبو شافعي ، مركسة الإسلام - القاهرة: دار نهضة مصر، 1999م - ص 80 - (سلسلة في التنوير الإسلامي؛ 39). [6] انظر: منصور أبو شافعي ، مركسة التاريخ النبوي - القاهرة: دار نهضة مصر، 2000م - 96ص - (سلسلة في التنوير الإسلامي؛ 54). [7] انظر: عبدالحليم محمود ، أبو ذر الغفاري والشيوعية - ط 4 - مرجع سابق - ص 87. [8] انظر: عبدالإله بلقزيز، محاور ، الإسلام والحداثة والاجتماع السياسي: حوارات فكرية - مرجع سابق - ص 147.
عرض موجز لأطروحة "ابن تيمية" النقدية لمنطق اليونان
علاء عادل
11-01-2022
3,351
https://www.alukah.net//culture/0/152099/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%85%d9%88%d8%ac%d8%b2-%d9%84%d8%a3%d8%b7%d8%b1%d9%88%d8%ad%d8%a9-"%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9"-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86%d8%a7%d9%86/
عرض موجز لأطروحة "ابن تيمية" النقدية لمنطق اليونان إن كتاب " الرد على المنطقيين " لابن تيمية يدور حول أربع دعاوى تلخصت في مقامين؛ أحدهما إيجابي، والآخر سلبي، وكل منهما إما في شكوكه حول التصور أو التصديق، أول تلك الدعاوى هي دعوى المناطقة أن التصور لا يُنال إلا بالحد، والثانية أن هذا الحد يفيد تصور الأشياء، والثالثة دعواهم أن التصديق لا يُنال إلا بالقياس، والرابعة أن البرهان يفيد العلم بالتصديق. وعلى هذا سنقوم بعرض مضمون أهم ما جاء في ذين القسمين - أعني قسمي التصورات والتصديقيات - حسب ما رأى ابن تيمية محاولين الإيجاز والإيعاب قدر الاستطاعة. [ الدافع وراء نقد ابن تيمية لمنطق اليونان] : لم يكن نقد ابن تيمية وراءه تعصبًا دينيًّا كما يحلو لبعض مَن يرى خصومة بين العقل والنقل، بل إن ابن تيمية رأى في منطق أرسطو ما هو مخالف للعقليات، وأنه عبارة عن وضع واصطلاح ليس إلا، فإذا ثبت أن هناك أشياء في المنطق ليس للعقل فيها مدخل، فحينئذٍ لا ينبغي أن يكون اصطلاحُ جماعة حاكمًا على كل الجماعات، وإلا كان تحكمًا محضًا. تنبَّه ابن تيمية أيضًا إلى أن منطق اليونان من أسباب فساد قولهم في الإلهيات، "بل كثير مما ذكروه في المنطق يستلزم السفسطة في العقليات، والقرمطة في السمعيات" [1] . وأخيرًا، يرى ابن تيمية أن المناطقة يعبرون عما هو واضح بأكثر الطرق تكلفًا وغرابة، "وليس لذلك فائدة إلا تضييع الزمان، وإتعاب الأذهان، وكثرة الهذيان، ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان" [2] . [نظرية ابن تيمية في الحدِّ الأرسطي]: بدأ ابن تيمية أطروحته النقدية بكلامه حول دعوى المناطقة أن التصور لا يُنال إلا بالحد، وأن الحد يفيد التصور، ومعنى هذه الدعوى أن إلانسان إذا أراد أن يتصور ماهية شيء معين، فلا بد له أن يقوم بحد ذلك الشيء؛ أي: تعريفه عن طريق ذكر ذاتياته من جنس قريب وفصل، وبهذا يتم تصور الشيء، ولا يتم بغير هذا. وتلك دعوى بلا دليل في نظر ابن تيمية، فالحد عند ابن تيمية لا يفيد إلا ما تفيده الأسماء الدالة على المسميات، فالاسم يميز بين الشيء والآخر، وكذلك الحد، فائدته التمييز بين المحدود وغيره، ومعلوم أن مجرد الاسم "لا يفيد تصور المسمى" [3] ، إلا لمن تصوره قبل ذلك، وكذلك الحد. لم يكن هذا أمرًا جديدًا من ابن تيمية؛ فقد كان ذلك مشهورًا عند قدماء المتكلمين كالأشعري والباقلاني، فكان غاية الحد عندهم التمييز فقط، وليس الوصول إلى ماهية الأشياء، ولم تتغير فائدة الحد عند المتكلمين إلا في القرن السادس الهجري مع الغزالي ودفاعه عن المنطق الأرسطي. فابن تيمية يرى أن التصورات إنما تحدث بالحواس لا بوضع الحدود، فنحن تصورنا الكتاب – مثلًا - لأننا رأيناه، لا لأني سمعت حدًّا له من قبل. وعلى هذا قدَّم على دعوى المناطقة اعتراضات كثيرة، استفاد بعضها ممن سبقوه بنقد المنطق الأرسطي كسُفسطائيي اليونان والرواقيين والمتكلمين [4] ، نذكر من هذه الاعتراضات ما يلي: ابتدأ ابن تيمية قوله باستغناء جميع الأمم قبل وضع المنطق - بل وبعده أيضًا - عن الحد، فأصحاب الصناعات وعامة الناس لم يستخدموا الحد فيما احتاجوا إلى معرفته، ومع ذلك هم عرفوا الأشياء وعلموا فيما تستخدم. ثم إن المناطقة اشترطوا في الحد المعرِّف لماهية الشيء شروطًا قلَّما يسلم حدٌّ من معارضتها، فالوصول إلى الذاتيات المؤلِّفة للحد إما متعذر لا يمكن، أو متعسرٌ صعب الوصول إليه، فكيف يمكن معرفة أن هذه الصفة ذاتية دون الأخرى رغم وجود التشابه والتقارب وحتى التماثل؟ فكما يقول ابن تيمية: "طلب الفرق بين المتماثلات ممتنع، وبين المتقاربات عسِر" [5] . وهذا مما نبَّه عليه الغزالي في مستصفاه؛ حيث يقول: "وقد يسهل دَرْكُ بعض الذاتيات ويعسر بعضها، فإن درك جميع الذاتيات حتى لا يشذ واحد منها عسير، والتمييز بين الذاتي واللازم عسير، ورعاية الترتيب حتى لا يبتدأ بالأخص قبل الأعم عسير، وطلب الجنس الأقرب عسير" [6] . ثم إن سلمنا أن الحادَّ يعلم ذاتيات الشيء، فهذا يؤكد أنك تصورت الشيء دون حد، وأن الحد لا يفيد التصور. ومما اعترض به ابن تيمية أن المناطقة أنفسهم لم يحدُّوا ( العقل ) وهم مع ذلك عرفوه، فيُعلم من هذا استغناء التصور عن الحد. وهذا مما أشار إليه الغزالي أيضًا؛ فقال: "وكذلك إذا قيل: ( ما حد العقل؟ ) فلا تطمع أن تحده بحد واحد؛ فإنه هوس؛ لأن اسم العقل مشترك يطلق على عدة معانٍ" [7] . ثم إننا نتصور المعاني أولًا ثم نضع لها ألفاظًا تدل عليها، فكيف نضع حدًّا إذا لم نتصور المحدود أولًا؟ وإذا كان المحدود متصورًا، فماذا أفاد الحد؟ وأخيرًا، إذا كان الحد يمكن إبطاله بالنقض أو معارضته، فكيف يُعارضه المعارِض قبل أن يكون مُتصوِّرًا للمحدود؟ وبهذا يكون قد تصوَّرَ المحدود دون حدٍّ، ولهذا أبطله بالنقض وعارضه. إشكالية الكلي: إن العالم المحسوس ليس هو العالم الحقيقي حسب أفلاطون، بل هو مجرد نسخة مقلدة، وإن كانت الماهية عند أفلاطون تسبق الوجود الحسي، وإن كان سجين الكهف لم يبصر العالم الحقيقي إلا عندما فك قيوده وخرج من الكهف، فإن التفلسف لن يتحقق إلا عندما يتحرر الإنسان من التفكير وفق مجال الحس، ويفكر على مستوى الكلي الماهوي. فالحقائق ليست جزئية وليست موجودة في عالم الحس، وإنما في عالم المُثُل، وهذا العالم له وجوده المستقل المتحقِّق خارجيًّا وليس ذهنيًّا فقط. وكان هذا من أفلاطون محاولة للجمع بين طرفي نقيض من الموروث الفكري اليوناني، فبارمنيد كان يرى الوجود بوصفه ثبات ووحدة وينكر الحركة، والعلم عنده هو الذي ينطق بالثابت لا المتغير، وكان هيراقليط القائل بالتغير والصيرورة، فقال أفلاطون بوجود الثابت في عالم مفارق ماورائيٍّ هو عالم المثل، ووجود التغير في العالم الحسي الجزئي. وكان أرسطو متفقًا مع أستاذه في كون الكلي هو أساس الفلسفة وغايتها، وأنه لا علم إلا بالكلي، واتفق أيضًا مع أستاذه في أن الكليات لها تحقق خارجي، ولكنه اختلف معه، وقال: إن تلك الكليات محايثة للجزئيات، ومقارِنة لها، وليست مفارِقة. رفض ابن تيمية التأويلين السابقين للكليات المزعوم تحققها خارجيًّا، وإنما الكليات عنده ذات وجود ذهني ليس إلا، فعنده أن "الماهية هي ما يُرسم في النفس من الشيء والوجود ما يكون في الخارج منه" [8] . وهو هنا يقترب من المذهب الاسمي [9] ، كما أشار أكثر من باحث [10] ، ذلك المذهب الذي ظهر مع بداية القرن الثاني عشر مع روسلان، وانطلق من فكرة أن الكُلِّيَّ إذا كان له وجود واقعي فحينئذٍ سيكون جزئيًّا، وأنه لا بد أن يكون الوجود الحسي سابقًا على الماهية الكلية، فوجود زيد وعمرو جعلنا نستخلص المشترك بينهما ونجعله ماهية كلية، هذه الماهية الكلية لا وجود لها في الخارج ولا في الذهن، وإنما هو مجرد اسم أو لفظ. ونجد ابن تيمية يصرح بهذا في غير موضع قائلًا: "فإنا نعلم بالحس وضرورة العقل أن الخارج ليس فيه إلا شيء معين مختص لا شركة فيه أصلًا، ولكن المعاني الكلية العامة المطلقة في الذهن، كالألفاظ المطلقة والعامة في اللسان، وكالخط الدال على تلك الألفاظ" [11] . (تعقيب): إن ابن تيمية استفاد ممن سبقوه وأفاد من بعده ولا شك، ولكن أشير هنا فقط إلى مقال [12] مما وقفت عليه، يطرح فيه الباحث سؤالًا مفاده: ما مدى صدق تلك الدعاوى التي نقلها ابن تيمية كمقولات لمناطقة اليونان؟ هل قالوا حقًّا إن التصور لا يُنال إلا بالحد، وأن التصديق لا يُنال إلا بالبرهان؟ أو إن هذا كان متابعة من ابن تيمية لما قاله الغزالي قبله، حتى وإن كان الغزالي خالف فيه بقصد أو دون قصد المشهور مما اتفق عليه المناطقة؟ وإن قالوا: إن التصور لا ينال إلا بالحد، فهل مقصودهم هنا التصور التام للماهية أو التصور ولو بوجه من الوجوه؟ وهل يقصدون بالحدِّ الحدَّ التام أو مجرد التعريف والقول الشارح؟ تلك مسألة أخرى وكلام له ما بعده، وإذا ضاق المقام فحسبنا الإشارة. [نقد القياس الأرسطي]: [التصديق لا يُنال إلا بالقياس، والبرهان يفيد العلم بالتصديق]: تلك مقدمات ودعاوى عارية عن الدليل في نظر ابن تيمية، فكيف يكون القياس الشمولي [13] هو السبيل الوحيد لحصول التصديق، ومعلوم أن من القضايا ما يكون التصديق فيها عن طريق الحس والتجريب أو الخبر المتواتر، كما أن تلك التصديقات ليست على نظم واحد، فمن القضايا ما هو بدهي عند أحدهم ونظري عند الآخر، فالأمر نسبي. ثم إذا كان شرطًا في البرهان أن تكون إحدى مقدماته قضية كلية عامة، فيكون حينئذٍ هذا البرهان لا فائدة فيه إلا ترتيب المعلومات، وليس إنتاج المعلومات، فلو قلنا: ( كل سواد لون )، فيكون "حاصل القياس إدراج خاص تحت عام، ومعلوم أن من عَلِمَ العام فقد علم شموله لأفراده" [14] . ثم على نفس الشرط، وهو وجود قضية كلية عامة، فلا بد إذًا أن يعلم المستدِل تلك القضية الكلية، ويقال حينئذٍ: إن "العلم بتلك القضية إن كان بدهيًّا، أمكن أن يكون كل واحد من أفرادها بدهيًّا بطريق الأولى، وإن كان نظريًّا احتاج إلى علم بدهي، فيفضي إلى الدور أو التسلسل". أي: إن كانت قضية كلية مثل قولنا: ( كل جسم متحيز )، وكان التصديق بها بدهيًّا، فإن كل فرد من تلك الأجسام داخل في هذا الحكم ( التحيز ) بداهةً أيضًا بلا استدلال، وإن كان التصديق بتلك القضية الكلية عن طريق الاستدلال، فمن المعلوم أن هذا الاستدلال لا بد أن يكون في إحدى مقدماته مقدمة بدهية ضرورية معلومة عند الجميع، وإلا كانت الحاجة للاستدلال على ذلك الاستدلال، وهكذا إلى ما لا نهاية، وذلك مؤدٍّ إلى التسلسل وهو محال، أو يكون ذلك الاستدلال النظري الذي أدى إلى قولنا بأن كل جسم متحيز، هو نفسه القضية الكلية التي تقول بأن كل جسم متحيز، وذلك دور، وهو محال. فالحاصل أن العلم بالقضية الكلية ( كل جسم متحيز )، كان طريق مشاهدة وتتبع الجزئيات، فحكم الشيء حكم مثله، وذلك هو قياس التمثيل [15] الذي يدَّعي المناطقة أنه يفيد الظن ولا يفيد اليقين. فإن كان يفيد الظن، فتكون القضية الكلية الناتجة عنه ظنية، فكيف يشترط المناطقة في البرهان أن تكون مقدماته يقينة، رغم أنها جاءت من طريق التمثيل ( الظني في نظرهم )! والحق عند ابن تيمية أن مواد الأقيسة إذا كانت يقينية، أفاد القياس يقينًا، وإذا كانت ظنية أفاد القياس ظنًّا، سواء في ذلك القياس الشمولي وقياس التمثيل، وليس كما زعم المناطقة من أن الأول يفيد اليقين مطلقًا والآخر يفيد الظن، فهما سواء عند ابن تيمية، بل عنده أن قياس التمثيل أبيَن؛ لأن الكلي هو مثال في الذهن لجزئياته، فلا يتحقق الكلي ذهنًا إلا بعد تتبع تلك الجزئيات. إذا كان المناطقة قد حصروا الدليل في القياس والتمثيل والاستقراء، فإن طريق التصديق عند ابن تيمية يختلف عما وُجد عند المناطقة، فالدليل هو ما كان موصلًا للمطلوب، "فما كان مستلزمًا لغيره بحيث يكون ملزومًا له، فإنه يكون دليلًا عليه وبرهانًا له" [16] . ولا يشترط في هذا البرهان أن يكون من مقدمتين فقط، كما اشترط أهل اليونان، بل "قد يكون الدليل مقدمة واحدة متى عُلِمت، عُلِم المطلوب، وقد يحتاج المستدل إلى مقدمتين، وقد يحتاج إلى ثلاث مقدمات وأربع وخمس وأكثر ... ذلك بحسب علم المستدل الطالب بأحوال المطلوب" [17] . فمن يعلم أن ( كل مسكر حرام )، ولكنه لا يعلم أن ( النبيذ حرام )، وجاء من يعرف عنه هذا ويريد فقط أن ينبهه على حرمة النبيذ، فيكفيه حينئذٍ أن يخبره أن ( النبيذ مسكر )، وتكون هذه القضية الواحدة كافية له في حصول الحكم في ذهنه، دون التطويل في غير فائدة، ودون التحكم بالقول بعدم حصول التصديق إلا عن طريق القياس الحاصل بمقدمتين. ففي هذه الحالة عُلمت النتيجة بذكر بمقدمة واحدة، وحُذفت المقدمة الأخرى وهي ( كل مسكر حرام )، لعلمه به ووضوحها، وحذف إحدى المقدمتين لوضوحها أو للتغليظ مثلًا، يوجد مثله في حذف قضايا أكثر من هذا لنفس العلة دون هذا التكلف. وحفاظًا على الإيجاز نقول: إن جماع قول ابن تيمية في المنطق اليوناني يتلخص فيما نقله من حكاية الخونجي إمام المنطقيين في زمانه ساعة موته، فقد حكى من كان حاضرًا أنه قال: ( أموت وما أعلم شيئًا إلا علمي بأن الممكن يفتقر إلى الواجب )، ثم قال: ( الافتقار وصف سلبي، أموت وما علمت شيئًا )، ثم يعقب ابن تيمية ويقول: فهذا حالهم إذا كان منتهى أحدهم الجهل البسيط، وأما من كان منتهاه الجهل المركب فكثير، والواصل منهم إلى علم، يُشبهونه بمن قيل له: ( أين أذنك؟ )، فأدار يده على رأسه، ومدَّها إلى أذنه بكلفة، وقد كان يمكنه أن يوصلها إلى أذنه من تحت رأسه وهو أقرب وأسهل [18] . [1] ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، ج: 1، ص: 218. [2] ابن تيمية: الرد على المنطقيين، الناشر: دار ترجمان السنة – باكستان، ص: 31، السيوطي: صون المنطق والكلام، ج 2، ص: 18. [3] ابن تيمية: الرد على المنطقيين، ص: 36، السيوطي: صون المنطق والكلام، ج: 2، ص: 19. [4] انظر: علي سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص: 201. [5] ابن تيمية: الرد على المنطقيين، ص: 29، السيوطي: صون المنطق والكلام، ج: 2، ص: 17. [6] الغزالي: المستصفى، ص: 47، 48. [7] السابق نفسه: ص: 70. [8] ابن تيمية: الرد على المنطقيين، ص: 67، السيوطي: صون المنطق والكلام، ج: 2، ص: 26. [9] انظر: جميل صليبا: المعجم الفلسفي، ج: 1، ص: 81، انظر: يوسف كرم: تاريخ الفلسفة الأوربية في العصر الوسيط، مؤسسة هنداوي للنشر، ص: 77. [10] انظر: النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص: 197. [11] ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل، تحقيق الدكتور محمد رشاد سالم، ج: 1، ص: 216. [12] فارس بن عامر العجمي: الفحص عن دعوى أن المناطقة قالوا: "التصورات لا تُنال إلا بالحد". [13] (ما استدل فيه بحال الكلي على حال الجزئي، أو بحال الكلي على حال الكلى المساوي له في الصدق)؛ [انظر: سليمان العبد: يانع الأزهار مختصر طوالع الأنوار، ص: 23]. [14] ابن تيمية: الرد على المنطقيين، ص: 339. [15] (ما استدل فيه بحال جزئي على حال جزئي آخر)؛ انظر: سليمان العبد: يانع الأزهار مختصر طوالع الأنوار، ص: 24. [16] ابن تيمية: الرد على المنطقيين، ص: 250، السيوطي: صون المنطق والكلام، ج: 2، ص: 128. [17] السابق نفسه: 250. [18] السابق نفسه: 249، صون المنطق: 126.
أربع رسائل في الاجتهاد والتجديد للإمام السيوطي
محمود ثروت أبو الفضل
11-01-2022
4,022
https://www.alukah.net//culture/0/152095/%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%87%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%88%d8%b7%d9%8a/
أربع رسائل في الاجتهاد والتجديد للإمام السيوطي صدر حديثًا كتاب "أربع رسائل في الاجتهاد والتجديد"، للإمام "جلال الدين السيوطي" (ت 911 هـ)، تحقيق: "أبي عامر عبد الله شرف الدين الداغستاني"، نشر: "دار مدارج للنشر والتوزيع". وهذه المجموعة من الرسائل المنتقاة من رسائل السيوطي ضمت: 1- رسالة: تيسير الاجتهاد. وهذه الرسالة كانت عن نسخة خطية مفقودة، وتم العثور عليها في الهند، وقد خلص السيوطي في هذه الرسالة إلى أن الاجتهاد فرض في كل عصر، وأوضح شروطه، والأدوات والعلوم اللازمة ليصير الإنسان مجتهدًا، ثم بين كيفية الاجتهاد ومراتبه، وعرض بإيجاز لأعلام المجتهدين إلى القرن التاسع، وصولًا إلى توافر هذه الشروط فيه، وأنه من أهل الاجتهاد. 2- رسالة: الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض. وهذا الكتاب يبحث إثبات أن الاجتهاد دائم ومستمر ولا ينقطع أبدًا في أي عصر من العصور، ويرد فيه الإمام السيوطي على من أنكر ذلك، وجهل أن الاجتهاد فرض في كل عصر، من خلال إيراد أقوال للعلماء الأكابر من فقهاء المالكية في هذا الموضوع، وأن الدهر لا يخلو من مجتهد، والحث على الاجتهاد، وفوائد تتعلق بالاجتهاد، وفصول عديدة تتعلق بهذه المواضيع. وقد وضع السيوطي رسالته هذه في أربعة أبواب رئيسة: الباب الأول: في ذكر نصوص العلماء على أن الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفايات، وأنه لا يجوز شرعًا إخلاء العصر منه. الباب الثاني: في ذكر نصوص العلماء على أن الدهر لا يخلو من مجتهد، وأنه لا يجوز عقلًا أي لا يمكن خلو العصر منه. الباب الثالث: في ذكر من حث على الاجتهاد وأمر به، وذمّ التقليد. الباب الرابع: في فوائد منثورة تتعلق بالاجتهاد. 3- رسالة: إرشاد المهتدين إلى نصرة المجتهدين. هو كتاب يبحث في مسألة الاجتهاد، وركز مؤلفه السيوطي الحديث فيه عن ثلاث مسائل: • هل الاجتهاد موجود الآن، أو لا؟ • هل المجتهد المطلق هو المجتهد المستقل؟ أو بينهما فرق؟ • هل المجتهد له أن يتولى المدارس الموقوفة على الشافعية مثلًا، أو لا؟ وقد تحدث جلال الدين السيوطي في خاتمة كتابه بملخص تأليفه لكتابه، وأنه يعتبر نفسه من طائفة المجتهدين؛ فقال: "وقد منّ الله علي بانفرادي بالقيام بغرض الاجتهاد في هذا الوقت وحدي على الانفراد فلله الحمد والمنة... ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم، وأفاض علينا بفيضه العميم، إنه جواد كريم". 4- رسالة: التنبئة بمن بعث على رأس كل مائة. رسالة التنبئة بمن يبعث الله على رأس كل مائة يذكر فيها العلماء الذين يرجحهم أن يكونوا المقصودين من الحديث النبوي: "إنَّ اللَّهَ يبعثُ لِهَذِهِ الأمَّةِ على رأسِ كلِّ مائةِ سنةٍ من يجدِّدُ لَها دينَها". فيذكر من يرجح من العلماء في كل مائة سنة حتي القرن الثامن الهجري، فذكر في المئة الأولي عمر بن عبد العزيز، وفي المئة الثانية الشافعي، واختلف فيمن بعد ذلك. ونجد أن الإمام السيوطي اهتم بفكرة تجديد الاجتهاد وذم التقليد، وأن الله يبعث لهذه الأمة كل مائة عام من يجدد لها دينها، وقد أورد السيوطيُّ نصوصًا لعلماء من جميع المذاهب تتَّفق على أن الاجتهاد في كلِّ عصرٍ فرض من فروض الكفايات؛ إذا اشتغل بتحصيلِه واحدٌ سقط الفرضُ عن الجميع، وإن قصَّر فيه أهلُ عصرٍ عَصوا بتركِه وأشرفوا على خطرٍ عظيم، وأنه لا يجوز شرعًا إخلاء العصر منه؛ لأن الخلوَّ من مجتهد يلزم منه اجتماع الأمَّة على الخطأ، وهو تركُ الاجتهاد الذي هو فرضُ كفاية، وأن ترك الاجتهاد يؤدِّي إلى إبطال الشريعة؛ لأن قوامَ الشرع بالمجتهدين. وقد حدَّد السيوطيُّ في كثير من كتبِه ورسائلِه ومقاماته طبيعةَ الاجتهاد الذي يدَّعيه، فبيَّن أنه "مجتهدٌ مطلَق منتسب" تابعٌ للإمام الشافعي رضي الله عنه، وتحرير ذلك: أنه نقَل عن أئمة المذاهبِ وأصحابِهم الأمرَ بالاجتهاد والنهيَ عن التقليد، وخاصَّة قول "أبي طالب المكي" في "قوت القلوب": "اعلم أن العبد إذا كاشفه الله بالمعرفةِ واليقين لم يسَعْه تقليد أحدٍ من العلماء، وكذلك كان المتقدمون: إذا افتتحوا هذا المقامَ خالفوا مَن حملوا عنه العلم، ولأجل ذلك كان الفقهاء يكرهون التقليدَ". كما نقل عنهم أن المجتهد المطلق هو الذي يتأدَّى به فرضُ الكفاية، أما المجتهد المقيَّد: فظاهر كلام الأصحاب أنه لا يتأدَّى به فرضُ الكفاية، ويظهر تأدِّي الفرض به في الفتوى، وإن لم يتأدَّ به في إحياء العلوم التي منها استمدادُ الفتوى. والجَلَال السُّيُوطي (849 - 911 هـ = 1445 - 1505 م) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين. • إمام حافظ مؤرخ أديب. له نحو 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة. • نشأ في القاهرة يتيمًا (مات والده وعمره خمس سنوات). • اتجه إلى حفظ القرآن، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه. • وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم الكمال بن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا خاصة في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة. • وقام برحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي. ثم دَّرس الحديث بالمدرسة الشيخونية. • ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزويًا عن أصحابه جميعا، كأنه لا يعرف أحدا منهم، فألف أكثر كتبه. • تلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم "شمس الدين الداودي" صاحب كتاب "طبقات المفسرين"، و"شمس الدين بن طولون"، و"شمس الدين الشامي" محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير "ابن إياس" صاحب كتاب "بدائع الزهور في وقائع الدهور". • وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها. وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها. وبقي على ذلك إلى أن توفي. • وذُكرَ في كتاب (المنح البادية) أنه كان يلقب بابن الكتب، لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب، ففاجأها المخاض، فولدته وهي بين الكتب! من كتبه: • (الإتقان في علوم القرآن). • (إتمام الدراية لقراء النقاية) كلاهما له، في علوم مختلفة. • (الأحاديث المنيفة). • (الأرج في الفرج). • (الاذدكار في ما عقده الشعراء من الآثار). • (إسعاف المبطإ في رجال الموطأ). • (الأشباه والنظائر) في العربية. • (الأشباه والنظائر) في فروع الشافعية. • (الاقتراح) في أصول النحو. • (الإكليل في استنباط التنزيل). • (الألفاظ المعربة). • (الألفية في مصطلح الحديث). • (الألفية في النحو) واسمها (الفريدة) وله شرح عليها. • (إنباه الأذكياء لحياة الأنبياء) رسالة. • (بديعية وشرحها). • (بغية الوعاة، في طبقات اللغويين والنحاة). • (التاج في إعراب مشكل المنهاج). • (تاريخ أسيوط) وكان أبوه من سكانها. • (تاريخ الخلفاء). • (التحبير لعلم التفسير). • (تحفة المجالس ونزهة المجالس). • (تحفة الناسك). • (تدريب الراويّ) في شرح تقريب النواوي. • (ترجمان القرآن). • (تفسير الجلالين). • (تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك). • (الجامع الصغير) في الحديث. • (جمع الجوامع، ويعرف بالجامع الكبير). • (الحاوي للفتاوي). • (حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة). • (الخصائص والمعجزات النبويّة). • (درّ السحابة، في من دخل مصر من الصحابة) . • (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) ستة أجزاء. • (الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير). • (الدراري في أبناء السراري). • (الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة). • (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج). • (ديوان الحيوان) اختصره من حياة الحيوان للدميري، وقد ترجم إلى اللاتينية. • (رشف الزلال) ويعرف بمقامة النساء. • (زهر الربى) في شرح سنن النسائي. • (زيادات الجامع الصغير) مرتبة على الحروف. • (السبل الجلية في الآباء العلية). • (شرح شواهد المغني) سماه (فتح القريب). • (الشماريخ في علم التاريخ) رسالة. • (صون المنطق والكلام، عن فن المنطق والكلام). • (طبقات الحفاظ). • (طبقات المفسرين). • (عقود الجمان في المعاني والبيان) أرجوزة. • (عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد). • (قطف الثمر في موافقات عمر). • (كوكب الروضة) في ذكر جزيرة الروضة التي كان من سكانها. • (مقامات) 24 رسالة في مباحث مختلفة. • (اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة). • (لب اللباب في تحرير الأنساب). • (لباب النقول في أسباب النزول). • (ما رواه الأساطين في عدم المجئ إلى السلاطين) . • (متشابه القرآن). • (مجموعان) مخطوطان، يشتملان على 43 رسالة - ذكر أسماءها حبيب الزيات في (خزائن الكتب). • (المحاضرات والمحاورات). • (المذهب فيما وقع في القرآن من المعرب). • (المزهر) في اللغة. • (مسالك الحنفا في والدي المصطفى). • (المستطرف من أخبار الجواري). • (مشتهى العقول في منتهى النقول). • (مصباح الزجاجة) في شرح سنن ابن ماجه. • (مفحمات الأقران في مبهمات القرآن). • (مقامات) في الأدب. • (المقامة السندسية في النسبة المصطفوية). • (مناقب أبي حنيفة). • (مناقب مالك). • (مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا). • (المنجم في المعجم) ترجم به أشياخه. • (نزهة الجلساء في أشعار النساء). • (النفحة المسكية والتحفة المكية) في عدة علوم. • (نواهد الأبكار) حاشية على البيضاوي. • (همع الهوامع) في النحو. • (الوسائل إلى معرفة الأوائل)... وغير ذلك.
نتفليكس فطرة منتكسة ولذة مهلكة (شاهد كل ما تريده مقابل سعر زهيد)
د. محمد أحمد صبري النبتيتي
11-01-2022
2,525
https://www.alukah.net//culture/0/152088/%d9%86%d8%aa%d9%81%d9%84%d9%8a%d9%83%d8%b3-%d9%81%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86%d8%aa%d9%83%d8%b3%d8%a9-%d9%88%d9%84%d8%b0%d8%a9-%d9%85%d9%87%d9%84%d9%83%d8%a9-%d8%b4%d8%a7%d9%87%d8%af-%d9%83%d9%84-%d9%85%d8%a7-%d8%aa%d8%b1%d9%8a%d8%af%d9%87-%d9%85%d9%82%d8%a7%d8%a8%d9%84-%d8%b3%d8%b9%d8%b1-%d8%b2%d9%87%d9%8a%d8%af/
نتفليكس فطرة منتكسة ولذة مهلكة (شاهد كل ما تريده مقابل سعر زهيد) هذا هو شعار نتفليكس الجذاب في زمن صارت اللذة فيه هي المعيار، ولو على حساب الفطرة، فصرت ترى أفلامًا تقرر اشتهاء الأطفال ( البيدوفيليا )، وأفلامًا تجعل اللواط والزنا حتى زنا المحارم حقًّا مشروعًا. شاهد كل ما تريده ولو كان تافهًا، ولو كان حرامًا، ولو كان شاذًّا، شاهد كل ما تريده مما حرمك منه دينك أو عائلتك، شاهد مقابل سعر زهيد؛ فالثمن الذي نريده ليس مالك فقط، فهو بالنسبة لنا سعر زهيد، بل نريد عقلك وفطرتك وفؤادك، نريدك آلة شوهاء شلاء، لا جمال فيها ولا حراك. ربما تعجب من وقاحة وصراحة هذه الأفلام، لكن سيزول عجبك حينما تعرف أنه إذا انتكست الفطرة، صار كل شيء مباحًا، فصار الحق باطلًا والباطل حقًّا، وصار المعروف منكرًا والمنكر معروفًا؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرُ أَسْوَدَ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ))؛ [رواه مسلم: 144]. قال صاحب "التحرير": "معنى الحديث أن الرجل إذا تبع هواه وارتكب المعاصي، دخل قلبه بكل معصية يتعاطاها ظلمة، وإذا صار كذلك افتتن وزال عنه نور الإسلام والقلب مثل الكوز، فإذا انكب، انصب ما فيه، ولم يدخله شيء بعد ذلك"؛ [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج]. لما زال نور الإسلام من قلوب شبابنا، وحلت مكانه الحداثة، وما بعدها صار ما صار من انتكاس الفطر، وارتكاس الألباب، وإدمان اللذات المهلكات. نتفليكس بشعارها الأحمر تحقق خطة من خطط الشيطان، وهي إيجاد طريقة للسيطرة على عقول الناس؛ من أجل طمس فطرهم، وإزهاق إيمانهم، قد يقول قائل: هم يفعلون ما يثير الجدل من أجل الربح، ليس أكثر نقول: بل يربحون في إطار ما يصب في مصلحة الليبرالية، فقد كان مدير الشبكة واضحًا وصريحًا، حينما رفض ما يتعلق بنقد الشذوذ والمثلية، حينما قال: إن ذلك يؤثر في نمط الحياة للعالم كله. مستفاد من نتفليكس، وخطة الشيطان على قناة السبيل لأحمد دعدوش. وقد أبدع عبدالرحمن حبش، حينما صدر مقالة بقوله: "في واقع طغت وتغلغلت فيه الأفكار المادية والمتع اللحظية، وحلَّت فيه النسبية المطلقة محل المسلمات والثوابت، في عالم ما بعد حداثي صرف؛ حيث اللاحقيقة واللامركزية، فلتصنع مركزيتك الخاصة، ولتعش بها، ولتؤمن بها، ولكن لا سلطان لها على غيرك، كان من الطبيعي في ظل هذه الأجواء والظروف خروج نماذج ومذاهب مشوهة، من حيث نظرتهم للعالم، ومن حيث المفاهيم المركزية التي يتبنونها في هذه الحياة، كمن جعلوا اللذة المادية والجسدية مركزيتهم ومبتغاهم في هذه الدنيا، أو كمن جعلوا اللامركزية مركزيتهم، فقاموا بجهد ساعين لهدم كل مركزية، ومحاربين لكل من يتبنى مركزية محكمة - كالأديان والمذاهب الفلسفية المتماسكة - بكل ما أوتوا من وسائل نزيهة كانت، أو غير نزيهة، ممهدين بذلك؛ أعني: منتهجي اللذة واللامركزية لنشوء ما يسمى بـ[ Netflix ]، وهي شركة الإنتاج التليفزيونية التي ما تكل ولا تمل منذ نشأتها في السعي لترسيخ الفساد الأخلاقي والقيمي، وتمييع الثوابت والبث بأيديولوجيات فاسدة، حتى وإن كان ذلك عن طريق التدليس والتزييف - وهذا هو النقد الذي سنناقشه في الأسطر القادمة بحول الله جل وعلا - ألا وهو كونهم -علاوة على نشرهم وتسويغهم لقضايا الفساد الأخلاقي وغيرها - يستخدمون التزييف والكذب إلى صال تلك القضايا. (مقال نتفليكس فساد في الغاية وفساد في الوسيلة): تلكم إذًا الحقيقة ( اللذة والفوضى ) شعار ما بعد الحداثة يتجسد في منتجات نتفليكس؛ لتنهش عقول وأجساد شبابنا، ولتعزلهم عن دينهم وواقعهم، وما يريده منهم ربهم، حتى ترى بعينيك، وتسمع بأذنيك شابًّا أو فتاة تجلس يومًا كاملًا، تشاهد حلقات مسلسل كامل دون فتور أو انقطاع، ليخرج لنا شباب غير مبالٍ تافه، لا يهمه واقع أمته، بل قد يكون أقصى همه وظيفة يرجوها، أو أكلة سال لعابه لها، أو فتاة يلتقيها؛ يصدق في أمثال هؤلاء قول الشاعر: قد هيئوك لأمر لو فطنت له فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهملِ وأنت في غفلة عما خلقت له وأنت في ثقة من وثبة الأجلِ فزكِّ نفسك مما قد يدنسها واختر لها ما ترى من خالص العملِ أأنت في سكرة أم أنت منتبهًا أم غرك الأمن أم ألهيت بالأملِ أما آن الأوان رحمني الله وإياك أن تربأ بنفسك عن مثل هذا الدون، أما آن الأوان أن تزكي نفسك، أما آن الأوان أن ترجع إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها، ووضع في عقولهم حسنها واستقباح غيرها، فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع الله في قلوب الخلق كلهم، الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق وإيثار الحق، وهذا حقيقة الفطرة؛ [تفسير السعدي]. أما آن الأوان أن تخشع القلوب لذكر الله، وتترك ذكر الشيطان الذي يبثه في العالم بقنواته الإبليسية؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16]. قال ابن كثير: "فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ، تَعَالَى، يُلِينُ الْقُلُوبَ بَعْدَ قَسْوَتِهَا، ويَهدي الحَيَارى بَعْدَ ضَلتها، ويفرِّج الْكُرُوبَ بَعْدَ شِدَّتِهَا، فَكَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ الْمَيِّتَةَ الْمُجْدِبَةَ الْهَامِدَةَ بِالْغَيْثِ الهتَّان [الْوَابِلِ] كَذَلِكَ يَهْدِي الْقُلُوبَ الْقَاسِيَةَ بِبَرَاهِينِ الْقُرْآنِ وَالدَّلَائِلِ، وَيُولِجُ إِلَيْهَا النُّورَ بَعْدَ مَا كَانَتْ مُقْفَلَةً لَا يَصِلُ إِلَيْهَا الْوَاصِلُ، فَسُبْحَانَ الْهَادِي لِمَنْ يَشَاءُ بَعْدَ الْإِضْلَالِ، وَالْمُضِلِّ لِمَنْ أَرَادَ بَعْدَ الْكَمَالِ، الَّذِي هُوَ لِمَا يَشَاءُ فَعَّالٌ، وَهُوَ الْحَكَمُ الْعَدْلُ فِي جَمِيعِ الْفِعَالِ، اللَّطِيفُ الخبير الكبير المتعال". ربنا اهْدِ قلوبنا، ولا تزغها بعد إذ هديتها، يا أرحم الراحمين. نتفليكس فطرة منتكسة ولذة مهلكة (شاهد كل ما تريده مقابل سعر زهيد)
الحالة في الجاهلية
د. محمد منير الجنباز
10-01-2022
5,151
https://www.alukah.net//culture/0/152083/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%87%d9%84%d9%8a%d8%a9/
الحالة في الجاهلية امتدت الفترة ما بين عيسى عليه السلام وبعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأكثر من ستة قرون، وفيها انقطع الوحي، وتوقف إرسال الرسل، وفي هذه الفترة عاشت جزيرة العرب فترة انقطاع عن الاتصال بدين سماوي، وشريعة تضبط أمور الناس، وتُرْسي بينهم العدالة والحق، ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 19]، فكانت عادات جاهلية وَفْق هوى القبائل التي تمارسها مع شرك ظاهر، واتخاذ أصنام أربابًا من دون الله، مع انتشار الربا والغزو والعدوان والثأر ووأد البنات، مع بقية من الديانة الحنيفية، والاتفاق على تقديس البيت الحرام، واحترام ساكنيه، وانتشار شيَم عربية جديرة بالاحترام؛ مثل: الكرم والشجاعة وإكرام الضيف وإغاثة الملهوف. وقد ورد في القُرْآن الكريم ما يكشف كثيرًا مما كان يحدث في تلك الفترة؛ فمن الناحية العقدية: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]، وعن تأليه الأصنام عيَّرهم الله تعالى بسخافة عقولهم، ومرض تفكيرها؛ لأنهم اتخذوا من الحجارة آلهة يعبدونها وهم يظنون أنها تنفعهم، فقدموا لها كل احترام وتقديس، ونسُوا الله خالقهم، وأن بيده النفع والضر: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى * أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى * تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ [النجم: 19 - 22]. كما عاب بعضَ عاداتهم الموغلة في الخطأ والظلم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90]، كما عيَّرهم بردة فعلهم وحالتهم النفسية وما كانوا عليه عندما تولَد لهم مولودة: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59]. هذه هي الحالة العامة في جزيرة العرب من حيث العقيدة والعادات الجاهلية، وقد سُمي الناس فيها بأهل الفترة؛ لخلوِّها من نبي مبلغ أو داعية يدعو وَفْقَ منهج سماوي، وفي الحديث الذي أخرجه أحمد عن الأسود بن سريع: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعة يوم القيامة؛ رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجل أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترة، فأما الأصم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا، وأما الأحمق فيقول: رب، لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر، وأما الهَرِم فيقول: رب، لقد جاء الإسلام وما أعقِل شيئًا، وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب، ما أتاني لك رسول، قال: فيأخذ مواثيقهم ليُطيعُنَّه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفس محمد بيده، لو دخلوها لكانت عليهم بردًا وسلامًا)). أربعة أصناف من الناس يُعذَرون، ومنهم أهل الفترة، حيث يؤخذ عليهم العهد والميثاق بأن يطيعوا الله بما يأمرهم به، فعندما يأمرهم بدخول النار يخافون، وربما امتنعوا، وهذا عصيان للأمر ونقض للعهد، ولو أطاعوا لكانت النار بردًا وسلامًا، وهذا امتحان لهم، ينجح من ينجح فيه، ويسقط من يسقط، وقيل عن أهل الفترة: يُعرَض عليهم الإسلام في حالة تشابه أمثالهم، فمن يؤمن فقد فاز، ومن يعرض فقد خسِر.
عائشة التي لا يعرفها أبناؤها... رضي الله عنها وأرضاها
د. خالد جمال طه إمام أحمد
10-01-2022
3,907
https://www.alukah.net//culture/0/152079/%d8%b9%d8%a7%d8%a6%d8%b4%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%87%d8%a7-%d8%a3%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a4%d9%87%d8%a7...-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87%d8%a7-%d9%88%d8%a3%d8%b1%d8%b6%d8%a7%d9%87%d8%a7/
عائشة التي لا يعرفها أبناؤها رضي الله عنها وأرضاها هي أم المؤمنين عائشة بنت الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، خليفة رسول الله الأوَّل، وهو عبدالله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشي التميمي، وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر بن عبدشمس بن عتاب بن أذينة الكنانيَّة، وهي ثالث زوجات الرسول صلى الله عليه وسلموإحدى أمهات المؤمنين، والتي لم يتزوج امرأة بكرًا غيرها، وهي بنت الخليفة الأول أبو بكر بن أبي قحافة ، وقد تزوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدرفي شوال سنة 2 هـ ، وكانت من بين النساء اللواتي خرجن يوم أُحد لسقاية الجرحى. الحب: روى البخاري قال حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السُّلاَسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ قُلْتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا، فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ. وقد أحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يوصي بها أمها أم رومان قائلًا: "يا أم رومان، استوصي بعائشة خيرًا واحفظيني فيها". وعن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يا ابن أختي، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما يخفى علي حين تغضبين ولا حين ترضين"، فقلت: بمَ تعرف ذاك بأبي أنت وأمي؟ قال: "أما حين ترضين فتقولين حين تحلفين: لا ورب محمد، وأما حين تغضبين فتقولين: لا ورب إبراهيم"، فقلت: صدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم. العلم: أورد الحاكم في المستدرك، قال عروة بن الزبير بن العوام: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْعِلْمِ وَالشعْرِ وَالطب مِنْ عَائِشَةَ أُم الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها. الفصاحة: قال الأحنف بن قيس : سَمِعْتُ خُطْبَةَ أَبِي بَكْرٍ الصديقِ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطابِ، وَعُثْمَانَ بْنِ عَفانَ، وَعَلِي بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَالْخُلَفَاءِ هَلُم جَرًّا إِلَى يَوْمِي هَذَا، فَمَا سَمِعْتُ الْكَلامَ مِنْ فَمِ مَخْلُوقٍ، أَفْخَمَ، وَلا أَحْسَنَ مِنْهُ مِنْ فِي عَائِشَةَ رضي الله عنها. الحفظ: قال الحاكم في المستدرك : إن رُبْعَ أَحْكَامَ الشرِيعَةِ نُقِلَت عَن السيدَة عَائِشَة رضي الله عنها. الحديث: وقد عدَّ الذهبي أحاديث عائشة 2210 أحاديث، منها 174 متفق عليه ، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين حديثًا، ومسلم بتسعة وستين حديثًا، وقال الذهبي أن أكثر من مائة شخص روى عن عائشة رضي الله عنها، ومن الأحاديث التي نقلتها السيدة عائشة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم: أخرج البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أُم الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَن الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ رضي الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحْيَانًا يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَي فَيُفْصَمُ عَني، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْهُ مَا قَالَ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِي الْمَلَكُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ"، قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشدِيدِ الْبَرْدِ فَيَفْصِمُ عَنْهُ، وَإِن جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. وأخرج أيضًا عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَرَهُمْ أَمَرَهُمْ مِنْ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللهِ، إِن اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتى يُعْرَفَ الْغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُم يَقُولُ: إِن أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللهِ أَنَا". كان أكابر الصحابة يسألونها فيما استشكل عليهم، فقد قال أبو موسى الأشعري : مَا أَشْكَلَ عَلَيْنَا أَصْحَابَ رَسُوْل الْلَه صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ قَط، فَسَأَلْنَا عَائِشَةَ، إلا وَجَدْنَا عِنْدَهَا مِنْهُ عِلْمًا. مثال: بلغها يومًا أن عبدالله بن عباس أفتى بأن من أهدى هديًا، حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه، فقالت: ليس كما قال ابن عباس، أنا فتلت قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي، ثم قلدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه، ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدي. مثال: دخل عليها يومًا رجلان فقالا: إن أبا هريرة يحدث أن النبي كان يقول إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار، فغضبت ثم قالت : كذب، والذي أنزل القرآن على أبي القاسم من حدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة والمرأة والدار، ثم قرأت: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22]. ألَّف بدر الدين الزركشي كتابًا ذكر فيه كل المسائل التي قيل أن عائشة رضي الله عنها استدركتها على الصحابة، وسماه «الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة عن الصحابة»، وقد حقق في تلك في هذه المسائل وبين صحيحها من ضعيفها . الجهاد: شاركت السيدة عائشة رضي الله عنها في بعض الغزوات كغيرها من أمَّهات المؤمنين والصحابيَّات رضي الله عنهنَّ، ففي غزوة أُحُد شاركت عائشة - رضي الله عنها - في ملء قِرَب الماء لجنود جيش المسلمين، وقد حدَّث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن ذلك، فقال: (ولقد رأيتُ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ وأمَّ سُلَيمٍ، وإنَّهما لمُشَمِّرَتانِ، أرَى خَدَمَ سوقِهما تُنْقِزَانِ القِرَبَ على مُتُونِهما، تُفرِغانِه في أفواهِ القومِ، ثم تَرجِعانِ فتَملآنِها، ثم تَجيئانِ فتُفرِغانِه في أفواهِ القومِ) . ألقاب عائشة رضي الله عنها: 1- أم المؤمنين: بهذا اللقب لُقبت عائشة رضي الله عنها كغيرها من أمهات المؤمنين، وبيان ذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴾ [الأحزاب: 6]. 2- ابنة الصديق: من ذلك ما روته عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله: ﴿ وَالذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون من الآية:60]، هو الذي يزني ويشرب الخمر ويسرق؟ قال: «لا يا بنة الصديق: ولكنه الرجل يصوم ويصلي ويتصدق، ويخاف ألا يُقبل منه» (شرح العقيدة الطحاوية؛ تخريج الألباني) . 3- ابنة أبي بكر: روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي، فأذن لها، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، وأنا ساكتة"، قالت: "فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أي بنية ألست تحبين ما أحب؟»، فقالت: بلى، قال: «فأحبي هذه»"، قالت: "فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرتهن بالذي قالت، وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن لها: ما نراكِ أغنيتِ عنَّا من شيء، فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له: إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة، فقالت فاطمة: والله لا أكلمه فيها أبدًا"، قالت عائشة: "فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش، زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر امرأة قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصدَّق به، وتتقرَّب به إلى الله تعالى، ما عدا سَورة مِن حِدَّةٍ كانت فيها، تسرع منها الفيئة"، قالت: "فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها، على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها، فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة"، قالت: "ثم وقعت بي، فاستطالت علي، وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرقب طرفه، هل يأذن لي فيها"، قالت: "فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر"، قالت: "فلما وقعت بها لم أنشبها حتى أنحيت عليها"، قالت: "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسَّم: «إنها ابنة أبي بكر»". 4- أم عبدالله: روت عائشة رضي الله عنها قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أم كل صواحبها لهن كنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فاكتني بابنكِ عبدالله»، يعني ابن أختها فكانت تُكنَّى بأم عبدالله"؛ (سنن أبي داود) ، وفي رواية ثانية عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لَمَّا وُلِدَ عبدالله بن الزبير أتيتُ به النبي صلى الله عليه وسلم، فتفل في فيه، فكان أول شيء دخل جوه، وقال: «هو عبدالله وأنتِ أم عبدالله»، فما زلت أُكنَّى بها وما ولدت قط"؛ (صحيح ابن حبان) . 5- عائش: ففي الصحيحين عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عائش، هذا جبريل يُقرئكِ السلام»، قلت وعليك السلام ورحمة الله وبركاته"؛ رواه الشيخان. 6- حميراء: عن أم المؤمنين عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل الحبشة المسجد يلعبون، فقال لي: «يا حميراء، أتحبين أن تنظري إليهم»، فقلت: نعم، فقام بالباب وجئته فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده"، قالت: "ومن قولهم يومئذ أبا القاسم طيبًا"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حسبك»، فقلت: يا رسول الله لا تعجل، فقام لي ثم قال: «حسبك»، فقلت: "لا تعجل يا رسول الله"، قالت: "وما لي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي ومكاني منه". قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حميراء، أتحبين أن تنظُري إليهم؟!» يعني: إلى لعب الحبشة ورقصهم في المسجد، ولفظ: «حميراء»: معناه البيضاء. مكانتها: ‏أخرج البخاري في صحيحه عن ‏أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه ‏قال: ‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:‏ "‏كَمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا ‏مريم بنت عمران، ‏وآسية امرأة فرعون، ‏وفضل ‏عائشة ‏على النساء كفضل ‏الثريد ‏على سائر الطعام " . الوفاة: قيل: إنها توفيت سنة ثمانٍ وخمسين، الموافق عام 678م، ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وهي ابنة 66 عامًا، بعد مرض ألَمَّ بها، حتى إنها شعرت بأنه مرض الموت، أمرت أن تُدفن ليلًا، فدفنت بعد الوتر بالبقيع، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه، ونزل في قبرها خمسة: عبدالله وعروة ابنا الزبير، والقاسم بن محمد، وعبدالله بن محمد بن أبي بكر، وعبدالله بن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين . المراجع: ♦ الذهبي (2006) ، سير أعلام النبلاء، القاهرة: دار الحديث، صفحة: 426-466، جزء: 3؛ بتصرُّف. ♦ "شرح الحديث رقم 14376 " ، www.dorar.net ، اطلع عليه بتاريخ 31-12-2017؛ بتصرُّف. ♦ جامع الترمذي، كِتَاب الدعَوَاتِ، أبوابُ الْمَنَاقِبِ، بَاب مِنْ فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا إسلام ويب نسخة محفوظة 07 يوليو 2015 على موقع واي باك مشين . ♦ تاريخ دمشق لابن عساكر، حرف الضاد، ذكر من اسمه ضحاك، الضحاكُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُصَيْنٍ إسلام ويب نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين . ♦ شرح السنة، كِتَابُ الطلاقِ، باب لَفْظِ التحْرِيمِ إسلام ويب نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين . ♦ العوالي الموافقات للأصبهاني - يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلًا، فتواصيت أنا. . نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين . ♦ تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة، أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة في الدابة، والمرأة إسلام ويب نسخة محفوظة 05 مارس 2016 على موقع واي باك مشين . ♦ مؤتمر الدوحة للحوار بين المذاهب الإسلامية، تاريخ الوصول 13 أكتوبر [ 2009 ]. وصلة مكسورة نسخة محفوظة 6 أبريل 2020 على موقع واي باك مشين . ♦ المكتبة الشاملة - المستدرك على الصحيحين للحاكم رقم:6733 نسخة محفوظة 25 يوليو 2017 على موقع واي باك مشين . ♦ شرح الزرقاني على المواهب اللدنية بالمنح المحمدية المكتبة الشاملة نسخة محفوظة 04 يونيو 2015 على موقع واي باك مشين . ♦ نداء الإيمان - سنن الترمذي - كتاب المناقب - حديث رقم:4264الترمذي المسمى بـ «الجامع المختصر من السنن عن رسول الله ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل»، **/ 63 - باب فَضْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها /i8&d17471&c&p1 نسخة محفوظة 21 ديسمبر 2014 على موقع واي باك مشين . ♦ السنن الكبرى للنسائي، دار الكتب العلمية، بيروت عام 1991، ج: [5/307]، وأورده الشيخ ناصر الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، مكتبة المعارف، الرياض، مجلد: [7]، القسم الثاني، ص: [817]، برقم: [3277]، والحق الذي يجب أن يقال هو ما قال ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى: "لم أر في حديث صحيح ذكر الحميراء إلا في هذا"، فتح الباري لابن حجر العسقلاني، دار المعرفة بيروت عام 1379هـ، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، ومحيي الدين الخطيب، ج: [2/444]، ولينظر القارئ الكريم على سبيل المثال الرواية التي منطوقها: يا حميراء، من أعطى نارًا فكأنما تصدَّق؛ حديث ضعيف؛ انظر صحيح، وضعيف الجامع الصغير، برقم : [6391]). - الإصابة في تمييز الصحابة، لشهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، طبع مصر 1312هـ، ج: [2/309]. سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي، دار المعارف بالقاهرة، ج: [3 / 363].
الخشب رفيق البرد القارس
أ. عاهد الخطيب
10-01-2022
1,995
https://www.alukah.net//culture/0/152063/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b4%d8%a8-%d8%b1%d9%81%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b1%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b1%d8%b3/
الخشب رفيق البرد القارس إن ذهبت إلى حديقة مفتوحة في يوم شديد البرودة، ووجدت ثلاثة مقاعد؛ أحدها خشبي، والثاني من الخرسانة، أو الحجر، والثالث مصنوع من المعدن، فستجد أنك بشكل غريزي ستختار المقعد الخشبي للجلوس عليه؛ لأن المقعد الإسمنتي سيشعرك ببرودة أكبر، بينما سيكون المقعد المعدني بالغ البرودة لو جلست عليه. كيف يحصل ذلك في الوقت الذي تتساوى فيه درجات حرارة السطوح الثلاثة للمقاعد؛ لأنها موجودة في نفس المحيط، يكمن الجواب في اختلاف الموصلية الحرارية للمواد، ففي حين أن المعدن بشكل عام شديد التوصيل للحرارة، فإن الخرسانة أو الطوب أقل منه بكثير في قدرتها على نقل الحرارة، بينما يتصف الخشب بأن قدرته على نقل الحرارة منخفضة جدًّا بالنسبة للخرسانة، ومفرطة في الانخفاض بالنسبة للمعادن؛ أي: إن الخشب عازل فائق للحرارة، وهذا ما يجعل منها مادة مثالية لبناء جدران وأرضيات وسقوف الأكواخ أو الكبائن، وكذلك المنازل في المناطق الشمالية الباردة من أوروبا وأمريكا الشماية وروسيا، وغيرها من المناطق شديدة البرودة، إضافة بطبيعة الحال لوفرة الأشجار عادة في تلك المناطق. تعد المنازل الخشبية عالية التوفير للطاقة مقارنة بنظيرتها الإسمنتية؛ حيث إن الخشب عازل لانتقال الحرارة عشرة أضعاف الخرسانة والطوب بالمتوسط، تزيد أو تنقص وفقًا لنوع الخشب، وتركيبة الخرسانة، أو البناء، إضافة إلى أن المنازل الخشبية أرخص في التكلفة وأيسر وأسرع في البناء والتركيب، وأخف في الوزن، إلا أنها أقل مقاومة للعواصف والأعاصير، وناقلة بشكل أكبر للاهتزاز والصوت.
آداب السالكين من الأدب المفرد لمحمد موفق المرابع
محمود ثروت أبو الفضل
08-01-2022
4,099
https://www.alukah.net//culture/0/152010/%d8%a2%d8%af%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d8%b1%d8%af-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d9%85%d9%88%d9%81%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d8%b9/
آداب السالكين من الأدب المفرد لمحمد موفق المرابع صدر حديثًا كتاب "آداب السالكين من الأدب المفرد" للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري (ت 256 هـ)، تأليف: "محمد موفق المرابع"، نشر: "مركز حرف للبحث والتطوير العلمي". وهو مختصر لطيف لكتاب الإمام البخاري "الأدب المفرد"، فيه تخريج للأحاديث المنتقاة، مع شرح معاني بعض الكلمات المهمة، وبيان بعض الآداب الإسلامية والتنبيه عليها، مع ذكر بعض الفوائد والنكت على كلام الإمام البخاري. وقد انتقاها الشيخ المربي "محمد موفق المرابع" لتكون سهلة التناول والحفظ لطلاب العلم، وموردًا للآداب الإسلامية للأسرة المسلمة. وكتاب "الأدب المفرد" وضعه الإمام البخاري حيث يتناول الكتاب الآداب الإسلامية المفردة الواردة في السنة النبوية، وضمن الكتاب بعض أقوال الصحابة والتابعين. وقد ذكر ابن حجر أنه "يشتمل على أحاديث زائدة على ما في الصحيح، وفيه قليل من الآثار الموقوفة، وهو كثير الفائدة"، ويتضمن الكتاب 1322 حديثًا موزعة على 644 بابًا، وأحاديث الكتاب يغلب عليها الصحة، وسبب عدم كونها كلها صحيحة أن البخاري لا يلتزم في هذا الكتاب شروطه في كتاب الصحيح لأن الأحاديث أحاديث آداب وليست أحاديث أحكام. وكتاب "الأدب المفرد" فريد في نوعه، يجمع الآداب الإسلامية، وهو موسوعة إسلامية في الآداب، فيه الآداب الشرعية الواردة في السنة النبوية. وقد جمع فيه ما يحتاجه المسلم من العقائد وأصول الدين والعلم وحقوق الناس ودلائل النبوة والزهد والرقائق. ونجد أن الإمام البخاري تمسك في تألفيه بأسلوب كتابه "الجامع الصحيح"، وبوب فيه الأحاديث حسب مواضيعها وآثار الصحابة، وأورد عند بعض الأحاديث آيات من القرآن الكريم. وقد سمى الإمام البخاري أحد أبواب الجامع الصحيح بـ"كتاب الأدب" وأورد فيه الأحاديث المتعلقة بالأخلاق والآداب الاجتماعي بما يربو على ثلاثمائة حديث في 168 باب. ولكن سعة هذا الموضوع الديني الاجتماعي قد اقتضت أن يفرد له كتاب خاص، ولعل هذا سبب تسمية مؤلفه بكتاب "الأدب المفرد". وقد شبه بعض العلماء هذا الكتاب بأنه قطعة من صحيح البخاري - رحمه الله - وهذا ظاهر، ذلك أن الشيخ - رحمه الله - نَسَج كتابه هذا نَسْج الإمام البخاري صحيحه، من جهة أن التراجم التي يعقدها، تحتوي على آية وحديث - غالبًا -، والحديث والآية على الترجمة، وما بعدها مفسِّرٌ لها، وكذلك ما يسوقه - رحمه الله - من كلام أهل العلم من الصحابة، أو التابعين، أو أئمة الإسلام، هو ذاته نسق طريقة الإمام أبي عبد الله البخاري - رحمه الله - في سائر صحيحه، فإنه يسوق أقوال أهل العلم في بيان المعاني. وصاحب الشرح هو الشيخ محمد موفق بن علي المرابع، ولد عام (1954م) في دمشق الشام من أبوين صالحين، ودرس الابتدائية والإعدادية في المدارس الحكومية بحي العمارة في دمشق، ثم انقطع عن العلم، ثم هيأ الله له رجلًا يقول عنه الشيخ دائمًا: "هو من شجعني على طلب العلم وهو سبب رجوعي إلى طريق العلم" حيث كان يدرسه بعض المواد لينال الشهادة الإعدادية، ثم تعرف الشيخ محمد موفق على الشيخ محمد صالح الحموي الذي كان له أثر كبير في حياته، فلازمه وانتفع به وتربى على يديه حتى تخرج به. التحق الشيخ محمد موفق المرابع بمعهد الفتح الإسلامي عام (1973م) وتخرج به سنة (1980م) وكانت مدة الدراسة في المعهد سبع سنوات، قرأ خلالها التفسير والحديث والتوحيد والفقه الحنفي وأصوله والتصوف وعلوم اللغة العربية وغيرها من علوم الآلة على يد العلامة صاحب النهضة الكبيرة الشيخ محمد صالح الفرفور وكبار تلاميذه كالشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ محمد أديب الكلاس، والشيخ إبراهيم اليعقوبي، والشيخ سهيل الزبيبي، والشيخ محمد موفق النشوقاتي، والشيخ أحمد رمضان، والشيخ أحمد قتابي الشهير بأبي حامد، والشيخ نور الدين خزنه كاتبي، كما قرأ القرآن كاملًا على الشيخ سهيل الزبيبي. وكل ذلك مع ملازمته لشيخه الصالح محمد صالح الحموي، الذي كان له كبير أثر في حياته ونفسه وروحه، وأجازه إجازة عامة. كما نال الشيخ محمد موفق المرابع الإجازة العلمية من العديد من شيوخه وغيرهم من علماء العالم الإسلامي ومسنديه منهم: الشيخ أحمد نصيب المحاميد والشيخ سليم الحمامي- تلميذَي محدث الشام الشيخ بدر الدين الحسني- والشيخ عبد الرزاق الحلبي، والشيخ أديب الكلاس، والشيخ كريم راجح شيخ قراء الشام، والشيخ محمد أمين سراج، والمسند محمد تيسير المخزومي، والشيخ سعد الدين مراد. أكاديميًا تابع الشيخ دراسته الجامعية في الأزهر الشريف، عام (2000م) ونال شهادة الإجازة منها. أثناء دراسته في معهد الفتح الإسلامي كان الشيخ إمامًا وخطيبًا في أحد مساجد مدينة الهامة في ريف دمشق وداعيًا إلى الله عز وجل بها، وبجهوده أصبحت تصدِّر الأئمة والخطباء والدعاة إلى القرى المجاورة، وكثر فيها حفظة القرآن، وانتشرت فيها مجالس العلم. وقبل وفاة شيخه الشيخ محمد صالح الحموي بثلاث سنوات، أوكل إليه الشيخ دروسه العامة فكان يلقي الدروس في حياة شيخه ووجوده في التربية والتزكية والسلوك والدعوة إلى الله سبحانه، وبعد وفاة شيخه قام بخدمة تلاميذ شيخه وتعليمهم وتربيتهم بالطريق الذي كان يسير عليه شيخه الشيخ محمد صالح الحموي، وقد تم تعيين فضيلة الشيخ في أواخر ثمانينات القرن الماضي إداريًا في معهد الفتح الإسلامي ثم مدرسًا فيه وترقى إلى أن أصبح معاون المدير وبقي فيه إلى سنة (2013م) حيث اضطر إلى مغادرة دمشق فأقام في اسطنبول مدرسًا في مساجدها ومعاهدها. وقد برع المصنف في الأحوال الشخصية والمواريث على المذهب الحنفي، وخاصةً كتاب "شرح السراجية" للشريف الجُرجاني الذي درَّسه أكثر من عشرين مرة، ومن مؤلفاته في الفرائض: "ملخص لأهم أحكام المواريث".
تاريخ الخطوط العربية وأنواعها
م. نكتل يوسف محسن
08-01-2022
6,302
https://www.alukah.net//culture/0/152008/%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a3%d9%86%d9%88%d8%a7%d8%b9%d9%87%d8%a7/
تاريخ الخطوط العربية وأنواعها الخط والكتابة والتحليل والرقم والسطر والزبر بمعنى واحد، وقد يطلق الخط قال رسول الله صلى وسلم: كان نبي من الانبياء يخط فما وافق خطه فذاك؛ رواه مسلم، ويطلق أيضًا في علم الهندسة على ما له طول فقط، وتطلق الكتابة في الاصطلاح الخاص بالأدباء على صناعة الإنشاء، والكتابة والكَتْب مصادر كتب: إذا خط بالقلم وضمَّه وجمع وخاط وخرز، يقال: كتب قرطاس فيه؛ أي خط فيه حروفًا وضمها إلى بعضها، وكتب الكتاب جمعها، والكتائب جمع كتيبة في الجيش العظيم، وسُميت بذلك لاجتماعه. وقد شاع إطلاق الكتابة عرفًا على أعمال القلم باليد في تصوير الحروف ونقشها على نفس الحروف المكتوبة، كما قيل عن الخط في جمع الجوامع؛ يقول محمد طاهر المكي في تاريخ الخط العربي وآدابه: "الخط تصوير اللفظ يرسم حروف الهجائية بتقدير الابتداء والوقف، وتعرف بأنها نقوش مخصوصة دالة على الكلام " . أما القلقشندي صاحب كتاب صبح الأعشى في صناعة الإنشا، فقال فيه: إن الخط ما تعرف في منه صور الحروف المفردة وأوضاعها وكيفية تركيبها خطًّا، وقال أمين الدين ياقوت الملكي: الخط هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية إن جوَّدت قلمك جوَّدت خطك، وإن أهملت قلمك أهملت خطك. لقد كان الخط عند الله ذا مكانة كبيرة، فقد ذكر القلم وما يتبعه في كتاب الله سبحانه وتعالى، فقد حوى ذكر الله سبحانه وتعالى القلم في أول آية نزلت في القرآن ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 1 - 5]، وقال: ﴿ ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴾ [القلم: 1]، وقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ﴾ [البقرة: 282]، كما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأعراف: 145]، وقال: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105]. كما ورد ذكر الخط في الحديث النبوي، فقد ذكر أن رسول الله قال: قيِّدوا العلم بالكتابة، وقال لرجل شكى له سوء حفظه: استعن بيمينك، وقال الخط الحسن: يزيد الحق وضوحًا، وغيرها من الأحاديث الدالة على هذا المجال. وقد اختلف في أول مَن خطَّ، قيل: إن آدم أول من وضع الخطوط والكتب كلها، كتبها في طين وطبخة، وذلك قبل موته ب 300 سنه، وقيل: إدريس عليه السلام، وقال المسعودي في مروج الذهب: إن أول مَن خط أحد ملوك مدين في اليمن واسمه كلمن، وقيل: إن أول ما وضع الخطوط ثلاث من قبيلة طيئ سكنوا الأنبار. أما كيف وصل الخط إلى الجزيرة ومكة، فقد ذكر ابن خلدون في مقدمته فصل: إن الخط والكتابة في عداد الصنائع الإنسانية، ما نصه: وقد كان الخط العربي بالغ بلغَة من الأحكام والإتقان والجودة في دوله التبابعة، لما بلغت من الحضارة والترف، هو المسمى بخط الحميري، وانتهت منها إلى الحيرة، لما كان بها دولة المنذر نسبةً إلى التبابعة في العصبية والمجددين ملك العرب، ولم يكن الخط عندهم الإجازة كما كان عند التبابعة، لقصور ما بين الدولتين من الحضارة وتوابعها، ومن الحيرة؛ نقله أهل الطائف إلى قريش في ما ذكر. وقد ذُكر في كتاب التَّكملة لكتاب الصلة لابن الأبَّار ما يرجح هذا، فعند التعريف بابن فرُّوخ القيرواني الفاسي الأندلسي من أصحاب مالك رضي الله عنه، واسمه عبدالله بن فروخ بن عبدالرحمن بن زياد بن أنعم عن أبيه، قال: قلت لعبدالله بن عبَّاس: يا معشر قريش، خبِّروني عن هذا الكتاب العربي، هل كنتم تكتبونه قبل أن يبعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم تجمعون منه ما اجتمع، وتفرِّقون منه ما افترق مثل الألف واللام والميم والنون؟ قال: نعم، قلت: وممَّن أخذتموه؟ قال: من حرب بن أميَّة، قلت: وممن أخذه حرب؟ قال: من عبدالله بن جدعان، قلت: وممَّن أخذه عبدالله بن جدعان؟ قال: من أهل الأنبار، قلت: وممن أخذه أهل الأنبار؟ قال: من طارئ طرأ عليه من أهل اليمن، قلت: وممن أخذه ذلك لطارئ؟ قال: من الخلجان بن القسم كاتب الوحي لهود النبي عليه السلام. أنواع الخطوط العربية: يشوب الخطوط العربية التواصل والاندماج والتداخل، ففي الخط الأنباري أو الحميري يسمى بالجزم؛ لأنه جزماء قطعه من خط المسند الذي يعد أقدم خط في بلاد العرب، فكان يستعمله في الأنبار والحيرة، وإن الخط المسند كان مستعملًا في بلاد اليمن، والخط الأنباري هذا أُطلق عليه الخط الكوفي، وذلك بعد من أهل الكوفة بأمين بأمر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، لقد عُرف من الخطوط القديمة الخط المسند اليمني وهو عدة أنواع؛ منها أربعة: الخط الصفوي نسبةً إلى الصفا، الخط الثمودي نسبة إلى ثمود سكان مدائن صالح، والخط اللحيان نسبة إلى بني لحيان، والخط الحميري الذي وصل من اليمن إلى الحيرة، والأنبار، ومنها إلى الحجاز هذا على رأي مؤرخي العرب، وقد أخذ العرب الخط من الحيرة والأنبار، وهو مأخوذ من الخط المسند على كندة. أما الخط الكوفي فلم يُعرف إلا بعد بناء الكوفة، نتيجة هندسة ونظام في الخط الحجازي، وخط النسخ أو الخط النسخي العربي، يُعد من الخطوط الذي يجمع بين الرصانة والبساطة، وقد كان الناسخون يستخدمونه في نسخ الكتب، ومِن هنا أُخذ اسمه، وخط الثلث الذي ظهر في القرن الرابع الهجري، وهو من أشهر الخطوط المتأصلة من الخط النسخي، وسُمي بذلك؛ لأنه يكتب بخط القلم الذي يقط محرفًا بثلث قطر القلم، وكان قد ابتكره ابن مقلة الوزير العباسي، والخط الفارسي الذي ظهر في القرن السابع في بلاد فارس، ويسمى بخط التعليق، وهو خط جميل يمتاز بالدقة والامتداد. أما خط الرقعة، فهو خط حديث ظهر مؤخرًا يتسم بسهولة قراءته وسرعة كتابته، وَفق ما أقرته المصادر. لقد مرت الكتابة بعمليات ومراحل كثيرة، من أجل التطور، وقد تقرَّر نظامها عند العرب، واتخذت طريقة مخصوصة في كيفية سيرها، لقد كتب العرب والسريان غيرهم من الأمم السامية من اليمين إلى اليسار بالنسبة، لكون الطبيعة قضت بأن كل شيء لا يعمله الإنسان إلا بيده اليمنى، كما أنه لا ينتقل من جهة إلى جهة أخرى، إلا في الرجل اليمنى في ذلك صار يكتبون من اليمين إلى اليسار في الكتابة العربية، واتصل من القديم، وتكتب أينما وجدت من اليمين إلى الشمال. لقد أطلق المستشرقون على الخط العربي الخط الإسلامي، ومن أولئك ولفنسون في كتابه تاريخ اللغات السامية؛ لأنه كان من مبتكرات الإسلام؛ إذ كان معروفًا عند العرب قبل البعثة، ولكن الإسلام كان السبب الجوهري في انتشاره وشيوعه وإبقائه إلى الآن؛ لأنهم كان يكتبون فيه القرآن والحديث النبوي والفقه، وغيرها من الأمور الإدارية والسياسية.
كتاب "منية السالكين وبغية العازمين" ليس لابن الجوزي
د. عبدالحكيم الأنيس
06-01-2022
2,545
https://www.alukah.net//culture/0/151995/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-"%d9%85%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a8%d8%ba%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b2%d9%85%d9%8a%d9%86"-%d9%84%d9%8a%d8%b3-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%b2%d9%8a/
كتاب "منية السالكين وبغية العازمين" ليس لابن الجوزي يوجد في مجموعة (المحمودية) في (مكتبة الملك عبدالعزيز في المدينة المنورة) مخطوطٌ كبيرٌ ضخمٌ [1] بهذا العنوان : "منية السالكين وبغية العازمين" ، برقم (1701)، نسَخَهُ محمد بن سليمان الأنقروي [2] سنة (1179)، منسوبٌ في الفهارس إلى الإمام ابن الجوزي. وجاءتْ هذه النسبة في كتاب "معجم مؤلفات الإمام ابن الجوزي المخطوطة في مكتبات المملكة العربية السعودية" ص (131-132) برقم (126)، وفي برنامج "خزانة التراث" أيضًا . وقد طلبتُه وفحصتُه، فلم أرَ اسمَ ابنِ الجوزي عليه، ولا في مقدمتهِ. ولم أرَ في موضوعهِ، وأسلوبهِ، ولغةِ مؤلِّفهِ، ما يدلُّ على صحةِ النسبةِ تلك. كما أنَّ كتابًا بهذا العنوانِ لم يُذكرْ لابنِ الجوزي في شيءٍ مِنْ قوائمِ كتبهِ، ولا عند مُترجميهِ. وقد ذكرَه حاجي خليفة في "الكشف" [3] وقال: "منية السالكين وبغية العازمين في شرح: (حديث [يقصد الأحاديث] الأربعين) مجلد. أوَّله: "الحمد لله المتوحِّد بذاتهِ وصفاتهِ وأفعالهِ ... الخ، يشتمل كلُّ حديثٍ منها على فصولٍ جمةٍ". ولم ينسبه (حاجي خليفة) إلى أحدٍ. وتَرجمَ (حاجي خليفة) في كتابه "سُلَّم الوصول إلى طبقات الفحول" [4] لعالمٍ رُبَّما كان هو مؤلِّف الكتاب، وهو الشيخ رسوخ الدين إسماعيل بن أحمد ‌الأنقروي المولوي، المتوفى بقسطنطينية سنة (1041) وقد جاوزَ ستين سنة. وقد ذكرَ له هو، والمُحبي في "خلاصة الأثر" [5] (والمحبي يَنقلُ عن ابن نوعي في "ذيل الشقائق النعمانية" ): "شرح الحديث [يريدان: الأحاديث] ‌الأربعين". وما قاله حاجي خليفة في كتابيه والمُحبي نجدُه منطبقًا على هذا المخطوط، في عنوانهِ، ومقدمتهِ، ومضمونهِ، وكونُ الناسخ أنقرويًّا إشارةٌ أخرى إلى أنَّ المخطوط لأنقروي. وأدعو بهذه المناسبة إلى تنبني تحقيقِ الكتابِ ونشرهِ، وقد نرى في داخلهِ مِنْ ذكرِ المؤلفاتِ والنقولِ ما يَجعلنا نقطعُ بكونه للشيخ إسماعيل الأنقروي هذا. أمّا نسبتُهُ إلى ابن الجوزي فوهمٌ قطعًا. وكنتُ قد صوَّرتُ أولَ المخطوط وآخرَه، وسأنقلُهما ليُطَّلَعَ عليهما. *** قال مؤلفُ "منية السالكين وبغية العازمين" في أوله: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد للهِ المتوحِّد بذاته وصفاته وأفعاله، المتعالي في عزِّ عظمته وكبريائه بما احتجبَ به مِن جلاله، وتفرَّدَ به مِن كماله، لا يصوِّرُه وهمٌ وخيال، ولا يحصرُه حدٌّ ومثال، نطقت الكائناتُ بأنه الصانعُ المبدع، ولاح مِن صفحاتِ ذراتِ الوجودِ بأنَّه الخالقُ المخترع، له القوة التي لا تُرام، والعزة التي لا تُضام، خلقَ كلَّ شيء بالحق علوًّا وسفلًا، آخرةً وأولى، وتفضّلَ عليهم بإخراجهم من ظلمة العدم إلى نور الوجود، على حسب ما قسم لهم من العدل والجود، فانقسم أهلُ التكليف إلى قسمين، على حسب ما أرادَ في القبضين: فمنهم مَنْ يضايقه في أفعاله وأقواله، حتى يرجع في غلائل الطود [6] إلى أغلاله. ومنهم مَنْ يُسبل عليه ستر إحسانه، فيحاسبه حسابًا يسيرًا، وينقلبُ إلى أهله مسرورًا، بفضله وامتنانه، هذا والتحفُ تأتيه مِنْ ربِّه في غدوه وآصاله، وأجلها رفعُ الحجاب حتى ينظر بنورهِ إلى جماله، فيا لها مِنْ سعادة قد نالها مَن اختصه مِنْ نوع الإنسان، بفضيلة العلم والعمل على وجه الكمال والإتقان. نحمدُه سبحانه على ما نهج لنا مِنْ سبل معرفته، بأنْ كشفَ لنا عن حقيقة عجزنا عن بلوغ كنهه بالإحاطة بحقيقته، وأكملُ الخليقةِ به معرفةً أعلمُهم بأنَّه (لا يتابه) [7] لمعرفة حق قدره، لكنّه سبحانه رفعَ لنا عَلَمَ الهداية إلى عليِّ وجوده بما أشهدَنا مِنْ آثارِ صنعه وبدائع فطره، ثم أنارَ لنا الدليلَ على إلاهيته بما أرانا مِنْ ولهِ القلوب له وصيانتها بذكره. ونشهدُ أنْ لا إله إلا الله الملك الديان، والمالك الحق فلا يُدان، له الأمرُ النافذُ فلا يُبدَّل القولُ لديه، والحجةُ البالغةُ فلا تتوجه الحججُ عليه، لم يزلْ حيًا قائمًا صمدًا، ولا يزالُ على ذلك دائمًا أبدًا. ونشهدُ أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه المجتبى، ورسولُه المرتضى، صلى اللهُ عليه، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه الأكرمين. وبعدُ: فلما كان العلمُ هو العروة الوثقى، والذروة العالية التي ليس وراءَها مرقى، بل هو أعظم الوسائل في نيل سعادة الآخرة التي هي خيرٌ وأبقى، وكان مِن الوارد عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن حفظَ على أمتي أربعين حديثًا من السُّنة حتى يؤدِّيها إليهم كنتُ له شفيعًا وشهيدًا يوم القيامة". وفي رواية: " بعثه الله فقيهًا عالمًا ". وهذا الحديثُ -وإنْ اختلفتْ رواياتُه، ولم تبلغْ درجةَ الصحة إسناداتُه-، فقد نصوا على جواز العمل به في فضائل الأعمال، (... ) [8] أحكام الحرام (…) [9] رغبَ في نيلِ هذا المقام، زمرةٌ من العلماء الأعلام، وخرَّجوا أربعين حديثًا عالية الإسناد، وغير عالية بحسب الضبط والاجتهاد، لكن اختلف مقصودُهم، وتباينَ موضوعُهم: فمنهم مَنْ جعلها في الأحكام، وبيانِ الحلال والحرام. ومنهم مَنْ جعلها في الغزو والجهاد، ومقاتلةِ أهل البغي والفساد. ومنهم مَنْ جعلها في المواعظ والخُطب، والحثِّ على نيل معالي الرُّتب. ومنهم مَنْ جعلها في اصطناع المعروف، وإغاثة الملهوف [10] . إلى غير ذلك من المقاصد السَّنية، والنيات المَرْضية، شكر اللهُ سعيَهم، وأبقى في الدين نفعَهم، فعند ذلك حرَّكَ قلبي محركُ القلوب، ومُسدي الفيضِ الموهوب، أنْ أقتفي بآثارهم، وإنْ لم ألتحقْ بعيارهم، فخرَّجتُ أربعين حديثًا تحتوي على تلك المقاصد السَّنية، والأعمال المَرضيَّة، متنوعةً إلى معارفَ إلاهية، وأفعالٍ بدنية، وأعمالٍ قلبية، وأخلاقٍ مَرْضية، ومهماتٍ أخروية. يشتملُ كلُّ حديثٍ منها على فصولٍ جمة ، متضمنَّة لعلوم مهمَّة، انتقيتُها مِنْ كلام الأئِّمة، (…) [11] بحقائق سنية، تنتفع بها الأنفسُ الزكية، والألبابُ الذكية [12] . وأنشرُ لك -أيها الراغبُ في علوم المعارف الإلهية- أجملَ حُلاها، وأحلُّ لك مِنْ مشكلاتها عقدَها العويص وعُراها، وأوضح لك السبيل، على أقوى منهجٍ وأقوى دليل. وأنشُر مِنْ علوم الأعمال، المؤدّية إلى التعبُّد بالإخلاص والكمال، ما يكون لأهل السلوك والإرادة، طريقًا مُفضيًا إلى دار السعادة، فينالون بالعلم والعمل، غايةَ المطلب والأمل. ويترتبُ بهذا [13] الشأن على مراتب الإسلام والإيمان والإحسان. وسمَّيتُهُ: "منية السالكين وبغية العارفين" . واقتصرتُ على إيراد الحديث بغير إسناد إلى مَنْ أخرَجه؛ لأنَّ هذا الكتاب موضوعٌ للدراية لا للرواية، ومن الله سبحانه أستمدُّ المعونة، في كفاية هذه المؤونة، وأسأله أنْ يجعله خالصًا لوجهه الكريم، والسبب المُفضي إلى جنات النعيم، إنه أكرم مسؤول، وأجود مأمول. الحديث الأول: عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئٍ ما نوى، فمَنْ كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومَنْ كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. هذا حديثٌ صحيحٌ متفقٌ على صحته، مجمعٌ على موقعه وجلالته، وهو أحدُ الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وإنما بدأتُ به قبل العلم تيمنًا وتبركًا اقتداءً بالسلف، إذ هم وتابعوهم مِنَ الخلف، كانوا يَستحبون استفتاحَ المصنَّفات به، تنبيهًا للمُطالع [14] على حسن النية، وإلا فالعلم متقدِّم الوجود، كما سيأتي في حديث العلم. وهذا الحديثُ يشتملُ على فصولٍ: الفصل الأول : في أحكام النية والإخلاص، وما يَحتاج العاملُ إلى معرفته مِنْ تحقيقهما بلسان العلم". *** وقال في آخره: "ونحنُ نستغفرُ الله مِن شرِّ أنفسنا، وسيِّئات أعمالنا. ونستغفرُ الله ممّا زلَّ به القدم، أو طغا به القلم. ونستغفرُ الله من أقوالنا التي لا توافقها أعمالُنا. ونستغفرُ الله مِن كلِّ علم وعمل قصدنا به وجهَه الكريم، ثم خالطه غيرُه. ونستغفرُ الله مِن كلِّ خطرة دعتنا إلى تصنُّعٍ وتكلُّفٍ. ونستغفرُ الله مِن جميع ما كره اللهُ مِن الأقوال والأفعال والخطوات والخطرات. ونرجو بعد الاستغفار، رحمةَ الله لما اقترفناه مِن الذنوب والأوزار، فإنَّ جوده مدرار. حدِّثْ عن الجودِ وعن فيضهِ فالأمرُ مبنيٌ على الجودِ واذكرْ لنا بعضَ أعاجيبهِ فلستَ تحصيهِ بتعديدِ هيهات ما جودُ مليكِ الورى وخالقِ الخلقِ بمحدودِ حدِّثْ عن البحرِ وما البحرُ في بعض أياديه بموجودِ [15] ونسأله مِنْ جوده أنْ يعامل لمن [16] طالعَ هذا الكتاب أو كتبَه أو سمعَه بالمغفرة، وأنْ يكرمه بالرحمة، وأنْ يتجاوز عنْ سيئاته، ويرفع له في درجاته، ويبيحه ولجامعه دخول جنَّاته، فإنَّ الكرم عميم، والرحمة واسعة، والجود على أصناف المخلوقات فائض، وفي الجملة نحنُ خلقٌ مِنْ خلق الله، لا وسيلة لنا إليه إلا فضله وكرمه، فقد وردَ أنَّ الله عزوجل يقولُ يوم القيامة للمؤمنين: هل أحببتم لقائي؟ فيقولون: نعم يا ربنا، فيقول: لِمَ؟ فيقولون: رجونا عفوَك ومغفرتَك، فيقول: لقد استوجبتم مغفرتي. اللهم اغفرْ لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبِّتْ أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، وصلى اللهُ على سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين، وسيد الخلائق أجمعين، صلاة دائمة إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، والحمد لله رب العالمين. تمَّ الكتابُ بحمد الملك الوهاب. حرَّرَهُ [17] محمد بن سليمان الأنقروي غفر الله له ولوالديه، وأحسن إليهما وإليه. تاريخ سنة 1179". *** [1] يقع في (548) صفحة. [2] نسبة إلى أنقرة، العاصمة التركية اليوم. [3] (2/1885) . [4] (1/ 311). [5] (1/418). [6] كذا. [7] كذا. ولعلها: لا يتأتى. [8] كلمة لم تتضح. [9] كلمتان لم تتضحا. [10] يَنظر المؤلفُ في هذا إلى كلام الإمام النووي في مقدمة "الأربعين": "وقد استخرتُ الله تعالى في جمع أربعين حديثًا اقتداء بهؤلاء الأئمة الأعلام، وحفاظ الإسلام. وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. ومع هذا فليس اعتمادي على هذا الحديث، بل على قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: "ليبلغ الشاهد منكم الغائب"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها فأدّاها كما سمعها". ثم من العلماء مَن جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصة صالحة رضي الله تعالى عن قاصديها". [11] كلمة لم تضح. [12] في المخطوط: الزكية. خطأ. [13] كذا. ولعل الصواب: هذا. [14] كأنها كذا، وربما كانت: للمعامل. [15] بحثَ عن هذه الأبيات أخي الدكتور أحمد عليوي الطائي، وأفاد أنها مذكورةٌ في كتاب "العاقبة في ذكر الموت" لعبدالحق الإشبيلي (ت: 581) مِنْ غير نسبة إلى قائلٍ. [16] كذا. [17] بمعنى: نسَخَهُ.
فوائد من شرح كتاب التوحيد للعلامة عبدالله بن حميد
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
04-01-2022
6,526
https://www.alukah.net//culture/0/151919/%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af/
فوائد من شرح كتاب التوحيد للعلامة عبدالله بن حميد الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فمن أهم كتب العقيدة التي ينبغي للمسلم العناية بها، والرجوع إليها: كتاب التوحيد، للإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، ومما يسهل له الاستفادة منه القراءة في شروحه، والكتاب شرحه الكثيرون، منهم: العلامة عبدالله بن محمد بن حميد، رحمه الله، وشرحُه يوجد به استطرادات وفوائد متنوعة، وقد يسَّر الله الكريم لي فاخترت بعضًا منها، أسأل الله أن ينفعني وجميع المسلمين بها. الغالب أن من تعاطى الربا لا يُختَم له بخير: الذين يأكلون الربا ويتعاملون بها لا شك أنهم معرَّضون لسخط الله، والله يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ [البقرة: 278، 279]، ومن يستطيع أن يحارب الله ورسوله؟! ولم يأتِ هذا في عقوبة الزنا، ولا عقوبة الخمر، مما يدلُّ على عظم ذنب الربا وقبحه. قال ابن دقيق العيد: إن أكَلةَ الربا مجرَّبٌ لهم سوءُ الخاتمة. فالغالب أن من تعاطى الربا لا يُختَمُ له بخير، في الغالب أنه يموت على شر؛ لأن دمه ولحمه نبَتَ على سُحتٍ، فحريٌّ ألا يوفَّق ولا يختم له بخيرٍ. [ص: 193] الاعتماد على الله والتوكل عليه: الإنسان إذا اعتمد على الله واتكل عليه فلو تكيده السموات ومن فيهن، والأرضون ومن فيهن، فلا بد أن الله يجعل له فرجًا ومخرجًا، ينجيه من هذه الخليقة كُلِّها، ولا تضره؛ لاعتماده على الله. [ص: 168] الحذر من الإعجاب بالنفس: من أُعجب بنفسه فنزَّل نفسَه منزلةَ الإله، كما وقع لبعض ملوك بني بويه، وهو عضد الدولة، وذلك أن القرامطة لما عظُم أمرهم وقويت شوكتهم بعث الخليفة العباسي جيشًا من بغداد وهو في البحرين، فهَزموا جيش الخليفة، فجهَّز لهم جيشًا آخرَ، فهزموه أيضًا، فانتدب لهم عضد الدولة وطلبَ من الخليفة أن يُوليه قتالهم، فولَّاه قتالهم...فكسرهم وشتت شملهم، فأُعجب بنفسه، فأنشأ يقول: عضد الدولة وابن ركنها ملكُ الأملاك غلابُ القدَرْ بل أنت إبليس، وليس غلاب القدر، أُعجب بنفسه لما نصَره الله على القرامطة، وطمحت نفسه إلى أن ادعى أنه غلاب القدر، وقد قال هذا في أول النهار بعد النصر، فما غربت الشمس إلا وهو مجنون، يبول على ثيابه، مكبَّل بالحديد.[225] العين حق، وتصيب حتى من غير اختيار العائن: العين حق، وتصيب الإنسانَ بإذن الله، حتى من غير اختيار العائن، فربما أن الشخص يصيب ولدهُ ويصيبُ أقرب الناس إليه؛ فلهذا أُمر أن يقول الإنسان: "ما شاء الله"، أو يذكر الله، حينما يرى ما يعجبه. وقد ذكر ابن عبدالبر في "التمهيد" بعض الحكايات المتعلقة بالعين، ومن جملتها أنها تقع ولو في أتفه شيءٍ، ليس من لازمها أن يكون المعايَنُ عنده أمر كبير يختصُّ به دون غيره، أو أمر مهم، أو شيء مستحسن، قد تقع على الإنسان بأدنى سببٍ، فمن ما جملة ما ذكره ابن عبدالبر: أن شخصًا جلس يبول في أرض دمثة، وكان لضرب بوله صوت في الأرض الدمثة، فمرَّ به شخص، فسمع صوت بوله، فأصابه بالعين فسقط مغشيًّا عليه! [ص:62 - 63] الدعاء يكون من صميم القلب: من علامات الإجابة: أن يوفِّقك الله للدعاء، ولكن الدعاء لا يكون من طرَف اللسان، بل لا بُدَّ أن يصدر من صميم القلب، فإذا صدر من صميم القلب، من قلب حيٍّ مقبلٍ على خالقه وباريه، فالله لا يخيب دعاءه ولا يردُّه، بل إما أنه يعطيك سؤلك، ويجيب دعاءك، أو أن يدخر دعاءك هذا في الآخرة، أو يصرف عنك من البلاء ببركة دعائك ما لا تعلمه. [ص: 42] الحكمة في ذكر الزِّنا في موعظة الكسوف: ما الحكمة في ذكر الزنا في موعظة الكسوف؟ لم يذكر قتل النفس، ولم يذكر الربا، ولم يذكر شرب الخمر، ولم يذكر الكفر والشرك، وإنما ذكر الزِّنا. قالوا: لأن القلب كالشمس مشرق بالإيمان، فالشمس حصل عليها هذا الكسوف فغيَّرها، وأحدث فيها نكتة سوداء، فالزاني عندما يزني يحصلُ في قلبه - الذي هو كوكب من نور - نكتةٌ سوداء، إن تاب ورجع ذهبت تلك النكتةُ السوداء، وإن استمرَّ في المعاصي انطمس هذا النور. [ص: 59] ثالث المسجدين، وليس ثالث الحرمين: عندما يذكرون المسجد الأقصى في القدس، يقولون: ثالثُ الحرمين... فهل نوافقهم على هذا؟ هل هو ثالث الحرمين؟ نقول: قولهم هذا باطل، ليس ثالث الحرمين باتفاق المسلمين، فالمسجد الأقصى ليس بحَرَمٍ، بل قُل: "ثالث المسجدين"، هذا صحيح، والصلاة فيه بخمسمائة صلاة، هذا صحيح، ومسجد الخليل أيضًا يسمونه "الحرم الإبراهيمي"، كُلُّ هذا خطأ، إنما الحرم: حرم مكة، وحرم المدينة. لأن معنى "الحرم" هو الذي لا يُعضد شوكه، ولا يُختلى خلاه، ولا يُنفر صيده، ولا تلتقط لقطته إلا لمعرِّف، هذه الأحكام لا يوجد شيء منها بالأقصى. [ص:235] القومية العربية: العرب لهم فضل وشرف بنسبهم، لكن إذا تخلَّفوا عن دينهم فلا خير فيهم، ولا في نسبهم؛ ولهذا قولهم: القومية العربية، الجامعة العربية، كله خطأ، فانتسابهم للإسلام هو المتعين، والدليل على ذلك أن القرآن والسنة لا نجد فيهما أن العرب والفخر بسبب عروبتهم، إنما بسبب إسلامهم، وأما قبل الإسلام فهم أكفر الخلق، قال الله سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، ولم يقُل: إنما العرب إخوة، فلا فرق بين العربي والهندي والجاوي وغيرهم إلا بالتقوى. وأصل القومية العربية - وهذا الذي نسمعه - إنما جاء في سنة 1910م، وأسبابه بمقتضى ما قرأناه: هو أنه لما حصلت الحركة في تركيا فكَّر ساسة الفرنسيين والإنجليز وعقدوا مؤتمرًا في باريس، وقالوا: الأتراك ينتمون للإسلام، والعرب كذلك ينتمون للإسلام، فإذا اجتمعوا كوَّنوا جبهة عظيمة، فلا بدَّ من التفرقة وإنزال العصبية العِرقية منزلة الإخوة الإيمانية، فنفصلهم بقولنا: هؤلاء "عرب"، وهؤلاء "أتراك"، فلا يربط بينهم دينٌ، فأشاعوا هذا، وألَّفوا فيه مؤلفات، وهذا من أبطل الباطل. وفي الصحيح أن رجلًا من المهاجرين كسع رجلًا من الأنصار فتنادَوا: يا للمهاجرين! والأنصاري يقول: يا للأنصار! مع أنه صفة مدح وخير، غضب الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: (( أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! ))، هذا يقول: يا للأنصار، وهذا يقول يا للمهاجرين، فكيف بالعروبة؟! نحن نفتخر بعروبتنا لا بأس، نحن عرب لكن ليست العروبة كل شيءٍ، بل الإيمان أقوى منها، ورابطة الإسلام أعلى منها، فالعربي إن لم يكن مستقيمًا ولا على الجادة، فهو العدو اللدود، قال الله: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ﴾ [المجادلة: 22]. [261، 262] صنف للرافضة كتابًا في إسلام أبي طالب: الرافضة تعظِّم أبا طالب، ويدَّعون أنه مسلم، ويزورون قبره في مكة، وربما طلبوا منه الشفاعة، وتوسلوا به إلى الله، قبَّحهم الله، وقد قال لنا بعض علماء مكة: إن الرافضة اتصلوا بأحمد زيني دحلان - وهو يعرف أن أبا طالب مات على الكفر - فصنف كتابًا لهم سماه: "أسنى المطالب في نجاة أبي طالب"، وأخذ مالًا مقابل تصنيفه هذا الكتاب، في حين أنهُ يعرفُ أنَّ أبا طالب مات على الكفر. [ص: 305]. كتاب "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق" للنبهاني: النبهاني له كتاب سماه: "شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق"، خلَّط فيه، وذكر فيه الترهات والأكاذيب، ولفَّق فيه ما لفَّق مما يستحي العاقل من ذكره، فمن ذلك أنه ذكر: أن بقرة حليبها كثير ماتت، فبنوا على قبرها، وتبركوا بها، واستغاثوا بها! انظر إلى فساد العقول، كيف لا يستحي من ذكر هذا؟ بقرة تُبنى على قبرها قبة، ويُتبرك بها؟! [ص:315]. قبر الحسين المشهور في مصر هو قبر رجل نصراني: مثل ما في مصر من زعمهم أن قبر الحسين بن عليٍّ فيها، ويعظمونه ويزورونه ويطوفون حوله، وبنوا عليه قُبَّةً، وبنوا عليه مسجدًا، سموه: "مسجد الحسين"، وما هو إلا كذب في كذب، فقد ذكر ابن قسطلاني: أن قبر الحسين المشهور في مصر هو قبر رجل نصراني، بنوا عليه قُبّةً، وقالوا: هذا قبر الحسين. والحسين رضي الله عنه، لم يأتِ مصر، ومع هذا جعلوا يطوفون بالقبر، وبنوا قُبّةً عليه، زخرفوها بالذهب، وصرفوا أموالًا عظيمة، فانظر إلى تلاعب الشيطان بهؤلاء. [ص: 243] دليل الرافضة على قبر علي بن أبي طالب: قبر عليٍّ الآن في الكوفة، نقرأ في كتب الرافضة أن قبر علي جُهل لما قُتل رضي الله عنه في الكوفة، ولم يعلم مكان قبره، ولطول المدة ضاع، إلا أنهُ عُرِفَ بواسطة غزال، وذلك أن هارون الرشيد خرج من بغداد للقنص، ووجد غزالًا أمامه، فلحقه يريد صيده، فذهب إلى ربوة هناك، وجعل يتمرغ بالربوة، استدلوا بهذا على أن هذا قبر عليٍّ، الدليل على أن هذا قبر علي: أن الغزال ذهبت تتمرغ به! هذه خرافات. [325] من خطط المستعمرين والدعاة للباطل إيجاد فجوة بين العلماء وبين العامة: هنا دسائس يفعلها المستعمرون اليوم... عندما يريدون نشر مبدأ من مبادئهم، كالشيوعية أو القاديانية، أو اليهودية، أو النصرانية، فعندهم خطة، وهي أنهم يرون المسلمين فيهم علماء أفاضل، وفيهم أهل خير، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فيقولون: ينبغي إيجاد فجوة بين هؤلاء وبين عامة المسلمين، وصورة الفجوة أن يقال: إنهم قصروا ولم يقوموا بواجبهم، وأن الوظائف أغرقتهم، وأنهم كذا وكذا، فينبغي نشر هذا بين العامة، حتى إن العامة ينفرون من العلماء، ولا يقبلون منهم، فإذا جئنا بأيِّ مذهبٍ أو بدعةٍ تقبلته العامة، لأن العاقبة الكأداء في سبيل ما نريده هم: العلماء، فإذا أوجدتم فجوة بينهم وبين العامة صار العامة لا يقبلون منهم، وصاروا مسرحًا لقبول أيِّ دعوة تأتيهم من غير المسلمين، هذا من خططهم التي قرأنا عنهم. وهذا من أهم ما ينبغي التنبه له، وهو أن الدعاة للباطل يوجدون فجوةً بين العلماء وبين العامة، حتى إنهم إذا نصحوهم، وبيَّنوا لهم الأدلة، وهدوهم إلى الطريق، لم يقبلوا منهم، إذًا يَقبلون أيَّ دعوة مخالفة لدعوة الإسلام، هذا من خطط المستعمرين. [ص: 369] من يبيح الربا من العصريين ممن يدعي العلم: للأسف أن هناك من يدعي العلم وجعل يحاول إباحة الربا، الذي هو محرَّم بالكتاب والسنة والإجماع، يقول: "إنه جائز إذا كانت الفوائد من أجل التنمية التجارية"، لا بأس أن تأخذ - مثلًا - ألفًا عن ألف ونصف، أو مائة ألف على أنك تُسلمها مئة وعشرة آلاف، إذا لم تأكلها، وإنما أقمت بها مصنعًا مثلًا، كُلُّ هذا باطل، ومن التعاليم الفاسدة، فالله سبحانه وبحمده حرَّم الربا، وهذا هو ربا الجاهلية، وهؤلاء جاؤوا بأشياء لا دليل لها، ولكن كما قال الله: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ﴾ [الشورى: 21]. يقولون: "الربا يجوز لمصلحة الفقير"، إذا كنت صاحب مال وجاءك الفقير يريد أن يأخذ منك ألفًا بألف ومائة إلى السنة المقبلة، فلا يجوز، وإذا كان غنيًّا تعطيه الآن ألفًا ويعطيك إياها ألفًا ومئة يفتخ بها مشروعًا، فهذا لا بأس به، هذا تفريق بين المتماثلين، هذا الذي يقوله كثير من العصريين، لكن هذا كلُّه لا أصل له، هل القرآن فرَّق بين هذا وهذا؟! هل الرسول صلى الله عليه وسلم فرَّق بين هذا وهذا؟! الله حرَّم الربا من حيث هو، وحثَّ على الإقراض، وحثَّ على الصدقة، ورغَّب في الإنفاق والإحسان إلى الناس، وبعد هذا كلِّه ذكر تحريم الربا، فتحريم الربا جاء في آيات البقرة بعد قوله: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ﴾ [البقرة: 261]، يحثُّ على الإنفاق في سبيل الله، وقال ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274] ، ثم قال بعد هذا : ﴿ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا ﴾ [البقرة: 275] لا تعطِ أي إنسان بطلب الفائدة، بل أعطه لله، والله يعوِّضك خيرًا. [ص: 194] عذاب النمام في قبره: النميمة هي: نقل حديث قومٍ إلى آخرين على جهة الإفساد بينهم. والنميمة بها تُسفك الدماء، وبها تقطع الأرحام، وبها يتفرق الصديقان. وقد جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبرين، فأخذ الجريد فشقه نصفين، فوضع على كل قبرٍ منه شقًّا، وقال: (( إنهما لَيُعذَّبانِ، وما يعذبان في كبيرٍ، فأما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ))، فالذي يمشي بالنميمة يُعذب في قبره؛ لأنها تُفسد بين الصاحبين، وبين الأب وابنه، وبين الرجل وأهله، وبين القبيلة والقبيلة. ووجه كون النمام يعذَّب في قبره هو: أن النميمة مقدمة لسفك الدماء؛ وذلك أن نقل حديث هؤلاء إلى هؤلاء على جهة الإفساد بينهم يُذْكِي العداوةَ حتى تؤدي إلى سفك الدم، وأول ما يقضي الله فيه بين خلقه: الدماء، قبل أن يقضي بينهم في الأموال وغيرها، فلما كانت النميمة مقدمة لسفك الدماء، ناسب أن يُعذَّب النمام في قبره قبل عذاب الآخرة. [ص: 405 - 406] تعليم الأطفال للقرآن يؤثر في سلوكهم وأخلاقهم: القرآن هداية للقلوب؛ ولهذا تجد من قرأ القرآن، يؤثر ذلك في سلوكه، ويؤثر ذلك في أخلاقه، في الغالب، ويؤثر في اتجاهه إلى الله واستقامته، وفرقٌ بينه وبين من لا يقرأ القرآن، جاء في الحديث: (( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثلُ الأترجة: طعمُها طيِّب، وريحها طيب ))؛ ولهذا حثَّ السلف على أن نعلِّم أطفالنا القرآن ليعتادوا الخير، وينشؤوا نشأة طيبة؛ لأنه يؤثر في سلوكهم، ويؤثر في أخلاقهم. [ص: 473] حلاوة الإيمان تكون مع الموالاة والمعاداة في الله: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( من أحبَّ في الله، وأبغض في الله، ووالي في الله، وعادى في الله، فإنما تُنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبدٌ طعمَ الإيمان، ولو كثرت صلاته وصيامه، حتى يكون كذلك )، لن يجد حلاوة الإيمان ولو كثرت صلاته وصومه حتى يحبَّ في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله، ويعادي في الله، فمجرد كثرة الصلاة وكثرة الصوم والزهد في الدنيا لا يؤثر إذا كان الإنسان لا يفرِّق بين أعداء الله وأولياء الله، كلهم عنده سواء، فإذا قابل الكافرَ رحَّب به وأكرمه، كما يصنع مع أولياء الله ولا فرق، هذا صلاته وصومه لن يجد بهما طعم الإيمان، وهو على ذلك. [ص:483] حلاوة الإيمان تخفف المصيبة على الإنسان: إذا آمنتَ بالقدر استراح قلبك، وانشرح صدرك، واطمأنَّ ضميرك؛ لأنك تعلم أن المصيبة التي وقعت عليك لم تكن جديدة، بل قدَّرها الله قبل أن يخلقك. والعلم بأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك من حلاوة الإيمان، فالإيمان له في قلبك حلاوة وبشاشة، ومن حلاوة الإيمان أن المصيبة التي وقعت يخفُّ ضررها عليك متى اعتقدت أن الله قدَّرها عليك قبل أن تُخلق، فإنك تجد شيئًا من الراحة. [ص: 714] بذل كل ما يمكن لطلب العلم: الإنسان مهما فعل في طلب العلم فلا يعتبر كثيرًا، فإن الشياطين حرَصتْ على العلم، حتى إن الواحد منهم يركب الآخر، من أجل أن يسمعوا كلمة، يُلقونها إلى أوليائهم من الإنس، هذا يدل على أن المسلم مهما بذل في تحصيل العلم، فلا يعدُّ كثيرًا. [ص: 277] القرآن الكريم إذا حلَّ في القلب استنار، وأذهب الهموم والأحزان: معنى: ( أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ) أن القرآن بمنزلة المطر، وقلبك بمنزلة الأرض، فالمطر إذا وقع على الأرض أنبتتْ وجاءت بأنواع الثمار الجميلة النافعة، فالقرآن إذا حلَّ في قلبك أنتج الإيمان، وأنتج الخوف من الله، وعظمة الله والإقبال عليه، واستنار قلبك، وذهب همَّك، وجلَّى حزنك. [ص: 210] فوائد مختصرة: • العلم النافع يؤثر على الإنسان في سلوكه، وأخلاقه، وعبادته، واستقامته. [ص: 175] • العلم الحقيقي الذي يُورثُ الخشية من الله، يعود آخر الزمان جهلًا، يجهله الناس ويتضاءل ويذهب. [ص: 570] • قولهم: زارتنا البركة، هذا من بركاتك"، فلا بأس به؛ لأنه من باب التفاؤل. [386] • إذا كان الرجل تقيًّا مخلصًا لله، متصلًا قلبه بالله، فهذا تنفع قراءته، ويكون لها من التأثير الشيء الغريب، أما إذا كان بخلاف ذلك فلا تأثير لقراءته. [ص:429] • من غرَّته نفسه أو خالط قلبَهُ شيءٌ من الكبر والعظمة، فإن الله يبتليه في الدنيا قبل الآخرة. [ص:500] • من أراد مدح الناس أو ثناءهم أو رياسة أو غير ذلك، فحكمه حكم من باع جوهرة نفيسة ببعرة. [ص: 538] • من سبَّ الله ورسوله.. صنَّف ابن تيمية كتابًا مفيدًا في هذا المعنى، سماه: الصارم المسلول على شاتم الرسول. [ص: 640] • إذا امتلأ قلبك بمحبة الله رضيتَ بما قدَّر الله، وإذا امتلأ قلبك بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم صدَّقته فيما يقول. [ص: 715] • الإنسان إذا لم ينشأ بالتربية الدينية ولم يقم بقلبه تعظيم الله، فإن الموت خير له من حياته، ولو كان يحمل شهادة جامعية أو شهادة ماجستير أو شهادة دكتوراه![734] • إذا صنعت لشخص معروفًا، فهو ولا بُدَّ سيميل قلبهُ إليك مقابل معروفك، ويذلُّ لك، فينبغي أن يكافأك حتى يكون قلبه كلُّه لله، فينقطع القلب عن جميع الخلائق ويتصل بالخالق.[ص:680] • ترك الأمر بالمعروق والنهي عن المنكر خوفًا من أولياء الشيطان لا ينبغي، بل على الإنسان أن يأمر وينهى ويبيِّن الحق مهما كانت الحالة، والله إذا علم منه صلاح النية فإنه يؤيده ويناصره. [ص: 487] • ما ظنك بمن يبتعثون أبناءهم وهم صغار إلى الجهات المختلفة من بلاد الكفر، لم يعرف العقيدة، ولم يعرف الإسلام، ولم يعرف إلا ما برق أمام عينيه؟ يا للأسف ويا للمصيبة! أين قوله: ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]؟ [ص: 266] • ما يبقى للإنسان إلا ما قصد به وجه الله والدار الآخرة، هذا الذي يبقى، فإذا عَمِله لأجل وجه فلان، فهذا يخونك أحوج ما تكون إليه، بل تعاديه ويعاديك يوم القيامة، وكل منكم يتبرأُ من الآخر؛ لأن المحبة لم تُبْنَ على أسسٍ من التقوى.[484] • لا يجوز الأمن من مكر الله، وهو: أن تستبعد أن الله يعذبك، وتستبعد أن الله يسلب نعمه عنك، هذا من الخطأ؛ فلا ينبغي أن يستبعد الإنسان غضب الله عليه مع تماديه بالمعصية، وعدم صرف هذه النِّعم في مرضاة الله. [ص: 512] • ما يصيب العبدَ في الدنيا من المصائب هي رحمة له، وتخفيف عنه، ومن علامات توفيق الله وإحسانه ورحمته بعبده: أن يعجِّل عقوبته في الدنيا، بابتلائه بشيءٍ من المصائب؛ لأن ذلك تخفيف من سيئاته، وتكفير لذنوبه وخطاياه. [ص: 527]
السيرة من القرآن
د. محمد منير الجنباز
03-01-2022
4,622
https://www.alukah.net//culture/0/151902/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86/
السيرة من القُرْآن القُرْآن الكريم ربيع القلوب، وشفاء الصدور، فيه الأحكام، وفيه إقرار التوحيد، وفيه قصص الأنبياء، وفيه العظة والعبرة، مَن فهمه حق الفهم وأخذ بما فيه فقد هُدي إلى الصراط المستقيم، وعرَف نفسه ومن هو فوق هذه الأرض وفي هذا الكون، وإذا عرف الإنسان حقيقته وحجمه وعرف خالقه وأسماءه وصفاته تصرف العبد بالنسبة للخالق، وعرف بما لا يقبل الشك واللبس قول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وعرَف ما المطلوب من العبد تجاه الخالق، والقُرْآن خاتم الكتب نزل على خاتم الأنبياء ليكون منهاج حياة إلى أن تقوم الساعة، فإذا ما ذكر السابقين من الأنبياء والأمم فقد أتى على أهم الأحداث في عصر كل نبي، وكان لسيرة موسى فيه النصيب الأكبر في الذكر إذا ما قيس بما ذكره عن بقية الأنبياء، ولكن هذا لا يعني أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم داخل في هذه الإحصائية؛ فالقُرْآن كتاب الله الذي أنزله على النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكاد تخلو سورة إلا وفيها ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، صحيح أنه لم يذكر النبي بالاسم إلا في أربعة مواضع، والخامس باسم أحمد، لكن ذكره أكثر من أن يحصى، وقد نوَّه عنه بكاف الخطاب وهاء الغيبة والضمائر المستترة مع ذكر ما عاصره من الأحداث، وسوف نستقصي السيرة النبوية من النص القُرْآني؛ لتكون سيرة نبوية خالية من الخلل والمبالغات واختراق الإسرائيليات.
استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأولى لنايف سعيد بن جمعان الزهراني
محمود ثروت أبو الفضل
02-01-2022
3,376
https://www.alukah.net//culture/0/151869/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%b1%d8%a7%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%84%d8%a7%d8%ab%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84%d9%89-%d9%84%d9%86%d8%a7%d9%8a%d9%81-%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%ac%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%87%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a/
استدراكات السلف في التفسير في القرون الثلاثة الأولى لنايف سعيد بن جمعان الزهراني صدر حديثًا طبعة جديدة منقحة ومزيدة من كتاب "استدراكات السلف في التف سير في القرون الثلاثة الأولى - دراسة نقدية مقارنة"، ويليه: جامع مرويات استدركات السلف في التفسير، تأليف: د. "نايف بن سعيد بن جمعان الزهراني"، نشر: "دار أجيال التوحيد للنشر والتوزيع". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الماجستير من قسم التفسير وعلوم القرآن بكلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى عام 1426 - 1427 هـ. وتهتم هذه الدراسة بتقصي آثار السلف في التفسير، وأنواع العلوم والمسالك التي سلكوها في بيان كلام الله تعالى، فكان منها هذا النوع اللطيف من البيان، الذي يدل على حرص السلف على تصحيح الفهم لمعاني الآيات، وإيضاح الأصح والأكمل في حقها من المعاني. وهو موسوعة تفسيرية جامعة تعد من كتب الخلاف العالي المحررة في علم التفسير، ويدرس استدراكات السلف واعتراضات بعضهم على بعض في التفسير، وفيه دراسة موسعة لثمانين أثرًا من استدراكات السلف مع تخريجها وتحقيق الأقوال فيها، وتوجيهها، والاستدلال لها وعليها، والترجيح بينها. كما تميزت الدراسة باستخلاص مسائل دقيقة من أصول التفسير المأثورة عن السلف. وقد أبان المؤلف في كتابه صورة اختلاف السلف في التفسير، وكيف كان رد بعضهم على بعض، وفي هذا "الجامع التفسيري" أكثر من (400) رواية نقدية من أقوال السلف في التفسير، تتبين بها فقه السلف في هذا العلم، وكيف تداولوه في زمانهم. وقد قام الكاتب باستخلاص المرويات وجمعها من أكثر من (100) مجلد من التفاسير المسندة. وقد تميز بذكر قائمة مختارة من الموضوعات المقترحة للدراسة والبحث من خلال "جامع المرويات". ويعد الكتاب بموضوعه من أحسن وسائل الوقوف على جملة من معارف التفسير وتأصيلها، كقواعد الترجيح في التفسير، وأسباب الخطأ فيه، والتفسير بالرأي وضوابطه، ونحو ذلك من علوم هذا الفن. وانقسمت الدراسة إلى مقدمة وتمهيد وبابين وخاتمة، على النحو التالي: المقدمة: وفيها أهمية الموضوع، وأسباب اختياره. التمهيد: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: معنى "الاستدراك". المبحث الثاني: المراد بـ"السلف" وبيان فضلهم. المبحث الثالث: تعريف "التفسير". المبحث الرابع: المراد بـ"استدراكات السلف في التفسير". الباب الأول: دراسة مرويات "استدراكات السلف في التفسير" في القرون الثلاثة الأولى. الباب الثاني: "الاستدراكات في التفسير" نشأتها وتطورها وأثرها في علم التفسير، وفيه مدخل وفصلان: مدخل: حرص السلف على تصحيح الفهم لمعاني كتاب الله تعالى. الفصل الأول: "الاستدراكات في التفسير" نشأتها، وتطورها. الفصل الثاني: أثر استدراكات السلف في التفسير على علم التفسير، وفيه تمهيد وخمسة مباحث: المبحث الأول: أثر استدراكات السلف في التفسير على قواعد الترجيح في التفسير. المبحث الثاني: أثر استدراكات السلف في التفسير على أسباب الخطأ في التفسير. المبحث الثالث: أثر استدراكات السلف في التفسير على أسباب الاختلاف في التفسير. المبحث الرابع: أثر استدراكات السلف في التفسير على التفسير بالرأي. المبحث الخامس: اختلاف مدارس التفسير، وعلاقته بالاستدراكات فيه. خاتمة: أجملت أهم نتائج البحث وتوصياته. والكاتب هو د. "نايف بن سعيد بن جمعان الزهراني" الأستاذ المشارك في التفسير وعلوم القرآن بجامعة جدة، حاصل على ماجستير في تخصص التفسير وعلوم القرآن، من جامعة أم القرى، ومشرف علمي في "ملتقى أهل التفسير". من مؤلفاته: • "الاستدلال في التفسير: دراسة في منهج ابن جرير الطبري في الاستدلال على المعاني في التفسير". • "معالم الاستنباط في التفسير". • "الإسرائيليات في تفسير ابن جرير الطبري". • "صناعة التفكير في علم التفسير" • "مراتب أداء القرآن وسماعه الواردة في القرآن الكريم وأثرها في التدبر". • "علم الاستنباط من القرآن: المفهوم والمنهج". • "أول تدبر: طريقة فهمك الأكمل".
إحياء الآثار - دراسة عقدية لمنيرة عبد العزيز المقوشي
محمود ثروت أبو الفضل
01-01-2022
3,840
https://www.alukah.net//culture/0/151840/%d8%a5%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%b9%d9%82%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%86%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d9%88%d8%b4%d9%8a/
إحياء الآثار - دراسة عقدية لمنيرة عبد العزيز المقوشي صدر حديثًا كتاب "إحياء الآثار - دراسة عقدية"، تأليف: د. "منيرة بنت عبدالعزيز بن عبدالرحمن المقوشي"، نشر: "دار الأماجد للنشر والتوزيع". وأصل الكتاب أطروحة علمية بنفس العنوان للحصول على درجة الماجستير في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بكلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تحت إشراف د. "محمد بن ناصر السحيباني" عام 1440 هـ. ونجد من خلال هذه الرسالة بيان الموقف الشرعي من ظاهرة "إحياء الآثار"، والتنبه إلى ما حدث في هذا الزمان الذي عج بالفتن، وتخبط الناس فيه بين الشبهات والشهوات، وكثرت فيه الدعوات حول إحياء معالم الماضي والتراث، والتباكي على اندراس الآثار، والمناداة بإحيائها، والانفتان بتتبعها، والعناية بها في مواضعها أو في معارض مخصصة، ولا يزال الجدال قائم بين الكثير من الناس حولها. فالحديث عن هذا الموضوع الشائك يحتاج إلى بحث علمي دقيق رصين، بعيدًا عن الأحاسيس والعواطف الجياشة، من منظور شرعي عقدي بحت؛ حفاظًا على الدين، وصيانةً له من الوثنيات الجاهلية، وتجنبًا للانجراف في مستنقع الشرك والبدع. ونظرًا لما ييدي إليه إحياء الآثار من مخاطر تمس العقيدة، كانت هذه الرسالة في ذلك المبحث الشائك، وذلك تحريًا للحق، وتقصيًا لما كتبه أهل العلم الراسخين في ذلك؛ لكشف الشبهة، وإيضاح الحجة، والنصح لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم. اشتملت هذه الرسالة على: 1- مقدمة. ٢- تمهيد. ٣- (3) فصول. 4- (12) مبحثًا. 5- (٣9) مطلبًا. 6- (60) مسألة. 7- خاتمة. 8- (10) فهارس. يحتوي الفصل الأول على بيان: الآثار بأنواعها من خلال اعتبارات مختلفة، ومن حيثيات متنوعة، كالآثار باعتبار: 1- المروي والمرئي. ٢- الشرعي والشرك. ٣- المكان والزمان. 4- المادي والمعنوي. 5- الثابت والمزيف. 6- الباقي والمندرس. يحتوي الفصل الثاني على: موقف المبتدعة والمستشرقين من الآثار، واستعراض أبرز شبهاتهم، حيث بلغت (33) شبهة، والردود تجاوزت (100) رد؛ لتفنيدها. يحتوي الفصل الثالث على: أبرز المخالفات العقدية المترتبة على إحياء الآثار، وصورها، وأسبابها، والمفاسد الناتجة عنها. وترى الكاتبة إن الاهتمام بالآثار والعناية بها، والسعي إلى إحيائها من الموضوعات المهمة في هذا العصر، وتأتي هذه الأهمية من جوانب متعددة منها: • كثرة الدعوات المؤيدة لإحياء الآثار بالعناية والاهتمام، وإغفال النتائج الوخيمة المترتبة على إحيائها. • الافتتان بالآثار الوثنية والجاهلية، والولاء لها، والتهاون بإحيائها واستبعاد وقوع المخالفات العقدية. • ظهور عدد من المقالات الصحفية والكتب المؤلفة في إحياء الآثار والمطالبة بالعنابة بها؛ بحجة الحفاظ على الآثار والتراث وامتلائها بالشبه والانحرافات العقدية. • تعلقها من جهة الشرع بالجانب العقدي، حيث إن لها صلة كبيرة وواضحة به، والدليل على ذلك أن أول شرك وقع على وجه الأرض كان بسبب إحياء الآثار، وهو ما حصل لقوم نوح -عليه السلام -. ونجد أن هذه الرسالة موجهة للأمة الإسلامية بالعموم، وموجهة بالخصوص للذين اهتموا: بإحياء الآثار المرئية الوثنية، وأهملوا الآثار المروية الحديثية. فالمتأمل لأحوال المخالفين للمنهج القويم يرى أن السمة الغالبة عليهم: تعطيل الآثار المروية الثابتة، وتعظيم الآثار المرئية المزيفة. فعجبًا لمن أنكر الأثر المروي اليقيني وشكك فيه، وأثبت الأثر المرئي الظني وتبرك وغلا فيه! وعجبًا لمن أهمل الآثار الحديثية المروية، وتخاذل عنها، واهتم بالآثار المحسوسة المرئية واعتنى بها!!
إتحاف الفالحين عن كتاب رياض الصالحين
عبدالله الحسيني
01-01-2022
7,769
https://www.alukah.net//culture/0/151816/%d8%a5%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%86/
إتحاف الفالحين عن كتاب رياض الصَّالحين الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فمن أجلِّ ما صنَّفه شيخ الإسلام أبو زكريَّا محيي الدِّين يحيى بن شَرَف بن مِرَى الحِزَامي النَّووي الدِّمشقي (631 هـ-676 هـ) -رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً- حتَّى بلغَت شهرتُهُ آفاق الخافقَين، وتبوَّأَت مودَّتُهُ الوجدان والعينَين، كتابه: (رياض الصَّالحين) . هذا الكتاب الذي يتضمَّن (نفحات تربويَّة عبقة الشَّذى فوَّاحة الأريج، تهذِّب الرُّوح، وتسمو بها، وتولد فيها حافزًا قويًّا على التحلِّي بما خُلقت له من العبادة، وتصل بها إلى ما فيه إسعادها وصلاح أمرها؛ وذلك لما اشتمل عليه من ترغيب وترهيب، وطهارات للقلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وتقويم اعوجاجها، وغير ذلك من المقاصد التي يحتاج إليها المكلَّف الفطِن الذي يهمُّه أمر دينه ودنياه وآخرته، فهو كتابٌ تربويٌّ فذٌّ، تناول مختلف جوانب الحياة الفرديَّة والاجتماعيَّة بأسلوبٍ واضحٍ، يُدرك مرماه الخاصُّ والعامُّ، والمثقَّف ومَن دونه، ذلك لأنَّه لغة أفصح الخلق الذي تنزَّل القرآن على قلبه ليكون للعالمين بشيرًا ونذيرًا) [1] . فأردتُ أن أهدي المحبِّين له المعتنين به جملةً من التُّحف الفريدة عنه من حيث: عنوانه الصَّحيح، وتاريخ الفراغ من تصنيفه، وموضوعه ومنهجه، ومصادره الحديثيَّة وشيوخ المصنِّف فيها، والمصنَّفات التي ذكرها لنفسه فيه وأحال عليها، والمصنَّفات الأخرى التي أحال فيها على هذا الكتاب، وعنايته بإقرائه، وثناء أهل العلم عليه، وختمته بنسخة خطِّيَّة نفيسة للكتاب لم تُعتمد في أيِّ طبعة. وعلى الله الكريم توكُّلي واعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنِّعمة، وبه التَّوفيق والعصمة . أوَّلًا: العنوان الصَّحيح للكتاب: سمَّى الإمام النَّووي كتابه بـ: (رياض الصَّالحين من كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم سَيِّد العارفين) ، كما بخطِّ تلميذه المجاز منه الشَّيخ داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار (المتوفى 752 هـ)، نقلًا عن نسخة أخيه الإمام العلَّامة علاء الدِّين علي ابن العطَّار (654 هـ - 724 هـ) التي قابلها مع المصنِّف ونسخته، وسمعها وقرأها عليه. رياض الصالحين، مكتبة آيا صوفيا، رقم (1835)، [5/ أ] واختَصرَ عنوانه في مواضع عدَّة إلى: (رياض الصَّالحين) ، وأحيانًا إلى: (الرِّياض) ، كما سيأتي. وأمَّا العناوين الأخرى للكتاب، مثل: (رياض الصَّالحين من كلام سيِّد المرسلين) ، و (رياض الصَّالحين من حديث سيِّد المرسلين) ، (رياض الصَّالحين من حديث رسول الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين) ، ونحوها، فالظَّاهر أنَّها من اجتهادات بعض النُّسَّاخ والنَّاشرين، ولم أقف عليها في النُّسخ الخطِّيَّة النَّفيسة القريبة من عصر المصنِّف. ثانيًا: تاريخ الفراغ من الكتاب: فرغ من تصنيفه: يوم الاثنين 4 من شهر رمضان سنة 670 هـ، وعمره وقتها 39 عامًا. قال الإمام النَّووي: (فرغتُ منه: يوم الاثنين رابع شهر رمضان سنة سبعين وستمائة) ا.هـ. وهذا هو التَّاريخ الصَّحيح الذي وصلنا بخطِّ تلميذه المجاز منه الشَّيخ داود ابن العطَّار نقلًا عن نسخة أخيه العلَّامة علي ابن العطَّار التي قابلها مع المصنِّف ونسخته وسمعها وقرأها عليه، وهو المطابق لليوم والتَّاريخ من السَّنة. وأمَّا ما ورد في بعض النُّسخ الخطِّيَّةٍ من أنَّه فرغ منه في الرَّابع عشر، فهو غلطٌ بيقين، تصحَّفَت فيه (شهر) إلى (عشر)، والله أعلم. رياض الصالحين، مكتبة آيا صوفيا، رقم (1835)، [261/ ب] ثالثًا: موضوع الكتاب، ومنهج الإمام النَّووي فيه: بيَّن ذلك الإمام النَّووي في مقدِّمة كتابه أتمَّ بيان، فقال (ص 31-33) -طبعة دار المنهاج، بجدَّة-: (أَمَّا بعد: فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾ [الذَّاريات: 56-57]. وهذا تصريحٌ بأنَّهم خُلقوا للعبادة، فحقَّ عليهم الاعتناء بما خُلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدُّنيا بالزَّهادة، فإنَّها دار نفاد لا محلُّ إخلاد، ومركب عُبور لا منزل حُبور، ومَشرع انفصام لا موطن دوام. فلهذا كان الأَيقاظ من أهلها هم العبَّاد، وأعقل النَّاس فيها هم الزُّهَّاد، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس:24]، والآيات في هذا المعنى كثيرة. ولقد أحسن القائل: إنَّ للهِ عبادًا فُطَنَا طَلَّقُوا الدُّنيَا وخافُوا الفِتَنَا نَظَروا فيها فلمَّا عَلِمُوا أَنَّهَا لَيسَت لِحَيٍّ وَطَنَا جَعَلُوها لُجَّةً واتَّخَذُوا صَالِحَ الأَعمالِ فيها سُفُنا فإذا كان حالُها ما وصفتُهُ، وحالُنا وما خُلقنا له ما قدَّمتُهُ؛ فحقٌّ على المكلَّف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار، ويسلك مسلك أولي النُّهى والأبصار، ويتأهَّب لما أشرتُ إليه، ويهتمَّ لما نبَّهتُ عليه، وأصوبُ طريق له في ذلك، وأرشدُ ما يسلكه من المسالك، التَّأدبُ بما صحَّ عن نبيِّنا سيِّد الأوَّلين والآخرين، وأكرم السَّابقين واللَّاحقين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النَّبيِّين. وقد قال الله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة:2]، وصحَّ عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: (واللهُ في عَوْنِ العَبْدِ مَا كَانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ)، وأنَّه قال: (مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أجْرِ فَاعِلِهِ)، وأنَّه قال: (مَنْ دَعَا إِلى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيئًا)، وأنَّه قال لعليٍّ رضي الله عنه: «فَوَاللهِ لأَنْ يَهْدِي اللهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ). فرأيتُ أن أجمعَ مختصرًا من الأحاديث الصَّحيحة، مشتملا على ما يكون طريقًا لصاحبه إلى الآخرة، ومحصِّلا لآدابه الباطنة والظَّاهرة، جامعًا للتَّرغيب والتَّرهيب وسائر أنواع آداب السَّالكين: من أحاديث الزُّهد، ورياضات النُّفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح وإزالة اعوجاجها، وغير ذلك من مقاصد العارفين. وألتزمُ فيه أن لَّا أذكرَ إلَّا حديثًا صحيحًا من الواضحات، مضافًا إلى الكُتب الصَّحيحة المشهورات، وأصدِّرَ الأبواب من القرآن العزيز بآيات كريمات، وأوشِّحَ ما يحتاج إلى ضبط أو شرح معنى خفيٍّ بنفائس من التَّنبيهات، وإذا قلتُ في آخر حديث: متَّفق عليه، فمعناه: رواه البخاري ومسلم. وأرجو -إن تمَّ هذا الكتاب- أن يكون سائقًا للمُعتني به إلى الخيرات، حاجزًا له عن أنواع القبائح والمهلكات. وأنا سائلٌ أخًا انتَفَعَ بشيءٍ منه أن يدعُوَ لي، ولوالديَّ، ومشايخي، وسائر أحبابنا، والمسلمين أجمعين. وعلى الله الكريم اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وحسبي الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله العزيز الحكيم) ا.هـ. رابعًا: المصادر الحديثيَّة للكتاب، وشيوخ الإمام النَّووي فيها [2] : اعتمد الإمام النَّووي في الكتاب على أمَّهات المصادر الحديثيَّة المشهورة، وجلُّها من مسموعاته على شيوخه، ويرويها بأسانيده المتَّصلة إليها، كما فصَّلتُ ذلك في جزأَين مستقلَّين، وهما: (الإفصاح عمَّن رَوَى الإمام النَّوويُّ عنهم المسانيد والسُّنن والصِّحاح)، و(الإِنباء بما سمعه الإمام النَّوويُّ من الأجزاء)، ومصادره في هذا الكتاب كالتَّالي: 1-موطَّأ الإمام مالك بن أنس رواية أبي مصعب الزُّهري: سمع الكتاب على الشَّيخ أبي إسحاق رضي الدِّين إبراهيم بن عمر بن مُضر بن محمَّد الواسطي (593 هـ - 664 هـ). 2-مسند الإمام أحمد بن حنبل: سمع الكتاب سنة 658 هـ على الشَّيخ أبي محمَّد شرف الدِّين عبد العزيز بن محمَّد بن عبد المحسن بن محمَّد الأنصاري الدِّمشقي الحَمَوِي الشَّافعي (586 هـ - 662هـ). 3-مسند الإمام الدَّارِمي: سمع الكتاب على أجلِّ شيوخه الشَّيخ أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682 هـ). 4-صحيح الإمام البخاري: سمع الكتاب على جماعة، منهم: الشَّيخ أبو محمَّد وأبو الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597هـ - 682هـ). 5-صحيح الإمام مسلم: سمع الكتاب على الشَّيخ أبي إسحاق رضي الدِّين إبراهيم بن عمر بن مُضر بن محمَّد الواسطي (593 هـ-664 هـ)، بجامع دمشق. 6-سنن الإمام أبي داود السِّجِسْتاني: سمع الكتاب على الشَّيخَين: أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682 هـ)، وأبي محمَّد تقي الدِّين إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر بن عبد الله التَّنُوخِي الدِّمشقي الشَّافعي (589 هـ - 672 هـ). 7-سنن الإمام التّرمذي: سمع الكتاب على الشَّيخ أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597 هـ - 682 هـ). 8-الشمائل للإمام التّرمذي. 9-سنن الإمام النَّسائي: سمع الكتاب بقراءته على الشَّيخ أبي محمَّد تقي الدِّين إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر التَّنُوخي (589 هـ - 672 هـ). 10-سنن الإمام ابن ماجه: سمع الكتاب سنة 662 هـ على الشَّيخ أبي محمَّد وأبي الفرج شمس الدِّين عبد الرَّحمن بن أبي عُمر محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن قُدامة المقدسي الصَّالحي الحنبلي (597هـ - 682 هـ). 11-صحيح الإمام ابن خزيمة. 12-سنن الإمام الدَّارَقُطْني: الكتاب من مسموعاته، كما نصَّ على ذلك تلميذه ابن العطَّار في (تُحفة الطَّالبين) (ص 60)، يسَّر الله تعالى الوقوف على شيخه فيه. 13-معالم السُّنن للإمام الخطَّابي: سمع هذا الكتاب على الشَّيخ أبي محمَّد كمال الدِّين إسحاق بن خليل بن فارس الشَّيباني الدِّمشقي الشَّافعي (588 هـ - 655 هـ). 14-المستدرك للإمام الحاكم النيسابوري. 15-معرفة علوم الحديث للإمام الحاكم النيسابوري. 16-سنن الإمام البَيْهَقِي. الكتاب من مسموعاته، كما نصَّ على ذلك تلميذه ابن العطَّار في (تُحفة الطَّالبين) (ص 60)، يسَّر الله تعالى الوقوف على شيخه فيه. 17-الجمع بين الصَّحيحين للإمام الحُميدي [3] : درس جملة مستكثرة من الكتاب على الشَّيخ أبي إسحاق ضياء الدِّين إبراهيم بن عيسى بن يوسف المرادي الأندلسي الشَّافعي (المتوفى 667 هـ). خامسًا: المصنَّفات التي ذكرها لنفسه في الكتاب وأحال عليها [4] : من عادات الإمام النَّووي أنَّه يحيل في مصنَّفاته على كتبه الأخرى، وقد بيَّن مقصده من ذلك في مقدّمة كتابه (بستان العارفين) (ص ٦٣)، فقال: (وربَّما أحلتُهُ على كتاب صنَّفتُهُ أنا، ولا أقصدُ بذلك إن شاء الله تعالى التَّبجُّح والافتخار، ولا إظهار المصنَّفات والاستكثار، بل الإرشاد إلى الخير والإشارة إليه، وبيان مظنَّته والدَّلالة عليه. وإنَّما نبَّهتُ على هذه الدَّقيقة؛ لأنِّي رأيتُ من النَّاس من يَعيبُ سالك هذه الطَّريقة؛ وذلك لجهالته وسوء ظنِّه وفساده، أو لحسده وقصوره وعناده، فأردتُ أن يتقرَّر هذا المعنى في ذهن مطالع هذا التَّصنيف؛ ليطهِّر نفسه من الظَّنِّ الفاسد والتَّعنيف. وأسأل الله الكريم توفيقي لحسن النِّيَّات، والإعانة على جميع أنواع الطَّاعات، وتيسيرها والهداية لها دائمًا في ازدياد حتَّى الممات) ا.هـ. أمَّا مصنَّفاته التي أحال عليها في هذا الكتاب، فهُمَا: 1- (حِلية الأبرار وشِعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار)، الشَّهير بـ: (الأذكار): ذكره في ثلاثة مواضع: قال (ص 496): (اعلم أنَّ الكذب، وإن كان أصله محرَّمًا، فيجوز في بعض الأحوال بشروط قد أوضحتُها في كتاب: الأذكار) ا.هـ. وقال (ص 510): (والرِّواية المشهورة: «أهلكهم» برفع الكاف، ورُوي بنصبها، وهذا النَّهي لمن قال ذلك عُجبًا بنفسه، وتصاغرًا للنَّاس، وارتفاعًا عليهم، فهذا هو الحرام، وأمَّا من قاله لما يرى في النَّاس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزُّنًا عليهم، وعلى الدِّين، فلا بأس به، هكذا فسَّره العلماء وفصَّلوه، وممَّن قاله من الأئمَّة الأعلام: مالك بن أنس، والخطَّابي، والحُميدي، وآخرون، وقد أوضحتُهُ في كتاب: الأذكار) ا.هـ. وقال (ص 562) في باب كراهة المدح في الوجه لمن خيف عليه مفسدة من إعجاب ونحوه، وجوازه لمن أمن ذلك في حقه: (والأحاديث في الإباحة كثيرة، وقد ذكرتُ جملة من أطرافها في كتاب الأذكار)ا.هـ. 2- (منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري): ذكره في موضع واحد: قال (ص 119): (قوله: (وراءَ وراءَ) هُوَ بالفتح فيهما، وقيل: بالضَّمِّ بلا تنوين، ومعناه: لستُ بتلك الدَّرجة الرَّفيعة، وهي كلمة تُذكر على سبيل التَّواضع، وقد بسطتُ معناها في شرح صحيح مسلم) ا.هـ. سادسًا: مصنَّفات الإمام النَّووي الأخرى التي أحال فيها على الكتاب: 1- (تحرير ألفاظ التَّنبيه): ذكره في موضع واحد: قال (ص 127): (الغِيبة: ذِكرك الإنسان بما يكرهه ممَّا هو فيه، وهي حرام إلَّا في ستَّة مواضع، بسطتُها في: كتاب الأذكار، ورياض الصَّالحين) ا.هـ. 2-(منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري): ذكره في موضعين: قال (7/ 406) بعد حديث الوصيَّة بالنِّساء: (وقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة في الوصيَّة بهن، وبيان حقوقهن، والتَّحذير من التَّقصير في ذلك، وقد جمعتُها أو معظمها في: رياض الصَّالحين) ا.هـ. وقال (9/ 68): (وقد قال العلماء: إنَّ الغِيبة تباح في ستَّة مواضع، أحدها: الاستنصاح، وذكرتُها بدلائلها في: كتاب الأذكار، ثمَّ في: رياض الصَّالحين) ا.هـ. 3-(المجموع شرح المهذَّب): ذكره في ثمانية مواضع: قال (3/ 178-179) بعد أحاديث النهي عن إسبال الإزار وجره: (وفي المسألة أحاديث صحيحة كثيرة غير ما ذكرتُه، قد جمعتُها في: كتاب رياض الصَّالحين) ا.هـ. وقال (4/ 389): (قال الترمذي، ويروى الكور بالواو كلاهما صحيح المعنى، قال العلماء: معناه بالرَّاء والنون جميعًا: الرُّجوع من الاستقامة أو الزِّيادة إلى النقص، وقد أوضحتُهُ في: كتاب الأذكار، وفي: الرِّياض) ا.هـ. وقال (4/ 395) بعد حديث (لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة): (وهذا النَّهي يتناول المصاحبة دون باقي التَّصرُّفات فيها من السَّفر بها في وجه آخر، والبيع، وغير ذلك، وقد بسطتُ شرحه في: كتاب الرِّياض) ا.هـ. وقال (4/ 481) في آداب المجلس والجليس: (وفي هذا الفصل أحاديث كثيرة صحيحة، وقد ذكرتُ منها جملة في: كتاب الأذكار، والرِّياض) ا.هـ. وقال (5/ 106): (وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسُّنَّة على فضل الصَّبر، وقد جمعتُ جملة من ذلك في باب الصَّبر في أوَّل: كتاب رياض الصَّالحين) ا.هـ. وقال (5/ 109): (وقد تتبَّعتُ الأحاديث الصَّحيحة الواردة في الخوف والرَّجاء، وجمعتُها في: كتاب رياض الصَّالحين، فوجدتُ أحاديث الرَّجاء أضعاف الخوف مع ظهور الرَّجاء فيها) ا.هـ. وقال (6/ 220) بعد أحاديث فضل الصدقة على الأقارب: (وفي الباب أحاديث كثيرة صحيحة، جمعتُ معظمها في: رياض الصَّالحين) ا.هـ. وقال (6/ 247): (يستحب استحبابًا متأكدًا صلة الأرحام، والإحسان إلى الأقارب واليتامى والأرامل والجيران والأصهار، وصلة أصدقاء أبيه وأمه وزوجته، والإحسان إليهم، وقد جاءت في جميع هذا أحاديث كثيرة مشهورة في الصَّحيح، جمعتُ معظمها في: رياض الصَّالحين) ا.هـ. 4-(تهذيب الأسماء واللُّغات): ذكره في موضعين: قال (3/ 120): (وفيه حديث: (في كُمّ قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرُّصغ)، في سنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وذكرتُه في آخر باب الجوع من: الرِّياض) ا.هـ. وقال (3/ 172): (والصَّبر من أعظم الأصول التي يعتمدها الزُّهَّاد وسالكو طريق الآخرة، وهو باب من أبواب كتب الرَّقائق، وقد جمعتُ أنا فيه جملة من الأحاديث الصَّحيحة مع الآثار في كتاب: رياض الصَّالحين) ا.هـ. سابعًا: عناية الإمام النَّووي بإقراء الكتاب: اعتنى الإمام النَّووي بإقراء كتابه (رياض الصَّالحين) في مجالس القراءة والسَّماع، وسمعه منه جماعة، فممَّن وقفتُ على أسمائهم: 1- الشَّيخ، الفقيه، شهاب الدِّين أحمد بن يحيى بن علي بن أحمد المالِقي. 2- الإمام، العالم، علاء الدِّين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي. صورة طبقة سماع الكتاب على الإمام النَّووي كتبها ابن العطَّار (الحمد لله ربِّ العالمين. سمعتُ جميع هذا الكتاب، وهو: (رياض الصَّالحين)، من أوَّله إلى: باب بيان جماعة من الشُّهداء، بقراءة: الفقيه، شهاب الدِّين أحمد بن يحيى بن علي بن أحمد المالِقي، والباقي بقراءتي على مصنِّفه: شيخنا، وسيِّدنا، الإمام، العالم الرَّبَّاني، شيخ الإسلام، مفتي الشَّام، ناصر السُّنَّة، أبي زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَا النَّووي، أعاد الله علينا بركته. وسَمِعَهُ جماعة كاملًا، وآخرون بفوات. وصحَّ ذلك في مدَّة، آخرها: الثَّامن والعشرين من شهر رمضان المعظَّم سنة أربع وسبعين وستمائة بدمشق المحروسة. كَتَبَهُ: علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي، عُرف بابن العطَّار، عفا الله عنهم). رياض الصالحين، مكتبة حسين باشا أمجازاده، رقم (279)، [168/ ب] تنبيه: اعتمدَت طبعة دار المنهاج بجدِّة نسخة مكتبة حسين باشا أعلاه أصلًا، ووصفتها أنَّها نُقلت من نسخة الإمام ابن العطَّار التي سمعها وقرأها على المؤلِّف! وفي هذا نظرٌ، والصَّحيح أنَّ هذه النُّسخة منقولة عن نسخة عبد الله بن أحمد بن خليل البانياسي الشَّافعي عن نسخة العلاء ابن العطَّار، حيث صرَّح النَّاسخ في آخرها [168/ ب] أنَّه شاهد على الأصل المنقول منه في طبقة سماعه صورة طبقة سماع ابن العطَّار على المصنِّف، فنَقَلَها منه، ثمَّ عاد إلى طبقة سماع أصله، فقال: (وفيه: ..) يعني: في أصل البانياسي المنقول منه، فنَقَلَ منه طبقة سماعه على ابن العطَّار، وممَّا جاء فيها: (وقابلتُ هذه النُّسخة مع الشَّيخ المُسمِع حال السَّماع بأصله)، ولا يمكن للنَّاسخ أن ينقل طبقة السَّماع هذه إلَّا من نسخة البانياسي المذكورة، والله أعلم. ثامنًا: من ثناء أهل العلم على الكتاب: تتابع أهل العلم بالثَّناء على الكتاب بما يفوق الحصر، فمنهم على سبيل المثال: 1- قال تقي الدِّين اللَّخمي (المتوفى 738 هـ) في (ترجمة الشيخ محيي الدين يحيى الحزامي النووي الدمشقي الشافعي) (ص 49): (وكتاب: رياض الصَّالحين مجلَّد ضخم، وكتاب الأذكار، وهما جليلان، لا يَستغني مُسلم عنهما) ا.هـ. 2- وقال شمس الدِّين الذَّهبي (المتوفى 748 هـ) في (سير أعلام النبلاء) (19/ 340): (فعليك يا أخي بتدبِّر كتاب الله، وبإدمان النَّظر في الصَّحيحين، وسنن النَّسائي، ورياض النَّواوي، وأذكاره، تفلح، وتنجح) ا.هـ. 3- وقال شمس الدِّين العثماني (المتوفى 800 هـ) في (طبقات الفقهاء الكبرى) (2/ 711): (والأذكار، ورياض الصَّالحين، وهما كتابان عظيمان مُهمَّان) ا.هـ. 4- وقال ابن الوزير اليماني (المتوفى 840 هـ) في (العزلة) (ص 99): (فإذا حصلَت لك الخلوة بلطف الله تعالى، فشمِّر في العمل على موافقة الكتاب والسُّنَّة، وطالع كتب الصَّالحين بعدهما، وقدِّم الكتب الصَّحيحة على غيرها، وأحسن ما يطالع: كتاب (رياض الصَّالحين) للنَّووي، فإنَّه اقتصر فيه على كتاب الله وسنَّة رسوله الصَّحيحة، ولم يمزجه بشيء من البدع والمذاهب) ا.هـ. 5- وقال شمس الدِّين السَّخاوي (المتوفى 902 هـ) في (المنهل العذب الروي) (ص 73): (رياض الصَّالحين، والأذكار، قلتُ: وهما جليلان لا يُستغنى عنهما) ا.هـ. 6- وقال محمَّد بن صالح العُثيمين في (شرح رياض الصَّالحين) (3/ 454): (رياض الصَّالحين: الكتاب الموافق لاسمه، فإنَّه رياض، رياض لأهل الصَّلاح، فيه من الأحكام الشَّرعية والآداب المرعيَّة ما يزيد به إيمان العبد، ويستقيم به سيره إلى الله عز وجلّ، ومعاملته مع عباد الله، ولهذا كان بعض النَّاس يحفظه عن ظهر قلب؛ لما فيه من المنفعة العظيمة) ا.هـ. وقال (4/ 233): (والحقيقة أنَّ هذا الكتاب (رياض الصَّالحين) كتاب جامع نافع، ويصدق عليه أنَّه رياض الصَّالحين، ففيه من كلِّ زوج بهيج، فيه أشياء كثيرة من مسائل العلم، ومسائل الآداب، لا تكاد تجدها في غيره) ا.هـ. وقال (4/ 333): (رياض الصَّالحين: كتابٌ شاملٌ عامّ، ينبغي لكلِّ مسلم أن يقتنيه، وأن يقرأه، وأن يفهم ما فيه) ا.هـ. تاسعًا: نسخة خطِّيَّة نفيسة للكتاب لم تُعتمد في أيِّ طبعة [5] : نسخةٌ تامَّةٌ مُتقنةٌ محفوظةٌ في مكتبة آيا صوفيا، رقم (1835)، وتقع في (261) ورقة، وفي (26) كراسة ونصف. كَتَبَها بخطٍّ جيِّدٍ حَسَنٍ مع الفهرست: الشَّيخُ، الفاضلُ، العالمُ، الفقيهُ، المسنِدُ، المعمَّرُ، الثِّقةُ، أبو سُليمان جمال الدِّين داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار (665 هـ - 752هـ) [6] - وهو ممَّن أخذ عن المصنِّف وأجازه [7] ، وله عناية خاصَّة بنسخ كتبه [8] - في مدَّة آخرها: يوم السَّبت 4 شهر جمادى الآخرة سنة 728 هـ بمدينة دمشق، وقابلها وصحَّحها على أصل أخيه علاء الدِّين علي ابن العطَّار -وقد آلت أصوله بعد وفاته إلى أخيه النَّاسخ [9] - المسموع على مصنِّفه الإمام النَّووي، في مجالس آخرها: 5 من شهر الله المحرَّم سنة 729 هـ. وفيها إلحاقات، وتصحيحات، وتصويبات، وترقيم الكرَّاسات، كما فيها بلاغات عدَّة بخطِّ النَّاسخ وغيره يظهر منها أنَّها قوبلت غير مرَّة على الأصل، وعليها حواشي يسيرة صرَّح النَّاسخ بنقلها عن خطِّ أخيه العلاء ابن العطَّار. (كَتَبَهُ: داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي، في مدَّة آخرها: يوم السَّبت رابع شهر جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بدمشق المحروسة، نفعه الله تعالى وسائر وجوه الخير، وجَمَعَ بينه وبين مصنِّفه في دار كرامته بفضله ورحمته. بَلَغَ مقابلةً وتصحيحًا بحسب الإمكان بالأصل المنقول منه المسموع على مصنِّفه -رحمه الله- أصل الشَّيخ علاء الدِّين ابن العطَّار -رحمه الله- وذلك في مجالس، آخرها: خامس المحرَّم سنة تسع وعشرين وسبعمئة، أحسن الله تقضيها، ولله الحمد والمنَّة). هذا والله أعلم. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. [1] مقتبس من مقدّمة (رياض الصَّالحين) (ج-د) بتحقيق: عبد العزيز رباح وأحمد الدّقاق. [2] من مصادر الكتاب غير الحديثيَّة التي صرَّح بها: (الصّحاح) للجوهري، و(بحر المذهب) للروياني. [3] يرى الشَّيخ نظر الفاريابي -كما في (كنوز رياض الصَّالحين) (1/ 36)- أنَّ الإمام النَّووي بجانب اعتماده على المصادر الأساسيَّة اعتمد كثيرًا على مصدرَين أساسيين، وهما: الكتاب أعلاه، -وقد صرَّح به في موضع (ص 163)-، وكتاب (التَّرغيب والتَّرهيب) للإمام المنذري، -ولم يصرِّح به-، وأورد أمثلة على ذلك. [4] اقترح عليَّ شيخنا الجليل المحقِّق د. عبد الحكيم الأنيس -حفظه الله ورعاه- إفراد بحثٍ مستقلٍّ عن المؤلَّفات التي ذكرها الإمام النَّووي لنفسه وأحال عليها، وشرعتُ فيه، يسَّر الله تعالى إتمامه على خير . [5] قد زوَّدني بها مشكورًا مأجورًا أخي فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد بن يوسف الجوراني، جزاه الله خير الجزاء. [6] أفردتُ ترجمته في جزء مستقلٍّ سمَّيته: (بذل المجهود في ترجمة الشَّيخ ابن العطَّار داود). [7] قال ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة) (2/ 219): (ولد في شوال سنة 65[6]، فأجاز له ابن عبد الدائم، والنجيب، والنَّووي، وابن مالك، وغيرهم)ا.هـ، وذكره السَّخاوي ضمن الآخذين عنه في (المنهل العذب الروي) (ص 130)، فقال: (والجمال داود بن إبراهيم ابن العطَّار، أخي تلميذه العلاء علي) ا.هـ. [8] مثل: (منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري)، و(حِلية الأبرار وشِعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار)، (روضة الطَّالبين وعمدة المفتين)، و(الإيضاح في مناسك الحج والعمرة)، كما نَسَخَ كتاب أخيه العلاء ابن العطَّار المسمَّى بـ: (تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين). [9] في (الدرر الكامنة) (2/ 219): (قال البِرزالي: انتقلَتْ إليه أجزاء أخيه بعده)ا.هـ.
"غريد المحاريب" بوح
إبراهيم بن محمد صديق
30-12-2021
3,092
https://www.alukah.net//culture/0/151793/"%d8%ba%d8%b1%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a8"-%d8%a8%d9%88%d8%ad/
"غرِّيد المحاريب" بوح هذه الأمَّة العظيمة تكاد تنفرد بإخراجها جهابذة من الرِّجال والنساء الذين وقفوا وأوقفوا حياتهم لهذا الدين، التاريخُ مليءٌ بتلك الأسماء التي تشنف آذاننا عند سماع سيَرِها، مفسِّرٌ يبحر في معاني الآيات، ومحدث يحفظ لنا كلام أطهر الخلق عليه الصلاة والسلام، وعالمٌ بالعلل يزيل الدَّخن عن سنة المصطفى، وأصولي يقيم دعائم الثَّبات لهذ الدين، ويبيِّن طرق استدلاله، وسبل فهم كلامه، ومن بين هؤلاء كلهم تبرز أسماء أخرى لها اهتمام بأعظم كلام ؛ كلام الله سبحانه وتعالى، وهم: القراء والمقرئون على مرِّ التاريخ، فلا شك أنه بهؤلاء تخضلُّ رياض الرياحين، بهم نأنس، وبهم نفرح؛ ليس لأشخاصهم، ولكن لعظمة ما يخدمونه وهو القرآن الكريم، ومن بين هؤلاء القراء: الشيخ الفاضل: محمد أيوب رحمه الله، إمام الحرم النبوي الشريف. كنت مغرمًا منذ طفولتي بالأصوات الشجية، الأصوات التي حين تسمعها تتوشح وشاحًا من الطمأنينة والسكينة، تلك الأصوات التي تبعث في النفوس سكونًا لذيذًا، يعطي لكلام الله رونقًا فوق جماله ورونقه، وقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بأبي موسى الأشعري فاستمع إليه، ثم قال بعد: لقد أوتي مزمارًا من مزامير آل داود، فقال أبو موسى، لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرًا. وممَّن أوتي هذا الصوت الموسوي الداودي: الشيخ محمد أيوب، ولست وحدي الشغوف بهذا الصوت الندي، ملايين المسلمين من حول العالم يأسرهم صوت هذا القارئ، بدءًا من عوام المسلمين وصولًا إلى علمائهم وكبار قرائهم، يقول المعصراوي: "الشَّيخ محمد أيوب قارئ مميز متفرد بأداء نادر، حباه الله صوتًا جميلًا، وإدراكًا في قراءته حين يتنقل من مقام إلى آخر، والرجل من أجود وأندر القراء الذين تخرجوا من المملكة العربية السعودية، وأنا أرى أنه لن يتكرر؛ فأداؤه مميز وصوته شجي وندي، يأخذ بالألباب والعقول عندما تستمع إليه، أثر على كثير من قراء العصر، والشيخ محمد أيوب ظهر بعد قراء مصر الخمسة المشهورين: الشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ الحصري والشيخ المنشاوي والشيخ البنا والشيخ عبد الباسط، هؤلاء الكبار قراء متميزون، تفرد كل منهم بأداء مميز. وأعتبر الشيخ محمد أيوب سادس هؤلاء الأهرامات الخمسة الكبار، إن جاز أن أطلق عليهم أهرامات، فهو لا يقل عنهم في شيء، بل هو مثلهم في التفرد والتميز والأداء المؤثر، بل أكثر تميزًا من بعضهم!". وبين يدي الآن ترجمة موسعة له رحمه الله، أقلب فيها وأتصفحها، أتأمل سطورًا كتبت عن تعامله، وأخرى عن تعلقه بالقرآن، وثالثة عن حياته الخاصة، هذا الكتاب الذي بين يدي والذي يحمل عنوان: "غرِّيد المحاريب" هو ترجمة فريدة موسعة للشيخ محمد أيوب، بل هو أول كتاب مفرد في ترجمة الشيخ، أعدها الأخ الصديق الباحث: عمار أعظم ، وقد التقى فيه الباحث بذويه من أقارب وتلاميذ وغيرهم بما مجموعه (36) لقاء، و(68) اتصالًا هاتفيًّا على مدى ثلاث سنين، كما جمع شهادات أعلام القراء المعاصرين في العالم الإسلامي عن الشيخ. ولست هنا للتعريف بالكتاب تعريفًا أكاديميًّا، ولكن لإظهار بعض الفرح الذي يكتنفني وأنا أتصفح الكتاب. الكتاب عنوانه: غرِّيد المحاريب.. الشيخ محمد أيوب، الأنموذج والقدوة. تأليف: عمار محمد أعظم. وهو من إصدار: دار الأوراق للنشر والتوزيع، ويقع في (477) صفحة. والكتاب قد قدم له فضيلة الشيخ الدكتور: صالح بن عبدالله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام والمستشار بالديوان الملكي. هذا الكتاب لم يكن المغزى الوحيد منه: عرض حياة الشيخ محمد أيوب، بل جال المؤلف الصديق وصال في ميادين حياة الشيخ، واقتبس الكثير من الدروس والعبر من تاريخه القرآني، سواء لحملة القرآن معلمين ومتعلمين أو لغيرهم من المسلمين. الكتاب فيه شذرات من حياته، وقبسات من تعلقه بالقرآن الكريم، وإضاءاتٌ حول علمه وتعلمه، وعروجٌ على الجانب الشخصي من حياته على علاقته بالآخرين، واهتمامه بمستضعفين، على الرابطة القوية بينه وبين مشايخه، على سمته، وحلمه، وهدوئه، ووقاره، حتى على الوشاح الكبير الذي كان يضم به أسرته، ففي الكتاب تطرق لعلاقته مع أبنائه، وأهل بيته، وجيرانه من حوله، وفي الكتاب أيضًا قصصٌ من هنا وهناك، قصص مع أساتذته، وزملائه، وأقرانه، ذكريات حاضرة في قلوب كل هؤلاء سُطرت في الكتاب، أتصفح الكتاب وكأنه تصوير سينمائي لكل حياته رحمه الله، فقد أجاد المؤلف في هذا الجانب ونقل تفاصيل كثيرة ليس الغرض منها مجرد معرفتها، وإنما الاستنارة بأنوارها، والاستظلال تحت أفانينها. في الكتاب أيضًا شيءٌ جميل لم ألْمَسه في كتب التراجم بهذه الكثرة، وهو: بوحٌ كبيرٌ عطِرٌ باح به مشايخه ومحبوه وتلامذته وكبار القراء في العالم الإسلامي، لم يكن الشيخ محمد أيوب رهين مكانه، كان كالسَّحاب يحلِّق في كل سماء، وأينما حلَّ أسبغ على أهله من فيض علمه وتعليمه واهتمامه، ففي الكتاب جمعٌ لرأي كبار القراء حول العالم عن الشيخ محمد أيوب، وفيه بثٌّ من بعض محبيه لشجن قلوبهم، يتذكرون عبق ذكرياته معهم، وقصصهم التي كانت تجمعهم به، فممن نقل عنهم المؤلف: د.عبد العزيز بن عبدالفتاح القارئ، والشيخ: صالح بن حميد، والشيخ إبراهيم الأخضر، والشيخ أيمن رشدي سويد، والشيخ أحمد عيسى المعصراوي، والشيخ محمد عبدالحميد أبورواش، والشيخ عبدالرافع رضوان الشرقاوي، والشيخ مشاري العفاسي، والشيخ محمد عبدالحكيم بن سعيد العبدالله، والشيخ عبدالله بصفر، والشيخ محمد خليل القارئ، والشيخ أحمد الحذيفي، والشيخ أحمد بن طالب حميد، والشيخ محمد عصام القضاة، وغيرهم كثير، وهم مقابل محبيه قلة قليلةٌ كانت لها الفرصة في التعبير عن مكنون قلوبها، وما تخفيه قلوب الملايين من المسلمين أعظم وأكبر وأكثر. المؤلف قسم الكتاب إلى مقدمة، وبابين، وخاتمة، قبلها ملحق للصور والوثائق. كان الباب الأول بعنوان: حياة الشيخ محمد أيوب الشخصية، ونشأته العلمية. أبحر في هذا الباب في حياته الشخصية، فتكلم عن الشيخ محمد أيوب ولادة ونشأة، وتلميذًا نجيبًا، ثم عرج على أبرز مشايخه وذكر جملة منهم، قبل أن يذكي الحنين حين بيَّن المؤلف وفاءه مع شيوخه، وعلاقته بهم، ثم ختم الباب ببيان عبادته وخلقه رحمه الله. الباب الثاني كان عنوانه: جهود الشيخ محمد أيوب وآثاره. في هذا الباب ستتجلى لك حياة الشيخ محمد أيوب، في أي شيء أفنى عمره؟ كيف قضى حياته؟ ماهي اهتماماته؟ تجد لكل هذه الأسئلة جوابًا واحدًا: القرآن الكريم وكل ما يتعلق به. فقد اختار رحمه الله أن تكون حياته كلها دائرة مع القرآن الكريم، وأن يكون القرآن محور حياته، فكان صباه وذكرياته الأولى في سبيل القرآن، والتحق بالحلقة الأولى في جمعية تحفيظ القرآن الكريم، وكانت مدرسته التي درس فيها مدرسة تحفيظ القرآن الأولى بمكة، وحين اشتد عوده جلس لتدريس القرآن في حلقات تحفيظ القرآن، وكان حريصًا على أن ينتقل إلى كلية القرآن الكريم بالجامعة الإسلامية بمجرد افتتاحها رغم أنه كان في السنة الثانية في كلية الشريعة آنذاك، وجعل بحثه في الماجستير والدكتوراه في تفسير القرآن، وكذلك عاش بعد ذلك مدرسًا للقرآن ولتفسيره في الجامعة، فحين اشتد عوده كان القرآن هو محور يومه، ففي صباحه إما يدرس القرآن أو يفسره والحال كذلك في مسائه، وهو مع القرآن سواء في الإمامة أو في التفسير أو الإقراء أو في المراجعة أو في عضوية مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف أو غير ذلك من الأمور. وفي هذا الباب ذكر المؤلف إمامة الشيخ، وذكر ما كان الشيخ رحمه الله يبكي من أجله، وهو إمامته في الحرم النبوي الشريف، فقد كان صوته الشجي يصدح في جنبات الحرم النبوي سنوات طويلة حتى قبل وفاته رحمه الله حين حقق أمنيته، وعاد إلى الحرم إمامًا بعد انقطاع عنه، كان صوته رحمه الله شجيًّا، كان يسكب الطمأنينة في النفوس والقلوب، كانت ترنيمته في الصلوات هي بثٌّ لمعاني القرآن وليس فقط لحروفه، فالأصوات تفسر، والأصوات تبين، والأصوات تفتح للقلوب أبصارها، ولم تكن علاقته بالإمامة مرتبطة بالحرم النبوي فقط، بل كانت له علاقة بعدد من المحاريب عرج عليها المؤلف وبينها، ثم ذكر شيئًا كثيرًا من علاقة قراء المسلمين بالشيخ محمد أيوب وذلك من خلال جمع كلماتهم حول الشيخ، كما عرج المؤلف على تعلق الشيخ بالقرآن مقرئًا له، وعلى علاقته بالتدريس بالجامعة الإسلامية، ثم عرج على جوانب من حياته الشخصية، مثل علاقته بوالديه، وأولاده، وأهل بيته، وجيرانه وأصدقائه، وفي هذه المباحث شجون وشجن، ودروس وعبر، وقد ختم المؤلف هذا الباب ببيان وفاة الشيخ رحمه الله وما قيل فيه وما رثي به. تصفحت الكتاب سريعًا، وتوقف عند كثير من سطوره، رحم الله الشيخ محمد أيوب، وبارك الله في الصديق المؤلف عمار أعظم أن حفظ لنا ترجمة هذا العالم الرباني القارئ المقرئ، وأن أتاح لنا الاطلاع على شيء من سيرته، ومعرفة جوانب من حياته، ذهب الشيخ محمد أيوب إلى ربه، وبقي ذكره وعلمه وتسجيلاته شاهدة له، وتلك عاجل بشرى المؤمن.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال- المصطلح)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
29-12-2021
4,496
https://www.alukah.net//culture/0/151765/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاحتلال- المصطلح ) لا يُرضي بعضَ الباحثين مصطلح الاستعمار، ويفضل المصطلح البديل: الاحتلال، بل لقد ظهر علينا مصطلح جديد بديل للاستعمار، وهو نقيضه: الاستخراب أو الاستدمار؛ لأنه هو الذي يعبر عن الحال التي جثم فيها الغرب على الشرق فلم يعمره، وإنما سعى إلى هدمه وخرابه والقضاء عليه [1] ،إلا أن مصطلح الاستعمار قد طغى وصار مميزًا لهذا الحديث، بحيث ينصرف الذهن إلى مفهوم الاحتلال عندما يطلق مصطلح الاستعمار،ويفضل الباحث استخدام مصطلح "الاحتلال" بديلًا لـ: "الاستعمار" من دون ربطه بالمبدل منه "الاستعمار" كلما وجد [2] . وقبل الدخول في مفهوم الاحتلال محددًا من محددات العلاقة بين الشرق، المسلمين هنا، والغرب لا بد من احتمال هذا المصطلح لزمن، تحدَّد خلاله العلاقة بين الاستشراق والاحتلال من جهة، والتنصير والاحتلال من جهة أخرى، مع الاعتراف بالتداخل بين هذه العوامل الثلاثة، المحددة للعلاقة على التفصيل القادم عند الحديث عن التنصير ثم الاستشراق ثم العلاقة بين التنصير والاستشراق. وأثبت البحث العلمي أن هناك علاقة قوية بين كل من الاستشراق والاحتلال [3] ؛ ذلك أن الاحتلال قد أفاد كثيرًا من الاستشراق، واستخدم بعض المستشرقين مساندين للمحتلين في وجوه: الوجه الأول: أن المستشرقين قد استخدموا مستشارين في وزارات الحربية ووزارات الاحتلال، وكانت هناك وزارات للاحتلال، ثم وزارات الخارجية،وكان بعض المستشرقين موظفين في هذه الوزارات في وظائف استشارية. الوجه الثاني: أن بعض المستشرقين قد رافقوا المحتلين في حملاتهم الاحتلالية، وأعانوهم على الوصول إلى المناطق التي عرفوها قبل وصول المحتلين إليها، بل إن من المستشرقين من صاغ البيانات الاحتلالية في البلاد العربية المحتلة وباللغة العربية، ومنهم من أذاع هذه البيانات الاحتلالية في الإذاعات الاحتلالية، التي قامت حال وصول المحتل إلى الأرض المحتلة. الوجه الثالث: أن بعض المستشرقين كانوا قد سبقوا المحتلين إلى الأراضي التي سيطر عليها المحتلون، بل إن منهم من وُلد في هذه الأراضي، لا سيما في الشام العربي والشمال الإفريقي العربي وشبه الجزيرة الهندية،وسِيَرُ بعض المستشرقين تؤكد على ذلك؛ إذ إن ولادة بعضهم كانت على الأراضي العربية أو الإسلامية [4] . والوجه الرابع: أن بعض المستشرقين عملوا وكأنهم قواعد معلومات، يستهدي بهم المحتلون، من دون أن يكونوا بالضرورة جميعهم عاملين متفرغين في تلك الوزارات. والوجه الخامس: أن الاستشراق كان دافعًا قويًّا للاحتلال، بما قدمه من معلومات سابقة لم تكن مقصودة بالضرورة لغرض احتلالي بعينه، ولكنها كانت معلومات جاهزة، فيها دعوة غير صريحة لاحتلال تلك الديار، لما ينتظر منها أو فيها من معادن وثروات طبيعية، وبما يمكن أن يستفاد من أهلها في بناء المجتمعات الغربية، لا سيما البنية الأساسية لتلك المجتمعات باستخدام ما يسمى خطأ لغويًّا بالعمالة الرخيصة؛ أي العمال الرخيصين، التي ظهرت أخيرًا، هم بشر غير رخيصين، إلا أن المقصود أنهم غير مَهَرة في الغالب، فتكون أجورهم قليلة، بل ربما ذهبنا إلى أبعد من ذلك عندما نلتفت إلى إفريقيا - في مسألة أخذ الرقيق (العبيد) منها يخدمون في البيوت والمزارع "الإقطاعات" والحظائر وغيرها. وهناك وجوه أخرى اتضحت فيها جهود بعض المستشرقين في مؤازرة الاحتلال الذي هجم على العالم الإسلامي حينًا من الدهر، على ما سيأتي بيانه في وقفة لاحقة بإذن الله تعالى. ومع هذا كله، فإن هذه الوقفة ركزت على التبعيض، وتعمدت الابتعاد عن التعميم، فلم يكن جميع المستشرقين على هذه الشاكلة، بل إن منهم من نأى بنفسه عن الاحتلال ومؤسساته. كما نأى غيرهم بأنفسهم عن الولوج في غيابات التنصير، واكتفت هذه الثلة من المستشرقين بالبحث والدراسة والإنتاج العلمي، من نشر ودراسة وتحقيق وفهرسة وتكشيف، وغيرها من الأنشطة العلمية،ومن العدل إثبات ذلك والوقوف عنده،كما أنه من العدل أيضًا إبراز جهود المنصرين في مؤازرة الاحتلال،(إعادة قراءة). [1] انظر: عبدالحليم عويس، عرض ودراسة ، في العمل الإسلامي ، ظاهرة الاستشراق: مناقشات في المفهوم والارتباطات - حصاد الفكر - ع 146 (ربيع الآخر 1425هـ/ يونيو 2004م) - ص 63 - 68. [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة ، إشكالية المصطلح في الفكر العربي - مرجع سابق - ص 250. [3] انظر الفصل الأول من الباب الثاني: العلاقة بين الاستشراق والاستعمار - ص 79 - 103 - في: علي بن إبراهيم الحمد النملة ، ظاهرة الاستشراق: دراسة في المفهوم والارتباطات - مرجع سابق - ص 210. [4] انظر: نجيب العقيقي ، المستشرقون - 3 مج - ط 5 - القاهرة: دار المعارف، 2006م - 110: 1 - 125.
دراسة: مخطوط الأشربة بتحقيق صبحي السامرائي
مرشد الحيالي
29-12-2021
2,618
https://www.alukah.net//culture/0/151752/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%b1%d8%a8%d8%a9-%d8%a8%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%b5%d8%a8%d8%ad%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a/
دراسة مخطوط الأشربة بتحقيق صبحي السامرائي الحمد لله رب العالمين الذي هدى للصواب، والصلاة والسلام على من أوتي جوامع الكلم والجواب، وعلى أصحابه أولي الأيدي والألباب، وبعد: فإنَّ مسألة الأشربة قد شغلت الفقهاء، وذهبوا في بعض أنواعها إلى مذاهب شتى بين التحليل والتحريم والكراهة مثل النبيذ وهو: ما ينتبذ من غير العنب [1] ، وقد ألف الفقهاء والعلماء في بيان حقيقتها وحكمها مصنفات، وأفردوا في ذلك رسائل مفردات مثل كتاب (الأشربة واختلاف الناس فيها) [2] لابن قتيبة رحمه الله، أو جعلوا ما كتبوه ضمن ما رووه في الصحيح والسنن كالبخاري والنسائي وابن ماجة وغيرهم، وممن تصدى لبيان الحق في هذه المسألة مستندًا في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله الإمامُ الجليل صاحب المقام الرفيع الطويل، ناصر السنة وقامع البدعة أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه، ودون في ذلك رأيه في النبيذ في غاية الوضوح والبيان بتحقيق شيخنا العلامة صبحي السامرائي رحمه الله، ولذلك سيكون الحديث في هذا الفصل عن الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على تحريم الخمر وكل مسكر، وبيان أضرارها بشكل موجز، وبيان أقوالهم في النبيذ، ثم نختم الفصل في بيان المنهج العلمي الذي سار عليه الشيخ صبحي السامرائي في تحقيق الكتاب [3] ، وبالله التوفيق وعليه التكلان، وبه أعتصم وألتجئ من كل حول وقوة. الأدلة على تحريم الخمر وكل مسكر: فقد أبان المولى سبحانه عن تحريم الخمر في آيات عدة بشكل واضح صريح، وبيَّن ما فيه توضيحًا لا تلميحًا؛ قال تعالى في محكم التنزيل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ * وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ * لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [المائدة: 90 – 93]. وبين رسولنا الكريم أنها محرمة بأنواعها، سواء سميت باسمها، أو بأسماء أخرى، عربية أم أعجمية، كانت شرابًا أو نبيذًا، بل لعن شاربها وعاصرها وبائعها.. ففي الحديث الصحيح عن ابْنِ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ) [4] . وقد أوضح سيدنا عمر رضي الله عنه حرمة الخمر بأنواعها بقاعدة متينة فقال: (الخمر ما خامر العقل) ، وقد استنبطها من قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر خمر) [5] ، والمسكر ما غطى العقل على وجه اللذة والطرب من أي مادة عملت أو صنعت، وأن ما أسكر كثيره فقليله حرام، وذلك لما جاء في الصحيحين وغيرهما عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) ، وفي رواية: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام) . وفي رواية: ( وما أسكر كثيره فقليله حرام) . أضرار الخمر: لها أضرار عدة صحية ومالية وبدنية ودينية واجتماعية: • منها إضاعة المال وتبذيره فيما حرم، وبما يعود بالضرر على المكلف، قال تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27]. وفي الحديث عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ المَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ) ؛ واه البخاري. • ومن مضارها أنها تغير العقل، وتغيبه عن مصالحه، فتجعله يؤثر ما يضره عما ينفعه، وقد جاءت الشريعة بحفظ العقل، وهو من الضروريات الخمس التي جاء الشرع الحنيف بحفظه وحمايته مما يؤذيه ويضره. • ومن مضارها أنها تصد عن ذكر الله، وعن إقامة الصلاة، قال تعالى مبينًا وموضحًا شرها وأثرها السيئ على شاربها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا ﴾ [النساء: 43]. • ومن شرها أنها سبب للعداوة والبغضاء بين ندمائها وشاربيها، وهي مفتاح لكل شر جاء، وباب لكل بلاء، حتى لا يدري شاربها ماذا فعل من محرمات، وماذا جنى على نفسه من موبقات، وماذا ارتكب من محرمات من الإساءة إلى الجوار، وقطع الأرحام والغلط في الكلام والحوار، والاعتداء على الناس في ليل أو نهار. • وهي فوق ذلك سبب للإصابة بالعديد من الأمراض النفسية، والصحية والجسدية، أشار إليها الأطباء من مختلف بلدان العالم، فهي تسبب كثيرًا من الأضرار الصحية على الكبد والقلب فضلا عن المشاكل الاجتماعية والأسرية، ولذا حذروا من شربها والإدمان عليها، نسأل الله العافية من شرها وبلائها. ولذلك فقد استجاب الصاحبة الأجلاء لنداء الله ورسوله حينما سمعوا قول الباري ينزل على نبينا، يأمرهم بالانتهاء عن شربها فقال عمرُ رضي الله عنه لما دعي فقُرِئَتْ عليه، فلما بلغ: ﴿ فَهَلْ أَنْتُم مُّنْتَهُونَ ﴾ ، قال عمر: (انتَهَينا، انتهيْنا) [6] . منهج الشيخ صبحي السامرائي - رحمه الله - في تحقيق الكتاب: توفَّرت في شيخِنا جملة خصائص وميزات [7] جعَلت تحقيقاته تَنال قيمة معرفية بين العلماء؛ ومنها: 1- تعلُّقه بالتُراث المخطوط ومعرفته بقيمته العلمية دراية وخبرة، وبرز ذلك من خلال إيثاره التحقيق على التأليف، وكان بوسعه أن يؤلِّف مئات المقالات والبحوث والكتب. 2- تمكنه من علوم اللغة كالنحو والصرف. 3- معرفته التامَّة بالمخطوطات في العالم ونسخها، ومعرفته بقراءتها، ومُراد المؤلَّف من ألفاظها، وحلُّه لرموزها 4- معرفته بعلوم الشريعة الإسلامية من فقه وأصوله، والتفسير وفروعه، وخاصة علم الحديث ورجاله وعلله وأنواعه. أما الخُطوات التي انتهَجَها الشيخ في تحقيق مخطوط الأشربة فهي: تحقيق العنوان ونسبة الكتاب إلى مؤلفه: قال الشيخ صبحي السامرائي: (إن كتاب الأشربة للإمام حنبل ذكره ابن النديم في الفهرست ص334، والقاضي محمد ابن أبي يعلي الفراء الحنبلي في طبقات الحنابلة في ترجمة أبي القاسم البغوي فقال: صنف المعجمين الكبير والصغير، وروى عن إمامنا كتاب الأشربة. (طبقات الحنابلة ج1-191) [8] . ملاحظة هامة: لم يرد في المصادر التي ترجمت للإمام أحمد أن له كتابين في الأشربة أحدهما كبير والأخر صغير، ومنشأ هذا الغلط جاء من بعض المحققين اعتمادًا على نسخة مخطوطة الأزهرية كتب عليها الأشربة الصغير، ففهم أن له أخر كبيرًا، والصحيح أنه كتاب واحد عنوانه الأشربة. يقول الشيخ صبحي: وقد بحثتُ في كتب التراجم والفهارس فلم أعثر على شيءٍ يؤيد ذلك [9] . التأكد من أن كتاب الأشربة لم يحقق من قبل: وهذا دأبه، بل كان يُبيِّض المخطوط فيسمع به أنه قد حُقِّق فيتركه، هذا وقد اعتمد الشيخ في تحقيق المخطوط القيم على نسختين: نسخة المكتبة الظاهرية بدمشق وهي قديمة جليلة، ويظهر أنها كتبت في عصر أبي القاسم البغوي رحمه الله كما ذكر ذلك الشيخ، والثانية النسخة الأزهرية وهي أحدث من الأولى، كتبت في القرن السابع الهجري. تحقيق النص: سلك الشيخ أعلى صور التحقيق، وهو أن يرجِع إلى أكبر قدر مُستطاع من كتب المؤلف، أو التي لها علاقة بالكتاب - كالشُّروح وغيرها - ليَزداد خبرة بأسلوبه، ويتمكَّن من عباراته وألفاظه، وهي (57) مصدرًا هامًا بعضها هو مخطوط لديه في خزانته الأثرية رحمه الله، ثم الترقيم والنَّسخ والتفصيل، وعناية الشيخ بذلك أتمُّ عناية؛ لأنَّ له أثرًا في وضوح النصِّ، وكذا الضبط بالشكل للآيات والأحاديث والشِّعر، والأعلام المشتبهة، وعادةُ الشيخ ألا يُثقِل الحواشي بفُروقات ليس لها معنى، أو يتحصَّل منها أي فائدة. أما التعليق والشرح وهو الجانب المُهمُّ في التحقيق، فإنَّ الشيخ يكتفي بما يوضِّح المقصود، ويكشف المعنى مثل تَخريج الآيات والأحاديث، والأشعار المختلفة، وترجمة الأعلام، وعزوه إلى مصدره، والمَرجِع الذي أخَذَ منه، مع ذكر الجزء والصفحة دون الإشارة إلى سائر المعلومات؛ لأنَّ موضعَها مسرد المراجع. الفهارس : ويُعتبَر الفهرس مفتاح الكتاب؛ حيث يجعل الكتاب وما اشتمل عليه في متناول القارئ، وقد اعتنى الشيخ بموضوع الفهرس مثل فهرس الأشخاص. الذين تم ذكرهم في الكتاب، وفهرس المراجع التي اعتمد عليها في التحقيق، وكذلك وضع فهرس للأحاديث والآثار مرقمة حسب حروف المعجم مع ذكر الصفحة التي يوجد فيها الحديث، مع تخريج الحديث تخريجًا علميًّا معتمدًا على الكتب المعروفة لدى علماء الحديث وأهل الاختصاص عند أهل هذا الشأن. وصل اللهم على الشافع المشفَّع، صاحب الحوض المورود، المحبوب إلى المودود، وعلى وأصحابه إلى يوم الورود. [1] قال في متن الغاية والتقريب: (ومن شرب خمرا أو مسكرا حد)، قال المحقق ماجد الحموي: (كالأنبذة المتخذة من تمر، او زبيب، أو شعير، أو ذرة أو نحو ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (وكل شراب اسكر فهو حرام رواه الخمسة، وكل شرب اسكر كثيره حرم هو وقليله وحد شاربه )، ص294 متن الغاية والتقريب على مذهب الشافعي، بتحقيق ماجد الحموي، طبع دار ابن حزم.. وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد: ( وأما الأنبذة فإنهم اختلفوا في القليل منها الذي لا يسكر، وأجمعوا على أن المسكر منها حرام فقال جمهور فقهاء الحجاز وجمهور المحدثين: قليل الأنبذة وكثيرها المسكرة حرام، وقال العراقيون: إبراهيم النخعي من التابعين وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وشريك وابن شبرمة وأبو حنيفة وسائر فقهاء الكوفيين وأكثر علماء البصريين: إن المحرم من سائر الأنبذة المسكرة هو السكر نفسه لا العين، وسبب اختلافهم تعارض الآثار والأقيسة في هذا الباب)انظر ص380 كتاب الأطعمة والاشربة، تحقيق وتنقيح خالد العطار، طبع دار الفكر [2] - أبو محمد عبد الله بن عبد المجيد بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 هـ-276)، وكتابه بتحقيق ياسين محمد السواس، طبع دار الفكر بدمشق، وقد عرض المؤلف أراء الفريقين وخرج برائي سديد موفق استند فيه إلى نصوص القران والسنة النبوية، وأقوال الأئمة، والكتاب عبارة عن أدلة مقرونة بالأدب والشعر وأقوال البلغاء، فخرج خفيف المحمل سهل التناول. [3] - والمخطوط حقق بعد ذلك في رسالة دكتوراه في جامعة الأزهر، حققه الأستاذ الدكتور الشافعي عبد الرحمن السيد عوض، كما وحققه الدكتور على بن مرشد المرشد، معتمدا على أساليب المنهج والبحث العلمي في 600 صفحة، ونشر عام 2011-1432 في المملكة العربية السعودية بالرياض . [4] - سنن أبو داود الأشربة (3674)، سنن ابن ماجه الأشربة (3380)، مسند أحمد بن حنبل (2/71). وهذا الحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم: 5091، والثاني رواه الترمذي وابن ماجه عن أنس رضي الله عنه ولفظه: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، وبائعها، وآكل ثمنها، والمشتري لها، والمشتراة له) قال أبو عيسى الترمذي هذا حديث غريب من حديث أنس. [5] - عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كل مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وكل مُسْكِرٍ حرام، ومن شرِب الخمر في الدنيا فمات وهو يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ، لَمْ يَشْرَبْهَا في الآخرة »؛ رواه مسلم والجملة الأخيرة أخرجها البخاري وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن تناوُلِ كلِّ أنواعِ المُسْكراتِ. [6] - عن عمرَ بنِ الخطَّابِ قال: لمَّا نزل تحريمُ الخمرِ اللَّهمَّ بيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً، فنزلت الآيةُ الَّتي في البقرةِ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ الآيةُ، قال: فدُعي عمرُ فقُرِئت عليه، فقال: اللَّهمَّ بيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً، فنزلت الآيةُ الَّتي في النِّساءِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى فكان منادي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا أُقيمت الصَّلاةُ يُنادي: ألا لا يقربَنَّ الصَّلاةَ سكرانُ، فدُعِي عمرُ فقُرِئت عليه، فقال: اللَّهمَّ بيِّنْ لنا في الخمرِ بيانًا شفاءً، فنزلت هذه الآيةُ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال عمرُ: انتهَيْنا) صحيح ابي داود رقم3670 قال الألباني رحمه الله صحيح. [7] - فصلنا الكلام عن المنهج العلمي في تحقيق النصوص للشيخ صبحي في بحثي بعنوان ( المسند المحقق الشيخ صبحي السامرائي )، نشر على موقع الالوكة، وهذا هو الجزء الثاني منه . [8] - الاشربة بتحقيق الشيخ صبحي السامرائي ص9، طبع بمطابع وزارة الأوقاف العراقية عام 1396 هجرية ببغداد في مطبعة العاني...وترجم فيها للإمام احمد بن حنبل، وراوي الكتاب الإمام الحافظ البغوي أبو القاسم رحمه الله [9] - الموضع السابق.
معالم المنهجية المتبعة لدى الإمام الصالحي الشامي في تناوله لعلم المغازي من خلال كتابه على جهة العموم
د. معتز أحمد رفاعي زارع
29-12-2021
1,783
https://www.alukah.net//culture/0/151751/%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%a8%d8%b9%d8%a9-%d9%84%d8%af%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d9%86%d8%a7%d9%88%d9%84%d9%87-%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%a7%d8%b2%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%88%d9%85/
معالم المنهجية المتبعة لدى الإمام الصالحي الشامي في تناوله لعلم المغازي من خلال كتابه على جهة العموم صرح سيدنا ومولانا وشيخنا شيخ الإسلام وخاتمة المحدثين والأعلام، أبو عبد الله محمد بن يوسف الصالحي الشامي بملامح منهجه، وذلك في معرض كلامه أثناء مقدمة كتابه (سبل الهدى) ، وقد فندت ذلك حسب قوله في نقاط وعلقت عليها; وهي على النحو التالي: النقطة الأولى: قال الإمام الصالحي: "هذا كتاب اقتضبته من أكثر من ثلاثمائة كتاب"؛ (سبل الهدى: 4/3) . قلت: وقوله "اقتضبته" تأكيد لصنيع المتأخرين من -قطع ونقل- لما كتبه المتقدمون، وهذا لا يعرفه إلا من عاش بين كتبهم؛ فالتفرقة بين المتقدمين والمتأخرين أمر لازم وحد جازم ونهج عازم، فالنداءات التي أسمعها في التسوية بينهما صادرة من محدودي الثقافة في مناهج الأئمة؛ فعندنا وحدتان فارقتان جازمتان بين هؤلاء وهؤلاء؛ ألا وهما وحدتا "الزمن والمنهج"، أما وحدة الزمن، فالمتقدمين هم أصحاب المشارب الأولى وأصحاب السند قريب العهد بالنبي وأصحابه، وأتباعهم وتابعيهم، وأما وحدة المنهج، فالفرق بينهما كالذي بين السماء والأرض، ويطول الحديث عن ذلك، والمقام هنا ليس مقامه. وقوله: "من أكثر من ثلاثمائة كتاب"، هذا تصريح بعدد المصادر التي اعتمد عليها، وإني أرى أن هذا قليلٌ جدًّا لما استبان لي خلال الدراسة، بل فاق هذا العدد بكثير، ولعل الإمام ذكر هذا العدد على سبيل ما حضر في ذهنه وقتها، ويدل على ذلك قوله: "أكثر"، وقد خصصت فصلًا كاملًا عن موارد الإمام في باب المغازي في كتابي المعني بمنهج الإمام، ليس هذا فحسب، بل قمت بدراسة موارده في بحث منفرد وتأكد لي أن هذا العدد الذي ذكره في مقدمته لا يعدو أن يكون بوابه لموارده فضلًا عنها كلها، فلقد فاق هذا العدد أعدادًا غفيرة. النقطة الثانية: قال الإمام الصالحي: "وتحريت فيه الصواب"؛ (سبل الهدى:4/3) . قلت: وهذا ملمح آخر من ملامح منهجه، وهو "التنقية والتنقيح والتفاضل بين الروايات، وذلك لما ملكه من أدوات المحدثين ومهارات المحققين من أهل العلم، وان كان قد خفق كثيرًا في مواضع شتى أثناء عرض أبواب كتابه؛ فوقع في كتابه من الأحاديث والروايات الموضوعة والمنكرة، والمرسلة والضعيفة، والضعيفة ضعفًا شديدًا إلى آخر ذلك، مما لا يخفى على المتعمق في هذا الكتاب، أو الذي لديه حس حديثي. النقطة الثالثة: قال الإمام الصالحي: "ذكرت فيه قطرات من بحار فضائل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم صلى الله عليه وسلم، وأعلام نبوته، وشمائله، وسيرته، وأفعاله وأحواله وتقلباته، إلى أن نقله الله تعالى إلى أعلى جناته، وما أعده له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكي التسليم"؛ (سبل الهدى: 4/3) . قلت: أما قوله: "من مبدأ خلقه قبل خلق سيدنا آدم"، فهذا من عجيب ما يقع فيه محدث له سهمٌ في علم الحديث ومُشكله؛ فقضية خلق محمد صلى الله عليه وسلم قبل آدم صلى الله عليه وسلم مبنية على حديث باطل. وأما قوله: "وأعلام نبوته، وشمائله، وسيرته، وأفعاله وأحواله وتقلباته، إلى أن نقله الله تعالى إلى أعلى جناته، وما أعده له فيها من الإنعام والتعظيم، عليه من الله أفضل الصلاة وأزكي التسليم"، قلت: هذا تعريج منه لبعض علوم السيرة والمتمثلة في: (علم الأعلام والشمائل والتاريخ النبوي (السيرة) ، والخصائص)، وجمعه الحافل لتاريخ النبوة صلى الله عليه وسلم بكل ما فيه. النقطة الرابعة: قال الإمام الصالحي: "ولم أذكر فيه شيئًا من الأحاديث الموضوعات"؛ (سبل الهدى 4/3) . قلت: دلالة على إعماله لقواعد المحدثين في قبول الرواية التاريخية (السيرية منها والمغازية) ، وسعة علمه بعلوم الحديث، ومعرفة الصحيح منها والسقيم، وإن كان قد وقع في كثير من الأحاديث المصنوعة خلال كتابه، فهذا لا يخرجه من دائرة إعمال المنهج الحديثي. النقطة الخامسة: قال الإمام الصالحي: "وختمتُ كلَّ باب بإيضاح ما أَشكَل فيه، وبعض ما اشتمل عليه من النفائس المستجدات"؛ (سبل الهدى:4/3) . قلت: وفي هذا تنويه عن التنبيهات التي ذيَّل بها كل غزوة من الغزوات والأبواب السابقة، وما يذكره فيها من مسائل مهمات واختلافات وغريب الى آخر ذلك، وقد فصلت ذلك في الفصل التاسع، وأظهرت كل التنبيهات التي ذكرها في باب المغازي وقمت بالتعليق عليها، ولعل هذه التنبيهات هي من أهم ما امتاز به الصالحي وكتابه عن سائر الكتب الأخرى. النقطة السادسة: قال الإمام الصالحي: "مع بيان غريب الألفاظ وضبط المشكلات"؛ (سبل الهدى:4/3) . قلت: وهذا تعريض لتراجمه التي ذكرها وضبطها، وذيَّل كل باب من الأبواب من (ألفاظ – وأسماء – وأماكن) ، وقد سطرتها في موضعها في الفصل السابع، وتبيَّن لي سعة علمه بعلوم العربية الذي فاق في نظري أي تخصص آخر له. النقطة السابعة: قال الإمام الصالحي: "والجمع بين الأحاديث التي قد يظن أنها من المتناقضات"؛ (سبل:4/3) . قلت: دلالة على تمكُّنه من علم المشكل والغريب والمختلف في الحديث، وإعماله في كتابه، وهذا بالفعل ما وجدته عند دراسة منهجه في كتابه وكانت من نتائج بحثي الثمينة. النقطة الثامنة: قال الإمام الصالحي: "وإذا ذكرت حديثًا من عند أحد من الأئمة، فإني أجمع بين ألفاظ رواته إذا اتفقوا"؛ (سبل الهدى:4/3) . قلت: دلالة على جمعه للروايات والتفاضل بينهم، وإعطاء المشترك اللفظي - وهذا ما سميته بالرواية الجمعية - وهذا حق قد سطره الصالحي عبر مغازيه في مواضع لا يحصى عددها. النقطة التاسعة: قال الإمام الصالحي: "وإذا عزوته لمخرجين فأكثر، فإني أجمع بين ألفاظهم إذا اتفقوا، فلا يعترض عليَّ إذا عزوت الحديث للبخاري ومسلم وذكرت معهما غيرهما، فإن ذلك لأجل الزيادة التي عندهما غالبًا"؛ (سبل الهدى: 4/3) . قلت: دلالة على وقوفه على كتب التخريج والزوائد الحديثية، وهذا إن دل فإنه يدل على تمكنه من علوم الحديث، ووقوفه على فقه الأئمة المحدثين في كتبهم، وتطبيقه للتخريج الموسوعي. النقطة العاشرة: قال الإمام الصالحي: "وإذا كان الراوي عن النبي صلى الله عليه وسلم صحابيًّا، قلت: رضي الله تعالى عنه"؛ كما في السبل (4/3) ،"وإن كان تابعيًّا أو من أتباع التابعين، قلت: رحمه الله تعالى"؛ كما في السبل (4/4) . قلت: تفريقه اللفظي بين الصحابي والتابعي، وترضِّيه على الصحابي، وترحُّمه على التابعي وتابعه - رسوخٌ عقدي لغوي مستقيم. النقطة الحادية عشرة: قال الإمام الصالحي: "وإذا أطلقت (الشيخين) فالبخاري ومسلم، أو قلت: متفق عليه: فما روياه، أو الأربعة فأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي، أو الستة: فالشيخان والأربعة، أو الخمسة فالستة إلا ابن ماجه، أو الثلاثة: فالأربعة إلا هو، أو الأئمة: فالإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد والستة والدار قطني، أو الجماعة فالإمام أحمد والستة"؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة إلى تعامله مع كتب الصحاح المعتمدة وطريقة الإشارة اليها، وتفصيلها على النحو التالي: البخاري: هو "محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه"، وكتابه هو "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه". ومسلم: هو "مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري"، وكتابه "المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم". وأبو داود: هو "سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني"، وكتابه "سنن أبي داود". والترمذي: هو "محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي الترمذي"، وكتابه "الجامع الكبير المعروف بسنن الترمذي". وابن ماجه: هو "محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني"، وكتابه "سنن ابن ماجه". ومالك: هو "مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي الحميري المدني"، وكتابه "الموطأ". والشافعي: هو "محمد بن إدريس الشافعي المطلبي القرشي"، وكتابه "اختلاف الحديث والمسند"، وكلاهما له. وأحمد: هو "أحمد بن حنبل"، وكتابه "المسند". والدار قطني: هو "علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني"، وكتابه "سنن الدار قطني". النقطة الثانية عشرة: قال الإمام الصالحي: "وإذا أطلقت (أبو عمر) ، فالحافظ يوسف بن عبدالبر"؛ (سبل: 4/4) . قلت: إشارة إلى أبي عمر يوسف بن عبدالله النمري المعروف بابن عبدالبر، ودلالة على اعتماده على كتاب "الدرر في اختصار المغازي والسير"، وهو كتاب مطبوع الآن بل له أكثر من طبعة، وهو من أهم كتب السيرة، وأعتبره من الكتب المهمة في علم المغازي، واللافت للنظر أن الصالحي قد بدأ به ولا أدري هل لكثرة اعتماده عليه أم لشيء آخر رغم اعتماده على جمع غفير من الأئمة من قبله. قال الصالحي: (أو القاضي) ، فأبو الفضل عياض، (أو الأمير) ، فالإمام الحافظ أبو نصر علي بن هبة الله الوزيري البغدادي المعروف بابن ماكولا؛ (سبل الهدى:4/4) . قلت: أما قوله القاضي، فإشارة إلى القاضي عياض، واعتماده على كتاب "الشفا بتعريف حقوق المصطفى"، وأما ابن ماكولا فكتابه الإكمال. قال الصالحي: (أو السهيلي) ، فالإمام أبو القاسم عبدالرحمن بن عبدالله الخثعمي، أو الروض: فالروض الأنف له؛ (سبل الهدى: 4/4) . قلت: إشارة إلى السهيلي، ودلالة على اعتماده على كتاب "الروض الأنف"، وهو من أفضل كتب الشروح على السيرة، ولم أر شرحًا مثل الروض على السيرة، ولقد أورد الصالحي أقوالًا عدة للسهيلي قام بعرضها أحيانًا ونقدها أحيانًا أخرى. قال الصالحي: وإذا أطلقت (أبو الفرج) ، فالحافظ عبد الرحمن بن الجوزي؛ (سبل الهدى:4/4) . قلت: إشارة إلى ابن الجوزي، ودلالة على اعتماده على كتاب "الوفاء في أحوال المصطفى"، وهو أفضل كتاب كُتب في السيرة النبوية قد سطرهُ إمام من أئمة المسلمين في المرحلة البرزخية بين المتقدمين والمتأخرين، فهو ناقل علوم المتقدمين للمتأخرين. قال الصالحي أو (أبو الخطاب) : فالحافظ عمر بن الحسن بن دحية؛ (سبل الهدى:4/4) . قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "التقريب في علم الغريب"، لابن خطيب الدهشة. قال الصالحي وأبو ذر: فالحافظ أبو ذر: مصعب بن محمد بن مسعود الخشني، أو الإملاء: فما أملاه على سيرة ابن هشام؛ (سبل الهدى: 4/4) . قلت: هو مصعب بن محمد (أبي بكر) بن مسعود الخشني الجياني الأندلسي، أبو ذر، ويعرف كأبيه، بابن أبي الركب (المتوفى: 604هـ) ، إشارة ودلالة على اعتماده على كتابه "الإملاء المختصر في شرح غريب السير". قال الصالحي: أو "زاد المعاد"، فزاد المعاد في هدي خير العباد للإمام العلامة أبي عبدالله محمد بن أبي بكر بن القيم؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "زاد المعاد في هدي سيرة خير العباد" لابن القيم الجوزية، وهو كتاب في فقه السيرة النبوية فصَّل صاحبه أبوابه على أبواب الفقه بجميع أنواعه، وله فيه دلالات وترجيحات وآراء نفيسة. قال الصالحي: وإذا أطلقت (أبو الربيع) ، فالثقة الثبت سليمان بن سالم الكلاعي، أو الاكتفاء، فكتاب "الاكتفاء" له. قلت: إشارة إلى الكلاعي، ودلالة على اعتماده على كتاب "الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفا"، وهو كتاب فريد من نوعه في ماهية التصنيف، وكيفية التعامل مع سيرة الرسول بشكل مختلف استخدم فيه صاحبه المنهج التاريخي القائم على العرض والتحليل، وكذا الأسلوب الأدبي والبلاغي الذي تَميَّز به وقل من العزو والإشارة والإحالة. قال الصالحي: أو (أبو الفتح) ، فالحافظ محمد بن محمد بن سيد الناس، أو العيون: فعيون الأثر له؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة إلى ابن سيد الناس اليعمري، ودلالة على اعتماده على كتاب "عيون الأثر في فهوم المغازي والشمائل والسير". قال الصالحي: أو (القطب) ، فالحافظ قطب الدين الحلبي، أو المورد، فالمورد العذب له، كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة إلى الإمام الحافظ قطب الدين عبد الكريم الحلبي المتوفى 735هـ، وكتابه "المورد العذب الهني في الكلام على السيرة"، وقد حُقِّق مؤخرًا في شكل رسائل علمية في المملكة العربية الإسلامية. قال الإمام الصالحي: وإذا أطلقت الزهر: فالزهر الباسم، أو الإشارة، فالإشارة إلى سيرة سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلاهما للحافظ علاء الدين مغلطاي؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة إلى الحافظ علاء الدين مغلطاي، ودلالة على اعتماده على كتاب "الزهر الباسم والإشارة"، وهو كتاب مختصر في السيرة، لكنه عُنِيَ بتطبيق المنهج الحديثي في الروايات الحديثية. أو الإمتاع: فكتاب إمتاع الأسماع للإمام العلامة مؤرخ الديار المصرية الشيخ تقي الدين المقريزي؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "إمتاع الأسماع بما للنبي من الأحوال والأموال والحفدة والمتاع"، لتقي الدين المقريزي، وهو كتاب موسوعي في سيرة النبي لشيخ المؤرخين بمصر في زمانه. أو المصباح: فالمصباح المنير للإمام العلامة أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الفيومي، كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "المصباح المنير" للفيومي، أو التقريب: فالتقريب في علم الغريب لولده محمود الشهير بابن خطيب الدهشة؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "التقريب في علم الغريب" لابن خطيب الدهشة. أو الحافظ: فشيخ الإسلام أبو الفضل أحمد بن على بن حجر أو الفتح: ففتح الباري له، أو شرح الدرر: فشرحه على ألفية السيرة لشيخه العراقي؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة إلى الحافظ ابن حجر، ودلالة على اعتماده على كتبه وهي "فتح الباري"، وشرحه لألفية العراقي، أو النور، فنور النبراس للحافظ برهان الدين الحلبي؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "نور النبراس" للحافظ برهان الدين الحلبي، أو الغرر، فالغرر المضية للعلامة محب الدين بن الإمام العلامة شهاب الدين بن الهائم؛ كما في السبل (4/4) ، قلت: إشارة ودلالة على اعتماده على كتاب "الغرر المضية" للهائم. أو السيد: فشيخ الشافعية بطيبة نور الدين السمهودي، قلت: إشارة إلى شيخ الشافعية بطيبة: نور الدين السمهودي، أو: الشيخ، أو: شيخنا، فحافظ الإسلام بقية المجتهدين من الأعلام جلال الدين أبو الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، رحمهم الله تعالى؛ كما في السبل (4/4) . قلت: إشارة إلى شيخه جلال الدين السيوطي واعتماده على بعض كتبه؛ كـ: "الجامع الصغير" وغيره. النقطة الثالثة عشرة: قال الإمام الصالحي: وحيث أطلقت الموحدة، فهي ثاني الحروف، أوالمثلثة فهي الرابعة، أو التحتية فهي آخر الحروف؛ كما في السبل (4/4) . النقطة الرابعة عشرة: قال الإمام الصالحي: ولم أقف على شيء من الأسانيد المخرجة للإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان - رضوان الله تعالى عليه - فلذلك لم أذكره؛ كما في السبل (4/4) . قلت: وذكره للإمام الأعظم، وأنه لم يجد شيئًا في مسانيده دلالة على اهتمامه وعنايته بما ألفه أبو حنيفة النعمان، ولِمَ لا وقد كتب في مناقبه كتابًا وسماه مناقب أبي حنيفة النعمان. النقطة الخامسة عشرة: قال الإمام الصالحي: وسميت هذا الكتاب "سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد"؛ كما في سبل السلام (4/5) . قلت: وفي هذا تصريح بعنوان كتابه كاملًا وما يحتويه من مادة وعلوم. النقطة السادسة عشرة: قال الإمام الصالحي: وإذا تأملت هذا الكتاب علِمتَ أنه نتيجة عمري وذخيرة دهري، والله سبحانه وتعالى أسال أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يمن علي بالنظر إليه في دار النعيم، وهو حسبي ونعم الوكيل، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؛ كما في سبل السلام (4/5) . قلت: هكذا كانت الملامح المنهجية العامة عند الصالحي في كتابه كما صرح بها في مقدمته، وأستطيع أن أقول أن هذه قطع من الخطوط العريضة، أو المنهجية البحثية التي سار عليها المؤلف في كتابه، ثم استخرجنا واستنبطنا منهجه على الحقيقة، فيما سوف نتعرف عليه في الفصول القادمة. لكن الغريب في أمر الصالحي أنه لم يذكر إلا الأئمة المتأخرين في فنون المغازي والسير، ولم يتعرض لأصحاب المشارب الأولى في هذا الفن أمثال "ابن إسحاق، والواقدي، والبيهقي، والماوردي، وابن حزم، وغيرهم؛ مما يجعلنا نشير إليه بأصابع التعجب من صنيعه هذا؛ حيث إن دأب الأئمة وعاداتهم في مقدمة مصنفاتهم أنهم يذكرون أئمة الفن من المتقدمين وأصحاب الموارد الأولى أولًا، ثم يغفلون تارةً عن المتأخرين، وتارة أخرى يذكرون بعضهم، إلا أن الصالحي خالف منهجهم في ذلك ومنبع رواياته من هؤلاء الأعلام الأفذاذ، وهذا ما كشفت عنه دراستي بهذا الكتاب، فلقد كتبت في ذات الكتاب - أعني سبل الهدى والرشاد - دراسات محكمات: أولهم دراسة موسومة بـ: (الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي المتوفى (942هـ) ومنهجه في تناول السيرة النبوية من خلال كتابه سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد). وثانيهم: دراسة موسومة بـ: (موارد الإمام الصالحي في علم المغازي) . وثالثهم: دراستنا هذه الموسومة بـ: (منهجية الكتابة المغازية عند الإمام الصالحي الشامي) . ورابعهم: دراسة موسومة بـ: (الإمام الصالحي الشامي (المتوفى: 942هـ) وسفره سبل الهدى والرشاد). وخامسهم: دراسة موسومة بـ: (علم المغازي من كتاب سبل الهدى والرشاد) . وغالبهم طويته تحت عنوان الموسوعة الموسومة بـ: (الصنعة المغازية في كتاب سبل الهدى والرشاد للإمام الصالحي الشامي) . فتبيَّن لي من خلال دراستي حول هذا الكتاب أن الصالحي أكثر من ذكره لروايات المتقدمين أصحاب الصنعة؛ فلما لم يذكرهم في مقدمة كتابه ولم يذكر إلا أعلام المحدثين فحسب! هذا اعتبره خللًا كبيرًا، وسقطًا رهيبًا وقع فيه الإمام عفا الله عنه.
أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة لطارق طلال محسن عنقاوي
محمود ثروت أبو الفضل
28-12-2021
1,820
https://www.alukah.net//culture/0/151709/%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a7%d9%86%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%b1%d9%82-%d8%b7%d9%84%d8%a7%d9%84-%d9%85%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%b9%d9%86%d9%82%d8%a7%d9%88%d9%8a/
"أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة" لطارق طلال محسن عنقاوي صدر حديثًا كتاب: "أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة"، تأليف "طارق طلال محسن عنقاوي"، في مجلدين، نشر: "دار ركائز للنشر والتوزيع". وهي دراسة فقهية حول القرارات الطبية المصيرية حول الانعاش والعناية المركزة، وتعالج هذه الرسالة قضية قرارات الامتناع أو الإيقاف للعلاجات المساندة للحياة، وهي العلاجات التي تستهدف الحفاظ على حياة الإنسان بعد فشل عضو أو أكثر من الأعضاء الضرورية لحياة الجسم، وتنجو باستعمالها وبقائها حالات متدهورة، لا يرجى لبعضها الشفاء رغم نجاح العلاجات المساندة للحياة في حفظ حياتها، ممّا يدفع كثيرًا من الناس إلى استشكال علاجها والنظر إليه على أنّه غير مجدٍ، ومن ثمّ التساؤل عن حكم الامتناع عن العلاجات أو إيقافها لمثل هذه الحالات، وتبيّن الرسالة حقيقة هذه العلاجات، والحالات التي تتّخذ بشأنها قراراتها، وواقع القرارات، ثمّ تتناول بالدراسة الأصول والقواعد والمسائل الفقهية التي يمكن تخريج أحكام القرارات عليها واستنباط ضوابطها منها، ثمّ تبيّن وتنقد موقف الأخلاقيات الطبية الحديثة من القرارات، ثمّ تدرس حكم قرارات الامتناع والإيقاف لكل علاج على انفراد، ثمّ تدرس أحكام القرارات باعتبار الحالة التي يتّخذ بشأنها القرار، ثمّ باعتبار المقاصد، ثمّ الأحكام المتعلّقة بجهة اتخاذ القرار، ثمّ أحكام القرارات باعتبار حقّ الغير، ثمّ تختتم بدراسة آثار القرارات، وبصياغة ضوابط فقهية لها، وإجراء استبيان لمعايير مستخلصة من الضوابط وتحليل لنتائجه. وجاءت أهمية الدراسة للحاجة لتأصيل أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة من خلال أصول وقواعد الشريعة الإسلامية، حتى تحصل القناعة للمهتمين بصحّة الحكم، إلى جانب الحاجة لربط الفقه بالواقع العملي من خلال صياغة ضوابط بهدف تطبيقها في المستشفيات، مع اختبار إمكانية ذلك والتعرف على صعوباته من خلال المقابلات والاستبيانات مع المختصين، ومحاولة اقتراح الحلول المناسبة. وقد قام الكاتب من خلال البحث بدراسة الأصول والقواعد الشرعية التي تُخرّج عليها أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة وربطها بها. مع استقراء المسائل الفقهية التي تُخرّج عليها أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة بتوسّع، ودراسة مناطات أحكامها ثم استخراج الضوابط الفقهية منها. إلى جانب دراسة واقع قرارات العلاجات المساندة للحياة والإجراءات العلاجية التي تنصب عليها تلك القرارات من المصادر الطبيّة المعتمدة، وإظهار الفروق التي بين الإجراءات في ماهيتها وآثار إعطائها أو الامتناع عنها، ودراسة الحالات التي تنصبّ عليها القرارات، وغير ذلك مما يمكن أن يكون له أثر في اختلاف حكم القرار باعتبار نوع الإجراء. وعمل الكاتب من خلال بحثه على دراسة موقف الأخلاقيات الطبيّة الحديثة من قرارات العلاجات المساندة للحياة في ضوء الشريعة الإسلامية، ودراسة أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة بصورة شمولية تراعي الفروق بين أنواع الإجراءات العلاجية التي تنصب عليها القرارات، وتراعي الفروق بين الحالات المرضية المختلفة، مع دراسة كل من قرارات الإيقاف والامتناع بصورة مستقلّة. مع دراسة أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة باعتبارات لم ترد في الدراسات السابقة التي سبق تأليفها أو وردت بشكل جزئي، وهي ثلاثة اعتبارات: اعتبار المقصد من القرار، واعتبار جهة اتخاذ القرار، واعتبار حق الغير وتأثره بالقرار. كما قام الكاتب بإفراد فصل مستقلّ في صياغة ضوابط لقرارات العلاجات المساندة للحياة بغرض تطبيقها في الواقع الطبي، مع مراعاة الجانب العملي وأخذه بالاعتبار. واستكشاف ردّ الفعل من الأطباء المتخصّصين على أهمّ النتائج المعياريّة العملية للدراسة من خلال إجراء استبيان حولها وتحليله. وقد انتظمت خطّة البحث تمهيدًا وأربعة أبواب ثمّ خاتمة، وتفصيل ذلك فيما يلي: الفصل التمهيدي: في التعريف بعنوان الرسالة. المبحث الأوّل: تعريف قرارات العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأوّل: تعريف القرارات. المطلب الثاني: تعريف العلاجات. المطلب الثالث: تعريف مساندة الحياة. المطلب الرابع: التعريف اللقبي لقرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الثاني: الألفاظ ذات الصّلة. المطلب الأوّل: الإنعاش المطلب الثاني: الإسعاف المطلب الثالث: العناية المركّزة. الباب الأول: حقيقة قرارات العلاجات المساندة للحياة. الفصل الأول: أنواع العلاجات المساندة للحياة. المبحث الأوّل: الإنعاش القلبي الرئوي. المبحث الثاني: العلاجات الكهربائية للقلب. المطلب الأوّل: جهازا مانع الرجفان وتقويم نظم القلب الكهربائي. المطلب الثاني: منظّم ضربات القلب. المبحث الثالث: العلاجات الدوائية للقلب. المطلب الأوّل: الأدوية الرافعة للضغط والأدوية المؤثّرة على قوة انقباضات عضلة القلب. المطلب الثاني: مضادات لانظمية القلب. المبحث الرابع: التنفس الصناعي واستعمال الأنابيب (التنبيب). المبحث الخامس: غسيل الكلى. المبحث السادس: نقل الدم أو بعض المكونات الأساسية للدم. المبحث السابع: التغذية والتروية بالطرق الصناعية. المطلب الأوّل: التغذية المعوية. المطلب الثاني: التغذية الوريدية. المطلب الثالث: التغذية والتروية الصناعية في الأمراض النهائية. المبحث الثامن: التدخّل الجراحي الإنقاذي. المبحث التاسع: علاجات أخرى. الفصل الثاني: التعريف بالحالات التي تتطلّب العلاجات المساندة للحياة. المبحث الأوّل: حالات الإغماء. المطلب الأوّل: الحالة النباتيّة. المطلب الثاني: حالات الإغماء الأخرى. المبحث الثاني: حالة الموت الدماغي. المطلب الأول: معنى مصطلح الموت الدماغي وسبب اعتبار من تحقّق فيه ميتًا. المطلب الثاني: وصف الحالة. المطلب الثالث: المقوّمات والتشخيص. المبحث الثالث: حديثو الولادة. المبحث الرابع: الحالات النهائية. الفصل الثالث: التعريف بقرارات العلاجات المساندة للحياة وبيان واقعها. المبحث الأوّل: نبذة عن تاريخ التحولات الطبية في قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الثاني: من يتّخذ القرار؟ المبحث الثالث: صور اتّخاذ قرارات الحدّ من العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأوّل: حالة الرمز. المطلب الثاني: إشكاليات تفسير الأوامر. المطلب الثالث: صور وتقسيمات أخرى للحدّ من العلاجات المساندة للحياة. المبحث الرابع: مدى انتشار قرارات العلاجات المساندة للحياة وعلاقتها بحدوث الوفاة. المبحث الخامس: واقع قرارات العلاجات المساندة للحياة محليًا. الباب الثاني: الأصول الشرعية التي ترجع إليها أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة وموقف الأخلاقيات الطبية الحديثة. الفصل الأوّل: أصول وقواعد تُخرَّج عليها أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الأول: مراعاة مقاصد الشريعة. المطلب الأول: التعريف بمقاصد الشريعة. المطلب الثاني: علاقة مقاصد الشريعة بالاجتهاد. المطلب الثالث: علاقة مقاصد الشريعة بأحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الثاني: اعتبار المآلات. المطلب الأول: التعريف باعتبار المآلات. المطلب الثاني: علاقة اعتبار المآلات بالاجتهاد. المطلب الثالث: شروط اعتبار المآلات. المطلب الرابع: علاقة اعتبار المآلات بأحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الثالث: قواعد اليقين والظنّ والشك والوهم. المطلب الأول: تعريف اليقين والظنّ والشك والوهم. المطلب الثاني: ضابط تعليق الأحكام بمراتب اليقين والظنّ والشك والوهم. المطلب الثالث: قواعد متعلقة باليقين والظنّ والشك والوهم. المطلب الرابع: علاقة قواعد اليقين والظنّ والشك والوهم بأحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الرابع: قاعدة لا ضرر ولا ضرار. المطلب الأول: المقصود بالقاعدة وما يتفرّع عنها. المطلب الثاني: علاقة قاعدة لا ضرر ولا ضرار وما تفرّع عنها بأحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الخامس: قاعدة المشقّة تجلب التسيير. المطلب الأول: المقصود بالقاعدة وشروط إعمالها. المطلب الثاني: علاقة قاعدة المشقّة تجلب التسيير بأحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. الفصل الثاني: مسائل تُخرَّج عليها أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الأول: التداوي. المطلب الأول: حقيقة التداوي. المطلب الثاني: حكم التداوي من حيث الأصل. المطلب الثالث: حكم التداوي دفعًا للهلاك. المبحث الثاني: الإنقاذ. المطلب الأوّل: حقيقة الإنقاذ. المطلب الثاني: حكم الإنقاذ. المبحث الثالث: إحياء النفس أو الغير بالأكل والشرب. المطلب الأوّل: مسائل من أكل المضطر. المطلب الثاني: الإنقاذ بإطعام الغير. المبحث الرابع: إساغة اللقمة لمن غصّ بها. المبحث الخامس: عَصْبُ الفصد والجرح. المبحث السادس: حسم اليد بعد قطعها. المطلب الأوّل: حكم حسم يد السارق. المطلب الثاني: حكم إجبار السارق على الحسم دفعًا للهلاك. المبحث السابع: جراحة القطع. المطلب الأوّل: جراحات استخراج الدم. المطلب الثاني: الجراحات الخطيرة. المبحث الثامن: عمل الطبيب. المطلب الأوّل: حكم ممارسة العمل الطبّي. المطلب الثاني: الموازنة بين التداوي وممارسة العمل الطبّي. المبحث التاسع: الانتقال من موت متيقّن لآخر. المبحث العاشر: إلقاء النفس من السفينة المحترقة. المبحث الحادي عشر: المكره على قتل نفسه أو الإضرار بها. المطلب الأوّل: إكراه الإنسان على قتل نفسه. المطلب الثاني: إكراه الإنسان على الإضرار بنفسه. المبحث الثاني عشر: منفوذ المقاتل والحياة المستقرة وحياة عيش المذبوح. المطلب الأوّل: منفوذ المقاتل. المطلب الثاني: الحياة المستقرّة. المطلب الثالث: حياة عيش المذبوح. المبحث الثالث عشر: مسائل من القتل. المطلب الأوّل: القتل بالترك المحض. المطلب الثاني: القتل بالمنع من تحصيل سبب دفع الهلاك. المطلب الثالث: القتل بإزالة سبب دفع الهلاك أو المانع من حدوث تأثير السبب المهلك. المطلب الرابع: ضوابط في نسبة القتل للفعل. الفصل الثالث: الضوابط المستخلصة من الأصول والقواعد والمسائل التي تُخرَّج عليها أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الأوّل: ضابط معرفة وجوب العلاج من جهة حال المُعالَج. المطلب الأوّل: الخوف على المُعالَج. المطلب الثاني: إمكان حياة المعالَج لو عُولِج. المبحث الثاني: ضابط معرفة وجوب العلاج من جهة حال المُعالِج. المبحث الثالث: ضبط معرفة الأصل في العلاج من حيث الوجوب وعدمه. المطلب الأوّل: دراسة المعاني التي يحتمل انبناء التفريق بين نوعي مسائل دفع الهلاك عليها. المطلب الثاني: ضبط معرفة الأصل في العلاج من حيث الوجوب وعدمه. المطلب الثالث: ضبط الخروج عن الحكم الأصلي في العلاج. المبحث الرابع: ضوابط إسقاط وجوب العلاج ولو كان وجوبه ثابتًا قبل ورود المُسقِط. المطلب الأوّل: رفض المريض للعلاج. المطلب الثاني: سقوط وجوب المعالجة إذا تضمّنت خوف الهلاك بسببها. المطلب الثالث: سقوط الوجوب باشتمال العلاج على الألم والمشقّة الشديدين. المطلب الرابع: سقوط الوجوب باشتمال المعالجة على ظلم الغير. الفصل الرابع: موقف الأخلاقيات الطبّية الحديثة من قرارات العلاجات المساندة للحياة ونقده في ضوء الشريعة الإسلامية. المبحث الأول: المقصود بالأخلاقيات الطبّية وتطوّرها وجذورها الفلسفيّة. المبحث الثاني: مبادئ الأخلاقيات الطبّية الحديثة وخلفياتها الفلسفيّة ونقدها في ضوء الشريعة الإسلامية. المطلب الأول: مبادئ الأخلاقيات الطبّية الحديثة وخلفياتها الفلسفيّة. المطلب الثاني: نقد مبادئ الأخلاقيات الطبّية الحديثة وخلفياتها الفلسفيّة في ضوء الشريعة الإسلامية. المبحث الثالث: موقف الأخلاقيات الطبّية الحديثة من قرارات العلاجات المساندة للحياة ونقده. المطلب الأوّل: صياغة أخلاقيات الطب الحديثة لمفاهيم محدّدة تمثل الخلفية الأخلاقية لقبول الحدّ من العلاجات المساندة للحياة. المطلب الثاني: نقد شرعي لموقف أخلاقيات الطب الحديثة من قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الرابع: المبرّرات الواقعيّة لقرارات العلاجات المساندة للحياة من وجهة نظر الأخلاقيات الطبّية الحديثة، ونقدها في ضوء معطيات الواقع والشريعة الإسلامية. المطلب الأول: مبرّر التكلفة الاقتصادية الباهظة. المطلب الثاني: مبرّر العدالة في توزيع الموارد وتوفيرها لمن هو أحوج لها. الباب الثالث: أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. الفصل الأوّل: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة باعتبار نوعه. المبحث الأول: حكم قرار الامتناع عن تقديم العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأول: حكم قرار الامتناع عن الإنعاش القلبي الرئوي. المطلب الثاني: حكم قرار الامتناع عن التنفس الصناعي. المطلب الثالث: حكم قرار الامتناع عن العلاجات الدوائية للقلب. المطلب الرابع: حكم قرار الامتناع عن العلاجات الكهربائية للقلب. المطلب الخامس: حكم قرار الامتناع عن التغذية والتروية بالماء بطرق صناعية. المطلب السادس: حكم قرار الامتناع عن نقل الدم أو بعض المكونات الأساسية للدم. المطلب السابع: حكم قرار الامتناع عن غسيل الكلى. المطلب الثامن: حكم قرار الامتناع عن التدخل الجراحي الإنقاذي. المبحث الثاني: حكم قرار إيقاف العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأول: خلاف المعاصرين في إيقاف العلاج. المطلب الثاني: حكم قرار إيقاف التنفس الصناعي. المطلب الثالث: حكم قرار إيقاف الأدوية التي ترفع الضغط. المطلب الرابع: حكم قرار إيقاف التغذية والتروية بالماء بطرق صناعية. المطلب الخامس: حكم قرار إيقاف نقل الدم أو بعض المكونات الأساسية للدم. المطلب السادس: حكم قرار إيقاف غسيل الكلى. الفصل الثاني: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة باعتبار محلّه. المبحث الأوّل: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة للمتوفّى دماغيا. المطلب الأول: دراسة الاستدلالات الشرعيّة لاعتبار ميت الدماغ ميتًا. المطلب الثاني: دراسة الاستدلالات الشرعية لحياة ميت الدماغ. المطلب الثالث: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة باعتبار ميّت الدماغ حيًا. المبحث الثاني: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة للحالات النباتية والإغماء الطويل. المبحث الثالث: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة للخديج. المطلب الأول: الحكم على من ولد لدون ستة أشهر بحكم الأموات. المطلب الثاني: مدى صحّة استلزام الحكم على من ولد لما دون ستة أشهر بحكم الأموات للحكم بعدم وجوب إنقاذه. المبحث الرابع: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة باعتبار رجاء البرء من المرض وعدم رجائه. المبحث الخامس: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة باعتبار رجاء حياة المريض وعدم رجائها. الفصل الثالث: حكم قرار العلاجات المساندة للحياة باعتبار المقصد منه. المبحث الأول: أثر قصد الفرار من مضاعفات وسلبيات العلاج في حكم قرار العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأوّل: القصد في حالة الآثار السلبية الناشئة عن العلاج. المطلب الثاني: القصد في حالة الآثار السلبية الناشئة عن غير العلاج. المبحث الثاني: أثر قصد التوكل على الله أو إيثار لقائه في حكم قرار العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأوّل: أثر قصد التوكل على الله في حكم قرار العلاجات المساندة للحياة. المطلب الثاني: أثر قصد إيثار لقاء الله في حكم قرار العلاجات المساندة للحياة. المبحث الثالث: أثر اعتقاد عدم جدوى العلاج في حكم قرار العلاجات المساندة للحياة. المبحث الرابع: أثر قصد تعجيل الوفاة إراحة للمريض في حكم قرار العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأوّل: حكم قصد تعجيل الوفاة. المطلب الثاني: إمكان الخلو عن قصد تعجيل الوفاة. المبحث الخامس: حكم تقديم الأدوية والمسكنات التي تسرّع وفاة المريض كأثر جانبي. المطلب الأول: حكم تقديم الأدوية التي تسرّع وفاة المريض كأثر جانبي بقصد المداواة أو تخفيف الألم. المطلب الثاني: حكم تقديم الأدوية التي تسرّع وفاة المريض بقصد تعجيل الوفاة. الفصل الرابع: الأحكام المتعلقة بجهة اتخاذ القرار في قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الأول: من له حق اتخاذ القرار. المطلب الأول: حقّ المريض في اتخاذ القرار. المطلب الثاني: انتقال حقّ اتخاذ القرار إلى غير المريض. المبحث الثاني: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع رفض أحد الأطراف. المطلب الأول: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع رفض المريض أو وليه وإصرار الطبيب. المطلب الثاني: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع طلب المريض أو وليه ورفض الطبيب. المطلب الثالث: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع رفض جهة العمل. المبحث الثالث: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع غياب إذن المريض أو وليه. المطلب الأول: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع غياب إذن المريض أو وليه مع إمكان الاستئذان. المطلب الثاني: حكم تقديم العلاج أو مواصلته مع غياب إذن المريض أو وليه مع تعذر الاستئذان. الفصل الخامس: حكم القرار باعتبار حق الغير. المبحث الأول: أثر تزاحم حقوق المرضى في أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأول: الأصول التي يمكن تخريج أحكام الفصل عليها. المطلب الثاني: أثر تزاحم الحقوق في حكم الامتناع عن تقديم الإجراء العلاجي للمريض. المطلب الثالث: أثر تزاحم الحقوق في حكم إيقاف تقديم الإجراء العلاجي للمريض. المبحث الثاني: أثر تكلفة العلاج في أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. المطلب الأول: حكم دفع تكلفة العلاجات المساندة للحياة من حيث الأصل. المطلب الثاني: من تلزمه دفع تكلفة العلاجات المساندة للحياة. المطلب الثالث: أثر العجز عن دفع تكلفة العلاج أو الحرج الناتج عنه في أحكام قرارات العلاجات المساندة للحياة. الباب الرابع: آثار وضوابط قرارات العلاجات المساندة للحياة. الفصل الأول: الآثار المرتّبة على القرارات المشروعة. المبحث الأول: الثواب. المبحث الثاني: استحقاق الأجرة. المبحث الثالث: أثر غياب إذن المريض أو وليه في الآثار الشرعية المترتّبة على القرارات المشروعة. الفصل الثاني: الآثار المترتّبة على القرارات المحرّمة. المبحث الأول: الإثم. المطلب الأوّل: ترتّب الإثم على القرار المحرّم. المطلب الثاني: أثر التأويل على الإثم. المبحث الثاني: القصاص. المطلب الأوّل: القصاص في الامتناع عن تقديم العلاج المساند للحياة. المطلب الثاني: القصاص في إيقاف العلاج المساند للحياة. المبحث الثالث: الدية. المطلب الأوّل: الدية في الامتناع عن تقديم العلاج المساند للحياة. المطلب الثاني: الدية في إيقاف العلاج المساند للحياة. المبحث الرابع: الكفارة. المطلب الأوّل: الكفّارة في الامتناع عن تقديم العلاج المساند للحياة. المطلب الثاني: الكفّارة في إيقاف العلاج المساند للحياة. المبحث الخامس: التعزير. المبحث السادس: سقوط الأّجرة. المطلب الأوّل: سقوط الأجرة مع كون القرار من جهة الأطباء. المطلب الثاني: سقوط الأجرة مع كون القرار من جهة المريض. المبحث السابع: أثر إذن المريض أو وليه في الآثار الشرعية المترتّبة على القرارات المحرّمة. المطلب الأوّل: أثر إذن المريض في الآثار الشرعية المترتّبة على القرارات المحرّمة. المطلب الثاني: أثر إذن ولي المريض في الآثار الشرعية المترتّبة على القرارات المحرّمة. الفصل الثالث: ضوابط قرارات العلاجات المساندة للحياة المستقاة من الدراسة بين النظرية والتطبيق. المبحث الأول: ضوابط قرارات العلاجات المساندة للحياة المستقاة من هذه الدراسة. المطلب الأوّل: ضوابط معرفة وجوب العلاج من جهة المُعالَج. المطلب الثاني: ضابط معرفة وجوب العلاج من جهة المُعالِج. المطلب الثالث: ضبط معرفة وجوب العلاج من جهة ذات العلاج. المطلب الرابع: ضوابط خاصّة لإيقاف العلاجات المساندة للحياة. المطلب الخامس: ضوابط خاصّة ببعض الحالات. المطلب السادس: ضوابط مسقطات وجوب العلاج. المطلب السابع: الضوابط المتعلّقة بالمقصد من القرار. المطلب الثامن: الضوابط المتعلقة بجهة اتخاذ القرار. المطلب التاسع: الضوابط المتعلّقة باعتبار حقّ الغير. المطلب العاشر: الضوابط المتعلّقة بتكلفة العلاج. المطلب الحادي عاشر: اعتبار المآلات في ضبط قرارات العلاجات المساندة للحياة. المبحث الثاني: رأي المختصّين في تطبيق الضوابط على وحدات العناية المركزة من خلال استبيان. المطلب الأوّل: المعايير المقدّمة في الاستبيان. المطلب الثاني: نتائج الاستبيان المتعلّقة بالمعايير. المطلب الثالث: الاستنتاجات. المبحث الثالث: رأي الباحث في تطبيق الضوابط على وحدات العناية المركّزة في الواقع العملي. خاتمة في أهم نتائج البحث وتوصياته. مع تزويد الدراسة بعدد من الفهارس النافعة: • فهرس الآيات القرآنية. • فهرس الأحاديث. • فهرس الآثار. • فهرس الأعلام المترجم لهم. • فهرس المصطلحات والغريب. • فهرس القواعد الأصوليّة والفقهيّة. • فهرس المراجع العربية والإنجليزية. • فهرس الموضوعات. وقد أظهرت الرسالة عمق وتعقيد الموضوع، وكشفت كثيرًا من غموضه من خلال تصوير واقعه وخلفياته المتنوّعة، وتضمّنت اجتهادات فقهية كثيرة لحلّ مشكلاته، وأبرزت معايير جديدةً للحدّ من العلاجات المساندة للحياة، تبتعد في جوهرها عمًا تستند له الممارسة الحالية الشائعة من تقييم الحياة وفق جودتها وطولها، ثمّ البناء على ذلك في قرارات العلاجات المساندة للحياة، فابتعدت معايير الدراسة عن ذلك إلى مراعاة قيمة الحياة الذاتية، مع مراعاة أصل براءة ذمّة المكلّفين ودفع المشقّة عنهم في نفس الوقت، من خلال ضبط العلاج الواجب وتمييزه باعتبارات متعدّدة، مثل مدى فرصة نجاحه في دفع الهلاك، ممّا يُمكّن من تمييز الحدّ الجائز من العلاجات بدون تفريط في واجب حفظ النفس، ودون وقوع في المشقّة والحرج.
الترفيه بالعنف عنوان القرن الواحد والعشرين
خالد حامد عمر
27-12-2021
2,039
https://www.alukah.net//culture/0/151682/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d9%81%d9%8a%d9%87-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%81-%d8%b9%d9%86%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d9%86/
الترفيه بالعنف عنوان القرن الواحد والعشرين ما هو أسوء شيء فعلته من أجل التسلية؟ سؤال غريب أليس كذلك؟ في الحقيقة لا غرابة في ذلك حينما نرى الآخرين يقومون بأشياء غريبة من أجل التسلية؟ في ظنهم أن ما يقومون به قمة المتعة! في الواقع شاهدت وعاصرت أشياءَ فظيعة من أجل التسلية، وجدت أطفالًا في الحي القريب منا يحرقون جروًا وأمَّها وهم على قيد الحياة! الأفظع من ذلك أنهم يضحكون وهم يشاهدون هذا المنظر؟ وغالبيتهم أطفال يدرسون في صفوف متقدمة في المدرسة؟ في حين رأيت طفلًا من أطفال البادية قد يكون أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، ولا أمسك بقلم، رأيته يمسح على رأس حماره ويحمل "سخلة" في أحضانه وهو يعتني بها! لا تقل لي بالله عليك وكيف تقارن الجرو بالسخلة؟ أو كيف تقارن الطفل البدوي بالطفل المتعلم؟ أقول لك: إن هؤلاء الأطفال - أطفال المدارس - يقفزون على سخلة ويحاولون امتطاءها وهي تصرخ فزعة، ولا أحد يهتم بها؟ أين التسلية في هذه الأمور البشعة غير الإنسانية؟ يقفز آخر ويقول: يا أخي نحن عرب متخلفون! وللرد عليه دعني أخبرك بهذه القصة أولًا التي تبيِّن تغيُّرَ مفهوم التسلية في عصرنا الحاضر لشيء آخر لا يشبه التسلية ولا يمت لها بصلة! يخبرنا المدون ( Sean Kerner ) وهو من أشهر المدونين في منصة ( Quora ) أنه في عام 1896 في مدينة " crush " بولاية تكساس الأمريكية. شعر أحد الأشخاص بملل فقرَّر بعمل أمر خطير ومجنون للغاية، قام بعمل برنامج جماهيري كبير تجمع على أثره أكثر من 40,000 متفرج، والحدث هو عبارة عن قطارين حقيقين يتصادمان بطريقة كما نسميها في السودان (سلام الملوك) أي وجهًا لوجه! أمر عجيب أليس كذلك؟ ثم أمرهم بالابتعاد عن هذا التصادم على بعد 120 مترًا فقط! لو كنت عزيز القارئ خبيرًا في الفيزياء، لعلمت خطأ هذا الرجل، وأنه لم يراعِ حياة هذه الحشود، في تلك المسافة الآمنة من خطر هذا التصادم، لا يهم أليس الأمر من أجل التسلية والمرح فقط، Just have fun ! وضع القطارين وجهًا لوجه على بعد بضعة أميال من بعضهما البعض، وتم تشغيل القطارين بكل طاقتهما القصوى، ولك أن تتخيل ما حدث، اصطدم القطارين بصورة مروعة جدًّا، وغير متوقعة، وفي هذه اللحظة ارتفعت شظايا الارتطام وحطامه لمسافة غير بعيدة في السماء، ثم وقعت هذه الشظايا على الجماهير، فأمطرتهم كالحجارة من سجيل! فأحدثت إصابات بالغة وقُتل على أثرها شخصين، بل اقْتُلِعت عين آخر! هل اكتفت الجماهير بهذا الأمر، لا طبعًا للقصة بقية، قام بعض الناس بمحاولة أخذ تذكار لهذه الترفيه المدهش والرائع بمحاولة ملامسة الشظايا وهي محمَّاة بالنار، فأدى ذلك إلى حدوث حروق بالغة، لا تنسى أن القطار يصنع من الفولاذ! هذا هو العالم المتحضر لا فرق فيه بين عربي وأعجمي ولا متعلم أو متخلف. إذًا علاما يقتل الرجل أخاه؟ هل من أجل التسلية والمرح والترفيه أيضًا. إن ما شد انتباهي كثيرًا في عصرنا الحاضر تغير مفهوم التسلية والمرح لشيء سيئ بالغ في القسوة، فكلما زاد العنف، زاد المرح والفرح في قانون هذا العصر، يكفي حين نأخذ جولة على الأعلام، فإذا فتحت شاشة التلفاز تجد كل أخبار القتل والتشريد والضياع؛ مما يؤثر على نفسيتنا، فنجدنا متسمرين ومدمنين لأخبار الحروب والقتل، فلا نتأثر ولا يرمش لنا جفن، كأن الأمر أصبح مسليًا بلا شك. وفي جانب آخر نجد ألعاب الأطفال عبارة عن "اقتل أكثر تكسب أكثر"، فكلما تقتل أكثر تكسب أكثر، وتزداد درجاتك في اللعبة، ونجدهم يفرحون لقتل أكبر عددٍ من الناس في اللعبة! بل تجد اللعبة تقوم بعمل إحصائية للاعب على دقة تصويبه، فكلما أصاب الرأس كانت درجاته وإحصائياته محفزة له لقتل المزيد! فتغير مفهوم التسلية عندنا في هذا العصر الموحش، ويا له من عصر. أذكر لعبة معروفة بدأت في التسعينات وما زالت إلى اليوم تسمى Mortal Kombat لا يفوز اللاعب فيها على خصمه حتى يقتلع رأسه، أو يشق صدره، أو يرميه في بركة كبريت، فتخرج عظامه عارية! إذًا لا تستغرب عزيزي القارئ حين تكثر حوادث التنمر على الأطفال، فحين يتسلى بعض أطفالنا بالتنمر على أحد زملائه، ويضحكون ويفرحون لبكائه ولغضبه، ويؤثرون على شخصيته في المستقبل بدافع التسلية والانبساط والروقان. ولا تستغرب حين يضحك مراهقون على كبير في السن؛ لأنه تعثر فوقع على وجهه، فيضحكون على ذلك؛ لأن هذا مضحك جدًّا. ولا تستغرب حين يحصل حادث مروع وتتطاير الدماء، ويستغيث آخرون، ولا نلتفت لهم إلا بعد تصوير الحادث بشكل كامل، حتى نحصل على بضعة إعجابات على شبكات التواصل الاجتماعي! ولا تستغرب حين يتحول ابنك وأنت تظنه ذلك الحمل الوديع إلى مفترس لا يبقي فريسته حتى يأكلها، فتجد طفلك والجميع يشتكي في مدرسته أنه أصبح عنيفًا جدًّا. لقد أنتجت لنا المواد الترفيهية المعروضة على الكبار والصغار - ما يسمى "بالعنف الترفيهي"، وهو كما يعرفه مختص علم الاجتماع بأنه العنف المنقول من وسائل الاتصال عن طريق الترفيه ومشاهدة أفلام الأكشن وأفلام الكارتون. ويوضح أن العنف ثابت، فما يلحق الضرر بالأطفال إن كان جسديًّا ونفسيًّا وعقليًّا، يندرج تحت بند العنف، موضحًا أن العنف الذي يأتي من الترفيه والتسلية مدخل خطير في عقل الطفل والمراهق؛ لأنه يلعب بالفعل بمعتقداتهم وقِيَمهم ومفاهيمهم وتوجهاتهم. وبالرغم من كل ذلك فإنه لا يُمكن أن نلوم أطفالنا على العنف الذي يصدر منهم دائمًا لما يتعرضون له من جرعات كبيرة ومفجعة، بل نلوم أنفسنا على عدم تعليمهم للتسلية والترفيه الإنساني المباح. انظر إلى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يعلِّمنا الترفيه المباح حين كان يسابق زوجته عائشة رضي الله عنها، وحين كان يداعب الفتى ويخفِّف من حزنه حين مات له طير صغير، وحين نهى أن تتخذ ذوات الأرواح هدفًا للرمي، ونهى عن الحديث فوق الدواب رحمةً بها وشفقة. لذلك كم يأسرني ويجذب انتباهي، ذلك الفتى الذي يجلس بين ماشيته يتسلى مع نفسه متصلة روحه بالطبيعة، يمتلئ قلبه بالسعادة وبالفطرة السوية وكأنه يرفه عن نفسه. حدثتني أمي عن ذلك القروي الذي داهم قريته سيلٌ عظيم، فلم ترضَ نفسه أن يشاهد إحدى أبقاره وهي تغرق في هذا السيل، وتخور خوار المستغيث، فما كان من صاحبها إلا أن يقفز معها شفقة عليها عسى، لعله ينقذها ولكن هيْهات، والجميع يصرخ عليه ألا يفعل وفعل ومات غريقًا مع بقره. فتأمل ما بين رحمة البدوي وعًنفنا الترفيهي.
خصائص الفكر الديني عند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
روضة محمد شويب
27-12-2021
5,475
https://www.alukah.net//culture/0/151681/%d8%ae%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%82-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/
خصائص الفكر الديني عند الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وأصحابه ومَن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: قال تبارك وتعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ﴾ [التوبة: 100]؛ يقول بن تيمية رحمه الله مبينًا فضل الصحابة من خلال الآية الكريمةً: " فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان... والرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أنه يوافقه على موجبات الرضا، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبدًا [1] . أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني خلفاءه الراشدين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نُفيل القرشي العدوي، يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي بن غالب، ويكنَّى أبا حفص، لُقِّب بالفاروق؛ لأنه أظهر الإسلام بمكة، ففرَّق الله به بين الكفر والإيمان، وهو ثاني الخلفاء الراشدين، مثال للعدل والإنصاف، والزهد والتواضع، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد أسلم رضي الله عنه في ذي الحجة سنة ست من النبوة، بعد ثلاثة أيام من إسلام حمزة رضي الله عنه، وله ست وعشرون سنة، وكان إسلامه فتحًا عظيمًا، أعز الله به الإسلام والمسلمين [2] . ما المزايا التي تميز بها البناء الفكري لثاني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؟ خصائص الفكر الدين عند عمر رضي الله قبل الإسلام: أمضى عمر في الجاهلية شطرًا من حياته، ونشأ كأمثاله من أبناء قريش، وامتاز عليهم بأنه كان ممن تعلموا القراءة، وقد حمل المسؤولية صغيرًا، ونشأ نشأة غليظة شديدة لم يعرف فيها الترف ولا مظاهر الثروة [3] . كان يرعى لأبيه ولخالاته له من بني مخزوم ولا شك أن هذه الحرفة، ولا شك أن هذه الحرفة التي لازمت عمر بن الخطاب في مكة قبل أن يدخل إلى الإسلام قد أكسبته صفات جميلة، كقوة التحمل، والجلد، وشدة البأس [4] . حذق من أول شبابه ألوانًا من رياضة البدن، فحذف المصارعة، وركوب الخيل، والفروسية، وتذوق الشعر ورواه، وكان يهتم بتاريخ قومه وشؤونهم، وحرص على الحضور في أسواق العرب الكبرى؛ مثل: عكاظ، ومحنك، و(ذي) المجاز، واستفاد منها في التجارة ومعرفة تاريخ العرب، واشتغل عمر رضي الله عنه بالتجارة وربح منها، ما جعله من أغنياء مكة، وكسب معارف متعددة من البلاد التي زارها للتجارة، فرحل الشام صيفًا، وإلى اليمن شتاءً، واحتل مكانة بارزة في المجتمع المكي الجاهلي، وأسهم بشكل فعال في أحداثه [5] . وتوارث عمر عن أجداده المكانة المهمة التي أكسبته خبرة ودراية ومعرفة بأحوال العرب وحياتهم، فضلًا عن فطنته وذكائه، فلجؤوا إليه في فض خصوماتهم؛ يقول ابن سعد: " إن عمر كان يقضي بين العرب في خصوماتهم قبل الإسلام [6] . كان رضي الله عنه رجلًا حكيمًا بليغًا حصيفًا، قويًّا، حليمًا، شريفًا، قويَّ الحجة، واضح البيان؛ مما أهله لأن يكون سفيرًا لقريش، ومنافسًا لها مع القبائل، وكان يدافع عن كل ما ألفته قريش من عادات، وعبادات، ونظم، وكانت له طبيعة مخلصة عما يؤمن به، وبهذه الطبيعة التي جعلته يشتد في الدفاع عما يؤمن به قاوم عمر الإسلام في أول الدعوة [7] . لقد عاش عمر في الجاهلية وسبر أغوارها، وعرف حقيقتها، وتقاليدها، وأعرافها، ودافع عنها بكل ما يملك من قوة، ولذلك لَما دخل في الإسلام، عرف جماله، وحقيقته، وتيقَّن الفرق الهائل بين الهدى والضلال، والكفر واِلإيمان، والحق والباطل، ولذلك قال قولته المشهورة: إنما تـنـقض عرا الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية [8] . خصائص الفكر الديني عند عمر رضي الله عنه بعد الإسلام: وتأتي دعوة رسول الله صلى الله الله عليه وسلم بأن يؤيد الله هذا الدين بعمر بن الخطاب، فتفتح مغاليق قلب عمر، وتضيء سبيله وتمحو الظلمات منه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف شجاعته وشهامته ورجولته، ويعرف عبقريته، سواء تفكيره واستقامة طبعه، وجرأته على الجهر بما يعتقد، فكان يحب أن يهديه الله إلى الإسلام، ليكون له ناصرًا، وتكون شجاعته قوة للدين الحق، فكان صلى الله عليه وسلم يدعو الله تعالى أن يهدي عمر للإيمان، وأن يجعله درعًا لهذا الدين، يدرأ به عن المستضعفين ذل الاستضعاف، وأذى المشركين [9] . وعن عبدالله بن عمر أن رسول صلى الله قال: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل، أو بعمر بن الخطاب، قال: وكان أحبهما إليه عمرَ [10] . فقد عرف الفاروق من خلال القرآن الكريم من هو الإله الذي يجب أن يعبده، وكان النبي صلى اله عليه وسلم يغرس في نفسه معاني تلك الآيات العظيمة، فقد حرص صلى الله عليه وسلم أن يربي أصحابه على التصور الصحيح عن ربهم وعن حقه عليهم، مدركًا أن هذا التصور سيورث التصديق، واليقين عندما تصفو النفوس وتستقيم الفطرة، فأصبحت نظرك الفاروق إلى الله والموت والحياة والجنة والنار، والقضاء والقدر وحقيقة الإنسان، وصراعه مع الشيطان مستمدة من القرآن الكريم وهدي النبي صلى اله عليه وسلم [11] . وفي مدرسة النبوة صقلت مواهب عمر ونمت ملكاته ومؤهلاته، وصيغت شخصيته المتفردة التي تتمحور على ركائز ضخمة هي: العبقرية، والإلهام والفراسة، والصلابة والصرامة، والشجاعة والجرأة والجد في الأمور، والصراحة المطلقة، والهيبة في النفوس، واليقظة المستمرة مع الشعور العجيب بالمسؤولية العميمة، وسرعة التفاعل مع الأحداث، والاستجابة لها وعلاجها، ويحرس ذلك ويحميه العلمُ الباهر والنظام الدقيق ومحاسبة النفس، والغيرة على الدين والعرض والمال [12] . كان إسلام عمر صورة لشخصيته، بمثل خصائصه النفسية والعقلية والإرادية، كما يصورها تاريخ حياته: قوة وشجاعة وجرأة مقتحمة، وصراحة لا عرف المداهمة ولا المداورة، وإدراكًا ملهمًا، وفطنة ألمْعية، ورجولية غلابة قاهرة [13] . فعمر رضي الله عنه قوي لا يسلم إلا بإسلام الأقوياء، وعمر عبقري الإدراك، فلا يسلم إلا إسلام العقل المفكر المستقيم، وعمر شجاع لا يسلم إسلام الجبناء الرعاديد، ولكنه يسلم إسلام ذوي الشجاعة الدين يعرفون لأنفسهم حقها في الكرامة والعزة، وعمر جريء لا يسلم إلا إسلام المقحِم الذي لا يهاب ما هناك من المخاطر، وعمر ألمعيُّ الرأس، فلا يسلم إلا إسلام من شهد الحق بعقله وبصيرته، فعرفه واهتدى إليه بنور تلك البصيرة وذلك العقل الدراك المستقيم [14] . كان الفاروق من أرعى الصحابة لحق النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أشدهم في توقيره والذب عنه وحمايته، وكان سيفًا مصلتًا على أعدائه صلى الله عليه وسلم، ومنتفخًا لافح البأس على كل من تسول له نفسه الغض من مقام النبوة [15] . كان عمر رضي الله عنه من أكابر الفقهاء الصحابة وأعيان أئمة الاجتهاد، لما آتاه الله تعالى من علم غزير، وبصيرة نافذة، وعبقرية نادرة، وإلهام متفرد، وقد قال عنه عبدالله بن مسعود:إنه عندما مات ذهب بتسعة أعشار العلم [16] . فقه القدوم على الله كان قويًّا عنده، لدرجة أنه كان في كل عمل يقوم به يتوخى مرضاة الله قبل مرضاة الناس، ويخشى الله، ولا يخشى أحدًا من الناس [17] . بلغ عمر من شفافية النفس وطهر الروح ونقاء القلب، وتحليق الفكر - أنه يهمس في خاطره من عالم الغيب بحديث، فيملك عليه أقطار نفسه، ويلح عليه حتى يصارح به النبي صلى اله عليه وسلم، فيتقدم بين يديه بآراء ومقترحات وتمنيات …وهي بما عرف موافقات عمر [18] . إن مفتاح شخصية الفاروق إيمانه بالله تعالى، والاستعداد لليوم الخر، وكان هذا الإيمان سببًا في التوازن المدهش، والخلاب في شخصية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ولذلك لم تطغ قوته على عدالته، وسلطانه على رحمته، ولا غناه على تواضعه، وأصبح مستحقًّا لتأييد الله، وعونه، فقد حَقق شروط كلمة التوحيد، من العلم، واليقين، والقبول، والانقياد، والإخلاص، والمحبة، وكان على فهم صحيح لحقيقة الإيمان، وكلمة التوحيد، فظهرت آثار إِيمانه العميق في حياته ومن أهمها: شدة خوفه من الله تعالى بمحاسبته نفسه، وكان رضي الله عنه من شدة خوفه من الله تعالى يحاسب نفسه حسابًا عسيرًا، فإذا خيل إليه أنه أخطأ في حق أحد، طلبه وأمره بأن يقتص منه [19] . خصيصة الزهد في هذه الحياة: فهم عمر من خلال معايشته للقرآن الكريم، ومصاحبته للنبي الأمين، ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار اختبار وابتلاء، وعليه فإنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها، وخضع وانقاد وأسلم نفسه لربه ظاهرًا وباطنًا [20] . ومن مواقفه في الزهد أنه أبطأ على الناس يوم الجمعة، ثم خرج فاعتذر إليهم في تأخره، وقال: إنما حبسني غسل ثوبي هذا، كان يغسل ولم يكن لي ثوب غيره، كان زهد عمر، وكذا الصحابة ومن سار على هديهم من صالحي الأمة، زهد القادرين على الدنيا وزخارفها ومتاعها، فسخرها لخدمة الإسلام والمسلمين، فهو الرجل المؤمن العابد الزاهد الخاشع المتبتل، المتواضع، المجاهد المقدام، الصادق الصريح القول بالحق، العبقري الملهم، العالم الأديب البليغ الخطيب، المحدث الفقيه المجتهد، المفكر السياسي، القائد العسكري، المبشر بالجنة شهيد المحراب أمير المؤمنين رضي الله عنه وأرضاه [21] . خصيصة الورع:كان عمر مقدمًا في التواضع والخشية والزهد، فهو كذلك كان رأسًا في الورع إمامًا فيه، حتى كان الصحابة والتابعون يلزمونه، فيتعلمون منه الورع [22] . الهيبة: فقد كان عمر ذا هيبةٍ لمن حوله من الصحابة والرعية، ومن ذلك ما يخبر به ابن عبَّاس: مَكَثْتُ سَنَةً أُرِيدُ أنْ أسْأَلَ عُمَرَ بنَ الخَطابِ عن آيَةٍ، فَما أسْتَطِيعُ أنْ أسْأَلَهُ هَيْبَةً له [23] . خصيصة الإنصاف والعدل:ولقد كان الفاروق قدوةً في عدله، أسر القلوب، وبهر العقول، فالعدل في نظره دعوةٌ عمليَّةٌ للإِسلام، به تفتح قلوب النَّاس للإِيمان، وقد سار على ذات نهج الرَّسول صلى الله عليه وسلم: فكانت سياسته تقوم على العدل الشَّامل بين النَّاس، وقد نجح في ذلك على صعيد الواقع والتَّطبيق نجاحًا منقطع النَّظير، لا تكاد تصدِّقه العقول، حتَّى اقترن اسمه بالعدل، وبات من الصَّعب جدًّا على كلِّ مَنْ عرف شيئًا يسيرًا من سيرته أن يفصل ما بين الاثنين [24] . فالفاروق لا يبالي على من وقع الحق، على ولده أم على غيره من الناس، فهو رجل لا تأخذه في الله لومة لائم، لذلك كان ينهى أهله أشد النهي حذرًا من وقوعهم في مخالفته؛ يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كان عمر إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله، وقال: إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنهم إنما ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا، وإن هبتم هابوا، وايم الله لا أوتي برجل منكم فعل الذي نهيت عنه، إلا أضعفت عليه العقوبة، لمكانه مني، فمن شاء فليتقدم ومن شاء فليتأخر [25] . خصيصة القوة: عند الهجرة إلى المدينة المنورة حمل عمر سيفه وتوجَّه إلى فناء الكعبة؛ ليعلن أمام سادة قريش نيَّته في الهجرة علنًا، ثمَّ قام بتهديد من سيلحق به منهم بعباراتٍ قويَّة مجلجلة للقلب فلم يجرؤا أحدٌ على اللّحاق به [26] . خصيصة تحمل المسؤولية وأعباء قيادة الأمة: كان عمر أحد خريجي مدرسة الرسول القائد صلى الله عليه وسلم في ممارسة فنون الحرب ومعاناة أهوالها، كان عمر قبل إسلامه كأي عربي ليس غريبًا على ساحات الوغى وأخبار الحروب، ولكن هذه المعلومات الابتدائية عن المعارك صقلها، وهذَّبها بالممارسة الفعلية وبالتوجيه العملي والنظري لسيد القادة وقائد السادة عليه الصلاة والسلام [27] . وفي عهده تم استقلال (السلطة الفضائية) عن (السلطة التنفيذية)، الأمر الذي عُرف في الفكر الغربي بعد عمر بأكثر من ١٤٠٠ سنة في كتابات (مونتسكيو ) التي مهدت للصورة الفرنسية عام ١٧٨٩م [28] . أروع وأجل وأعظم ما تم في عهد الفاروق أن تحققت عالمية الإسلام وعالمية الرسالة، وقيام دولة إسلامية ربانية تضم مختلف الألوان والأعراق والجنسيات والقوميات والألسن، وفي هذا رد على المفتونين من دعاة العلمانية والحداثة، وعلى بعض من يَزعم أو يُزعَم له أنه فكر إسلامي الذين يدَّعون أنه ليس هناك شيء اسمه دولة إسلامية، ولم تقم في التاريخ [29] . خصيصة حب الحق والذب عليه:قال النبي صلى اله عليه وسلم: " إيهًا يا بن الخطاب، والذي نفسي بيده، ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا قط، إلا سلك فجًّا غير فجِّك" [30] . ومحور المحاور في شخصية عمر هو الحق، فليس عند ابن الخطاب ما هو أعظم من الحق، ولا يقبل فيه مداهنة، ولا يقيم في الانحراف عنه عذرًا لنعتذر، ولا يرحم أحدًا عثرت به قدم على طريق الحق، هكذا كان عمر وبهذا وصفه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فقال" إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه [31] . عمر وما أدراك ما عمر، إنه رجل ولا كالرجال، رجل عبقري ممتاز من خاصة الخليقة، وهو في عظماء الرجال أشبه ببيت قصيد في القصيدة العصماء، جمع جوانب العظمة من أطرافها [32] . حرص الفاروق على حفظ الدين على أصوله الصحيحة التي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يعمل جاهدًا على إحياء سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، والقضاء على البدع، والعمل على احترام دين الله، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم [33] . هو مؤسس التقويم الهجري وفي عهده بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا، وتوسع نطاق الدولة الإسلامية حتى شمل كامل العراق ومصر وليبيا والشام، وفارس وخراسان، وشرق الأناضول وجنوب أرمينية وسجستان، وهو الذي أدخل القدس تحت حكم المسلمين لأول مرة وهي ثالث أقدس المدن في الإسلام، وبهذا استوعبت الدولة الإسلامية كامل أراضي الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وحوالي ثلثي أراضي الإمبراطورية البيزنطية، تجلَّت عبقرية عمر بن الخطاب العسكرية في حملاته المنظمة المتعددة التي وجَّهها لإخضاع الفرس الذين فاقوا المسلمين قوةً، فتمكن من فتح كامل إمبراطوريتهم خلال أقل من سنتين، كما تجلَّت قدرته وحنكته السياسية والإدارية عبر حفاظه على تماسك ووحدة دولة كان حجمها يتنامى يومًا بعد يوم، ويزداد عدد سكانها وتتنوع أعراقها [34] . وقال طلحة بن عبيدالله: ما كان عمر بأولنا إسلامًا ولا أقدمنا هجرة، ولكنه أزهدنا في الدنيا وأرغبنا في الآخرة"، وقال الحسن: " ما فضل عمر على أصحاب رسول الله صلى الله علبه وسلم أنه كان أقومهم صلاة وأكثرهم صيامًا، ولكنه كان أزهدهم في الدنيا، وأشدهم في أمر الله، وكان نقش خاتمه الذي اصطنعه لنفسه: كفى بالموت واعظًا يا عمر [35] . كان عمر في صفاته الجوهرية وخصائصه ومزاياه وملكاته المركوزة فيه هو عمر ابن الجاهلية، وهو عمر ابن الإسلام، في قوته وشدته وبأسه وصرامته وصراحته وزعامته وعقله ورأيه… كانت الجاهلية ليل عمر، وكان الإسلام نهاره، جاهلية لا ضوء فيها، وإسلام ليس فيه بقية ظلام [36] . رضي الله عن الفاروق وكل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وآله سلم، والله عز وجل أعلم. [1] ابن تيمية: ٣ / ٤٤٠. [2] عمر بن الخطاب شخصيته وعصره ص ١٧؛ د.علي محمد محمد الصلابي. [3] المصدر السابق نفسه، ص ١٩. [4] المصدر السابق نفسه ص ٢١. [5] المصدر نفسه بتصرف ص ٢١. [6] انظر: الخليفة الفاروق د. العاني، ص١٦. [7] عمر بن الخطاب شخصيته وعصره، ص ٢٢. [8] المصدر السابق نفسه؛ الفتاوي، ١٥/٣٦، فرائد الكلام للخلفاء الكرام. [9] محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم للصادق عرجون ١ /٦١١ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل ص ٥٥. [10] أخرجه الترمذي ١٣-١٤٠) وأحمد ( ٥٦٩٦، وصححه الألباني. [11] عمر بن الخطاب شخصيته وعصره ص ٤٢. [12] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والمام العادل ص١٢. [13] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والمام العادل، ص٦٣. [14] المصدر السابق نفسه وانظر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، للصادق عرجون ،١ /٦٣٠. [15] المصدر السابق نفسه ص٨٠. [16] المصدر السابق نفسه ص١٥١. [17] عمر بن الخطاب شخصيته وعصره ص ١٣٣. [18] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل ص١١-١٢. [19] عمر بن الخطاب شخصيته وعصره ص ١٦٧. [20] المصدر السابق نفسه ص ١٧١. [21] المصدر السابق نفسه ص١٧٢. [22] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والمام العادل ص١٩١؛ بتصرف. [23] المصدر السابق نفسه ص ١٨١. [24] الراوي :عبدالله بن عباس | المحدث :البخاري | المصدر: صحيح البخاري : 4913 | خلاصة حكم المحدث، صحيح. [25] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والمام العادل؛ بتصرف. [26] مصنف عبد الرزاق: 20713. [27] من مقالة موضوع بتصرف. [28] عمر بن الخطاب الفاروق ٨٧. [29] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل ص١٤. [30] عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخليفة الراشدي العظيم والإمام العادل ص ١٥. [31] المصدر السابق نفسه بتصرف. [32] المصدر السابق نفسه. [33] عمر بن الخطاب الفاروق القائد ص ١٤٩ وانظر الرياض النظرة. [34] عمر بن الخطاب شخصيته وعصره ص ٥٠١. [35] عمر بن الخطاب ويكيبيديا. [36] عمر بن الخطاب الفاروق القائد ص ١٤٩ وانظر الرياض النظرة.
نعمان السامرائي العالم المفكر والداعية المصنف
أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى
27-12-2021
6,311
https://www.alukah.net//culture/0/151666/%d9%86%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%83%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d9%86%d9%81/
نعمان السامرائي العالم المفكِّر والداعية المصنِّف (1346- 1443هـ / 1928- 2021م) رحم الله شيخنا العراقيَّ الجليلَ الأستاذ الدكتور نعمان عبد الرزاق السامَرَّائي ، كنت عرفتُه عام 1424هـ، وسعدتُّ وبعض الإخوة الكرام بقراءة كتابه ( تفسير التاريخ ) عليه في بيته بحيِّ النخيل في الرياض، وهم: الأخُ الحبيب زميل الطلب الشيخ محمد زياد بن عمر التكلة، والإخوة الأفاضل الشيخ د. عائض الدوسري، والشيخ د. بندر الشويقي، والشيخ د. عمر الحفيان، سدَّدهم الباري ووفقهم جميعًا. واستمرَّت صلتي بالشيخ وثيقةً أتردَّد إليه وأزوره بين حين وآخر، ثم علمتُ أنه سافر إلى العراق، وكنت كلَّما سعَيتُ إلى لقائه أُخبَر أنه في بلده، حتى ظننت أنه استقرَّ هناك! وبلغَني قبل أيام نبأ وفاته في الرياض عن نحو 97 سنة، رحمه الله تعالى وجزاه عنَّا خيرًا. ♦♦♦♦♦ صفة الشيخ ونسبه الشيخ نعمان السامَرَّائي عالم صالح ورِع، من المفكِّرين الإسلاميين، والدعاة المربِّين، يمتاز بعقل راجح وحكمة ورزانة، مع لطف وحِلم وسَعة صدر، وحرصٍ على المعالي، وترفُّع عن كلِّ تافه سَفساف، ورغبة عن اللغو والكلام في غير علم أو نُصح مفيد. وهو السيِّد الشريف أبو منذر نعمانُ بن عبد الرزَّاق بن صالح بن عَلُّوش (علي) بن جدوع بن حبيب الحسَني السامَرَّائي، يرجع نسبُه إلى الإمام الحسن المثنَّى بن الحسن السِّبط ابن أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه. محطَّات من سيرته ♦ وُلد في حيِّ القاطول بمدينة سُرَّ مَن رأى (سامَرَّاء) بالعراق عام 1346هـ/ 1928م. ♦ التحقَ بالدفعة الأولى من طلاب كلِّية الشريعة بجامعة بغداد عام 1947م، وتخرَّج فيها عام 1952م. ♦ مارس التعليم في عدد من المدُن والنواحي: الفيصلية، الفَلُّوجة، عنه، الكوت، ثم عاد إلى سامَرَّاء عام 1957م. ♦ تولَّى إدارة ثانوية سامَرَّاء عام 1958م، ثم نُقل إلى البصرة للتدريس في مدرستها وفي دار المعلِّمين فيها. ♦ عُيِّن معيدًا في كلِّية الشريعة، ومحاضرًا في كلِّية الدراسات الإسلامية، بجامعة بغداد. ♦ نال شهادة الماجستير من كلِّية الشريعة بجامعة بغداد عام 1387هـ/ 1967م، عن أطروحته (أحكام المرتدِّ في الشريعة الإسلامية) بإشراف الشيخ المصري محمد عبد الرحيم الكشكي أستاذ الشريعة بمعهد الدراسات الإسلامية العليا ببغداد. وتألفت لجنة لمناقشة من الأساتذة: د. عبد العزيز الدوري رئيس جامعة بغداد، ومحمد شفيق العاني رئيس محكمة تمييز العراق، والسيد محمد تقي الحكيم عميد كلِّية الفقه بالنجف، وعبد المقصود شلتوت الأستاذ بكلِّية الشريعة ببغداد، ود. صلاح الدين الناهي الأستاذ بكلِّية الحقوق ببغداد. ♦ هاجر إلى الرياض عام 1388هـ/ 1968م. ♦ نال شهادة الدكتوراه من كلِّية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1392هـ/ 1972م، عن أطروحته (تصرُّفات المريض مرضَ الموت في الشريعة والقانون) ، بإشراف الشيخ محمد علي السايس، ومن أعضاء لجنة المناقشة الشيخ عبد العظيم عبد الفتاح معاني. ♦ درَّس في الرياض في كلِّية قوى الأمن، وفي جامعتَي الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والملك سعود قرابة 35 سنة، من عام 1388هـ/ 1968م إلى 1422هـ/ 2001م. ♦ قدَّم أحاديثَ في إذاعة بغداد، ثم في إذاعة الرياض مشاركًا في برنامج (يا أخي المسلم) ، وعندما أُنشئت إذاعةُ القرآن الكريم عام 1393هـ/ 1973م كان من أوائل من قدَّم برامجَ وأحاديثَ فيها. ♦ هو عضو مؤسِّس لجمعية الكتَّاب والمؤلفين العراقية، وعضو جمعية التربية الإسلامية في العراق، وعضو اللجنة الفرعية لجائزة الأمير نايف العالمية للسنَّة النبوية. ♦ أسهم في عدد من المشاريع العلمية والموسوعات، منها: الموسوعة الفقهية الكويتية، وموسوعة الكتاب العالمي، وموسوعة دار الإيمان بجُدَّة. ♦ شارك في النشاط الدعوي في إفريقيا، وأسهم في المسح الإسلامي الدعوي، وتقويم المدارس العربية والإسلامية فيها، بتكليف من جامعة الإمام. ♦ كان له نشاطٌ حزبي إسلامي وسياسي في العراق، ثم تفرَّغ للنشاط العلمي والفكري والثقافي بعد إقامته في السعودية. ♦ توفي في الرياض يوم الخميس 20 من ربيع الآخِر 1443هـ (25/ 11/ 2021م) . تصحيح تاريخ ولادته على اهتمام الشيخ بالتاريخ العامِّ، لم يكن مهتمًّا بتاريخه الشخصي؛ لانشغاله بما كان يراه أهمَّ وأولى من شؤون العلم والدعوة، وقضايا الأمَّة العامَّة، ومن ذلك أنه لم يكن معنيًّا بضبط تاريخ مولده بدقة؛ فكنت سألتُه قديمًا عنه فأجاب بأنه ولد عام 1935م، وهو التاريخُ الذي ذكره كثيرٌ ممن ترجم له. وكان أخبرَ في لقائه ببرنامج (حديث الذكريات) أنه من مواليد سنة 1934 أو 1935م! لكنَّ زوجته الفاضلة الخالة أم منذر ذكرت لي أن هذا التاريخَ الشائع لولادته عام 1935م هو خطأ مَحض، وأن التاريخ المدوَّنَ في جواز سفره وأوراقه الرسميَّة هو 1918م وهو خطأ صُراح أيضًا، والصواب المؤكَّد هو أنه ولد عام 1928م ، وقد تيقَّنَت من التاريخ الصحيح بسؤال أقربائه المقرَّبين في العراق، ومنهم ابنُ عمٍّ له يكبُره بسنتين (من مواليد 1926م) . وهذا ما يتَّسقُ مع كثير من الحوادث التاريخية التي شهدها ودوَّنها في ذكرياته، وهو المناسبُ أيضًا لتاريخ انتسابه إلى كلِّية الشريعة ببغداد عام 1947م؛ فلو كان من مواليد 1935م لكان في الثانيةَ عشرةَ من عمره يوم التحاقه بالكلِّية، ولو كان من مواليد 1918م لكان في التاسعة والعشرين من عمره يومئذٍ، وكلاهما بعيدٌ جدًّا! والله أعلم. ♦♦♦♦♦ آثاره ومصنَّفاته خلَّف الشيخ آثارًا علمية وفكرية نافعة، من أشهرها: • (أحكام المرتدِّ في الشريعة الإسلامية) الطبعة الأولى الناشر دار العربية ببيروت، والمكتب الإسلامي بدمشق وبيروت، 1387هـ/ 1968م، ساعدت جامعة بغداد على طبعه، في 392 صفحة. الطبعة الثانية الناشر دار العلوم بالرياض، 1403هـ/ 1983م. تُرجم إلى التركية ونشر عام 1392هـ. • (تصرُّفات المريض مرضَ الموت في الشريعة والقانون) الناشر دار العلوم بالرياض، 1404هـ/ 1984م، في 367 صفحة. • (العَلاقة بين الدين والعلم) الناشر مكتبة المعارف بالرياض، 1404هـ/ 1984م. • (مباحث في الثقافة الإسلامية) الناشر مكتبة المعارف بالرياض، 1404هـ/ 1984م، في 232 صفحة. • (التكفير جذوره، أسبابه، مبرِّراته) الناشر دار المنارة بجُدَّة، 1406هـ/ 1986م، في 214 صفحة. • (في التفسير الإسلامي للتاريخ) الناشر مكتبة المعارف بالرياض، 1406هـ/ 1986م، في 144 صفحة. • (في الحضارة وأمراضها والتقدُّم والتخلُّف) الناشر مكتبة المعارف بالرياض، 1408هـ/ 1988م، 136 صفحة. • (الفكر العربي والفكر الاستشراقي بين محمد أركون وإدوارد سعيد) الناشر دار صبري بالرياض، 1409هـ/ 1989م، في 160 صفحة. • (تفسير التاريخ) الناشر مكتبة المعارف بالرياض، 1414هـ/ 1993م، في 243 صفحة. • (العفن السياسي) الناشر دار المنارة بجُدَّة، 1414هـ/ 1993م، في 334 صفحة. • (الصحوة الإسلامية في عيون مختلفة) الناشر دار المنارة بجُدَّة، 1414هـ/ 1993م، في 92 صفحة. • (الماسونية واليهود والتوراة) الناشر دار الحكمة بلندن، 1415هـ/ 1994م، في 166 صفحة. • (نحن والصديق اللدود، دراسة تحليلية للفكر الغربي وموقفه من الإسلام) الناشر دار الحكمة بلندن، 1417هـ/ 1996م، في 185 صفحة. • (إسرائيل الخطر والمخادعة) الناشر مؤسسة الرسالة ببيروت، 1418هـ/ 1998م، في 160 صفحة. • (مدخل إلى الثقافة الإسلامية) بالاشتراك مع د. سعود بن سلمان بن محمد آل سعود، الناشر مؤسسة الرسالة ببيروت، 1419هـ/ 1998م، في 194 صفحة. • (اليهود والتحالف مع الأقوياء) الناشر دار الحكمة بلندن، ط2، 1419هـ/ 1999م، في 174 صفحة. • (في أعماق التجرِبة اليابانية) الناشر دار الحكمة بلندن، 1421هـ/ 2000م، في 151 صفحة. • (أحلام لاجئ من مخيَّم الشاطئ) الناشر المؤلف الرياض، 1422هـ/ 2001م، في 120 صفحة. • (النظام السياسي في الإسلام) الناشر المؤلف الرياض، ط2، 1422هـ/ 2001م، في 226 صفحة. • (نحن والحضارة والشهود) الناشر كتاب الأمَّة، وِزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر، 1422هـ/ 2001م، في 147 صفحة. • (التكفير قديمًا وحديثًا، التكفير عند شيخ الإسلام) الناشر المؤلف الرياض، 1424هـ/ 2003م، في 158 صفحة. • (قراءة في نصوص مختارة) الناشر المؤلف، مطبعة أنوار دجلة ببغداد، 1424هـ/ 2003م، في 216 صفحة. • (التوراة بين فِقدان الأصل وتناقض النص) الناشر دار الحكمة بلندن، ط2، 1424هـ/ 2003م، في 121 صفحة. • (مذكِّرات) الناشر المؤلف الرياض، 1425هـ/ 2004م، في 311 صفحة. • (الإسلام: عقيدة، عبادة، أخلاق، تشريع) الناشر المؤلف، مطبعة أنوار دجلة ببغداد، 1425هـ/ 2004م، في 656 صفحة. • (قراءة في كتاب إظهار الإسلام لروجيه دوباسكويه) الناشر المؤلف الرياض، 1425هـ/ 2004م، في 173 صفحة. • (مطابخ الكُره والعُنصرية) الناشر مؤسسة الرسالة ببيروت، 1426هـ/ 2005م، في 226 صفحة. • (تفسير التاريخ اتجاهات ومدارس) الناشر المؤلف الرياض، 1427هـ/ 2006م، في 281 صفحة. • (أمريكا والعراق، عشق دائم أم طلاق بائن) الناشر مكتبة العبيكان بالرياض، 1428هـ/ 2007م، في 304 صفحات. • (لماذا ينجحون ونفشل؟) الناشر المؤلف الرياض، 1432هـ/ 2011م، في 288 صفحة. • (الحياة تدافُع أم تصارُع) الناشر مكتبة العبيكان بالرياض، 1433هـ/ 2012م، في 368 صفحة. • (قراءة في الديمقراطية، الجذور وإشكالية التطبيق، للدكتور محمد الأحمري) الناشر دار الأمَّة بالرياض، 1434هـ/ 2013م، في 480 صفحة. • (حوار حول التراث والحداثة) الناشر كتاب الأمَّة، وِزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر، 1436هـ/ 2015م، في 180 صفحة. • (قراءة في مِلفِّ الحضارة) الناشر معهد ليدز لدراسات الشرق الأوسط، بلا تاريخ، في 25 صفحة. • (قراءة في النظام العالمي الجديد) الناشر دار الحكمة بلندن، في 123 صفحة. • (الثوابت والمتغيِّرات) . وخلَّف عددًا من الكتب مخطوطة، أهمُّها: • (موسوعة التكفير) ♦♦♦♦♦ أسرة الشيخ ♦ تزوَّج الشيخ السيدةَ الفاضلة فائزة بنت عبد الله بن علي السَّقباني أم منذر في مطلع عام 1976م في الرياض، وهي دمشقية من حيِّ الصالحية، تخرَّجت في قسم اللغة العربية بكلِّية الآداب في جامعة دمشق عام 1963م، وحصلت على دبلوم في التربية في العام التالي. عملت في تدريس اللغة العربية في الشام، ومن طالباتها في (المعهد العربي الإسلامي) الأستاذةُ د. بيان الطنطاوي ابنة أديب الفقهاء الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، ومن طالباتها في (الثانوية الأولى للبنات) في حيِّ المَيدان الأستاذةُ الأديبة فاطمة صالح ابنة شيخنا العلامة الأصولي محمد أديب صالح رحمه الله. ثم أُعيرت للرياسة العامَّة للتعليم في الرياض عام 1973م، فدرَّست في مدارسها 7 سنوات، ثم انتقلت إلى مدارس الرياض فعملت فيها قرابة 6 سنين، ثم انتقلت إلى مدارس نجد الأهلية (التي أسَّسها الرئيس رفيق الحريري) وتولَّت فيها الإشرافَ على تعليم اللغة العربية، إلى أن تقاعدت عام 2001م وهي سنةُ تقاعد زوجها أيضًا. كان لها إسهام في تصحيح كتب الشيخ لغويًّا، وفي مراجعة تجارِب طباعتها، وقد شكرها في افتتاح كتابه (التكفير جذوره، أسبابه، مبرِّراته) بقوله: "أشكر زوجتي أم منذر فقد قامت بنسخ الكتاب ومتابعة حواشيه، مخافة أن يكون سقط منها شيء". حفظها الله وبارك في عمرها وهمتها. وكتبت في رثاء زوجها كُليمةَ وفاء، ذكرَت فيها بعضَ مآثره وكريم خصاله، جزاها الله خيرًا. سأثبتها عقب كلمتي. ♦ وللشيخ منها ولدان: منذر بن نعمان السامرائي : مهندسُ اتصالات في دبي، من مواليد آخر سنة 1976م. و محمد بن نعمان السامرائي : مهندسُ اتصالات أيضًا في الرياض، من مواليد سنة 1977م. [وكان تزوَّج الشيخ من قبلُ مرَّتين ولم يُرزق بأولاد؛ تزوَّج أولًا امرأة عراقية بقيت لديه عشر سنوات، ثم تزوَّج امرأةً مصرية بقيت لديه خمس سنوات]. ♦♦♦♦♦ مرضه ووفاته بقي الشيخُ ممتَّعًا بهمَّته وذاكرته، وحضور ذهنه وبديهته، على تقدُّم سنِّه وتطاول شيخوخته، وقد ضاق ذَرعُه بالبقاء في البيت طويلًا بسبب ظروف الاحتراز من وباء كورونا، فاقترح عليه ولدُه الأخ محمد أن يستخرجَ له تأشيرةً لقضاء إجازة يروِّح فيها عن نفسه في داره بمدينة يَلَوا في تركيا، وذهبا يوم 11/ 11/ 2021م إلى السِّفارة التركية في الرياض وقدَّما طلبًا للحصول على التأشيرة. وعند عودته إلى داره ما إن دخلَ بيته حتى تعثَّر في مدخل المطبخ، وسقط أرضًا، فكُسرَت الفِقرةُ الرابعة في ظهره، ونُقل سريعًا إلى مستشفى دَلَّة، ولكن تعذَّر إجراءُ جِراحة له لتقدُّم سنِّه، وأوصاه الأطبَّاء أن يستلقيَ على ظهره مدَّة 3 أشهر متصلةً لا يتحرَّك فيها. وهيَّأ ولداه له كلَّ ما يلزم لرعايته حقَّ الرعاية في بيته؛ من ممرِّضة وسرير طبِّي وعربة كهربائية، ولكنَّ الشيخ تأثَّر نفسيًّا بحاله، فعافَت نفسُه الطعام فلا يكاد يأكل شيئًا، وعاودَه حنينٌ مُمضٌّ إلى العراق وأحبابه هناك، وأظهر رغبتَه في نقل مكتبته إلى سامَرَّاء لينفعَ بها أهلَ مدينته. ولكن ما أسرعَ أن أصابه ضعفٌ وهُزال، ثم لم يلبث أن غاب عن الوعي في يوم الثلاثاء 23/ 11/ 2021م، فنُقل إلى مستشفى دَلَّة بسيارة إسعاف، وأُدخل العناية المشدَّدة، بيدَ أن قدرَ الله وقعَ؛ ففارقت روحُه بدنَه قُبيل أذان فجر الخميس 25/ 11/ 2021م، وفي عصر اليوم نفسه صُلِّيَ عليه في جامع البابطين في شماليِّ الرياض، ودُفن في مقبرة الشَّمال، تغمَّده الباري برحماته، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرًا من أهله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. كتبه أبو أحمد المَيداني أيمن بن أحمد ذو الغنى الرياض 26 ربيع الآخِر 1443هـ ♦♦♦♦♦ الخالة أم منذر فائزة السَّقْباني تذكر مناقب زوجها د. نعمان عبد الرزاق السامَرَّائي في فجر يوم الخميس العشرين من ربيع الآخِر 1443هـ، انتقل إلى رحمة الله زوجي ومعلِّمي ورفيقُ دربي أبو المنذر أ.د. نعمان بن عبد الرزاق السامرَّائي في مدينة الرياض حرسَها الله. وبرحيله جاشت العبَرات، وفاضت الدُّموع، ورثاه جمعٌ من الأصحاب والأحباب والشعراء في داخل المملكة وخارجها، وليس ذلك بكثير على رجل عاش حياةً طويلة عريضة مُفعمةً بالجدِّ والإنجاز والنفع والتأثير والبحث العلمي والعمل الدعوي، تاركًا خلفه عشرات الكتب والمؤلفات، والمئات من المقالات، وكتلًا رائعة ووفية من الطلاب والطالبات في البكالوريوس والدراسات العليا في جامعة الملك سعود، وقبلها في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. (إن الله يحبُّ معاليَ الأمور ويكره سَفسافها) كان رحمه الله ميَّالًا للجدِّ وصرف الوقت فيما ينفع ويفيد، وكثيرًا ما كان يردِّد: «إن الله يحبُّ معاليَ الأمور ويكرَهُ سَفسافَها». وهذه القاعدةُ العظيمة النافعة كان يردِّدها عليَّ كلما جنحَت بي الحياةُ نحو الهاوية، كي ينقذَني من مهاوي الأنانية واللغو والعتب. وهكذا تعوَّدتُّ ما يحبُّ ويكره، وصرت أتجنَّب نقاشَ أي شيء لا قيمةَ له ولا أثر. اتصف أبو المنذر منذ شبابه بالتواضُع الجمِّ ونُكران الذات، وقد عشتُ معه ستًّا وأربعين سنة، ولم أسمعه يومًا يضيف اللقبَ إلى اسمه، فيقول: (نعمان) فقط، وحين يلزم الأمرُ يضيف كلمة (السامرائي) ، ولا تكبَّر يومًا على صديق أو تلميذ، ولا يسمح لأحدٍ أن يقبِّلَ يده. عالي الهمَّة، قوي النفس، عظيم العزيمة، يقوم إلى حاجته بنفسه ولا يرمي حِمْلَه على أحد، يردِّد دائمًا: صاحبُ الحاجة أولى بها، فيصحو صباحًا ويعمل قهوته، ويغسل فنجانه، ولا يُثقل على أحدٍ في البيت بطلباته. وما رأيتُ رجلًا بلغ التسعين من عمره بهمَّته وجِدِّه، مع الجنوح إلى البساطة في كل شيء، لا يشتكي ولا يتشهَّى، إن أطعمتُه أكل اليسير، وإن لم يجد ما يأكله غمس كِسرةَ خبز باللبن وأكلها، وحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه. متسامح بلا حدود، كانت قاعدته قوله تعالى: ﴿ وأَعرِض عَنِ الجاهِلين ﴾، فإن ابتُليَ بأحدهم فإنه يُعرض عنه دون أن يُشعرَه، وإن أخطأ بحقِّه أحدٌ ما كان يعاتبه أو يجادله، فلا يردُّ الخطأ بمثله، ولا يعاقبُ عليه ولا يَعتِبُ على أحد. إن كلَّمه أحد كلامًا فيه عبارةٌ أو إشارة جارحة لا يردُّ ولا يجيب، وإذا ما سألتُه لمَ سكتَّ عنه؟ قال: الكلامُ يأتي بالكلام، فإذا لم أردَّ عليه اضطرَّ إلى أن يلزمَ الصمت. والصفة الغالبة على شخصيَّته قلَّة الكلام، ويرى في كثرة الكلام واللغو إثمًا. معظِّم لشعائر الله وللصلاة، حريص على أدائها في المسجد، لا يتخلَّف عن الجماعة إلا لعذر قاهر، حتى أصبحَ جزءًا من المسجد، لا يتصوَّر أحدٌ خلوَّه منه. كريم مِضياف، يفرح بالقادم إليه، ويفتح مجلسَه لمريد الفائدة، وطلبة الجامعة، وأصدقاء الأمس واليوم، فضلًا عن أسرته وقراباته، لا تخرج من مجلسه إلا ملتقطًا لفائدة أو حاملًا لواحد أو أكثر من مؤلَّفاته. يحبُّ الفقراء والمساكين ويجالسهم ويؤانسهم، حتى سُمِّيَ بين معارفه وأهله بأبي المساكين. كان بعيدًا عن الكِبْر والرِّياء والمظاهر الزائفة، ما سمعتُه قطُّ منَّ على أحد بمساعدة أو غيرها، متأسِّيًا بقوله تعالى: ﴿ ولا تَمنُن تَستَكثِر ﴾. وكان كثيرَ الحياء، لم أرَهُ حملقَ في محدِّثه، ويستحي أن ينظرَ إلى عينيه. كان أبو المنذر لي مدرسةً لا تُغلَق أبوابُها، وتعلَّمتُ في هذه المدرسة الكثير. شمائلك كثيرة، ومحامدك عديدة، والكمال لله وحدَه. رحمك الله وجمعنا بك في فردوسه الأعلى. خروج بلا عودة وغابَ الذي كان بدرَ الدُّجى ونجمَ الأعالي عنِ المنظَرِ جَلالُ المكانِ اختَفى فجأةً أمالَ الجَلالُ عن المِنبَرِ؟ أنا الآنَ وَحدِي بلا مُؤنسٍ سِوى الليلِ في صَمتِه المُنكَرِ أُردِّدُ هل غِبتَ عن بيتِنا وهل مُتَّ حقًّا أبا مُنذرِ؟! وربِّكَ إنَّ النَّوى قاتِلٌ لرُوحي، رَحَلتَ ولم أصبِرِ كتبته: فائزة السَّقْباني ♦♦♦♦♦ المصادر: ♦ مذكِّراتي الشخصية. ♦ (مذكِّرات) شيخنا المترجَم له نعمان عبد الرزاق السامَرَّائي، الناشر المؤلف، 1425هـ/ 2004م. ♦ سيرة ذاتية مختصرة بخطِّ يده. ♦ مشافهة زوجته الفاضلة الأستاذة فائزة السَّقْباني. ♦ مراسلة ابن عمِّه لَحًّا السيِّد فُلَيِّح بن حسن بن صالح بن عَلُّوش الحسَني السامَرَّائي (من طريق الأستاذة فائزة) . ♦ تقويم دار العلوم، الصادر عن كلِّية دار العلوم بجامعة القاهرة عام 1411هـ/ 1991م، 2/ 911، وفيه تاريخُ حصوله على الدكتوراه من الكلِّية عام 1971م، والمثبت من سيرته بخطِّ يده. ♦ لقاء تلفازيٌّ مع الشيخ في بيته بالرياض، في برنامج (حديث الذكريات) ، أجراه معه الشيخُ جاسم المطوِّع، رابطه: https://www.youtube.com/watch?v=NL8N75aVlCI الشيخ نعمان السامرائي في بيته، ومعه كاتب الترجمة بتاريخ 24 من رجب 1424هـ نموذج من خطِّ الشيخ نعمان السامرائي رحمه الله تعالى
قصة عزير
د. محمد منير الجنباز
27-12-2021
16,727
https://www.alukah.net//culture/0/151665/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b1/
قصة عُزَير وردت قصة عزير في سورة البقرة، فمن هو عزير؟ ورد أنه ينسب إلى هارون بن عمران، وذكر أنه كان مع سبي بختنصَّر وهو صغير، وهم الذين نزلوا ببابل، واختلف في نبوته، فقد ورد أنه أوتي الحكمة، وقيل: كان نبيًّا، نبئ بعد الأربعين، وقيل: لما خرب بختنصَّر القدس خرج إلى البراري، وابتعد، وصار مع الوحش، وربما يعنون بهذا أنه سكن البر بعيدًا عن الناس واتخذ زراعة، وهذا أدعى وأفضل من قصة السبي، فقد أتى على حمار له ومعه سلة تين وسلة عنب وقصعة وخبز يابس، فمر عند الظهيرة بقرية خربة، فنزل في ظل جدار، وأخرج العنب، فعصر منه في القصعة، وثرد فيه الخبز، وانتظر كي يصبح الخبز طريًّا، ثم نظر إلى القرية الخربة - وهي بيت المقدس - فقال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها؟ فأماته الله مائة عام، وقد سجلت هذه الحادثة في سورة البقرة: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ﴾ [البقرة: 259]، وبعد هذه السنوات المائة كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك بابل بأن بلد القدس قد خربت، ولم يبقَ فيها من بني إسرائيل أحد، فنادى منادي الملك في أسارى بني إسرائيل: أنه من أراد العودة إلى القدس فليعُدْ، وهكذا خرج الناس بالألوف وعادوا إلى بيت المقدس يعمرونه ويجددون بناءه، فعاد أجمل مما كان، ودبت الحياة فيه من جديد، وفي هذه الأثناء كان قد تم لعزير وهو ميت مائة سنة، فأحياه الله ورأى المدينة عامرة، فتعجَّب أشد العجب، ثم جاءه ملك فسأله: ﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ ﴾ [البقرة: 259]، ﴿ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [البقرة: 259]، وكانت روحه قد قُبضت ظهرًا، وأحياه الله عصرًا؛ لذلك قال: ﴿ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [البقرة: 259]، وهنا قال الملَك له: ﴿ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ﴾ [البقرة: 259]، لتمام المعجزة فقد رأى التين كما تركه في السلة طازجًا كأنما قطفه قبل ساعة، ثم نظر إلى الشراب فرآه كما تركه فيه الخبز لم يتبلل جيدًا، فما زال فيه اليبس، وكان لما رأى قلبه يخفق لهذه المعجزة، مائة عام، يا إلهي! كم مات من الناس وكم ولد منهم؟ وطعامي وشرابي لم يتغيرا، أما مر من هذا المكان أحد ليرى قصعتي وطعامي، ولكن أين حماري؟ قال هذا بعد أن تذكر تمامًا حاله وهو جالس يعد طعامه وشرابه، فأشار الملك إلى عظام بالية لحيوان، ﴿ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ ﴾ [البقرة: 259]، انظر إلى هذه العظام البالية، هي ما تبقى من حمارك، لكن انتبه، هذه الآية من الله لكي تكون أنت معجزة هذا العصر، فقال: كيف؟ فكان الجواب سترى ما ينتظرك، ولكن انظر أولًا إلى هذه العظام، ﴿ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ﴾ [البقرة: 259]، فرأى عجبًا وقدرة فائقة؛ حيث اجتمعت العظام، وتشكَّل الهيكل العظمي، ثم امتدت الأوردة والشرايين، ثم كُسيت لحمًا وجلدًا فوقها، ثم نفخت فيه الروح، فقام يجري ويهرول وينهق، إنه حماره الذي يعرفه كما كان معه، ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 259] لم يكن من قبل شاكًّا، بل كان متسائلًا، وهو مؤمن بقدرة الله تعالى، ولكن كما قال إبراهيم عليه السلام: ﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ [البقرة: 260]، وهكذا رسخ الإيمان عنده فوق ما كان، وعاد إلى قريته بعد هذه المدة. وهنا ستبدأ دلائل المعجزة، عاد إلى القرية ليراها اختلفت وتغير معظم معالمها، لكنه وجد بيته ووجد فيه جاريته وقد بلغت مائة وعشرين سنة، فقال لها: هذا منزل عزير؟ قالت: نعم، وبكت، وقالت: ما أرى أحدًا يذكر عزيرًا غيرك! فقال: أنا عزير، فقالت: إن عزيرًا كان مجاب الدعوة، فادع الله لي بالعافية، فدعا الله لها، فرد عليها بصرها، وقامت تمشي قوية نشيطة، فلما رأته - فقد بُعث على هيئته يوم مات ابنَ أربعين سنة - عرَفَتْه، وكان لعزير ولد عمره مائة وثلاث عشرة سنة، ولهذا الابن أولاد شيوخ، فذهبت الجارية إليهم وأخبرتهم خبره، فجاؤوا، فلما رأوه عرفه ابنه بشامة كانت في ظهره، وشاع خبره في قومه بين مصدق ومكذب، فقالوا: لقد أخبرنا أن عزيرًا كان أحفظ الناس للتوراة وقد أحرق بختنصر التوراة، وما من أحد يحفظها هنا كاملة، فإن أعدت كتابتها لنا صدقناك، فقام فتطهر واغتسل وصام وناجى ربه أن يلهمه التوراة ويعيدها كما كانت إلى صدره، فظهر له ملك بصورة رجل معه إناء فيه ماء، فقال له: اشرب، فشرب، فتمثلت التوراة في صدره كاملة، فكتبها لهم بحدودها وحلالها وحرامها، فأحبوه حبًّا شديدًا، وأصلح لهم شأنهم، وكان من العجب العجاب أن ابنه أكبر منه، وكذلك أحفاده، فكانوا في مجلسه شيوخًا بلحى بيضاء وهو أشب منهم بلحية سوداء، ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ﴾ [الفرقان: 37]. ولَما توفِّي اختلف المتأخرون من بني إسرائيل فيه، فقالوا: عزير ابن الله، وقالوا: لم يستطع موسى أن يأتينا بالتوراة إلا في كتاب، أما عزير فقد حفظها وكتبها، وعدوا هذا خارقًا، وقالوا: عزير ابن الله، وقد ضلوا بهذا القول وكفروا، ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [التوبة: 30]. ورَد أن عزيرًا نبي من أنبياء بني إسرائيل، وكانت فترته بعد داود وسليمان وقبل زكريا.
أثر العلاقات الاجتماعية على أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات لصالح الزهراني
محمود ثروت أبو الفضل
25-12-2021
2,333
https://www.alukah.net//culture/0/151576/%d8%a3%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%86%d8%a7%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%87%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a/
أثر العلاقات الاجتماعية على أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات لصالح الزهراني صدر حديثًا كتاب: "أثر العلاقات الاجتماعية على أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات - دراسة فقهية مقارنة"، تأليف: د. "صالح محمد ردة السني الزهراني"، نشر: "دار الأوراق للنشر والتوزيع". وأصل هذه الدراسة أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه في الفقه وأصوله من كلية العلوم الإسلامية بجامعة المدينة العالمية بماليزيا عام 1439 هـ / 2017 م، تحت إشراف أ.د. "حساني محمد نور". وتتناول هذه الدراسة تأثير صلات القرابة بين القاضي والمتقاضين وتأثير تلك العلاقة الاجتماعية في الحكم الشرعي في الأقضية كالشهادات والجنايات والعقوبات بين من تربطهم تلك العقوبات. يقول الكاتب: "لما كانت صلة القاضي بغيره ممن تربطه بهم علاقات اجتماعية لها طابع خاص لما يتمتع به منصب القضاء من خطورة فائقة، فإن الأحكام الفقهية قد تتغير عندما يتعلق الحكم بمن تربطهم بالقاضي علاقات اجتماعية كالقرابة والمصاهرة والصداقة والجوار وغيرها من الروابط الاجتماعية. كما سلكت الشريعة الإسلامية مسلكًا فريدًا في قانون العقوبات للمحافظة على مصالح الناس وحماية المجتمع من الرذيلة وما يهدم كيان المجتمعات، ولا يتحقق ذلك إلا إذا كانت علاقة الإنسان بمن يحيطون به من قرابة وجيران وشركاء قائمة على المودة والتراحم والاحتشام. وفي التجريم والعقاب ميز الشارع هذه العلاقات عن غيرها في بعض صورها فقد تكون هذه العلاقات مانعة من تحقيق وصف الجريمة أو سببًا في تخفيفها أو تغليظها، أو مانعًا من العقوبة بعد تح قق وصف الجريمة، أو سببًا في تخفيفها أو تشديدها، وهذا يدل على إحكام الشرع الحنيف". وبذلك نجد أن مجال هذه الدراسة يختص بالبعد الاجتماعي وأثر الجرائم التي ترتكب من جناة تربطهم بالمجني عليهم أو بالمضرورين علاقة خاصة متمثلة في كون أحدهما أصلًا أو فرعًا أو زوجًا للآخر، أو قريبًا أو صهرًا له، وهذه العلاقة الخاصة جعلت من الواجب على المشرع أن يخص هذه الجرائم ببعض الأحكام الخاصة بها مراعاةً لذلك البعد. ويشتمل البحث على فصل تمهيدي وثلاثة أبواب على النحو التالي: الفصل التمهيدي: مفهوم الأثر والعلاقات الاجتماعية والأقضية والشهادات والعقوبات، ويشتمل على أربعة مباحث: المبحث الأول: مفهوم الأثر والعلاقات الاجتماعية. المبحث الثاني: أنواع العلاقات الاجتماعية. المبحث الثالث: تعريف الأقضية والشهادات. المبحث الرابع: تعريف الجنايات والعقوبات. الباب الأول: أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات بين أهل العصبات والنسل، ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: الأقضية والشهادات ويشتمل على خمس مباحث. الفصل الثاني: الجنايات والعقوبات، ويشتمل على إحدى عشر مبحثًا. الفصل الثالث: العقوبات ويشتمل على تسعة مباحث. الباب الثاني: أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات بين الأصهار، ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: الأقضية والشهادات ويشتمل على أربعة مباحث. الفصل الثاني: الجنايات ويشتمل على خمسة مباحث. الفصل الثالث: العقوبات ويشتمل على أربعة مباحث. الباب الثالث: أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات بين الشريك والجار والصديق ويشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: الأقضية والشهادات ويشتمل على ثلاثة مباحث. الفصل الثاني: الجنايات ويشتمل على ثلاثة مباحث. الفصل الثالث: العقوبات وتشتمل على ثلاثة مباحث. ورأى الكاتب في نتائج دراسته أن العلاقات الاجتماعية لها أثر كبير في ضياع حقوق كثير من الناس؛ لهذا كان من الواجب بيان أثر هذه العلاقات على أحكام الأقضية والشهادات والجنايات والعقوبات. والوقوف على الأحكام الفقهية المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية في الموضوعات محل الدراسة. متبعًا في هذا البحث المنهج الاستقرائي التحليلي. ومن نتائج الدراسة أن العلاقات الاجتماعية لا تؤثر بنفسها في محو وصف الجناية على النفس أو ما دونها مطلقًا، لكن قد يكون للعلاقة إذا انضم إليها حق آخر كالتأديب أو التطبيب أو الدفاع الشرعي ميزة في محو وصف الجناية الحاصلة من القريب. وقد تبين من البحث أن لعلاقة الأصول أثرًا واضحًا في تخفيف وصف الجناية على النفس، وذلك فيما إذا قتل الأب أو الجد وإن علا ولده قتلًا عمدًا، كما لو حذفه بسيف فنزف جرحه فمات، فالعلاقات الاجتماعية هنا لها أثر في التخفيف عند الجمهور حيث اعتبره المالكية قتلًا خطأ أو شبه عمد، ولو صدر من غير الأب فهو عمد موجب للقصاص. كما تبين أن للعلاقة أثرًا في تجريم الفعل المباح الصادر من القريب على قريبه كقتل الابن لأبيه المشرك المحارب أو الباغي، أو دفع المتلبس بالمنكر، فإذا دفع الابن أباه المتلبس بالمنكر، فيعد فعله هذا جناية، وإن كان في غير الأب مباحًا. يختلف أثر العلاقات الاجتماعية على عقوبة القصاص الواجبة في الجنايات بحسب درجة العلاقات الاجتماعية، فيثبت لعلاقة الأصول في منع القصاص بين الأصول. كما أن علاقة الفروع للأصول وغيرها من القرابات، فلا أثر لها على القصاص، ولا فرق بينهم وبين الأجانب في ذلك على النفس أو ما دونها، أما العلاقة الزوجية فثبت للزوج أثر في منع الاقتصاص من زوجته على رأي بعض الفقهاء. ٨ - عند جمهور الفقهاء لم يعتبروا للعلاقة الزوجية أثر على القصاص بين الزوجين، ظهر من خلال البحث أن للعلاقة أثر على عقوبة الدية إما بتشديدها أو تخفيفها. كما يختلف أثر العلاقات الاجتماعية على الحرمان من الوصية باختلاف حال الموصي. كما تبين أنه لا أثر للعلاقة على عقوبة الكفارة؛ لأنها عقوبة واجبة لحق الله تعالى؛ لإعدام النفس، فتجب على كل قاتل حتى على القاتل نفسه كما هو رأي الشافعية، أو في القتل الخطأ فقط كما هو رأي جمهور الفقهاء عدا الشافعية وروية لأحمد، فالعلاقات الاجتماعية لا يتبين أثرها إلا على ما هو حق للآدمي أو المغلب فيه حقه. كما تبين من خلال البحث أن للعلاقة أثر على جرائم الزنا بالمحارم سواء كان بعقد أو بدون عقد؛ لأن المحارم لا يجوز وطؤهن بحال، ولو بعقد نكاح، بل العقد عليهن يعد جريمة انضمت إلى الوطء المحرم. وظهر أيضًا أن العلاقات الاجتماعية تؤثر بالتخفيف في جريمة القذف، وذلك فيما إذا قذف الأصول فروعهم تعريضًا أو تصريحًا على رأي جمهور الفقهاء فيعد قذف الأصل فرعه من قبيل الجرائم الموجبة للتعزير. ذهب إلى ذلك الحنفية، والمالكية في الراجح عندهم، والشافعية، والحنابلة. أما في جريمة السرقة لا يعد أخذ الولدين من مال فروعهم في حدود النفقة الواجبة سرقة، وذلك باتفاق الفقهاء جميعهم، ويلحق بهما الجد على رأي بعض الفقهاء؛ لولايته على الصغير. ولا يعد أخذ الولد من مال ولده جريمة سرقة مطلقًا على رأي الحنابلة والإباضية ما دام لم يجحف بولده. ويعد أخذ الفروع من مال أصولهم سرقة في حدود النفقة الواجبة على رأي الحنفية، والشافعية، والحنابلة. ولا يعد أخذ الزوجة من مال زوجها الغائب أو الممتنع عن النفقة بنفقتها أو حقًا من حقوقها بسرقة؛ لأن الأخذ بقصد الاستيفاء لا يحقق جريمة السرقة. وذهب بعض الفقهاء: إلى أن العلاقات الاجتماعية لا أثر لها على القذف والسرقة، والحرابة. ومن خلال التأمل والنظر في التعزيزت وأثر العلاقات الاجتماعية عليها تبين للكاتب الآتي: • ليس للعلاقة أثر على جرائم التعزير التي يكون الاعتداء فيها على حق من حقوق الله تعالى. • أن للعلاقات الاجتماعية أثر جلي على الأقضية والشهادات منعًا وجوازًا. • لا يجوز قضاء القاضي ولا شهادته لمصلحة أصوله وفروعه وكذلك للزوجية. • يجوز قضاء القاضي وشهادته لجاره وصديقه له أو عليه لانتفاء التهمة والمصلحة. • لا يجوز شهادة الأصول للفروع ولا شهادة الفروع للأصول للتهمة؛ إلا ما كان لإثبات حق، وكذلك يعود لعلاقة الزوجية.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (اليهودية - العهود)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
22-12-2021
4,650
https://www.alukah.net//culture/0/151519/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%87%d9%88%d8%af/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (اليهودية - العهود ) في العدد (13610) من السنة الخامسة والأربعين لجريدة عكاظ السعودية الصادر يوم الاثنين 7 شوال 1424هـ الموافق 1 ديسمبر 2003م،وفي الصفحة السابعة (زاوية ثقافة)، نشرت الجريدة مقالًا مطولًا (شغل الصفحة كلها) عن المفكر العربي الفلسطيني إدوارد سعيد الذي: "نافح عن قضايا الأمة بلغة يفهمها الغرب"، كما تقول الصحيفة،والمقال لم يكن لكاتب واحد، إلا أن المحرر الأستاذ جمال المجايدة استعرض أقوال مجموعة من المفكرين العرب، أمثال الأستاذ شفيق الحوت والدكتور محسن الموسوي والدكتور يوسف الحسن والأستاذ فواز الطرابلسي والأستاذة عائشة إبراهيم سلطان وغيرهم، وذلك بمناسبة الاحتفاء بالمفكر العربي الراحل إدوارد سعيد. ولقد كانت لي سياحة فكرية مع المفكر الراحل إدوارد سعيد في هذه الوقفات تحت محدد: الاستشراق، عرضت فيها سيرته الذاتية التي كتبها بأسلوبه المعتاد بعنوان خارج المكان،وقد ترجمت سيرتُه شعورَه بأنه لم يكن يقيم في أمريكا إلا بصفته لاجئًا يقيم خارج موطنه الذي عاد إليه، لا بصفته منتصرًا، ولكن أيضًا بصفته لاجئًا في بلده الأصلي. ولا إطالة في هذا، فقد كُتب عن الرجل من الكتابات الصحفية والفكرية ما يستحقه من الإشادة، وسيُكتب عنه كذلك كتابات فكرية وعلمية ناقدة؛لأن الرجل قد أكد أننا أقوياء إذا وثقنا بأنفسنا، كما يقول فواز الطرابلسي [1] . وربما يُترك الخوض في هذا الموضوع إلى الصفحة نفسها التي نشر فيها الاستطلاع والتحقيق الصحفي؛ إذ برز في أسفل الصفحة من جريدة عكاظ صورتان، صورة لقبة الصخرة في القدس الشريف، ويعبر بها عادة عن المسجد الأقصى، وليست هي المسجد الأقصى. والصورة الثانية التي تسترعي التوقف طويلا جدًّا والتأمل والاعتبار، والتي لا يقل وقعها عن وقع الصورة الحية لمقتل الصبي محمد الدرة - غفر الله له - من حيث شناعة المنظر، والإساءة إلى حق من حقوق الإنسان، وهو الحياة أو النفس التي نعدها إحدى الضرورات الخمس: الصورة كما وردت في الجريدة تمثل امرأة مسلمة فلسطينية عليها الحجاب الأبيض بين مجموعة من اليهود الجنود، وامرأة أخرى خلفها لا يبدو أنها مسلمة، بل ربما كانت يهودية، تسحب حجاب المرأة الفلسطينية من الخلف، بينما يقوم طفلٌ (صبي) يهودي يلبَس غطاء الرأس المميز لليهود بركل المرأة المسلمة من خلفها، وجنود يهودَ واقفون يتفرجون، وأقرب اعتذار لهم لمن أراد أن يعتذر لهم أن حالهم يقول: "لم أُرِدْها ولم تَسُؤْني"؛ ذلك أنهم مطالبون أمام آلات التصوير بالحفاظ على الأمن من وجهة نظرهم، ولكنهم على ما يبدو يحافظون عليه فعلًا من وجهة نظرهم التي تسمح لهم بالإساءة إلى كرامة الإنسان أي إنسان. تلك المحافظة التي سمحت لهم أن يبول أحدهم على رأس أسير فلسطيني في أحد السجون اليهودية أمام آلة التصوير المتحرك، من دون أن يكون لهذا الفعل رد فعل على أي صعيد من الصُّعُد، ولو على صعيد منظمات حقوق الإنسان، وحقوق أسرى الحرب، على اعتبار أن الفلسطينيين يعدون في حال حرب مع اليهود منذ أن اغتصب اليهود أرضهم. والصورة ليست جديدة في حق المرأة المسلمة؛ فقد اعتدى عليها يهود بني قينقاع في سوقهم، مما أدى إلى نشوب حربٍ انتصارًا للمرأة المسلمة، وربما كانت سببًا من أسباب إجلاء اليهود عن المدينة المنورة [2] ،وأهينت امرأة في العصر العباسي (القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي) أيام الخليفة المعتصم، فاستنجدت به: "وامعتصماه"، فما كان منه إلا أن نجدها في معركة عَمُّورية التي قال فيها أبو تمام قصيدته المشهورة التي مطلعها: السيفُ أصدقُ إنباءً مِن الكُتُبِ في حدِّه الحدُّ بين الجِدِّ واللعِبِ وبالتالي فإنه أصبح لزامًا على جميع المسلمين الانتصار بأي لغة مناسبة غير لغة العنف والإرهاب، لأي شخص، ذكرًا كان أم أنثى، يتعرض للإهانة في كرامته من قبل أعداء الأمة. ولعل في تصور الصورة مع هذه الوقفة ما يكفي عن المزيد من التعليق الذي قد يساء فهمه، في وقت نحن في أمس الحاجة فيه إلى عدم ترك أي مجال لسوء الفهم، الذي قد يوظف ضد القضية التي نحن بصددها، وهي الانتصار لكل من يتعرض للإساءة، بسبب هويته الدينية أو الثقافية. ولا يظهر أن هذه الصورة المعبرة لا تستحق قدرًا من العناية والاهتمام لدى المَعْنيين المخوَّلين القادرين على العمل على تلافي الصورة أو الصور المتكررة بحسب معطيات الزمان والظروف. [1] عقد الباحث ملحقًا عن إدوارد سعيد - ص 121 - 129 - في كتاب بعنوان: الالتفاف على الاستشراق: محاولة التنصل من المصطلح - الرياض: مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، 1426هـ/ 2005م - ص 182. [2] انظر: محمد بن فارس الجميل ، الهجرة إلى الحبشة: دراسة مقارنة للروايات ، ط 2 .- الرياض: دار الفيصل الثقافية، 1425هـ/ 2004م - ص 70 - 80.
أبو علي السكوني وآراؤه الكلامية لعبداللطيف تلوان
محمود ثروت أبو الفضل
21-12-2021
3,946
https://www.alukah.net//culture/0/151491/%d8%a3%d8%a8%d9%88-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%83%d9%88%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%a2%d8%b1%d8%a7%d8%a4%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%b7%d9%8a%d9%81-%d8%aa%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%86/
"أبو علي السكوني وآراؤه الكلامية" لعبداللطيف تلوان صدر حديثًا في طبعة جديدة كتاب "أبو علي السكوني وآراؤه الكلامية"، تأليف: د. "عبداللطيف تلوان"، نشر: "دار المقتبس للنشر والتوزيع". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الكاتب لنيل درجة الدكتوراه من جامعة سيدي محمد بن عبدالله، بالمغرب، وذلك عام 1434 هـ - 2013 م. وهذا الكتاب عبارة عن دراسة لسيرة الإمام أبو علي عمر بن خليل السكوني (ت 717هـ)، وهو من أئمة الأشعرية، حيث راح ينافح عن عقيدة الإسلام على طريقة أبي الحسن الأشعري في بلاد المغرب، وكان أهلًا لهذا المقام؛ لمِا أوتي من قوة وحسن إبلاغ، وبراعة الجدل والمناظرة وعلم الحجاج. ونجد أن بلاد المغرب لها تميز عن غيرها، فهي وإن قبلت المذهب الأشعري وانتشر فيها على يد الهروي والباقلاني وتلامذتهما، إلا أنها رفضت تلك الانحرافات التي أتى بها الغزالي والرازي وغيرهما، و"أبو علي السكوني" في كتبه يمثل هذا الاتجاه بوضوح، فهو أشعري الاعتقاد، منافح ضد مناوئيه، لكنه اعتمد في ذكره للمناظرات ونقل الأقوال على ما أثر عن الأشعري، وأبي إسحاق الإسفراييني، والباقلاني، والجويني، والشهرستاني، وابن فورك، وهؤلاء تكرر ذكرهم كثيرًا، أما الغزالي فلم يرد له ذكر في المناظرات، وفي كتابه "لحن العوام" حذر من مواضع من كتابه "الإحياء"، وكتابه الآخر "النفخ والتسوية"، وأما الرازي فقد انتقده في "المناظرات" في مواضع، ولم ينقل عنه إلا مناظرة أحد النصارى، أما في "لحن العوام" فقد انتقد تسمية كتابه بـ"مفاتيح الغيب" دون أن يذكر اسمه. ومما يلاحظ أنه رد طويلًا على المنجمين، والصوفية، والفلاسفة، وغيرهم. ومن هنا جاء البحث في شخصيته وآرائه الكلامية، واختياراته العقدية، قاصدًا إحياء تراثٍ فكرِيٍّ لعَلَم من أعلام الغرب الإسلامي. ولا نستغرب هذا التفوق الكبير لهذا العلَم، إذا علمنا أنه فرع من أصل طيب وشجرة مباركة، اتصفت بالعلم والتقى، وهي عائلة "السَّكونيين" التي سطع شمسها في الغرب الإسلامي؛ في كل من الأندلس وتونس والمغرب الأقصى. والمقصود بهذا الموضوع: التعريف بأبي علي السكوني؛ وذلك بوصف عصره سياسيًا وثقافيًا، وذكر سيرته متعلمًا وعالمًا، مالكيًا وأشعريًا، فهذا هو الشق الأول من البحث، وله أهميته في التشويق والإفهام؛ فأما التشويق فيتجلى في تحبيب القارئ في صاحب الدراسة وتشويقه لمعرفة آراءه وأفكاره، وأما الإفهام فيتمثل في كون معرفة الشخصية والاطلاع على سيرتها الذاتية، يمكِّنان من فهم ما أشكل من الأفكار، وما أُبهم من المعطيات حول أي قضية أُثيرت في عصره. وأما الشق الثاني من الموضوع، فقد قصدَ به الباحث عرض آراء السكوني الكلامية عرضًا لا يخلو من الإضافات، ومن التعليقات، وما يترتب عنها من المقارنات، وما ينشأ عن ذلك من الخلاصات والاستنتاجات. وأبو علي السكوني ( ت 717هـ) مقرئ، من فقهاء المالكية. شبيلي نزل بتونس. ترك عدة مؤلفات أهمها: "التمييز لما أودعه الزمخشري من الاعتزال في تفسيره للكتاب العزيز" صدره بمقدمة في التوحيد، و"عيون المناظرات"، و"لحن العوام فيما يتعلق بعلم الكلام"، و"كتاب الأربعين مسألة في أصول الدين على مذهب أهل السنة"، و"شرح على منظومة الأقصري في التوحيد"، و"المنهج المشرق في الاعتراض على كثير من أهل المنطق". والمؤلف د. "عبداللطيف تلوان" أستاذ محاضر ب الكلية متعددة التخصصات بالناظور، جامعة محمد الأول، وجدة، المغرب. له من الدراسات والبحوث: • مفهوم الاجتهاد ومزالقه في العصر الحديث. • موقف ابن رشد الجد من علم الكلام عامة. • المدرس النموذج في الفكر التربوي لدى علماء الغرب الإسلامي: ابن أبي زيد القيرواني أنموذجًا. • "قيم الإعلام وأهمية الدراسات التأثيرية"، تقديم وتنسيق: د. عبداللطيف تلوان.
الولد العاق
د. محمد منير الجنباز
20-12-2021
5,024
https://www.alukah.net//culture/0/151460/%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%84%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%82/
الولد العاقُّ لا يشك إنسان في رحمة الأبوين بابنهما، وفي تقديم تربيةٍ راقية له من وجهة نظرهما، وما تربَّيا عليه، فهنا قصة أبوين مؤمنين أحبَّا بشغف ابنهما، وقدَّمَا له كلَّ ما يملكان من حب وحنان، وتربية قويمة، أساسها الإيمان بالله، فلقناه صفاتِ الله تعالى، وحبَّبا إليه الشريعة المنزلة من الله، فكان قرة أعينهما، ورأيَا فيه الولد المثالي فيما قدَّما إليه من تربية وحنان، وربما بالغَا في التربية والتدليل، فكان شغلهما الشاغل، لا يستطيعان الأكل إلا بوجوده معهما، ومن شدة المحبة لم يتركاه يخرج من البيت إلا معهما أو بصحبتهما، فكان غطاؤه عند النوم الأهداب والجفون، وحراسته في الليل سهر العيون، إن مرض لم يناما سهرًا عليه وخوفًا وقلقًا، وكان ألمهما يفوق ألمه، وهم ينتظرانه أن يكبر ويكبر، ليكون الأمل لهما بعد الله في رعايتهما في الكبر. وبتربيته على الإيمان يتقربان إلى الله لمزيد من الثواب في الآخرة، ولكن بعد أن شب عن الطوق وبدأ يخرج من البيت إلى عالم الناس والاختلاط وإلى صراع الأفكار، وإلى التفكير في كل أمر صغيرًا كان أو كبيرًا، وإلى محاكمة كل شيء إلى العقل، وأي عقل؟ عقل سمَّمه المغرِضون، فلم يعُدْ له مصداقيةٌ في الحكم على الأشياء أو الأفكار، وأضحى منحازًا في الحكم، فشذ عن التربية الحقة؛ لذلك بدأت تربية الأبوين تهتز في فكره، ويقل تأثيرها على سلوكه، وتضعف قوتها في نفسه. وفي أحد الأيام خرج عن الطوع، وتمرد على التربية النموذجية الإيمانية، وفاجأ أبويه بكلمات لم تخطر على بالهما في يوم من الأيام، أو تصدر من ولدهما الغالي المدلل، ﴿ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا ﴾ [الأحقاف: 17] كلمة ثقيلة، فيها التضجر منهما ومن تربيتهما له وعطفهما عليه، وقد خالف بانقلابه على أبويه كل أدب ولياقة وتوصية ربانية بالأبوين: ﴿ فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا ﴾ [الإسراء: 23]، ولما استفسرا منه عن سبب هذا التأفف والثورة النفسية، قال: ﴿ أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي ﴾ [الأحقاف: 17]، كانا قد لقَّناه الإيمان والبعث والنشور بعد الموت، فجاء من زعزع هذا الاعتقاد في قلبه، فانقلب على أبويه، وعدَّ ذلك خداعًا منهما له، وفكرًا مضللًا، فكان غضبه على أبويه، وثورته العارمة في أعماق نفسه، فيقول: هل رأيتم من يخرج من القبور بعد الموت؟ فهذه قبور من بادوا قبلي على حالها، وأنا إن مت فسأبقى مثلهم وأتحول إلى عظام بالية وتراب. لقد ضعُف إيمانه الغيبي، وعطل تفكيره في رؤية ما يحدث في الكون أمامه ليرشده إلى قدرة الله في الإماتة والإحياء والبعث والنشور، خَلْق الإنسان من نطفة، وتكوينه في الرحم، ثم نفخ الروح فيه، الحياة في الأرض المجدبة حين ينزل عليها المطر فتنبت وتخضرُّ وتثمر، فأبواه كانا على حق في تلقينه الإيمان وهما يعلمان الحقيقة؛ لذلك كانا يخافان عليه عاقبة أمره، ﴿ وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ ﴾ [الأحقاف: 17] منظر معبِّر، ولد ثائر على العقيدة والقيَم، وأبوان يعرفان أنهما على حق، فيدعوان الله أن يهديه، ويعيد إليه الثقة بالله، ثم بهما، ويدعوان الله ألا يوغل في هذا النكران، فيخرج بذلك عن الملة، وتكون هنا الخسارة الجسيمة وفقدانه للأبد، حيث يختلف الطريقُ، فهما مؤمنان، وطريقهما إلى الجنة، وهو إن أصرَّ على كُفره فطريقه إلى النار، فهل يلتقيان؟ ولعله لم يستمع لهما؛ فهو متمرد، يعُدُّ والديه متخلِّفين، وهو مع الشباب الناهض المتقدم، ولكن حنان الأبوين وإشفاقهما عليه كيلا يضيع: يطلبانِ منه بصوت واحد مرتفع ليُفيق من حُلمه القاتل: ﴿ وَيْلَكَ آمِنْ ﴾ [الأحقاف: 17]: استغفر اللهَ، اللهُ تواب رحيم، لا تنطق بكلمات الكفر، تُبْ إلى الله وأنت قوي صحيح، فلا تثريب عليك، يغفر الله لك، ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [الأحقاف: 17] في يوم الحساب، ومجازاة المحسن إحسانًا بالجنة، والمسيء إساءة بالنار، ولكن المسكين المنقلب على والديه الثائر على القيم والمعتقد السليم يقول بعد أن تلوث فكرُه وعشش النكران في لبِّه: ﴿ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الأحقاف: 17]، يقول لأبويه: هذه أكاذيب لا أعتقدها، وهي من اختراع الأولين الذين يخدعون الناس، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ﴾ [الأحقاف: 18]. وهكذا قضى هذا المتمردُ عاقًّا جَحُودًا، لم تنفع فيه التربية.
حدة ابن حزم وأسبابها
محمد علي عباد حميسان
20-12-2021
9,173
https://www.alukah.net//culture/0/151455/%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d8%b2%d9%85-%d9%88%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8%d9%87%d8%a7/
حِدَّة ابن حزمٍ وأسبابُها لعل هذه الحدة من أكثر ما عُرف عن ابن حزم رحمه الله تعالى، فلم يكن يكتفي بالتصريح بما يراه حقًا، بل ربما جاوز ذلك بتشنيعه على المخالف بعبارات قوية فيها بعضُ العنف، وهذا ما جعل النفوس تنفر عنه، وتنصرف عما لديه من علم كبير. قال الإمام الذهبي واصفًا شدة ابن حزم وتقريعه على مخالفيه: (وصنَّف في ذلك – يعني نفي القياس - كتبًا كثيرة، وناظر عليه، ‌وبسط ‌لسانه وقلمه، ولم يتأدب مع الأئمة في الخطاب، بل فجَّج العبارة، وسبَّ وجدَّع، فكان جزاؤه من جنس فعله، بحيث إنه أعرض عن تصانيفه جماعة من الأئمة، وهجروها، ونفروا منها، وأُحرقت في وقت، واعتنى بها آخرون من العلماء، وفتشوها انتقادًا واستفادة، وأخذًا ومؤاخذة، ورأوا فيها الدر الثمين ممزوجًا في الرصف بالخرز المهين، فتارة يطربون، ومرة يعجبون، ومن تفرده يهزؤون. وفي الجملة فالكمال عزيز، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم. وكان ينهض بعلوم جمة، ويجيد النقل، ويحسن النظم والنثر. وفيه دين وخير، ومقاصده جميلة، ومصنفاته مفيدة، وقد زهد في الرئاسة، ولزم منزله مكبا على العلم، فلا نغلو فيه، ولا نجفو عنه، وقد أثنى عليه قبلنا الكبار) [1] . بل بلغت شدته عند مخاليفه أن شُبِّهَت بسيف الحجاج، فقد قال أبو العباس ابن العَرِيف: كان لِسَانُ ‌ابن ‌حزم ‌وسيفُ الحَجَّاج شقيقين [2] . ومن أجل هذه الحدة والقسوة أيضًا قارن الحافظ السخاوي –رحمه الله تعالى- في "الإعلان بالتوبيخ لمن ذَمَّ التاريخ" بين ابن حزم وابن تيمية، فقال: ( وكذا ممن حصل من بعض الناس منهم ‌نفرة ‌وتحام عن الانتفاع بعلمهم، مع جلالتهم علمًا وورعًا وزهدًا؛ لإطلاق لسانهم وعدم مداراتهم، بحيث يتكلمون ويجرحون بما فيه مبالغة كـ: ابن حزم وابن تيمية وهما ممن امتحن وأوذي، وكل أحد من الأمة يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم) [3] . وقد أرجع المهتمون بشخصية ابن حزم أسباب هذه الحدَّة، والشدة في الخطاب عند الرد على المخالف إلى عدة أسباب، منها: 1– ما ذكر هو عن نفسه أنه أصيب بمرض في الطحال فولّد عليه ذلك من ‌الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر والنَزَق، حتى أنّه نفسه أنكر تبدّل خُلقه، فقد قال عن ذلك: (وَلَقَد أصابتني عِلّة شَدِيدَة ولَّدت عَليّ ربوا فِي الطحال شَدِيدًا فولد ذَلِك عَليّ من ‌الضجر وضيق الخُلق وقلة الصَّبْر والنزق أمرًا حاسبت نَفسِي فِيهِ إِذْ أنْكرت تبدل خلقي وَاشْتَدَّ عَجبي من مفارقتي لطبعي وَصَحَّ عِنْدِي أَن الطحال مَوضِع الْفَرح إِذا فسد تولد ضِدّه) [4] . 2– ما أحسه من إرادة السوء به وإنزال الأذى، وأي أذى أشد وأعظم أثرًا في نفس العالم من أن يرى جهوده وثمرات فكره تحترق بين يديه ويشهد العالم احتراقَها، إن ذلك يخرج الحليم عن حلمه، فكان – بلا شك- كيدُ خصومه له من أسباب حدته بل إنه أعظم أسبابها [5] ، فألوان الظلم التي لحقت به هي التي أنضبت معين اللين والرقة في نفسه [6] . وإن كنا نريد من ذلك العالم العبقري والحكيم الخلقي أن يعلو عن الحدة حتى في هذه الأحوال [7] . 3– إن إخلاص ابن حزم قد كان سببًا في الصفة التي اشتهر بها، وهي الصراحة في الحق. ينطق بقول الحق، لا يهمه رضي الناس أم سخطوا، ويستوي عنده الإيذاء والثناء ما دام الحق يدفعه إلى أن يقول ما قال [8] . قال أبو مروان بن حيان: (وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه، على استرسال في طباعه ومذل بأسراره واستناد إلى العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده {لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه}، لم يكُ يُلطّف صدعَه بما عنده بتعريض، ولا يزفّه بتدريج، بل يصكّ به معارضه صكّ ‌الجندل) [9] . فحدة ابن حزم إنما هي نوع من الصراحة والوضوح والشجاعة والجرأة وعدم المداراة والصدق الكامل، والتدين الذي لا يخشى معه صاحبه إلا رضا الله سبحانه وتعالى، ويبدو أن هذه الأخلاق كلها قد ضاعت أيام ابن حزم، فأصبح بها ابن حزم غريبًا بين أهله جاهلًا بسياسة العلم [10] . والحق أن ما ورد في رسالته الرائعة "مداواة النفوس" يعتبر مرآة تشف عن ابن حزم، وقد لا تكون أخلاقه صورة كاملة لكل ما ورد فيها إلا أنها تجلي لنا أعماق إنسان لم يفهمه عصره... عصر الفتنة والطوائف!! [11] . 4– ابن حزم مواطن أندلسي، والإنسان ابن بيئته بالطبع كما يقول ابن خلدون، فالأندلسيون كالمغاربة اعترفوا من قديم: بأن في طِباعهم حِدَّة، وفي خَلْقهم شَكاسَة، فإذا أرادوا أن يصفوا لطيفًا من بينهم، وادع النفس سَمْحها، قالوا: هو على رِقَّةِ أهل المشرِق [12] . على أن علم النفس يقول: إن مع الحِدّة والشكاسة سلامة الطَّوِيَّة، وطيبة النفس. نعم! حِدَّة ابن حزم سليمة الطوية، طيّبة العاقِبَة، وهي منه صلابة في الدِّين، وغيرة على الحق، سرعان ما يرجع بعدها ويفيء إلى المُوادَعَة والمُؤانَسَة. فأبو حنيفة، ومالك، والشافعي، هم عنده كما هم عند الناس أئمة هدى وخير، ومُجْتَهِدون مأجورون على أيِّ حال، ناصِحون للإسلام والمسلمين، يدعو لهم برحمة من الله ورضوان [13] . يقول ابن حزم في الإحكام: ‌إن ‌أبا ‌حنيفة ‌ومالكًا -رحمهما الله- اجتهدا وكانا مما أُمِرَا بالاجتهاد... وجريا على طريق مَن سَلَف في ترك التقليد فأُجِرا فيما أصابا فيه أجرين وأُجِرَا فيما أخطآ فيه أجرًا واحدًا وسلما من الوزر في ذلك [14] . ويقول عن الإمام مالك –رحمه الله-: كان عندنا أحد ‌الأئمة ‌الناصحين لهذه الملة، ولكنه أصاب وأخطأ، واجتهد فوفِّق وحُرِم، كسائر العلماء ولا فرق [15] . 5– وهناك وصف آخر في ابن حزم ربما كان من أسباب حدته وهو بلا ريب سبب من أسباب ذوقه الفني في النثر والشعر، فالله تعالى قد أعطاه فوق ذلك صدق حس، وبعد غور في إدراك حقائق النفوس، وأعطاه مع ذلك قوة معها عقل مدرك، وخلق كامل أنتجت صدق نظر، ومدارك تشبه الإلهام، ومشاركة وجدانية بينه وبين الناس تجعله يدرك كنه نفوسهم، ويكون بذلك صادق الفراسة يدرك أغوار النفوس بلقانة سريعة، وإحساس قوي عميق [16] . وكتابه "طوق الحمامة" خير دليل على إحساسه القوي، وفكره المستقري. [1] سير أعلام النبلاء: 18/186-187. [2] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: 3/328؛ ومرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان: 3/62. وتذكرة الحفاظ: 3/231، وسير أعلام النبلاء: 18/199، وتاريخ الإسلام: 10/74. [3] الإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التوريخ: 211. [4] الأخلاق والسير في مداواة النفوس: 71. [5] ابن حزم، لأبي زهرة ص 63. [6] تاريخ الفكر الأندلسي: ص 216. [7] ابن حزم، لأبي زهرة ص 63. [8] ابن حزم، لأبي زهرة ص 62. [9] معجم الأدباء: 4/1655. [10] ابن حزم الأندلسي وجهوده في البحث التاريخي والحضاري: ص 73. [11] المرجع السابق: ص 73-74. [12] معجم فقه ابن حزم: ص 31. [13] المرجع السابق، نفس الصفحة. [14] الإحكام في أصول الأحكام: 2/120. [15] المرجع السابق: 2/122. [16] ابن حزم، لأبي زهرة: ص 64.
المؤسسة العالمية لجمع وتحقيق التراث الإسلامي
محمود بن أحمد أبو مسلّم
18-12-2021
2,340
https://www.alukah.net//culture/0/151415/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b3%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%ac%d9%85%d8%b9-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a/
المؤسسة العالمية لجمع وتحقيق التراث الإسلامي الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد: فنعم، هكذا اخترت عنوان هذا المقال، ليكون أمام القراء الكرام حلمًا يحلم به كل مسلم، وطالب علم، وداعية إلى الله عز وجل، قابلًا للتحقق. وإني لا أتبجح أن أكون أول من يطرح ذلك، فبالتأكيد هناك من أهل الفضل من طرأت له الفكرة، أو قد نوقشت هنا أو هناك، لكني أظن أنها لم تنتشر بعد. وفي هذا المقال رأيت أن تكون صورته أن نجيب على بعض الأسئلة؛ لتوضيح الرؤية وراء هذا الحلم. السؤال الأول: ولماذا إنشاء مؤسسة عالمية لجمع وتحقيق التراث الإسلامي؟ الجواب : هذه صبغة هذا الزمان، أن يعيش العالم حياة المؤسسات، بل ما من آلية يستخدمها البشر الآن إلا وهي تابعة لإحدى المؤسسات، حتى الدول بعظمتها وقدرها، أصبح الناجح منها يعرف بدولة المؤسسات الناجحة. فالمؤسسة أكثر تنظيمًا وإحكامًا لِما تقدمه من خدمة أو سلعة، لها هيكل إداري واضح، ووظائف متخصصة، ووصف لكل وظيفة، فهي كقطع البازل التي يلعب بها الأطفال، يضعون القطعة جوار القطعة لتكون في النهاية صورة جميلة متكاملة. فتصير هذه الخدمة أو السلعة المقدمة ذات جودة عالية، أو من المفترض أن تكون كذلك. فما الضير - إذًا - لو وضعنا تحقيق التراث الإسلامي داخل مؤسسة عالمية تخدم هذا المجال فقط؟ لا شك أننا سنحصل على مخرجات ذات جودة عالية ومنضبطة إلى حد بعيد. السؤال الثاني: ولماذا عالمية؟ وذلك لسببين: الأول: أن مخطوطات التراث الإسلامي منتشرة في مكتبات العالم الآن ودور حفظ الوثائق، بل ومع بعض الأفراد أيضًا، سواء في العالم الإسلامي، أو في أوروبا وأمريكا، وهذا معروف لا يخفى، فالمخطوطات الإسلامية في مكتبة مدينة لايبزج الألمانية، وفي مكتبة الكونجرس بالولايات المتحدة الأمريكية، وتركيا تمتلك كثيرًا من كنوز المخطوطات الإسلامية التي لم يتم تحقيقها إلى الآن! ولا يخفى قيام العديد من أهل العلم بفهرسة مخطوطات بعض هذه المكتبات، أعني: لما استطاعوا أن يصلوا إليه في حين تأليفها، ليس كل المكتبات قطعًا، وليس كل المخطوطات! وهو وإن كان جهدًا محمودًا، إلا أنه ليس بكافٍ قطعًا. الأمر الثاني: أن المسلمين من الباحثين الأكفاء منتشرون الآن في أرجاء العالم ولله الحمد، ونريد أن نستفيد بجهد هؤلاء، وبكل جهد ممكن للارتقاء بمستوى المؤسسة وخدماتها المقدمة. فلذلك؛ هذه المؤسسة عالمية تهتم بجمع المخطوطات، وتصويرها، وحفظها، وتستفيد من كل جهد مبذول لخدمة هذا الدين في هذا الميدان، وذلك من جميع أركان العالم. السؤال الثالث: ولماذا تحقيق التراث؟ لماذا لا يُكتفى بحفظه وجمعه؟ وهذا أهم الأسئلة في الحقيقة، وهو لب هذا المقال، والجواب: أولًا: أن كل جهد، إلى الآن، يتم في تحقيق التراث هو جهد فردي، حتى وإن تم داخل إحدى الجامعات، يظل فرديًّا، تقع مسؤوليته العظمى على الباحث أو المحقق. ولست أعيب ذلك، في ذاته، فلولاه ما قرأنا كثيرًا من الكتب الآن، ولكن هذا زمان التكنولوجيا والعلم والجماعية، فقلما تجد الآن بحثًا علميًّا أو اكتشافًا، إلا ويكون هناك فريق عمل كامل ضخم خلف هذا البحث أو الاكتشاف، وجماعية الأداء في البحث والتحقيق والمراجعة أمر في غاية الاحترافية والدقة بالنسبة لمخرجاته. ثانيًا: التراث الإسلامي عريض وضخم، وما زال يحتاج إلى مزيد من التنقيح والتحقيق والشرح والتعليق، وما زال الناس يحتاجون إلى معرفة تراثهم على وجه دقيق ومتكامل، ليس الأمر يتعلق بتحقيق وضبط الأحاديث النبوية الشريفة فحسب، بل هناك الآثار عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان من أهل العلم، وهناك مدونات التاريخ الإسلامي، وكتب الشعر، والنوادر، وغير ذلك. فليس من المعقول أن ننتظر أعوامًا مديدة؛ كي يخرج لنا أحد الباحثين بعد عناء شديد تحقيقًا جديدًا (واحدًا) فيه الكثير من السقط والأخطاء البشرية، التي سيقع فيها حتى أكبر الباحثين وأغزرهم علمًا، فلما كان هذا الجهد مؤسسيًّا وجماعيًّا وتقنيًّا أيضًا، ستقل الأخطاء جدًّا لا ريب، وسيكون العمل أكثر مصداقية ودقة. ثالثًا: وهذا هام، نحن نحتاج إلى خطوط عريضة وقواعد لمسألة التحقيق الخاصة بعلم الحديث والمصطلح، وكذلك الآثار عامة؛ أعني: قواعد يتفق عليها أهل العلم والخبرة، تمامًا كقواعد تشخيص الأمراض طبيًّا، تنهي حالة الفوضى - لو سمح لي بالتعبير - التي نعيشها في مسألة تصحيح وتضعيف الأحاديث والآثار، بلا ضابط صحيح متفق عليه إلى الآن من قرون عديدة! على سبيل المثال قاعدة واضحة لمصطلح "الحديث الحسن"، أو حتى "الحديث الصحيح"، وهل يشترط تطبيق هذه القواعد على باقي الآثار عن الصحابة أو في التاريخ والشعر وكتب الأدب مثلًا، أعني: من ناحية التدقيق في اتصال الإسناد والشذوذ والعلة، وهل المراسيل معمول بها قولًا واحدًا؟ وهل شروط الإمام الشافعي في رسالته للعمل بالحديث المرسل معتمدة ومقبولة مطلقًا، أو لا؟ رابعًا: إلى الآن لم نستخدم تقنية التحليل الإحصائي في الحكم على قوة الروايات والراوي، سيكون هذا عملًا ضخمًا يحتاج إلى وقت وجهد لإدخال البيانات، وتجهيز البرامج المناسبة لتحليل هذه المواد، لكن نتائجه، أنا على يقين ستكون مذهلة إلى حد بعيد. وأنا لا أقول قطعًا أن الإحصاء ستحل محل البشر في الحكم على الراوي أو الرواية، ليس هذا هو المطلوب، وإنما ستقرب كثيرًا إلى الأذهان الاحتمالية الكبرى لأفضل الأقوال في الراوي، مثلًا، وذلك بمقارنة روايته مع الروايات الأخرى، لرواة آخرين من طبقته مثلًا، وهذا أمر كان يفعله الحفاظ قديمًا، ولما ضاع الحفظ، وأصبح البحث شاقًّا، كان لا بد أن نلجأ لهذه التقنية، لنخرج بعد ذلك بحكم سليم على الراوي المختلف في الحكم على روايته مثلًا، تأمل رواية محمد بن إسحاق المطلبي، الذي اختلفت الأقوال فيه ما بين كذاب، وما بين ثقة مطلقًا، على سبيل المثال، ما هو الحكم والتفصيل الأمثل لها، وما هي نتيجة ذلك. بل حتى في قضية التفصيل في رواية الراوي، سيسهل البرنامج هذا الأمر لمعرفة درجات رواية الراوي وتفاصيلها، مثل: من حدث عنه، وأين حدث بهذا، ومتى وكيف ... إلخ. كذلك، تخيل معي كم الفجوات التاريخية في السيرة والتاريخ الإسلامي التي سيملؤها هذا الأمر، لا أقول بالروايات الصحيحة، ولكن على الأقل بأقربها للصحة، وأكثرها دقة وملائمة للأحداث، الأمر الذي سيجعل تحليل وشرح الأحاديث، وروايات التاريخ والأدب أكثر موضوعية ودقة. وهذه الخطوة، أعني: خطوة وضع برامج التحاليل الإحصائية، سيسبقها العديد من الخطوات الجادة والتنظيمية، لكننا في هذا المقال نشير إشارات فقط. خامسًا: لا يجب أن تكون كتب التراث وتحقيقها مجالًا للتجارة في المقام الأول، تأمل كم الطبعات التي نشرت لكتب تراثية وقعت تحت طائلة التحقيق والطبع الرديء، والأخطاء الخطيرة، بل إن الطبعات المعتمدة أيضًا، لا تخلو من خطأ، فكم منها قد صحح! وكم منها قد أخذ عليه الملاحظات! منها ما نشر، ومنها ما لم ينشر بعد، ومنها ما هو على صفحات نسخة أحدهم في مكتبته، ولا يعرف أحد عنها شيئًا! فيكون من دور هذه المؤسسة إخراج الطبعات الصحيحة المعتمدة؛ لأن لديها الإمكانية، والمادة، والخبرة، والتقنية، والتنظيم، وهذه عوامل النجاح لأي مؤسسة. ولا يظنَّنَّ أحد أن هذا سيغلق باب الاجتهاد، ولكن إن شئت، فقل سينظمه، ومن أراد الاجتهاد من خلال هذه المؤسسة، سيكون ذلك بمثابة إضافة المسك إلى العنبر. السؤال الرابع: ما هو هدف هذه المؤسسة ورسالتها ورؤيتها؟ أما الهدف، فلا شك أنه "جمع المخطوطات التراثية وتصويرها رقميًّا وورقيًّا أيضًا، في مكان واحد من جميع بقاع الأرض، ثم العمل على تحقيقها ومراجعتها ونشرها بالشكل الذي يليق بها". وأما الرسالة، فكتب التراث تحتاج إلى تحقيق وتعليق، وتحليل أيضًا، كتب التاريخ - مثلًا - مليئة بالأحداث والآراء، والصدق والكذب، ومنها ما هو مليء بالأسانيد، وكل ذلك في الحقيقة يحتاج إلى مراجعة وتحقيق وتحليل، وقراءة جيدة وجديدة. والقارئ العادي أو حتى المتمرس، ربما لا يحسن ذلك، بل لن يحسن ذلك إلا متخصص! فرسالة المؤسسة إذًا هي "تعريف جموع المسلمين بتراث أمة الإسلام العظيم"؛ لأن الأمم العظيمة هي التي تحافظ على تراثها وتدافع عنه، وترتكز عليه من أجل صناعة أجيال عظيمة للمستقبل. وأما رؤية المؤسسة، فهي تنطوي على عدة أمور هامة: أولها : عدم السماح بتشويه تراث المسلمين والتاريخ الإسلامي، تحت أي مسمى؛ لأن من أراد إسقاط أي أمة بدأ بتاريخها، فشوهه ونهشه وطعن فيه، وغني عن البيان الكثير من الهجمات التي يتعرض لها تراث المسلمين أخيرًا، سواء كان ذلك في الجانب الشرعي، أو التاريخي، أو الأدبي. ثانيها : إثارة عاطفة المسلمين تجاه عودة مجيدة لأمتهم، فنهضة الأمم تحتاج دومًا إلى إثارة العاطفة، فالعاطفة دافع قوي، خاصة لدى الشباب، ولا يمكن إغفالها لنهضة الأمم، ونحن لا نتحدث هنا عن عاطفة زائفة لتاريخ قام على أوهام، أو إبادة جماعية لعرق، أو أكاذيب وخرافات، وبطولات أسطورية لأبطال خارقين على شاشات السينما، بل هي وقائع مسجلة، ومشهورة ومعروفة، ومحفورة على جدران المدن القديمة بالعالم. ومساهمة المؤسسة لتحقيق أو على الأقل المساعدة في بدء نهضة شاملة للمسلمين من خلال تقريب هذا التراث العظيم لهم، هو أهم زاوية من زوايا رؤية هذه المؤسسة. وثالثها : بناء مسلم متكامل معرفيًّا وعلميًّا، من خلال التعريف بتاريخ الإسلام عامة وبصورة قادة وعلماء المسلمين قديمًا خاصة، في كافة المجالات، وكيف أثروا في تاريخ العالم قديمًا، وساهموا في بناء نهضة العالم الحديث. السؤال الخامس: ما هو الهيكل التنظيمي للمؤسسة؟ وهذا سؤال وإن كان إداريًّا، لكنه هام، فالهيكل التنظيمي السليم جزء هام من نجاح المنظومة الإدارية لأي مؤسسة، وإني لأتحدث إجمالًا في هذا المقام فقط، وأشير إلى أهم القطاعات والإدارات التي ينبغي أن يحويها الهيكل التنظيمي للمؤسسة، وإلا فحين تنفيذ الأمر سيظهر وتجد أمورًا كما تعلمنا في هذا المجال. بداية، يرأس هذه المؤسسة مجلس إدارة منتخب، ينبثق منه فرعان رئيسان: الفرع الإداري، الذي يلتحق به القطاعات الإدارية والمالية، والموارد البشرية والقانونية. • ويجب أن يحوي هذا الفرع قسمًا للتسويق، الذي ستحتاجه المؤسسة في إجراءين هامين: الأول: التسويق للمؤسسة ذاتها من أجل التعريف بالمؤسسة عالميًّا، للتعرف على نشاطها وأهدافها وجذب الشرائح المستهدفة - حسب الحال - إليها. الثاني: المساعدة على الحصول على التمويل والدعم المادي والبشري اللازم للحفاظ على أعلى جودة من خدمات المؤسسة. • كذلك ينبغي أن يحوي هذا الفرع، إدارة حفظ للمخطوطات والوثائق "الورقية"، وهو أمر ضروري وحتمي، بعيدًا عن التكويد والتصوير الرقمي كما هو معلوم. وأما الفرع الثاني، وهو الفرع التنفيذي المختص بتنفيذ الآلية المطلوبة لتحقيق أهداف هذه المؤسسة، وأرى أنه من الضروري أن يحوي الإدارات أو القطاعات الآتية (بغض الطرف عن المسمى): • قطاع اللجنة الفنية العليا، وهي التي تضم نخبة من أهل العلم من التخصصات المطلوبة، وهذه اللجنة سيكون دورها هو الأكثر حساسية؛ لأنه سيكون مختصًّا بوضع القواعد الإرشادية لعملية التحقيق، وتدقيق المصطلحات، وتلقي ودراسة الآراء والأبحاث حول ذلك، وعقد الاجتماعات الدورية حول ذلك والمؤتمرات. وبالتأكيد سينبثق من هذا القطاع العديدة من الإدارات والأقسام كإدارة للمراجعة مثلًا، لمراجعة ما تم تحقيقه وضبطه، وإدارة المتابعة والتنسيق، والعلاقات العامة، وغير ذلك. • قطاع جمع المخطوطات، ويكون اختصاصه الأساس جمع المخطوطات وصورها من جميع الأرض، وهذه يمكن أن تقسم حسب الجغرافيا، إلى أكثر من قسم، فقسم يتولى إفريقيا، وآخر آسيا، وآخر أوروبا. أو على حسب طبيعة المخطوطات التراثي: أدب، شريعة، تاريخ، علمي ... إلخ. ويعمل هذا القطاع أساسًا على جمع المخطوطات والكتب والوثائق الإسلامية والعربية من المكتبات العامة والخاصة من أنحاء العالم. • قطاع للتحقيق، ينبثق منها فرعان رئيسان: فرع لتحقيق النص وضبطه، والفرع الثاني وهو تحقيق الأسانيد، بالنسبة للكتب التي تحوي أسانيد وتحتاج إلى تحقيق وتعليق. • قطاع الإحصاء والتكويد والأرشفة الإلكترونية، وهذا سيكون قطاعًا تقنيًّا في المقام الأول، يحوي إدارة للإحصاء مختصة بمعالجة البيانات المطلوبة وإدخالها وتحليلها، كما قدمنا. ويحوي أيضًا إدارة للتكويد والتصوير والأرشفة الإلكترونية. • قطاع الإخراج الفني والإعلامي، وهو المختص بإخراج المواد التي تم تحقيقها وضبطها، والمواد التي يراد نشرها، بالشكل اللائق واللازم، سواء النشر التقني أو الورقي، أو النشر في وسائل الإعلام المختلفة. أظن أن هذه هي أكثر القطاعات أهمية للمؤسسة، لكن كما ذكرت آنفًا، سيظهر أمور وتختفي أمور عند التنفيذ، والله الموفق. السؤال السادس: كيف سيتم تمويل هذه المؤسسة؟ وأين مقرها؟ لا شك عندي أن أهل الفضل من المسلمين ورجال الأعمال والمؤسسات المالية الإسلامية سيسعدهم كثيرًا المساهمة في هذه المؤسسة من باب الصدقات الجارية أو حتى الوقف، ولا شك عندي أيضًا أن هناك من سيساعد ويبذل جهده وطاقته من أبناء الأمة بلا مقابل، فقط ابتغاء مرضات الله، وإعلاء كلمته من خلال نشر كلمة الحق، وإيقاظ وعي الأمة بالمساهمة، ولو بكلمة في هذا الأمر. وأما عن مقر المؤسسة، فأرض المسلمين واسعة ولله الحمد، وأرجو ألَّا يكون هذا الأمر أزمة في وجه تحقيق هذا الحلم. السؤال السابع: هل سيكون عمل هذه المؤسسة مقتصرًا على أعضائها؟ والجواب: قطعًا لا، بل كل فرد عنده القدرة على البحث والتحقيق، والدراسة والمشاركة، سيشارك في هذا الأمر، دور المؤسسة فقط هو تنظيم ذلك، بعد تلقي المشاركات بالضوابط المطلوبة، وبالشروط، ثم دراستها والاستفادة منها حسب الحاجة، ولذلك هذه المؤسسة عالمية ومحترفة، تود الاستفادة من كل جهد يساهم في تحقيق رؤيتها. وختامًا، يبقى هذا حلمًا جميلًا، وددنا لو رأيناه على أرض الواقع منذ عقود طويلة، والأمة - ولله الحمد - لا ينقصها شيء من الموارد المادية أو البشرية، أو المهارة من أجل تحقيق ذلك، ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله، وعمل صالحًا، وقام على توحيد كلمة المسلمين، وجمعهم على قلب رجل واحد، وصف واحد، فالأمر يتعدى مجرد التحقيق والجمع، وغير ذلك، كما هو مفهوم من طيات هذ المقال، وسيكون له الأثر العظيم مستقبلًا بإذن الله على جميع هذه الأمة، إن سلم من الهوى، والحزبية، والتعصب، والتسييس. هذا وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
رجل أمة!: العلامة محمد أحمد الدالي
أبو الحسن محمد علي الحسني
18-12-2021
2,039
https://www.alukah.net//culture/0/151408/%d8%b1%d8%ac%d9%84-%d8%a3%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a/
رَجُـــلُ أُمَّـــة! العلامة محمَّد أحمد الدَّالي رحمة الله على شيخَي العربيَّة أحمد راتب النفَّاخ و محمَّد أحمد الدَّالي . وأنتَ إن شئتَ أن تختزِلَ ترجمتَين في ترجمة، وأن تستغنيَ عن كلمتَين بكلمة، فاقرأ هذه «الكُلَيمة» مرَّتَين، ثم ارجِعِ البَصرَ فيها كرَّتَين، تَبدُ لكَ حِلْيةُ الرَّجُلَين الألمعَين، وكأنَّك تراهُما رأيَ عَين! **** هذه «الكُلَيْمةُ» ـ كما كانَ يسمِّيها كاتبُها ـ قيلَتْ في تأبينِ علَّامةِ الشَّامِ أحمد راتب النَّفَّاخ سنةَ (1413ﻫ/ 1992م)، ثمَّ ما زالَ التِّلميذُ يتقيَّلُ أستاذَه ويَنْهَجُ مِنْهاجَه، حتَّىٰ صارَ أشبهَ النَّاسِ به عِلْمًا وعمَلًا، وصارا في سَماءِ العربيَّةِ كالفَرقَدَيْن؛ فلا يُوصَفُ التِّلميذُ اليومَ بأبلغَ ممَّا وصَفَ به شيخَه في الأمس: • رجلٌ مِن عِبادِ اللهِ المؤمنِين، الصَّالحِينَ الصَّادقِين، الَّذينَ شَرَوْا أنفُسَهمُ ابْتِغاءَ مَرْضاةِ الله، ظاهِرُه خَيْرٌ كباطنِه، كريمٌ، مِضْيافٌ، مِفْضالٌ، أرْيَحِيٌّ، طيِّبُ القَلْب، وَفِيٌّ، عازِفٌ عنِ الدُّنْيا وزُخْرُفِها، مُنْقَطِعٌ للعِبادةِ والعِلْم، راغِبٌ عنِ الشُّهْرة، ساعِيةٌ إليه. كانَ أُمَّةً ورَجُلَ أُمَّة، [وهو بُنْيانُ قَوْمٍ تهدَّمَ!]. • وهو بَعْدُ بَقِيَّةُ السَّلَف، والحَبْرُ البَحْرُ، ورَيْحانةُ الشَّامِ وخِزانةُ عِلْمِها، لم يَرَ الرَّاؤُونَ في هذا العَصرِ مِثْلَه، حقًّا لا يَجْحَدُونَه! خُلِقَ لِيكونَ ما كان، وترفَّعَ عمَّا عُفِّرَتْ فيه وُجُوه ، ونزَّهَ نَفْسَه عمَّا خاضُوا فيه، وتواضَعَ للهِ فرَفَعَه، فيه عِزَّةُ المعتزِّ بالله، وقوَّةُ المستَعِينِ به، ذُو خُلُقٍ وخَلَاق، جُبِلَ على الوَفاءِ والإخلاص، والرَّحمةِ بالنَّاسِ وحُبِّ الخيرِ لهم. • وكانَ شديدًا في الحقِّ، للقَسوةِ واللِّينِ مَواضِعُ يَضَعُهما فيها، صَرِيحَ صَراحةٍ؛ يَجْهرُ بقولِه، لا يُجامِلُ ولا يُوَرِّي، يُسمِّي الأشياءَ بأسمائِها. الإحسانُ عادَتُه، والتَّواضُعُ سَجِيَّتُه، والحَياءُ حِلْيَتُه، والخيرُ فِطْرَتُه، والتَّقْوىٰ جِبِلَّتُه. [في بيتِه جَرَتْ مسائلُ العِلْمِ كلَّ يومٍ، وبَذَلَ لمُعْتَفِيه بَذْلَ مَنْ لا يرجُو منهُم جزاءً]. • وفي الصَّدْرِ مِنِّي معَهُ حديثُ سبعةَ عشرَ عامًا لازَمْتُه فيها، ولو تكلَّفْتُ تَدْوينَ ما عَرَفْتُه خِلالَها مِن أحوالِه، وصِلَتِه بمَنِ اتَّصلَ به بسَبَب، وآرائِه فيمَنْ حولَه وفيما حولَه، وتبحُّرِه في فُنونٍ منَ العِلْمِ هو آيةٌ فيها ـ ومنها: العربيَّةُ، واللُّغةُ، والعَرُوضُ، والأدبُ، وعلومُ القرآنِ ـ ونَظَراتِه فيها، وشُؤونٍ غيرِها= لو تكلَّفْتُ ذلك لم أفْرُغْ منه علىٰ وجهٍ مَرْضِيٍّ في سِنينَ ذاتِ عَدَد، ولَأتىٰ ذلك في مُجلَّدات، ولَبَقِيَ في النَّفْسِ أشياءُ، ولم يُحِطْ لَفْظِي بنَعْتِه. • وكانَ الأستاذُ عَلَّامةَ العربيَّةِ في بلادِ الشَّام، وهو مِن مَفاخرِها ومَحاسنِها، وكانَ جَبَلًا في العِلْمِ لا نظيرَ له في عُلومِه، وكانَ وَحيدَ أوانِه ونسيجَ وَحْدِه، وكانَ أشهرَ مِن نارٍ علىٰ عَلَم. وكانَ حريصًا علىٰ نَشْرِ العِلْم، مُتواضِعًا تواضُعَ العُلماءِ الأئمَّة، قُدْوةً لطُلَّابِه في عِلْمِه وخُلُقِه وسُلُوكِه. ظهرَ لنا خِلالَ مُحاضراتِه عِلْمٌ غَزير، وروايةٌ واسِعة، وذِهْنٌ وقَّاد، وحافِظةٌ واعِية. • ورَأىٰ غيرُ واحدٍ مِنَّا أنَّ الأستاذَ مِن أولئكَ الأئمَّةِ الأعلامِ المتقدِّمينَ في المئةِ الرَّابعةِ أو دُونَها، تأخَّرَ به زمانُه فعاشَ بينَنا، وعلَّمَنا ما لم يُعلِّمْنا أحدٌ. • وكانَ بيتُ الأُستاذِ مَحلًّا للعِلْمِ ومَثابةً لطُلَّابِه، وكنتُ وبعضُ زُملائي وكثيرونَ ممَّنْ عَرَفْتُ نَخْتَلِفُ إلى الأستاذِ في بيتِه، كلٌّ يَحمِلُ عنه ما كانَ مُهَيَّأً لحَمْلِه مِن عِلْمِه، وخُلُقِه العِلْمِيِّ الَأصيل، وأمانَتِه ودِقَّتِه. كانَ يوجِّهُنا ويَرْعانا ويشجِّعُنا، ويَبْذُلُ عِلْمَه ومَكْتبتَه ووَقتَه في سبيلِ طُلَّابٍ يَرىٰ أنَّ لهم عليه حقًّا لأنَّهم طُلَّابُه، ولأنَّه يُحِبُّ الخيرَ للنَّاسِ ويَجري بينَ يدَيْه. • وعَرَفْتُ أيَّ عالِمٍ كان! كانَ مِن أوعِيَةِ العِلْم، كانَ كُنَيْفًا مُلِئَ عِلْمًا، وكانَ إذا سألْتَه فَجَّرْتَ به ثَبَجَ بَحْر! إليه انتَهىٰ عِلْمُ العربيَّةِ في عَصرِنا، ونظرَ بذِهْنِه نظرَ مُؤَثِّلِي هذا العِلْم، وناقشَهُم في بعضِ جوانبِه، ورأىٰ في بعضِه غيرَ ما رأَوْا، [وهو كلَّ حينٍ علىٰ ذُكْرٍ مِن كلامِ الأئمَّةِ المتقدِّمينَ في مسألةٍ مسألةٍ، يُمْلي كلامَهم بلفظِهم أو يكادُ]. • وفي المشتغلِينَ بعُلومِ العربيَّةِ في عَصرِنا ـ بلا رَيبٍ ـ غيرُ واحدٍ ممَّنْ بَرَعُوا فيها، وحَفِظُوا كثيرًا مِن مسائلِها، ومَذاهبِ المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ فيها، وعَرَفُوا حَلَّ ما اعْتاصَ منها، لكنَّك لا تَجِدُ فيهِم مِثْلَ الأستاذ؛ ممَّنْ أدَّاه عِلْمُه بالجُزْئيَّاتِ إلىٰ تصُوُّرٍ شاملٍ للُّغةِ وقوانينِها الوَضعيَّةِ والعَقليَّة. فقَد أدَّاه فِكْرُه في (الكِتابِ) ـ أعني كتابَ سِيبَوَيْهِ ـ وطولُ مُدارَستِه له والنَّظرِ فيه، لا إلىٰ فَهمِ كلامِ صاحبِ (الكِتابِ) فَهمًا دقيقًا ـ وهو أقصىٰ ما يَبْلُغُه المُتبَصِّرُ بكلامِه ـ بلْ إلى الوقوفِ علىٰ حِكْمةِ العربِ في كلامِها، وعلىٰ أغراضِ الخليلِ فيما نقلَه وفسَّرَه مِن كلامِ العرب، وفيه ما خَفِيَ غَرَضُ الخليلِ فيه حتَّىٰ علىٰ صاحبِه سِيبَوَيْهِ، وفي (الكتابِ) مواضعُ شَمَسَتْ حتَّىٰ علىٰ أبي عليٍّ [الفارسي]! • وكانَ الأستاذُ عالِمًا بمقاييسِ العربيَّةِ بصيرًا بها، محقِّقًا [مُدقِّقًا]، لو رآهُ الخليلُ لَسُرَّ به، وقالَ له: مَرحبًا بزائرٍ لا يُمَلُّ! ولا يزالُ في النَّاسِ عِلْمٌ ما بقيَ فيهم مِثْلُ الأستاذ. • وعَرَفْتُ فيما عَرَفْتُ أنَّه كانَ مَنْكُوبًا في غيرِ قليلٍ ممَّنْ أحسنَ إليهم، ما فعلَ لهم إلَّا الخيرَ، وضَنُّوا عليهِ بالوَفاء، بل إنَّ فيهِم مَنْ أساءَ إليه وتنكَّرَ له، ومنهُم مَنْ أصابَ به اليومَ عِلاجَ ذاتِ نَفْسِه! عَرَفْتُ منهُم مَنْ عَرَفْتُ، وحدَّثَني بحديثٍ كثير.. كانَ وفيًّا يُحسِنُ الظَّنَّ بالنَّاس، فيُخْلِفُه ظَنُّه في كثير! ﴿ مَّنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا فَلِنَفۡسِهِۦۖ وَمَنۡ أَسَاۤءَ فَعَلَیۡهَاۗ ﴾ [فُصِّلت: 46]. وأقامَتْ طائفةٌ على الوَفاءِ له؛ تلقَّوْا عنه، وكَسَبُوا بعِلْمِه ومَعرفتِه ما كَسَبُوا. • وما زالَ الأستاذُ يَنْبُوعَ عِلْمٍ عِدٍّ، يَنْشُرُ العِلْمَ، وزكاةُ العِلْمِ نَشْرُه: فمِنْه ما وَعَتْه صُدُورُ الخاصَّةِ مِن أصحابِه وتلامِذَتِه، ومنه ما بَثَّه فيما نَشَرَه وفيما لم يَنْشُرْه منَ النُّصُوص، وفيما كَتبَه مِن مقالات، ومنه ما قيَّدَه على الكُتُبِ الَّتي حَوَتْها مَكْتبتُه، وذهبَ بموتِه عِلْمٌ كثير. والموتُ حقٌّ علىٰ كلِّ العِبادِ فما حَيٌّ بباقٍ، ويبقَى الواحدُ الأحدُ «إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عمَلُه إلَّا مِن ثلاثٍ: صدقةٍ جارية، أو عِلْمٍ يُنْتفَعُ به، أو وَلَدٍ صالحٍ يَدْعُو له» [أخرجَه مسلم]. فعمَلُ الأستاذِ باقٍ إلىٰ يومِ القيامة، لا يَنقطِعُ حتَّىٰ يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَنْ علَيْها، وهو خيرُ الوارثِين.
شيخ المحققين: العلامة محمد أحمد الدالي
محمد ماجد الحموي
18-12-2021
2,337
https://www.alukah.net//culture/0/151406/%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%82%d9%82%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a/
شيخ المحققين العلامة محمد أحمد الدالي شيخُ المحقِّقين في عصره، وإمامُ العربية في تآليفه، وعلَّامةُ زمانه، نسيجُ وحدِه ونِحريرُ دهرِه.. أستاذي الدكتور محمد بن أحمد الدالي رحمه الله تعالى. كان نعمَ الأستاذُ والمعلِّم، صَحِبتُه سنة ٢٠٠٠م حين درَّسَني مادَّة (علوم اللغة العربية) في دبلوم الاختصاص الشُّعبة اللغوية، فرأيتُني أمام جبلٍ في العلم يكسوه التواضعُ والحِلمُ والوَقار. رأيتُني أمامَ حَبْرٍ ليِّن الكنَف، أغرِّ المناقب، كريم الطَّبع. وكنت أزورُه في بيته فيُفيضُ عليَّ بالفرائد والفوائد. ولمَّا سافرتُ للعمل بالكويت كان أستاذي مدرِّسًا في جامعتِها، فازددتُّ به علمًا، ونهَلتُ من يَنبُوعِه الذي لا ينضُب، وما أنسَ لا أنسَ يدَه البيضاء عليَّ في رسالة الماجستير ؛ إذ وجَّهَني فيها أيَّما توجيه، وطوَّع لي ما شَمَسَ، وجمعَ منها ما شَرَد، وذلَّلَ المتصعِّبَ وبيَّن الملتبِس. ولمَّا ناقشتُها وحُزتُ مرتبةَ امتياز أثنى عليها أكابرُ العلماء والأساتيذ، وكلُّ ذلك بتوجيه أستاذي وفضله. ولمَّا سافرتُ إلى مصرَ لتسجيل الدكتوراه كان أستاذي الدالي سندًا لي، وكلَّم من يعرفه هناك ليستقبلَني، وكان إذ ذاكَ يكلِّمُني كلَّ يوم مُطمئِنًّا وموجِّهًا. وكنتُ إذا ما غضِبتُ في يوم من شيء وأنا الغَضوبُ -ألجأُ إليه وأُصغي فيسكُتُ عنِّي الغضَب؛ إذ هو الناصحُ الأمين. ولمَّا طغَى زعانفُ النُّحاة، وتكالبوا عليَّ، نصَرَني وآزرَني وعاضَدَني. وما زالت له كلماتٌ راسخاتٌ في ذِهني، كثيرًا ما يردِّدُها، ولعلَّ أوقعَها في نفسي قولُه: "لا يسلَمُ منَ الخطأ إلا كتابُ الله"، وهي تكشفُ سلامةَ النفس، واستقامةَ البصيرة، وتواضُعَ أهل العلم. والوفاءُ شيمةٌ فيه جليَّة؛ إذ كثيرًا ما يذكُر في مجالسه فضائلَ شيخه علَّامة الشام أحمد راتب النفَّاخ رحمه الله تعالى ويعرِضُ مناقبه. ثم إن أستاذي الدالي كان مبرِّزًا جِهْبِذًا ثقة، في عصر كثُرَ فيه الأدعياء الجهلاء، وقلَّ فيه الثقاتُ الأثبات. أمَّا آثارُه العلمية فيعرفُها كلُّ من دخلَ إلى لُجَج العربيَّة وتبحَّر فيها. ولمَّا تركَ عملَه في جامعة الكويت وعاد إلى سوريا، كنتُ أكلِّمه بالهاتف الفَينةَ بعد الفَينة، وقد وعدتُّه في الاتصال الأخير أن أزورَه بمصياف حين أسافرُ إلى سوريا شتاءً في العُطلة، وكان قضاءُ الله أسبق، ولا رادَّ لقضائه. ذهبَ الذينَ أُحبُّهُم فعلَيكِ يا دُنيا السَّلامْ إنِّي رَضيعُ وِصالِهِم والطِّفلُ يُؤلِمُه الفِطامْ رحمكَ الله يا شيخنا أبا أحمد، وآنسَ وَحشتَك، وبرَّدَ مَضجَعَك، وأزلفَ مَثواكَ ومُتبوَّأَك، وحَشَرك مع النبيِّين والصدِّيقين والشُّهداء والصَّالحين، وحَسُنَ أولئكَ رفيقًا. وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
الدكتور علي لغزيوي: هموم واهتمامات
محمد حماني
18-12-2021
2,532
https://www.alukah.net//culture/0/151400/%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d9%84%d8%ba%d8%b2%d9%8a%d9%88%d9%8a-%d9%87%d9%85%d9%88%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%87%d8%aa%d9%85%d8%a7%d9%85%d8%a7%d8%aa/
الدكتور علي لغزيوي: همومٌ واهتماماتٌ الناقد الدكتور علي لغزيوي رحمه الله أستاذ الأدب الأندلسي، والنقد الأدبي بكلية آداب فاس، عُرِف باعتنائه بالمخطوطات وتحقيق النفيس منها، بحيث كان محافظا على خزانة القرويين لخمس سنوات، ينحدر من منطقة " المَنْزَل " بإقليم صفرو، ولد سنة 1948م، وتوفي سنة 2011م، له محاضرات نقدية كثيرة داخل المغرب وخارجه، وعضو في مجموعة من الجمعيات والهيئات، يُجِيد الفرنسية مع إلمام بالإنجليزية والإسبانية، ويتوفر على مقالات في النقد نُشرت في مجلة "المسلمون"، و"دعوة الحق"، و"المشكاة"، ومجلة "كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس"، وملحق العلم الثقافي في ثمانينيات القرن الماضي، وكان له برنامج إذاعي يقدِّمه من إذاعة فاس الجهوية وسمه بـ"أبحاث جامعية"، أما مؤلفاته؛ فمن أهمها: • أدب السياسة والحرب في الأندلس: من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الرابع الهجري (1987)؛ • فاس في شعر محمد الحلوي (بالاشتراك)، (1994). • الباقي في كتاب القوافي: حازم القرطاجني، تقديم وتحقيق/ سلسلة نصوص تراثية (1)، (1996). • الصحراء المغربية في البحوث الجامعية (1999). • مقدمة في العروض لأبي عبدالله بن السقاط: تقديم وتحقيق/ سلسلة نصوص تراثية (2)، (2000). • مدخل إلى المنهج الإسلامي في النقد الأدبي (التأسيس)/ سلسلة كتاب دعوة الحق (6)، (2001). • نظرية الشعر والمنهج النقدي في الأندلس، حازم القرطاجني نموذجًا (2007). • مزدغة وبعض أعلامها، منشورات المجلس العلمي المحلي لصفرو، كتاب صوت المجلس (1)، (2010). همومٌ: إن الدكتور علي لغزيوي مثقَّف مثل مثقَّفي البلد يحمل همومًا وأوجاعًا في صدره تجاه قضايا الوطن، وكانت له زاوية بعنوان "نفحات" في جريدة "المحجة" يبث فيها ما يؤرِّقه من أحاسيس في قضية "اللغة العربية"، و"القيم"، و"التعليم"، وما إلى ذلك من الموضوعات التي لها وزنها في المجتمع، والتي يصعب حصرُها وتناولُها، من ذلك ما يقوله في "غربة العربية في دارها": "لعل العربية لم تعرف مثل هذه المحنة في بلدها في أي عصر من العصور، بل إنها لم تعرف مثل هذا الإقصاء حتى في أحلك مراحل التاريخ وفي مقدمتها عهد الحماية؛ حيث يُفسح المجال للغة البلاد، ولو في رتبة ثانية، مراعاة لشعور المواطنين"؛ (المحجة، ع: 232، ص: 15، س: 2005). ثم يقول عن الأزمة التربوية (منذ ست عشرة سنة تقريبًا): "يكاد الاتفاق أن ينعقد على تعليل مشاكلنا الحالية بما نعانيه من أزمة تربوية، وانفلات المقود من أيدي المربين والمدرسين، ويزداد التخوف مستقبلًا بسبب تباعد الهوة بين الأجيال، وازدياد المشكل التربوي تفاقمًا، وموازاة مع ذلك تتزايد الحَيرة وتتعدد التساؤلات: أي تربية نريد؟ وأي نموذج نرتضيه لأجيال المستقبل؟ وكيف نستفيد من رصيدنا الحضاري في هذا المجال؟"؛ (المحجة، ع: 233، ص: 15، س: 2005). ومن آرائه في مجال القيم: "وإذا كانت قيم الغرب تتقبل مثل ذلك [يشير إلى قيم سَلبية في الغرب]، أو كانت تتقبله إلى حين، فإن قيمنا تتعارض مع معظم تلك القيم، فلماذا لا نأخذ منهم إلا ما يتوافق وقيمنا التي نعتز بها؛ لأنها نابعة من ديننا القويم، وتتناسب والفطرة الإنسانية، وتتوافق والعقل السليم.."؛ (المحجة، ع: 209، ص: 15، س: 2005). والرجل له هَمُّ تخريج جيل من الباحثين المغاربة بالجامعة، بكل من وجدة وفاس يَكُونُون قادرين على مواصلة الطريق، وإتمام ما لم يُتْمِمْهُ أساتذتُهم، وها قد فعل، وتخرَّج على يده أساتذة هم، الآن، من خيرة من ينهض بالدرس الأدبي والنقدي. اهتماماتٌ: من الاهتمامات التي اهتم بها الدكتور علي لغزيوي هي التأسيس لمنهج نقدي نابع من البعد الحضاري للأمة، كما فعل نقاد عرب كُثْرٌ منهم: عبدالعزيز حمودة، وكمال أبو ذيب، وطه عبدالرحمن، وشكري فيصل، لكن هذه المحاولات والاجتهادات لم تصل إلى الأمل المنشود، لأسباب متعددة ليست مركز اهتمامنا هنا، ومحاولة الدكتور علي لغزيوي في تأسيس منهج نقدي إسلامي قائم على المضمون الخُلقي دون إغفال جماليات الشكل تفرَّعت إلى ثلاث مراحل: "التأسيس"، و"الامتداد"، و"التطبيق"؛ غير أن المُلاحظ هو صدور كتابٍ يُغَطِّي المرحلةَ الأولى من مشروعه النقدي، ولا نعلم شيئًا عن مرحلتي: "الامتداد"، و"التطبيق"، وربما السبب الرئيس في ذلك هو أن الرجل رحمه الله أدركه الموتُ قبل يُتَمِّمَ مشروعه، ولو أكمل الدكتور لغزيوي تصوُّره النقدي، لاستطاع القارئ الكريم أن يكوِّن نظرةً شاملةً تصوُّرًا وتطبيقًا؛ لكن للأسف هذا لم يتحقق على أرض الواقع، وتأتي فكرة هذا المشروع من كون معظم المناهج المتوفرة مناهج مستعارة، ولا تنسجم مع رؤيتنا الحضارية والثقافية والفكرية، كما أن الأمة العربية تعيش أزمة منهج، وربما هي نقطة الضعف، وسر التخلف، يقول: "إن أي منهج مستورد غير نابع من الفكر الإسلامي والمعطيات الكبرى للثقافة الإسلامية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون صالحًا لدراسة ذلك الأدب، ولا يستطيع أن يضع يده على خصوصيتنا، أو يعانق همومنا، أو يستجيب لتطلعاتنا كما ينبغي، وبالقدر الذي يناسب فكرنا وحضارتنا وبيئتنا"؛ (مدخل إلى المنهج الإسلامي في النقد الأدبي، ص: 29). اتضح جليًّا أن الناقد علي لغزيوي تنبَّه إلى خطورة المناهج الغربية، بحيث يعمِّق الكلام في ذلك بقوله: "لقد عشنا حقبة طويلة نستهلك المناهج الغربية على فكرنا وتربتنا، نقحمها في دراساتنا، وننظر من خلالها إلى أدبنا خاصة، وتراثنا عامة، وساعدت الأجيال المتعاقبة التي تلقت العلم في ديار الغرب على نشر تلك المناهج، وترسيخ أصولها في أذهان الناشئة الذين يتخرجون فوجًا تلو الآخر، وقد تكوَّن لديهم اقتناع شبه تام بأن الأمة العربية لا حَظَّ لها من المناهج، وبأن الغرب هو منبعها، وهو مبدعها، ثم راح هؤلاء ينقلون ذلك إلى غيرهم حين تولَّوْا مسؤولية التدريس والتوجيه في المؤسسات التربوية والمنابر الثقافية.."؛ (مدخل إلى المنهج الإسلامي في النقد الأدبي، ص: 13). ومن اهتماماته الأدبية والنقدية أيضًا أنه قام بدراسة نصوص أدب السياسة والحرب بالأندلس في كتابه المنشور المعنون بـ"أدب السياسة والحرب في الأندلس"، والكتابُ في أصله رسالة جامعية أُنجزت بكلية الآداب، ظهر المهراز بفاس، بإشراف عميد الأدب الأندلسي بالمغرب: الدكتور العلامة عبدالسلام الهرَّاس، يقول الدكتور علي لغزيوي: "هذه الرسالة محاولة لدراسة أدب السياسة والحرب في الأندلس منذ الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الرابع الهجري، وهو موضوع يستهدف بيان القضايا الكبرى التي عبَّر عنها هذا الأدب في المجالين المذكورين، ورصد المواقف المختلفة من تلك القضايا، في بيئة شهدت كثيرًا من الأحداث، وتميزت حياتها العامة بمميزات خاصة، في فترة زمنية محددة، تبتدئ بالفتح الإسلامي، وتنتهي بنهاية القرن الرابع، حين اشتعلت نار الفتنة البربرية الكبرى، فأطاحت بالعامريين، ونقلت البلاد من مجال الاستقرار إلى الفوضى والاضطراب، وكانت بذلك حدًّا فاصلًا بين فترتين بينهما كثير من الاختلاف، لعل أبسط مظاهرها هو نقل البلاد من الوحدة والقوة إلى التفكك والانقسام والضعف"؛ (أدب السياسة والحرب في الأندلس، ص: 9). والموضوع الذي تناوله في هذا الكتاب ليس موضوعًا سهلًا، بل إنه صعب، وما كُتِب فيه إنما هو أشياء متفرِّقة، كما أن تتبع مادة الموضوع، واستخراجها من بطون الكتب والمخطوطات الأندلسية ليس بالأمر الهيِّن، والأكيد أنه يتطلب جهدًا وصبرًا، وحسًّا أدبيًّا، وذوقًا جماليًّا، ومعرفة تاريخية باعتبار النصوص الشعرية والنثرية المدروسة وثيقة المؤرِّخ، ومتعة الأديب، وذوق البلاغي، يقول الدكتور الهرَّاس: ".. وهو بذلك قد استطاع أن يملأ فراغًا كبيرًا في مكتبة الأدب الأندلسي، إذْ لم نرَ لحد الآن مَن ألَّف في هذا الموضوع، وكل ما هنالك نتف وإشارات مقتضبة، وردت في بعض الكتب الحديثة عن الأدب، والأمر لا يحتاج إلى دليل، فمهَّد بذلك السبيل لدراسات أخرى لا مناص لها من الاعتماد عليها والإفادة منها، مما يؤهل هذه الدراسة ليكون لها فضل الريادة والتأسيس"؛ (أدب السياسة والحرب في الأندلس، ص: 7). ويستطرد الدكتور الهرَّاس في الإشادة بهذه الدراسة، وبيان قيمتها الأدبية؛ قائلًا: "وتحتل هذه الدراسة التي اضطلع بها الأستاذ علي لغزيوي موقعًا مرموقًا يتسم بالمغامرة والجرأة والجدة، وقد خاض غمار بحثه في مرحلة كان الميدان لا يزال يحتاج إلى مضاعفة الجهود للحصول على النصوص المبثوثة في المخطوطات التي لم يبقَ منها سوى بقايا وأشلاء، في حين ضاع معظمها، ورغم ما بذل من جهود مضنية، فإنه لم يستطع أن يصل إلى أكثر مما وصل إليه من مادة تمثل نزْرًا يسيرًا مما كانت قد أنتجته العصور المدروسة، لذلك اضطر إلى دراسة الظاهرة السياسية والحربية من خلال الشعر والنثر معًا، وقد تناول ذلك بمنهج موفق"؛ (أدب السياسة والحرب في الأندلس، ص: 7). لعلَّ السِّمةَ البارزةَ في كتابات الدكتور علي لغزيوي هي اهتمامه بالنقد الأدبي الأندلسي الذي وصل فيه إلى نتائج مهمة؛ لأنه اعتمد على نصوص مخطوطة، وهذا ما جنَّبه مِن تَكرار أحكام جاهزة، بحيث إن أخطر ما أُلصق بالنقد الأندلسي هو تبعيته للنقد المشرقي، (وإنْ كنتُ أرى بأنَّ بعضًا من التصانيف الأندلسية كانت معجبةً بكتب أدب المشرق، فنسجتْ على منوالها، لكنْ كانَ من وراء ذلك الاتباعِ ابتداعٌ)، والدكتور شوقي ضيف واحد من الذين تبنوا هذا الحكم، وهذا ما صحَّحه الدكتور علي لغزيوي في كتاباته النقدية، بحيث أستمع له وهو يقول: "وعلى الرغم من أن دراستي قد انصبَّت على نصوص نقدية معظمها مخطوط غير متداول، فقد آثرت أن أتعامل مع جميع النصوص المعتمدة وفق منهج يقوم على قراءة النص قراءة مباشرة وبدون واسطة، وذلك ما حقق لي تجنب اجترار الأحكام السابقة من جهة، وأتاح تصحيح مجموعة من الآراء والنظرات من جهة أخرى، ولكن دون إغفال لجهود السابقين بطبيعة الحال"؛ (الفيصل، ع: 191، ص: 49، لقاء مع د. علي لغزيوي). وسبب اهتمامه بالأدب الأندلسي ونقده يُرجعه إلى بعض أساتذته؛ قائلًا: "حبَّبه إليَّ بعض أساتذتي، منذ المرحلة الجامعية، وفي مقدمتهم الأستاذ الدكتور أمجد الطرابلسي، فقد لاحظت أن حَظَّ التراث النقدي الأندلسي من العناية قليل لدى الدارسين، وذلك على الرغم من غنى هذا التراث وتنوُّعه وتعدد اتجاهاته ومدارسه، وهو ما تأكد لي حين انفتحت على تراث الفردوس المفقود، وأخذت أناقش بعض أساتذتي في هذا المجال، أمثال الدكتور عبدالسلام الهراس، والدكتور محمد بن شريفة، والدكتور عباس الجراري، ولكل منهم إسهام مشكور في التحقيق أو الدراسة أو فيهما معًا، وحين أُسند إليَّ تدريس مادتي الأدب الأندلسي والنقد الأدبي منذ سنوات، في جامعتي وجدة ثم فاس زاد اهتمامي بالنقد الأندلسي"؛ (الفيصل، ع: 191، ص: 48 ــ 49، لقاء مع د. علي لغزيوي). وقد توصَّل في أطروحة الدكتوراه التي أُنجزت في "مناهج النقد الأدبي في الأندلس بين النظرية والتطبيق، خلال القرنين السابع والثامن للهجرة" إلى جملة من النتائج في مناهج البحث، أبرزها: • إبراز الحلقات المفقودة في النقد الأندلسي، التي من شأنها أن تعيد النظر في الحقل النقدي. • لفت الانتباه إلى كتيبة من المصادر النقدية والبلاغية التي لم يكن الدارسون يعيرونها اهتمامًا لازمًا، على الرغم من كونها تتضمن مادة نقدية مهمة، وفي مقدمتها الشروح الأدبية، والبديعيات والاختيارات بما يرتبط بها من أذواق ومعايير ومناهج وتصورات تعكس الشخصية الأندلسية وخصوصيتها إلى حد كبير. • كشف مفاتيح بعض النصوص النقدية تيسيرًا لفَهم نظريات النقد ومناهجها عند نقاد المرحلة المدروسة، بحيث استطاع الدكتور علي لغزيوي أن يبين آليات الناقد حازم القرطاجني وجهازه المفهومي، وإدراك الخلفية الفكرية التي يستند إليها، وقد وصل إلى أن البحث في شعرية حازم لا يستقيم في غياب قانون التناسب الذي يحكم جميع مكونات الشعر في إطار منهج شمولي متميز. يُمكن القول: إن الحديث عن هموم واهتمامات الدكتور علي لغزيوي في هذه الورقة أمر صعب، وإنما أردت من ذلك، الالتفاتةَ إلى رجال صدقوا في بحوثهم، وخدموا تراث الأندلس، والأندلسُ الفكرةُ حاضرةٌ في وعي المغاربة بشكل كبير، ولستُ أُغالي إنْ ذهبت إلى أن الدكتور علي لغزيوي إلى جانب الدكتور عبدالسلام الهرَّاس، ومحمد بن شريفة، وعبدالقادر زمَّامة، ومحمد مفتاح الشفشاوني، ومصطفى الغديري، وآخرين ممن ذكرتُ ومَن لم أذكر كانوا يشكِّلون مدرسةً مغربيةً مستقلَّةً تضاهي المدارس الأخرى إنْ وُجِدت، بما راكمته من بحوث ودراسات وتحقيقات نفيسة. والناقد على لغزيوي سخَّر جهوده، وركَّز اهتمامه على النقد الأدبي الأندلسي دون أن ننسى اهتمامه بالنقد العربي بشكل عام، وإن كان النقد الأندلسي جزءًا منه لا ينفصل عنه، وآراؤه النقديةُ فيه لا يمكن القفز عليها عند كل دارس لهذا التراث، فقد أصبح واحدًا من أعلام هذا النقد إلى جانب الأستاذ الباحث محمد رضوان الداية الذي خدم النقد الأندلسي بكتابه "تاريخ النقد الأدبي في الأندلس"، وأساتذة باحثين آخرين، وأشير بأن الناقد علي لغزيوي قد استطاع بحسه اللغوي والبلاغي والشعري أن يدرس النصوص الشعرية والنثرية دراسة فنية، بحيث رأى من وراء ذلك أن بوادر انهيار الأندلس نبَّهت عليه بعضُ النصوص الأندلسية قبل وقوع السقوط، وهذا يؤكد أن الشعر رؤيا مستقبلية، وتطلَّع استشرافي لما يمكن أن يكون اعتمادًا على ما هو كائن.
أسس المنهجية المغازية عند الإمام الصالحي
د. معتز أحمد رفاعي زارع
18-12-2021
1,979
https://www.alukah.net//culture/0/151397/%d8%a3%d8%b3%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%a7%d8%b2%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a/
أُسس المنهجية المغازية عند الإمام الصالحي عند الحديث عن أُسس المنهجية (السيرية) و(المغازية) عند الإمام الصالحي، أتناول تلك الأُسس من خلال استعراض مصادر مادته، والمنهجية التي اتبعها في تنظيمها، ونقدها، ومن ثمَّ أُسلوبه في عرضها؛ لذا أقول: • كانت مُقدمة كتابه منهجية علمية إلى حدٍّ كبير جدًّا؛ حيث ذكر فيها موضوع كتابه، وسببه، وهدفه، ثم عدَّدَّ بعض مصادره، وأوضح مُصطلحات كتابه ومراده منها؛ كما جاء في سبل الهدى (1/ 5:3). • جمع "الصالحي" مادة كتابه من الروايات المعتمدة على الإسناد مما نقله من كتب السابقين - وأعني بالذكر الجزأين اللذين بصدد الدراسة عنهما المختصين بجماع أبواب مغازيه - وأهمها: كتاب المغازي للواقدي، وسيرة ابن إسحاق، وطبقات ابن سعد، وجوامع السيرة لابن حزم - وبهم قد تأثر كثيرًا - وسيرة ابن هشام وإملاؤه، والمنتظم لابن الجوزي، والروض الأنف للسهيلي، والدرر لابن عبدالبر ... إلخ، وهذا ما أوضحته في بحثي "موارد الصالحي في علم المغازي"، فليُنظر في موضعه، وكذا الفصل المسمى بموارد الصالحي في باب المغازي في كتابي " منهج الإمام الصالحي الشامي في تناول السيرة النبوية ". • وبعد أن تكونت لديه المادة التي سعى إلى تحصيلها، أخذ في تنظيمها، وترتيبها على المنهج الموضوعي، بحيث يتناول أحداث كل غزوة وما ارتبط بها من أسباب، وأحداث، وروايات، وتنبيهات، ومُشكل الألفاظ الواردة خلالها، واضعًا عناوين رئيسة وأخرى فرعية، تُيسر على القارئ إدراك الموضوع بمختلف جوانبه ومظاهره، وهذا ما سلكه المؤلف في جميع غزواته. • أهم ما يميز موضوعات هذا الكتاب هي التنبيهات التي يُقدمها الصالحي عقب كل غزوة، وكل موضوع من موضوعات الكتاب، والذي تفرد بها عن سائر كتب المغازي قاطبةً، مراعيًا الترتيب الزمني، ووحدة الموضوع التاريخي، وهذا ما أوضحته خلال فصل الموضوعات في بحثي " منهج الإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي في تناول السيرة النبوية من كتابه (سبل الهدى والرشاد) "، وأظهرته بشكل مُفصل في الفصل التاسع الموسوم بـ"التنبيهات التي أوردها الصالحي ذيل مغازيه"، فليُنظر في موضعه. • لم يفصح الصالحي صراحةً عن منهجه في نقد المادة التي تُشكل كتابه "سبل الهدى"، وإن كان قد عرَّج عليها في مقدمته، ولكن من خلال دراسته يمكن ملاحظة العناصر الأساسية التي تعبر عن توجهه في النقد السيري؛ وهي: 1- يُعلن في بعض الأحيان عن تفضيله لبعض الروايات على غيرها وفق ما يراه فيها من جوانب جديرة بذلك، وإن كان يُعبر عن رأيه مقتضبًا، ويأتي ذلك في صورة الترجيح؛ كما في السبل (4/ 65)، (5/ 112). 2- عدم الأخذ بالأحداث على علاتها، وإنما يستقرئ الحوادث للكشف عن أسبابها، وربطها بما يترتب عليها من نتائج، كما نقل ذلك في غالب التنبيهات. 3- ندرة ما يورده من أخبار ليس لها قيمة أو مُتكلم في إسنادها، وعندما يتعرض لها، فإنه ينقدها، أو ينفي وجودها؛ كما في السبل (4/ 21)، وأحيانًا يعتمدها عن طريق السهو. 4- اعتمد الصالحي في عرضه للمادة السابقة على فحالة اللغة وقوة التعبير؛ مُستشهدًا بالآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، والشعر، للتدليل على صحة مضمون رواياته بلا مبالغة ولا إسراف؛ كما في السبل (4/ 3، 4، 5 ... إلخ). 5- يدعم الصالحي رواياته بذكر السند والمصدر الذي أشرب منه مادته، وبما تحصَّل عليه من مصادر كثيرة، وقعت بين يديه في زمانه، وبعضها الآن في نطاق المفقود، فاحتل كتابه قيمة عظيمة بين كتب عصره، وعُد منهجه بِكرًا ذا صبغة فريدة، وهذا دأبه، ونهج صنعته في الغالب؛ كما في السبل (4/ 14، 17، ... إلخ). 6- الإسناد لديه إسنادٌ جمعي؛ أي: يجمع الرجال والأسانيد في متن واحد، وهذا كثير جدًّا؛ كما في السبل (4/ 172 ...). 7- كان الصالحي يأتي بأكثر من رواية، ويقوم بترجيح الروايات بناءً على ما يعلم من تواتر المعلومات. 8- يذكر الصالحي الغزوات التي سبقت بدرًا؛ كصنيع "ابن إسحاق، والواقدي، وابن سعد، وابن حزم"، فكثيرًا ما يعرض أخبارًا جمعية كثيرة، قلَّما نجدها عند غيره ممن سبقوه أو عاصروه؛ كما في السبل (4/ 14 الأبواء، بواط 4/ 15، سفوان 4/ 16، العشيرة 4/ 17). 9- كذلك كان الصالحي يذكر تفاصيل جغرافية عن موقع الغزوة في نطاق الترجمة لها، وهذا كثير جدًّا؛ كما في السبل (4/ 14، 15، 16، 17). 10- طبَّق الصالحي المنهج التاريخي العلمي البحثي، فكان يرتب التفاصيل المختلفة بطريقة بحثية لا تتغير. 11- كان الصالحي يصف كل غزوة بأسلوب موحد، فيذكر اسم الغزوة وتاريخها، ورافع رايتها ولوائها، ويُكرر في بعضها اسم المستخلف على المدينة وتفاصيل جغرافية، وهذا في جُل غزواته. 12- في المغازي الكبرى يذكر الصالحي أسماء الذين شهدوا الغزوة، وأسماء الذين استشهدوا أو قتلوا فيها، وهذا ما فعله عندما ذكر غزوة بدر الكبرى، وأحد، والمريسيع، وبني المصطلق، وغيرها، وهذا صنيع ابن إسحاق في مغازيه أيضًا، ولعله تأثر به لكنه توسع عنه. 13- كان الصالحي يقوم بإحصائيات محددة للغزوات، ويذكر نتائج المعركة، ويذكر أيضًا عدد القتلى، وهذا ما فعله عندما ذكر غزوة المريسيع، وغيرها. 14- من أهم الخصائص المميزة لباب المغازي عند الصالحي النظام المتكامل للتاريخ، فكل المغازي لديه بتاريخ معين ومحدد، وذكر خاص لها كما فعل الواقدي في مغازيه، إلا أن الصالحي كان يستطرد في المسألة الخلافية التي ترد في تاريخ الغزوة، إلى أن يصل به المطاف لترجيح أحد الآراء الواردة؛ كما فعل في العشيرة (4/ 17). 15- كان الصالحي يكتفي بالنقل في بعض الأحيان، لكن نقله ليس كأي نقل؛ لأنه ينتقي النقولات انتقاء المحدث ثم يجمعها، وفي أحيان أخرى يقوم بالتوضيح والرؤية والشرح والتعليل. 16- الإسهاب في التفاصيل والدقة في الترتيب عند سرده للحوادث المشهورة؛ مثل: بدر الكبرى، وأحد، والطائف، والفتح الأعظم؛ فلقد أسهب كثيرًا حتى إن غزوة بدر أو أحد تعد كتابًا مُنفصلًا لكبر حجمها.
تصريحات مطرب عالمي بعد إسلامه
الشيخ محمد جميل زينو
16-12-2021
1,359
https://www.alukah.net//culture/0/151385/%d8%aa%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%b7%d8%b1%d8%a8-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-%d8%a8%d8%b9%d8%af-%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%87/
تصريحات مطرب عالمي بعد إسلامه نشرت جريدة المدينة المنورة (بتاريخ 5 رمضان 1400 هـ) تقريرًا عن قضية إسلام المطرب العالمي (كات ستيفنز) الذي سمى نفسه بعد إسلامه (يوسف إسلام) ، وفي هذا التقرير تصريحات هامة، وعبر نافعة نذكر من أهم ما جاء فيها: 1 - صُدم الغرب عندما توقفتُ عن الغناء منذ أن أسلمت، وبدؤوا يتساءلون كيف تغيرت؟ وصمتت وسائل الإعلام كلها، وتجاهلوني كليًا، ولم تعد تلهث خلفي كما كانت، لأن أجهزة الإعلام في الغرب يهود، وهم يملكون جميع المفاتيح. 2 - سبب إسلامي زيارة أخي للمسجد الأقصى، وتقديم هدية لي نسختين من القرآن: عربي، إنجليزي؛ لمعرفته مدى اهتمامي بالأديان السماوية، فكنت أقرأ القرآن لوحدي، حتى أتممت دراسته دراسة كاملة، ثم درست حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتأثرت بشخصيته تأثرًا عظيمًا، وبعد عام ونصف من الدراسات العلمية اقتنعت بعظمة الإسلام، وأنه الدين الصحيح، وحمدت الله على أنني اعتنقت الإسلام قبل أن أجتمع بأحد من المسلمين، وقبل أن أتعرف على خلافاتهم. 3 - ذهبت إلى القدس، وفرح بي المسلمون في المسجد الأقصى، وبكيت وصليت هناك، والقدس هي قلب العالم الإسلامي، فإذا كان القلب عليلًا، فالعالم الإسلامي كله مريض، وفي شفائه شفاء للجسم كله، وعلينا أن نحرر هذا القلب باسم الإسلام. 4 - الشعب الفلسطيني يجب أن يتمسك بإسلامه ودينه، ويحافظ على صلاته، وأنا واثق أن الله سينصره. 5 - قالوا لي بعد إسلامي: التدخين حرام فامتنعت عنه، وتركت الخمر، ومعاشرة النساء، وتوقفت عن الغناء والموسيقا. 6 - اخترت زوجة مسلمة محجبة، لأن الجمال في المرأة ليس أهم شيء، إنما الإسلام هو الإيمان والفضيلة. 7 - أقوم الآن بتعلم اللغة العربية؛ لأقرأ القرآن، وأتذوق حلاوته ومعانيه، سأضع كتبًا عن عظمة الإسلام، مستغلًا شهرتي في الدعوة للإسلام. 8 - أعتقد أن الصلاة في أوقاتها أهم ركن من أركان الإسلام، (بعد الشهادتين) والمحافظة عليها في مواعيدها هو أكبر حصن للإنسان وإسلامه، وأشعر براحة وطمأنينة غير عادية بعد كل صلاة. 9 - سمعت أن (يوسف إسلام) يقيم في إنجلترا، ويقوم بالدعوة للإسلام، وله مسجد خاص، يلتف حوله المسلمون ويؤيدونه، فقد سبق المسلمين في تمسكه بإسلامه وحبه له، أسأل الله له التوفيق والثبات. بارك الله فيه وفي أمثاله من المسلمين العاملين.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (اليهودية - الشرخ الأسطوري)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
15-12-2021
5,338
https://www.alukah.net//culture/0/151355/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%b1%d9%8a/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (اليهودية - الشرخ الأسطوري) ومن الكتب التي أعطت موضوع اليهود اعتبارًا مناسبًا لهذه المحددات كتاب حديث، ألَّفه جورج قرم بعنوان: شرق وغرب: الشرخ الأسطوري،ولم يكن هذا هو الكتاب الأول للمؤلف؛ فقد سبقه بعشرة أخرى منذ سنة 1401هـ/ 1981م، وزاد عليه بعد ذلك، وكلها إسهامات يغلِب عليها طابع الفكر السياسي [1] ،هذا الكتاب مليء بالمعلومات الموثقة بالمراجع الحديثة حول موضوع الشرق والغرب. ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب أبدًا من التعرض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، ذلك الموقف الذي بانت آثاره إلى اليوم على العلاقة بين الشرق والغرب، لا سيما ما يسمى بالشرق الأوسط الذي يدين معظم قاطنيه بالإسلام، وتتبنى غالبية القاطنين فيه من غير المسلمين داخل المجتمع المسلم الثقافة الإسلامية، حتى يهود هذه المنطقة العربية قبل الاحتلال كانوا يتبنون الثقافة الإسلامية، دون أن يؤمنوا بالإسلام دينًا؛ إذ إن لهم دينهم الذي يؤمنون به. ولا يخلو الحديث عن الشرق والغرب وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة، لا سيما من المفكرين الغربيين والمستغربين، من الحديث عن المحرقة التي تعرض لها اليهود في ألمانيا النازية إبان الحرب العالمية الثانية التي بدأت سنة 1360هـ/ 1939م وانتهت سنة 1366هـ/ 1945م،ومن ذلك الحديث عن معاداة السامية وأسباب هذه المعاداة، فكانت هناك "مماحكات ثقافية عديدة عن طبيعة النازية، وجنون معاداة السامية وأسبابه، فقد تحولت إلى مشاحنات مزقت العالمين الأكاديمي والإعلامي لسنوات، من دون أن يتم الاتفاق حول المسؤولية المنسوبة إلى هذا العامل أو ذاك فيما جرى، وبالأخص المسؤولية التي تقع على عاتق الألمان بشكل جماعي" [2] ،وما أثاره كتاب دانيال ج.جولدهاجن بعنوان: الجلادون المتطوعون لهتلر: الألمان العاديون والهولوكست، باريس 1417/ 1997م،وكتاب نورمان فنكلشتاين بعنوان: صناعة الهولوكوست: تأملات في استغلال عذابات اليهود، باريس 1421هـ/ 2001م؛ حيث يرى أن ما قام به الألمان في المحرقة أوجد نوعًا من الطقوس أخذت طابع القدسية [3] . يقول جورج قرم: "إن صورة اليهودي "التائه" صورة خلقتها الثقافة الغربية؛لذا من الخطأ القول: إن معاداة السامية ترقى إلى أقدم الأزمنة، بل إن رفض التعددية والفردانية وإيثار ما يجمع ويوحد في إضمار الأخوة الشاملة في المسيحية، هي التي أدت إلى نبذ كل الذين لا يعترفون بالمسيح، واضطهادهم في أزمنة القلاقل والحروب،لكن هذا النبذ كان يلائم المحافظين والمتشددين من اليهود، الذين بدا لهم عالم "المشركين" مدنسًا،مما ساهم في تعزيز عقلية الغيتو" [4] ،ويعرف الغيتو بالهامش على أنها كلمة "تشير إلى الأحياء التي انكفأ إليها اليهود في المدن الغربية، لتجنب الاضطهاد، وكذلك لتجنب الحياة المشتركة مع "الكفار" من غير اليهود" [5] . ورغم المحاولات لدمج اليهود في المساق الوطني كما فعلت فرنسا، ورفع شعور اليهود بالدونية، إلا أن اليهودية لا تزال تعيش نوعًا من الانفصام العقائدي، "وتتنازعها التيارات المتعارضة"،فكان أن أنشئت دولة يهودية، أو أنشئ وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة باسم دولة إسرائيل، التي وصفها المؤلف جورج قرم بطفل الأنابيب، لا عيبًا بطفل الأنابيب، ولكن المراد أعمق من ذلك، فلقد "بذلت الدول الغربية جهودًا خارقة لإرساء دولة إسرائيل، بل سعت بكامل وعيها إلى إيجاد هذه الدولة مسخرة كل طاقاتها الممكنة" [6] . ثم يتساءل المؤلف تساؤلًا منطقيًّا: "كيف يمكن أن يكون الغرب علمانيًّا وجمهوريًّا ويساهم في الوقت نفسه من دون تحفظ في إيجاد دولة مصطنعة تطالب بــ: "حقها" في الوجود استنادًا إلى نص ديني؟ إذا كان التبرير الأخلاقي الذي شرع وجودها بنظر الغرب هو الاضطهاد الذي ألحق باليهود على يد شعب آخر (أي الألمان)، فإنما تم ذلك بمصادرة أرض شعبٍ آخر، أي الفلسطينيين، لا علاقة له بما حصل من اضطهاد في أوروبا للجماعات اليهودية" [7] . والسؤال منطقي، والمسوغ غير منطقي،ويبدو أن هذه القضية التي أثارت ما أثارت في المنطقة، بحيث تكون سببًا رئيسيًّا فيما يجري في المنطقة، هذه القضية لم تخضع للمنطق، بل إنها دليل "صارخ" على الكيل بمكيالين، مما هو موضع قناعة تامة من قبل عدد غير قليل من المفكرين والمناطقة الغربيين، ويزداد هذا العدد مع مرور الأيام، فهل سيصل ذلك العدد المتزايد من ذوي الاقتناع أو الاقتناعات بعدم منطقية زرع وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة إلى أن يكون هناك تأثير ما على هذا الوجود اليهودي في قلب العالم الإسلامي؟ وبالتالي يخفف من حدة التوتر في العلاقة بين الشرق والغرب؟ [1] انظر: جورج قرم ، المسألة الدينية في القرن الواحد والعشرين - بيروت: دار الفارابي، 2007م - ص 407. [2] انظر: جورج قرم ، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 86 - 87 . [3] انظر: نورمان فنكلشتاين ، كيف صنع اليهود الهولوكست؟/ ترجمة ماري شهرستان - دمشق: دار الأوائل، 2003م . [4] انظر: جورج قرم ، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - مرجع سابق - ص 87. [5] انظر: جورج قرم ، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 87. [6] انظر: جورج قرم ، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 87 - 88. [7] انظر: جورج قرم ، شرق وغرب: الشرخ الأسطوري - المرجع السابق - ص 88.
نم مطمئنا: في رحيل العلامة محمد أحمد الدالي
عبدالله بن أحمد راتب النفاخ
14-12-2021
2,316
https://www.alukah.net//culture/0/151333/%d9%86%d9%85-%d9%85%d8%b7%d9%85%d8%a6%d9%86%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a/
نم مُطمئنًّا في رحيل العلامة محمد أحمد الدالي ما زالَ صوتُكَ هناك في مخيِّلتي صوتًا أجشَّ خشنًا لكنَّ فيه دفئًا عميقًا وأنت تعلِّمُني نُطقَ الحروف الأبجدية، بحُجْرة استقبال الضُّيوف، من منزلنا القديم. ما زلتَ هناك، تفتَرشُ أرضَ الحُجرة في جلسة حميميَّة، وإلى جانبك المصنَّفاتُ وأُمَّات المراجع. كنتَ كذلك قريبًا إليَّ في الطفولة، قريبًا إليَّ فيما بعدَها وإن قصَّرتُ في جَنبِكَ كثيرًا وإن فرَّقَتنا الأماكن. لطَمَني نبأُ غيابك فغدَوتُ كسُنونو مَذبوحٍ على عَتبةٍ تائهة وبرغم بُعد الزَّمان والمكان، عاودَني شعورُ اليُتْم! كنتَ البقيَّةَ الباقيةَ من عَبَق تلك الأيام، فأشَمُّ فيكَ رائحةَ والدي، وأنفاسَ عِلمه. لكنَّكما اختَرتُما الابتعاد، والرَّحيلَ نحوَ المكان الذي لا أَوبةَ منه. والعِلمُ في صدرَيكُما، نقشتُماه في الناس، فأدَّيتُما حقَّه، على ما تعِبتُما في تحصيله. واليومَ أوقنُ أنكما تحلِّقان بأجنحةٍ من نورٍ في رِحاب العالم الآخَر مطمَئنَّين حيثُ لا نكَدٌ ولا وجَع. ما زلتُ أذكرُ صوتَك وهو يهوِّنُ عليَّ أيامَ مراهقَتي: كثيرٌ من أبناء الكبار لم يكونوا كآبائهم، فلا تكلِّف نفسَك ما لا تُطيق. كنتَ عزائيَ وَسْطَ جيوشِ الضَّغط التي أحاطَت بي يومئذ، فإن لم تُعِنِّي كلمتُك على الاستقواء بنفسي، فلقد أراحَتني. ولبثتَ بعيدًا، ولبثتُ بعيدًا. لكنِّي حقيقةً، حمَلتُ لكَ من الحبِّ الكثير. فنَم مُطمئِنًّا أستاذَنا، وثِق أنَّ فيما تركتَه من خلفِك إرثًا لا يَمَّحي. ولكَ السلام سلامٌ قدرَ علمِك سلامٌ قدرَ إخلاصِك سلامٌ قدرَ وفائِك.
محمد أحمد الدالي مدرسة العلم والأخلاق
علاء الدين بدران
14-12-2021
1,717
https://www.alukah.net//culture/0/151329/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d9%85%d8%af%d8%b1%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82/
محمد أحمد الدالي مدرسة العِلم والأخلاق إنَّ المنيَّةَ لا تُبقي على أحدِ ولا تَهابُ أخا عزٍّ ولا حَشَدِ ما مُتَّ بل ماتَ أهلُ الأرضِ كلُّهمُ إذ بِنْتَ منهُم وكنتَ الرُّوحَ في الجسَدِ رحم الله علَّامةَ العربية في هذا العصر الدكتور أبا أحمد محمَّد أحمد الدَّالي ، وأسكنه فسيحَ جنَّاته. كان جبلًا من جبال العلم، وبحرًا من بحار المعرفة. ومن محاسنِ النِّعَم علينا أن درَّسَنا مادَّة النحو والصَّرف في السَّنة الأولى في جامعة دمشق، وكنَّا نتَّبعُه في محاضرات الدراسات العُليا، وفي كلِّ مجلسٍ ضمَّ أنفاسَه الشَّريفة، فنجدُ في محاضراتِه ودوحةِ مجالسِه مُستراحًا لنا من عناء دهرٍ وَثُوبٍ صَؤول، ما زالَ يَبغي طلَّابَه النُّصحَ والإرشاد، إن استعصَى علينا بابٌ من أبواب العلم سألناه فيُجري اللهُ على لسانه من عجائبِ القولِ ما يَطمَئِنُّ بنا مِهادُه، فتضيءُ لنا كلماتُه مُحلَولِكَ جَهلِنا، وتتنسَّمُ علينا نفَحاتُ علمِه، ونجدُ في إجاباته كِفايَتَنا. كان رحمه اللهُ مدرسةً في العلم والأخلاق ، فهو ثاقبُ الرأي، نافذُ الفكر، جِهبِذُ العقل، ضليعٌ بحُجَّته، عَفٌّ كريم، حاضرُ الصَّفْح، مَصُون الدِّين، مَبذولُ العطاء، غمرَتنا أياديه البيضاءُ التي لا نستطيعُ كِفاءَها، كلُّ هذا إلى ظَرفٍ ورقَّةٍ ودَماثة. والنَّاظرُ بعينِ العَدلِ يرى أنَّه قد تربَّعَ على عَرشِ تحقيقِ المخطوطاتِ فما له فيه نَديد. أسألُ الله العليَّ العظيم أن يُسبِغَ شآبيبَ رحمَتهِ على أُستاذِنا أبي أحمد، وأن يجزيَه خيرَ الجزاء على ما بذلَ للعربيَّة وأهلها. وكنَّا نُرَجِّيهِ لكَشْفِ عِمايةٍ بأمثالِهِ أمثالُها تتبَلَّجُ فَحُبَّ بهِ جِسْمًا إلى الأرضِ إذ هَوَى وحُبَّ بهِ رُوحًا إلى اللهِ تَعْرُجُ
نظام الإجراءات الجزائية ولائحته التنفيذية لإياد السحيباني
محمود ثروت أبو الفضل
14-12-2021
3,480
https://www.alukah.net//culture/0/151324/%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%b1%d8%a7%d8%a1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%a6%d8%ad%d8%aa%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%81%d9%8a%d8%b0%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a5%d9%8a%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%ad%d9%8a%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a/
نظام الإجراءات الجزائية ولائحته التنفيذية لإياد السحيباني صدر حديثًا كتاب " نظام الإجراءات الجزائية ولائحته التنفيذية "، تأليف: " إياد بن محمد السحيباني "، القاضي في محاكم القضاء العام، من إصدارات " الجمعيَّة العِلميَّة القَضائِيَّة السعوديَّة "، نشر: " دار الحضارة للنشر والتوزيع ". وتضمَّن هذا البحث إعادة ترتيب مواد نظام الإجراءات الجزائية ومواد لائحته التنفيذية، حيث قام الباحث بدمجهما معًا وفقًا للإلحاق الذي قام به أصحاب الفضيلة القضاة، وهم: الشيخ " مطرف بن سليمان البشر "، والشيخ " عبدالعزيز بن عبدالله الناصر "، والشيخ " مشعل بن زايد المفوز "، حيث أدرج تحت كل مادة من مواد النظام ما يتعلق بها من مواد في اللائحة التنفيذية، كما قام بفهرسة كافة مواد النظام واللائحة؛ لكي يسهل الرجوع إليها عند الحاجة. ونجد أن اللائحة التنفيذية لنظام الإجراءات الجزائية قد صدرت مستقلة غير مدمجة بمواد النظام -خلافًا لما عليه غالب اللوائح التنفيذية للأنظمة القضائية - رغم أن اللائحة مرتبطة بالنظام وتنفيذية له؛ مما استدعى الحاجة إلى ربط مواد اللائحة بما تتعلق به من مواد النظام. وقد قام فضيلة الشيخ/ إياد بن محمد السحيباني، القاضي في محاكم القضاء العام، بالاعتماد على بعض الجهود المبذولة في ربط مواد اللائحة مع النظام، مع تعديل بعض ما رأى تعديله، وإضافة التعديلات الأخيرة الصادرة على النظام ولائحته التنفيذية حتى شهر جمادى الأولى لعام 1441هـ، كما قام بإجراء فهرسة تفصيلية لمواد النظام واللائحة. وجاءت هذه الطبعة المتميزة للنظام لكي تكون مرجعًا مفيدًا للمختصين والمهتمين بمراجعة النظام وقراءته.
اقتباسات أسرية من كتاب أريج المسك
د. سعد الله المحمدي
14-12-2021
2,440
https://www.alukah.net//culture/0/151320/%d8%a7%d9%82%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%b3%d8%a7%d8%aa-%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a3%d8%b1%d9%8a%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%83/
اقتباسات أسرية من كتاب أريج المسك الأريجُ كما يقول علماء اللغة توهُّج ريح الطيب، وفوحانُه ونفحته ورائحته الذكية، يقولون: أَرِجَ البيتُ بالكسر، يَأْرَجُ أَرَجًا، فهو أَرِجٌ: أي فاحَ بريح طيبة، قال أَبو ذؤيب : كَأَنَّ عليها بَالَةً لَطَمِيَّةً لها من خِلالِ الدَّأْيَتَيْنِ أَرِيجُ وهذه اقتباسات في مجال الأسرة والمجتمع، انتقيتها من كتابي "أريج المسك، الطريق إلى المعالي والقيم"، المشتمل على أكثر من 30 عنوانًا في مجال التهذيب، والأخلاق، والأسرة، والمجتمع، والموضوعات التي يحتاج إليها الإنسان في حياته اليومية والعملية، والأسس والثوابت التربوية التي تهدف إلى تكوين أسرة سعيدة متماسكة البنيان، قائمة على الحب، والتعاون، والحوار البناء، والتوجيه السليم، والأمان النفسي، والاستقرار الأسري الذي ينشده كلُّ شخص على ظهر هذا الكوكب.. فإلى هذه الاقتباسات: 1- إنَ تعويدَ الأولاد على الصدق، والأمانة، وأداء الفرائض، واحترام الآخرين، وضبط النفس، والانتقال بهم من حياة الكسل، والفَوْضَى، والألعاب الإلكترونية إلى ميدان الجد، ونُور العلم، وروح المثابرة، أمرٌ صعبٌ لا يتحقق إلا بالالتجاء إلى الله تعالى، ثم بالتربية الحازمة المقرونة باللطف، والحنان، والصبر الكبير، والنَّفَسِ الطّويلِ، ومراعاة الفروق العُمْرية. نِعَمُ الإله على العبادِ كثيرة وأجلُّهنَّ نَجابُة الأوْلاد 2- إن بعض أساليبنا التقليدية في التربية بحاجةٍ إلى إعادة نظر؛ حيثُ اختلفت منابع التربية، واشتدَّ طوفان العولمة، واتَّسع فضاء المعلومات في عصرنا؛ لذا يجبُ الإلمام بأساليب التربية الصحيحة وأدبياتها، من التَّعرف إلى عُقول الأطفال وميولهم، وكسب ثقتهم وبناءِ جُسور التَّواصل معهم. فهناك تُقبل إن وعظت ويُقتدى بالقول منك وينفعُ التعليمُ 3- لو طبقنا أساليب التربية النبوية مع الأولاد؛ من زرع القيم النبيلة فيهم، وتصحيح أخطائهم بهدوء ورويَّة، وفتح القلوب لهم، وعوَّدناهم على الصدق والصراحة حتى ولو أخطؤوا، ونقلنا إليهم المهارات وطوَّرناهم؛ لأصبحوا عظماءَ وقادة ومصلحين بإذن الله تعالى. لا تزدَرُنَّ صغارًا في ملاعبهم فجائزٌ أن يُرَوا ساداتِ أقوامِ 4- الحوار مع الأولاد من أهم الوسائل التربوية، وأنفع السبل وأقربها لتقوية العلاقة بهم، وإبراز مواهبهم الكامنة، وكلَّما ازداد الحوار داخل الأسرة، أصبحت مترابطة متماسكة متعاونة، وكلَّما قل الحوار والاحترام والقبول، زادت المشاكل والخلافات واتسعت الفجوة بين أفرادها. 5- الأسرة السعيدة تتفاهم فيما بينها، ولا تسمحُ بتدخل الأقارب، والأطراف الأخرى في أمورها الداخلية، فيَسودُها الوئام والتعاون، ويحفُّها الحُبُّ والاحترام، وتُوزَّع الأدوارُ بين أفرادها؛ حيث يقومُ كلُّ واحد بواجباته ومهامه، ويعرف حقوقه والتزاماته في تكميل صرح السعادة الأسرية. وبلوتُ أسباب الحياة وقستُها فإذا التعاونُ قوَّة ونجاحُ 6- الاختلاف واردٌ في كلِّ بيت، لكننا نحتاج إلى ثقافة إدارة الخلاف، بأن نجعله في حدود اللياقة والأدب، وبأسلوب التحضر والتهذيب، حتى في أصعب الحالات، عملًا بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة: 237]. 7- العلاقات الاجتماعية أخذٌ وعطاءٌ، ومصلحة مشتركة، فلتكن خير أصدقاء للجليس الصالح الذي شبّهه النبي صلى الله عليه وسلم بحامل المسك، فكلُّ أمجاد العالم لا تُوازي صديقًا صادقًا الذي هو ثاني النفس وثالث العينين. وَإنّي وَإيّاهُ كعَيْنٍ وَأُخْتِهَا وَإنّي وَإيّاهُ كَكفّ وَمِعْصَمِ 8- التفقد، والاعتناء بأفراد الأسرة، والاطمئنان عليهم، صفة قيادية ملازمة لصاحب الأسرة، فالأب الناجح يتفقَّد أولاده، ويتواصل معهم بمشاعر أبوية حانية، وكلمات لطيفة، ويهتمُّ بهم فردًا فردًا؛ مما يعطيهم الأمان والراحة النفسية. وَرِثْنَاهُنَّ عَنْ آبَاءِ صِدْقٍ وَنُورِثُهَا إِذَا مُتْنَا بَنِيْنَا
عزيت العربية اليوم: في رحيل العلامة محمد أحمد الدالي
عبدالله جمعان محمد بن شرية
13-12-2021
1,930
https://www.alukah.net//culture/0/151306/%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a/
عُزِّيَتِ العربيَّة اليومَ في رحيل العلامة محمد أحمد الدالي صُدِمتُ بخبرِ وفاةِ العالِمِ المفضالِ الأُستاذ الدكتور محمَّد أحمد الدالي ، كان نجمًا لامعًا في فَضاء العربية، وفَذًّا مِن أفذاذها، وجِهْبِذًا مِن جَهابِذَتها. اطَّلعْتُ على تَحْقِيقِاتهِ الرّصِيْنَةِ لِكُتُب جَامِعِ الْعُلُومِ الباقوليِّ عَلِيّ بنِ الحُسَينِ الْأَصْفهَانِيِّ المُتَوَفَّى سَنة ٥٤٢هـ، الذي تعلَّقَتْ به رِسالتِي الماجستير المدوَّنة بقسمِ اللغة العربيةِ بكلِّية التربية جامعة عَدَن، المخصَّصة لـ (اعتِراضات جامعِ العُلومِ الباقوليِّ في كتابهِ " كَشْف الْمُشْكِلَاتِ وإِيضَاح المُعْضِلاتِ") وهو المؤلَّف الذي حقَّقَه هَذَا العَالِمُ الثَّبت، إلى جانبِ كُتُبٍ أخرى، منها: "الاسْتِدْرَاكِ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ فِي الحُجَّة" ، وكِتابِ "الْإِبانَة في تفصيل مَاءاتِ القُرْآنِ"... وقد أمتَعَنِي عَملُ المُحقِّقِ الماتِع، لتَجَلِّي قُدرتهِ فِي مُناقشةِ الآراءِ، ورَصانة تحقيقِه، وتعليقه، وقُدرتهِ عَلى التَّحْلِيلِ، وَالتبصُّرِ العلميِّ. كان ذلك عامِلاً للتعرُّفِ عليه، والتقرُّب مِنهُ، والاستِفادةِ من عِلْمِه، ثُمَّ طَلَبتُ مِنَ الأُستاذِ الفَاضِلِ أَيْمَنَ ذُو الْغِنَى حبيبِ العلماء ومُحِبِّ العربيِّة ِأَن يَمْنَحَنِي رَقْمَ هاتفهِ؛ للاستفادةِ مِنْ عِلمِهِ، وَتَوْجِيْهَاتهِ النَّيِّرةِ... ودونَ تَوانٍ لَبَّى أيمنُ لِيَ الطَّلَب، وهاتَفتُ عالمَنا المِفْضَال الدَّالي، بَيدَ أنَّهُ كَانَ مَشْغُولًا، ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ بادرَنِي بِاتِّصَالٍ دَوليٍّ، فتعرَّفتُ عليه، وبَيَّنْتُ لَهُ الْمُرَادَ، فَلَم يَضَنَّ عليَّ بِتَوْجِيهَاته النَّافِعَة، دفعَ بِي ذلكَ إلى مَعرفةِ سِيرَتِه العَطِرة، فكانَ ذائعَ الصِّيتِ. وصِيتُهُ فاقَ مَوطِنَه الشَّام والكويت، لِيَصِلَ إلى موطِن العَربيَّةِ جَمْعاء، تاركًا بعدَ رَحيلِه فِي قُلُوبِ مُحبِّيه حُزنًا عَميقًا، وإرثًا عِلميًّا نفيسًا يستَأنسُ به المُحِبُّ، ومَعينًا من العَطاء لا يَنضُب يَروي الظَّمآن. لم يمُتْ مَن خلَّفَ عِلمًا، ولا رادَّ لِقَضاءِ اللهِ، عَزائي لأهل العربيَّة جميعًا نَفَعَ اللَّهُ بِخلَفِهِ وتُراثِه، ونَسألُ اللهَ أن يمنَحَهُ مَنزِلَةَ العِبادِ الصَّالِحِين، وأن يمنحَ أهلَ العَرَبِيَّةِ أَجمَعِينَ الرِّضا بِالقَضاءِ والقَدَرِ، وأن يَربِطَ على قُلُوبِهِمْ بِالصَّبْرِ والسَّكِينَة، ويَخلُفَهُم خَيرًا. وإنَّا لله وإنَّا إليهِ راجِعُونَ.
أصحاب القرية
د. محمد منير الجنباز
13-12-2021
7,496
https://www.alukah.net//culture/0/151298/%d8%a3%d8%b5%d8%ad%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a9/
أصحاب القرية وردت قصة أصحاب القرية في سورة يس، والقرية هي أنطاكية، والدعاة المبشرون هم رسل عيسى عليه السلام؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 13]، خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يتمثل بهؤلاء الرسل الذين أتوا هذه القرية للدعوة فيها، وهداية أهلها إلى التوحيد، فكان مصيرهم التكذيب، وأسوأ مما رأيت من قريش من العداوة والتكذيب، وهذا الخطاب تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وضرب للأمثال له للصبر والتأسي، وأنه ليس أول داعية يجد هذا الصد والجحود من الناس؛ فليس الأمر سهلًا مع المعاندين وأهل المصالح الخاصة، الذين عشش الشيطان في عقولهم وسكن قلوبهم، واستغلوا عمى القلوب؛ ليحققوا زعامة مصطنعة تحقِّق لهم مكاسب مادية؛ فهؤلاء لا يمكن أن يستجيبوا للدعوة، بل هم عقبة أمام الدعوة. ﴿ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ ﴾ [يس: 14]، كانا رسولين من قِبَل عيسى عليه السلام، والضمير راجع إلى الله، فالله هو المرسل لهما؛ لأن عيسى أرسلهما بوحي من الله، فكان أصل الإرسال من الله تعالى، والرسولان هما - كما ورد - يوحنا وشمعون، فما كان مصيرهما؟ ﴿ فَكَذَّبُوهُمَا ﴾ [يس: 14] كذبهما أهل أنطاكية، بل ضربوهما وسجنوهما، ولكي تصل الدعوة إلى الناس بعد سجن الرسولين وكتم صوتهما، ﴿ فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ ﴾ [يس: 14]؛ أي: أردفهما الله بثالث، وزوده بأسلوب في الدعوة مغايرٍ عن الرسولين السابقين بما يتناسب مع ظرف البلد، فاستمرت مسيرة التبليغ بهذا التعزيز ولم تنقطع، واسم الثالث بولس، ﴿ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 14]، فكما بلغهما الرسولان من قبل بأنهما مرسلان، قال الثالث: إني إليكم مرسل، فكانت لغة الثلاثة واحدة لأهل القرية، فكان جواب القرية على هؤلاء الرسل، أو بالأحرى المتنفذين في القرية وهم الملأ، ﴿ قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا ﴾ [يس: 15]، فكان الصد الأول: بأنكم بشر مثلنا، فمن أين لكم هذه الميزة علينا بأنكم رُسل الله؟ وكأن هؤلاء المتنفذين يريدون منهم أن يكونوا ملائكة، أو من نوع آخر مختلفين عنهم، وهذا تفكير خاطئ، وقد قال غيرهم من الأمم مثل هذا الكلام، تشابهت قلوبهم، ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا * أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾ [الفرقان: 7، 8]. ﴿ وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴾ [يس: 15]، وهكذا كذبوا الرسل من غير علم ومعرفة، وإنما أوحى لهم شيطانهم بهذا، مع أنهم قدموا البراهين الصادقة على دعوتهم، وأنهم لا يطلبون منهم أجرًا على ذلك، فكان جواب الرسل: ﴿ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴾ [يس: 16] ردًّا على تكذيبهم بأنهم أشهدوا اللهَ على ما يقولون، ﴿ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴾ [يس: 17]، نحن كُلِّفنا بالبلاغ، فقبِلْنا هذا التكليف؛ لأنه من الله، فعلينا أن نبلغكم هذه الدعوة ونُنذِركم ونحذركم بأن ما أنتم عليه من الكفر يؤدي بكم إلى النار، ﴿ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [يس: 18]، فكان الرد سفهًا وتهديدًا بالرجم أو التعذيب، وحذروهم من الإقامة بينهم؛ لأنهم تطيروا منهم وتشاءموا من مقامهم في بلدهم، وعليهم أن يخرجوا من ديارهم، فكان الرد من الرسل: ﴿ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ ﴾ [يس: 19]، إنْ حلَّ فيكم الشؤم فليس منا، وإنما هو منكم؛ بسبب ما تحملون من فكر إلحادي وضلال بعيد عن التوحيد، ﴿ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ﴾ [يس: 19]، أكلُّ هذا الادعاء بالتطير والتهديد بالرجم والتعذيب لأننا دعوناكم إلى الله وذكرناكم بوجوب الإيمان وأن المؤمن سينال كل الخير في الدنيا والجنان في الآخرة؟ وإن أردتم العيش في الظلام مع الكفر فإن أيامكم ستكون مثل ظلام ليلكم، وإن مردكم بعد ذلك إلى النار، وبإعراضكم تعدون من المسرفين المفرِّطين بحق أنفسكم، فلم تراعوا لها حقوقًا أو صونًا من الأذى والتعذيب، وفي خضم النقاش والجدال بين الحق والباطل دخل مؤمن؛ ليصبحوا أربعة من المؤمنين: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴾ [يس: 20]، ورد أن اسم هذا الرجل المؤمن هو حبيب النجار، فقد أتى مسرعًا ليقدم نصحه إلى أهل القرية - أنطاكية - بأن هؤلاء الدعاة على حق، وقولهم صدق، فاتبعوهم تسلموا، ﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 21]، هؤلاء المتطوعون أتوا لهدايتكم وتقديم النصح والخير لكم بلا مقابل، ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 22]. إن هؤلاء الرسل يدعونكم إلى الإيمان بالذي خلقكم، وهل هذا عيب؟ إنهم لا يدعونكم لعبادة أي كان، يدعونكم لعبادة خالقكم، فهل هذه الدعوة منكرة؟ إذا لم تعبدوا الذي خلقكم فمن تعبدون إذًا؟ فالدعوة الواضحة التي لا ريب فيها هي الدعوة لعبادة الخالق، والاعتراف بقدرته ووحدانيته، وأنا لا مانع عندي أن أعبد الذي خلقني، بل هذا واجبي؛ لأن المرجع والمآب إلى الله، فيجازي الناس إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، ثم فسر لهم العبودية المطلوبة للخالق، وإذا صرفتها لغير الخالق فمن سينجيني من الله إن أرادني بضر؟ وهذا يتطلب منا التفكير السليم لنكون من المؤمنين بالله، ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾ [يس: 23]، فهذه الآلهة المزعومة لا تردُّ عنا أذى، ولا تستطيع لنا شفاعة لإنقاذنا من العذاب، إن فعلت هذا واتخذت آلهة من دون الله فهذا الخطأ الكبير، ﴿ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ [يس: 24، 25]، وهكذا كان حبيب النجار في غاية من البيان والفصاحة والبلاغة، ثم أعلن أمامهم الإيمان بالله ربهم وخالقهم؛ لعله يكون قدوتهم فيتابعونه على هذا السبيل، ويكون قد أدى واجب الدعوة، وفاز بالثواب الكبير لهدايتهم وإنقاذهم من الضلال، ولكن قومه أشقياء لم يؤثر فيهم النصح، ووضعوا كل هذه الأقوال خلف ظهورهم، وقالوا له: إن كنت تؤمن بما تقول فاذهب إلى الجنة وحدك، ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ [يس: 26]، فكانوا شرَّ خَلْق الله عندما أقدموا على قتل هذه الداعية، فقتلوه مستهزئين وهم يقولون: بقتلنا لك - كما تدعي - تدخل الجنة، فها نحن قتلناك، فادخل الجنة عند زعمك، فدخل الجنة، ولما رآها قال: ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 26، 27]، وهذا القول من حبه لقومه رغم إيذائهم له وقتله، لكنه تمنى لو يعلمون مصيره لآمنوا ولنالوا ما نال من الجنان، فتمنى صادقًا أن يبلغَهم مصيره، ولكن هيهات لمن كذبوا الرسل وقتلوا أهل الإيمان وغلف الرانُ قلوبَهم أن يُهدَوْا إلى الحق، بل إنهم استحقوا بفعلهم هذا نقمة الله وعذابه، ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ [يس: 28، 29]، فكان هذا مصيرهم؛ أنْ سلَّط الله عليهم جندًا من السماء وملائكة العذاب، فكانت منهم صيحة مزلزلة مجلجلة قوية، صرعتهم وأنهت شرهم، ونجَّى الله رسله من بينهم، وعلى إثر ذلك قال الرسل والدعاة متحسرين على أهل التفكير الخاطئ الذي يجر عليهم الويلات والعذاب: ﴿ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [يس: 30]. الآيات من سورة يس 13 - 30. قيل: إن أنطاكية كانت من المدن التي قبِلت دعوة الحواريين المرسلين من قِبل عيسى، ولا يعقل أن المقصود بهذه القرية أنطاكية، أقول: إن صح هذا فهناك واحد من احتمالين: ♦ إما أنها أنطاكية، ولكن في غير عصر عيسى، وهؤلاء المرسلون كانوا رسلًا من الله، وأنها دمرت بسبب الجحود، ثم عمرت بعد دهر من الزمان، وقبِلت فيما بعد رسالة عيسى بلا تردد. ♦ وإما أنها غير أنطاكية، لكنها قريبة منها، أو في منطقتها، فأخذت اسمها، وتمضي القصة كما وردت بأن هؤلاء هم رُسل عيسى عليه السلام.
ورحلت يا نور عيني! في رحيل العلامة محمد أحمد الدالي
أحمد عبدالسلام محمد
13-12-2021
1,636
https://www.alukah.net//culture/0/151289/%d9%88%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%aa-%d9%8a%d8%a7-%d9%86%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a/
ورحلتَ يا نور عيني! في رحيل العلامة محمد أحمد الدالي لستُ ممَّن يستحقُّون لقبَ التلميذ، بل إني الطالبُ العاقُّ! نعم، فقد عقَقتُ شيخي وأستاذي وأشغَلتني الدنيا الفانيةُ عنه منذ آخر مرَّة خابرتُه فيها سنة 2019، بعدما تأكَّد لي وصولُ نسخَتَي كتاب (سيبويه معتزليًّا) إليه، وعلى إحداهما إهداءٌ من تلميذ مقصِّر. فجَعَني كما فجَعَ كلَّ من عرفَك غيابُك ورحيلُك إلى حيثُ شاء الله لك المثوى، وفي القلب غُصَّة تكاد تداني غُصَّة الموت. عرفتُك في جامعة قطر تلميذًا في مقرَّر (تاريخ النحو ومدارسه)، وأظنُّ أني رأيتُك قبلها لمحةً خاطفة عند ولوجك إلى مكتب رئيس قسم اللغة العربية -مرتديًا نظارتك التي تُخفي عينيك- لتسلِّمَ نتائجَ المقرَّرات التي كنتَ تدرِّسها في مَبنى البنات، ولعلَّ هذا المقرَّرَ هو أولُ مقرَّر لك في مَبنى البنين؛ إذ لم يكن هناك طالبٌ غيري من الذكور في تخصُّص اللغة العربية وآدابها. عرفتُك وأصبحت تلميذًا مخلصًا -هكذا أدَّعي- لأستاذه الذي يدرِّسه وحدَه في مكتبِه بإحدى قاعات مكاتب قسم اللغة العربية، وهي حُظوةٌ لا يُدركها إلا القلائل. وكأني ذلك التَّائهُ في القِفار الموحشة وقد اهتدى إلى يَنبوع صافٍ يرتوي منه. كنتُ حريصًا أشدَّ الحرص على سؤالك عن كلِّ ما يتعلَّق بعملك في التحقيق، وسعَيتُ ما استطعتُ إلى اقتناء تحقيقاتك، سوى ما أتحفتَني به من نسخ التحقيقات التي أخرجتَها بعد عودتك إلى سوريا وحين استقرارك في الكويت: (الاستدراك على أبي عليٍّ في الحُجَّة)، (الإبانة في تفصيل ماءات القرآن)، (تفسير غريب ما في كتاب سيبوبه من الأبنية)، كلُّها بإهداء منك بخطِّك الجميل، كذلك عدَّة خطابات أحتفظ بها، وكلُّها بخطِّك الذي أحبُّه، وكل خطاب فيه عدَّة إجابات عن أسئلة كنتُ أرسلت في استيضاحها، فجاء ردُّك في عباراتك الأنيقة وبأسلوبك الراقي. اعذِرني فلم أنهَل من مَعينك بالقَدر الذي يؤهِّلني لتدبيج عباراتي بأساليب العرب الفصحاء كما تحبُّ، لكنَّ عُذري أني أحاول قدرَ استطاعتي أن أكتبَ باللغة العربية الفصيحة! بعد رجوعك إلى دمشقَ، كنتُ أتصل بك كلَّ عدَّة أشهر، حين يُكافئني أخي صالح سعد المطوي رحمه الله باتصال من هاتف المكتب في صيدليَّته، وكم كان صالح يتمنَّى أن تعملَ في كتاب ( نثر المرجان في رسم القرآن ) وقد أهدى إليك نسختَه الوحيدة، وحين سألتكَ عنه بطلب منه، أجبتَني في إحدى الرسائل: ( وأما نثرُ المرجان فهو أمام ناظري يتلألأ صباحَ مساءَ، وكلَّما رأيته رأيت الأخ صالحًا الكريم حفظه الله، وأنا مضطرٌّ اضطرارًا شديدًا إلى ترك العمل فيه الآن، وسأعود إليه حين أنظم أو تنتظم جملةُ الأسباب والظُّروف ). أستاذي ونورَ عيني، لقد انطفأت أنوارٌ كانت تُرشدني! رحلتَ ولم أودِّعك، ولم أعلم بمرضِك، ولولا فضلٌ من الله يسَّره لي في متابعة أخي وتلميذك الذي يستحقُّ لقبَ التلميذ والصاحب بلا منازع، أعني أبا أحمد أيمن بن أحمد ذو الغنى = لربَّما كنتُ سأُفجَع بك أضعافًا مضاعفة. اعذِرني للمرَّة الأخيرة يا أبا أحمد، يا شيخي وأستاذي، فلم أقُم بواجبك وقصَّرت في حقِّك، ولعلَّ هذه الكلماتِ التي سطَّرتُها تشفَعُ لي عندك، إلى حين أن يأذنَ المولى تعالى لي باللَّحاق بكَ قريبًا.
من أقوال المستشرقين في الإسلام
الشيخ محمد جميل زينو
12-12-2021
3,726
https://www.alukah.net//culture/0/151267/%d9%85%d9%86-%d8%a3%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d9%82%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
من أقوال المستشرقين في الإسلام 1 - يقول الفيلسوف ( برناردشو ): إني أُكِنُّ كل تقدير لدين محمد؛ لحيويته، فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقةً هائلة لملاءمته أوجُهَ الحياة المتغيرة، وصالحًا لكل العصور، لقد درست حياة هذا الرجل العجيب، وفي رأيي أنه يجب أن يُسمَّى "منقذ البشرية" دون أن يكون في ذلك عداء للمسيح، وإني لأعتقد أنه لو أتيح لرجل مثلِه أن يتولى حكم هذا العالم الحديث منفردًا لحالَفَه التوفيق في حل جميع مشاكله بأسلوب يُؤدي إلى السعادة والسلام اللذين يفتقر العالم إليهما كثيرًا. إني أتنبَّأُ بأن الناس سيُقبلون على دين محمد في أوربا في المستقبل، وقد بدأ يَلقى القَبول في أوربا اليوم. أمريكي يتحدث عن إسلامه هناك الكثير من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية، ممن يبحثون عن سبل جديدة، إما عن طريق الإسلام، أو عن طريق الديانة المسيحية، أو عن طريق البوذية، أو الهندوسية، ويدرك الكثير من الأمريكيين أنهم بحاجة إلى إله، ولكن هناك القليل من المسلمين في أمريكا ممن يصرِّحون بأن الإسلام هو الطريق إلى الله، الطريق الذي اختاره الله لنا. 1 - لقد كان اهتمامي في البداية مكرسًا للديانة البوذية، ولسنوات مضتْ أردت أن أصبح راهبًا بوذيًّا، ولكن بعد دراستي للأديان المقارنة في الجامعة اتجهت نحو الدين الإسلامي، وبعد تخريجي من الجامعة سافرت إلى أوربا، ودرست في هولندا بصحبة صديقين، كان أحدهما طالبًا وهو أردني، وكان الآخر رجلًا كبيرًا في السن ذا مكانة مرموقة، لقد كان في ألبانيا وأمضى في هولندا مدة ثلاثين أو أربعين عامًا مكرسًا حياته لله، وبتأثير هذين الشخصين دخلت دين الإسلام غير مهتم بجمال هذا الدين، أو نقائه، أو فاعليته، بل مقتنعًا بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان في الحقيقة رسول الله، وإذا أعرضت جانبًا عن رسالة الله ورسوله فيُعرِض الله عني. 2 - لقد أمضيت السنين الخمسة الأخيرة قسمًا منها في أمريكا، وقسمًا آخر في العالم العربي، وتوصلت إلى نتيجة بأنْ أُحِبَّ الإسلام وأقدِّره، وآخذ بعين الاعتبار كيف أن هذا الدين يصور حياة الإنسان ويجعلها مقدسة مباركة. وإنها لمأساة بأن أرى المجتمعات الإسلامية وقد فقَدتْ ثقتها بالإسلام، حيث إن شعوب تلك المجتمعات وحكومتها تحاول أن تقلِّد أمريكا والعالم الغربي، في الوقت الذي يصبح فيه الأمريكيون والعالم الغربي خائبي الأمل بتقاليدهم ومعتقداتهم ونظمهم. إن الملايين من البشر في العالم يتطلعون إلى أمريكا من أجل الرشاد والهدى، في حين أن ملايين من الشعب الأمريكي مقتنعون بأن دولتهم أمريكا تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ويتوقع الكثيرون منهم دمارَ هذه الدولة في القريب العاجل. 3 - أما مسلمو أمريكا، منهم يؤمنون بالإسلام إيمانًا كبيرًا، وخاصة المتحولون ( المهتدون ) منهم، ولكننا بحاجة إلى المعرفة، وبجهلنا للمعرفة غالبًا ما نقوم بأعمال طائشة، وخطيرة أحيانًا، وذلك باسم الإسلام، وهناك القليل من الشعب الأمريكي ممن يعرفون كيف يُرشِدون إخوانهم، وفئة قليلة من المسلمين في المجتمعات التي تطبق الإسلام تذهب إلى أمريكا لتنشر الدين الإسلامي في العالم، في الحقيقة لا يُعمل كما يجب، وكثير من المرشدين المسلمين لا يذهبون إلى أمريكا لدعم قضية الله ودينه. 4 - أخيرًا: آمُلُ وأتوقع في السنين العشر القادمة أو نحوها، أن يصبح الطلاب الأمريكيون على اطلاع كبير بالمراكز التقليدية للثقافة الإسلامية، وآمل أن يجدوا هناك ولاءً قويًّا، وطاعة لله؛ ليعيشوا على هديهما، والحمد لله رب العالمين.
حكم العمل بغير المشهور والفتوى به لأبي القاسم بن سعيد العميري
محمود ثروت أبو الفضل
11-12-2021
3,415
https://www.alukah.net//culture/0/151249/%d8%ad%d9%83%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a8%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%87%d9%88%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d9%88%d9%89-%d8%a8%d9%87-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%8a/
حكم العمل بغير المشهور والفتوى به لأبي القاسم بن سعيد العميري صدر حديثًا كتاب " حكم العمل بغير المشهور والفتوى به "، تأليف: الإمام " أبي القاسم بن سعيد الجابري العميري التادلي الفاسي المالكي " (ت 1178 هـ)، تقديم وتحقيق: "صهيب أحمد مصباح"، تقديم وتقويم: د. "محمد الروكي"، المغرب. وهي رسالة أو تقييد للعلامة أبي القاسم بن سعيد العميري التادلي، من المخطوطات النفيسة في موضوعه، على قلة عدد صفحاته، من تراث فقهاء المالكية بالمغرب، المخفي في خزائن المخطوطات، ويتناول فيه مسألة الفتوى بغير المشهور، واختلاف أهل العلم في أقوالهم، وما لهذا الأمر من فائدة عظيمة تفتح أمام السائل حلولًا لما قد يضطر إليه ويعترضه من أمور قد يحتاج فيها إلى تنوع الآراء خاصةً عند وقوع الأمر. وقد تناول فيه المؤلِّف طريقة عرض الأقوال ومقابلتها، موردًا أدلة على جواز العمل بغير المشهور، ومدى حاجة الناس إليه. وبيَّن العميري في بداية رسالته أن بعض الشيوخ بالمغرب كانوا يقولون فيه بالمنع على الإطلاق، وهو ما ظهر له من كلام جمهور العلماء، لكن "العميري" أعمل اجتهاده في اختيار بعض الأئمة الجواز، وارتكاب الرخصة فيه للضرورة، وفيه يتتبع أقوال العلماء المالكيين المانعين ثم يتدرج إلى ذكر اختلاف غيرهم معهم في هذه المسألة وأنها من باب الاجتهاد عند حدوث النوازل، وأن اتباع الرخص بدليل لخوف فتنة ونحوها في بعض الأحوال جائزٌ بشروط، وأنه يجوز الاستعانة به على دفع ضرر ديني ودنيوي، أو تجنُّب حدوث فتنة في الدين. وقد أكثر "العميري" من الاستدلالات الفقهية في كثير من المسائل المتعلقة بالفتوى بالشاذ من الأقوال أو غير المشهور، وأكثَرَ من الاستشهاد بأقوال الأئمة المالكية الأقدمين منهم والمحدثين؛ ليخلص إلى هذا الحكم في نهاية تقييده. وللكتاب نسختان خطيتان بالمغرب، الأولى محفوظة بخزانة الجامع الكبير بالرباط، ضمن مجموع، بحط مغربي مقروء، وعدد لوحاتها خمس لوحات، وعدد الأسطر بكل فقرة أربعة وثلاثون سطرًا، ونُسِختْ بخط المؤلف، وتاريخ النسخ 1145 هـ. والنسخة الثانية محفوظة بالخزانة الحسنية من الرباط رقم 12259، بخط مغربي واضح وناسخها مجهول وتاريخ نسخها مجهول، وعدد لوحاتها سبع لوحات، وعدد الأسطر بكل فقرة عشرون سطرًا. وقد قام المحقق بالترجمة لصاحب الرسالة، ونسخ النص مع تشكيله وضبطه وتصحيح ما وقع فيه من سهو مع المقابلة بين النسخ، وتخريج أحاديثه وأعلامه، وعزو الأقوال لأصحابها، مع التعليق على ما جاء فيه بشكل يوضِّح مشكله ويفك عبارات المؤلف. والمؤلف هو " أبو القاسم بن سعيد العميري الجابري التادلي الفاسي ": أديب، من فقهاء المالكية بالمغرب. ولد بفاس سنة 1103 هـ إلا أنه سرعان ما انتقل إلى مكناس رفقة والده، الذي كانت له مكانة اجتماعية وعلمية مهمة في العهد الإسماعيلي؛ ذلك أنه كان مقربًا من السلطان مولاي إسماعيل، إذ كان يشاوره هذا الأخير في الأمور المهمة، كما اختاره للتدريس بحضرته، وولاه قضاء عاصمته، وجعل له الشورى في مهامه، فكان له بذلك نفوذ كبير في البلاط الإسماعيلي حتى كان يعبر عنه بعض معاصريه بالوزير. نشأ أبو القاسم في بيت علم، في حضن والده، الذي أشرف على تعليمه وتأديبه، ودفع به للتفقه على مجموعة من الشيوخ المعاصرين له، كالشيخ البهلول البوعصامي، والشيخ أبي عبدالله محمد بن أحمد المسناوي (ت1136هـ)، وأبي علي الحسن بن رحال المعداني (ت1140هـ)، وأبي العباس أحمد بن أحمد الشدادي (ت 1146هـ)، والشيخ محمد بصري، والشيخ علي التدغي، وأخذ على عبدالقادر بن شقرون، والشيخ عبدالكبير السرغيني، وغيرهم كثير… ذهب لأداء فريضة الحج مع السيدة خناتة بنت بكار المعافرية أم السلطان المولى عبدالله وحفيدها السلطان محمد بن عبدالله مع مجموعة من الأعلام والأعيان كالوزير السيد الشرقي والسحاقي وغيرهم. وبعد نبوغه في جملة من العلوم؛ كالفقه، والنحو، والأدب وغيره، تصدى للتدريس، فكان ممن فاز بالجلوس بين يديه العلامة أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد الشدادي (ت 1163هـ)، والطيب بن يوسف، وأخذ عنه بالإجازة الشيخ محمد المكي بن موسى الناصري الدرعي. وإلى جانب التدريس زاول المترجم خطة القضاء بمدينة مكناس في عهد المولى عبدالله بن المولى إسماعيل، ثم عزل، وأعيد إليها في ولاية المولى علي ابن المولى إسماعيل، ثم عزل مرة أخرى، وأعيد، ثم عزل، وذلك إبان تحكم العبيد في السلطة. توفي رحمه الله يوم الجمعة 29 جمادى الثانية عام 1178هـ، ودفن بضريح أبي العباس أحمد بن خضراء. ومن مصنفاته: • "الأمليات الفاشية في شرح العمليات الفاسية". • "الورد النبوي في ترتيب ما تضمنه شرح التسميط النبوي" • "اختصار القانون لليوسي". • "اختصار الأقنوم في مبادئ العلوم"، لعبدالرحمن الفاسي. • "التنبيه والإعلام بفضل العلم والأعلام". • "لحن الإمام في الصلاة".
لمحات في مآثر الأديب الدكتور محمَّد عادل الهاشمي رحمه الله تعالى (1347-1439هـ)
عمير الجنباز
09-12-2021
1,973
https://www.alukah.net//culture/0/151212/%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%91%d9%8e%d8%af-%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%b4%d9%85%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89-1347-1439%d9%87%d9%80/
لمحاتٌ في مآثر الأديب الدكتور محمَّد عادل الهاشمي رحمه الله تعالى (1347-1439هـ) أستاذنا الأديب المفكِّر الدَّاعية الدكتور محمَّد عادل الهاشمي أبو النَّضر رحمه الله تعالى، من مواليد حلب الشَّهباء عام1347هـ،1928م، وهو من نبلاء الأدباء وفضلائهم، ورائدٌ من روَّاد نظريَّة الأدب الإسلامي في تدريسه وتأسيسه، هو وشقيقه العلَّامة الأديب الأستاذ الدكتور محمَّد علي الهاشمي رحمه الله، خاضَ بحور الأدب، وتفنَّنَ في إجادة نوال الأرب، وأبدى من المحاسن وأبدع، وارتوى من حياض النَّباهة وتضلَّع، وأقبل على مطالعة كتب العربيَّة وآدابها، واشتغل بها حتى ضبط الكثير منها وحفظ غالبها، إلى أن حصل على الإجازة في الآداب وعلوم اللُّغة العربيَّة من جامعة دمشق، ثمَّ تابع دراسته العليا في جامعة بغداد وحصل على الماجستير عام:"1393هـ،1974"عن أطروحته: " أثر الإسلام في الشِّعر الحديث في سوريَّة من واقعة ميسلون إلى واقعة الجلاء" ، ثم الدكتوراه من جامعة الإسكندريَّة عام:"1404هـ،1984م" عن أطروحته: "الإنسان في الأدب الإسلامي" ، حيث بذل فيها جهدًا علميًّا واسعًا خلال ستَّة أعوام تحت إشراف الأستاذ الكبير محمَّد مصطفى هدَّارة رحمه الله، قدَّم فيها الأدب الإسلامي إلى الأوساط الأدبيَّة على أنَّه بديلٌ راقٍ عن النَّزعات الأدبيَّة المادِّيَّة ليحقِّق إضافة تستقبله الأوساط العالميَّة بزادٍ جديدٍ يوسِّعُ من رؤية الأدب الأخلاقيَّة ويجدِّد من قيمته من خلال الذَّوق والتَّصور، ويجنِّب الجيل المعاصر مزالق التَّيَّارات الأدبيَّة المتغرِّبة والشَّاذَّة يستلهمون من خلاله السَّير على نهج الأدب الإسلامي الرَّائق، والَّذي يُسهم في إعلاء قيمة الأمَّة الحضاريَّة بابتعاث أدبٍ يُعبِّرُ عن تطلُّعاتها وقيمها وتصوراتها وخصائصها، وكان له في ذلك جهودًا مأثورة في ميادين التَّربية والدَّعوة والتَّعليم ببلدان عديدة .. مع عدَّة تآليف رفيعة، وجملة تصانيف بديعة، وأحاديث إذاعيَّة طليعة، فمن جملتها : • أثر الإسلام في الشِّعر الحديث في سوريَّة . • الإنسان في الأدب الإسلامي • في الأدب الإسلامي تجارب ومواقف . • قضايا وحوار في الأدب الإسلامي . • شعر عصر صدر الإسلام من منظور التَّصور الإسلامي . • شعراء وأدباء على منهج الأدب الإسلامي . • رؤى الإيمان في الأدب الإسلامي . • عالم الإيمان في الأدب الإسلامي • مصطفى السباعي، رائدُ أمَّة وقائد دعوة . • التَّغريب المبكر في أدبنا المعاصر . فكان مجمعًا للعلوم والمعارف، ومنتدىً للآداب وظلَّها الوارف، مغرمًا بصيد الشَّوارد، وقيد الأوابد، فاضلًا صالحًا، زاهدًا فالحًا، طيِّبًا لطيفًا، ليِّن الجانب عفيفًا، وكان يجري في مجالسه مطارحاتٌ أدبيَّة، ومذاكرات فكريَّة دعويَّة، مع ذكاءٍ في فطرته، واحتشامٍ في عشرته، حيثُ لا يملُّه جليسه، ولا يرومُ فراقه أنيسه، وكثيرًا ما يدور حديثه عن حنينه لموطنه حلب الَّذي تركه قسرًا بسبب نشاطه الدَّعوي والتَّربوي، فكانت حلب وسوريَّة تملأ ناظريه، وترنُّ في أذنيه شوقًا وطوقًا، وينشد في أكنافها ونفحها الشِّعر الرَّطيب، والنَّثر الخصيب .. ولم يزل أستاذنا مستويًا على مراقي أدبه، متصاعدًا في معارج بلوغ أربه، إلى أن آن ارتحاله، وحانَ انتقاله، وكانت وفاته رحمه الله تعالى في التَّاسع من شعبان عام تسعٍ وثلاثين وأربعمائة وألف هجريَّة بالرِّياض، تغمَّده الله بواسع مغفرته ورضوانه، وبوّأه فسيح جنانه، وتقبَّل منه عمله وجهده وعطاءه، وأخلف على المسلمين خيرًا ..
لمحات في مآثر العلامة الأصولي الدكتور محمد المختار بن محمد الأمين الجكني الشنقيطي رحمه الله تعالى (1364 -1441 هـ)
عمير الجنباز
09-12-2021
2,249
https://www.alukah.net//culture/0/151211/%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%83%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%86%d9%82%d9%8a%d8%b7%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89-1364-1441-%d9%87%d9%80/
لمحاتٌ في مآثر العلَّامة الأصوليِّ الدُّكتور محمَّد المختار بن محمَّد الأمين الجكنيِّ الشَّنقيطيِّ رحمه الله تعالى (1364-1441 ھ ) العالم الكامل المُتقن، والجهبذ الفاضل المتفنِّن؛ شيخنا الأستاذ الدُّكتور محمَّد المختار بن العلَّامة الجليل الشَّيخ محمَّد الأمين الجكنيُّ الشَّنقيطيُّ، صاحب أضواء البيان رحمهما الله تعالى، الأصوليُّ المُفيد، والفقيهُ المُجيد، مفيدُ الطَّلبة بالفقه والمعقول، والمنطوق والمفهوم، ومُقيِّد أركان الفروع والأصول. شهمٌ همامٌ وللمختارِ نسبته فيا لها نسبةً تسمو لمبتهجِ فمنصبُ المجدِ فيه حازَ غايته وقد سعى نحوه بالصِّدق واللَّهجِ وُلدَ في بلاد شنقيط بالولاية الثَّالثة (ولاية لعصابة) سنة: 1364هـ - 1945م، نشأ في حجر والده العلَّامة الجليل الشَّيخ محمَّد الأمين الشَّنقيطي "صاحب أضواء البيان"، ت: 1393هـ، وعليه تكمَّل، وبه قد حاز على ما رجا وأمَّل، فقد كان بدرًا مُنيرًا للمُسترشدين، وبحرًا زاخرًا للمُستفيدين، وربَّاه على كمال الصِّيانة، والعفَّة والدِّيانة، حفظ القرآن وأتقنَه، وجوَّده وأحسنَه، ثم بعد أن أتمَّه وجمعَ آدابَه، أخذ في إتقان الخطِّ والكتابَة، وذلك في الكتاتيب والدِّراسة المحضريَّة على العادة الشَّنقيطيَّة. فأكبَّ على الطَّلب والتَّحصيل، ولازم الأساتذة ملازمة المدلول للدَّليل، مشمِّرًا فيه عن ساعد الجدِّ والاجتهاد، متوقِّدًا ذكاءًا مع ارتياض وارتياد، فخاض بحار المنقول، وقطع مفاوز المعقول، وبرع في الفروع والأصول، وحفظ المتون والفنون، فابتهج به ذوو المعارف، وأقرُّوا له بالفضائل والعوارف، وسادَ على أقرانه، وأحرز قصب السبق في ميدانه، إلى أن بلغَ مطلوبَه، وحصل مراده ومرغوبَه، من كلِّ علم رفيع، وفنٍّ بديع. وقد رحلَ بعدها إلى المدينة المنوَّرة ولحقَ بوالده حيث كان مُدرِّسًا في الجامعة الإسلاميَّة سنة 1385هـ، فالتحقَ بالمدارس النِّظاميَّة وحصل على شهادة الابتدائيَّة في سنةٍ واحدة، ثمَّ دخل المعهد العلميَّ فدرس فيه المرحلتين المتوسِّطة والثَّانويَّة، وأكمل الثَّانويَّة في معهد الجامعة الإسلاميَّة. ثمَّ التحقَ بكليَّة الشَّريعة في الجامعة الإسلاميَّة وتخرَّج فيها سنة 1396هـ، ثمَّ واصل دراساته العليا فيها وحصل على الماجستير في أصول الفقه سنة 1401هـ، بدراسة وتحقيق كتاب شرح المراقي للمرابط محمَّد الأمين بن زيدان الجكني، ثم نال منها الدكتوراه في أصول الفقه سنة 1404هـ، عن دراسته وتحقيقه لكتاب: "سلاسل الذَّهب" للإمام بدر الدِّين الزَّركشي، وكان مشرفه وأستاذه في مرحلة الدِّراسات العليا الدكتور عمر بن عبدالعزيز العراقي، واستفاد منه كثيرًا. بعدها عملَ مدرِّسًا بكليَّة الشَّريعة في الجامعة الإسلاميَّة، ووصل فيها إلى رتبة أستاذ مشارك، ورئيسًا لقسم أصول الفقه فيها لمرَّتين. ومن بحوثه الفائقة: سلسلة التَّعارض وطُرقِ دفعه، ومن تحقيقاته الرَّائقة أيضًا: كتاب تقريب أصول الفقه إلى علم الأصول للإمام ابن جُزي الغرناطي، لقطة العجلان للإمام الزَّركشي، كتاب تقريب أصول الفقه إلى علم الأصول للإمام ابن جُزي الغرناطيِّ، نظم الجوامع للمختار بن بونا الجكنيِّ. وله عدَّة دروس وشروحات على كتبٍ عديدة، تصدَّى لشرحها وبيانها دالَّة على فضله وعلمه، وغزير ذكائه وفهمه، منها: الرِّسالة للإمام الشَّافعي، جمع الجوامع لابن السُّبكي، الإحكام للباجي، روضة النَّاظر لابن قدامة، مذكِّرة أصول الفقه، وآداب البحث والمناظرة، ودفع إيهام الاضطراب، ثلاثتها لوالده، مختصر الرَّوضة للطُّوفي، الموافقات للشَّاطبي، نثر الورود شرح المراقي، لقطة العجلان للإمام الزَّركشي، سلاسل الذَّهب للزَّركشي، بديع النِّظام لابن السَّاعاتي، وتفسير النِّسفي، والتَّسهيل والقوانين الفقهيَّة والتَّقريب كلُّها لابن جُزي، والأحكام للعزِّ بن عبدالسَّلام، وغيرها كثير. وكان مطبوعًا على المعروف والخير، مجبولًا على المساعدة ودفع الضَّير، كثير النَّصيحة والفوائد، جديرًا بالعطايا والعوائد، وكم انتفعنا من دروسه وشروحه وتآليفه ودوراته العلميَّة الَّتي تشهدُ له بكمال المعرفة فروعًا وأصولًا! مع تقنُّعِ الزُّهد والكفاف، وارتداء الصَّون والعفاف. ولم يزل على إفادته واستفادته، وتقواه وطاعته، إلى أنْ ذَوَى غصنه اليانع، وسقت قبره الغيوثُ الهوامع؛ حيث توفِّي رحمه الله تعالى يوم الثلاثاء غرَّة ربيع الأول عام واحدٍ وأربعين وأربعمائة وألف هجريَّة، وصُلِّي عليه في المسجد النَّبوي الشَّريف، ودُفن في البقيع، غفرَ الله له وأعلى في المَدارج مُرتقاه، وجعلَ الجنَّة مثواه ومأواه، وأخلف على المسلمين خيرًا.
المبادرة الخضراء مبادرة شرعية وضرورة عصرية
محمد عباس محمد عرابي
08-12-2021
1,602
https://www.alukah.net//culture/0/151200/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b6%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d8%a8%d8%a7%d8%af%d8%b1%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%b9%d8%b5%d8%b1%d9%8a%d8%a9/
المبادرة الخضراء مبادرة شرعية وضرورة عصرية تواجه البشرية اليوم العديد من التغيرات المناخية واتساع ثقب الأوزون، وتحرص جميع دول العالم على مواجهة الآثار السلبية لذلك، ومن أبرز المبادرات التي قد تم الإعلان مؤخرًا عنها: مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر (الطاقة الخضراء)، وذلك من خلال القيام بزراعة مليارات الأشجار، وإنها لمبادرة مباركة نافعة للبشرية جمعاء، وهي من أعظم السبل والإجراءات لمواجهة الأخطار البيئية، وخاصة الانحباس الحراري، ومواجهة التصحر بزراعة الأشجار. مبادرة شرعية: وإن هذه المبادرة لهي مبادرة شرعية، وهي تستند إلى نصوص ديننا الحنيف (القرآن الكريم، والسنة المطهرة)؛ ففي القرآن الكريم نجد قوله تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ * وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ * رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ ﴾ [ق: 9 - 11] . وفي السنة المطهرة نجد الحديث الشريف الذي رواه الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه: (( أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أمِّ مبشر الأنصارية في نخلٍ لها، فقال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ؟ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟ فقالت: بل مسلم، فقال: لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا، وَلاَ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ ))؛ [رواه مسلم]. ونجد الحديث الذي رواه الصحابي الجليل أنسٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَلَّا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ ))؛ [رواه أحمد، وصححه الألباني]. ضرورة عصرية: كما أن هذه المبادرة الخضراء المباركة ضرورة عصرية تلبيةً لاستغاثة التربة ولمواجهة التصحر الذي يعمل على تدهور الأراضي، ويجعلها غير قابلة للزراعة، ومواجهة لكل تغير مناخي ونشاط بشري يؤدي إلى التصحر. أَلَا ما أجمل وأروع بهذه المبادرات القائمة على الشراكة الإقليمية؛ فهي مبادرات واعدة تعمل على حماية الطبيعة والأرض! وختامًا ندعو الله تعالى بالتوفيق والسداد في تنفيذ هذه المبادرات؛ حتى يعود نفعها على دعم العمل البيئي في العالم أجمع، ومنطقة الشرق الأوسط خاصة.
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (اليهودية- التعاطف)
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
08-12-2021
4,466
https://www.alukah.net//culture/0/151186/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d8%b7%d9%81/
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (اليهودية- التعاطف ) اليهودية محدد من محددات العلاقة بين الشرق "المسلمين" والغرب؛ ذلك أن اليهود قد حاربوا النصرانية حين ظهورها، حتى اتهمهم النصارى أنفسهم بقتل المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - صلبًا؛ فاتخذت النصرانية الصليب بعدئذ شعارًا لها،ولم تبرئ اليهود من مقتل عيسى ابن مريم - عليهما السلام - إلا في الثمانينيات من القرن الرابع عشر الهجري، الستينيات من القرن العشرين الميلادي (1965م)، إبان رعاية البابا بولس السادس للكنيسة الكاثوليكية - كما مر ذكره - فيما سمي بفاتيكان اثنين، إشارة إلى المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني [1] ،ويُعَدُّ هذا البراء وجهة نظر كاثوليكية قد لا تتفق مع الطوائف الأخرى، لا سيما الكنيسة الشرقية؛ فالعداء بين اليهود والنصارى مستحكم وراسخ في الصحيح: ﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ﴾ [البقرة: 113]. ونظرة المسلمين لعيسى ابن مريم - عليهما السلام - ونظرية القتل والصلب واضحة، نزل بها القرآن الكريم: ﴿ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا ﴾ [النساء: 157]. وقد دخل بعض اليهود في النصرانية منذ سنواتها الأولى، ويعد مطلع النصف الثاني من القرن الأول الميلادي نقطة تحول في الديانة النصرانية، حين تنصر بولس أو شاؤول (ت 67م)، الذي كان يضطهد النصارى ويؤذيهم في دينهم وكنائسهم، ثم تحول إلى النصرانية وأراد أن يشوهها من داخلها، وقد فعل وسُمِّي بالمخلص عند طائفة من النصارى، مما أعان على التحريف في هذه الديانة الربانية [2] . ومعظم التحريف جاء في مصلحة اليهود؛ لأنه قام أصلًا على أيادٍ يهودية تحولت إلى قسس وكاردنالات، بل وبابوات،فكان أن تحولت النصرانية عند بعض طوائفها إلى دين يتعاطف مع اليهود، حتى وصل الأمر إلى إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين المحتلة على أيدي النصارى، من الحكومات الغربية ورجال الدين والفكر والمال في الغرب،ومراحلُ التمهيد للوطن القومي والبحث لليهود عن مكان: معلومةٌ، حتى استقر الأمر ليكون قلبَ العالم الإسلامي في فلسطين، منذ أن سعى هرتزل إلى ذلك سنة 1898م؛ أي: قبل خمسين عامًا من قِيام دولة لليهود في فلسطين المحتلة سنة 1948م/ 1367هـ. ويدعم الغرب اليهود في فلسطين المحتلة، حتى تحولت بعض دور العبادة النصرانية في الغرب إلى منابر تأييد للوجود اليهودي في فلسطين، على حساب المسلمين والنصارى الشرقيين، ولهم في ذلك آثار يزعمون أنها دينية، ومنها أن المؤمنين - النصارى هنا - سيقاتلون الكفار - المسلمين هنا - في فلسطين بمعاونة اليهود. ولا تكاد تجد كنيسة مشهورة، أو قسًّا مشهورًا، لا يدعو إلى دعم قيام دولة اليهود في فلسطين،هذا في المجتمع الغربي بصورة خاصة، وليس في المجتمع النصراني الشرقي الذي خبَرَ اليهود وأصر على موقفه منهم. وانتشر الوباء اليهودي في الغرب، حتى تحول الغرب نفسه إلى مؤسسات تخدم مصالح اليهود،وتزعم اليهود فيها معظم الاقتصاد والسياسة والثقافة والإعلام، وإن لم يكن السياسيون المباشرون بالضرورة جميعهم يهودًا. وقد حذر بنجامين فرانكلين من فتح باب الهجرة لليهود إلى أمريكا الشمالية، وأكد أن الأمريكيين النصارى سيكونون عمالًا لليهود إذا ما حل اليهود بأرض القوم،وهذا مضمون وثيقة محفوظة في قاعة الاستقلال في مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية [3] . وقد انضم المجلس العالمي للكنائس إلى المنظمة الصهيونية العالمية علنًا عام 1397هـ/ 1977م [4] ،وظهر مصطلح المسيحية الصهيونية، وهي "حركة معاصرة هدفها مساندة الصهيونية اليهودية التي اتخذت من فلسطين المحتلة - ما يسمى "بدولة إسرائيل" - كيانًا لها" [5] ،وقد انطلقت هذه الحركة من أمريكا لتعضيد دولة اليهود في فلسطين المحتلة، وتدَّعي أن عودة اليهود لفلسطين هو تحقيق للنبوءات، وتهيئة لعودة المسيح [6] . ومما يعملون عليه في هذا المسار سحب العالم الغربي لتأييد اليهود في كل مكان، بما في ذلك تأييده ودعمه لوطن يهودي قومي في فلسطين المحتلة، حتى وصل الأمر الآن إلى ترسيخ الاسم الذي اختاره اليهود لدولتهم: "إسرائيل"، وحتى ليكاد يطغى على الاسم الأصلي "فلسطين" الذي عرفه النصارى والمسلمون من قبل، بل وعرفه اليهود قبل ذلك. وكان هذا الموقف الغربي إزاء اليهود، وبالتالي المسلمين، محددًا قويًّا من محددات العلاقة بين الشرق والغرب؛ إذ يحرص على استمرار هذا الشد بين الشرق والغرب؛ لأن اليهود يدركون أنه ليس في مصلحتهم وجود بذور تقارُب أو تلاقٍ بين الطرفين؛ لأن ذلك سيكون على حساب الوجود اليهودي، ليس في المنطقة فحسب، بل على الأرض كلها؛ إذ إن الصورة الصادقة عن اليهود إنما هي عند المسلمين ولدى بعض النصارى غير الظاهرين للناس،ويكفي أن نتذكر الآن موقف الغرب كله من روجيه جارودي [7] والقس الفرنسي الذي آزره في قضية واحدة حديثة تتعلق بادعاء اليهود إبادة الملايين الستة منهم في خضمِّ الحرب العالمية الثانية [8] . ولأن العالم، بما في ذلك المسلمون، يعلم طبع اليهود، تظهر النفرة بين العالم واليهود، وتنعكس هذه النفرة على العلاقة بين المسلمين والغرب، ويتعرض من يحذر من ذلك للمضايقة والتجاهل،والسياسة في الغرب تغلِّب جانب المصالح على أي معنى آخر من المعاني الإنسانية القائمة على الموضوعية والحقوق، إلا في الشأن اليهودي؛ فإن دعم اليهود في فلسطين المحتلة يتعارض مع المصالح العليا للشعوب الغربية [9] . هذا على المستوى المعلن الذي تترتب عليه قراراتٌ ومصائر، أما غير المعلن رسميًّا والمتروك للمجالس الخاصة فإن الغرب، أفرادًا ومؤسسات، يدرك الهوية اليهودية والطبع اليهودي المخادع، ولا يصرح بهذا الإدراك شخصٌ إلا فقَدَ مكانته السياسية أو العلمية، حتى لو جاء التصريح على سبيل الطرفة واللطافة،ويذكر في هذا المقام ما حل بوزير البيئة جيمس وات في بداية ولاية رونالد رجين في مطلع الأربعمائة والألف الهجرية - الثمانينيات الميلادية، عندما لمز اليهود بتصريح كانت نتيجته أن أجبر على تقديم استقالته من الوزارة [10] ،ومن خلال حوادث أخرى متفرقة صرح بها بعض الأشخاص البِيض عن موقفهم من اليهود؛ ففقدوا مكانتهم، وتكتَّم الآخرون على هذا الإدراك وجعلوه خارج نطاق حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الفكر [11] . والشائع الآن أن اليهود في الغرب يسيِّرون معظم المجتمع على ما يرون من مفهوم للحياة،ولم يقتصروا في تسييرهم هذا على الغرب، بل سعَوا إلى انتشار نفوذهم على البلاد والمجتمعات الأخرى التي أفادت من الحضارة الغربية، على حساب حضارتها وثقافتها ومبادئها ومُثُلِها،وهذا ظاهر واضح في شرق آسيا وجنوب شرق آسيا وضوحًا تامًّا. والعقبة الكَأْدَاءُ التي وقفت في طريق تنفيذ الرغبة اليهودية رغم كل شيء هي الإسلام وأتباعه المسلمون، الذين ينبني عليه دينهم - على ما هم عليه من إضعاف - مع ما ينبني عليه من فهم حقيقة اليهود وتطلعاتهم في الحياة، ومواقفهم من الأمم السابقة، ومن الأنبياء والرسل من قبل. ويحاول عبدالوهاب المؤدب مرة أخرى الاعتذار لليهود بالتفريق بين اليهود زمن المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم الذين نزل بهم القرآن الكريم ويهود اليوم، ويرى أن هناك من "ينظر إلى يهود المدينة (من معاصري النبي محمد) وإلى يهود إسرائيل المتحاربين مع الفلسطينيين والعرب النظرة نفسها؛ أي إن العداء لليهودية يختلط بالعداء للصهيونية، ثم يتطور عداءً للسامية دون التنبه إلى أن هذا الأخير من مستوردات الغرب" [12] ،وهذه إشكالية لا تفتأ تتردد حول التفريق بين اليهودية والصهيونية [13] ، لا سيما فيما له علاقة باليهود في فلسطين المحتلة وقيام دولتهم على البعد الديني والقومي [14] . ويُدرك اليهودُ هذا الموقف من الإسلام، وعُرِف عنهم أنهم يقرؤون النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تبين هذه الحقيقة، كما تبين مصير اليهود على أيدي المسلمين؛ ولذا نجدهم ينفقون أغلب جهودهم في تأخير هذا المصير. [1] انظر: زينب عبدالعزيز ، حرب صليبية بكل المقاييس - دمشق: دار الكتاب العربي، 2003م - ص 27 - 53 ، (سلسلة صليبية الغرب وحضارته: 1). [2] انظر: علي بن إبراهيم النملة ، التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص295. [3] يشكك عبدالوهاب المؤدب في صحة الوثيقة، ويرى أن اليمين الأمريكي المتطرف قد زورها في العشرينيات من القرن العشرين الميلادي المنصرم، ونسبها إلى مدبج الدستور الفدرالي بنجامين فرانكلين ، انظر: عبدالوهاب المؤدب ، أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 136 . [4] انظر: أسعد عبدالرحمن ، المنظمة الصهيونية العالمية 1882 - 1982م - ط2 ، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م - ص 202 . [5] انظر: سليمان بن سالم بن ناصر الحسيني ، الحملات التنصيرية إلى عمان والعلاقة المعاصرة بين النصرانية والإسلام - لندن: دار الحكمة، 2006م - ص 494 . [6] انظر: إكرام لمعي (القس) ، المسيحية الإنجيلية (البروتستانتية) والموقف من الآخر - ص 153 - 262 - في: رقية العلواني وآخرين ، مفهوم الآخر في اليهودية والمسيحية/ تحرير منى أبو الفضل ونادية محمود مصطفى - دمشق: دار الفكر، 1429هـ/ 2008م - ص 264 - (سلسلة التأصيل النظري للدراسات الحضارية؛ 2). [7] انظر: روجيه غارودي ، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية - ط 3 - ترجمة: حافظ الجمالي وصياح الجهيم - بيروت: دار عطية، 1997م - ص 373. [8] انظر: رضا هلال ، المسيح اليهودي ونهاية العالم: المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا - القاهرة: مكتبة الشروق، 1422هـ/ 2001م - ص 272. [9] انظر: غريس هالسل ، يد الله: لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟ ترجمة محمد السماك - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ/ 2002م - ص122 . [10] انظر: بول فندلي ، من يجرؤ على الكلام: الشعب والمؤسسات في مواجهة اللوبي الإسرائيلي - ط5 - بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 2002م - ص 622 . [11] انظر من ذلك: أحمس حسن صبحي ، المسلمون والمسيحيون تحت الحصار اليهودي - القاهرة: مكتبة مدبولي، 2002م - ص 253. [12] انظر: عبدالوهاب المؤدب ، أوهام الإسلام السياسي - مرجع سابق - ص 137. [13] انظر في هذه المسألة: عبدالرحمن بن محمد الدوسري ، يهود الأمس: سلف سيئ لخلف أسوأ/ راجعه وخرج نصوصه وعلق عليه: مصطفى بن أبو النصر الشلبي - جدة: مكتبة السوادي، 1413هـ/ 1992م - ص 280 . [14] انظر في تنظيم الصهيونية: أسعد عبدالرحمن ، المنظمة الصهيونية العالمية 1882 - 1982 - ط2 ، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1990م - ص 272 .
علم النفس من النبع الصافي
فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
07-12-2021
2,544
https://www.alukah.net//culture/0/151150/%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%81%d9%8a/
علم النفس من النبع الصافي الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فالعلم أقسامه كثيرة، وأجلُّ العلوم، وأفضلها، وأزكاها، وأشرفها: العلم بالله عز وجل، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، فبه يعبد المسلم ربه على علم وبصيرة، وبه تستقيم القلوب، وتزكو الأخلاق، وتصح الأعمال، وبه يسعد الإنسان في دنياه وآخرته. وهذا العلم أصل كل علم، وما سواه من العلوم إما أن يكون وسيلة إلى خير، وإما أن يكون وسيلة إلى شر، ومن العلوم التي هي وسيلة إلى خير: علم الطب، فهو من أفضل العلوم، قال الإمام الشافعي رحمه الله: لا أعلم علمًا بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه. وعلم الطب قسمان: طب أبدان، وطب نفوس، وإذا كان علم طب الأبدان مهم؛ لأنه وسيلة لعلاج الأجساد من أمراضها الحسية، فإن علم طب النفوس مهم كذلك؛ لأنه وسيلة لعلاج النفوس من أدوائها النفسية، فالأمراض النفسية لها آثار ضارة على المُصاب بها، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وهل العذاب إلا عذاب القلب، وأي عذاب أشدُّ من الخوف، والهم، والحزن، وضيق الصدر، و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ليس في الحقيقة العذاب ألم البدن فقط، أنا عندي وعند كُل الناس أن العذاب المهين هو ألمُ القلب والنفس، هذا أشدُّ وأعظمُ، فالعذاب العظيم في الحقيقية هو عذاب القلب. فعلم طب النفوس علم مهم، وفي عصرنا هذا تزداد أهميته، نتيجة لزيادة كثرة المصابين بالأمراض النفسية، وتنوُّع وتعدُّد الأمراض النفسية. الأمراض النفسية تكثر وتنتشر كلما ابتعد الإنسان عن أحكام الإسلام وآدابه، ولهذا تنتشر هذه الأمراض وتكثُر عند الكفار، ومن سار على دربهم، واقتفى أثرهم، يقول العلامة عبدالرحمن البراك: بقدر بُعد الناس عن شرع الله تعالى يكون شقاؤهم، وبقدر تمسُّكهم بشرع الله تكون سعادتهم. ورغم كثرة وتنوع مدارس ونظريات علم النفس عند الكفار، فلم تنجح في علاج مرضاهم من عللهم وأمراضهم النفسية، ف أعداد مرضاهم النفسيين في ازدياد، وأمراضهم النفسية تتكاثر وتتنوع، يقول الدكتور محمد عثمان نجاتي: قد بذلت جهود كبيرة في ميدان العلاج النفسي للإفراد الذين يعانون من اضطرابات الشخصية والأمراض النفسية، وظهرت في هذا الميدان أسالب مختلفة للعلاج النفسي، غير أنها جميعًا لم تحقق النجاح المرجو في القضاء على الأمراض النفسية أو الوقاية منها، ويقول الدكتور محمد عبدالفتاح المهدي: ومع ذلك لم تثمر جهودهم إلا زيادة في أعداد المرضى النفسيين، وتقول الدكتورة طريفة بنت سعود الشويعر في رسالتها العلمية: "الإيمان بالقضاء والقدر وأثره على القلق النفسي" : لقد تفشت الأمراض النفسية في هذا العصر، حتى كادت أن تصبح الصفة الغالبة لأبنائه، بحيث أصبح اضطراب النفس وتوترها يسيطر على كثير من مظاهر سلوكها... وهناك كثير من الدراسات والأرقام التي تطالعنا بها الدراسات المختلفة عن العديد من الأمراض النفسية... ولو تساءلنا عن ماهية الدلالة المنطقية لكل هذه المظاهر... رغم الاعتماد على العديد من الوسائل العلاجية المتبعة، سواء كانت هذه الوسائل تحليلًا نفسيًّا، أم علاجًا بالكيمياء، أو عن طريق العقاقير، أو غيرها، ولو استعرضنا أهم الاتجاهات الحديثة في علاج الاضطرابات النفسية، لاستخلصنا حقيقة مهمة، وهي أن الأمراض النفسية تتكاثر أشكالها يومًا بعد يوم، وهذا مما يدلنا على عدم كفاية وسائل العلاج الحديث. ورغم كل هذا، ومع النتائج السلبية لنظريات ومدارس علم النفس الغربي، فقد نقلت إلى العالم الإسلامي، يقول الدكتور عبدالله بن ناصر الصبيح: نعم كان علم النفس في العالم العربي وكيلًا فرعيًّا لعلم النفس الغربي، وما نُشر منه كان إما ترجمة للتراث النفس الغربي، أو تأليفًا، لكنه ضمن أُطر علم النفس الغربي ومبني على أصوله، ويقول الدكتور محمد عثمان نجاتي: إن علم النفس الذي يدرس الآن في الجامعات العربية والإسلامية، إنما هو مستمد من الغرب. وعندما نقلت تلك النظريات إلى بلاد المسلمين بحذافيرها، كانت النتيجة أنها لم تثمر في علاج الأمراض النفسية للمسلمين، ولذلك فنجن بحاجة إلى إعادة النظر فيها، ليس بإدخال تعديلات عليها، بل إعادة صياغتها من جديد من النبع الصافي، من نصوص القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية، ومن أقوال علماء سلف هذه الأمة، ففيها كنوز نادرة لمن بحث عنها، يقول أستاذ علم النفس الدكتور صالح بن إبراهيم الصنيع: يحتوي التراث الإسلامي على ثروة علمية في كثير من المجالات، وتحتاج هذه الثروة إلى جهود من العلماء المسلمين لإبرازها، والاستفادة منها في وقتنا الحاضر، والعلوم الإنسانية بشكل عام، وعلم النفس بشكل خاص، بحاجة ماسة للاستفادة من هذه الثروة في مجال اختصاصها. ويقول الدكتور سهل بن رفاع بن سهيل العتيبي: نصيحتي لعلماء النفس من المسلمين أن يأخذوا من المصدر الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يتطرق إليه شك، كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم الاستشهاد بأقوال وفَهْم العلماء الربانيين من سلف هذه الأمة الصالح، فهذا هو الطريق الصحيح لمن أراد إخراج علم نفس ينطلق من المنهج الشرعي. إن الإنسان مهما بلغ من علم وذكاء ونبوغ ومواهب وقدرات، لن يستطيع بتلك الأدوات وحدها معرفة نفسه، وإيجاد حلول لمشاكلها، وذلك لجهل الإنسان بحقيقة نفسه، فالله جل جلاله خالق هذا الإنسان هو العالم به، يقول الدكتور ناصر بن عبدالله بن ناصر التركي: لا بد لمن يتصدى لوضع هذا المنهج أن يكون عالِمًا بحقيقة الإنسان، وليس هناك سوى الله؛ لأنه خالقه، وهو أعلم به؛ قال الله تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] ، ويقول الأستاذ/ خليل محمد خليل في كتابه:" النفس البشرية كما تحدث عنها القرآن": النفس مخلوق عجيب، وكائن غريب، بما ركب فيها من ملكات متنوعة، وغرائز شتى، لا يقدر على علاجها وإصلاحها، وتقويمها، وإشباع رغباتها، إلا من خلقها: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]. فمن رام علاجًا للأمراض النفسية، فعليه بالرجوع إلى كتاب رب العالمين: القرآن الكريم، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم إلى كتب أهل العلم، الذين تكلموا عن النفس، وأمراضها، وعلاج تلك الأمراض، ومن العلماء الذين لهم كلام نافع في ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله، فمما ذكره في بعض كتبه: • أن النفوس ثلاثة أقسام: سماوية علوية، وسبعية غضبية، وحيوانية شهوانية، وأن الملائكة أولياء لأصحاب النفوس السماوية العلوية، وأن الشياطين أولياء لأصحاب النفوس السبعية الغضبية، وأن النفوس الشريفة تعشق صفات الكمال. • تكلم عن النفس المطمئنة، والنفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء. • تكلم عن مجاهدة النفس، وأن ذلك يُذهب أخلاقها المذمومة. • تكلم عن الهم والحزن والخوف وأثرها على النفس، وأسباب دفعها أدوية لإزالتها. • تكلم عن أسباب شرح الصدر، وذكر أن أشرح الناس صدرًا، أتبعهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم. • تكلم عن الحياة الطيبة. • ذكر أن الأدوية الروحانية لها تأثير في دفع العلل، وحصول الشفاء أعظم من الأدوية الطبيعية، وأن القرآن شفاء لكل الأدواء، وأن الدعاء والإلحاح فيه من أنفع الأدوية. وقد تكلم عن ذلك بإسهاب في كتبه التالية: شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل، طريق الهجرتين وباب السعادتين، الداء والدواء، الفوائد، الروح، مفتاح دار السعادة، الكلام على مسألة السماع، زاد المعاد في هدى خير العباد، التبيان في أيمان القرآن، روضة المحبين ونزهة المشتاقين. ومن العلماء الذين تكلموا عن النفس البشرية، الإمام ابن حزم رحمه الله، فله كلام جيد عن ذلك في كتابه "مداوة النفوس وتهذيب الأخلاق والزهد في الرذائل"، وللحافظ ابن الجوزي رحمه الله كلام عن مجاهدة النفس، ومحاسبتها في كتابه "ذم الهوى"، وكتاب "صيد الخاطر". وإذا ما شمر المتخصصون في علم النفس من المسلمين عن سواعدهم، وبذلوا الجهد والوقت، ورجعوا إلى الآيات والأحاديث التي تحدثت عن النفس وهي كثيرة، ورجعوا إلى ذكره أهل العلم الربانيين حول معانيها وتفسيرها وشرحها، ورجعوا إلى كلام أهل العلم عن النفس وعللها وطرق علاجها، فسوف يجدون فيها ما ينير لهم الدربَ في وضع أسس لعلم نفس مستقى من النبع الصافي، ومن استقى من هذا النبع الصافي، فسوف يجد فيه العلاج الشافي لجميع الأمراض النفسية. اللهم علِّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علَّمتنا، وزِدنا علمًا.
أخبار مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها في مجلة الشرق الأدنى لأمين سعيد
محمود ثروت أبو الفضل
07-12-2021
2,544
https://www.alukah.net//culture/0/151144/%d8%a3%d8%ae%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d9%85%d9%85%d9%84%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d9%88%d9%86%d8%ac%d8%af-%d9%88%d9%85%d9%84%d8%ad%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%ac%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%86%d9%89-%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d9%86-%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af/
أخبار مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها في مجلة الشرق الأدنى لأمين سعيد صدر حديثًا "أخبار مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها في مجلة الشرق الأدنى لأمين سعيد"، تأليف: د. "عبدالكريم إبراهيم السمك النعيمي"، توزيع: "دار الثلوثية للنشر والتوزيع". اعتنت هذه الدراسة بإبراز دور المؤرخ والصحافي "أمين سعيد" في بيان دور مسيرة بناء دولة مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وذلك من خلال تتبع أخبار تلك الدولة الوليدة على صفحات مجلته "الشرق الأدنى"، التي كانت الوسيلة الإعلامية الوحيدة على أرض مصر - عاصمة الصحافة والإعلام في ذلك التاريخ - في مساندة سياسة الملك عبدالعزيز في سيادته على الحجاز، وهذه المقالات العلمية صارت مصدرًا مباشرًا من مصادر التاريخ السعودي، لفترة بناء الدولة بعد مضي قرابة قرن على نشر تلك المقالات النفيسة في صحيفة الشرق الأدنى وقتذاك. وأمين سعيد صحفي سوري بدأت حياته الصحفية مع والده، وكان من أثرياء مدينة اللاذقية، فقد رغب في إصدار جريدة خاصة به في مدينته، واشترى من أجلها مطبعة لطباعتها، الأمر الذي جعله يكلف ابنه أمين بالسفر إلى بيروت لتعلم فن الطباعة في مطبعة جريدة (لسان الحال)، للصحفي المعروف خليل سركيس، وبعودته إلى اللاذقية أصدر والده (جريدة اللاذقية) في 4 / 5 / 1909م، في عددها الأول، ثم أصدر بعد أربع سنوات منها جريدة (العربية) في 28 / 4 / 1914م، فكان معلمه الأول هو خليل سركيس ووالده. ومع اشتعال الحرب العالمية الأولى التحق بالخدمة العسكرية، وخدم عسكريته كضابط اتصال وتواصل في مكتب (جمال باشا)، وكان يعمل في الوقت نفسه بجريدة (الشرق) مع الأمير شكيب أرسلان، وكان فيها محمد كرد علي، والشيخ عبدالقادر المغربي، وقد لمع اسم أمين سعيد في الوسط الصحفي بدمشق وقتذاك. وعمل أيضًا صحفيًّا في دمشق مع "محمد كرد علي" في جريدته (الكنانة)، وأراد الاستقلال بنفسه بجريدة خاصة به، فأصدر جريدة (الأردن)، جاعلًا شعارها (الأردن تعني وحدة سوريا الطبيعية)، وذلك ردًّا على اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور 2 / 11 / 1917م، وسرعان ما ألغاها له الاحتلال الفرنسي، وبعد تعطيلها أصدر جريدة (أبو النواس العصري)، في 20 / 6 / 1921م، وهي جريدة هزلية في لغتها ومحتوياتها، وقد عطلتها له السلطات الفرنسية ولاحقته أمنيًّا، فقصد مصر لاجئًا إليها، فوصلها في 5/5/1922م ليلمع نجمه أكثر وأكثر في جريدة المقطم، ومن خلال عمله هذا وجد أن الساحة الإعلامية تفتقر إلى وسيلة إعلامية مستقلة فيها معنيَّة بقضايا العرب والمسلمين، فكانت مجلة الشرق الأدنى، التي أصدرها بنفسه، في 6/ربيع الآخر/1346هـ - 1/أكتوبر/1927م، حيث صدر العدد الأول منها، فكانت أول مجلة سياسية عربية على الساحة المصرية، وكانت تصدر مرتين في الشهر، أوقفها أمين سعيد لنصرة القضايا العربية والإسلامية، وتقديم أخبار العالم، وفي المجلة احتلت أخبار مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها المساحة الكبيرة. ونجد أن الرأي العام المصري وقتذاك كان كله تقريبًا معارضًا للدولة الوليدة على أرض الجزيرة العربية على يد مؤسسها الملك عبدالعزيز آل سعود، حاملة اسم (مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها)، خصوصًا أن بعض الحجازيين والمعارضين لسياسة الملك عبدالعزيز وجدوا على أرض القاهرة الحرية الممنوحة لهم في النيل من الملك ودولته، أما أبناء الشام الذين نزلت ببلادهم نازلة الاستعمار فقد وجدوا في نصرة الملك عبدالعزيز السبيل الأمثل لنصرة بلادهم بقصد تحريرها، فوقفوا مناصرين له سياسيًّا وإعلاميًّا، وممن لمع اسمه في هذا الجانب الأمير شكيب أرسلان، والشيخ كامل القصاب، والشيخ محمد رشيد رضا (صاحب مجلة المنار)، والشيخ محب الدين الخطيب (صاحب مجلة الفتح) وصاحب المطبعة السلفية. وقد التحق بركبهم "أمين سعيد" من خلال صحيفته "الشرق الأدنى"، فاكتسحت من خلال رسالتها جميع الوسائط الإعلامية، بعد أن هيأ لها أمين سعيد المراسلين - المكاتبين - والموزعين على مستوى الإقليم الذي حملت اسمه، وكان لها تأثير كبير ومساندة من أغلب حكام تلك المنطقة، دلالة على الأهمية السياسية لجريدته، حيث كانت المجلة تصل الحجاز بشكل دوري حاملة أخبار المملكة، وكذلك اليمن والعراق. وقد وجد الباحث "عبدالكريم السمك" في موروث "أمين سعيد" رسائل شكر له من إمام اليمن "يحيى حميد الدين"، وكذلك الفاضل المكي "محمد الطيب الهزازي" رئيس الديوان السلطاني فيها عضو مجلس الشورى، وعندما نزل القاهرة الشيخ "إبراهيم المعمر" قادمًا من أوروبا كسفير متجول للملك في فترة توحيد الحجاز بنجد، استضافه "أمين سعيد" في مكتب مجلته، وأقام بالقاهرة ستة شهور كان على تواصل مع الملك عبدالعزيز، وبعدها غادر القاهرة متوجهًا للرياض بطلب من الملك. ويبرز هذا السِّفر النفيس للباحث "عبدالكريم السمك" في تتبع مقالات تلك المجلة وترتيبها وتصنيفها، والتنويه بملابسات أحداث تلك المقالات، واختلاف مواقف الرأي العام تجاهها سواء في مصر أو الدول المجاورة، حيث تعتبر تلك المجلة الفريدة مادة مصدرية في تاريخ مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها؛ وذلك بسبب كونها معاصرة لفترة التوحيد، ومن هنا تأتي أهميتها، وإضافة لذلك في ثرائها الوثائقي، ويرى د. "عبدالكريم السمك" أنه وإن كان أمين سعيد صاحب ولاءٍ، لكن - والحق يقال - فقد كان معروفًا بنزاهته ومصداقيته في الكتابة، ولم يخرج فيما كتبه عن الموضوعية التي عُرف بها، كما كان على صلة بالأستاذ "يوسف ياسين" ابن موطنه اللاذقية، وكانت بينهما رسائل إخبارية عن المملكة، فكان ينشرها في المجلة له. وقد تتبع الباحث جميع أعداد المجلة رغم اندثارها، وقام بجمعها كاملة من مظانها، وجاءت ندرتها هذه، لتضفي أهمية تاريخية على محتواها في تاريخ مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها، وحتى تحتل المجلة مكانها في مكتبة التاريخ السعودي، فقد عَمِلَ على جمع موادها الخاصة بتاريخ المملكة، واستخرجه من المجلة بشكل كامل، وبالشكل الذي تم نشره في ذلك؛ إيمانًا منه بأهمية المادة علميًّا كمصدر من مصادر التاريخ السعودي. وتنوعت تلك الأخبار بصحيفة "الشرق الأدنى" عن الدولة السعودية الوليدة، حيث احتوت المجلة أخبارًا شاملة عن المملكة ظهر فيه دورها وانفرادها في تقديم حال الحجاز في أعدادها السبعة والستين، وتنوعت تلك الأخبار بين: • أخبار في باب المعاهدات والاتفاقيات. • باب (نظام الحكم في جزيرة العرب) دراسة مقارنة. • باب الرحلات للحجاز. • باب أخبار الأسبوع: هذا الباب من أبواب المجلة المهمة، وفيه تتناول المجلة أخبار العالم العربي بما فيه أخبار الحجاز. • في مسألة العلاقات الحجازية النجدية الإيرانية، والعداء بين الدولتين منذ تأسيس المملكة الجديدة. • رصد لقاءات علمية ومحاضرات سياسية، في الدفاع عن سياسة توحيد الحجاز بنجد. • أخبار تخص الملك عبدالعزيز. • مقالات في النهضة العربية. وبشكلٍ عام؛ كان تتبع جهود هذا الصحفي المجهول في اهتمامه السياسي والثقافي بتاريخ تلك المنطقة من شبه الجزيرة العربية أمرًا مثيرًا للاهتمام والإعجاب لكل من راقَب تلك الدراسة الشاملة عن "أمين سعيد" وصحيفته "الشرق الأدنى" في تلك الدراسة العلمية الببليوغرافية. والمؤلف "عبدالكريم إبراهيم محمد السمك" باحث ومؤرخ سوري الجنسية، من مواليد مدينة حماة 15/11/1945م. حصل على درجة الماجيستير في التاريخ العربي الحديث والمعاصِر في كلية العلوم الاجتماعية - قسم التاريخ - بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وذلك بتاريخ 25/ 8/ 1405هـ - 15/ 5/ 1985م، في تحقيق ودراسة "مخطوط نوادِر الزمان في وقائع جبل لبنان"؛ لمؤلفه إسكندر بن يعقوب أبكاريوس. • أما درجة الدكتوراه، فقد تمكَّن من الحصول عليها من "أكاديمية الاقتصاد الوطني وإعداد الكوادر الحكومية المُلحَقة برئيس روسيا الاتحادية" - قِسم العلوم السياسية والعلاقات الدولية، موضوع الرسالة: الفيصل وبناء الدولة السعودية الحديثة في ظِل نيابته على الحجاز، من "21/ 2/ 1345 هـ - 13/ 1/ 1926م إلى 2/ 3/ 1373هـ - 1953م" بإشراف البروفيسور: الدكتور فيتالي ناؤومكين، مدير معهد الاستِشراق الروسي، وذلك سنة 2011م. له من الأعمال البحثية المنشورة: • "نوادر الزمان في وقائع جبل لبنان". • "سيرتي ومُذكِّراتي السياسية لأمين سعيد" - في مجلدين. • إعادة طباعة كتاب "فيصل العظيم"؛ لأمين سعيد. • إعادة طباعة كتاب "النهضة السعودية في عهد الملك سعود". • بحوث ودراسات منشورة تَزيد على الثمانين دراسة في عدد من المجلات المحكمة "عالم الكتب السعودية - الدرعية - عالم المخطوطات والنوادر - الفيصل - أحوال المعرفة الصادرة عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة - مجلة الحرس الوطني"، إضافة لعدد من المقالات الصحفية نُشِرت في كل من الجزيرة والرياض.
محمد الدالي أخلص للتراث العربي وتحقيقه
د. إسماعيل مروة
06-12-2021
2,047
https://www.alukah.net//culture/0/151128/%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%b5-%d9%84%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a-%d9%88%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d9%87/
محمد الدالي أخلص للتراث العربي وتحقيقه حين كان الكتابُ يشكل قيمة، وصدورُه يترك صدًى، ظهر كتابُ ( أدب الكاتب ) لابن قتيبة في طبعة جديدة، وبدأ الأساتذةُ يتحدَّثون عنها وعن جَودة العمل، ومن أن هذه الطبعةَ أكثرُ الطبعات جودةً وإتقانًا، وبعناية اسم جديدٍ في عالم التحقيق هو محمد أحمد الدالي ، وعرَفنا يومها أن المحقِّقَ في مرحلة الدِّراسات العُليا، وينهَلُ علمَه وفنَّه وتجويدَ العمل على يد علَّامة الشام أحمد راتب النفَّاخ رحمه الله، الذي أحبَّه، ومحَضَه الحبَّ، وفتح له أبوابَ مكتبته ومخطوطاته، وقام برعايته ورعاية عِلمه ورغبته في التزوُّد بالعلم، واختاره ليكونَ الأكثرَ قربًا والتصاقًا به. وبعدها صدَرَت أفضلُ طبعات كتاب ( الكامل ) للمبرِّد بتحقيقه أيضًا، وكانت شهادةُ العلماء والمحقِّقين تشير إلى إتقانه وعُمق نظرته. سيرة علم وتحقيق: التقيتُ الدكتور الراحلَ محمد أحمد الدالي في نهاية الثمانينيَّات وأوائل التسعينيَّات عند المبدع أحمد المفتي الأديب البارع في مكتبته، وكان من أقرب الناس إليه، وعند الدكتور شاكر الفحَّام الذي كان يعود إليه دومًا. وكان اللقاءُ الأكثر في مكتبة دار البشائر العامرة بدمشق، حيثُ يلتقي المحقِّقون والأحباب، وأغلبُهم غادر الدنيا، وقد غادروها تباعًا: إبراهيم صالح، بسَّام الجابي، ومن بقيَ حفظه الله منهم، وطلبَتُه الذين كانوا ينتظرون زَوراته إلى دمشقَ للاحتفاء به والتزوُّد منه ومن كتبه وعلمه، مثل د. محمد قاسم وغيره من طلبته. من ( أدب الكاتب ) إلى ( الكامل ) إلى ( سِفْر السعادة ) وغيرها من الكتب العلميَّة المحقَّقة في مسائل النحو والقرآن كانت رحلةُ الدالي في العمل، إضافةً لتدريسه في جامعة دمشق، ولم يَطُل، ثم تدريسه في جامعة قطر وجامعة الكويت، وعضويته في مجمع اللغة العربية بدمشق، والتي لم تُعمَّر؛ إذا انتهَت بسبب سفره، وفي الأمر عتب من الطرفين، المجمَع والدَّالي. ما من جلسة تخلو من حديثٍ في مخطوط أو قضية علمية، أو سؤال عن كتاب، وحين يأتي الدالي يتحلَّق حوله أحبابُه في محاولة لاسترجاع مجد الأستاذ وحَلْقَة العلم، وكان محورَ الجلسة والحديث، لما له من نفسٍ رضيَّة، وعلم يملك القدرةَ على توزيعه على الجميع. خاتمة المطاف: لا أذكرُ متى التقيتُه آخرَ مرَّة، لكنَّ حديثه كان منصبًّا على ( ديوان الفرزدق ) وعمله به، ليكونَ الديوان الأكثر قربًا وصدقية لرواية السكَّري، وقد أعطاه الدكتور الدالي قسمًا كبيرًا من حياته. ويقول مقرَّبوه نقلًا عنه: إنه عمل في تحقيقه قرابةَ عشرين عامًا من الجهد والتعب. آخر مرَّة سمعتُ صوته في وفاة الأستاذ الدكتور عبد الإله نبهان، حين عزم أخي الدكتور حسَّان فلاح أوغلي على تكريم أستاذه نبهان بكتابٍ وشهادات، وتواصلتُ مع الدكتور الدالي وتواصل معه الدكتور حسَّان الذي أخبرني بحزن الدالي غير المحدود على فقد الدكتور عبد الإله، لكنَّه لم يتمكَّن من كتابة شهادة بنبهان؛ لأنها تحتاج جهدًا، وهو العزيزُ عليه، ولكنَّه في الوقت نفسه مشغولٌ بديوان الفرزدق ولا يريد أن يخرجَ من أجوائه. اليوم تذكَّرتُ ما قاله للدكتور حسان، وعجِبتُ من هذا الإحساس في مسابقة الزَّمن لإخراج الفرزدق قبل أن يدنوَ الأجل الذي لم نكن نشعرُ به أو نترقَّبُه. الموت والعلم: كانت مصادفةً لا تحدُث في العالم الواقعي، أن ترحلَ أمُّ صديقي الدكتور حسَّان، ويحضُرَ لوداعها، وأن نكونَ معًا عندما يخبرني بأن الدكتور حسين جمعة كتبَ عن أن الدكتور الدالي في وضع حَرِج! يسافر صديقي، وأوَّلُ ما قرأته صباحًا كلماتٌ مؤثِّرة لصديقه وصديقي الوفي أحمد المفتي « فقَدَت العربية فارسًا من فرسانها برحيلك، عالم العربية الدكتور الدالي.. فارقتَنا باكرًا ». وبعدها يكتب الدكتور سعد مصلوح « لقيَ ربَّه راضيًا مَرضيًّا، العالمُ الثَّبت المحقِّق والصديق الحبيب الدكتور محمد أحمد الدال ي». وردَّ الدكتور حسين جمعة على كلمتي بالدعاء يرثيه «يا من كنَّا نطاردُ أروقةَ الأمل، فإذا بنا نسقطُ على هول الفاجعة بك». ترجَّل الدالي تاركًا أوراقَ الفرزدق لتصدُرَ دالَّةً على عِلمه وقُدرته وجُهده؛ ليكونَ آخرَ رفاق دربه، ليجلسَ في مقعَده هناك مع أساتذته النفَّاخ والفحَّام والسَّطلي ومن سبقَهم.. لك الرَّحماتُ بما قدَّمتَ وأفدتَّ وعلَّمتَ. دمشق الثلاثاء 23/ 11/ 2021م
من ذكرياتي مع أستاذنا العلامة الدالي
فضل محمد الحميدان
06-12-2021
1,831
https://www.alukah.net//culture/0/151126/%d9%85%d9%86-%d8%b0%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%8a-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%b3%d8%aa%d8%a7%d8%b0%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%8a/
من ذكرياتي مع أستاذنا العلامة الدالي (1) وأمَّا في بَدء كلماتي هذه؛ فإنِّي أتصرَّفُ فيما قاله الخطيبُ في أبي طاهر بن أبي هاشم يسار البغداديِّ البزَّار (280- 349هـ)، وأكتب خُلاصةَ ما رآه طالبٌ في أستاذه: فإنِّي لم ألقَ كأستاذنا الدَّالي رحمه الله تعالى "في علمِه، وفهمِه، (وتواضُعِه)، مع صدقِ لهجتِهِ، واستقامةِ طريقِهِ" انتهى. وكأنَّ لنفس هذا الرَّجل العالم الصَّادق مِعراجًا يباين الدُّنيا، وقوانين هذه الدُّنيا، لذلك فهو يحيا بقانون آخرَ هو قانونُ الآخرة، ويرى الحقائقَ ببصيرته النافذة إلى معاني هذه الآخرة، وبهذا كلِّه يحمي هذا العالِمُ قلبَه من أخيلة الدُّنيا، ومن كثيرٍ من بلاءات أهل هذه الدُّنيا، فهو في عالمِه الذي صَنعَه لنفسِه، ليحيا فيه بمعاني نفسِه، وما أكرمَها من معانٍ حين تكون خالصةً للعلم، وخدمةِ أهل العلم. وبعدُ.. ففي عام 1998م، في كلِّية الآداب بجامعة دمشق، في المدرَّج الأوَّل، وعلى تمام الثانية، كان المئاتُ من طلَّاب السنة الأولى، مع من ينضمُّ إليهم من طلَّاب السنوات الأخرى، وطلَّاب الدِّراسات العُليا= ينتظرون محاضرةَ النَّحو الصَّباحية، وعلى طرفَي أبواب المدرَّج كانت ترقبُ العيونُ وصولَ المحاضِر المَهيبِ المنتظَر... وقد كان هذا المحبوبُ المَهيبُ هو أستاذَنا العلَّامة الدكتور أبا أحمد محمد أحمد الدَّالي رحمه الله تعالى. في مثل تلك المحاضرة من كلِّ أسبوع كان يجتمع لنا رُوحان جليلتان بهيَّتان: روحُ العالم الجليل الأستاذ عاصم البَيطار رحمه الله تعالى مؤلِّف كتاب السَّنة الأولى، وروحُ أستاذنا العالم الجليل الدكتور محمد الدَّالي الذي قد سبقَت صورتَهُ إلينا أخبارُه وشمائلُه، وبديعُ تحقيقاته، وروائعُ مقالاته. شواهدُ محاضرة أستاذنا من الكتاب المقرَّر كان لا بدَّ أن تُثبتَ على السَّبُّورة التي امتدَّت على المساحة بين بابَي المدرَّج الأول، وكان خطُّ العلامة الدَّالي الذي يجمع بين جمال الخطِّ النسخ وروحانية الخطِّ الفارسي تجعلُنا نأكلُ حروف كلماته بآماق عيوننا. مضى جزءٌ من المحاضرة الأولى، وباغتَنا أستاذُنا، نحن طلابَه، بسؤال دقيق في مسألة نحوية كان يعرِضُ لها، وعلى شَغَف طالب السنة الأولى، وولعه، وحبِّه القُربَ من أستاذه، بطريق بيان مقدرتِه في النحو= رفعتُ يدي، وأجبتُ على الجهة التي كان يحبُّها أستاذُنا الدَّالي، فابتسمَ لي، وأثنى عليَّ مشجِّعًا، وكانت تلك الابتسامةُ البابَ الحقيقيَّ الذي قرَّبني للعربيَّة عامَّة، وللنحو على التخصيص، ولأستاذنا من بعدُ. وعلى مضيِّ عدَّة محاضرات بين المادَّة النظرية والتطبيق النحوي= اقتربتُ من أستاذنا من خلال الحوارات التي كنَّا نمضي فيها بعدَ محاضراته، في الطريق بين المدرَّج ومكتبه، ثم في مكتبه، وقد لمسَ في نفسي حبًّا للعربية، بل شغفًا بها وبأهلها، فآنسَني، وأنِستُ بقربه، وداومتُ على محاضراته كلِّها حتَّى في دبلوم الدِّراسات العُليا. وحين رأى يومًا خطِّي على قُصاصةٍ كنتُ أدوِّن عليها إجاباتِه لأسئلة سائليه، فاستحسَنه= صار يطلب إليَّ كتابةَ الشواهد على السَّبورة في بداية كلِّ محاضرة، ومن تلك التفاصيل الجميلة بدأت رحلةُ اتِّصالي بأستاذنا رحمه الله تعالى، وتتلمُذي عليه في السنوات الثلاث التي مكثَ فيها بدمشق قبل انتقاله إلى جامعة الكويت في عام 2000م، وما كان من تواصلٍ من بعدُ. وفي إحدى تلك المحاضرات الجِياد أرسل لطلَّابه سؤالًا لم أكن قد انتبهتُ لأوَّل كلامه فيه، ووجَّه إليَّ السؤال بعد أن تاهَتْ إجاباتُ زملائي، فأجبتُ فلم أُصِب الإجابة، فقال: • هذا على غير عادتِكَ في كلِّ محاضرة، فما أصابكَ؟ • وعلى البديهة قلتُ: إنما أصابني الجوعُ، فأذهَلَني عن الإلمام بالسُّؤال بدءًا، ثم عن الإجابة من بعدُ. • قال (وهو يبتسم لحسن التخلُّص): إذن تصحَبُنا اليوم لتكونَ معنا في طعام الغداء. ومن تلك الساعة غمَرَتني تلك الفرحةُ التي تُصيبُ المريدَ بإكرام شيخه المتفرِّد مكانةً لديه، ومضَتِ السّاعاتُ التي كأنَّها جُعِلَت لي من الآخرة زمنًا أعيشُه في الدُّنيا، وجرَت من بعدُ لطائفُ دالَّةٌ على كرمِ أستاذنا العلَّامة أبي أحمد محمد أحمد الدّالي ولطفِهِ وتشجيعِه وعميقِ محبَّته لطلَّابه ممَّن كان يتوسَّم فيهم حبَّ العربية وأهلها. (2) إن للكتابةِ عن الكبارِ ألوانًا من البهجةِ التي تسكنُ نفسَ كاتبها، وهذه البهجةُ التي تعمرُ النفسَ سبيلٌ لتصوير الجميل الخفيِّ في أولئكَ الكبارِ المحتفَى بهم، وليست هذه البهجةُ الموصولة بهؤلاء الكبار بمنقضيةٍ أو زائلة، بل الشَّأنُ فيها لتلك الحقائقِ الإنسانيَّة العتيقة في نفوسهم، المتأصِّلةِ في أفعالهم، المقرَّرةِ، شريعةً وعاطفةً، في ضمائر مَن عرفهم، أو سَمعَ بهم، أو اتَّصَل بهم بسبب... وههنا سرٌّ دقيقٌ لا يكون بيانُه إلا بالتمثيل له، والاستشهاد عليه، وليس كأفعال الكبارِ وكتاباتهم شواهدُ دالَّةٌ عليهم، وعلى علوِّ مكانتهم، وكيف لا يكون ذلك إذا ترجَمَت أفعالُهم ثمَّ أقلامُهم عن قلوبهم؛ فعند ذاك تغدو حركاتُهم وكلماتُهم وكأنها من حِكَم الدُّنيا الباقيةِ التي لا تستطيع أن تُباينَهُم من أترابهم إلا بها، وباتِّصالك بهم، وبسرِّهم، وبفهمِك للكونِ بحواسِّ فهمهم، فإنَّ فهمَ الكونِ فهمًا، على حِذْقٍ وفنٍّ وتأمُّل، لا يكون إلا بفهم فلسفة هؤلاءِ الكبار مجتمعينَ بكلِّهم، ولعلِّي آتيكم على أمثلة قريبةٍ من ذلك، عرَفتُها في أستاذنا عن درايةٍ وقرب. ولستُ أخفيكم، وهو لا يخفى على متذوِّقي الكلمات أمثالكم، أنني ما زلتُ، من ثلاثةٍ وعشرينَ عامًا، مفتونًا بأستاذنا الدَّالي الذي لم أرَه، منذ رأيتُه وحتَّى السَّاعة، إلا صورةً من الشباب البهيِّ السَّاحر الذي اكتهَل علمًا على تعبير أستاذ أستاذنا العلَّامة شاكر الفحَّام في مقدِّمة (سِفر السَّعادة)، وقبل أن يكونَ أستاذنا الدَّالي، لنا نحن طلَّابَه، هذا العالمَ الحازم المنظَّم الضَّابط أشدَّ الضَّبط، حتَّى إنه لا تفلِتُ منه دقيقةٌ= كان لنا الوالدَ اللطيفَ المحبَّب البارَّ بولدِه حقيقةً ومعنًى، والصَّديقَ القريب أُلفةً وتأنُّسًا، فما زال يُحسنُ التسرُّبَ إلى قلوبنا حتى يستقرَّ فيها، فيحبِّبَ لنا التُّراث والعربيَّة. وقبل أن آتيَ بكم إلى مواقفَ من ذكرياتي مع أستاذنا الدَّالي أحبُّ لكم أن تتوقَّفوا قليلًا عند هذه اللغة النفيسة التي تُبرز نفسَه، وترسمُ معناه، وتأخذ بنا إلى الردِّ على سؤال يُحيط بنا كلَّ حين: ما طعمُ النفس؟ وهل للعارفين طعمٌ للنفسِ يختلفون به عن غيرهم؟ اقرؤوا معي بعضًا من كلمة أستاذنا العلَّامة المجمعي الدَّالي في حفل استقباله عُضوًا في مَجمَع الخالدين عام 2001م، يقول: "فقد فوجئتُ -وحُقَّ لمثلي أن يُفاجأَ- حين أسرَّ إليَّ أستاذاي الجليلان: الأستاذُ الدكتور شاكر الفحَّام رئيسُ المجمع، والأستاذُ الدكتور إحسان النص نائبُ الرئيس = بالرَّغبة في ترشيحي لعضوية المجمع، فما قام في نفسي يومًا أن أتطلَّع إلى هذا المقام العالي أو أطمحَ إليه، ولا خطَرَ منِّي على بال. فوجئتُ حقًّا، وقلتُ: محبَّة الأستاذ لتلميذه، ونظر إلى عمله بعين الرِّضا، وإغضاؤه عن أشياءَ فيه، ثم ثناؤه عليه= ممَّا أدَّى إلى قيام هذه الرَّغبة، وإني لدونَ ما ترَيان. ثم لمَّا هزَّني ثناؤهما، وابتهَجتُ له، فتحرَّك في النفس غرورٌ خفيٌّ غادرٌ تجاوزَ بي ما أعلمُه من نفسي -والإنسانُ مما يغرُّه الثناءُ- انتهى بي إلى أن أستجيبَ لهذه الرَّغبة الكريمة في ترشيحي لهذا المكان السَّامي" [1] . وعَودًا إلى ذكرياتي مع أستاذنا رحمه الله تعالى... ففي نهايةِ العام الدِّراسي 1999م، وفي أيَّام الصَّيف الزَّاكية المباركة التي غصَّت بالأعمال، وسُلبَ منِّي فيها الإحساسُ بمرور الزَّمن تحضيرًا لاختبارات نهاية العام= انقطعَت بي السُّبلُ عن النزول لدمشقَ، وعن لقاء أستاذنا أسبوعين، ثم وأنا في غَمرة القراءة الجادَّة تداعى إلى مَسامعي صوتُ الهاتف، فأجبتُ، فإذا بي بصوتٍ عَريضٍ باسِمٍ شَفيق يملأ الرُّوح، وينفُذ، على تقسيم وترنيم عجيبَين، إلى القلب: • (باهتمام وتواضع وحبٍّ): كيف حالكَ يا فضل؟ أراكَ غائبًا عن اللِّقاء أسبوعين متتاليين؟ • (بحبٍّ واعتناء وبهجة): أستاذنا الدكتور محمد الدَّالي؟! • (بحبٍّ وتشجيع وحنوٍّ): نعم. • (بابتسامةٍ وُصِلَت بأوَّل الضَّحِك المحبِّ): والله هذا الاتصالُ بمليون ليرة. • (ممازحًا بحبٍّ): إذن لا تغِب هذا الأسبوع، وأحضِر معكَ المليون ليرة. أجَل أيها الأحبَّة، فهذا هو العلَّامة المجمعي الدكتور محمد أحمد الدَّالي = الإنسان، الأب، الأخ، الصَّديق، وهذا هو دأبُه مع أبنائه من طلَّابه، وهو كثيرٌ كثير، يعرفُ منه هذا من خالطَه وقاربه، وعرَفه حقَّ المعرفة = لذلك كان الدَّالي العالمَ الذي ملأ السَّمع والبصر، العالمَ الذي ما زال لطلَّابه، حتى بعد رحيله إلى ربِّه، بهجةَ القلب والعقل جميعًا. ولعلَّ أجملَ ما كان لي من أيَّام الجامعة الأولى ذلك الزمنُ البهيج الذي كان يجمعُني المولى فيه بأستاذنا الدَّالي، في المحاضرة، ثم ما يكون بعدَها من صُحبته، مع مريد أستاذنا وحِبِّه وصاحبه [2] الوفيِّ أستاذي العالم الجليل الدكتور محمد عبد الله قاسم = مشيًا على الأقدام من كلِّية الآداب، إلى الحلبوني، حتَّى وصولنا إلى دار البشائر العامرة، أُفيد فيه، منهما، من مُلتقَطات الفوائد البديعة في هذه اللغة الشريفة، وكُتُبها، ومذاهب أهلها، وضُروب المحقِّقين في مواردها وأصُولها، تلك الفوائد العالية التي ما زالت تتلألأ في ذاكرتي، وتعينُ موهبَتي على النظر والتحليل والنقد، ولم تكن تضيعُ دقيقةٌ، في صحبة أستاذنا، بغير فائدة، أو توجيه، أو مُلحة، حتى في ذلك الزَّمن الذي كان يُكرمنا فيه، فنكون معه في طعام أو شراب. وأقول: إنَّ من اللطائف التي تأتيكَ من صُحبة أهل العلم الكبار الذين يأنسُ القلب بقُربهم، ويتلفُ ببُعدهم، ولا تفتأ تحنُّ العينُ للقائهم، وتشتاقُ الأذن لسَماعهم = أنَّك تدري أسبابَ ولادةِ بعض أعمالهم، وتعيش زمنَ خروجِها للنَّاس، أعمالًا علميَّةً باذخةً مطوِّفةً في الشرق والغرب، يُفيد منها الناسُ من أيِّ الجهات التي قرؤوها فيها. ومن ذلك أنِّي سألته، ونحن نمرُّ قريبًا من دار الفكر حرسَها الله تعالى: • أستاذي، هل اطَّلعتَ على كتاب (الكَفاف) للأستاذ الصَّيداوي؟ • (باهتمام وإعجاب): وما أدراكَ بالكتاب، لقد صدرَ قبل زمنٍ قصير؟ • لقد قرأته بُعَيد صدروه بشهر تقريبًا، وشاركتُ في صُنع الإعلان (البروشور) التسويقيِّ الخاصِّ به؟ • وما رأيُكَ بالكتاب؟ • فيه الكثيرُ مما خرجَ عن المألوف الذي قرأتُه في النحو، وجُرأةٌ في مناقشة كثير من قضاياه، مما يستدعي التوقُّفَ عندَه وتأمُّلَه ومناقشةَ ما فيه. • (بابتسامة): أحسنتَ يا فضل، هو كما ذكرتَ، وأُخبرك أنني انتهَيتُ قبلَ أيام من مقالةٍ طويلة كتبتُها في نقد هذا الكتاب، وستُنشَر قريبًا في مجلَّة الدِّراسات اللغوية [3] . رحمهما الله، وغفر لهما، ورفع مقامهما في علِّيين. وبعدُ... فإنَّ منَ العلماء رجالًا هم القوانينُ القلبيَّة النافذة، وإنَّ أثرَهُم في تاريخِ من يقتفي سَننهم= لَنافذٌ في الرُّوح نفاذَ الرُّوح نفسِها في بدَن صاحبها، فهم في حقائقِ مُريدهم، كما أستاذُنا العلَّامة الدَّالي، وحيٌ من وحي الإنسانية العُليا التي تصنع مِيثاقَها من مِشكاة النبوَّة، وهي، بهذا، آثارٌ تُعدُّ لتكونَ مادَّةً للحياةِ التي لا يَبْلى أهلُها ولا يَبيدون= آثار طاهرة مسدَّدة، تُشعرُ بالاطمئنان، وتصنعُ في أصحابها اليقينَ الثابتَ بمعناها. إنها هي الآثارُ التي تدلُّ على أنَّ هؤلاءِ العلماءَ قد باشروا السّعيَ للحياة وأهلها بطبيعة قلوبهم الصَّحيحة، فلم يكن العلمُ عندهم تكسُّبًا، ولا دنانيرَ، بل هو فيهم القدرةُ الرُّوحانية التي تُحيل المادَّة لتكونَ روحًا، فلا تأخذهم ضلالةُ الضَّالِّين، ولا خِراصةُ الخرَّاصين، لذا، فهم بذلك كلِّه، مستحقُّونَ وصفَهم بأنهم ( ورثةُ الأنبياء ). [1] ألقاها في حفل استقباله عضوًا في مجمع اللغة العربيَّة، في جلسة علنيَّة عقدَها المجمع يوم الأربعاء 5 أيلول (سبتمبر) 2001م، ونُشرَت في مجلَّة المجمع، المجلَّد 67، الجزء 2، عام 2002م. [2] كان التِّلميذُ قديمًا يُسمَّى (صاحبًا) لشيخه؛ فأبو يوسفَ ومحمَّدٌ صاحبا أبي حنيفة، والرَّبيعُ بن سليمانَ المُراديُّ صاحبُ الشافعي، وابن جنِّي صاحبُ أبي عليٍّ، وهلمَّ جرًّا. انظر (مقالات أستاذنا الطَّناحي) برَّد الله مَضجَعه 1/21. [3] صدرَ الكتابُ في تِشرين الثاني- نوفمبر 1999م، عن دار الفكر بدمشق، وقد اطَّلعتُ عليه أوائلَ شهر ديسمبر 2000م، وكان فرَغ أستاذُنا الدكتور الدالي من مقاله هذا تحت عنوان: (جِزاف الكَفاف: نظرةٌ في كتاب الكفاف للأستاذ يوسف الصَّيداوي) صباحَ يوم الأربعاء 9 شُباط- فبراير، 2000م، وقد نُشرَ في مجلَّة الدراسات اللغوية بالرياض، المجلَّد الثاني، العدد 3، أيلول- أكتوبر 2000م، وردَّ على مقالته الأستاذُ الصَّيداوي في المجلَّة ذاتها المجلَّد الثالث، العدد 2، يوليو- سبتمبر 2001م، بعنوان (جِزاف الجِزاف) ثم نشر ردَّه في كتاب بعنوان (الكَفافُ وأباطيلُ أعدائه).
الوقف معقول المعنى مصلحي الغرض مستقبلي النظرة
د. إبراهيم عبداللطيف العبيدي
23-11-2021
1,680
https://www.alukah.net//culture/0/150824/%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%82%d9%81-%d9%85%d8%b9%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%86%d9%89-%d9%85%d8%b5%d9%84%d8%ad%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%b6-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%b1%d8%a9/
الوقف معقول المعنى مصلحي الغرض مستقبلي النظرة الخير في هذه الأمة باقٍ إلى قيام الساعة، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق عليه أفضل صلوات الله وسلامه وبركاته، وعند نزول مصيبة الموت بذوي بعض الناس، يسارعون إلى التفكير بوقف عينٍ للمتوفَّى؛ حتى لا ينقطع أجره، كما هو ثابت لا جدال في ذلك، وسرعان ما يتوجه نظر الواقف - إذا كان غنيًّا - نحو بناء جامع أو مسجد أو مصلى ونحوه، أو إذا كان مستور الحال، فيتوجه نحو طباعة نسخ من المصحف الشريف وتوزيعها، وبالرغم من أهمية هذه الموقوفات فإن الوقف لا ينحصر بها دون غيرها! وفي الآونة الأخيرة - بفضل الله - زاد وعي الناس نحو الوقف، فصرنا نسمع عن حفر آبار المياه الصالحة للشرب في المناطق المتصحرة، وبناء المشافي والمدارس وتجهيزها، والوقف على موظفيها، وغيرها من المفاهيم التي تتوجه نحو المحافظة على حياة كريمة للإنسان، والاهتمام بتحسين نوعيتها، والتي كان كثير من الناس يظنون بُعد مثل هذه المفاهيم عن دخولها في مفهوم الوقف، والتي تأكَّدت في زماننا بشكل واضح - في ظل تقاعس بعض الدول عن واجباتها تجاه أبنائها - والواقع أن هذا هو وظيفة الوقف الحقيقية؛ كونه لا يندرج ضمن العبادات التوقيفية الخالصة، وإنما هو: 1- معقول المعنى. 2- مصلحي الغرض. 3- مستقبلي النظرة. لذا كان للوقف من مرونة التشريع ما فتح أمامه الآفاق، ووسع تطبيقاته التي تتلاءم مع تغيُّر الزمن وتطوُّره، وهذا ما جعله وسطًا بين عبادة الزكاة المخصوصة بالوصف والعدد والمقدار، وبين عبادة الصدقة المطلقة من القيود والضوابط، فكانت نصوص الوقف - بالرغم من محدوديتها - عامة واسعة غير مقيدة. وشريعة الله (عز وجل) مستمرة إلى يوم القيامة مبنية على اليسر والعدل والرحمة، تقوم على مراعاة أمور الناس في شؤونهم الدنيوية بما يصلح أحوالهم في كل زمان ومكان، وكل ما يتم وقفه سواء كان أعيانًا (من مبانٍ وغيرها)، أو خدمات ومنافع منقولة، ما دامت في سبيل الله في أي وجهٍ من الوجوه، فأجرُ الواقف دائمٌ مستمر لا ينقطع. والله تعالى أعلم وأحكم.
المؤامرة التي تهدد الفصحى
عبدالسلام العمري البلوشي
23-11-2021
2,593
https://www.alukah.net//culture/0/150823/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%a7%d9%85%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d8%aa%d9%87%d8%af%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b5%d8%ad%d9%89/
المؤامرة التي تهدد الفصحى اليوم أريد أن أُناقش مؤامرة خطيرة، وهي تهدِّد الفصحى، وتسعى لطمْسها ومَحوها، وهي حصيلة تساهل بني جلدتها والمتكلمين بها، حقًّا الكارثة التي تموج في الشارع العربي، وتتضخم وتكبر وتهدِّد هُويتنا الإسلامية، هي تلك اللهجات المصطنعة التي تداولتْها الألسنة العربية والفضائيات والمرئيات والتلفازات والمذياع. هذه المواقع الفضائية تَحيك مؤامراتها ودسائسها لاكتساح الفصحى، وتجريد الشارع العربي منها، هناك القنوات والفضائيات التي يديرها الخبراء العرب والمثقفون، يبثون برامجهم باللهجات، ويتناسون ويتغافلون الفصحى، بل الأمة العربية لها القدح المعلى في طمْس هُويَّتها وبطاقتها العربية، اليوم الشباب والرجال والأطفال كلهم يتحدثون باللهجات بعيدين عن الفصحى، وأنَّها صارت غريبة في ديار الغربة، والجامعات والمعاهد وروضات الأطفال، كلها تتساهل في ترسيخ الفصحى في أذهان الدارسين. وهي كلها حصيلة مؤامرات الاستخراب الغربي الذي طبَّق مؤامراته في الأقطار العربية، والعلوم العصرية المستوردة من الغرب تُدرَّس بالإنجليزية أو الفرنسية، والشباب العرب يتلقونها بغير لغتهم، وهذه كلها تؤثر على كلامهم وفصاحتهم وبلاغتهم، وهي جريمة كبيرة خطيرة تهدد الفصحى. ثم الأطفال مهددون، فالبرامج الكارتونية كلها مدبلجة باللهجات العامية وتنشرها التلفازات وتغزو الفصحى، وهي التي تعلِّمهم لغتهم وثقافتهم، أما في إنجلترا وسويسرا واليابان وهولندا وإسرائيل وألمانيا، فتُدرس كافة المواد الدراسية بلغاتها الرسمية، ولا يُسمح لأي معلم أو مدرس باستعمال أية لغة أجنبية، أما الدول العربية، فتساهلت ولا تزال تتساهل في هذه القضية، وتمهد الطريق لإجلاء الفصحى من جزيرة العرب. إسرائيل الغاشمة التي احتلت فلسطين، أحيتْ لغة ميتة مبغضة، لم يكن لها تاريخ ولا ثقافة خاصة ولا حضارة، وهي تدرَّس في كافة الجامعات والمعاهد الإسرائيلية، أما الجامعات العربية فتتنافس في إلقاء الدروس بالإنجليزية والفرنسية، وعلى رقاب رؤسائها قلائد عبودية الحضارة الغربية المتعفنة، أذلُّوا أنفسهم واستصغروا لغتهم، واستخفُّوا بها. إلى متى تبقى الفصحى في حالة الجر والمجرور بدلًا عن الرفع؟ إلى متى تكون الفصحى مفعولًا بدلًا عن الفاعل؟ مع هذه الأخطار التي تهدد الفصحى هل نتخلى عنها ونركن إلى اللهجات العامية؟
لقمان الحكيم
د. محمد منير الجنباز
22-11-2021
11,006
https://www.alukah.net//culture/0/150789/%d9%84%d9%82%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%8a%d9%85/
لقمان الحكيم الحكمة والفصاحة والتدين والتقوى والخشية والخوف والرجاء - صفاتٌ أخَذ لقمان منها بحظ وافر، وذلك بتوفيق الله له؛ فقد أعطاه الله الحكمة فنوَّرت قلبه، فنطق منها دررًا ووصايا سجلت له بمداد من الذهب؛ لقيمتها الدينية والتربوية والخلقية، وعليه فكلماتنا أقل من أن تصل إلى شموخ حكمته بجلاء الصورة ورواء المعنى، ولقد كان للقمان حيز مشرقٌ في القُرْآن الكريم، عرفنا على جوانب مهمة من شخصية لقمان، ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ [النساء: 122]. قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12]؛ فالحكمة مَنٌّ مِن الله على لقمان، وقد فسرت عند ورودها في القُرْآن في غير هذا المكان بالنبوة، ﴿ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [البقرة: 251]، وهي هنا تعني النبوة، وفي قوله تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269]، هي في هذه الآية عامة، تشمل الرسالة وغير الرسالة؛ إذ الغالب في معنى الحكمة أنها: العلم والإصابة في القول، وقيل: الفهم، وقيل: العقل والخشية والورع، وأصل الحكمة: ما يمنع من السفه، وحكمة لقمان من هذا النوع، وقد منَّ الله عليه بهذا الفضل العظيم؛ لذلك كان على لقمان أن يشكر الله على هذه النعمة، وأن ثواب الشكر راجع إليه، ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ فالشكر على النعم يحفظها، بل يزيدها، وقد كان داود وسليمان عليهما السلام من عباد الله الشاكرين؛ فكانت النِّعم تزداد عليهما، ﴿ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ﴾ [سبأ: 13]، وقد رُوي عن بعض الصالحين الشاكرين أنه كان هو وأسرته لا يتركون كسرة خبز إلا أخذوها وأماطوا عنها الأذى وأكلوها وشكروا الله عليها، فأوحي إلى نبي ذلك الزمان يأمره أن كُلْ خبزًا يابسًا؛ وذلك لما له من كسرٍ كثيرة من الخبز تتناثر هنا وهناك، وكان هذا امتحانًا لذلك الرجل الصالح، فعمل لنفسه ولأولاده مزودة يضعونها عند أفواههم فإذا ما تناثر الخبز سقط كله فيها ثم جمع وأكل مع الشكر والحمد، فنجح هذا العبد الصالح في الامتحان، وزاده الله من فضله، لقد كان لقمان العبد الصالح الشاكر لله، وقد أرانا الله بعض حكمته في توجيه النصح لولده: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]، تتجلَّى عند لقمان قيمة التربية الراشدة ودور البيت في تأسيسها، فبدأ بالأمر المهم في حياة الإنسان على الأرض وفي الآخرة أيضًا، وهو الإيمان بالله وحده، وعدم الشرك به؛ فإن أخطر أمر في حياة الإنسان هو العقيدة، فإذا صلَحت صلح سائر عمله، ونجا من النار، أو الخلودِ فيها؛ ففي الحديث الذي يرويه معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله صِدْقًا من قلبه إلا حرَّمه الله على النار) )؛ أخرجه البخاري، وفي الحديث الذي يرويه أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه نعليه وقال: ((اذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، فبشِّرْه بالجنة) )؛ أخرجه مسلم، لقد كانت نصيحة لقمان لابنه بعدم الشرك بالله، وأفهمه أن الشرك ظلم عظيم؛ لذلك كان مثال الولد الطائع المحب لوالده والمتلقي العلم عنه بحب وشغف، ومع ذلك فالأب الحكيم الخبير في التربية زاده من جرعات الإيمان ما جعله يتلقى ما يلقيه إليه والده بإصغاء وانتباه؛ حيث انتقل إليه من الإيمان بالله تعالى إيمانًا غيبيًّا إلى دلائل عظمة الله، التي تُشعر الإنسانَ المتفكر بوجوده ومعاينته في القلب كأنما يرى رأي عين، ﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 16]، يركز لقمان ببلاغته وحكمته على صفات الخالق وقدرته التي لا تُحَدُّ بحدود، هي قدرة مطلقة، وبالرغم من سَعة هذا الكون وما فيه من عجيب الخَلْق فإن كل شيء بحساب، والله تعالى أحصاه جليله ودقيقه، حتى حبة الخردل المنتهية في الصغر بالنسبة للعين المجردة بلا واسطة من مكبر أو مجهر، علمًا بأن هناك دقائق أصغر منها، لكنها لا ترى بالعين المجردة، فإن الله لم يذكرها، وهي ما سُمِّي حديثًا بالذرة والإلكترونات والنيترونات، هذه الحبة من الخردل أو غيرها إن كانت ظاهرة أو مخبأة في جوف صخرة أو في السماء أو في أي مكان في الأرض فإن الله بها عليم، لا تفوته ولا تغيب عنه، وكما ذكر: إن الله يعلم دبيب النملة السوداء، في سراديب الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، وبعد غرس الإيمان بالله في قلب ابنه توجه إلى إقامة شعائر الدين، ومِن أهمها الصلاة: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17]، الصلاةُ عماد الدين، فمَن ضيعها، فهو لسواها أضيع، ومن ترك الصلاة فقد كفر، وأول ما يعرض من عمل المسلم الصلاة، فإذا صلحت صلح سائر عمله؛ لذلك فإن لقمان قد عزز الإيمان في قلب ابنه، ثم أتبعه بأداء الطاعة لله والبرهان على تحقق عبودية العبد لله، وذلك بإقام الصلاة، ثم تتحقق قوة العقيدة عند المسلم عندما ينقلب إلى داعية للحق، فيتعرف على الأحكام الشرعية، ثم يدعو إلى الله على بصيرة، فيأمر بالمعروف، مثل: إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وفعل الخير والإصلاح بين الناس وقول الحق، والنهي عن المنكر، وهو فعل القبائح، على رأسها الكفر والفواحش، وأكل أموال الناس، والربا والظلم، والتعدي على الجار، ومِن المعلوم أن الثبات على المبدأ وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ذلك يحتاج إلى الصبر، الصبر على الناس لكي يستجيبوا، والصبر على أذاهم؛ لأن ما من أحد دعا إلى الفضائل والالتزام بها إلا عُودي وأُوذي، والصبر من صفات أولي العزم، ولا يستطيعه أي إنسان، واستمر في نصح ابنه، فبعد أن اطمأن على إيمانه وأدائه للواجبات، أعطاه جرعات أخرى من سمات الرجل المؤمن الصالح وصفاته البارزة التي ينبغي أن يتحلى بها، ولكن للأسف يغفُلُ عنها كثير من الناس، ﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ [لقمان: 18]، وهذه من صفات المتكبرين الجبارين الذين إذا ما نجحوا في عمل مهم بدا عليهم الكِبْر والتعالي، فشمخوا بأنوفهم، وأمالوا رقابهم؛ لكي يرتفع خدهم إلى الأعلى؛ دليل الكبر وادعاء العظمة، والعظمة والكبرياء لله؛ ففي الحديث القدسي الذي أخرجه أبو داود عن أبي هريرة: ((الكبرياء ردائي، والعظَمة إزاري، فمَن نازعني واحدًا منهما قذفتُه في النار) )، وعند فتح مكةَ دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أحنى رأسه تواضعًا، حتى إن لحيته لتمس رحله، فكانت وصية لقمان لابنه بالتواضع والبعد عن الكبر وتصعير الخد، ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ [لقمان: 18]، وخَصْلة أخرى ذميمة لا تليق بالمؤمن؛ أن يمشي المرء بين الناس في خيلاء وتجبُّر، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [لقمان: 18]، فهذه الصفات يُبغضها الله، وقد ورد في سورة الإسراء: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]، وفيها برهان حِسِّيٌ على أن المتكبر مهما مشى عجبًا وتيهًا فإن شموخه لن يوصله إلى قمم الجبال، كما لن يستطيع خرق الأرض ليبلغ آخرها؛ فهو في مكانه الذي هو فيه، وما زين له التعالي إلا خيالات الكبر، ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ [لقمان: 19]، القصد: يعني الاعتدال؛ فالمشيُ المحبب ليس بالخيلاء ولا بالتراخي الذي فيه تسحيب القدمين؛ دليل العجز والخَوَر، وتقليد المتماوتين الذين يظنون أنهم بفعلهم هذا يتقربون إلى الله، وقد كان عمر رضي الله عنه لا يعجبه هذا المشي من بعض الناس، فيخفقهم بالدرة؛ لكي يعدلوا من مِشيتهم؛ لأن هذه المِشية تعلم على الانكسار والذل، وتميت في القلب عزة المسلم؛ فالقصد في المشي يكون بالاعتدال مع السكينة والوقار، وقد وصف علي رضي الله عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطويل ولا بالقصير، شثن الكفين والقدمين - لم يكونا غليظين - ضخم الرأس ضخم الكراديس - رؤوس العظام - طويل المسربة - الشعر ما بين الصدر إلى السرة - إذا مشى كأنما تكفأ تكفؤًا - تمايل إلى الأمام - كأنما ينحط من صبب - ينحدر انحدارًا - لم أرَ قبله ولا بعده"؛ رواه الترمذي. ﴿ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 19]، وغضُّ الصوت خفضه باعتدال، وقوة الصوت ليست حسنة في كل الأوقات؛ فالجهر بأكثرَ من الحاجة يؤذي السامع، كما أن الخطيب يحتاج إلى رفع الصوت، والتوازن حسَب الحاجة مطلوب، ﴿ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [لقمان: 19] فلا ينبغي التشبه بها من حيث رفع الصوت بلا سبب، كما تفعل الحمير؛ إذ تفاجئ الناس بنهيقها المنكر، وصوتها النشاز، وقال قتادة: صوت الحمير: أوله زفير، وآخره شهيق، حقًّا إن لقمان لحكيم، ووصاياه لابنه تجعله ولدًا مهذبًا محبوبًا، يتحلى بالأدب الجم والذوق الرفيع، ولما زود ابنه بهذه النصائح البالغة الأهمية في حياة الإنسان المتفردة في الخلق والآداب، ذكَّره الله تعالى بحقوق الوالدين: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ [لقمان: 14] الوصية من الله تعالى، وقد أعقبت هذه الوصية ما دار بين لقمان وابنه، وأخذ الابن بدعوة والده له؛ طاعة لله ولوالده، والوصية من الله تعالى للأولاد بالإحسان للوالدين، خص الأم بمزيد إحسان؛ لأنها العنصر الأضعف والأكثر تحملًا لتربية الطفل منذ النشأة والتكوين في رحمها إلى مرحلة الولادة والإرضاع؛ لذلك جاء هذا التذكير بهذا الجهد وهذا التحمل وهذه المشقة في عملية الإنجاب وتربية الأطفال، ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ [لقمان: 14] فأصابها الضعف والتعب لهذا الحمل، وهي في الأصل ضعيفة، بخلاف الرجل الأقوى منها بنيةً واحتمالًا، والحمل مع ذلك محبب إليها، ثم يأتيها الوهن الثاني أثناء الولادة، وما أشقها على المرأة! ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14] فبعد الولادة يأتي الإرضاع لتغذية الوليد، ويحتاج المولود إلى ثدي أمه؛ ليشتد عوده ويعتمد على الطعام إلى سنتين، عندها يُضحي المولود فطيمًا وقد فصل عن ثدي أمه، بخلاف المخلوقات الأخرى من الحيوان، فإن فترة الرضاع عندهم أقل منها عند الإنسان، ﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 28] يحتاج إلى عناية من الأبوين لفترة طويلة؛ ولذا كان للأبوين دورٌ كبير في تربية الأبناء، وجهد مُضنٍ يستحقون عليه من الأبناء البِرَّ والطاعة والشكر والرحمة بهما عند الكِبَر، ﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، جعل الله تعالى الشكرَ للوالدين مقترنًا بالشكر لله؛ دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها وجوبًا؛ فمصير الإنسان ونهايته سيؤول إلى الله، حيث الحساب والثواب والعقاب، فإن أحسن زاده الله ثوابًا على إحسانه، وإن أساء كان العقاب والخسران على ما ضيع من حقهما، ومع هذا الحق الكبير الذي أعطاه الله للأبوين في برهما وطاعتهما فإنه مقصورٌ على الطاعة فيما يرضي الله، ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ [لقمان: 15]؛ لأن حقَّ الله مقدم، والإيمان أمر مصيري يتوقف عليه مصير الإنسان بين جنةٍ أبدية للمؤمن، أو نار أبدية للكافر، وبما أنه كذلك فكان الخيار فيه للفرد دون تدخُّل من الأبوين أو غيرهما في تقرير هذا الأمر، وعصيانهما فيه من غير إيذاء لهما لا يؤثِّر على برهما، وقيل: إن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فعندما أسلم علِمت به أمه، فأرادته أن يرتد، فامتنع، فامتنعت أمه عن الطعام والشراب، وأقسمت ألا تذوق طعامًا وشرابًا إلا إذا رجع عن دينه أو تموت، فقال لها: تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسًا نفسًا ما تركت ديني، إن شئتِ فكلي، وإن شئت فلا تأكلي. ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15] في حالة بقاء الأبوين على الكفر يبقى برُّهما ومصاحبتهما بالمعروف في فترة الحياة الدنيا، وإذا ماتا على الكفر فقد انقطع ما بينه وبينهما، وبالتالي فلا يشملهما الحديث الشريف: ((إذا مات ابنُ آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) )؛ فإن هذه الأعمال الخيرية لا تفيده؛ فأصل الإيمان معدوم، ولا ينفع معه العمل الصالح: ﴿ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ﴾ [الفرقان: 23]. ﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ [لقمان: 15]: أمر من الله للمسلم بأن يسلك سبيل الصالحين، المنيبين إلى الله، الراجعين إليه قلبًا وعقيدة وطوع نفسه، مستسلمين لأحكامه، عاملين بما أمر به، تاركين ما نهى عنه، متمسكين بحبله المتين، وشرعه القويم؛ فالمرجع والمآل إلى الله: ﴿ يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33]، وما على الإنسان إلا التفكير الجاد في هذا الكون وخالقه العظيم والانضواء تحت لواء الطاعة والتسليم والإيمان بوحدانية الله، وأنه لا شريك له، والعمل بمقتضى شرعه الحنيف ليكون من الفائزين، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [لقمان: 15] وهذا وعد من الله حق بيوم المعاد والحساب، وقد أعطى نماذج من هذا المعاد في قصة أهل الكهف، وعودهم للحياة، وإحياء عيسى عليه السلام للموتى، وفي زمن موسى حين ضرب المقتول بلحم البقرة فقام ونطق باسم قاتله، وإحياء الأرض بعد موتها بالعشب والزرع، فقد عرَّفَنا على قدرته بما نشاهده من خلقه؛ ولذا فإن حياة الإنسان على هذه الأرض محدودة بزمن لا يتجاوزه، قدره الله، ووعد أمة محمد بقُربه، ولا شك في وعده. ذكر أن لقمان كان حبشيًّا، وقيل: نوبيًّا، وعن ابن عباس: أنه كان عبدًا حبشيًّا نجَّارًا، وذكر أن لقمان عاصر داود، وكان داعية قبل نبوءة داود، وقيل قاضيًا، فلما نبئ داود توقف لقمان؛ لأن الأصل في هذا الأمر النبوة، وعلى هذا فلم يكن نبيًّا، كما ذكر بعضهم، وقد ورد في الحديث: ((خير السودان أربعة: لقمان وبلال والنجاشي ومهجع) ). الآيات من سورة لقمان 12 - 19.
حماية البيئة واجب ديني وضرورة حياتية
سعيد الرحمن إحساس
21-11-2021
5,841
https://www.alukah.net//culture/0/150768/%d8%ad%d9%85%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d8%ac%d8%a8-%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%b6%d8%b1%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/
حماية البيئة واجب ديني وضرورة حياتية الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه وسلم تسل ي مًا کث ي رًا، أما بعد: ف قال الله تعال ى : ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56]. اهتم الإسلام برعا ي ة الب ي ئة والمحافظة عليها اهتما مًا خاص ًّ ا؛ حت ى لاتض ي ع البشر ي ة، ولا تتضرر بالمفاسد الناتجة عن التلوُّث الذي يؤثِّر سلبًا على الإنسان والتربة والماء والهواء، وما تنتجه الأرض من خيرات ومنافع بشكل عام، وبالتالي فإن تلوث البيئة يُعتبر نوعًا من الفساد المنهي عنه في ديننا الحنيف. ملخص البحث: مهَّد الله سبحانه وتعالى الأرضَ للحياة، فقال: ﴿ وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا * أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا * وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [النازعات: 30 - 33]؛ أي أودعَ فيها منافعها، وفجَّرَ فيها الأنهار وأنبت نباتها، فنزلَ إليها أبونا آدم عليه السلام وكانت قطعةً جميلة صالحة للحياة والمعيشة، ومِنْ هُنا يجبُ على الإنسان أنْ يحسَّ بمسؤوليته تجاهَ الأرض بحفظِ العناصر التي خلقها الله تعالى لاستدامة الحياة الفطرية، وسخَّرها لعباده، كالمحافظة على ا لماء ِ، والكلأ، والغابات ، وا لحيوانات، والطيور، والحشرات، لإبقاء التوازن على الأرض، والاستفادة منْها في كلِّ ما ينفع الإنسان في دينه ودنياه، دون أن يعرِّض حياته أو حياة الآخرين للضرر، "فلا ضرر ولا ضرار"، حسب القاعدة الفقهية. أهمية البحث وسبب اختياره: خلق الله تعالى الأرض ليحقِّق عباده التوحيد له فيها؛ قال تعالى ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58]، وقدَّر في الأرض أقواتها لتستمرَّ حياة جميع الكائنات، ومنْ على ظهر هذا الكوكب؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، فهو سبحانه وتعالى متكفِّل بقُوْتها وغذائها، وما به عَيْشُها، وهو سبحانه يعلمُ مستقرَّ هذه الدَّواب، وهو: المكانُ الذي تُقيم فيه وتستقرُّ فيه، وتأوي إليه، ومستودعها: المكان الذي تنتقل إليه في ذهابها ومجيئها، وعوارض أحوالها؛ (تفسير السعدي:423). ومن هنا فا لب ي ئة لها أثر عم ي ق ف ي استمرار ح ي ا ة الإنسان وغيره من الكائنات الموجودة على الأرض، وفساد البيئة يؤدي إلى فساد في حياة الإنسان وكل كائن حي على وجه هذه المعمورة. وقضية البيئة تعتبر لدى البعض قضية ثانوية، أو كأنها قضية لا علاقة لها بالوحي، ومن هنا حاولت أن أتحدث في هذا البحث عن البيئة وموقف الإسلام منها وَفق مقاصد الشريعة السمحة الغراء. منهج البحث: اعتمدت في كتابة هذا البحث على المصادر والمراجع المطبوعة، كما أنني استفدت من بعض الكتب على الشبكة، وقرأت مقالات عديدة في كل ما يتعلق بالبيئة من نباتات وبكتيريا وحياة فطرية، حتى جاء بهذا الشكل الذي أسأل الله تعالى أن ينفع به كاتبه وقارئه على السواء. وينقسم إلى مبحثين: الأول: في تعريف البيئة وعناصرها ومعنى حمايتها. والثاني: في بيان مفاسد تلوث البيئة وموقف الشريعة منها، وأثرها علي المجتمع الحيوي. المبحث الأول: تعريف البيئة، ومكونتها ومعنى حمايتها: المطلب الأول: تعريف البيئة: البيئة: هي كل ما يحيطُ بالإنسان من مكونات طبيعية؛ كالماء والهواء والأرض والحيوان والنبات؛ (د.طيار، 2011، ص: 316). وتعرف في العلوم الاجتماعية المختلفة: بالإطار الذي يعيش ويسكن فيه الإنسان، ويؤثر فيه ويتأثر به، ويتحصل منه على مقومات الحياة من غذاء ومأوى وغيرها؛ (حافظ، 2017م، ص: 10). المطلب الثاني: عناصر تكوين البيئة: أ- مكونات غير حية: (العوامل الطبيعية)، وهي عبارة عن مجموعة من العوامل غير الحية التي تؤثر في حياة الكائنات الحيَّة، وتعينُ نوعيتها وأماكن وجودها، وتنقسم إلى ثلاثة أصناف. 1- العوامل الحيوية: وهي: الضوء، والحرارة، والرطوبة، والرياح، والضغط، والغازات. 2- عوامل التربة: تشتمل على تركيب التربة، وموقعها، ونسبة الرطوبة، والمواد العضوية وغير العضوية فيها، وتلعب هذه العوامل دورها في تحديد نوعية الكائنات الحيَّة التي تعيش فيها أو عليها. 3- العوامل المائية: وتشملُ الماء العذب والمالح في البيئات المائية. ب -المكونات الحيَّة: وتنقسم إلى ثلاثة أقسام: 1- المنتجات: وهي تشملُ جميع الأنواع التي لها الصلاحية على صناعة غذائها بنفسها، عن طريق عمليتي التركيب الضوئي والبناء الكيميائي؛ حيث تصنع موادَّ عضوية من مواد غير عضوية كالنباتات والبكتريا. 2- المستهلكات: وتشملُ جميع الأنواع التي لا تستطيع صنع غذائها بنفسها، بل تأخذها جاهزًا من المحيط، فهذه الأنواع قد تتغذى مباشرة على النباتات؛ كأكلات الأعشاب، أو تتغذى على اللحوم، وتسمى باللواحم، ونوع آخر تتغذى باللحوم والأعشاب وتسمي بالقوارض. 3- المحللات: وهي تضمُّ كثيرًا من أنواع الكائنات الحية التي تعيش في التربة كالفطريات والبكتريا، وهذه الكائنات تقوم بتحليل المواد العضوية، وتحويلها إلى مواد بسيطة، يعني ت عيد ها إلى عناصرها الأولية؛ كالنيتروجين، والفسفور، وكالسيوم، والمغنسيوم، وغيرها مما يمكن تحصيلها من النباتات (المنتجات) لتعيد تصنيعها إلى مواد عضوية، وهكذا تستمر علمية التدوير الغذائي ، ( biotic facturs "، 2017 ). وهناك بعض العلماء ينقسمون العناصر الأساسية للبيئة كالآتي: 1- العناصر الفيزيائية: وتشمل حيز المكان، والتضاريس، والمسطحات المائية، والتربة، والمناخ، والصخور، والمعادن، والأنهار، والبحار، والرمل، والأحجار. 2- العناصر البيولوجية: وتشمل علي الكائنات الحيَّة؛ كالإنسان، والنباتات، والأشجار، والغابات، والحيوانات، والحشرات، والكائنات الحية. 3- العناصر الثقافية: وهي تشملُ الأنشطة الاقتصادية؛ كالمصانع، والزراعة، واستخراج المعادن، والأنشطة الاجتماعية؛ كإعمار المنازل، والمدارس، والجامعات، والاحتفالات، والتراث (حسيني 1379ش). المطلب الثالث: معنى حماية البيئة: من أهم أولويات الإنسان النظر إلى حماية البيئة، والاهتمام بها على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول، حيث إن حماية البيئة تهدف إلى المحافظة على التوازن في العلاقات بين الإنسان وبين الحياة الفطرية والأنظمة الطبيعية التي تمنح كل المكونات مستوًى مناسبًا للاستدامة، وتشمل حماية البيئة من الحفاظ على الهواء النقي، وحماية المياه من التلوث، والعمل المنظم على إدارة النفايات على مختلف المستويات، للاستفادة من إعادة تدويرها، أو التخلص منها بشكل لا ضرر منها الحياة الفطرية للكائنات الحيَّة وغيرها؛ (ريان، 2016). المبحث الثاني: تلوث البيئة، وأسبابه، وأثره على المجتمع الحيوي، وموقف الشريعة منه. المطلب الأول: تلوث البيئة وأسبابه: التلوث البيئي عبارة عن ارتفاع كمية المواد بأشكالها الغازية، أو السائلة، أو الصلبة، أو إضافة أحد أشكال الطاقة؛ كالصوت، والحرارة، والنشاطات الإشاعية، وغيرها داخل البيئة، بحيث يجعلها غير قادرة على تحليل هذه المواد والطاقة، أو تبديدها، أو تخفيفها، أو إعادة تدويرها، أو تجعلها غير قادرة على تخزينها بشكل غير ضار. وهناك عدة أسباب لها تأثير خاص في إفساد وتلويث عناصر البيئة نذكرها ملخصًا. 1- تلويث الماء: إذا ازدادت المواد الكيميائية أو أي مواد أجنبية ذو آثار سلبية على حياة الكائنات الحيَّة (الإنسان، والحيوان، والطيور، وغيرها)، في المياه، تُعتبر مفسدة للمياه وبالتالي للبيئة؛ لأنها تحدث تغيرات في طبيعة الماء ونوعيته وخصائصه، بحيث يجعلها غير صالحة للاستخدام، فأحيانًا تشاهد في الماء المخلَّفات، أو تشمُّ منْها رائحة كريهة، أو تكونُ ملوثة بأشياء تؤثر على الحياة الفطرية للأسماك والفقاريات المختلفة، كتسريب النفط الخام ومنتجاتها إلى المياه؛ ( what is water pollution? 2019 ). 2- تلوث التربة: وهي تراكم العناصر المعدنية في التربة بتركيز أكبر من المعتاد، وبالتالي يحدث خطرًا كبيرًا على التربة الخصبة قد لا نعرفها إلا بعد حدوثه، مثلًا كثيرًا من المركبات العضوية تؤثر في نمو النباتات والمحاصيل الزراعية، لكن تضرُّ بصحة الإنسان والحيوان، وهذا من أخطر أنواع التلوث في العموم؛ (إيمان، 2020). 3- تلوث الهواء: المقصود من تلوث الهواء هو انطلاق الغازات المختلفة، والمواد الصلبة الدقيقة، والسوائل المتناثرة إلى الغلاف الجوي بمعدلات عالية تتجاوز طاقة البيئة على تبديدها أو تخفيفها أو تمصيصها، وبالتإلى تسبب الأضرار الصحية والمشاكل غير المرغوب فيها. ولها سببان: الأول: صنع البشر؛ كاحتراق النفط، والفحم، في مجالات مختلفة، والزراعة، وتربية المواشي، وزيادة سكان الأرض. والثاني: أمور طبيعية؛ كهبوط الريح مع الغبار، وأملاح البحار، وحبوب اللقاح، وبقايا الكائنات الحيوانية والنباتية، والانبعاثات البركانية، والصواعق، وحرائق الغابات؛ مما تسبب وجود كميات كبيرة من أكسيد النيتروجين والهيدروجين؛ (طبرسا، جلإلى، ترشيزي 1316ش، ص: 10). 3- التلوث الإشعاعي أو الضوئي : يأتي نتيجة لانبعاث مواد مشعة في البيئة مصادفة أو تبعًا للحروب، أو وجود مواد مشعة؛ مثل مناجم اليورانيوم، والمفاعلات النووية ومختبرات التجارب. 4- التلوث الضوضائي أو التلوث الصوتي: هي عبارة عن الأصوات المزعجة وغير المرغوب فيها الناتجة من المنشآت الصناعية، وأماكن الأعمال الأخرى؛ مثل وسائل النقل، ومكبرات الصوت، ومعدات الموسيقا، وسكك الحديد، وحركة الطائرات، وأنشطة البناء مما تسبب آثارًا سلبية مضرة على البيئة؛ (باراني، بيعقوبي 1392ش). المبحث الثاني: أضرار تلوث البيئة على الكائنات الحية: أولًا: التلوث الهوائي: الهواء الملوث يعرض الإنسان لأضرار صحية خطيرة؛ كتهيج العينين، والأنف، والحنجرة، والصعوبة في التنفس، والسعال، وضيق الصدر، والأمراض القلبية والرئوية، والإصابات السرطانية، ويسبب في تلف الجهاز المناعي، والعصبي، والتناسلي، والتنفسي، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة؛ (إسنفديار، 1386). وكثيرًا ما يسبب تلوث البيئة مشاكل مناخية كثيرة؛ كارتفاع درجة الحرارة، وقلة الأمطار، وحجب ضوء الشمس؛ (داليا، 2019). الثاني: التلوث المائي: يشكل تلوث الماء تهديدًا خطيرًا لصحة الإنسان والكائنات الحية، مثل أمراض الجهاز التنفسي، والقلبي، والأوعية الدموية، والإصابة بالأمراض البكتيرية؛ مثل: الاسهال، والكوليريا، والجارديا، والملاريا، وسوء التغذية، والفيروسات، والتهاب الكبد. ولو ترك التلوث المائي بلا رادع ووازع، لتسبَّب في انهيار النظام البيئي بأكمله؛ لأن التلوث يزيد بعض العناصر الغذائية إلى الماء؛ مثل النيتروجين والفسفور؛ مما يؤدي إلى نمو الطحالب السامة التي تتغذى بها البكتريا في البحيرات، وهذ يقلِّل الأكسجين في الماء، وبالتالي يؤثر على الكائنات الحية المائية؛ (سهلب، 2019). الثالث: التلوث التربتي: عندما يختلط التراب بالعديد من الملوثات؛ مثل المواد الكيميائية الزراعية، والمواد المشعة، فإن هذه المواد تؤثر في الإنسان حينما تتسرب إلى الخضروات والفواكه عند زرعها في التربة الملوثة. والعوامل التي تسبِّب تلوث التربة هي تفريغ نفايات المصانع، والمياه الملوثة في التربة، وانفجار المخازن تحت الأرض؛ (إيمان، بحث عن تلوث التربة، 2020). ويؤثر التلوث بشكل سلبي ومباشر على البيئة وبالتالي على صحة الإنسان والحيوان والنباتات؛ لأن الحياة مرتبطة بالتراب. الرابع: التلوث الضوضائي: يؤدي التلوث الضوضائي إلى العديد من الأمراض الخطيرة؛ كضعف السمع، والإصابة بالأمراض القلبية، وارتفاع ضغط الدم، والكوليسترول، واضطراب في النوم؛ (نجار، 2019). الخامس: التلوث الإشعاعي أو الضوئي: يعاني المصابون بالحرق الإشعاعي بالحكة، وإحساس التنمل، واحمرار الجلد، وحدوث التورم في الجسد، وتلف خلايا الجسم، وأمراض العيون، وفقر الدم، وغيرها؛ (زقيه، 2016). المبحث الثالث: موقف الشريعة الإسلامية من البيئة: أمر الإسلام بالمحافظة على البيئة؛ لأنَّ الحفاظ عليها يسبب في مصلحة الفرد والمجتمع والكون الذي جعل الله له نظامًا دقيقًا وبديعًا جدًّا؛ قال تعالى: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [النمل: 88] ، فأوجد الجبال وخلق أنواع النباتات لتسدَّ حوائج الكائنات الحيَّة، وقدَّر كلَّ شيء فأحسن تقديره، ليكون الكون منظمًا ومتوازنًا، وأوجب على الإنسان أن يحافظ على هذا النظام والتوازن، منعًا للخلل والاضطراب في التوازن الذي يترك تأثيرًا مباشرًا على الإنسان والكائنات الحية، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وسلم على غرس الأشجار، ورغَّب فيها، وجعل ذلك صدقة، وحثَّ على الزراعة حتى ولو قامت القيامة، فقال: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أو يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أو إِنْسَانٌ أو بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ"؛ (صحيح البخاري: 1422). وأمر بإحياء الأرض الموات، فقال: "مَ نْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ، وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ " (العبسي، 1409، ص: 487). ونهى الناس عن قضاء الحاجات في طرق الناس، وظلال الأشجار، وأوصى جيشه في غزوة مؤتة ألا يَحرقوا النخل، ولا يقلعوا الأشجار، ولا يهدموا البيوت، وأمر بالرفق على الحيوانات وتوعد مَن يتسبب لهم بالأذى، وأمر بالمحافظة على الماء ومصادر الشرب، ونهى الإسلام عن الفساد، وإهلاك الحرث والنسل الذي يتمُّ في نتيجة الحروب البيولوجية، والكيمياوية والنووية، ويسبب الدمار والهلاك؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ﴾ [البقرة: 205]. وأيضًا أخبر الله تعالى عن تدخل الإنسان في إفساد الهواء والبحار، فقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]. فتلويث البيئة يعتبر فسادًا في البر والبحر، ومعصية في منهاج الحياة، ويؤدي إلى خراب الحياة المحيطة بنا؛ (ريان، 2001). وكذلك جعل الله سبحانه وتعالى عناصر تكوين البيئة حقًّا مشتركًا بين البشر كلهم، حتى يستفيدوا منها بشكل لا يضر بحياة الآخرين، حفاظًا للحياة من الضياع؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ ﴾ [الملك: 15]، وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: الْمَاءِ وَالْكَلَأ وَالنَّارِ"؛ (مسند الشيباني: 174). فالماء يشتمل جميع ما تحت الأرض وما فوقه من المعادن الجامدة والمائعة، فلا يجوز لأحد أن يتعدى على حقوق الآخرين، وفقًا لقاعدة لا ضرر ولا ضرار، وهذ هو معني حماية البيئة في الإسلام؛ (صبري، 2012). نتائج البحث: 1- البيئة أمانة إلهية وجب على الإنسان حمايتها ضمانًا لحماية حياته وحياته مَن على الأرض. 2- البيئة حق مشترك بين البشر سواسية، فلا يحوز لأحد أن يستغلها لنفعه، ويُحرِّمها على الآخرين. 3- مكونات البيئة عناصر ترتبط بحياة الإنسان وبقائه، فلا يتجاوز عليها أجد أكثر من حاجته. 4- المصانع، والمباني واستخراج المعادن ضرورة إنسانية لا بد من التصرف فيها، لكن بطرق وأساليب تحافظ على البيئة من التلوث. 5- ترك المنفعة الشخصية عند الإضرار بالمصالح العامة أو بالآخرين. 6- صيانة البيئة من التلوث فريضة شرعية وأخلاقية لاشتراك جميع الكائنات الحية وحقها فيها مع الإنسان. فهرس المصادر: 1- القرآن الكريم. 2 - أبو الفتح صبري، (25 مايو، 2012)؛ أسس مظاهر التوافق بين الإنسان والبيئة في الفكر الإسلامي. 3- أبوبكر بن أبي شيبة العبسي. (1409)؛ المصيف في الأحاديث والآثار (الطبعة الأولي، المجلد 7)؛ الرياض: مكتبة الرشد. 4- أحمد بن حنبل أبو عبدالله الشيباني، (1421)، مسند أحمد (المجلد 38)، بيروت: مؤسسة الرسالة. 5- أحمد يوسف ريان؛ (14 يناير، 2016)؛ الإسلام والبيئة، تمت الاستفادة من mawdoo3.com . 6- أحمد يوسف ريان، (14 يناير، 2016)، الفتوى، تمت الاستفادة من موقع إسلام ويب، https://www.islamweb.net / 7- الحياري، إيمان، (23 يوليو، 2020)، بحث عن تلوث التربة. 8- الحياري، إيمان، (2020). mawdoo3.com . بحث عن تلوث التربة، مسکو. 9- تعاليم الإسلام، (18 السبت جمادى الأول، 1423)، الفتوي، تمت الاستفادة https://www.islamweb.net / 10- دشتي سيد مصطفي حسيني، (1379 ش)، معارف المعارف، (الطبعة الثالثة 3، المجلد 5)، تهران: موسسه فرهنگي آرايه. 11- سارة زقية، (بلا تاريخ). 12- سارة زقية، (9 يونيو، 2016)، الأمراض الناجمة عن التلوث. 13- سرور إسفنديار، (1386). جايگاه محيط زيست در زندگي إنسان ها، طوبي. 14- طبرسا/ فرخنده ومحمد واحدي طبرسا/ جلالي/ ترشيزي، (1396 ش). تاثير إنسان برمحيط زيست در چرخه تکامل بشري، مديريت منابع طبعي در کشورهاي در حال توسعه، (صفحة 10)، تهران: دانشگاه تهران. 15- عبدالله بن محمد، عبدالله بن محمى المطلق، د. طيار، (2011 م)، الفقه الميسر (الإصدار الطبعة الأولى، المجلد 13)، الرياض: مدارالوطن للنشر. 16 - عبدالرحمن السعدي، تيسير الكريم الرحمن، دار ابن الجوزي، (الدمام ص: 423). 17- عبي داليا، (15 إبريل، 2019)، أضرار تلوث الهواء علي صحة الإنسان. 18- كرم علي حافظ، (2017 م)، الإسلام وقضايا البيئة (الإصدار الطبعة الأولى)، القاهرة: الجنادرية للنشر والتوزيع. 19- کرم سهلب، (18 إبريل، 2019)، آثار التلويث المياه على الإنسان. 20- محمد بن اسماعيل أبو عبدالله البخاري، (1422)، مختصر صحيح البخاري (الإصدار الطبعة الأولى، المجلد 3)، (محمد بن زهير بن ناصر الناصر، المحرر) دمشق: دار الطوق النجاة. 21- نادر\سوران باراني \بيعقوبي، (1392 ش)، بررسي عوامل موثر در تخريب محيط زيست، أولين همايش سراسري محيط ؤيست إنيژي وپيدا افتن زيستي، 8. 22- وجيه روان نجار؛ (20 يونيو، 2019)، أثر التلوث الضوضائي. 1- biotic facturs ". (1 10، 2017) . ". 2- what is water pollution ?". (16 11، 2019) . تمت الاستفادة من ،.
دراسة سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي: واقع... نتائج...طموح
عباس سبتي
21-11-2021
25,062
https://www.alukah.net//culture/0/150767/%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%b3%d9%88%d8%a1-%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%af%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%b5%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9...-%d9%86%d8%aa%d8%a7%d8%a6%d8%ac...%d8%b7%d9%85%d9%88%d8%ad/
دراسة سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي واقع... نتائج...طموح مقدمة: حسب رأي إحدى المتخصصات بمواقع التواصل الاجتماعي، فأن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من 3 ملايين مستخدم في الكويت، وهذا الاستخدام يؤثر على حياة الناس وفي صنع بعض القرارات الاجتماعية والسياسية، وأهم هذه المواقع استخدامًا "الانستغرام " (1،8 مليون) وتويتر (1،68 مليون) وسناب شات (1،65 مليون) ، وهذا بالنسبة للمواطنين، وعند إضافة الوافدين إليهم، فإن موقع فيسبوك يفوق بقية المواقع الاجتماعية، ويستخدم (3،1 مليون) مواطن مواقع التواصل عبر الهواتف المحمولة. ولا ننسى استغلال الناس مواقع التواصل بالتسويق الإلكتروني حسب إحدى الدراسات التي أجراها قسم الإحصاء والبحوث في كلية العلوم بجامعة الكويت - أن 52 في المائة من مستخدمي مواقع التواصل، كان بهدف التجارة؛ أي: عمليات البيع أو الشراء والإعلان، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. ل كن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت من سمات العصر، واخترقت جميع البيوت دون استئذان ودون رقابة، ويستخدمها جميع الفئات والعمرية، فهي أداة فتاكة وسلاح ذو حدين، فكما أنها وسيلة لتعزيز السلوك الإيجابي داخل المجتمع، عن طريق تشجيع الفرد على تكوين صداقات والتواصل مع الآخرين، والتعرف على كل ما هو جديد في مجال العلوم، وتبادل الخبرات العلمية والإنسانية، إلا أنها أيضًا وسيلة فتاكة تفتك بجميع القيم الإيجابية التي ينبغي أن يتمسك بها الفرد ويتمثلها في أخلاقه وسلوكه وعلاقاته. في دراستنا هذه تكشف لنا واقع مواقع التواصل الاجتماعي من تداعيات وسلبيات لدى مستخدمي هذه المواقع، مثل تزايد الجرائم الإلكترونية بسبب سوء استخدام هذه المواقع والأجهزة المحمولة؛ مما أدى إلى تكاثف جهود رجال التشريع المتواصلة لمواكبة هذه الجرائم وتحديدها وتصنيفها بُغية الحد من سوء استخدام مواقع التواصل، وما يؤمِّله الباحث من طموحات وبدائل لهذا الحد. مفاهيم / مصطلحات الدراسة: وسائل التواصل الاجتماعي، سوء استخدام مواقع التواصل، الجرائم الإلكترونية، التشريعات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية. النتائج المتوقعة من الدراسة: تعاون الجهات المعنية الرسمية والخاصة بخصوص الحد من سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. إجراء المزيد من الدراسات، وتفعيل نتائج وتوصيات الدراسات المتعلقة بسوء استخدام الشبكات الاجتماعية. إنشاء مواقع إلكترونية رسمية لتوعية المواطنين والمقيمين بمخاطر وتداعيات مواقع التواصل الاجتماعي. تقديم شركات الاتصالات والإنترنت تطبيقات وبرامج حماية للناس عبر مواقع خاصة للحد من سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. وضع آلية بمناهج المدارس والجامعات لتوعية الطلبة بمخاطر وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي. تخصيص أسبوع كل عام لحملة حماية الناس من سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. عقد مكاتب التدريب والاستشارات دورات وورش عمل للناس بشأن مخاطر مواقع التواصل الاجتماعي. واقع سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. اطلع الباحث على ما تناولته الصحافة المحلية ما بين أعوام 2012 و2020 من قضايا وحوادث متعلقة بسوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والتشريعات الخاصة بها، وما علق الباحث عليه من تعليقات، وما قامت به مؤسسات رسمية وأهلية من جهود في هذا المجال لحد سوء استخدام مواقع التواصل، تمثل هذا الواقع: تزايد حوادث الجرائم الإلكترونية: كشفت إحصائية حديثة لوزارة العدل أن عدد المنظور منها أمام المحاكم خلال النصف الأول من العام الحالي بلغ 1057 قضية، بزيادة بلغَت أكثر من %3300 مقارنة بالأشهر الستة الأولى من عام 2018؛ حيث كانت 31 قضية فقط، أن أبرزها متعلق باتهامات بالابتزاز والتهديد، والإساءة إلى السمعة، والتشهير والسب والقذف، واختراق الخصوصيات، إضافة إلى استعمال الهاتف بشكل خاطئ، والتحريض على الفسق والفجور والتعرض للقياديين في البلاد، أو لرموز الدول، هناك وجود مساع حكومية لضبط كل جوانب قضايا الجرائم الإلكترونية، والعمل على ردع أي حسابات تستخدم بشكل مخالف، لافتة إلى أن القانون الحالي رادع، ولكن هناك مساعٍ لتغليظ بعض العقوبات. تورط الأطفال في موقع اليوتيوب: نصح خبير التقنية رائد الرومي أولياء الأمور بعدم ترْك الأطفال، دون متابعة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الإنترنت، خصوصًا اليوتيوب، أضاف موجهًا كلامه لأولياء الأمور: أطفالك أمانة، فساعِدهم لاختيار أفضل التطبيقات المناسبة للفئة العمرية، وتابعهم وشارِكهم أفكارك وتوجيهاتك، ولحماية الأطفال من تطبيق يوتيوب تكون باستخدام «تطبيق يوتيوب الأطفال وليس البالغين". استغلال مشاهير مواقع التواصل أطفالهم طلبًا للشهرة: استدعت وزارة الداخلية 30 شخصًا من مشاهير السوشيال ميديا، وحذَّرتهم من استغلال أطفالهم في الشهرة (الصحف اليومية يناير2019) ، ويوجد قانون 91 لحقوق الطفل يعاقب كل مَن مارس ضد الأطفال أي شكل من أشكال العنف والإساءة النفسية، أو الإهمال والاستغلال، حبس مدة لا تتجاوز سنة، وغرامة مالية لا تتجاوز ألفي دينار. وتطبيقًا للقانون الذي أُنشئت بموجبه، الذي ينص على أنها «تنوب عن المجتمع في الدفاع عن قضاياه»، واجهت النيابة العامة خطورة مواقع التواصل الاجتماعي وتهديدها للمجتمع، من خلال استغلال الأطفال الذين لم يتعدوا سن الـ13 . شدَّدت النيابة العامة على أنه يجب علينا كمؤسسات حكومية تجنبًا للآثار السلبية لهذه الثورة التكنولوجية - حماية الطفل من السلوكيات الدخيلة، وكل ما يمس الأطفال والناشئة، مُحذِّرة أولياء الأمور من المساهمة في تعريض أطفالهم أو استغلالهم عبر هذه الوسائل، ومحاسبة من يستغل هذه الفئة الضعيفة في أي عمل مناف للقيم، أو أي انتهاك لحقوقهم . تنوع قضايا الابتزاز عبر مواقع التواصل : أقدم شاب على تهديد فتاة بنشر صور لها إذا لم تخرج معه، وبعد أن وجد الباب موصدًا أرسل الصور التي حصل عليها من خلال موقع للتواصل الاجتماعي إلى والدها، وبدوره تقدم الأب بشكوى للنيابة العامة التي قررت حبس الشاب 21 يومًا وتحويله للسجن المركزي. وفي حادثة مماثلة لقضية الابتزاز هرع رجال الشرطة إلى إحدى العمارات في السالمية عند استلام بلاغ بمحاولة شاب من مواليد 1992، وأصيب بكسور وجروح، وتم نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج، وأشار المصدر الأمني إلى أن الأسباب الأولية تشير إلى تعرض الشاب للابتزاز عبر إحدى مواقع التواصل، الأمر الذي دعاه إلى الانتحار. حذَّرت الإدارة العامة للمباحث الجنائية مُمثلة في إدارة الجرائم الإلكترونية - المواطنين والمقيمين من عصابة منظمة تستهدف الكويت، وتحديدًا فئة الشباب؛ حيث تتواصل معهم مستخدمةً أسماء مستعارة لفتيات، وتطلب منهم عرضًا تسجيليًّا بأوضاع مُخلة للآداب العامة، ومن ثم يقوم أفراد العصابة بتسجيل المقطع واستخدامه في تهديد وابتزاز المجني عليه ماديًّا . استخدام الشباب مواقع التواصل بشكل خاطئ : أكَّد عضو هيئة التدريس أستاذ علم الاجتماع الجنائي بأكاديمية سعد العبد الله للعلوم الأمنية العقيد د. بدر الخبيزي - أن الاثار السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي خطر على الشباب والمجتمع كافة، مشددًا على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من الجرائم الإلكترونية . وأوضح الخبيزي خلال مشاركته في ملتقى «الواقع الرقمي» أن استخدام التكنولوجيا بصورة خاطئة يؤثر سلبًا في المراهقين، لافتًا إلى أنها بوابة لنشر سلوكيات وثقافات بعيدة عن تقاليد مجتمعنا، ونوَّه بضرورة نشر الوعي حول قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، والاستخدام الآمن في مواقع التواصل لعدم التعرض للجريمة، داعيًا ذوي الخبرة في مجال تقنية المعلومات إلى إرشاد المستخدمين حول السلوكيات المناسبة للتعامل مع مجالات الثورة التكنولوجية. فبركة الصور لشخصيات رفيعة: نجح رحال الأمن في ضبط المواطنين بعد معلومات وردت إلى رجال أمن الدولة والمباحث عن صور خادشة للحياء والشعور العام، تحمل وجوهًا لعدد من رموز الدولة، مركبة على أجساد ممثلات بشكل خادش للحياء والذوق العام، تم توزيعها ولصقها في مناطق الجابرية، وجنوب السرة وغرب مشرف، وعدد من المناطق، حيث تم تكليف رجال الأمن بالتحري والبحث لضبط الفاعلين. انتشار الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي : كشف مصدر أمني عن أن إدارة الجرائم الإلكترونية بصدد استدعاء عدد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممن بثوا مقاطع وصورًا غير حقيقية حول الأمطار، سواء بالكويت، أو في الدول المجاورة للتحقيق معهم، وإحالتهم إلى الاختصاص بتُهم متعلقة بإساءة استخدام وسائل التواصل، وترويج شائعات، وطالب المصدر كل مستخدمي وسائل التواصل بتجنُّب بث الشائعات لخطورتها، مؤكدًا أن هناك متابعة دقيقة لكل ما يُنشر، منوهًا إلى أن من حق أي مواطن متضرر التقدم ببلاغات بهذا الخصوص. قانون جديد للحد من سوء استخدام مواقع التواصل : علمت الصحف المحلية من مصادرها أن الحكومة تعكف على إنجاز مشروع قانون جديد يختص بتنظيم العمل في وسائل التواصل الاجتماعي، ومكافحة الحسابات الوهمية فيها. وقالت المصادر: إن المشروع يهدف إلى تعريف الجهات المختصة بهوية أصحاب الحسابات الإلكترونية على كل شبكات التواصل، وخصوصًا الإخبارية منها؛ حتى يمكن محاسبتها عند الخطأ، إلى جانب الحد من أي ممارسات سيئة تجاه الآخرين، والتي تتم بنشر الإساءات أو الأخبار غير الصحيحة، بعيدًا عن الحرية المسؤولة في الانتقاد، وأكدت أن هذا القانون يختلف عن قانون الجرائم الإلكترونية، إذ يهدف لتنظيم التواصل الاجتماعي على الوسائل التي تعتمد كلية على الشبكة العنكبوتية، إلى جانب مكافحة ومحاسبة الحسابات الوهمية، ووضع ضوابط جديدة للاستخدام. دور شركات الاتصالات بتوعية أولياء الأمور وأطفالهم: يعكف مزودو خدمات الإنترنت في البلاد على إصدار تطبيقات هاتفية تساعد أولياء الأمور على إنقاذ أبنائهم من الانحراف بسبب الاستخدامات التكنولوجية الخاطئة التي ربما تؤدي إلى عواقب وخيمة، وكشف مصدر مطلع أنه بحسب البيانات والإحصائيات والدراسات التي نفَّذها مختصون على مناطق واسعة من العالم، واستهدفت كذلك دول مجلس التعاون الخليجي ومنها الكويت، فإن عددًا كبيرًا من القضايا الاجتماعية التي يتم تسجيلها في الجهات الحكومية المعنية ترتبط بالاستخدامات الخاطئة لأجهزة التكنولوجيا من قبل الأطفال، ويحتاج الأمر إلى دعم الحكومة لإصدار هذه التطبيقات. وزارة المواصلات والحد من المواقع الإباحية: أصدر وزير المواصلات عيسى الكندري قرارًا يقضي بتشكيل لجنة مشتركة من وزارة المواصلات، ومن ممثلين عن جميع شركات مزودي ومقدمي خدمة الإنترنت سلكيًّا ولاسلكيًّا بالكويت للعمل على الحد من المواقع الإباحية غير الأخلاقية، ومواقع لعب القمار، فقد كشف مصدر أمني مسؤول لإحدى الجرائد اليومية أن إدارة مباحث الجرائم الإلكترونية في وزارة الداخلية تمكَّنت منذ بداية العام الجاري وحتى نهاية نوفمبر (2015) الماضي من ضبط نحو 300 مواطن، ومقيم يديرون حسابات إباحية على مواقع التواصل الاجتماعي سيواجهون عقوبات مشددة بتهمة «إدارة موقع إباحي ونشر صور مخلة بالآداب»، تصل العقوبة فيها إلى السجن بين 3 و5 سنوات من خلال قانون الجزاء. قضية رقصة "كيكي" وسلبياتها: ظهرت هذه الرقصة أو ما يسمى "تحدي رقصة كيكي" بمواقع التواصل الاجتماعي في كل مكان، وهي عبارة عن رقصة يؤديها السائق بعد أن يترجل من سيارته أثناء سيرها، ويغني أغنية النجم العالمي "دريك"، و أول من قام بهذا التحدي هو النجم العالمي شيغي، صاحب برنامج the shiggy show ، وذلك بعد أن نشر فيديو لنفسه وهو يرقص على أنغام الأغنية في 30 حزيران/ يونيو 2018، ولاقى الفيديو رواجًا كبيرًا لعفوية حركاته، وبعد وصول الرقصة إلى الكويت، افتت هيئة الفتوى: «كيكي» حرام شرعًا، و«الداخلية»: القبض على قائد المركبة ومعاقبة راقصها بحجز سيارته مدة لا تتجاوز الشهرين. سرقة أموال الناس من البنوك: على الرغم من تحذيرات وزارة الداخلية والبنوك، وما نشرته الصحف المحلية من خطورة الاستجابة والتجاوب مع أشخاص نصابين عبر الهاتف النقال يزعمون ربح جوائز نقدية قيِّمة، فقد وقع أناس في فخ الاحتيال، وسُرقت أموالهم بعد تقديم رقم الحساب البنكي للناصبين. سرقة الملفات الشخصية من الهواتف: حذَّر مصدر أمني من خطورة فتح روابط بدأت تبث على وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا دون معرفة مصدرها، لافتًا إلى أن إدارة الجرائم الإلكترونية تلقت في غضون الأيام القليلة الماضية سلسلة من البلاغات المتعلقة بسرقة ملفات من هواتف نقالة عن طريق السطو على برنامج الواتساب بوسائل متنوعة أبرزها إرسال روابط مسبقة . قضية الطلاق وتطبيق " لايك، Like " بالانستغرام: أسباب الطلاق كثيرة وغريبة، ولكن هذه المرة السبب صادم، وهو أن زوجها يقوم بعمل «لايكات» في الانستغرام لفتيات لا يعرفهن ! ورُبَّما تؤكد هذه القضية الإحصائية التي نشرت في إحدى الصحف قبل أيام من أن مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت خراب بيوت ، وقال المحامي عدنان أبل: «عندما تأتي فتاة وتطلب رفع دعوى طلاق، فأول ما يدور في بالك أسباب كثيرة جعلتها تطلب الطلاق، ولكن إحداهن كان ردها: زوجي يحط «لايكات» حق بنات بالانستغرام ، وأضاف المحامي: أردت إصلاح الوضع، وقلت لها: بالتأكيد هناك سبب آخر، وحاولت تَهْدِئتها لكنها ردت: «اليوم لايكات وباجر الله أعلم شيصير؟!». الألعاب الإلكترونية العنيفة وقتل الأقارب والأباعد: استغل ما يسمى بتنظيم «داعش» الألعاب الرقمية، وخصوصًا الألعاب القتالية وحرب الشوارع، لتجنيد الشباب وصغار السن، وغسل أدمغتهم بأن القتل هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الغايات، وحتى تكون اللعبة أكثر تشويقًا، فإنها تكون على مراحل يتم الانتقال بينها بعد أن يقتل اللاعب (الطفل) مجموعة من الشخصيات في اللعبة، فإنه يُطلب من اللاعب أن يقتل أحد أفراد أسرته، حتى يمكن الانتقال إلى المرحلة الأخيرة، والفوز باللعبة، ومن ثم قدمت الداخلية نصائح لأولياء الأمور لمراقبة أطفالهم أثناء ممارسة هذه الألعاب. رواج المخدرات في مواقع التواصل: استغل مروجو المخدرات مواقع التواصل للاتجار بالسموم البيضاء خاصة اصطياد المراهقين والشباب من الجنسين، وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى الأرباح الهائلة لتجارة المخدرات عبر هذه المواقع حسب تقريرها عام 2016، وتوجد على بعض هذه المواقع عشرات المواقع والمنتديات التي تقدم المعلومات حول طرق زراعة بعض النباتات المصنفة في صنع المخدرات، وتتحايل بعض هذه المواقع باستخدام الأسماء الشعبية لبعض المخدرات، وأحيانًا بالتصريح بالأسماء مع وضع عبارة إخلاء مسؤولية قانونية على اعتبار أن ما يكتب هو من باب حرية نشر المعلومات والتعبير. حسب إحصائية وزارة الداخلية (نوفمبر 2020) ، فإن 75 في المائة من الجرائم التي تحدث داخل الكويت مرتبطة ارتباطًا مباشرًا ببيع أو تعاطي أو ترويج المخدرات، وتذكر الإحصائية أن سبب تزايد نسبة تعاطي المخدرات وحجم الكميات المضبوطة إلى سببين رئيسيين: الأول هو الأنواع الجديدة من المخدرات التي باتت رخيصة الثمن وسهلة النقل، وغير معروفة للعالم أصلًا، وتمكُّن المروجين وتجار المخدرات من استغلال وسائل التواصل الاجتماعي لبيعها، والثاني هو موقع الكويت الجغرافي القريب من الدول المصدرة للمخدرات. تأجيج بعض النواب العواطف من أجل كسب انتخابي: حمل نواب النخب السياسية مسؤولية إيقاع الشباب من الجنسين في غياهب السجن، من خلال حضهم على ارتكاب الجرائم الإلكترونية بذريعة «الوعي السياسي»، دون أن يعلم الشاب أنه استغل الهاتف بارتكاب جريمته، خصوصًا أن غالبية القضايا التي يرتكبونها تندرج تحت تهم "سب وقذف وإساءة استعمال هاتف وتشهير وتجاوز قانون الوحدة الوطنية"، وسواها من القضايا التي تسهم في تقويض أركان المجتمع». لعبة الحوت الأزرق وانتحار المراهقين: باتت لعبة «الحوت الأزرق» الإلكترونية المشتبه فيه الأول في قضايا انتحار مراهقين وشباب خلال السنوات السابقة، إذ يعكف رجال مباحث الإدارة العامة للمباحث الجنائية - إدارة الجرائم الإلكترونية، وإدارات البحث الجنائي في محافظات الجهراء وحولي ومبارك الكبير، على فك طلاسم ثلاث قضايا وقعت خلال شهر واحد (شهر يوليو 2017) ، ويعتقد أن هذه اللعبة تقف وراءها . لعبة "مريم" وغسيل مخ المراهق: لعبة مريم تثير ضجة على السوشيال ميديا في الكويت والسعودية ، تحدث الكثير عنها في تويتر في الكويت والسعودية والدول العربية، وانتشرت في صفوف الشباب، وظهرت تحذيرات ومنها الانتحار، وهي تتجسس على خصوصيات الناس، ومريم هي فتاة قد ضاعت عن منزلها وتسأل الأطفال والمراهقين أسئلة عامة وخاصة، وحذر العقيد الرومي المراهق أن يصبح أسيرَ هذه اللعبة عندما يلبي طلبات اللعبة؛ كي يواصل استمراره في اللعبة، ومن خلال الروابط قد يتجسس على اللاعب، وإلى جانب هناك مخاطر نفسية وإباحية وأمنية تواجه لاعب اللعبة. التحذير من فيروس "الأرنب السيئ": من المخاطر التي تظهر بين جين وحين "الفيروسات الإلكترونية" التي تواجه الأفراد والدول، لذا تظهر تحذيرات من هنا وهناك من الجهات المسؤولة عن هذه الفيروسات، بدوره حذَّر بنك الكويت المركزي البنوك الكويتية من فيروس «الأرنب السيئ» الذي ضرب قبل أيام أجهزة كمبيوتر في روسيا وأوكرانيا وأنحاء مختلفة من أوروبا، مما أدى إلى تشفيرها وتعطيلها وسرقة الملفات، وينتشر هذا الفيروس عبر رسائل البريد الإلكتروني. قضية التسلط الإلكتروني والعنف المدرسي: "للبيع كلب أليف تم جلبه من ألمانيا به عيب واحد فقط، إحدى الأذنين أطول من الأخرى»، هذه كانت الصيغة لأحد الإعلانات التي وضعت في أحد أكثر مواقع البيع شهرة بعد وضع صورة شاب أعلى الإعلان كنوع من المزاح والنكات بين الأصدقاء، وحوادث التسلط والعنف المدرسي بشكل عام تتكرر في كل المراحل والمدارس، ولم تجد حلًّا لها، شاهد قراء الجرائد اليومية مقطع فيديو يوضح أسباب تنمر الأطفال بعد اعتداء طالب ابتدائي على زميله بالمدرسة، وحوادث العنف والتسلط تتكرر بالمدرسة وخارجها أمام أعين مسؤولي الطلبة، ولا يجدون حلًّا ناجعًا لها، لماذا؟ أطفال الكويت ومواقع إباحية: حذَّر مدير إدارة حماية الأحداث في وزارة الداخلية العميد بدر الغضوري من مغبة الجرائم الإلكترونية، نتيجة لتعدُّد أشكالها وتنوُّع مخاطرها على أفراد الأسرة كافة، مشيرًا إلى أن متوسط أعمار مشاهدي الأفلام الإباحية في الكويت أقل من 10 سنوات، بينما متوسط أعمال الأطفال عالميًّا ما بين 15و17 سنة، وذكر وجود مواقع كثيرة منها مواقع مشهورة تبث الأفلام الإباحية من أجل الربح المادي، وقد يلجأ منظمو المواقع الإباحية إلى بعض شخصيات رسوم كرتونية محببة للأطفال تستغل لاصطيادهم للمواقع الجنسية، و25% من الأطفال اعترفوا بتعرضهم لهذا الابتزاز. كاميرا الموبايل وفقدان القدوة: قامت إحدى المعلمات بحسب الفيديو المعروض بالاستهزاء بدموع طالبتين صغيرتين، والتلفظ عليهما بشتائم أثارت الاستغراب لصدورها ممن يجب أن يكون قدوة ومثلًا أعلى لطلابه، وطالبت تعليقات المغردين المسؤولين في وزارة التربية بالتصدي لتلك الواقعة لضمان عدم تكرارها مستقبلًا، هذا وطالبت وزارة التربية بفتح تحقيق للحادثة، ولكن أظن استمرار هذا الاستهزاء عبر الواتساب وغيره عند تخفيف العقوبة مثل لفت نظر للمعلمة. مواقع التواصل وبث الكراهية والفرقة: خلع مقطع يوتيوب بثَّته وسائل التواصل الاجتماعي أمس الأقنعة عن بعض التربويين، وشخ َّ ص بالصوت والصورة حجم الفوضى العارمة التي ضربت بعض المدارس، بعد ظهور شتائم متبادلة بين معلمات وأولياء أمور وألفاظ نابية تقذف على مرأى ومسمع الطالبات . فمن أزمة الزي الشفاف لطالبات المرحلة الثانوية إلى ملف الرسوم الدراسية، مرورًا بتدني الخدمات التعليمية في هذه المدارس وانتهاء بشكوى أولياء الأمور ودعوتهم إلى تنظيم الاعتصامات. استخدام تقنية البلوتوث في عملية الغش: مع التطور التكنولوجي الهائل يبدو أن زمن البراشيم الورقية ولَّى وانتهى في ظل وجود أجهزة مختلفة تباع، ويتم الإعلان عنها أيضًا، ففي آخر صرعات الوسائل التي يستخدمها بعض الطلبة بالغش في الاختبارات، ضبطت في إحدى لجان اختبارات الصف الحادي عشر بإحدى مدارس البنات طالبةً تستخدم جهازًا جديدًا في الغش يتكون من ساعة يد وسماعة تعمل بتقنية البلوتوث تضعها الطالبة في أ ذنها تحت الحجاب . من جهتها أعلنت وزارة التربية أن "المدارس ستستخدم أجهزة تشويش في الصالات الكبيرة فقط، كما سيمنع دخول الموبايل إلى اللجان، إضافة إلى استخدام أجهزة التفتيش اليدوية عالية التقنية" . تصوير أعضاء جسم الفتاة الحساسة بكاميرا الهاتف: أذعن شاب مراهق لمواطن ضبطه يقوم بتصوير فتاة أثناء وجودها في محل لبيع الهواتف المتنقلة دون علمها، بعد أن أمسك به واصطحبه لخارج المحل، وسحب جهاز هاتفه منه، وبعد تفحصه للجهاز عثر على مشهد فيديو إضافة إلى 7 لقطات لأماكن حساسة للفتاة التي كانت بداخل المحل، وبعد أن وبَّخه المواطن خيره بين تسليمه للشرطة، أو مسح المشاهد «قليلة الأدب»، فما كان من المراهق إلا الإذعان لطلب المواطن خوفًا من انكشاف أمره، وقام بمسح ما بالجهاز من صور ومشاهد، وغادر المكان نادمًا على العمل غير الأخلاقي الذي قام به. انشغال الطلبة بالهواتف الذكية عن الدراسة: يرى بعض أن انشغال طلاب المدارس بوسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية بشكل عام، يؤثر على تحصيلهم العلمي، ومستواهم الدراسي، لذلك طالبوا قبيل بدء العام الدراسي الجديد بأيام بالحد من كل ما يمكن أن يلهي الطلبة، ويشغلهم عن التركيز على الدروس. ازدياد الأمراض العضوية والنفسية لوقت الشاشة المفرط: كشف وكيل وزارة الصحة أن نسبة احتمالات الإصابة بالاكتئاب والقلق في الكويت تصل إلى 30 في المئة في عام 2014، أ كدت مصادر مطلعة بوزارة الصحة أنه جار العمل والتجهيز لافتتاح 13 عيادة جديدة للصحة النفسية في المراكز الصحية، ليصبح إجمالي العيادات 35 عيادة مستقبلًا، مبينة أن تقديم الرعاية الصحية في المراكز يأتي لتخفيف العبء النفسي والاجتماعي مع ظهور أزمة كورونا، وانشغال الناس بالأجهزة المحمولة. مدى كفاية التشريعات المتعلقة بسلبيات مواقع التواصل: جرائم سوء استخدام وسائل الاتصالات الحديثة، ومنها الهاتف في تزايد مستمر، وهو ما يؤدي إلى تعريض أمن وراحة وسلامة وسمعة الأشخاص للخطر، وبناءً على كل ما سبق صدر قانون رقم 9 لسنة 2001 بالكويت في شأن إساءة استعمال أجهزة المواصلات الهاتفية، وأجهزة التنصت، لمكافحة ما ظهر من تطورات لتكنولوجيا المعلومات . صدر القانون رقم 63 لسنة 2015 في شأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتم العمل به في يوم 12/1/2016، وذلك بعد أن مضى على تاريخ نشره في الجريدة الرسمية ستة أشهر، ويهدف هذا القانون إلى حماية حريات الأشخاص وشرفهم، وكذلك استخدام أي وسيلة من وسائل تقنية المعلومات في تهديد الأشخاص وابتزازهم، مع تشديد العقوبة إذا كان التهديد بارتكاب جناية أو المساس بكرامة الأشخاص أو شرفهم . في دراسة لنا بعنوان: استطلاع رأي أولياء الأمور بشأن بناء مقرر دراسي بالمدارس والجامعات بدولة الكويت، يناير 2021 سألنا أولياء الأمور: هل تعتقد أن التشريعات بشأن الجرائم الإلكترونية كافية للحد من مخاطر سوء استخدام الأجهزة؟ الذين أجابوا عن السؤال من الجنسين عددهم "281" فردًا، من أجاب بنعم من الجنسين بنسبة " 73،7%" ومن أجاب بلا بنسبة " 26،3% "، نجد أن أكثر أفراد العينة (أكثر من ثلثي عددهم تقريبًا) على دراية بوجود تشريعات لتنظيم استخدام الأجهزة الإلكترونية التي يتعامل معها الناس، ولكن بحكم أنهم غير متخصصين بمجال سوء أو سلبيات هذه الأجهزة، لم يطلعوا على نتائج الدراسات السابقة، وبالتالي ماذا نفسر أن الناس تعاني من سوء استخدام هذه الأجهزة بشكل عام، وحتى أفراد عينة دراستنا يعانون من سوء هذا الاستخدام (تقريبًا أكثر من ثلثي عددهم) ، مع وجود تشريعات للحد من سوء استخدام الأجهزة؛ حيث صدر القانون رقم 63 لسنة 2015 في شأن مكافحة الجرائم الإلكترونية، وتم العمل به في يوم 12/1/2020. حظر الهواتف في المدارس: نتيجة إساءة الطلبة لاستخدام الهواتف الذكية في المدارس، وما ينتج عنه من عدم الانتباه لشرح المعلم، ومشاهدة المواد الإباحية، والتقاط صور للطلبة أو المعلمين وغيرهم بالمدرسة للتشهير والسخرية، فقد سنَّت المدارس حظر اصطحاب الهواتف إلى المدرسة، أو تسليمها لإدارة المدرسة إلى وقت الخروج من المدرسة. إدمان استخدام مواقع التواصل يؤدي إلى الانتحار: ورد بلاغ إلى غرفة عمليات الداخلية من العاملين في محل للإنترنت بمنطقة العماير الاستثمارية بمنطقة الجهراء عن سقوط أحد الزبائن مغشيًّا عليه أمام أحد الأجهزة، وعلى الفور توجَّه رجال الإسعاف إلى موقع البلاغ، وبعد أن قام رجال فنِّيي الطوارئ بفحص الشاب تبيَّن أنه لفظ أنفاسه الأخيرة بظروف غامضة، وأشار أحد الفنيين إلى أنه ربما تعرض لأزمة قلبية، وبعدها تم إبلاغ رجال الطب الشرعي للتوجه إلى موقع البلاغ، حيث تم رفع الجثة لمعرفة أسباب الوفاة. أهداف الدراسة: دراسة واقع سوء استخدام الناس مواقع التواصل الاجتماعي. تنبيه المسؤولين بعلاج مشكلة سوء استخدام الناس للمواقع التواصل. تقديم توصيات ومقترحات لعلاج مشكلة سوء استخدام مواقع التواصل. أهمية الدراسة: تأتي أهمية الدراسة بكثرة حوادث سوء استخدام مواقع التواصل وتبعاتها على مستخدميها، وتسليط الضوء على هذه الحوادث، وتنبيه المسؤولين وغيرهم للحد من هذه الحوادث، سواء سن التشريعات المتعلقة بالجرائم الإلكترونية، وغير ذلك. مشكلة الدراسة: تتناول الدراسة مشكلة سوء استخدام مواقع التواصل وتبعاتها وإفرازاتها على مستخدمي هذه المواقع. فروض الدراسة: هل يوجد سوء استخدام مواقع التواصل لدى الناس؟ هل التشريعات المتعلقة بسلبيات استخدام مواقع التواصل كافية للحد من سوء استخدامها. هل توجد لوائح ونظم في المدارس والجامعات للتنظيم أو للحد من سوء استخدام الطلبة للمواقع التواصل؟ حدود الدراسة: تقتصر الدراسة على حوادث سوء استخدام مواقع التواصل بدولة الكويت ما بين 2012 و2020. خطوات الدراسة وإجراءاتها: استخدم الباحث أداة "تحليل محتوى"، وهي عبارة عن مراجعة الدراسات والمقالات واستطلاعات الرأي لمشكلة سوء مواقع التواصل التي اطلع عليها الباحث في الصحافة المحلية ما بين أعوام 2012 و2020 م. الدراسات السابقة: دراسة قسم الإحصاء والبحوث، جامعة الكويت (2015) ، أكدت الدراسة أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تؤثر بشكل مباشر في العلاقات الاجتماعية، وأن 71 في المائة من عينة الدراسة تأثرت علاقاتهم سلبًا لأسباب تعود إلى وسائل التواصل الجديدة، كما أن 62% من مستخدميها واجهتهم مشاكل مع أصدقائهم بسبب كتابة آراء مخالفة، أو بسبب بعض التعليقات، أو الحذف والإضافة التي تتسبب في غضب أو خلاف البعض . كشفت إحصائية حديثة لوزارة العدل (يوليو 2019) أن عدد قضايا تقنية المعلومات الواردة إلى النيابة العامة خلال العامين ونصف العام الماضية بلغ 4589 قضية، منها 2179 قضية في 2017 و1291 العام الماضي، إضافة إلى 1119 قضية خلال النصف الأول من العام الحالي، وهو ما يعني أن هناك أكثر من 5 جرائم تقنية معلومات ترتكب في البلاد يوميًّا . دراسة (الظفيري وآخرون، 2017) هدفت إلى الكشف عن آراء طلبة كلية التربية بجامعة الكويت حول المجالات المتداولة في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، كما رمت إلى تعرف الفروق بين آراء الطلبة نحو هذه المجالات طبقًا لمتغيرات الدراسة المتمثلة في الجنس والحالة الاجتماعية والتخصص، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف تبنت الدراسة المنهج الوصفي، ولاختبار صحة الفروض، تم تصميم استبانة خاصة لجمع البيانات، وتم تطبيقها على عيِّنة بلغ عددها (624) طالبًا وطالبة من كلية التربية بجامعة الكويت، وقد جاءت أهم نتائج البحث لتوضح أن آراء الطلبة تتفاوت أحيانًا حول المجالات المتداولة في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، كما أظهرت النتائج وجود فروق ذات دلالة إحصائية تعزى لعامل الجنس لصالح الإناث، وكشفت النتائج أيضًا أنه ليس للحالة الاجتماعية أو التخصص أثر على آراء الطلبة حول المجالات المتداولة في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وأن الطلبة يفضلون استخدام مواقع شبكات التواصل الاجتماعي في المنزل أكثر من الجامعة والأماكن العامة، وأنهم يستغرقون بالمنزل وقتًا أكبر عند استخدامهم لتلك الوسائل. وبناءً على تلك النتائج أوصت الدراسة بإعطاء واجبات منزلية عبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، وشجعت على استخدام تلك الوسائل للتواصل مع الطلبة في مجالات مختلفة مثل المجالات الثقافية والاجتماعية. دراسة (إدارة التوثيق الشرعي، 2014) بوزارة العدل في الكويت، ذكرت أن شبكات التواصل الاجتماعي كانت السبب بنسبة 33% في المشاكل الزوجية التي أفضت إلى الطلاق، ومن أهم نتائج الدراسة أن الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي وسوء استخدامها، أدَّيَا إلى تباعد بين الأزواج، وزادا من عزلتهما عن بعضهما، وتراجعت العلاقة العاطفية بينهما، وحل النفور محلَّها، وكشفت الدراسة عن إحصائيات أشارت إلى أن نسبة الطلاق خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري (2015) بلغت 52.5%، إذ تم تسجيل 3751 حالة طلاق مقابل 7138 حالة زواج. دراسة (العصفور، 2015) بدورها قالت الباحثة في علوم الأسرة بجامعة الكويت شيخة العصفور -للجزيرة نت -: إن مواقع التواصل الاجتماعي بالكويت أسهمت في ضعف العلاقات الأسرية، وظهور مشاكل اجتماعية أكثر من السابق، مشيرة إلى أنها أجرت دراسة عن أثر استخدام تقنيات الاتصال الحديثة على الأسرة الكويتية، وأظهرت نتائجها تأكيد 62.5% من أفراد العينة تأثير التقنيات في زيادة السلوكيات غير الأخلاقية على المجتمع، وبيَّنت دراستها أن التقنيات زادت من عزلة أفراد الأسرة عن بعضهم، وانعدام الإشباع العاطفي، وإتاحة فرصة الاطلاع على الثقافة الغربية وتقليدها. دراسة (إدارة الإحصاء والبحوث، 2018) ، حذَّرت أول دراسة حكومية ميدانية في وزارة العدل من تزايد الجرائم الإلكترونية في المجتمع الكويتي، مبيِّنة أن نحو %75 من المواطنين والمقيمين يستخدمون شبكة الإنترنت بصورة يومية، ولكن الخطير في الأمر أن %32 منهم يجهلون العقوبات المترتبة على هذه الجرائم، أهم الجرائم التي تناولتها هذه الدراسة: التغرير بالنساء وإساءة استخدام الهاتف المحمول، وجرائم السب والقذف والمتاجرة بالبشر والتهديد بالقتل، وهتك الأعراض، والتغرير بالأطفال، وتعنيف الأطفال وسلب الأموال والطلاق، وتلقي الرسائل المزعجة عبر الهواتف المحمولة، والرسائل المعززة بالصور الجنسية والأفلام الإباحية، ورسائل التهديد، ورسائل التشهير بالسمعة، ورسائل النصب والاحتيال، والترويج لخطاب الكراهية، وقيام طلبة وباحثين بسرقة أبحاث جاهزة من الإنترنت، ونسبتها إلى أنفسهم، والانضمام إلى التنظيمات الإرهابية. دراسة الشمري وصفر (2016) ، أجرى الخبيران في تقنية المعلومات م. بسام الشمري، وم. أحمد صفر دراسة ميدانية بمناسبة إقامة الندوة الرئيسية لمهرجان القرين الثقافي تحت عنوان «استخدام الشبكات الاجتماعية الفرص والمخاطر»، والمشارك به عدد من الخبراء من الكويت والوطن العربي، شَمِلت شريحة كبيرة من المستخدمين للشبكات الاجتماعية من مختلف الأعمار في الكويت، بلغت ٥٠٦ مستخدمين انقسمت بين الرجال والنساء بشكل متساو تقريبًا، نسبة الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في الكويت بلغت 72 %، الدراسة أشارت إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى سرعة انتشار المعلومة وزيادة الإشاعات بنفس النسب %65 لكل منهما، ثم أكد المشاركون وبنسبة %54 إلى أن الشبكات الاجتماعية أدت إلى تغيير قيم المجتمع من حصيلة جميع المشاركات، حيث أوضح ما نسبته %40 إلى تعرضهم للكذب و%30 إلى العنصرية خلال استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي. دراسة (الجاسر، لولوة 2018) ، جاءت هذه الدراسة لتوضح العلاقة بين اضطراب الخوف من فقدان الهاتف المحمول (النوموفوبيا) ، وبين التحصيل الدراسي لطلبه التعليم الثانوي بدوله الكويت، ولتحقيق هدف الدراسة استخدمت الباحثة المنهج الوصفي، كما استخدمت الباحثة مقياسين من أدوات القياس لجمع المعلومات، المقياس الأول: اضطراب الخوف من فقدان الهاتف المحمول "النوموفوبيا"، أما المقياس الثاني، فتضمن التحصيل الدراسي، وتمثلت عينة الدراسة فـ 154 طالبًا وطالبة من الصفين الحادي والثاني عشر. وأسفرت نتائج الدراسة عن أنه توجد علاقة بين الخوف من فقدان الهاتف المحمول ومستوى التحصيل الدراسي لطلبة التعليم الثانوي بدولة الكويت، وهذه العلاقة سلبية، بمعني كلما زاد الخوف من فقدان الهاتف المحمول، انخفضت نسبة التحصيل الدراسي لدى الطلبة. دراسة (مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث، 2019) ، أشارت إلى أهم أسباب تراجع كفاءة التعليم بين الأطفال في الكويت وعموم العالم العربي - إلى زيادة تأثير ظاهرة الإدمان الإلكتروني على السلوك والقدرة على التركيز والفهم، خاصة بين المراهقين والأطفال دون سن العاشرة؛ إذ زاد إقبال هذه الفئة بشراهة على الاستخدام المكثف للإنترنت وتطبيقات الألعاب والدردشة، لكن بدل أن تنمي هذه الاستخدامات قدرةَ الإدراك والفهم والإبداع لدى الأطفال والمراهقين، أصبحت سببًا يَحول دون تنمية الذكاء الفطري، كما تلاحظ استنتاجات البحث أن محدودية تَمْضية الأُسر الكويتية لوقت كافٍ مع أبنائها، يزيد من تعريضهم للإدمان الإلكتروني. تحليل النتائج: بعد أن استعرض الباحث واقع سوء استخدام مواقع التواصل من خلال مطالعة الصحف المحلية ما بين (2012 و2020) ، فقد وجد سلبيات ومشكلات تواجه الناس صغارًا وكبارًا، وهي تعكس هذا الواقع مثل: تزايد حوادث الجرائم الإلكترونية. تورط الأطفال في موقع اليوتيوب. استغلال مشاهير مواقع التواصل أطفالهم طلبًا للشهرة . قضايا ابتزاز الفتيات وغيرهن عبر مواقع التواصل. استخدام الشباب لمواقع التواصل بشكل خاطئ. فبركة الصور لشخصيات رفيعة. انتشار الشائعات في مواقع التواصل الاجتماعي . قانون جديد للحد من سوء استخدام مواقع التواصل. دور شركات الاتصالات بتوعية أولياء الأمور وأطفالهم. وزارة المواصلات لحجب مواقع إباحية . قضية رقصة "كيكي" وسلبياتها. سرقة أموال الناس من البنوك: سرقة الملفات بالهواتف. قضية الطلاق وتطبيق "لايك، Like " بالانستغرام. الألعاب الإلكترونية العنيفة وقتل الأقارب والأباعد. تأجيج بعض النواب العواطف من أجل كسب انتخابي. لعبة الحوت الأزرق وانتحار المراهقين. لعبة "مريم" وغسيل مخ المراهق. التحذير من فيروس "الأرنب السيئ". فتح مواقع إباحية في مواقع الاتصال الاجتماعي. قضية التسلط الإلكتروني والعنف المدرسي. أطفال الكويت ومواقع إباحية. كاميرا الموبايل وفقدان القدوة. استخدام تقنية البلوتوث بعملية الغش. مواقع التواصل وبث الكراهية والفرقة . تصوير أعضاء جسم الفتاة الحساسة بكاميرا الهاتف. مطالبات بالحد من انشغال الطلبة بوسائل التواصل والهواتف الذكية. انشغال الطلبة بالهواتف الذكية عن الدراسة. حظر الهواتف في المدارس. ازدياد الأمراض العضوية والنفسية لوقت الشاشة المفرط. إدمان استخدام مواقع التواصل يؤدي إلى الانتحار. رواج المخدرات في مواقع التواصل. مناقشة النتائج: طموح وبدائل: نلاحظ أن هذه الحوادث متعلقة بمستخدمي الأجهزة المحمولة ومواقع التواصل الاجتماعي كبارًا وصغارًا، وبعد استخراج نتائج هذه الدراسة نجد أن نصيب الكبار (17) حادثة، بينما نصيب الصغار أو طلبة المدارس (15) حادثة، وبالاطلاع على التشريعات المتعلقة بسوء استخدام مواقع التواصل، فإنها بشكل عام تركِّز على المستخدمين الكبار فقط للأسف حتى إعداد هذه الدراسة، لذا نحتاج إلى سن تشريعات متعلقة بسوء استخدام الطلبة لمواقع التواصل الاجتماعي، لا يكفي حظر الطلبة للهواتف المحمولة في المدرسة، وبالمناسبة أجرينا دراسة أثر مواقع التواصل الاجتماعي على طلبة المدارس والجامعات: سلبيات ... حلول ... مقترحات 2013 قبل عدة سنوات، كنت في زيارة خاصة إلى أحد مديري المدارس المتوسطة (الإعدادية) ، وقد رأيت على مكتبه عددًا من أجهزة "الموبايل" قبل اختراع الهواتف الذكية، ولما سألت مدير المدرسة قال: إن الطلبة يتداولون بينهم صورًا عارية أثناء الدوام المدرسي موجودة بأجهزة الهواتف (الموبايل) ، وأضاف: نبَّهنا وحذَّرنا الطلبة من اصطحاب أجهزة "الموبايل" معهم إلى المدرسة، لذا صادرنا هذه الأجهزة وخاصة التي فيها صور عارية، أقول علمًا: إن ذلك كان قبل اختراع جهاز "الهاتف الذكي" المرتبط بشبكة الإنترنت، وهذا الجهاز يمكن حمل أفلام إباحية من بعض المواقع. وبالمناسبة أرى الطلبة صغارًا وكبارًا وهم يستخدمون الهواتف الذكية لممارسة الألعاب الإلكترونية، أو مشاهدة المباريات، أو مشاهدة الأفلام الإباحية التي تعرضها بعض مواقع التواصل الاجتماعي، وقد شغلتهم هذه المشاهدات عن الدراسة المدرسية. هذا وقد استطلعت آراء بعض التربويين من مديرين ومساعديهم ومعلمي بعض المدارس بشأن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال موقع " فيسبوك " والأسئلة هي : هل توجد عقوبات تعاقب الطلبة المتورطين بسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي؟ ج / لا توجد نظم ولوائح مدرسية. في حال عدم وجود لوائح، ما الإجراءات التي تتخذها المدرسة بحق الطلبة المخالفين؟ ج / يتصرف مدير المدرسة بمصادرة الهاتف المحمول، وباستدعاء ولي أمر الطالب، وكتابة تعهُّد لعدم تكرار المخالفة. ما المخالفات التي يرتكبها الطلبة باستخدام أجهزة الآيفون وغيرها؟ ج / اشتغال الطالب بالهاتف عن شرح المعلم، تصوير المعلم أو الطالب إذا كان الهدف الاستهزاء أو السخرية منهما، استخدام الهاتف بعملية الغش في الامتحان، دخول الطالب بمواقع إباحية، نشر الأفلام الإباحية بين الطلبة. حسب تجربتنا بشأن سلبيات الأجهزة المحمولة، فإن هناك شركات عالمية تقدم مع خدمات الإنترنت في كثير من الدول برامج وتطبيقات لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، وذلك بتزويد أولياء الأمور بهذه التطبيقات في مقابل مالي، هذا وقد ترجمنا مقالات ودراسات بهذا الشأن وهي منشورة في موقعنا المسار للبحوث التربوية والاجتماعية. كما ذكرنا كثيرًا في تعليقات سابقة لا بد من تعاون الدول والجهات الأمنية والمصرفية بها في قضية النصب والاحتيال التي يذهب ضحيتها أبرياءُ وسُذَّجٌ من الناس، وأن هذا التعاون يسهل تعقب الهاكرز والنصابين أينما يكونوا، هذا وقد أنفقت البنوك المحلية الأموال من أجل حماية أموال الناس، ولكن تصرفات خاطئة لبعض يجعلنا نؤكد زيادة التوعية والإرشادات للناس في تطبيق " الواتساب " وغيره. التوصيات: على مستوى وزارة التربية والتعليم العالي: على مسؤولي التربية إدخال مادة سوء استخدام الأجهزة المحمولة بالمناهج المدرسية والجامعية بعد الاطلاع على نتائج الدراسة. إجراء مزيد من الدراسات المتعلقة بسوء استخدام الطلبة للأجهزة المحمولة. إجراء طلبة الجامعة دراسات متعلقة بسوء استخدام الهواتف المحمولة ومناقشتها أمام لجنة تحكيم. على مستوى الجمعيات ذات النفع العام: إقامة برامج وأنشطة لبيان سلبيات مواقع الإنترنت على أفراد الأسر. تخصيص مواقع تعليمية على غرار المواقع التي تديرها الجهات الأمنية والاجتماعية الأخرى لتوعية أفراد الأسر، وبقية الناس بسوء استخدام الأجهزة المحمولة. رفع دعوات إلى وزارة التربية والتعليم العالي بشأن توعية الطلبة بسوء استخدام الهواتف المحمولة. على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي: تخصيص شركات الاتصالات التكنولوجية مواقع لإرشاد الناس للحد من سوء استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. حجب مواقع القرصنة الإلكترونية وغيرها وبيان مساوئ هذه المواقع للناس. عرض تطبيقات لمجابهة القرصنة الإلكترونيين وتعيين خط ساخن للتواصل مع هذه الشركات. عرض تطبيقات للحد من الإفراط من وقت الشاشة وعلاج إدمان استخدام مواقع التواصل. على مستوى الأسرة: مطالبة أولياء الأمور بمتابعة أطفالهم عند استخدامهم مواقع التواصل الاجتماعي. رفع أولياء الأمور أصواتهم ودعوة وزارة التربية لعقد محاضرات وندوات لتوجيه، وإرشاد طلبة المدارس والجامعات بسلبيات وسوء استخدامهم للأجهزة المحمولة. مطالبة أولياء الأمور وزارة التربية بإدخال مقرر سوء استخدام الأجهزة المحمولة في المناهج التعليمية. المصادر: دراسة إدارة الإحصاء والبحوث، وزارة العدل، الكويت 2018. مؤتمر الكويت الإقليمي الأول لحماية الأطفال من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي، مارس 2017. دراسة الشمري، صفر استخدام الشبكات الاجتماعية الفرص والمخاطر، 2016. إحصائية حديثة لوزارة العدل، الكويت (يوليو 2019) . ضوابط حماية الأطفال، إدارة نيابة الأحداث، وزارة العدل، الكويت، 2018. ملتقى «الواقع الرقمي... مواجهة وتحديات» الكويت، 2018. دراسة الظفيري وآخرين، آراء طلبة كلية التربية بجامعة الكويت حول المجالات المتداولة في مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، كلبة التربية، جامعة الكويت، 2017. دراسة إدارة التوثيق الشرعي بوزارة العدل، الكويت، 2015. دراسة العصفور، شيخة، كلية علوم الأسرة، جامعة الكويت، 2015. دراسة إدارة الإحصاء والبحوث، وزارة العدل بشأن تزايد الجرائم الإلكترونية في المجتمع الكويتي، 2016. تقرير الظفيري، قطاع الأمن الجنائي بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية "خطر وسائل التواصل "، 2019. دراسة الجاسر، لولوة، اضطراب الخوف من فقدان الهاتف المحمول (النوموفوبيا) ، وعلاقته بالتحصيل الدراسي لدى طلبة التعليم الثانوي بدولة الكويت، قسم علم النفس، كلية التربية الأساسية، مجلة البحث العلمي في التربية. ع. 19، ج. 17، 2018 . سبتي، عباس، دراسة استطلاع رأي أولياء الأمور بشأن بناء مقرر دراسي بالمدارس والجامعات بدولة الكويت، يناير 2021. سبتي، عباس، مشروع مقترح إدخال موضوعات سوء استخدام الطلبة أجهزة التكنولوجيا، ديسمبر 2017. سبتي، عباس، مقترح بناء مقرر دراسي باسم سلبيات أجهزة التكنولوجيا، أكتوبر 2015. سبتي، عباس، مشروع الألعاب الإلكترونية في المناهج المدرسية، أبريل 2016. سبتي، عباس، أثر مواقع التواصل الاجتماعي على طلبة المدارس والجامعات: سلبيات .. حلول .. مقترحات، ديسمبر 2013. سبتي، عباس، دراسة الألعاب الإلكترونية وعزوف الأولاد عن الدراسة نتائج، حلول بدولة الكويت، أبريل 2013. سبتي، عباس، تقليل وقت الشاشة.. مخاطر ومقترحات، سبتمبر 2019. سبتي، عباس، دراسة أجهزة التكنولوجيا وسقوط الإنسان، يونيو 2012. سبتي، عباس، دراسة الإنذار بانهيار الحضارة التكنولوجيا، 2012. سبتي، عباس، قضية ابتزاز الفتيات عبر الإنترنت .. تعليق .. تحقيق، أغسطس 2014.
مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام ونظامه
محمود بن أحمد أبو مسلّم
20-11-2021
2,957
https://www.alukah.net//culture/0/150740/%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%88%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85%d9%87/
مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام ونظامه الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فهذا مدخل إلى قواعد الحكم في الإسلام في كلمات يسيرة؛ لعلها تكون ملهمة أو مساعدة على فهم أمرٍ جليل، أظن أنه يحتاج إلى مزيد تأمُّل وتنظير في العصر الحديث. فلا شك أن الحضارة الحديثة، والنظم السائدة في العالم أصبح لها تأثيرٌ على كافة أنظمة الحكم لا يمكن إغفاله، انقسم الناس فيها بين مؤيد ومعارض، كل يدلي بحجته. وفي هذا المقال أشير فقط إلى بعض أهم مبادئ الحكم في الإسلام، كمدخل إلى فهم أن القواعد يبنى عليها نظمٌ للحكم، مع قطع النظر عن مسمى هذه النظم. (1) لا يوجد في القرآن "نظام" حكم محدد ولا في السُّنَّة: هاهنا أمران: الأول: حين نقول "نظام" فنعني بذلك الإطار المنهجي المصمم لإدارة سياسات وإجراءات معينة للمنظمات أو للدولة، ولا نعني به مثلًا "تطبيق الحدود، وتوزيع الميراث، وجباية الزكاة"، هذا ليس نظامًا، بل قواعد الحكم وتسمى القوانين والسياسات، لكن النظام هو كيفية (آلية) تطبيق القواعد؛ ولذلك كان هناك خلطٌ كبير عند البعض بين مفهوم النظام، ومفهوم القواعد والأحكام. اقرأ كتاب الله، من بسملته إلى ﴿ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ﴾، اقرأ الصحيح والمسانيد والمصنفات والتفسير والسير، لن تجد أمرًا واحدًا أو دليلًا واحدًا للجواب على سؤال: ما هو نظام الحكم في الإسلام؟ وليس هذا قصورًا، بل على العكس، هذا من عظمة الإسلام، وحكمة الله في الإنسان، فالعصور تتغير، والأزمان تختلف، ولو وضَع القرآن نظامًا محددًا للحكم، ربما وضع الإنسان في حرج شديد، فنظام الحكم لهذا العصر قد لا يصلح، أو بالتأكيد لن يصلح لعصر آخر، فترك الله عزَّ وجلَّ للإنسان وضع النظام الذي يلائمه ليحقق به القواعد والأصول والسياسات المنزلة. ولا يوجد دليل على ما أقول أحسن من تطور "نظام الحكم" بعد موت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأبي بكر؛ إذ لم تكن فترة حكمه طويلة كفاية، لكن في عصر عمر، الذي اتخذ إجراءات ونظمًا حديثة في حكمه، كالحسابات (الدواوين) ، ومراقبة الأسواق، والنيابة عنه في متابعة الولاة، وغير ذلك مما فرضه عليه زمانُه من آليات لتنظيم حكم دولته، وكل ذلك لم يكُ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، بل استُحدث، ومنها ما كان غير عربي ولا إسلامي، كالدواوين. ثم استَحدث بنو أمية بعد ذلك نظام الشرطة، والولايات (أقاليم الحكم) ، وصكَّ العملات.. وهكذا. القصد من هذه المسألة أن القرآن والسنة لم يمنعا استحداث النظم لتطبيق الأحكام والقواعد تطبيقًا سليمًا، حتى لو كانت بعض هذه النظم استحدثها غير المسلمين؛ لأن الحضارات الدنيوية تُبنى على بعضها البعض، وتقتبس من بعضها أسباب الحياة والرفاهية، وهو من معاني قوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]. الأمر الثاني: أن القرآن والسُّنة إنما نصَّا على قواعد كلية، تفرع منها أحكام تفصيلية لازمة التطبيق لتنضبط حياة الناس، فأمَرا بأمور كلية كالعدل، والإحسان، وتغليب الحق، ونصرة المظلوم، والأخذ على يد الظالم، ثم تفرع من ذلك تفصيلًا أحكام الإشهاد، والميراث، والقصاص، والدية، والقَوَد، والقسمة، والبيع... إلخ، ثم استُنبط منها أحكام تفصيلية أخرى والاجتهادات في النوازل المعروفة في كتب الفقه. كيف تطبق هذه الأحكام والقواعد إذًا؟ بالنظام.. بالآلية.. بالمنهج الذي يناسب العصر، وليس بمنهج أو بآلية عصور فائتة؛ لذلك قلت: إن الأمر ما زال يحتاج إلى تنظير وتأمل وتطوير مستمر لنظام الحكم، حتى نصل إلى أفضل نظام لتطبيق قواعد الشريعة وأحكامها. وكمثال على تنظيم الحكم أيضًا: تنوع طريقة الاستخلاف بعد وفاة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكلام أهل العلم عن ضرورة وجود أهل للحلِّ والعقد، ثم وجود الوزارات في هذا الزمان، ومجالس الشعب والشورى، وهكذا. (2) القرآن لم ينزل للحكام (ولاة الأمر) فحسب، بل للناس جميعًا: وهذا مدخل آخر مهم جدًّا من مداخل الحكم في الإسلام، التبس على بعض الناس، فجعلوا كتاب الله وسنة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم موجَّهةً توجيهًا كليًّا للحكام، فما كان من قصور في الدولة فمن الحكام وحدهم، هم من يحتملون تبعاته وحدهم. وهذا خطأ محض! لا ننكر أهمية أن يكون الحكم على منهج السماء، لكن هل الشريعة كلُّها أُنزلتْ ليطبقها الحكام وحدهم؟ بالطبع لا، بل إنك لَتعجبُ حين تطالع كتابًا من كتب الفقه ستجد فصوله ربما - في المتوسط - سبعين فصلًا، يزيد أو يقل قليلًا، معظمها هي ما يلزم المسلمَ أن يطبقه على نفسه، بداية من الشهادة حتى الحج، وهي العبادات، وكثير من المعاملات. وحتى لو كانت الدولة الحديثة في هذا العصر تضع قوانين تنظم ذلك، لكن يبقى الأمر في يد الناس، وهذا لا مفر منه، فليست كل القوانين سواء "الوضعية أو الشرعية" يحترمها الناس ويلتزمون بها حرفيًّا، بل إن من القوانين ما لا يوجد إلا على صفحات الورق فقط، وإلا لماذا شرعت العقوبة والتعزير؟ وخطاب القرآن دومًا يكون ﴿ يا أيها الناس ﴾ في أكثر من عشرين موضعًا، وفي حوالي تسعين موضعًا ﴿ يا أيها الذين آمنوا ﴾ التي تشمل الحكام والمحكومين. ما يغفل عنه البعض أن نظام الحكم وقواعده المنشورة والمعمول بها في الدولة له وجهان: الأول: أنه - غالبًا - لا يمكن تطبيقه على الأفراد قسرًا وجبرًا؛ لأن الفرد في أغلب الأحوال خارج نطاق تحكم أجهزة الدولة، ولو أرادت الدولة مراقبة كل فرد في حركاته وسكناته وخلوته ومعيشته لحظةً بلحظة، فهذا المستحيل عينُه (حتى مع تقدم وسائل الاتصال وانتشار كاميرات المراقبة، ليس ذلك بالأمر بالهين) ، والدول الناجحة في ضبط منظومتها نجحت بسببين رئيسين أو أحدهما: 1- انضباط أفرادها ومسؤوليتهم الكاملة عن تحقيق هذا النجاح؛ لالتزامهم بقواعد الدولة في الحكم حتى في غياب رقابة الدولة (خذ الدنمارك كمثال لارتفاع معدلات الأمن ومؤشرات السعادة فيها، لدرجة أن الأم تترك رضيعتها خارج المقهى حتى تفرغ من قهوتها) ، والعكس بالعكس. وهذا نابع من التزام الفرد، وشعوره بالمسؤولية تجاه المجتمع واحترام قوانين الدولة، فإن كان هذا هو الحال مع الالتزام بقوانين وضعية (وليس معنى وضعية أنها بالضرورة تكون مخالفة في كلِّ أحوالها للشريعة وقواعدها الكلية كتحقيق العدل والإنصاف كما هو معلوم) ، فما بالك لو التزم الناس بتطبيق قواعد السماء؟! وقد لخَّص القرآن قضية التزام الفرد بتعاليم السماء، ونتيجة ذلك في آيات عدة، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ﴾ [المائدة: 66]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، في إشارة لهذه الأمَّةِ بما ينبغي عليهم، وكل ذلك مردُّه إلى الفرد، وليس ولاة الأمر وحدهم. 2- السبب الآخر: الحزم التام في تطبيق القانون على الجميع دون تفرقة، ومعاقبة المخالف، وإرجاع الحق لصاحبه، وكل ذلك بقوة القانون. ولا أعني أنه يطبق بشكل كامل ومثالي، ولكن بنسب كبيرة في الدول المتقدمة، وكلما زادت النسبة زاد استقرار الدولة. وهذا عينه ما كان يدور في دولة الإسلام الأولى والخلافة الراشدة، ((إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا) )، وهذا عينه ما أنزله الله من قواعدَ كلية في الحكم بين الناس من العدل والإحسان وقول الحق ولو كان على نفس الإنسان. الوجه الثاني: أن القوانين (الشرعية أو الوضعية) لا تحكم بين الناس إلا بعد أن يُطلَب من الدولة ذلك، إما عن طريق التقاضي، أو عن طريق ضبط الوقائع المخالفة بالإبلاغ عنها أو بتقصِّيها، أما غير ذلك، فهو بين الأفراد بعضهم البعض، فهناك من يتعاملون بالربا، وهناك من يشربون الخمر، وهناك من يزنون، وهناك من يأكلون أموال اليتامى والميراث... إلخ هذه النماذج التي هي بالفعل موجودة في الدول الإسلامية، لكن الأفراد مخالفون! القصد، أن أكثر أبواب الفقه إنما يقع تطبيقه من الناس أنفسِهم يعاملون بذلك ربَّ الناس، وتقريبًا لا تتدخل الدولة في أكثر ذلك إلا أن يُرفَعَ إلى القضاء فيها خلافٌ، أو كما ذكرنا آنفًا. حتى لو كانت الدولة تطبق الشريعة بحذافيرها، فذلك لن يجبر الأفراد على الالتزام بذلك، ولن يحملهم ذلك على الحق، وإلا فالقرآن والسُّنة بين أيديهم.. فلماذا فرَّطوا؟! ولذلك قال ربنا في هذه الآية الفذة: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11]. واعلم أن التزام الناس بأحكام الشريعة فيما بينهم، يعتبر من أكبر وسائل تطبيق شريعة الرحمن، كما أمرهم الله، ويكونون على ذلك يدًا واحدة، فبذلك يتغير الواقع وتَطِيبُ الحياة، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ ﴾ [الأعراف: 170]. ويستثنى من ذلك بالطبع إقامة الحدود والجهاد، فإنه للإمام دون سائر الناس باتفاق. وأختم هذه النقطة بما صحَّ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لما تزلزلت المدينة على عهده قال: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، مَا أَسْرَعَ مَا أَحْدَثْتُمْ! لَئِنْ عَادَتْ لأَخْرُجَنَّ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ". (3) حكم الإسلام يضبط حياة المسلم وآخرته: الفارق العظيم والجوهري بين الإسلام وغيره من أنظمة الحكم وقواعده: أن الإسلام جاء ليحفظ على الناس دينهم ودنياهم. لو نظرت في أول واجبات الحاكم في أي من كتب الفقه والسياسة الشرعية لوجدتَه "حفظ دين الناس وبيضة الإسلام"؛ لأن هذا هو الأساس الذي يقوم عليه قواعد الحكم، وهو الهدف الأسمى لاستقرار المجتمع؛ لذلك إن وجدت المجتمع منحرفًا ومضطربًا ومتناقضًا ومهتزًّا، فاعلم يقينًا أن الأساس غير متين، ولا يُعتنى به إهمالًا أو عمدًا. لكن أنظمة الحكم الأخرى وقواعدها لا تسعى ولا تهدف إلا لتنظيم دنيا الناس، فلا عبرة عندها لدين ولا معتقد، هم محرومون منه أصلًا. وهذه الأنظمة والقواعد الحكمية "الدنيوية" ليس لديها دستور أخلاقي وعقدي حقيقي تقوم عليه، فليس أمامها إذًا سوى تطبيق قوانينها بدقة وحزم، خاصة في الدول التي بها خليط عظيم من الناس والأعراق والاعتقادات المختلفة، كالولايات المتحدة مثلًا. ولا بد لها من الحزم والعدل قدر المستطاع.. لماذا؟ لسببين: الأول: أنها لو لم تفعل ذلك سينحلُّ المجتمع وسيتحول حرفيًّا إلى غابة، لن يكون الأمر هينًا أبدًا لو فقدت السيطرة على مجتمع متنوع الأعراق والمعتقد، فالحلُّ إذًا هو تطبيق القانون بكل حزم وقوة على الجميع بلا استثناء؛ حتى لا ينفرط العقد المجتمعي؛ فتسعى كلُّ طائفة لفرض كلمتها! الثاني: وهو الأهم، ليس عند هؤلاء أيُّ معتقد أو دستور أخلاقي يرتكزون عليه فيما بينهم وبين أنفسهم، أو شعور بالمسؤولية - الأخروية - أمام الله في تصرفهم تجاه الآخرين وتجاه أنفسهم، عكس الإسلام الذي يزرع أول ما يزرع قضيةَ الإيمان والرغبة والرهبة في نفوس معتنقيه، ويغرس فيهم حبَّ التقرب إلى الله جلَّ وعزَّ بالأعمال الصالحة والأفعال الحسنة. فمن قواعد الحكم في الإسلام الارتكازُ على الأساس الأكبر أولًا، وهو الإيمان، ثم الحفاظ عليه وحفظ دين الناس به، بإقامة وإشهار شعائر هذا الدين العظيم؛ ولذلك كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم "إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ"؛ يعني أن الأذان دليل على إسلامهم. فلو افترضنا أن الأمَّة جسد واحد، فإن أفرادها هم الذرات والجزيئات التي تشكِّل هذا الجسد، والمعتقد والأخلاق هما الروابط التي تمسك وتربط هذه الذراتِ والجزيئات بعضها ببعض، فإذا انقطعت الروابط، تناثرت الذرات، وانهار الجسد ولو كان عنده أعظم الدساتير والقوانين! فالتساؤل المهم إذًا: إلى متى ستصمد الدول تحت أي نظام حكم دون ركيزة عقدية سليمة أو أخلاقية سوية؟ (4) الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية: هذا أيضًا من المداخل الهامة جدًّا عند الكلام على قواعد الحكم في الإسلام، وهو أن التقنين الوضعي، لا بأس به ولا ضرر، طالما كان يهدف إلى تحقيق العدل والاستقرار والتنظيم، فقوانين المرور والعمل وتنظيم الحج والعمرة والتموين والتقاضي وتنظيمه والاستثمار والإسكان والصحة والتعليم.. كل ذلك لا يعارضه الإسلام وقواعده، بل يحثُّ عليه كما قدَّمنا في النقطة الأولى؛ لأجل تغير العصور وانتشار الناس وكثرتهم. فالإسلام وضع قواعد كلية، كالأمر بالعدل والإحسان، وحافظ على الأصول الخمسة (الدين، والعقل، والنفس، والمال، والنسل) ، وكل هذه القوانين والسياسات لا بد من اشتقاقها من هذه القواعد لتحقيق العدالة بين الناس، وهذا جوهر الحكم والسياسة. ولذلك نقول: القوانين الوضعية نوعان: الأول: أن يكون فيه تحريف لأحكام الله، أو مخالفة للقرآن والسُّنة وإجماع المسلمين، فهذا لا يجوز التحاكم به وإليه. الثاني: أن يكون ذلك تحت مظلة الشريعة الكبرى، وقواعدها العظمى، وهو ما سمِّي قبل بالسياسة الشرعية؛ كقوانين المرور، والصحة، والتعليم، والإسكان ونظير ذلك، فهذا مما لا بأس به، بل وضروري لصلاح أحوال الناس. ولذلك قال أبو الوفاء بن عقيل في الفنون: "للسلطان سلوك السياسة وهو الحزم عندنا، ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع". وشرح ابن القيم هذا الكلامَ فقال: "فإن الله أرسَل رسله، وأنزَل كتبه ليقوم الناس بالقِسْط، وهو العدل الذي قامت به السمواتُ والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلة العقل، وأسفر صبحُه بأي طريق كان، فذلك من شرع الله ودينه ورضاه وأمره، والله تعالى لم يحصر طرقَ العدل وأدلته وأماراتِه في نوع واحد ويبطل غيره من الطرق التي هي أقوى منه وأدل وأظهر، بل بيَّن بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامةُ الحق والعدل وقيام الناس بالقسط، فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة العدل وجب الحكمُ بموجبها ومقتضاها، والطرق أسباب ووسائل لا تُراد لذواتها، وإنما المراد غاياتها التي هي المقاصد، ولكن نبَّه بما شرعه من الطرق على أشباهها وأمثالها، ولن تجد طريقًا من الطرق المثبتة للحق إلا وفي شَرْعِهِ سبيلٌ للدلالة عليها، وهل يُظن بالشريعة الكاملة خلاف ذلك؟ ولا نقول: إن السياسة العادلة مخالفة للشريعة الكاملة، بل هي جزء من أجزائها، وباب من أبوابها، وتسميتها سياسةً أمرٌ اصطلاحي، وإلا فإذا كانت عَدْلًا فهي من الشرع" انتهى. والناظر في الأصول الفقهية كالاستحسان، والعرف، وسد الذرائع، يعلم يقينًا أن الأمر لا يقف عند الأحكام الشرعية والفقه المكتوب فحسب؛ فكلما جدَّ في الواقع ما يحتاج إلى تجديد وتنظيم وإصلاح قلنا به، طالما كان تحت سماء الشريعة، ولم يخالف نصًّا ولا إجماعًا. هذا، والحمد لله رب العالمين.
انتشل نفسك من الغرق في ديونك
بندر بن عبدالله الثبيتي
20-11-2021
2,274
https://www.alukah.net//culture/0/150731/%d8%a7%d9%86%d8%aa%d8%b4%d9%84-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%83-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d9%82-%d9%81%d9%8a-%d8%af%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%83/
انتشل نفسك من الغرق في ديونك يذكر جورج كلاسون في كتابه ( أغنى رجل في بابل ) أن الحضارة البابلية القديمة كان لديها عقلية فذة غنية بتجارب الحياة التي ما زال يُستفادُ منها؛ إذ كان فيها من ذوي الفطنة والدهاء الذين يقدِّرون قيمة العلم والتعلم ما بين المهندسين ورجال الأعمال والحرفيين؛ مما جعل بابل القديمة نموذجًا رائعًا لقدرة البشر على التقدم والنجاح بتوفير الموارد المتاحة، فقد كانوا يحفرون على الألواح الصلصاليَّة الشعر والتاريخ والحكم والأمثال والسجلات المالية، وحفِظت مع الزمن، ومنها انطلق المؤلف في جمع مادة كتابه؛ حيث ينقل المؤلف تجارب أهل بابل مع المال والديون والعمل والحظ العاثر، التي أثبتت مدى صحتها ونجاحها اليوم، ويجدر الإشارة لأهم باب تحدث فيه المؤلف نظرًا لأهميته، ولحاجة الناس إليه، خصوصًا في زمن القروض البنكية والحوافز المالية التي جعلت من الموظفين خصوصًا رهائنَ للقروض والديون، ولعل من يجد هذه الكلمات أن يُسهم في نشرها كونها خطة عملية لإدارة الديون وإدارة المال في زمن المتطلبات التي لا تتوقف، وفي زمن الشتات الذي يعيشه المرء لا يعلم كيف يدير أمواله، ويرى ديونه تزداد ومصروفاته لا تتوقف! يقول المؤلف في ذكره لطريقة الخروج من الديون وضبطها: "إذا كنت ممن تجمَّعت عليهم الديون والقروض، وأخذت تجرُّهم لتُغرقهم في بحرها، فلك أنت تحديدًا كتبت هذه الخطَّة البابليَّة التي ستكون بمثابة طوق النجاة الذي يضمن لك التخلُّص من ديونك، والحصول على مستقبلٍ ماليٍّ مزدهر. الخطة لها شقَّين رئيسيين: الأول: يطلب منك أن تقسِّم إيراداتك إلى ثلاثة أقسامٍ رئيسيَّةٍ: 10% للادِّخار، و20% لسداد ديونك، و70% لسدِّ احتياجاتك الشَّخصيَّة والأساسية، وهذا الأمر سهلٌ للغاية! أمَّا الشِّق الثَّاني : فيطلب منك أن تلتزم بتقسيماتك لإيراداتك في الشِّق الأول حرفيًّا، وألا تَحيد عنها أبدًا، فإيَّاك أن تسمح لنفسك بإنفاق جزء الادِّخار على رغباتك المتزايدة المتنامية التي لا حدَّ لها، وإيَّاك أن تتقاعس - ولو لمرةٍ واحدةٍ - عن دفع الجزء المخصَّص لسداد الديون لأصحابها، وتذكَّر عزيزي المدين أنَّ سدادك لديونك يُفضي بك إلى الثراء واحترام الذات". بذلك تفهَم عزيزي القارئ أن الالتزام هو معيار نجاح الخطة التي حتمًا ستجد الفرق يتضح لك مع بداية الأشهر التي ستلتزم بها، فمجرد إيداع راتبك أيًّا كان مقداره، سواء بعد استقطاع القروض البنكية أو بدونه، قُمْ بتقسميه على ما سبق ذكره، وحاول فيما يخص الادخار أن تدخل في جمعيات موظفين، ويوجد برامج تحت إشراف حكومي تُعينك، وتجعلك تلتزم بنسبة الادخار المحددة، كما أن ما يخص الديون بإمكانك أن تخصِّصه بنفس الطريقة لسداد ما عليك من ديون كبيرة، وبمثل هذه التقسيمات تستطيع كذلك أن تعلم ميزانيتك الشهرية وحدود إنفاقك، وتقارن ما تصرفه وتعالج ما هو فوق المقدار. وتذكَّر أن اليقين بالله والصدق والنية في قضاء الدين، سببٌ لمعية الله في قضاء دينك؛ كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: (إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه، مالم يكن فيما يكره الله)، فبمثل هذه المقترحات العملية والالتزام والصدق في تنفيذها، سيغيِّر الله الحال لما هو خير وأفضل، والله ولي التوفيق.
لمحات من سيرة العلامة اللغوي محمود شكري الآلوسي رحمه الله تعالى
مرشد الحيالي
17-11-2021
4,212
https://www.alukah.net//culture/0/150704/%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d9%88%d9%8a-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d8%b4%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d9%84%d9%88%d8%b3%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89/
لمحات من سيرة العلامة اللغوي محمود شكري الآلوسي رحمه الله تعالى الحمد لله رب العالمين، والصلاة على خاتم رسله، وصفوة خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فهذه ترجمة العلامة اللغوي، النحوي، محمود شكري الآلوسي رحمه الله، وحيد دهره، وفريد عصره، نادرة المثال في مصره، جامع الفضائل في شخصه، مشيت فيها على مسلك الأثري رحمه الله في ترجمته له في أعلام العراق، إلا إني أخرت ما حقه التأخير، وفصلت فيما يحتاج فيه إلى التفصيل، واقتبست كثيرًا من عباراته، ومعاني من مشكاته، وهي أقرب إلى مختصر مستل من موارده، وفيه فوائد وفرائد اقتبستها من علم التاريخ ومصادره، وبالله التوفيق. مولده ونشأته : ولد العلامة محمود شكري الآلوسي رحمه الله [1] في التاسع عشر من رمضان عام 1273 في بغداد جانب الرصافة، وفي بيت من بيوت العلم والأدب والمعرفة، وتيمنًا بمعالي الأمور سماه والده [2] (بأبي المعالي) جريًا على العادة المألوفة بين العلماء قديمًا في تكنيه الأبناء ليكونوا أهلًا لتحمل المسؤولية، والاستعداد للرقي في سلم المعارف، حتى نُسيتْ تلك العادة الحسنة، وحل محلها التشبه بعادات اليهود والنصارى، والله المستعان. دراسته وتحصيله للعلوم : جرت العادة في المدارس البغدادية أن يبتدئ الطالب الناشئ بعد حفظ كتاب الله، وإتقان تجويده وألفاظه، بتعلم الخط والكتابة في ما يسمى ب (الكتاتيب) التي يتولاها أساتذة مختصون، ثم دراسة النحو والصرف، وفنون العلم الأخرى كالفقه، والتفسير وعلومه على منهج القدماء [3] ، والتي تضمنت دراسة كتب الحواشي على المتون في الفنون المختلفة، وقد كان والده الساعد الأيمن في تقريب عويص تلك الشروح والحواشي حتى برع بحفظها وإتقانها، وهي وإن كانت - الحواشي - مشوشة للعقول، وبعيدة عن هدي القرآن والسنة، لكنها كانت كافية لجعل الآلوسي رحمه الله ملمًّا بشكل تام بالعلوم والفنون العقلية والشرعية، يضاف إلى ما وهبه الله من رجاحة العقل، وفهم ثاقب، وبصر نافذ. شيوخه الذين تلقى عنهم العلم : تلقى جلَّ العلوم اللسانية والشرعية عن أبيه العلامة عبدالله الآلوسي رحمه الله، وورث منه الأخلاق الفاضلة الكاملة من أدب وفقه وعلم، وتواضع، لكنه ما لبث أن توفي والده وهو لا يزال محتاجًا إلى مزيد من العلم، والأخذ عنه، فكفله عمه العلامة وارث علوم السلف نعمان الآلوسي رحمه الله فرباه وعلمه، وصاغ تفكيره، وحبَّب إليه علم القرآن والسنة، غير أن التعصب والتقليد الذي استقاه من كتب الحواشي المشوشة جعلته ينصرف ويعرض في مقتبل العمر عن عمه نعمان الآلوسي إلى مشايخ التقليد والتعصب بهمة الطالب الذي لا يمل ولا يكسل، فأخذ يرتاد المساجد إلى علماء بغداد، ومن أبرز هؤلاء الشيخ إسماعيل بن مصطفى رحمه الله [4] الذي كان مدرسًا في جامع الصاغة ببغداد، فورث عنه جل العلوم وأغلب الفنون، وبرع فيها، وخاصة علم الجدل والمناظرة، وحاز قصب السبق حتى فاق الأقران، يقول الآلوسي رحمه الله عن نفسه متحدثًا بنعمة الله عليه: (وفارقت أخداني وأقراني، وانزويت عن كل أحد، فأكملت قسمًا عظيمًا من الكتب المهمة في المنقول والمعقول، والفروع والأصول، وحفظت غالب متون ما قرأته من الكتب المفصلة والمختصرة، وأدركت ما لم يدركه غيري، ولله الحمد [5] ) . تصدره للتدريس : واصل الفتى المجدُّ الدرس والمتابعة، والبحث والقراءة، وخاصة كتب الأدب والتاريخ، والشعر والسيرة، مما جعلته أهلًا لأنْ يتصدر المجالس، بل ويباشر بالتأليف وهو في سن العشرين [6] ، ويشارك الكبار في التدريس والتعليم، فدرس في جامع عادلة خاتون، وعين مدرسًا في جامع الحيدر خانة، ومن ثم جامع علي سلطان [7] ، وأخيرًا في جامع مرجان، وذلك بعد وفاة العلامة علي علاء الدين الآلوسي [8] ، فلم يجدوا بعد العلامة علاء الدين من يحل مكانه إلا محمود شكري رحمه الله. نبوغه واشتهار صيته : في أوائل القرن الرابع للهجرة اقترحت لجنة اللغات الشرقية بدعوة من ملك النرويج على العلماء والباحثين آنذاك بتأليف كتاب يتناول أحوال العرب في جاهليتهم قبل الإسلام، ونسب من اشتهر من قبائلهم، وأخلاقهم وعوائدهم في الأكل والزواج، والعلوم والصنائع، وما جرى بينهم من حروب ومطاحن، إلى غير ذلك من المباحث، فانبرى العلماء والأدباء، والمؤرخون والمشاهير منهم إلى تقديم عروضهم، وعرض الآلوسي كتابه الشهير (بلوغ الأرب في أحوال العرب) [9] ، فأجمعت اللجنة بعد النقاش والحوار أن أجمع المؤلَّفات، وأوسعها علمًا، وأغزرها فائدة، وأقربها للواقع هي ما كتبه الآلوسي رحمه الله في كتابه الموسوم ببلوغ الأرب، وفاز بجائزة الوسام الذهبي، وبعد نشر الكتاب في الآفاق حبرت الصحف والمجلات، والكتب فضل الكتاب، واشتهر الآلوسي فضله في الآفاق، وعُرف بين العام والخاص، وكانت بداية انطلاقه للاتصال بمثقفي العالم الإسلامي وغيرهم من مستشرقين عرب وأجانب [10] . التحرر من ربقة التقليد : أصيب الآلوسي بما أصيب به علماء الزمان - إلا من عصمه الله - من التقليد والجمود على كتب ألِّفت في غير زمانهم، ودوِّنت في غير أيامهم - أيام ركود العلم -، ينظرون إليها بعين الإجلال والاحترام بل والتقديس أحيانًا، ولا يخرجون عنها قِيدَ أنملة، استمر الآلوسي رحمه الله على هذا النهج والمنوال إلى حين أن تجاوز من العمر الثلاثين، فلاح له بريق، وأبصر عن بعيد علمًا، وانقدح في نفسه إلهام صادق، وذلك من خلال خزانة عمه العلامة نعمان الآلوسي رحمه الله، والتي تحوي ذخائر علم السلف، فرأى فيها ضالته المنشودة، وأمله الذي يتمناه، فكسر قيد التقليد، وتخلص من الجمود العنيد، فأكب على قراءتها، والتمعن فيها وتدبرها، فوجد أنها تخرج من مشكاة النبوة، غير أنه لم يجاهر بآرائه، ولم يفصح عن أقواله، ربما لأنه لم يجد أعوانًا وأنصارًا، وتخفَّى تحت ستار المجاملة برهة من الزمن، ومن الأدلة على ذلك تأليفه كتاب (الأسرار الإلهية شرح قصيدة الرفاعية) [11] ، حيث قدَّمه إلى الوالي عبدالحميد، والكتاب شرح فيه منظومة أبي الهدى الصيادي الرفاعي، وعلى الرغم مما حوته الرسالة من إثبات خرافات الصوفية وجهالتهم؛ مثل قصة الرفاعي وتقبيله ليد الرسول المعظم في موسم الحج، إلا أنها حوت مسائل وفرائد في اللغة والأدب والشعر، وكل مؤلفاته رحمه الله لا تخلو من الفائدة، وقد طبعت الرسالة بمصر سنة 1305، وتقع في 45 صفحة، وتكلمت عليها في بحث (جولة حول مؤلفات الآلوسي رحمه الله) . الجهر بالحق : حتى إذا عُرف فضله بين الأقران، وطار صيته في الزمان، وقوي ساعده بين الخلان، خلع ما كان يستتر به من المجاملة، وهتف بمنابذة أهل البدع، ومقارعة أهل الخرافات، وشن غارات متتالية بالقلم والبنان، وأحدث انقلابًا في عالم الفكر لا تزال آثاره ظاهرة، وثماره يانعة من تلاميذ نجباء، بررة أتقياء، ومؤلفات بديعة، وبحوث متينة [12] . ولما طار صيته، واشتهر علمه، لم يرُقْ ذلك لأصحاب التعصب المقيت، فصاروا يشنعون عليه، ويحذرون منه، بل ويتربصون به الدوائر، ويكيدون له، ولولا معية الله وحفظه، ثم صدقه وإخلاصه، لوقع في مصايدهم وكيدهم، فقد سعوا إلى عبدالوهاب باشا والي بغداد، فكتب على الفور إلى السلطان عبدالحميد بأمره، فنفي هو وابن عمه السيد مثبت بن السيد نعمان الآلوسي وآخرون، وما كاد يصل إلى موصل الحدباء حتى قام أعيان البلد ممن يعرفون فضل الآلوسيين، فأقنعوا السلطان بالعفو [13] ، وأعيد مكرمًا معززًا، رغم كيد الحساد إلى بغداد المحروسة. الآلوسي وبعده عن السياسة : كان رحمه الله ميالًا للعزلة، مشغولًا بالبحث والقراءة، فلم يكن يرغب في معاشرة الأمراء مع حرصهم على كسب وده، ومنهم والي بغداد سري باشا [14] ، حيث كان صاحب أدب وعلم وحوار، فكان يحاور الآلوسي رحمه الله، ويتصل به علميًّا لا سياسيًّا، وقد أعجب الوالي سري بالعلامة الآلوسي رحمه الله، ووضع ثقته به، حتى إنه أناط به إنشاء أول جريدة تسمى بالزوراء، والتي كان إصدارها ما بين عام 1286 إلى 1335، فحبر بها الآلوسي رحمه الله ما شاء من مقالات أدبية، ولغوية وعلمية [15] ، وكانت خير معبر عن آرائه وأفكاره. توفي سري باشا وجاء بعده جمال بك [16] ، فكان يشاور الآلوسي فيما يخص بسياسية البلاد، ويستأنس بآرائه، وعرض عليه منصب عضو مجلس الإدارة فاعتذر الآلوسي؛ لأن ذلك مما يعوق مسلكه العلمي، ويبعده عن أجوائه، لكنه قَبِلَه بعد إلحاح، فكان بحق نصيرًا لكل مظلوم، ومعينًا لكل ضعيف، ومنصفًا في حكمه وقوله. اندلاع الحرب العالمية واحتلال بغداد : أعلنت الدولة العثمانية بعد اندلاع الحرب العالمية مناصبة العداء للحلفاء، وسيرت بريطانيا جيشًا إلى بغداد [17] ، وانتزعت البصرة ثم الفاو حتى دخلت شوارع بغداد تجول بدباباتها وخيولها، فاضطربت الدولة العثمانية، وحاولت الاستنجاد بما حولها من الدول العربية، وخاصة نجد، فلم تجد أكفأ من العلامة الآلوسي رحمه الله لهذه المهمة السياسية، فانتدبته سفيرًا لها إلى الأمير عبدالعزيز آل سعود، فقَبِلَها وهو لها كاره، وصحب معه جملة من خيار أعيان البلد، منهم العلامة علي علاء الدين الآلوسي رحمه الله، فشد الرحال إلى بلاد نجد عام 1333، وكان الترحيب به لدى الأمير لا يوصف، وبعد مشاورات وحوارات أبدى الأمير أسفه عن النجدة، وتعذر بمعاذير وحجج على عدم موافقته لنجدة الدولة العراقية، وتركت بغداد فريسة للاحتلال، فوجد الآلوسي رحمه الله بعد أن أكمل المهمة على أكمل وجه فرصة سانحة للاجتماع بأكابر العلماء، فاستفاد واستفادوا منه علمًا جمًّا، وتوطدت العلاقات بينه وبين علماء نجد، وأثمرت بعد ذلك برسائل ومؤلفات ذكرتها في بحث (مراسلات الآلوسي رحمه الله مع معاصريه) [18] . عودة إلى التأليف والتصنيف : عاد الآلوسي رحمه الله بعد جولته من نجد، ووصل إلى الشام [19] ، لكنه وجد أمامه عقبة أخرى، حيث انبرى له بعض الحاقدين وأغرَوا به جمال السفاح، وحسَّنوا له إيقاع العقوبة به لكونه - على زعمهم - هو من حسَّن لصاحب نجد التقاعس عن نصرة الدولة العثمانية، لكن جمال السفاح ردهم ولم يُبالِ بهم؛ لما يعلم عن الآلوسي رحمه الله من صدق لهجة، وإخلاص لبلده، ولما كان يكنُّه له من مودة وحب، فعاد إلى بغداد واستقر بها، واتجه نحو التأليف والتصنيف والمراسلة، وجمع المخطوطات والبحث عنها. تاريخ الآلوسيين في مقارعة الاحتلال : عُرف الآلوسيون بالغيرة على الدين والوطن، وعدم قبول المهانة والذلة ولو كان ببذل المهج والنفوس، ومن الأدلة على ذلك ما قام به العلامة الآلوسي رحمه الله عند احتلال بغداد وسقوطها بيد الإنكليز عام 1335، حيث قام بالتنديد بالاحتلال، والتحريض على مقاومتهم بحسب الإمكان [20] ، وعدم قبول شيء من مناصبهم وأموالهم، فقد عرضوا عليه منصب قضاء بغداد فأبى، بل وانقبض من مخالطتهم، وفي أيام تشكيل الحكومة عرض عليه أيضًا منصب الإفتاء، ثم رئاسة التمييز الشرعي، ثم القضاء ثم المشيخة، فرفض كل ذلك بنفس أبيَّة، وأبى إلا أن يخدم العلم، وآثر العزلة، لكنه قَبِلَ عضوية المعارف ليتمكن من توسيع نطاق العلم بين أهله، وقبل عضوية المجمع العلمي العربي اللغوي بدمشق [21] ، وقد حبر في مجلة المجمع شتى الرسائل والمباحث النافعة اللغوية والأدبية، ونشرها من بعده تلميذه البار محمد بهجة الأثري رحمه الله. أخلاقه ومزاياه وفضائله : عُرف الآلوسي رحمه الله بجملة صفات وأخلاق، تربى عليها ونشأ عليها حتى أصبحت له سجية، وطبيعة ثانية، ومن أبرز تلك الصافات والأخلاق ما يلي: 1- التواضع والحياء: فهو ميال إلى مجالسة الفقراء والمساكين، بعيد كل البعد عن مخالطة أهل الترف والمنصب، ومن تواضعه أنه كان لا يتكلف في أكله أو شربه، ويقول ما أثر عنه: (إنني أقنع بما في يدي يقع) [22] 2- يكره التزلف والنفاق: فقد كان رحمه الله لا يغشى أبواب الحكام، بل يهرُب من مجالستهم، ويحب من يتخلق بذلك، ويجتنب الشبهات، ويتقي المحارم، وقد حاول كثير من الأمراء والحكام كسب ودِّه، والتقرب إلى مرضاته، فأعرض عنهم وأهملهم، وعرضوا عليه مناصب عدة، فكان يزهد عنها بنفس راضية قانعة بالقليل، ولما سئل عن سبب ذلك، قال: (إنهم لا يريدون باستمالتي إليهم إلا ترويج سياساتهم على العوام؛ لما يعلمون من ثقتهم بالعلماء وتعلقهم بقادة الدين، ويأبى الله لي أن أبيع ديني بدنياي، وأخدع أمتي ووطني!!) [23] . والحديث عن زهده وورعه يطول، وحسبنا أن نذكر في هذه العجالة ما ذكره الأب أنستاس ماري الكرملي حيث قال: (كان الآلوسي وصل إلى حالة قاصية من الحاجة إلى المال في عهد الاحتلال، فلما عرف ذلك المعتمد السامي برسي كوكس أهداه ثلاثمائة دينار ذهبًا إنكليزيًّا، وكلفني بتقديمها إليه، فلما أتيته بها، رفض قبولها بتاتًا، وقال: خير لي أن أموت جوعًا من أن آخذ مالًا لم أتعب في كسبه، فألححت عليه إلحاحًا مملًّا مزعجًا، فأبى، وقال: لا تكثر؛ لئلا أطردك من بيتي طردًا لا عودة إليه)، ثم يتابع فيقول: (إلا أن فاقته كانت وقرًا على محبيه، وطلب إليَّ بعض الأصدقاء أن أجد له منصبًا يُثري منه، فتكلمت مع أولي الأمر، وتمكنت من أن يعين قاضي قضاة المسلمين في العراق، فلما وقف على تنصيبه، أبى، وقال لي: إن هذا المقام يستلزم علمًا زاخرًا، وذمةً لا غبار عليها، ووقوفًا تامًّا على الفقه، وأنا لا أشعر بذلك، ووجداني يحكم عليَّ بأني غيرُ متصف بالصفات المطلوبة لمن يكون قاضي قضاة المسلمين) [24] . 3- أما طبعه فقد كان حاد المزاج، شديد الغضب، عظيم التصلب في عاداته، لا يكاد يصبر على صحبته إلا من عاشره وعرف طبعه، أو من كان قريبًا من مزاجه. أما أخلاقه العلمية، فمنها : 1- كان حريصًا على وقته، جلدًا في البحث والنسخ، والتصنيف، وكل من تتلمذ على يديه يعرف أنه لا يضيع من وقته شيئًا، ولا يكاد يؤجل عملًا إلى وقت آخر، وكان إذا استحسن شيئًا طالعه أو قرأه، ولو مرات مثل كتاب (لسان العرب) لابن منظور، فقد درسه وتمعن فيه ثلاث مرات من أوله إلى منتهاه [25] . 2- واسع الاطلاع، غزير المادة، إمامًا في معرفة المقالات العائدة لأصحاب الملل والنحل، عرف ذلك من طالع كتبه، وقرأ مؤلفاته، خاصة فيما يتعلق بالنقل عن أهل اللغة، والشعر والبيان، ومن أبرز كتبه (المسفر عن الميسر) ، حيث أكثر فيها النقل عن أئمة اللغة، وتعددت فيها المصادر [26] . 3- ومن حيث الدليل كان الآلوسي رحمه الله سلفيًّا أثريًّا، يأخذ بالدليل حيثما لاح له، وبان وجهه، لا يبالي إذا ظهر أيما كان المخالف، فقد كان صريحًا لا يعرف المحاباة، ومن أمثلة مؤلفاته في هذا الجانب التي كشف فيها عن زيف أهل الباطل بالدليل والبرهان كتاب: (الآية الكبرى في الرد على النبهاني في رائيته الصغرى) [27] ، ومع تمسكه بالدليل واتباعه للسنة فهو يزن بميزان الشرع والعدل والإنصاف، ويعطي لكل ذي حق حقَّه ولا يخس لأحد علمه، ولا يحط من قدر أحد خاصة أهل العلم من المتقدمين، ممن عرف عنهم الصدق واتباع الدليل، ومن أمثلة مؤلفاته في ذلك كتابه الشهير: (تجريد السنان في الذب عن أبي حنيفة النعمان) ، فقد وضع فيه قواعد وأصول في الدفاع عن أئمة الهدى، ومصابيح الدجى أمثال أبي حنيفة والشافعي وغيرهم رحمهم الله، على غرار ما كتبه ابن تيمية في رفع الملام عن الأئمة الأعلام. نبوغه في فنون العلم : النبوغ في عصرنا نادرة النوادر، فلا تكاد تجد أحدًا متفوقًا في جميع العلوم بحثًا وعلمًا واستظهارًا، وهو ما وفق إليه الآلوسي رحمه الله، فهو ضارب في كل سهم من سهام العلوم المختلفة، ففي العلوم الشرعية فهو من المتبحرين بها، الغائصين في أعماقها، أما في العلوم اللغوية فيكاد أن يكون هو فارس ميدانها في عصره، رافع لوائها في مصره، أما في التاريخ والسير فكتابه: (بلوغ الأرب) من الشواهد الواضحة على أنه كان ضليعًا خبيرًا في سبر أغواره، ومعرفة أسراره، ويمكن تقسيم العلوم إلى ثلاثة أقسام: أولًا: علم الدين والشريعة: وللآلوسي من تلك العلوم الحظُّ الأوفر، والنصيب الأكبر، حيث احتسب حياته كلها لخدمة علوم الدين، والدفاع عن قضاياه، وخاصة فيما يتعلق بعلم العقيدة، فقد جاهد أهل البدع والخرافات كالجهاد في ساحات الوغى، فأظهر ما في المذاهب الباطلة من فساد، وبين عوار أهل البدع فكشفهم على حقيقتهم، ودعا إلى المحجة البيضاء القائمة على توحيد الله، وإفراده بالعبادة واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم حتى دحر كيد أهل الضلال، وخفف من تأثيرهم على العوام، ومن أدلِّ الأدلة كتبه ومؤلفاته في بيان المعتقد السليم، والمخطوط منها أكثر من المطبوع. ثانيًا: علم اللغة: ففي علم اللغة فهو الفارس في الميدان، وحامل اللواء في الدفاع عن أصالتها، وهو في مقدمة من دعا إلى إحيائها، حيث نظر إلى اللغة نظر الفاحص المدقق العالم بمكنونها وكنوزها، فانبرى ينزهها من المطاعن الموجه إليها، وما ينسب إلى لغتنا العربية من ضيق وإخفاق، فجعل النحت قياسًا لصوغ ألفاظ تسد مسد كثير من الألفاظ الأعجمية الدخيلة، وألَّف في ذلك بحثًا هامًّا لم يسبق على منواله أحد، ولم يؤلف على مثاله أبدًا [28] ، وجعل الاشتقاق قياسًا للتعويض عن كثير مما نحتاجه في حياتنا اليومية من أدوات وصنائع، ولم يكن يجوز الإغضاء عن الدخيل من اللغة إلا إذا لم يكن في أصل اللغة ما يرادفه، ومن ذلك التضمين [29] ، فبين خاصية لغتنا العربية واحتواءها لكثير من الأدوات، ليهدم بذلك آراء المتطفلين على اللغة، ورد عليهم في مواطن عدة من كتبه، وبين أنهم أحوج إلى تقويم ألسنتهم من الرطانة من انتقادهم لأئمة اللغة واللسان من فطاحل الدهر والزمان. ثالثًا: التاريخ : ولا شك أن معرفة التاريخ، وما جرى في الأزمان، وما نتج على إثره من حوادث ووقائع، وما تمخض عنها من تحولات، وما يمكن أخذ العبرة منه والعظات - أصل في معرفة الإصلاح، وإليه يرجع فهم كثير من نصوص الكتاب والسنة، وفي ضوء التاريخ يتمكن المصلح الحاذق من أن يشق طريقه بنجاح وتفوق، وتكون له نبراسًا يهتدي به في ظلمات الحياة، ومن لم يكن له خبرة بالتاريخ قد لا يدرك السر في التحولات، ولا يعرف سبب الانقلابات، لقد كان الآلوسي ومنذ الصغر له الدراية التامة، حيث أكب على تفقه التاريخ العربي في الجاهلية والإسلام، حتى صار أعلم أهل زمانه به، ومن الأدلة على ذلك مؤلفاته مثل: شرح عمود النسب، وأخبار العرب وغيرها. الأيام الأخيرة من حياته: أصِيبَ الآلوسي برمل في المثانة، وذلك سنة 1337هـ فأهمله، وتراكم المرض إلى سنة 1341هـ فسدَّ المثانة، وفزع إلى الأطباء فلم يجد عندهم حلًّا، فانقطع عن التدريس، وبعدها سكن المرض ولكن نصحه الأطباء بترك التدريس ولم يأخذ بنصحهم، وعاود التدريس فهُزِل جسمُه، وتَعِب قلبُه، وفي العشر الأواخر من رمضان سنة 1342هـ أُصيب بذات الرئة، وأحسَّ بموته، وفي الرابع من شوال من هذه السنة تُوُفِّي عند أذان الظهر، وحوله كتب العلم [30] رحم الله الآلوسي، وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين، وحسُنَ أولئك رفيقًا، ودُفِن بمقبرة الشيخ الجُنَيْد، وكانت له جنازةٌ مهيبة، وصُلِّي عليه في نجد صلاة الغائب، ورثاه العلماء والأدباء وأهل الفضل والدعاة، وممن رثاه الشاعر الكبير معروف الرصافي في قصيدة رائعة من البسيط، ومما قاله فيها: أزمعت عنا إلى مولاك ترحالا لمّا رأيت مناخ القوم أوحالا رأيتنا في ظلام ليس يعقبه صبحٌ فشمَّرت للترحال أذيالا كرهت طول مقام بين أظهرنا بحيث تبصرنا للحق خذَّالا ولم ترق نفسك الدنيا ونحن بها لسنا نؤكد بالأفعال أقوالا وكيف تحلو لذي علم إقامته في معشر صحبوا الأيام جهَّالا لذاك كنت اعتزلت القوم منفردًا حتى أقاربك الأدنَينَ والآلا وما ركنت إلى الدنيا وزخرفها ولا أردت بها جاهًا ولا مالا لكن سلكت طريق العلم مجتهدًا تهدي به من جميع الناس ضلَّالا محمود شكري فقدنا منك حبر هدى للمشكلات بحسن الرأي حلَّالا قد كنت للعلم في أوطاننا جبلًا إذا تقسم فيها كان أجبالا وبحر علم إذا جاشت غواربه تقاذف الدرّ في لجَّيْه منهالا يا من بشوّال قد شالت نعامته نغّصت بالحزن شهر العيد شوّالا أعظم برزئك في الأيام من حدَث هزَّت عليَّ به الأيام عسّالا اهتمام العالم بخبر موته : ما إن تسامع الناس بموته حتى نادت منائر بغداد لوفاة علامة العراق، وازدادت الجموع القادمة من أنحاء العراق للصلاة، حتى قال الأثري: (وقد أشرفت حال الصلاة، وجعلت أنظر يمينًا وشمالًا، فرأيت المصلين قد أطبقوا تلك الفسحة كلها) ، وأقيمت له عدة فواتح يتلى فيها القرآن تجمع فيها العلماء والأدباء والشعراء والخطباء، وألقى كل واحد منهم ما يعبر عن أسفه لفقدان علم العراق، حتى قال محمد بهجة البيطار في كلمة رائعة جاء فيها: (لو كان السيد الآلوسي وليد الأيام، أو نتيجة الأعوام، لكان المصاب فيه خفيف الوقع، سهل الاحتمال، ولكنه من الأفراد الذين لا يجود العصر أو العصور بواحد منهم، أو رجال يعدون على الأنامل، وهذا هو الذي يجعل الفجيعة بمثله أليمة، والخطب عظيمًا) [31] ، وقد صلي عليه في الكويت ونجد صلاة الغائب جماعات، ورثاه الشعراء والأدباء، وممن رثاه: الشاعر العراقي معروف الرصافي وتلميذه الأثري بقصائد رائعة، فهي تزري فرائد أسلوبها بالدر وبيانها وبحورها، ومدحه العلامة أحمد الشاوي الحميري بقصيدة [32] من الطويل، جاء فيها: لعمريْ لقد جربْت أبناءَ دهرنا برمتهم في حالة الخير والشرِّ وقلبتهمْ ظهرًا لبطنٍ بأسرهمْ مرارًا لدى الحاجات في العسر واليسرِ فما سمعتْ أذاني ما سُر منهم ولا أبْصرت عيناي وجهَ فتًى حرِّ وما إن رأى إنسان عينيَّ واحدًا كما شئتَ إنسانًا يُعد سوى شكري وفاءً لعلامة العراق : مما يلفت النظر أن علامة العراق الذي كرس حياته لخدمة الدين، والدفاع عن قضياه، ومن خلال مؤلفاته القيمة التي زادت على الستين مؤلفًا في شتى المجالات والفنون، لم تحظَ بما حظي شخصه من الاهتمام الواسع، فبقيت مؤلفاته رهن القيد، وحبيسة الرفوف في المكتبات العراقية - مكتبة الأوقاف المركزية ومكتبة القادرية، ودار صدام للمخطوطات - منذ وفاة العلامة وحتى وقت قريب، وهو ما دعاني والغيورين من أبناء الرافدين إلى أن أشمر عن ساعد الجد إلى استخراج هذه الكنوز والذخائر لطبعها ونشرها، ولفت الأنظار إليها ليطلع العالم على تراث الآلوسي الخطي، ومن خلال موسوعة شاملة جمعت تراث الآلوسيين جميعًا الجد والأب والحفيد والعم، وقد قام بهذا العمل الجبار الأستاذ إياد القيسي حفظه الله - من تلاميذ المحدث صبحي السامرائي - فقد دأب القيسي ومنذ بداية التسعينيات على لم شتات تراث الآلوسيين، وقد واجه جملة من الصعاب والعقبات في ظل ظروف حرجة حتى تمكَّن بفضل الله من تصويرها جميعًا، ولم يفته ألا قصاصات قليلة، وهو الآن بصدد طبعها ونشرها، ليقر بذلك عين الآلوسي رحمه الله وهو في رمسه، وليرد شيئًا من الوفاء لما بذله هذا العالم الجليل طيب الله ثراه، وجعل الجنة مستقره ومثواه آمين، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خاتم أنبيائه وصفوة خلقه سيدنا وحبيبنا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين. [1] يقول د إبراهيم السامرائي: (وأنا أميل إلى أن تكون الشهرة بالمد، لشيوعها مع صحتها، على أني أثبتها مفتوحة جريًا على ما استحسنه أستاذي الأثري) أي إثبات همزة الألوسي مفتوحة في الشهرة وهي " الألوسي"، وعدم التزام المد، انظر: السيد محمود شكري الألوسي وبلوغ الأرب، ط1، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1412/ 1992م، ص 8 [2] ترجمة والده عبدالله شهاب تجدها في "أعلام العراق" ص: 85، 341، و"أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث" لأحمد تيمور باشا، ص: 311. [3] كانت مدارس بغداد تزخر بالمدارس التي يرتادها طلاب العلم للتفقه في الدين، فمن مدارس الكرخ إلى الفضل وانتهاء بمدارس الأعظمية، وقد شجع ذلك كثيرًا من الموسرين حتى من النساء إلى التبرع إلى الجهات الخيرية والوقفية أمثال عادلة خاتون ونائلة خاتون ومرجانة وغيرهم، مما يدل على جهود العلماء المخلصين ومكانتهم المرموقة، وأثرهم على شرائح المجتمع المختلفة ومكانتهم الاجتماعية. [4] الشيخ الواصل علَّامة عصره، وفهَّامة دهره، الشيخ/ إسماعيل الموصلي - رحمه الله - وكان في قوة الحفظ والذكاء، وحسن الأخلاق على جانب عظيم، كما أنه كان في الزهد والورع جُنيدَ زمانه، "الدر المنتثر"ص38، "لب الألباب" (2/318)، "أعلام العراق" للأثري ص (85إلى (341). [5] انظر: محمود شكري وآراؤه اللغوية ص 28 أعلام العراق ص 85، 341، وأعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث لأحمد تيمور باشا ص 311، وله ترجمة بخط يده أيضًا في مخطوط لم ينشر عنوانه (الدر المنضود أو شرح القصيدة الشاوية). [6] يبدو أن الآلوسي رحمه الله كان بشكل عام يدرك ما حوله من أخطاء عقائدية، لكنه كان مكتوف اليدين؛ يقول رحمه الله: ثم إني توغلت في اتباع سيرة السلف الصالح، وكرهت ما شاهدته من البدع والأهواء، ونفر قلبي منها كل النفور، حتى إني منذ صغري كنت أنكر على من يغالي في أهل القبور، وينذر لهم النذور، انظر: (محمود شكري وآراؤه اللغوية)ص 28. [7] خلاف كبير حول تاريخ إنشاء هذا الجامع بين المؤرخ العزاوي وآخرين، ويبدو أنه من أقدم جوامع بغداد حيث بني في بداية العهد العثماني في بغداد بناه الوالي علي جلبي (قره علي) 989 هـ 1590، والسيد علي علي بن يحيى الرفاعي الحسيني المكي ولد في البصرة سنة 1054م، وذكرت بعض المصادر بأن السيد علي أعلن نفسه سلطانًا؛ ولذلك سمي بالسيد السلطان علي أو سيد سلطان علي لاحقًا، وجهلة الروافض وعلماؤهم يعتقدون أنه منهم لكونه اسمه علي. [8] العلامة علي علاء الدين الآلوسي واعظ وفقيه وقاضٍ من أحفاد شهاب الدين الآلوسي، له مؤلفات عدة منها (الدر المنتثر في رجال القرن الثاني والثالث عشر)، أخذ الخط عن والده نعمان الآلوسي، كان سلفي المنهج علامة في الفنون درس في مرجانة، وتخرج على يديه علماء كثيرون انظر (كتاب البغداديون أخبارهم ومجالسهم - تأليف إبراهيم الدروبي - مطبعة الرابطة - بغداد - 1958 م - صفحة 33، 35 ).. [9] ويقع في ثلاثة أجزاء، ومجموع صفحاته 1330، وقد طبع بتحقيق محمد بهجة الأثري، دار الكتب العلمية، والجزء الثالث طبع ببغداد، مطبعة دار السلام عام 1314-1896، وقد ألف إبراهيم السامرائي رسالة قيمة بعنوان (السيد الآلوسي وبلوغ الأرب) نشرته مؤسسة الجامعية للدراسات، والآلوسي له رسالة عنوانها: ملخص (بلوغ الأرب) برقم 40907 لم تطبع بعد، وهو مخطوط في دار صدام للمخطوطات. [10] في فصل مراسلات الآلوسي مع معاصريه ذكرت كيف أن شهرته فتحت الباب على مصراعيه للاتصال بمثقفي العالم. [11] ذكر الشيخ يونس السامرائي في (تاريخ علماء بغداد في القرن الرابع عشر الهجري)ص (24) بأن تأليف العلامة الآلوسي لهذا الكتاب كان على وجه القناعة؛ لأنه - أي الآلوسي - كان صلب الرأي، عرف بالاستقامة وعدم المجاملة، وذكر الأثري أن قصة الرفاعي - تلك القصة الخرافية - هي من زيادات الصيادي وليست من الآلوسي، علمًا أنه فندها بشدة في كتابه الكبير (غاية الأماني) ج1- ص196 فتأمل، وقد طبعت الرسالة الطبعة الأولى منها عام 1888 بالمطبعة الخيرية بمصر. [12] لم يكن الآلوسي عالمًا عراقيًّا محليًّا فحسب؛ بل كان عالمًا من علماء الأمة، وله علاقات متنوعة مع جميع العلماء، ولهذا تنوع تلامذته ما بين نجباء علماء أمثال الأثري، والصاعقة، ومنير القاضي، والمؤرخ العزاوي، ومانع والنجدي من فقهاء المدينة، وما بين سياسيين أمثال علي علاء الدين الآلوسي، وكذلك عرب مستشرقون أمثال الأب أنستاس ماري الكرملي، وأجانب مثل المستشرق لويس ماسينون الفرنسي، والمستشرق مرجليوث من إنكلترا. [13] الآلوسي رحمه أحسن صحبة الوالي سري باشا، فقد كان هذا الوالي معروفًا بالإحسان والمعروف، وهو على جانب من الأدب والعلم، فقد قام في ساحة الميدان حديقة واسعة أنشئت عام 1889 ووضع وسطها حوضًا فيه شذروان يقذف الماء؛ ليرتوي منه البغاددة بدلًا من الماء الملوث وغير النقي الذي يجلب من الأنهار مباشرة. [14] ما أشبه الليلة بالبارحة، فهذه قوات الغزو تحتل بغداد دار السلام من جديد، وتمطر عليها وابلًا من القنابل المحرمة وغيرها دون أن يتدخل أحد لنجدتها، بل ولا ذرف الدموع على حالها، وإلى الله المشتكى من تفرق الأمة وتشرذمها ! [15] في المكتبة الوطنية ببغداد - مقابل جامع الأزبك - يوجد خمس مجلدات لجريدة الزوراء تحتوي على أعداد كثيرة لم أعثر فيها على مقال واحد للآلوسي رحمه الله. [16] جاء عدة ولاة بعد تولي جمال بك منهم: محمد زكي باشا، وحسين جلال باشا، ثم محمد فاضل باشا فجاويد باشا، ثم رشيد بك ثم سليمان نصيف بك، ثم نور الدين بك فخليل بك، وأخيرًا ممدوح بك بقي وكالة لمدة أسبوعين قبل سقوط بغداد عام 1971 بيد الإنكليز. [17] من أفضل ما ألِّف في هذا المجال كتاب (تاريخ العراق بين احتلالين) تأليف/عباس العزاوي الطبعة الأولى-1935م مطبعة بغداد-العراق، وقد عاصر بنفسه الأحداث، يضاف إلى ذلك أن المؤرخ العزاوي هو من تلامذة الآلوسي رحمهم الله. [18] نشر على موقع الألوكة. [19] جمال باشا السفاح ناظر البحرية العثمانية، وقائد الجيش الرابع، وقد عاد الآلوسي إلى بغداد، وعاد سيرته في التأليف حتى سقوط بغداد عام 1335، انظر كتاب أعلام العراق للأثري ص110. [20] في رسالة موجه إلى علامة الشام القاسمي يقول الآلوسي رحمه الله: (هذا والمخلص مضطرب الحال، ضيق الصدر جدًّا جدًّا، مما وصل الحال ببلاد الإسلام من البلاء واستيلاء الكفار عليها، والفشل الذي أصاب الفسقة والمرتدين عن دين الإسلام، فما ندري ماذا نفعل، وقد أحاط الكفر بجميع بلاد المسلمين، وأصبحت على خطر عظيم لاسيما العراق من عدوَّينِ للدين روسيا والإنكليز، وهي مصيبة وأي مصيبة ليس لها من دون الله كاشفة، وذلك تحقيق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا ضن الناس بالدرهم والدينار....الحديث)، وانظر الرسائل المتبادلة بين الآلوسي والقاسمي، جمع وتحقيق محمَّد ناصر العجمي، ص 101، دار البشائر الإسلاميَّة لسنة 1422 - 2002. [21] أقدم مجمع في الوطن العربي تأسس عام 1919، كان له دور بالنهوض باللغة العربية، وهو مجمع أكاديمي يتألف من عشرين عضوًا من أبرزهم محمد كرد علي، أما المجمع العلمي العراقي فقد تم تأسيسه في عام 1947، تم في عام 1978 دمج المجمعات اللغوية الثلاث السريانية والعربية والكردية، وفي عام 69 أعيد تنظيم المجمع، وتوسعت أهدافه لتشمل تخصصات العلوم التطبيقية والهندسية وغيرها، من أبرز أعضائه الآلوسي والزهاوي، والشاعر الرصافي، ومنير القاضي، ورضا الشبيبي وغيرهم. [22] أعلام العراق، راجع فيه فصل أخلاقه وأحواله ص117، وفصل سيرته في بيته ص129 فستجد فيها أخلاق العالم الرباني الذي يطبق ما يقول، ويفعل ما يأمر به ويحث عليه. [23] أعلام العراق، فصل أميز أطواره ص128، وهو جواب سديد يدل بلا ريب على أن الآلوسي وفق منهج السلف قولًا وعملًا، وأنه مشى على دربهم في الفرار من الأمراء فرار السليم من الأجرب حفاظًا على الدين، وبعدًا عن الشبهات، وفي ذلك من الآثار والأخبار عن السلف ما لا يمكن حصره، ومن الله نسأل السلامة. [24] أعلام عرب محدثون ص 167 ـ 168. الأهلية للنشر والتوزيع، بيروت 1994م. [25] أعلام العراق ص 119. [26] أكثر من النقل عن التفاسير كالزمخشري والبيضاوي، ومن كتب الحديث والأثر المشهورة، ومن كتب اللغة مثل الصحاح للجوهري، وأساس البلاغة للزمخشري، ونهاية الأرب للهندي، وشرح التبريزي وشرح المعلقات لزادة واليعقوبي، وتاج العروس للزبيدي، ولسان العرب لابن منظور، وسفر السعادة للسخاوي، وغير ذلك من المصادر على الرغم من صغر حجم الرسالة، والتي لم تطبع إلى الآن، مخطوط بخط يده (1319 -1901. [27] توجد نسخة خطية من المخطوط في مكتبة المتحف العراقي -حاليًّا دار صدام للمخطوطات- رقم 8721و8616، وهي في الدفاع عن الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله. [28] وقد نشرت الرسالة بتحقيق بهجة الأثري في مجلة المجمع العلمي العراقي سنة 1409 1988، والنحت :معناه أن تعمد إلى كلمتين أو جملة، فتنـزع من مجموع حروف كلماتها كلمة فذَّة، تدل على ما كانت تدل عليه الجملة نفسها، ولما كان هذا النـزع يشبه النحت من الخشب والحجارة سمِّيَ نحتًا. [29] وهو كتاب (الجوهر الثمين في بيان حقيقة التضمين)، توجد منه نسخة في مكتبة المتحف برقم 8533، في 50 صفحة، والتضمين معناه: إشراب اللفظ معنى لفظ آخر، لتصير الكلمة تؤدي مؤدى كلمتين، وقد قمت بطبعه على الكومبيوتر وتم نشره بين طلاب العلم. [30] انظر أعلام العراق ص 112. [31] المصدر السابق 115. [32] من قصيدة رائعة في مدح العلامة الآلوسي نشرت على موقع الألوكة في بحث بعنوان: (الدر النضيد أو شرح القصيدة الشاوية دراسة وتحليل).
الفرقة ومخاطرها للمسلمين
عبدالسلام العمري البلوشي
17-11-2021
2,045
https://www.alukah.net//culture/0/150691/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b1%d9%82%d8%a9-%d9%88%d9%85%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1%d9%87%d8%a7-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a%d9%86/
الفرقة ومخاطرها للمسلمين في هذه الآونة الخطيرة التي تمرُّ بها الأمة المسلمة، تكالبت عليها الأزماتُ الشرسة العدوانية من كل حدَب وصوب، وهي تتفاقم يوميًّا ولحظويًّا، لا تنطفئ أزمة إلا تَحُل مَحلَّها أزمةٌ أخرى، أزمات تلوها أزمات أخطر وأشرس منها، كأننا مهدَّدون بها، كل يوم تُحيط بنا أزمة شرسة خطيرة، كأنها حلِفت ألا تنتهي. هذه الأزمات تُهلكنا وتُذيقنا مرارتها، الفرقة والخلافات والنزاعات السياسية، أنهكتنا وساقت بنا إلى مستنقع الهزيمة والخزي والهوان، جعلتنا نَبتعد عن الشعور العميق بالأسس الفكرية والروحية والشعورية التي تجمَع شملَنا، وتوحِّد صفوفنا وتصلح حياتنا، المشكلة الكبرى التي تئنُّ منها الشعوب المسلمة، وتعانيها هي الفرقة والنزاعات والعنتريات السياسية الزائفة التي لا طائل تحتها. أكبر صفعة مؤلمة واجهْناها هي الفرقة والنزاع، هناك نزاعات ساخنة مبيدة بين الرؤساء والقادة في ساحة السياسة والسيادة، هناك نزاعات شرسة مذهبية بين العلماء، ونزاعات طائفية بغيضة بين المسلمين أنفسهم، ثم كثرة الأحزاب والجماعات التي تحمل اسم الإسلام، وهي تخلو من حقيقته، تُكبِّد خسائرَ فادحة للمسلمين، الإسلام واحد، الشريعة واحدة، القرآن واحد، واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا. اليوم سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وتركستان وليبيا، كلها غارقة حتى الأذقان في المشاكل والأزمات، الدول العالمية كلها تأهبت لاحتلال العالم الإسلامي وإبادة المسلمين الجماعية، وهي متعطِّشة إلى إراقة دماء المسلمين وامتصاصها، المسلمون يُقتلون في عقر دارهم، أعراضهم تُغتصب، ثرواتهم تُنهب، بلادهم تُحتل، دماؤه تُسفك. إلى متى تحتدم هذه الحال الخطيرة؟ أليس فينا رجلٌ رشيد ينقذنا من هذه المهازل الدنيئة الفضيحة التي نتسكع فيها؟ الفرقة هي التي فرَّقت جمعنا وشتَّتت شملنا، وهزمتنا في الواقع، فالخلاف يؤدي إلى الفُرقة، والفرقة تؤدي إلى الضَّعف، والضعفُ يُجرِّئ الأعداء علينا، وهذا عين ما يحدثُ الآن؛ فالمرء منا قليل بنفسه كثيرٌ بإخوانه، ضعيف بمفرده قوي بجماعته. السلاح الوحيد الذي ينقذنا من هذه المهازل ومستنقعات الفشل والهزيمة والعار، هو الوحدة الإسلامية، اليوم انتزعَها الأعداء منا، وفرَّقونا وشتَّتوا شملنا وهزمونا وأذلُّونا، وبسَطوا سيطرتهم علينا، لهم السيادة والقيادة علينا، يعيثون بنا، ويستهزؤون بنا، صِرنا لعبة عابثة في أياديهم الأثيمة القذرة الخرقاء. تقول الموسوعة البريطانية: "لقد نجح صلاحُ الدين في قلب الميزان العسكري للقوَّة في صالحه، عن طريق الاتحاد وضبط العدد العظيم مِن القُوى المشتَّتة، أكثر من استخدام التكتيك العسكري الحديث أو المتطور"؛ لذلك عمل الأعداء قريبًا وحديثًا على تفريق المسلمين، وزرْع الشِّقاق بينهم، وهذا ما نتابع الحديث فيه إن شاء الله، فاستقيموا على طريق الوَحدةِ يرحمكم الله.
الغزو الفكري اليهودي والنصراني على الإسلام
روضة محمد شويب
17-11-2021
11,129
https://www.alukah.net//culture/0/150688/%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b2%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
الغزو الفكري اليهودي والنصراني على الإسلام الحمد الله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد وآله ومن اتَّبعهم بإحسان إلى يوم الدين: أما بعد: فإن الغزو الفكري الذي يقوم به الأعداء في وسائلهم المسلحة بالفكرة، والحيلة، والتعليم، والتقدم المادي التكنولوجي، والإغراءات النفسية، وتطبيقات السلوك غير الإسلامي، وشراء ضمائر فئات شتى لها سلطان أو توجيه، أو أي تأثير ما من فئات الأمة الإسلامية، إن الغزو الفكري هذا معناه ومضمونه وغايته التضليل الفكري للمسلمين، ببث المفاهيم الفاسدة عن الدين والحياة والوجود، وعن الاجتماع والأخلاق والسوك، وعن شروط التقدم الحضاري ووسائله، وعن النفس والوجدان والضمير، وعن الغاية من هذه الحياة، ووسائل اغتنام السعادة فيها، إلى غير ذلك مما يمكن أن يهدم شخصية الفرد المسلم والأمة الإسلامية [1] . والسنة النبوية تحذِّرنا من هذا الغزو الفكري في أحاديث كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم؛ عن أبي سعيد رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال؛ (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُم شِبْرًا بشبْر، وذراعًا بذراع، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْر ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ))، قلنا: يا رسول الله؛ اليهودُ والنَّصارى؟ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَمَن؟: رواه الشيخان [2] . يقول لورانس براون في كتابه الذي صدر عام ١٩٤٤م الإسلام كامن في نظامه وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي". بالبحث والاستقراء في صفحات التاريخ الإسلامي، وقر في قلوب أعداء الإسلام أن مواجهة المسلمين بالقوة لا فائدة منها، فقد جربوها عدة مرات ولم تفلح، بل كانوا دائمًا هم الخاسرين، حتى في المعارك التي انتصروا فيها كانت خسارتهم أفدح من خسارة المسلمين، فحول الغرب بناءً على تجاربهم السابقة الغزو العسكري إلى الغزو الفكري، ذلك أن الفكر لا يقاوم إلا بالفكر مثله، ولا يمكن أن يقاوم بالسلاح، ولا تستطيع الجيوش الجرارة أن تجعل إنسانًا واحدًا يعدل عن فكرته بالقوة [3] . ومع بشائر الصحوة التي تعيشها معظم أقطار المسلمين وفي إبان مراحل المواجهة الحضارية بين هجمة الأفكار الوافدة على الأجواء الاسلامية، تصدر الفكر الغربي في شكل حركات وتيارات شعوبية وقومية وعلمانية ومذاهب إلحادية، فضلًا عن التيارات السياسية ذات الطابع الإلحادي كالشيوعية والاشتراكية، وما إليها، ومن هنا برزت حاجة الأجيال الصاعدة للتعرف على الطبيعة ونشاط هذه العقائد الوافدة للتعرف عليها بأمل الوقوف أمام مفاسدها وأخطارها [4] . ويقول جان بول رو في كتابه الإسلام في الغرب: إن التأثير الغربي الذي ظهر في كل المجالات يقلب رأسًا على عقب المجتمع الإسلامي، ولا يبدو في جلاء أفضل مما يبدو في تحرير المرأة [5] . ويقول المبشر لامي: إن التربية المسيحية أو تربية الراهبات لبنات المسلمين، توجِّه للإسلام داخل حصنه المنيع - الأسرة - عدوًا لدودًا وخصمًا قويًّا لا يقوى الرجل على قهره؛ لأن المسلمة التي تربيها يد مسيحية تعرف كيف تتغلب على الرجل، ومتى تغلبت هكذا، أصبح من السهل عليها أن تؤثر على عقيدة زوجها وحسه الإسلامي، وتربي أولادها على غير دين أبيهم، وفي هذه الحالة نكون قد نجحنا في غايتنا من أن تكون المرأة المسلمة نفسها هي هادمة الإسلام. ويقول أيضًا: إن مقاومة الإسلام بالقوة لا تزيده إلا انتشارًا، فالواسطة الفعالة لهدمه وتقويض بنيانه، هي تربية بنيه في المدارس المسيحية، وإلقاء بذور الشك في نفوسهم من عهد النشأة، تفسد عقائدهم الإسلامية من حيث لا يشعرون، وإن لم يتنصر منهم أحدٌ، فإنهم يصيرون لا مسلمين ولا مسيحيين، وأمثال هؤلاء يكونون بلا ارتياب أضر على الإسلام مما إذا اعتنقوا المسيحية وتظاهروا بها. تكاد تكون كلمة الغزو الفكري من معطيات العصر الحديث الذي بُلي بأنواع عديدة من الغزو، جاء بها الاستعمار مع ما جاء به لبلدان العالم الإسلامي، والعالم النامي بعامة- من متاعب وأضرار. وليس خطر الكلمة والفكرة بأقل من خطر الجندي والسلاح في المعركة الضارية التي يشنها أعداء الإسلام على الإسلام وأهله. عندما يتعلق أمر الغزو الفكري بالعالم الإسلامي والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، فإن الكلام يحتاج منا إلى مزيد إيضاح ومزيد تركيز، إذ الإسلام دين الله سبحانه الذي ارتضاه للبشرية كلها منهجًا وشريعة لحياتهم الدنيا، ومعبرًا وجسرًا وزادًا لحياتهم الأخرى. وهذا الدين كان وما يزال بمبادئه ونظرياته ومُثله وقيمه حربًا على انحراف البشرية عن الحق والميزان، وأعداء الإسلام أعداء أُصلاء للحق والميزان؛ لأن الحق والميزان يحول بينهم وبين الاستغلال والعدوان، لذلك فإن أصحاب المذاهب والنظريات المعادية للإسلام ما سكتوا عنه ولن يسكتوا، وكيف بهم يسكتون وفي الإسلام ومبادئه حربًا لهم، ولما يمارسونه في الناس من أعمال. يعتمد الغزو الفكري على أربع ركائز خبيثة تدعمه وتعمل على نشره وتسهر على تحقيقه، وهذه الأركان يمكن تصنيفها على النحو التالي: أولًا : الصليبية الحاقدة: وما تملكه من وسائل الاستعمار الاستشراق والتبشير. ثانيًا : التغريب الاجتماعي. ثالث ًا: الصهيونية الماكرة: وما تملكه من تخطيط ماسوني وبروتوكولات ونواد. رابعًا : الشيوعية الماركسية: وما تعتمد عليه من تيارات فكرية مخلدة. والواقع أن مجال البحث لا يتوسع لهذه الأمور، وإنما الذي يهمنا هو بيان مظاهر الغزو الفكري وتياراته من حملات تغريب المجتمع الإسلامي، وأهم الوسائل التي اتخذها لنشر التغريب، وعدم المجتمع بوساطة سلاح المرأة، خاصة وأن المرأة في كثير من مجتمعاتنا العربية والإسلامية أكثر تأثرًا من الرجل بحملات الغزو الفكري بحكم طبيعتها العاطفية ورغبتها في مجاراة المودة والبدع ودعاوى التحضر والتفريج [6] . من أجل ذلك أصبح الغزو الفكري للإسلام والمسلمين يستهدف الجذور لا القشور، ويحاول القضاء على الجوهر لا العرض، ويركز على تشويه الأصول لا الفروع، ومن هنا تركز الغزو الفكري ضد الإسلام في خزي ضاربة ضد أمرين خطيرين هنا: القرآن الكريم أصل الشريعة، وما شرحه وفصَّله من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالم الإسلامي كله. اللغة العربية لغة القرآن والإسلام، في العالم العربي بالدرجة الأولى وفي كل مكان أن يعنى باللغة العربية بعد ذلك. مفهوم الاستشراق: الاستشراق هو تلك الحركة البحثية التي أطلقها الغرب، وجعل من الشرق وعقائده وعاداته وثقافته، واجتماعه وأخلاقه، موضوعًا لهذه الحركة البحثية، والناتج من هذه الحركة البحثية هو نتاج معرفي بالأساس، ظهر في صورة دراسات وأبحاث ومؤتمرات وندوات ودوريات كلها تناولت موضوع الشرق تحديدًا الشرق الإسلامي بالدرس والبحث، وبأدوات بحثية غربية خالصة من ابتكار العقل الغربي وأيديولوجيته وتحيزاته الفكرية. والاستشراق في اللغة العربية هو ترجمة لكلمة Orientalism في اللغة الإنجليزية، ويذهب معظم الباحثين المسلمين إلى تصنيف المستشرقين إلى نوعين رئيسيين من حيث الوجهة التحيزية: النوع الأول: هم الفئة التي درست الإسلام دراسة هدفها النيل من المسلمين والحضارة الإسلامية، وكتاباتهم مملوءة بالحقد والتحامل على الإسلام والمسلمين. والنوع الثاني: من المستشرقين هم الفئة التي توصف بالاعتدال [7] . وتتلخص أهداف المستشرقين في: طمس الهوية الإسلامية وصهر الفكر الإسلامي في بوتقة الجحود والعلمانية إلى أن يصل إلى درجة الكفر والإلحاد؛ يقول تعالى: ﴿ وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: ١٠٩]. يقول المبشر زويمر: "إن من أهم الأساليب إلى تدمير أخلاق المسلم وشخصيته يمكن أن يتم بنشر التعليم العلماني". ويقول المبشر كلي: "يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني؛ لأن كثيرًا من المسلمين قد زعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن، حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية". الغزو الفكري وآثاره المدمرة: يقول المستشرق المعتدل بريستيد عن المستشرقين: إن المستشرقين يريدون قتل حضارة الشرق عمدًا؛ لأنهم يريدون إخفاء الحقيقة. الطعن في القرآن الكريم، والنيل من صاحب الرسالة محمد، فقد بدأ الموقف الغربي من رسول الله مليئًا بالحقد والغضب والكراهية، وأخذ بسيل من السباب والشتائم والافتراءات والشبهات، مارسها أعداء الإسلام، واستمر هذا التيار حتى العصر الراهن [8] . ونظرة المستشرقين للمرأة المسلمة، فقد نال موضوع المرأة المسلمة حظًّا وافرًا من جهود المستشرقين، لا يقل أهمية عن اهتماماتهم بالقضايا السياسية والثقافية، بل قد يفوقها جميعًا، فلا تكاد تجد كتابًا يتحدث عن الإسلام دون أن يكون للحديث عن المرأة وقضاياها نصيبٌ فيه. تفتيت وحدة المسلمين وإضعافها، وتمزيق الدول الإسلامية، وعزل الشريعة عن التطبيق في المجتمع الإسلامي، وإحلال القوانين الاقتصادية والتربوية والاجتماعية والسياسية محل الإسلام. فصل المسلمين عن الإسلام، وذلك بتشويه تعاليمه وقوانينه، وعزلها عن مصادرها، وهدم القواعد الأساسية والمقومات الأصلية للكيان الفردي والاجتماعي للمسلمين، وزعزعة ثقتهم بدينهم، ليمهدوا إلى فتح الباب للاستسلام والخضوع للاستعمار وأفكاره، ويمهدوا الطريق للتبشير المسيحي في تحويل عقائد المسلمين ليجعلوهم أتباعهم. إيقاف التيار الزاحف نحو أوروبا؛ حيث يعتنق الألوف من الأوروبيين الدين الإسلامي سنويًّا، ولا يخشى الصليبيون انتشار الديانات الأخرى غير الإسلام. حماية المسيحيين من خطر الإسلام، بحجْب حقائقه عنهم، واطْلاعهم على ما فيه من نقائص مزعومة، حتى لا يلتفت النصارى إلى ما في دينهم من تناقضات لا يقبلها العقل السليم. من أسباب الغزو الفكري اليهودي والنصراني على الإسلام: الغزو الفكري المعاصر مهما تعدَّدت صوره ومجالاته، فإنه غزو ديني بالدرجة الأولى، يهدف أول ما يهدف إلى فتنة المسلمين وإخراجهم عن دينهم، وإفساد أخلاقهم وأفكارهم، وهذا أمر بيَّنه الله سبحانه في كتابه العزيز [9] . ١ - العداء الصليبي للإسلام شكل الصعار الوبائي لدى الأمم الغربية، فأخذوا مستميتين يوزعون السموم ذات اليمين وذات الشمال، ويفترون الأكاذيب، ويطمسون العقائد ويدبرون المكائد، ويتصيدون السقطات. ٢ - يدخلون في روع أنفسهم وفي عاطفة بني جلدتهم أنهم أرقى عنصرًا وأفضل عقلًا، وأصلح دينًا، وأنهم أوصياءُ على البشرية وسادة الإنسانية وخزانها ومرشدها. ٣ - تحول صراعهم من الميدان العسكري إلى ميدان الفكر والكلمة؛ أي الغزو الفكري. ٤ - حقدهم على الإسلام؛ كقول جلاديستون رئيس وزراء بريطانيا: ما دام القرآن موجودًا فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان، وكقول غيفورد بلغراف الإنجليزي: متى وارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يُمكننا حينئذ أن نرى العربي يتدرج في سبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إلا محمد وكتابه. ٥ - الخوف الشديد من انتشار الإسلام وقوته، أدرك النصارى أن الاسلام دين دعوة عالمية، وأنه دين سريع التأثير على المدعوين. ٦ - إدراكهم حقيقة ما أصاب دينهم المحرف من زعزعة مبادئه لدى الإنسان الغربي، لصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقائد وكتب، فاشتدت حاجتهم على الهجوم على الإسلام، والتشكيك في أحقية الحضارة الإسلامية. ٧- بث أفكاره على الشعوب المستعمرة لتظل خاضعة له قلبًا وقالبًا. ٨ - الموقف اليهودي أشد تطرفًا وأكثر كيدًا. اليهود يعملون وَفق بروتوكلات حكماء صهيون الهادفة لتحطيم العقائد الدينية المخالفة لهم، وهدم جميع المذاهب وتدمير أخلاق الشعوب. ٩ - اليهود الصهاينة الذين يتعاظم دورهم في ظل ما يسمى النظام العالم الجديد الذين يحاولون السيطرة على العالم فكريًّا وثقافيًّا وإعلاميًّا، واحتواء الأديان. الهدف في كلها واحد وهو هدم الدين الإسلامي، وأضعاف مقومات نهوض الأمة الإسلامية، ومحاولة فصلها عن دينها. ويقول أشعيا بومان: إن شيئًا من الخوف يحب أن يسيطر على العالم الغربي من الإسلام، لهذا الخوف أسباب منها أن الإسلام منذ ظهر في مكة يضعف عدديًّا، بل إن أتباعه يزدادون باستمرار، وأن هذا الدين من أركانه الجهاد، ولم يتفق قط أن شخصًا دخل في الإسلام ثم عاد نصرانيًّا [10] . فالصهيونية حركة خبيثة هدامة، تستهدف القضاء على المبادئ والقيم وكل ما هو غير يهودي، ومن مراحلها محاولة إقامة وطن لليهود في فلسطين المسلمة العربية، وأما بقية مراحلها فهي خدمة اليهودية العالمية، حتى يصبح العالم كله - مسلمون وغير مسلمين - في قبضة اليهود وتحت سيطرتهم كما تزعم ثوراتهم التي زيَّفوها؛ حيث تقول: سيقوم الرب ويقيس الأرض ويجعل عبدة الأوثان - الأميين - تحت يد إسرائيل، ويسلِّم جميع ممتلكاتهم إلى اليهود؛ التوراة سفر المزامير: مزمور ١٤٩-١٥٠ط القاهرة [11] . هذه هي الصهيونية أهم ركيزة من ركائز الغزو الفكري للإسلام والمسلمين، تتخذ إلى ذلك كل سبيل، وتسعي في كل مجال مشوهة الإسلام تاريخه وحضارته، ومفسدة للأخلاق ومصطنعة للمشكلات والمتاعب، ومثيرة للفتن والثورات ومقتنصة للعديد من المسلمين تضمهم - على وعي منهم أو غفلة - إلى مؤسساتها ومنظماتها؛ كالماسونية والروتاري، وسائر الأنشطة الاجتماعية والرياضية [12] . وهي كانت وما تزال معملًا لتفريخ الأفكار الضارة والفلسفات الهدامة والمذاهب الضالة المنحرفة، مع توجيه تلك الضربات إلى العالم الإسلامي أولًا، وإلى سائر الناس بعد ذلك، وهي في كل ذلك تتعاون مع سائر المراكز والركائز، وتتقارب مع هذه المراكز، وتتعاطف إلى حد أن كثيرين من اليهود وكثيرات من اليهوديات يدخلون في أديان مختلفة عن دينهم زورًا وخداعًا، من أجل الوصول إلى أهدافهم الخبيثة الهدامة التي تحدثنا عنها أنفًا [13] . التبشير بالنصرانية بين المسلمين ودس العقيدة الوثنية بين الأمة: اهتمت الكنيسة بتوجيه جهودها إلى التبشير بالمسيحية في العالم الإسلامي، خاصة بالذات في القرون الأخيرة؛ لتقتلع الإسلام من نفوس الناس وتحل المسيحية محله، مما يطلق عليه عند بعضهم حملات التنصير يوضح ذلك المبشر رايد في قوله: إني أحاول أن أنقل المسلم من محمد إلى المسيح، ومع ذلك يظن المسلم أن لي في ذلك غاية خاصة، أنا لا أحب المسلم لذاته، ولا لأنه أخ لي في الإنسانية، ولولا أني أريد ربحه إلى صفوف النصارى ما كنت تعرضت له لأساعده [14] . ويقول کارل بيكر المبشر الألماني: إن الإسلام لما انبسط في العصور الوسطى، أقام سدًّا في وجه انتشار النصرانية، ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجان المسيحية. ويصرح لورانس براون بالهدف الحقيقي المبشرين من عملهم في العالم الإسلامي حين يقول: إذا اتَّحد المسلمون في إمبراطورية عربية، أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرًا، أو أمكن أن يصبحوا أيضًا نقمة له، أما إذا بقوا متفرقين، فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير. ومن هنا كان الخط الذي يتوقعه المبشرون الصليبيون، ورجال الكنيسة من أن يطل الإسلام بوجهه المشرق الوضيء على أوروبا وأمريكا، فيجد قلوبًا مهيأة له وعقولًا متحاربة معه... ختامًا: إن الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام من الموضوعات التي تشد اهتمام الواعين من أبناء الأمة الإسلامية، وتحتاج من الباحثين والدارسين أن يبذلوا فيها ما يكشف عن خباياها ويوضح أبعادها. أُهيب بعلماء الأمة والآباء والأمهات وشباب الأمة أن يعودوا إلى المنهج الحق منهج القرآن والسنة على ما كان عليه سلفنا الصالح اتباعًا وعلمًا وعملًا، فإن وعد الله حق؛ قال تبارك وتعالى: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [النور: 55]. ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، فالذي صلح به أول هذه الأمة حتى أصبح سلفًا صالحًا هو هذا القرآن الذي وصفه منزِّلُه بأنه إمام، وأنه موعظة، وأنه نور، القرآن هو الذي أصلح النفوس التي انحرفت عن صراط الفطرة، وحرر العقول من ربقة التقاليد السخيفة، وفتح أمامها ميادين التأمل والتعقل، ثم زكى النفوس بالعلم والأعمال الصالحة، وزيَّنها بالفضائل والآداب. والقرآن هو الذي أصلح بالتوحيد ما أفسدته الوثنية، وداوى بالوحدة ما جرحته الفرقة، واجترحته العصبية، وسوَّى بين الناس في العدل والإحسان، فلا فضل لعربي - إلا بالتقوى - على عجمي، ولا لملك على سوقة إلا في المعروف، ولا لطبقة من الناس فضل مقرر على طبقة أخرى [15] . الحمد لله، والله أعلم. [1] الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام ص ٤٩٩. [2] رواه البخاري (3456) في كتاب الأنبياء، ومسلم (2669) في كتاب العلم. [3] الغزو الفكري وأثره على منهج سعيد النورسي في تفسيره للآيات القرآنية، مجلة الإسلام في آسيا العدد الخاص الرابع ديسمبر ٢٠١١م. [4] المصدر السابق. [5] أخطار الغزو الفكري على العالم الإسلامي ص٧ د. صابر طعيمة. [6] الغزو الفكري وأثاره المدمرة على عقل وقلب وفكر المرأة المسلمة المصدر السابق. [7] المصدر السابق ص١٩. [8] إسلام أون لين Islamonline الاستشراق. [9] حقائق الإسلام وخصومة الغزو الفكري ص ١٨-١٩. [10] كتاب علم الملل ومناهج العلماء فيه ص ٤٣٥ بتصرف. [11] الغزو الفكري وآثاره المدمرة على عقل وقلب وفكر المرأة المسلمة، وانظر: التبشير والاستعمار في البلاد العربية رفعت محمد مرسي طاحون ص١٠. [12] الغزو الفكري والتغيرات المعادية للإسلام عبدالحليم ص١٣٣. [13] المصدر السابق ص ١٣٥. [14] المصدر السابق ص ١٣٦. [15] محمد البشير الإبراهيمي، نشر عام 1372هـ الموافق1952م مجلة درر.
الإمام الشافعي ناصر السنة (1)
عبدالله ميزر الزوين
17-11-2021
2,880
https://www.alukah.net//culture/0/150684/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a-%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-1/
الإمام الشافعي ناصر السنة (1) ( ما أحد مس محبرة ولا قلمًا إلا وللشافعي في عنقه منة )؛ الإمام أحمد بن حنبل. من الصعب الحديث عن العظيم؛ لأنك إذا استوفيت جانبًا من حياته، فاتتك جوانب، والإمام الشافعي كان واحدًا من أولئك القلة الذين خلدت أسماؤهم على وجه الدهر بعلمهم واجتهادهم وتقواهم، فالشافعي وأمثاله أقمار ساطعة تنير الطريق للسالكين، لقد كان الشافعي منذ صغره حتى وفاته بحرًا للعلم وناصرًا للسنة، تلقى علم المكيين كسفيان بن عيينة، والمدنيين كالإمام مالك، والعراقيين كمحمد بن الحسن، ثم راح يميز بين صحيحها وضعيفها، ويؤصل الأصول، ويقعِّد القواعد، ولقد جعل الشافعي الحديث أساسًا لاجتهاده، ولم يهمل القياس الصحيح، ولذلك لما سئل الإمام أحمد عنه قال: ( حديث صحيح ورأي صحيح )، وما أنا بصدد سرد حياة الشافعي سردًا تاريخيًّا، فقد ألَّف فيه كثيرون، ومنهم داود بن علي الظاهري وابن أبي حاتم، والحاكم النيسابوري والحافظ البيهقي، والنووي وابن حجر، وفي العصر الحديث محمد أبي زهرة وعبدالغني الدقر، وإنما أريد سرد سيرته سردًا سريعًا مستخلصًا منها الفوائد والعبر والنفائس والدرر. نسبه : هو الإمام الحبر المجتهد أبو عبدالله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي المطلبي، والمطلب هو أخو هاشم جدُّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي نسب الشافعي أربعة أجداد في عداد الصحابة هم: عبد يزيد بن هاشم، وولده عبيد، وولد عبيد السائب، وولد السائب شافع، وانظر الإصابة لابن حجر (2-424)، وأما أمه فهي أزدية على الصحيح، وكانت من أذكى الخلق فطرةً، والشافعي من بني المطلب كما سلف، وبنو المطلب من آل البيت على الصحيح؛ لحديث عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد )؛ رواه الشيخان، وكفى بهذا الحديث دليلًا على أن بني المطلب من آل البيت، فاجتمع للشافعي شرف النسب وشرف العمل. ولادته : في آخر يوم من رجب سنة مائة وخمسين وُلِدَ الشافعي رحمه الله، وهي ذات السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة، واختلف المؤرخون في مكان ولادته على أربعة أقوال ذكرها ابن العماد في الشذرات، وأصحها أنه ولد في غزة وهي مدينة في فلسطين، وروي عنه بطريق صحيح أنه وُلد بعسقلان، ولا تنافي بينه وبين ما رجحناه، فإن عسقلان وغزة إقليم واحد كما أفاده الشيخ عبدالغني الدقر. نشأته وطلبه للعلم: ولد الشافعي يتيمًا في غزة، ولَما أتَم السنتين عادت به أمُّه إلى مكة موطن آبائه، كما في الشذرات، وهكذا نشأ الشافعي في مكة نشأة اليتامى والفقراء، حتى ما كان يجد ثمن قرطاس يكتب عليه، ولكن عزيمته غلبت فقره ونبوغه قهر حاجته، فأراد التوجه إلى الكتاب ( معلم يعلم القراءة والكتابة )، ولكن أمه لم يكن معها أجرة المعلم، فرضي المعلم من الشافعي أن يخلفه إذا قام، فيعلم الصبيان حتى يأتي كما في صفة الصفوة، وما كان المعلم ليرضى بهذا لولا نجابة عظيمة رآها من هذا الطفل، واستمر في الكتاب حتى حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين؛ كما في شذرات الذهب، وهذا لا شك نبوغ عظيم، وهذه القدوة الصالحة هي التي يجب أن نصرف وجوه الأطفال والشباب إليها طفل فقير يتيم يحفظ كتاب الله كاملًا، وهو ما يزال في السابعة! وبعد حفظه للقرآن اتَّجه إلى المسجد الحرام يسمع علماءه بشغف شديد وذهن حاد، ولقد بدأ الطلب في ضيق من العيش، ولم يجد ثمن الورق لشدة فاقته، فكتب على العظام وأكتاف الجمال؛ كما روى ابن أبي حاتم ولقد ظل يسمع العلم ويدوِّنه، حتى حفظ الموطأ وهو ابن عشر سنين؛ كما في توالي التأسيس، فأي ذكاء هذا؟ وأي همة هذه؟ طفل يتيم في العاشرة به من الفقر ما الله به عليم يحفَظ كتاب الله تعالى وكتاب "الموطأ"، وهو من أهم كتب الحديث، ولم يتجاوز العاشرة من عمره، وهذه الهمة العالية يجب أن تكون لدى كل شاب مسلم، لا يمل من العلم ولا يكتفي بقليله، وهكذا يجب أن يكون لكل شاب مسلم هدف نبيل يسعى إليه، كما كان للشافعي هدف سعى إليه بهمة ونشاط، حتى بلغ هذه المرتبة وهو في العاشرة. وفي هذه الفترة لازم الشافعي المحدث الشهير سفيان بن عيينة، وكتب حديثه كما لازم مفتي مكة مسلم بن خالد الزنجي وغيرهم، وفيها لازم هذيلًا، وهي قبيله عربية أعرقت في الشعر كما في "تاج العروس"، وكانت ديارهم حوالَي مكة؛ كما يقول ابن حزم في "الجمهرة": فتعلَّم عندهم العربية الفصيحة، وحافظ على سليقته وحماها من اللحن الذي كان منتشرًا في العصر العباسي، وحفِظ بحافظته المعتادة معظمَ شعر الهذليين وفهِمه، مما كان له أكبر الأثر على فصاحته وفهمه للشريعة، كما تجد ذلك في الرسالة واضحًا، وهنا درس جديد نتعلمه من الشافعي وحياته وهو أهمية الاعتناء باللغة العربية، وتعلُّم مباحثها المختلفة من فصاحة وبلاغة ونحو وصرف، وغير ذلك، فإن الشافعي ساعده علمه باللغة والشعر الفصيح على فهْم الكتاب والسنة فهمًا صحيحًا، وهذا مطلوب كل مسلم. عياله : تزوج الشافعي من حمدة بنت نافع بن عنبسة بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنه كما في الانتقاء لابن عبدالبر، وقدر عبدالغني الدقر تاريخ زواجه بعودته من عند مالك، وعلى هذا يكون عمره قرابة الثلاثين، وكان له ولدان وبنت وهم: • أبو عثمان محمد بن محمد سمع من أبيه ومن أحمد بن حنبل، ووَلِيَ قضاء الجزيرة وحلب ومات بعد سنة أربعين ومائتين، كما ذكر ياقوت الحموي في "معجم الأدباء". • وأما الولد الثاني فهو أبو الحسن محمد أيضًا، ولي قضاء قنسرين والعواصم كما في "الجمهرة"، ومات سنة إحدى وثلاثين ومائتين كما في "الطبقات الكبرى" للسبكي. • وله ابنة اسمها زينب أنجبت ولدًا إمامًا اسمه أحمد بن محمد بن عبدالله، وكان إمامًا مبرَّزًا كما يقول النووي. الشافعي والرحلة: كانت الرحلة عند علماء الإسلام مفتاحًا للتبحر في العلوم والوصول إلى الحق، وكانوا يسيرون المسافات الشاسعة طلبًا للحديث والعلم، وما يبلون بالصحاري الواسعات، بل ربما كانوا يسيرون الليالي طلبًا لحديث واحد، حتى إن جابرًا رضي الله عنه قطع مسيرة شهر طلبًا لحديث واحد، وهكذا رحل كبار العلماء في كل عصر إلى بلاد كثيرة ناهلين من مَعين العلم، وفي مقدمتهم الإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام الكبير البخاري، ولقد رحل الشافعي في حياته خمس رحلات إلى المدينة واليمن والعراق مرتين، ومصر وفيها توفي. وفي مقال قادم إن شاء الله نكمل ما تبقى من حياة الشافعي، ونسرد رحلاته الخمسة مع وفاته مستخلصين منها الدروسَ والعبر، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. المصادر والمراجع: 1- توالي التأسيس. 2- طبقات السبكي. 3- معجم الأدباء. 4- الشافعي فقيه السنة الأكبر للدقر. 5- الشافعي آراؤه وفقهه محمد أبي زهرة. 6- الانتقاء ابن عبدالبر. 7- صفة الصفوة لابن الجوزي. 8- حلية الأولياء لأبي نعيم. 9- صحيح البخاري. 10- صحيح مسلم. 11- شذرات الذهب لابن العماد.