article_title
stringlengths 1
185
| author_name
stringlengths 2
70
| date_added
stringlengths 10
10
| read_count
int64 24
10.8M
| article_link
stringlengths 45
1k
| text
stringlengths 6
254k
|
---|---|---|---|---|---|
المدخل إلى دراسة علم علل الحديث لسيد عبد الماجد الغوري | محمود ثروت أبو الفضل | 15-05-2022 | 6,208 | https://www.alukah.net//culture/0/154781/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%88%d8%b1%d9%8a/ | المدخل إلى دراسة علم علل الحديث لسيد عبد الماجد الغوري صدر حديثًا كتاب "المدخل إلى دراسة علم علل الحديث"، تأليف: "سيد عبد الماجد الغوري"، نشر: "دار ابن كثير للنشر والتوزيع". يبحث "عِلمُ عِلَل الحديث" في الأسباب الخفية الغامضة التي تقدح في سند الحديث ومتنه مع أن الظاهر منه السلامة؛ لذلك يعدّ هذا العلمُ أحدَ أهمّ وأجلّ علوم الحديث، فهو يكوّن عند طلاب الحديث النبوي ملكةً حديثيةً، ويعلّمهم الدقةَ في النقد، والبراعةَ في التعامل مع مصطلحات وعبارات أئمة الحديث ونُقّاده، كما أنه يُتيح لهم فرصةَ التطبيق العمليّ لِمَا قرؤوه من قواعد علوم الحديث. وهذا الكتاب يتناول تعريفَ هذا العلم الجليل بتفصيلٍ، ويلقي الضوءَ على نشأته، ثم يبيّن أهميةَ دراسته وفوائدها، ثم يتحدّث عن الأسباب التي تتسبّب للإعلال في الحديث سندًا ومتنًا، ثم يعرّف بقواعد اكتشاف العِلَل فيهما وكذلك بقرائن مُهِمّة لإعلال الحديث مع الأمثلة الموضّحة. ثم يُترجِم لجميع الأئمّة الذين تطوّر على أيديهم هذا العلمُ عبر القرون، ثم يعرّج على تعريف أهمّ كتب العِلَل وعلمِها وبيان خصائص كل منها، وغير ذلك من المباحث الموسَّعة المفيدة التي جمعها هذا الكتابُ بين دفّتيه. وقد رأى الكاتب في دراسته أن هذا العلم ظهر في عهد الصحابة - رضي الله عنهم - الأُول، ثم تطور في عهد التابعين خاصة إثر ظهور الطوائف المنحرفة عن الإسلام والمبتدعة فيها. كما أن هذا العلم من أجل العلوم وأدقها في الحديث؛ لكونه يبحث في الأسباب الخفية الغامضة التي تقدح في سند الحديث ومتنه مع أن ظاهرها السلامة منها؛ فهو بذلك يعتبر كالميزان في رد أو قبول الأخبار والآثار. كما أن ميدان هذا العلم هو أحاديث الثقات دون غيرهم؛ لأنه يفتش عن العلة في أحاديث الرواة الثقات على الأغلب. كما أن من أهم فوائد هذا العلم أنه يكوِّن عند طلاب الحديث النبوي ملكة قوية في الحديث النبوي، ويولد لديهم الحس القوي في نقد المرويات، ويعطيهم البراعة في التعامل مع مصطلحات وعبارات أئمة الحديث ونقاده، ويييح لهم فرصة التطبيق العملي لما قرؤوه من قواعد علوم الحديث. كما أن هذا العلم ليس كهانةً ولا إلهامًا كما يفهم من أقوال بعض الأئمة النقاد، وإنما هو علم يرزقه الله تعالى من تفرغ لطلبه بجد واجتهاد وصبر ومثابرة. كما أنه من خلال هذا العلم يتأتى للطلاب الاطلاع على الأسباب التي وقعت لأجلها العلة في أحاديث الثقات، وعلى القواعد المهمة التي تعينهم على الكشف عن مواطن العلل في الأحاديث النبوية سندًا ومتنًا، كما أنه يهديهم أيضًا إلى بعض أهم القرائن لإعلال الحديث النبوي. كما أن هذا العلم لم يكن موضع الاهتمام الكبير لدى العلماء المتقدمين، حيث لم يفردوه بالتأليف، إنما تكلموا عن بعض عيون مسائله ومباحثه في كتبهم ضمن تعريفاتهم المختصرة لأنواع علوم الحديث، الأمر الذي دفع بعض العلماء المعاصرين إلى إفراد هذا العلم بالتأليف، فطهر لهم فيه العديد من الكتب المفيدة. والمؤلف "سيد عبد الماجد الغوري" باحث أكاديمي متخصص في مجال الدراسات الحديثية، من مواليد مدينة "حيدرآباد" (الدكن) بالهند، عام 1398هـ (1978م). درس العلومَ الشرعية في "دار العلوم الإسلامية" بحيدرآباد، وأكملها في "مدرسة ضياء العلوم الشرعية" برأي بريلي. ثم واصل دراسةَ الليسانس في كلية الشريعة بدار العلوم لندوة العلماء في لكنؤ. ثم تخصَّص في الحديث النبوي وعلومه في فرع جامعة الأزهر الواقع بدمشق. ثم حصل على الماجستير فالدكتوراه في الحديث النبوي من الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا بتقدير ممتاز. ومن أبرز شيوخه وأساتذته: العلامة أبو الحسن علي الندوي (وقد ألَّف عن سيرته كتابًا موسَّعًا بالعربية يُعتبَر من أوائل الكتب التي تتعلق بحياته والتعريف بمؤلَّفاته)، وحفيده الشيخ بلال عبد الحي الحسني الندوي، والدكتور محمد أبو الليث شمس الدين الخيرآبادي من الهند. والشيخ عبد القادر الأرناؤوط، والدكتور الشيخ نور الدين عتر، والدكتور مصطفى سعيد الخن، والشيخ كريم الراجح، والدكتور بديع السيد اللحام من سوريا. عمل باحثًا زميلًا في "معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور" في ماليزيا نحو ثماني سنوات، وألَّف بتكليف منه العديدَ من الكتب في تيسير علوم الحديث وفي بعض الموضوعات المهمة في السنة النبوية، وكلها قد تُرجمت إلى اللغة الملايوية. كما أنشأ في نفس المعهد مجلةَ "الحديث"، وتولَّى رئاسةَ تحريرها، والتي تُعتبَر أولَ مجلةٍ علميةٍ محكَّمةٍ من نوعها تختص بنشر الدراسات والأبحاث في الحديث النبوي وعلومه وقضاياه. وإلى جانب انشغاله بالبحث العلمي في المعهد المذكور، قد عمل - أيضًا - محاضرًا في قسم الكتاب والسنة في "الكلية الجامعية الإسلامية العالمية بسلانجور" في ماليزيا، وشارك في وضع المقررات الدراسية لقسم الكتاب والسنة. وله العديد من الأعمال العلمية المطبوعة، منها: بالعربية: 1- موسوعة علوم الحديث وفنونه. (ثلاث مجلدات) مطبوعة في دار ابن كثير ببيروت. 2- معجم ألفاظ وعبارات الجرح والتعديل النادرة والمشهورة. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 3- معجم ألفاظ الجرح والتعديل. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت وفي مكتبة زمزم بكراتشي). 4- معجم المصطلحات الحديثية. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت، وفي معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا، وفي مكتبة زمزم بكراتشي). 5- معجم مصطلحات علوم القرآن والحديث. 6- المدخل إلى دراسة السنة النبوية. (مطبوع في معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا، وفي دار ابن كثير ببيروت). 7- المدخل إلى دراسة علم الجرح والتعديل. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 8- المدخل إلى دراسة علوم الحديث. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 9- علم الرجال: تعريفه وكتبه. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 10- مصادر الحديث ومراجعه: دراسة وتعريف. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 11- الميسَّر في علوم القرآن الكريم. 12- الميسَّر في علم مصطلح الحديث. (مطبوع في معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا، وفي دار ابن كثير ببيروت). 13- الميسَّر في علم الجرح والتعديل. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 14- الميسَّر في علم الرجال. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت، وفي معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا، وفي مكتبة زمزم بكراتشي). 15- الميسَّر في علم علل الحديث. (مطبوع في مكتبة زمزم بكراتشي). 16- السنة النبوية: حجيتها و تدوينها: دراسة عامة. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 17- التعريف الوجيز بتفاسير القرآن العزيز (مطبوع في دار الشاكر بسلانجور في ماليزيا). 18- الوجيز في تعريف كتب الحديث. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 19- الوضع في الحديث: تعريفه وأسبابه ونتائجه وطريقة التخلص عنه. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 20- علم مصطلح الحديث: نشأته وتطوُّره وتكامله. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 21- مبادئ التعامل مع السنة النبوية. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت، وفي معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا). 22- أعلام المحدِّثين في الهند في القرن الرابع عشر الهجري وآثارهم في الحديث وعلومه. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 23- إلى طالب العلم. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت، وفي معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا، وفي مكتبة زمزم بكراتشي). 24- المنهج المفيد لطلب علم الحديث. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت، وفي معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا، وفي مكتبة زمزم بكراتشي). 25- الرحلة في طلب الحديث النبوي: فوائدها وعطاءاتها. 26- مباحث تمهيدية في علم الجرح والتعديل. (مطبوع في معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا). 27- إنكار السنة: تاريخه وفِرَقه ودوافعه. (مطبوع في معهد دراسات الحديث النبوي بسلانجور في ماليزيا). 28- صور من الدعوة الإسلامية في العصر النبوي. (مطبوع في مكتبة زمزم بكراتشي). 29- أبو الحسن الندوي: الإمام المفكِّر الداعية المربِّي الأديب. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 30- أبو الحسن الندوي: رائد الأدب الإسلامي. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 31- محمد إقبال: الشاعر المفكِّر الفيلسوف. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 32- محمد حميد الله: سفير الإسلام، وأمين التراث الإسلامي في الغرب. (مطبوع في دار ابن كثير ببيروت). 33- القاديانية: مؤامرةٌ خطيرةٌ وثورةٌ شنيعةٌ على النبوة المحمدية. (مطبوع في دار الفارابي بدمشق). 34- التفسير والمفسِّرون في الهند: دراسة تاريخية استقرائية. 35- تدوين السنة النبوية وتطوُّر التصنيف والتأليف فيها عبر القرون: عرض تاريخي موجز. 36- حجية السنة النبوية في ضوء الأدلة الشرعية. 37- أئمة المحدِّثين وأعلامهم وعطاءاتهم المميَّزة في الحديث النبوي: عرض وتعريف. 38- تعريف الدارسين بمناهج المحدِّثين. 39- الشروح الحديثية: دراسة وتعريف. 41- الإمام أبو حنيفة ومكانته وآراؤه في علم الحديث النبوي. 42- أعلام المحدِّثين من الحنفية وجهودهم في الحديث النبوي عبر القرون: دراسة استقرائية. 43- المحدِّثون من الحنفية في الهند وجهودهم في الحديث النبوي. 44- المحدِّثون من "أهل الحديث" في الهند وجهودهم في الحديث النبوي. 45- الإمام شاه ولي الله الدهلوي وجهوده في الحديث النبوي. 46- المدارس الحديثية في عصر الصحابة رضي الله عنهم. 47- المدارس الحديثية في العالم الإسلامي في القرنين الأول والثاني الهجريين: نشأتها وتطوُّرها ورجالها وعطاءاتها. 48- المدارس الإسلامية في الهند وجهود خريجيها في الحديث النبوي. 49- دار العلوم ديوبند وجهود خريجيها في الحديث النبوي. 50- جامعة مظاهر العلوم بسهارنفور وجهود خريجيها في الحديث النبوي. 51- دار العلوم - ندوة العلماء وجهود خريجيها في الحديث النبوي. |
الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف لشاه ولي الله الدهلوي | محمود ثروت أبو الفضل | 14-05-2022 | 5,080 | https://www.alukah.net//culture/0/154746/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b5%d8%a7%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d9%84%d8%a7%d9%81-%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%87-%d9%88%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%87%d9%84%d9%88%d9%8a/ | الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف لشاه ولي الله الدهلوي صدر حديثًا طبعة منقحة من كتاب: "الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف"، تأليف: الإمام "ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي" (1114 - 1176 هـ)، تحقيق وتعليق: "أنور حسين طالب"، نشر: "دار الفاتح للنشر والتوزيع". وهي رسالة قيمة مختصرة جمعت معارف قيمة في تاريخ التشريع ونشوء الخلاف الفقهي، وتعتبر من أفضل وأهم ما كُتِبَ في موضوع اختلاف العلماء في المسائل الفقهية بدءًا من الصحابة والتابعين ووصولًا إلى المذاهب الأربعة المتبعة. وفي الرسالة من التقريرات والتسديدات العلمية في مسائل الاجتهاد والتقليد، وبيان التغير الطارئ على العالم الإسلامي في القرون الأخيرة من تطور التقليد والتقيد بالمذاهب إلى مرحلة هجر الدليل، مع حجر الإجتهاد، وحرمة الخروج عن منصوص أئمة المذاهب، وإن كان صادرًا عن دليل صريح صحيح. يقول الكاتب في سبب تأليف الرسالة: " أما بعد فَيَقُول الْفَقِير إِلَى رَحْمَة الله الْكَرِيم ولي الله بن عبد الرَّحِيم أتم الله تَعَالَى عَلَيْهِمَا نعمه فِي الأولى وَالْأُخْرَى: إِن الله تَعَالَى ألْقى فِي قلبِي وقتًا من الْأَوْقَات ميزانًا، أعرف بِهِ سَبَب كل اخْتِلَاف وَقع فِي الْملَّة المحمدية على صَاحبهَا الصَّلَوَات والتسليمات، وَأعرف بِهِ مَا هُوَ الْحق عِنْد الله وَعند رَسُوله، ومكنني من أَن أبين ذَلِك بَيَانا لَا يبْقى مَعَه شُبْهَة وَلَا إِشْكَال، ثمَّ سُئِلت عَن سَبَب اخْتِلَاف الصَّحَابَة، وَمن بعدهمْ فِي الْأَحْكَام الْفِقْهِيَّة خَاصَّة، فانتدبت لبَيَان بعض مَا فتح عَليّ بِهِ ساعتئذ، بِقدر مَا يَسعهُ الْوَقْت ويحيط بِهِ السَّائِل، فَجَاءَت رِسَالَة مفيدة فِي بَابهَا وسميتها "الإنصاف فِي بَيَان أَسبَاب الِاخْتِلَاف"، وحسبي الله وَنعم الْوَكِيل وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم". وتنقسم الرسالة إلى مقدمة وعدة أبواب على النحو التالي: • مقدمة في سبب تأليف الرسالة. • باب أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع. • باب أسباب اختلاف مذاهب الفقهاء. • باب أسباب الاختلاف بين أهل الحديث وأصحاب الرأي. • باب حكاية حال الناس قبل المائة الرابعة، وبيان سبب الاختلاف بين الأوائل والأواخر في الانتساب إلى مذهب من المذاهب وعدمه، وبيان سبب الاختلاف بين العلماء في كونهم من أهل الاجتهاد المطلق، أو أهل الاجتهاد في المذهب، والفرق بين هاتين المنزلتين. • باب حكاية ما حدث في الناس بعد المائة الرابعة. وقد بين الكاتب في رسالته أن سبب اختلاف الناس في القرون الأخيرة ما أدخله المتكلمة وأهل الفرق الضالة من تضليل في مجال الاجتهاد، حيث يقول: "وَوجدت بَعضهم يزْعم أَن بِنَاء الْمَذْهَب على هَذِه المحاورات الجدلية المبسوطة فِي مَبْسُوط السَّرخسِيّ وَالْهِدَايَة والتبيين وَنَحْو ذَلِك، وَلَا يعلم أَن أول من أظهر ذَلِك فيهم الْمُعْتَزلَة، وَلَيْسَ عَلَيْهِ بِنَاء مَذْهَبهم، ثمَّ استطاب ذَلِك الْمُتَأَخّرُونَ توسعًا وتشحيذًا لأذهان الطالبين، أَو لغير ذَلِك وَالله أعلم، وَهَذِه الشُّبُهَات والشكوك ينْحل كثير مِنْهَا بِمَا مهدناه فِي هَذَا الْكتاب. وَوجدت بَعضهم يزْعم أَن هُنَاكَ فرْقَتَيْن لَا ثَالِث لَهما: الظَّاهِرِيَّة وَأهل الرَّأْي، وَأَن كل من قَاس واستنبط فَهُوَ من أهل الرَّأْي، كلا.. بل لَيْسَ المُرَاد بِالرَّأْيِ نفس الْفَهم وَالْعقل، فإن ذَلِك لَا يَنْفَكّ من أحد من الْعلمَاء، وَلَا الرَّأْي الَّذِي يعْتَمد على سنة أصلًا، فَإِنَّهُ لَا يَنْتَحِلهُ مُسلم الْبَتَّةَ، وَلَا الْقُدْرَة على الاستنباط وَالْقِيَاس، فان أَحْمد وَإِسْحَق بل الشَّافِعِي أَيْضًا لَيْسُوا من أهل الرَّأْي بالِاتِّفَاقِ، وهم يستنبطون ويقيسون، بل المُرَاد من أهل الرَّأْي قوم توجهوا بعد الْمسَائِل الْمجمع عَلَيْهَا بَين الْمُسلمين، أَو بَين جمهورهم، إِلَى التَّخْرِيج على أصل رجل من الْمُتَقَدِّمين، وَكَانَ أَكثر أَمرهم حمل النظير على النظير، وَالرَّدّ إِلَى أصل من الْأُصُول، دون تتبع الْأَحَادِيث والْآثَار. والظاهري من لَا يَقُول بِالْقِيَاسِ وَلَا بآثار الصَّحَابَة كداود وَابْن حزم وَبَينهمَا الْمُحَقِّقُونَ من أهل السّنة كأحمد وَإِسْحَق". وبين الكاتب أن اختلاف الفقهاء من الصحابة والتابعين كان في الفروع دون أصول المسائل، وفي الترجيح بين الأقوال "فالْحق أَن أَكثر صور الْخلاف بَين الْفُقَهَاء لَا سِيمَا فِي الْمسَائِل الَّتِي ظهر فِيهَا أَقْوَال الصَّحَابَة فِي الْجَانِبَيْنِ: كتكبيرات التَّشْرِيق، وتكبيرات الْعِيدَيْنِ، وَنِكَاح الْمحرم، وَتشهد ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود، والإخفاء بالبسملة، وبآمين، والإشفاع والإيتار فِي الإقامة، وَنَحْو ذَلِك، إنما هُوَ فِي تَرْجِيح أحد الْقَوْلَيْنِ". وبين الكاتب أن هذا انعكس على غلبة ظلمة الجمود الفقهي، وغياب الاستنباط وكثرة الحشو على تقريرات الأوائل في الوقت الحالي، فيقول: "وفتنة هَذَا الْجِدَال وَالْخلاف والتعمق قريبَة من الْفِتْنَة الأولى، حِين تشاجروا فِي الْملك، وانتصر كل رجل لصَاحبه، فَكَمَا أعقبت تِلْكَ ملكًا عَضُوضًا ووقائع صماء عمياء، فَكَذَلِك أعقبت هَذِه جهلًا واختلاطًا وشكوكًا ووهمًا مَا لَهَا من أرجاء، فَنَشَأَتْ بعدهمْ قُرُون على التَّقْلِيد الصّرْف، لَا يميزون الْحق من الْبَاطِل، وَلَا الجدل من الاستنباط، فالفقيه يومئد هُوَ الثرثار المتشدق الَّذِي حفظ أَقْوَال الْفُقَهَاء، قويها وضعيفها من غير تَمْيِيز، وسردها بشقشقة شدقيه، والمحدث من عد الْأَحَادِيث صحيحها وسقيمها وهذها بِقُوَّة لحييْهِ، وَلَا أَقُول ذَلِك كليًا مطردًا، فإن لله طَائِفَة من عباده، لَا يضرهم من خذلهم وهم حجَّة الله فِي أرضه، وإن قلوا...". والمؤلف هو شاه وَليُّ الله (1110 - 1176 هـ = 1699 - 1762 م) أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي الهندي، أبو عبد العزيز، الملقب شاه وَليُّ الله: فقيه حنفي من المحدّثين. من أهل دهلي بالهند. زار الحجاز سنة 1143 - 1145 هـ. قال صاحب فهرس الفهارس: (أحيا الله به وبأولاده وأولاد بنته وتلاميذهم الحديث والسنة بالهند بعد مواتهما، وعلى كتبه وأسانيده المدار في تلك الديار)، ويعرف بمسند الهند. أخذ العلوم عن والده الشيخ عبد الرحيم، وقرأ عليه الرسائل المختصرة بالفارسية والعربية، وكان يختلف في أثناء الدرس إلى إمام الحديث في زمانه الشيخ محمد أفضل السيالكوتي فانتفع به في الحديث، واشتغل بالدرس بعد أبيه نحوًا من اثنتي عشرة سنة، وتوفى أبوه وهو في سابع عشرة من عمره، إلى أن اشتاق زيارة الحرمين الشريفين فرحل إليهما سنة 1134هـ، فأقام بالحرمين الشريفين عامين كاملين وصحب علماء الحرمين صحبة شريفة، وتتلمذ على الشيخ أبي طاهر محمد بن إبراهيم الكردي المدني في المدينة المنورة، ثم ورد بمكة المكرمة وأخذ موطأ مالك عن الشيخ وفد الله المالكي المكي، وحضر دروس الشيخ تاج الدين القلعي المكي أيامًا حين ما كان يدرس صحيح البخاري، وسمع عليه أطراف الكتب الستة وموطأ مالك ومسند الدارمي وكتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني، وأخذ الإجازة عنه لسائر الكتب، وأخذ عنه الحديث المسلسل بالأولية، وهو أول حديث سمع منه بعد عودته من زيارة القبر النبوي الشريف. وعاد إلى الهند سنة 1145هـ، واستمر في تدريسه ونشر علمه بين الطلاب إلى نهاية عمره. وقد سرد الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي أسماء كتبه في مقدمة أوجز المسالك فعدّ له 43 كتابًا ما بين صغير وكبير، وجلها بالعربية وبعضها بالفارسية، أشهرها: حجة الله البالغة، وقد قال ولده عبد العزيز الدهلوي في كتابه إلى أمير حيدر البلكرامي: "وكتاب حجة الله البالغة التي هي عمدة تصانيفه في علم أسرار الحديث ولم يتكلم في هذا العلم أحد قبله على هذا الوجه من تأصيل الأصول، وتفريع الفروع، وتمهيد المقدمات والمبادئ، واستنتاج المقاصد منها، وإنما يستنشم نفحات قليلة من هذا العلم في كتاب إحياء العلوم للغزالي، وكتاب القواعد الكبرى للشيخ عز الدين بن عبد السلام المقدسي". وله في التفسير: الخير الكثير، وفتح الخبير، وترجمة القرآن بالفارسية سماها بفتح الرحمن، والفوز الكبير في أصول التفسير بالفارسية (ترجمه إلى العربية بعض العلماء وهو شامل في المنهاج الدراسي عند أهل الهند وباكستان)، وفي الحديث النبوي: المصفى بالفارسية والمسوّى بالعربية (شرحان على الموطأ)، وشرح تراجم صحيح البخاري، وتأويل الأحاديث، والإرشاد إلى مهمات الإسناد، والفضل المبين في المسلسل من حديث النبي الأمين، ومن مصنفاته في السير والأدب: أطيب النغم في مدح سيد العرب والعجم، و(سرور المحزون) مختصر بالفارسي، ملخص من (نور العيون في تلخيص سير الأمين المأمون) لابن سيد الناس، صنفه بأمر الشيخ جان جانان العلوي الدهلوي، وفي الرد على الشيعة: إزالة الخفاء عن تاريخ الخلفاء بالفارسية، وقرة العينين في تفضيل الشيخين، وله غير ذلك. وذكر صاحب اليانع الجني: أن نسخة من إزالة الخفاء وقعت بيد الشيخ العلامة فضل الحق الخير آبادي فكان مولع بها ويكثر النظر فيها، وقال بمحضر من الناس: إن الذي صنف هذا الكتاب لبحر زخار لا يرى له ساحل. |
الصناعة الحديثية في إرشاد الساري للإمام القسطلاني لرزان محمد ماجد عرفة | محمود ثروت أبو الفضل | 12-05-2022 | 4,099 | https://www.alukah.net//culture/0/154729/%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%86%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%b1%d8%b4%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b3%d8%b7%d9%84%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84%d8%b1%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d9%85%d8%a7%d8%ac%d8%af-%d8%b9%d8%b1%d9%81%d8%a9/ | الصناعة الحديثية في إرشاد الساري للإمام القسطلاني لرزان محمد ماجد عرفة صدر حديثًا كتاب "الصناعة الحديثية في إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري للإمام القسطلاني (ت 923 هـ) "، تأليف: د. "رزان محمد ماجد عرفة"، نشر: "دار المقتبس للنشر والتوزيع". وأصل الكتاب أطروحة علمية لنيل درجة الدكتوراه في الحديث النبوي وعلومه من كلية الشريعة بجامعة دمشق، وذلك تحت إشراف د. "بديع السيد اللحام"، وذلك عام 1434 هـ - 2013 م. وتهدف الدراسة إلى جمع آراء الإمام القسطلاني في علم مصطلح الحديث، ودراستها، ومناقشتها، مع ذكر من وافق الإمام القسطلاني في اختياراته من الأئمة، ومن ثم دراسة أسلوبه، ومنهجه في شرح أحاديث الجامع الصحيح للبخاري، مع الاستشهاد بأهم المواضع والنماذج منه. إلى جانب استنباط منهج الإمام القسطلاني في شرحه لغريب الحديث، وأحكامه النقدية، ومنهجه في تصحيح وتضعيف الحديث بناء على المتن أو السند. ويعد الإمام أحمد بن محمد القسطلاني أحد أبرز محدثي القرن التاسع الهجري، الذين أبدعوا في مجالات متنوعة، فمصنفاته تظهر مدى إسهامه في الحياة العلمية في هذا العصر، ويعد شرحه (إرشاد الساري) من أهم شروح الجامع الصحيح للإمام البخاري، نظرًا لغزارة المادة العلمية فيه، فقد انصب اهتمامه على ضبط ألفاظه، وشرح كلماته، مع اهتمامه بالجانب اللغوي، حيث شرح عبارته، ووضح معانيها، واستخرج الفوائد العلمية من الأحاديث الشريفة. ومن أهم ما تميز به هذا الشرح للصحيح اعتماده على نسخة الحافظ شرف الدين اليونيني الذي حرر نسخته تحريرًا حسنًا اعتمد فيها على أوثق الأصول الخطية، بحضرة جلة من أهل العلم، منهم ابن مالك إمام النحو الذي حضر المقابلة والتصحيح، كما اعتنى الإمام القسطلاني برجال الجامع الصحيح فقام بضبطهم بعناية ملحوظة، مع اعتماده في كثيرٍ من بحوثه على شروح الجامع الصحيح السابقة له، ولا سيما الشرحين الكبيرين للحافظ ابن حجر والعيني. وينقسم البحث إلى مقدمة وباب تمهيدي وثلاثة أبواب رئيسة وخاتمة: الباب التمهيدي: الإمامان البخاري والقسطلاني وكتاباهما. الفصل الأول: نبذة عن سيرة الإمام البخاري وجامعه الصحيح. المبحث الأول: سيرة الإمام البخاري وآثاره. المبحث الثاني: التعريف بالجامع الصحيح للإمام البخاري وبيان مكانته. الفصل الثاني: حياة الإمام القسطلاني وعصره. المبحث الأول: عصر الإمام القسطلاني. المبحث الثاني: سيرته الذاتية. المبحث الثالث: سيرته العلمية. الفصل الثالث: التعريف بإرشاد الساري. المبحث الأول: توثيق اسم الكتاب ونسبته إلى الإمام القسطلاني. المبحث الثاني: سبب تأليفه وزمان ومكان تأليفه. المبحث الثالث: طبعات الكتاب، وأهم النسخ الخطية. المبحث الربع: روايات الجامع الصحيح التي اعتمد عليها القسطلاني. المبحث الخامس: مصادره. المبحث السادس: طريقة المؤلف في الكتاب. المبحث السابع: خصائص ومميزات إرشاد الساري. المبحث الثامن: جهود العلماء على إرشاد الساري وثناؤهم عليه. الباب الأول: الصناعة الحديثية في علم مصطلح الحديث. الفصل الأول: العلوم المعرفة بحال الراوي. المبحث الأول: شروط الراوي للحديث. المبحث الثاني: ألفاظ الجرح والتعديل ومراتبها. الفصل الثاني: علوم رواية الحديث. المبحث الأول: آداب أهل الحديث. المبحث الثاني: طرق التحمل وألفاظ الأداء. المبحث الثالث: كتابة الحديث. الفصل الثالث: أنواع الحديث المقبول والمردود. المبحث الأول: أنواع الحديث المقبول. المبحث الثاني: أنواع الحديث المردود. الفصل الرابع: علوم المتن. المبحث الأول: علوم الحديث من حيث قائله. المبحث الثاني: علوم المتن من حيث درايته. الفصل الخامس: علوم السند. المبحث الأول: علوم الحديث من حيث الاتصال. المبحث الثاني: علوم الحديث من حيث الانقطاع. الفصل السادس: العلوم المشتركة بين السند والمتن. المبحث الأول: العلوم الناشئة من تفرد الرواة. المبحث الثاني: العلوم الناشئة من تعدد الرواة مع اتفاقهم. المبحث الثالث: العلوم الناشئة من تعدد الرواة مع اختلافهم. الباب الثاني: الصناعة الحديثية في الإسناد. الفصل الأول: الصناعة الإسنادية في الأحاديث المتصلة. المبحث الأول: تخريجها. المبحث الثاني: بيانه للاختلافات الإسنادية بين روايات الجامع الصحيح للبخاري. المبحث الثالث: تعليقاته على أسانيد البخاري. الفصل الثاني: الصناعة الإسنادية في الأحاديث غير المتصلة. المبحث الأول: أحاديث تراجم الأبواب. المبحث الثاني: المتابعات. المبحث الثالث: الأحاديث المعلقات. المبحث الرابع: الأحاديث الواردة أثناء الشرح. الفصل الثالث: صناعة الإمام القسطلاني في مناقشاته للأحاديث المنتقدة. المبحث الأول: القسم الأول: ما اختلف الرواة فيه بالزيادة والنقص من رجال الإسناد، وتعليل بعض النقاد أحاديث ادعي فيها الانقطاع لكونها غير مسموعة. المبحث الثاني: القسم الثاني: ما يختلف الرواة فيه بتغيير بعض رجال الإسناد. المبحث الثالث: القسم الثالث: ما تفرد به بالزيادة ممن هم أقل عددًا أو أخف ضبطًا. المبحث الرابع: القسم الرابع: ما تفرد به بعض الرواة ممن ضُعِّف منهم. المبحث الخامس: القسم الخامس: ما حكم فيه بالوهم على بعض رجاله. المبحث السادس: القسم السادس: ما اختلف فيه بتغيير بعض ألفاظ المتن. الفصل الرابع: الصناعة الحديثية المتعلقة بعلوم الرواة. المبحث الأول: العلوم المعرفة بأشخاص الرواة. المبحث الثاني: التعريف بأحوال رجال الجامع الصحيح. المبحث الثالث: لطائف الإسناد. الباب الثالث: الصناعة الحديثية في العلوم المبينة والشارحة للمتن. الفصل الأول: الصناعة الحديثية المتعلقة بتراجم الأبواب. المبحث الأول: شرح تراجم الأبواب وما يتعلق بها. المبحث الثاني: التناسب في الجامع الصحيح. المبحث الثالث: إجابته عما أشكل من تراجم البخاري. الفصل الثاني: عنايته بالألفاظ الواردة في الحديث. المبحث الأول: بيانه للاختلافات الواردة في مفردات الأحاديث. المبحث الثاني: عنايته للصور البلاغية الواردة في ألفاظ الأحاديث. المبحث الثالث: عنايته بشرح الألفاظ الغريبة في الأحاديث وفقهها. المبحث الربع: المبهمات الواردة في المتن. الفصل الثالث: مُشْكل الحديث ومُختلِفه. المبحث الأول: مشكل الحديث. المبحث الثاني: مختلف الحديث. الخاتمة. الفهارس العامة. ومن أهم نتائج البحث التي خرجت بها الكاتبة: 1- عاش الإمام القسطلاني في عصر الدولة المملوكية الثانية، وعلى الرغم من الأحوال السياسية المضطربة السائدة فيه إلا أن الحياة العلمية والقافية شهدت ازدهار كبير، وذلك لتشجيع السلاطين للعلم والعلماء، كان نتيجته أن نبغ عدد كبير من العلماء كانوا فخر لهذه الأمة في مختلف المجالات العلمية. 2- شهد هذا العصر ظهور نخبة كبيرة من العلماء في مختلف المجالات، أثروا المكتبة الإسلامية بالكثير من الكتب، والمؤلفات التي تميزت بالجدّة والقيمة العلمية، فلو نظرنا إلى مجال الحديث الشريف، وهو موضع اهتمام الرسالة لوجدنا أن هذا العصر شهد خروج نخبة من المحدثين ألفوا كتبًا قيمة في جميع مجالات الحديث، ومؤلفات الحافظ ابن حجر والإمام العيني والسخاوي والسيوطي والقسطلاني شاهدة على ذلك. 3- كشفت هذه الدرسة عن شخصية بارزة برعت في مجالات متعددة، كالحديث والفقه والقرءات واللغة، وذلك من خلال التتبع لسيرته، ومؤلفاته، وخاصة إرشاد الساري. 4- إن إلقاء نظرة على مؤلفات الإمام القسطلاني في مجال الحديث وعلومه تدلل على أنه كان له القدح المعلى، والسبق الكبير في هذا المجال، فكان له نتاج علمي كبير، حيث ألف كتبًا كثيرة في الحديث النبوي الشريف وعلومه، دلت على تضلعه فيه. 5- من خلال دراسة إرشاد الساري والاطلاع عليه، ظهرت مقدرة الإمام القسطلاني وتفوقه في مجال التراجم، فجاءت تراجمه غزيرة المادة. 6- تميز منهج المؤلف بجمعه بين الحديث وشرحه، والربط بينهما برابط مناسب، أي أنه اتبع طريقة الشرح الممزوج، وقد ميز متن الحديث عن شرحه بكتابته بلون مغاير، وقد صرح عن ذلك فقال: (أعلق عليه شرحًا أمزجه فيه مزجًا وأدرجه ضمنه درجًا، أميز فيه الأصل من الشرح بالحمرة والمداد) . 7- تعددت الجهود العلمية التي قام بها الإمام القسطلاني كالتدريس والتأليف، فألف الكثير من الكتب ذات القيمة العلمية. 8- تنبع أهمية إرشاد الساري من تأخره عن غيره من شروح الجامع الصحيح، لذلك فقد كثرت نقولاته من فتح الباري للحافظ ابن حجر، وعمدة القاري للعينى، فتجده ينقل النصوص الكاملة منهما، مع إفادته من الشروح الأخرى، كما تجده زاخرًا بآراء الشراح السابقين. 9- عني الإمام القسطلاني بضبط الرواة، فتراه يكرر ضبطهم كلما ورد ذكرهم ضمن سند البخاري، فهو مرجع حقيقى في ضبطهم، إضافة إلى اهتمامه بضبط ألفاظ الجامع الصحيح بالحرف، مع اهتمامه بتفسير الغريب، وتسمية المبهم، وإعراب المشكل إلى غير ذلك. 10- عنايته بذكر الفروق بين روايات الجامع الصحيح، سواء كانت في الأسانيد، أم في صيغ الأداء، أو في المتون، وإن لم يترتب عليها فائدة، وقد اعتمد على نسخة الإمام اليونيني الذي لم يترك فرقًا إلا وأشار إليه. 11- لم يتخذ الإمام القسطلاني منهجًا موحدًا في شرحه، فقد لجأ في مواضع منه إلى التطويل من دون أن يترك صغيرة ولا كبيرة إلا شرحها وبينها، ولكنه في مواضع أخرى اقتصر على شرح المفردات الغريبة، وبيان بعض الفوائد البسيطة. 12- تميز الجامع الصحيح بتكراره لأحاديثه، وقد اكتفى الإمام القسطلاني بشرحها في موضع واحد، ثم الإحالة إلى المواضع الأخرى، لذا اتسم إرشاد الساري بالاختصار وعدم الإطالة. والمؤلفة هي د. "رزان محمد ماجد عرفة"، باحثة في شؤون الحديث، من ريف دمشق بسوريا، لها من البحوث: • "الحديث المدلس دراسة تأصيلية تطبيقية". • "مسند الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان / للإمام عبد الله بن محمد الحارثي: دراسة وتحقيق: "من مسند زياد بن علاقة إلى مسند عطاء بن السائب"". |
الإحكام في اختصار أصول الأحكام لابن اللحام الحنبلي | محمود ثروت أبو الفضل | 11-05-2022 | 2,865 | https://www.alukah.net//culture/0/154716/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84%d9%8a/ | الإحكام في اختصار أصول الأحكام لابن اللحام الحنبلي صدر حديثًا كتاب: "الإحكام في اختصار أصول الأحكام" (المختصر في أصول الفقه)، تأليف: "علاء الدين علي بن محمد البعلي" الشهير بابن اللحَّام الحنبلي (ت 803 هـ)، تحقيق: "علي بن حسين علي العبد الإله". وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات "دار أسفار" لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وهذا المختصر الأصولي من أشهر المتون العلمية عند الحنابلة في أصول الفقه؛ حيث تميز بكثرة مسائله، وتجرده عن الاستدلالات والمحاجات، وقد اختصر فيه "أصول ابن مفلح" مع ضم زيادات من "مختصر الروضة"، و"ابن الحاجب"، و"المسودة"، و"جمع الجوامع".. وغيرها. وقد جمع هذا المختصر بين حسن ترتيب مسائل الأبواب، وحسن ترتيب الكتاب، مع تعدد مصادره، وتنوعها على صغر حجمه، كما استوعب أغلب مسائل علم الأصول على وجازته واختصاره، ويشير أيضًا إلى ذكر مذاهب الأصوليين واختلافاتهم، كما زوده بذكر المرويات عن الإمام أحمد بن حنبل، مع اختصاص الحنابلة ببيان أقوالهم وآرائهم مع الاهتمام الظاهر بآراء شيخ الإسلام ابن تيمية. وقد اعتمده من جاء بعده من علماء الحنابلة؛ فشرحه تقي الدين الجراعي، ونقل عنه المرداوي في "تحرير المنقول"، وشرحه "التحبير"، واعتمده أصلًا ابن المبرد في "غاية السُّول". وأصل الكتاب رسالة علمية تقدم بها الباحث لقسم أصول الفقه بكلية الشريعة بجامعة القصيم، وأشرف على الرسالة د. "صالح بن سليمان اليوسف". والمؤلف هو ابن اللحام، الحافظ علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن عباس بن فتيان البعلي ثم الدمشقي، الشهير بابن اللحام، نسبة لحرفة أبيه. ولد ابن اللحام في بعلبك سنة 752 هـ، توفي أبوه وهو رضيع فنشأ في كفالة خاله، فعلمه صنعة الكبابي، ثم حبب إليه طلب العلم. فتفقه على علماء بلده بعلبك، ثم انتقل إلى دمشق وتلمذ على يدي ابن رجب الحنبلي (736-795 وغيره، وقد برع في المذهب الحنبلي ودرس فيه وأفتى، وشارك في الفنون، وناب في الحكم عن قاضي القضاة العلاء ابن المنجى، ووعظ في الجامع الأموي في حلقة ابن رجب من بعد موته، فكانت مواعيده حافلة، ينقل فيها مذاهب الأئمة محررة من كتبهم، مع حسن المجالسة، وكثرة التواضع. وتوفي الحافظ ابن اللحام سنة 803 هـ عن عمر جاوز الخمسين. ومن مؤلفاته: • "تجريد العناية في تحرير أحكام النهاية". • "الأخبار العلمية من الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية". • "القواعد والفوائد الأصولية". • "المختصر في أصول الفقه". |
تقرير حول كتاب (إظهار الحق) | د. هيثم عبدالرحمن عبدالقادر | 11-05-2022 | 6,473 | https://www.alukah.net//culture/0/154705/%d8%aa%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%ad%d9%88%d9%84-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a5%d8%b8%d9%87%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82/ | تقرير حول كتاب (إظهار الحق) يعد كتاب إظهار الحق من أهم المراجع المعاصرة في دراسات الأديان عمومًا، والدراسات النقدية بصفة خاصة، وهذا تقرير موجز حول الكتاب ومؤلفه وسبب تأليفه، ومحتوياته، وطبعاته، وقيمته العلمية. أولًا: مؤلف الكتاب هو العلامة الشيخ محمد رحمت الله بن خليل الله (ويعرف بخليل الرحمن) الكَيْرانوي العثماني، وينتهي نسبه عند الجد الرابع والثلاثين إلى ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان جدُّه الرابع والعشرون (عبد الرحمن بن عبد العزيز) هو أول من قَدِم الهند من آل عثمان بن عفان، وكان قد عيَّنه السلطان محمود الغزنوي قاضيًا للعسكر ويستصحبه معه في حملاته لفتح الهند، ثم استوطن الشيخ عبد الرحمن بلدة "باني بت"وفيها تناسلت أسرة العثمانيين في الهند، ولما نجح جده الطبيب عبد الكريم الملقب بحكيم "بينا" في علاج الإمبراطور جلال الدين محمد أكبر أقطعه أرضًا زراعية في مقاطعة كيرانة، فانتقلت أسرة العثمانيين إليها، وولد الشيخ "رحمت الله" بحي [درباركلان] في قرية كَيْرانة بمحافظة مظفر ناجار من توابع دلهي العاصمة الهندية، في غرة جمادى الأولى سنة 1233هـ الموافق 9 مارس 1818م، وقد اشتهر أفراد أسرته بالعلم والطب والمناصب العالية. ثانيًا: سبب تأليف هذا الكتاب لكتاب إظهار الحق قصة عجيبة، فهذا الكتاب أصله عبارة عن نتائج مناظرة من المناظرات الكبرى التي جرت بين الشيخ رحمت الله والقسيس فندر [1] ، حيث ألف فندر العديد من الكتب الشرسة التي تهاجم الإسلام، ومارس عمله التنصيري داخل المجتمع الهندي المسلم بكل أريحية، كما كان يعقد الندوات ويلقي المحاضرات في كل مكان يحل فيه، طاعنًا في عقيدة الإسلام، ومشككًا في القرآن الكريم وفي رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وداعيًا إلى النصرانية، ومتحديًا علماء المسلمين علنًا، مثيرًا المجادلات الدينية معهم، كما كان يوجه أنصاره من المنصِّرين إلى مختلف الأقطار الهندية، وبعد سلسلة من أخطر المؤلفات التي كتبها فندر وأتباعه أرسل الشيخ رحمت الله تسع رسائل إلى القسيس فندر لترتيب أمور مناظرة علنية كان قَبِلَها فندر على مضض بعد أن وضع العديد من الشروط والعراقيل لكن الشيخ رحمت الله قَبِلَها ووافق عليها، وتم الاتفاق بينهما على أن تكون المناظرة في خمسة موضوعات هي: النسخ، والتحريف، وألوهية المسيح، والتثليث، وإعجاز القرآن، ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن تكون المناظرة صباح يومي الاثنين والثلاثاء 11/12 رجب 1270م، في خان عبد المسيح الذي كان مدرسة في السابق. حضر المناظرة العديد من أمراء المسلمين والهندوس وحكام الإنجليز وأعيان البلدة والوجهاء، وكبار الموظفين، والقضاة والشيوخ والقساوسة حتى بلغ عدد الحضور في اليوم الأول حوالي (500) شخص، وتناقل الناس خبر المناظرة فزاد عدد الحضور في اليوم الثاني على ألف نسمة، واستطاع الشيخ أن يفضح فندر وكتاباته فيما لم يملك فندر ومعاونه إلا الصمت، فلم تكتمل المناظرة إذ لم يناقشا من الموضوعات المتفق عليها إلا مبحثي النسخ والتحريف، فاضطر فندر إلى إنهاء المناظرة والانسحاب؛ كي لا تتوالى الهزائم والنكسات له ولقومه، يقول الشيخ "رحمت الله الهندي": "فظهرت الغلبة لنا بفضل الله في مسألتي النسخ والتحريف اللتين كانتا من أدق المسائل وأقدمها في زعم القسيس كما تدل عليه عبارته في كتاب حلّ الإشكال، فلما رأى ذلك سدَّ باب المناظرة في المسائل الثلاث الباقية" [2] . ومما تقدم يمكن القول: إن [إظهار الحق] هو الكتاب الذي كانت المناظرة سببًا في تأليفه، فقد طلب السلطان العثماني عبد العزيز خان حضور الشيخ رحمت الله الهندي إلى تركيا لمناظرة فندر بعد أن أوهم السلطان بغلبته على الشيخ، لكنه هرب قبل نزول الشيخ إلى الأستانة، فلما استبين السلطان وقائع المناظرة طلب من الشيخ "رحمت الله الهندي" تأليف كتابه باللغة العربية، ليكون سدًّا منيعًا في وجه المنصِّرين وافتراءاتهم على الإسلام ومرجعًا للطلاب، فضم الشيخ فيه مسائل المناظرة الخمس، فبدأ الشيخ تأليف الكتاب يوم 16 رجب 1280ه، وانتهى منه أواخر ذي الحجة 1280 ه/1864م، كما بيّن ذلك الشيخ نفسه في آخر صفحة من هذا الكتاب. ثالثًا: محتويات الكتاب حوى الكتاب أكثر المباحث الكفيلة بتوضيح معتقد النصارى، وفساد عقيدة التثليث، وألوهية عيسى عليه السلام، وتحريف كتبهم ونسخها، وبيان حقيقة القرآن الكريم وإعجازه، ونبوة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، ورتبه مؤلفه في مقدمة وستة أبواب: المقدمة: فقد جاءت في بيان الأمور التي يجب التنبيه عليها قبل الشروع في مقصود الكتاب، وهي مقدمة قيمة وطويلة تقع ما بين أربعين إلى خمسين صفحة (حسب طبعات الكتاب) وقد مُلئت علمًا وبحوثًا مختصرة قيمة، فقد ردَّ فيها بإيجاز بعضَ أقوال القسيس فندر في ميزان الحق، وذكر مغالطاته في النقل عن الكتب الإسلامية، وذكر شواهدَ على تحريف الأناجيل وأنها على صورتها الحالية ليست منزلة، ثم ذكر نماذج من بذاءة المنصِّرين، وردَّ على دعاويهم المعرفة بالقرآن الكريم واللغة العربية وهم أجهل الناس بهما، ووضَّح أنه لن يستعمل ألفاظ التجريح التي يستعملونها، وأنه إنْ صدر منه بعض ذلك فلقد صدر منه بحق الإسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم ما هو أشدُّ. الباب الأول: في بيان كتب العهدين العتيق والجديد، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: (في بيان أسمائها وتعدادها)، معتمدًا على تقسيماته لأسفار العهد القديم إلى قسمين؛ الأول: قسم متفق عليه، والثاني: قسم مختلف فيه. الفصل الثاني: (في بيان أن أهل الكتاب لا يوجد عندهم سند مُتَّصل لكتاب من كتب العهد العتيق والجديد) وتحدث فيه عن ضرورة السند المتصل للكتب السماوية، وبيَّن أنَّ أسفار التوراة ليست متواترة لانقطاع سندها، وأن فيها أغلاطًا كثيرة، وأنَّ الاضطراب شامل لمعظم أسفارها وبخاصة كتب الأنبياء الملحقة بها، وضرب أمثلة على ذلك، ثم بيَّن ضعف سند الأناجيل واختلاف النصارى في صحتها، وأن هذا يُفقد كتب العهدين الثقة فيها، ويُسقط الاحتجاج بفقراتها. الفصل الثالث: (في بيان أن هذه الكتب مملوءة بالاختلافات والأغلاط)، وقد جعله قسمين: قسم الاختلافات: وذكر فيه مئة وخمسة وعشرين اختلافًا، منها خمسة وأربعون في كتب العهد القديم والباقي في كتب العهد الجديد، وقسم الأغلاط: وذكر فيه مئة غلط وعشرة أغلاط، منها سبعة وثلاثون غلطًا في كتب العهد القديم، والباقي في كتب العهد الجديد. الفصل الرابع: (في بيان أنه لا مجال لأهل الكتاب أن يدَّعوا أن كل سفر من أسفار العهد العتيق والجديد كتب بالإلهام)، وقد أبطل فيه ادِّعاء أهل الكتاب إلهامية كتبهم بسبعةَ عشرَ وجهًا، وبيَّن الاختلافات بين الكاثوليك والبروتستانت في صحة هذه الكتب، ثم استشهد بأقوال علمائهم على عدم إلهاميتها، كما بيَّن اختلاف متى ومرقس في التحرير، وأن التوراة الأصلية والإنجيل الأصلي مفقودان قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم. الباب الثاني: (في إثبات التحريف)، وقسمه إلى ثلاثة مقاصد: المقصد الأول: في إثبات التحريف اللفظي بالتبديل، وذكر فيه خمسة وثلاثين شاهدًا على تحريف كتب العهدين بالتبديل، منها واحد وثلاثون شاهدًا في كتب العهد القديم، والباقي في الجديد. المقصد الثاني: في إثبات التحريف اللفظي بالزيادة، وذكر فيه خمسة وأربعين شاهدًا على تحريف كتب العهدين بالزيادة، منها ستة وعشرون في العهد القديم، والباقي في العهد الجديد. المقصد الثالث: في إثبات التحريف اللفظي بالنقصان، وقد ذكر فيه عشرين شاهدًا على تحريف كتب العهدين بالنقصان، منها خمسةَ عشرَ شاهدًا في القديم والباقي في الجديد. الباب الثالث: في إثبات النسخ، وعرف فيه النسخ لغةً واصطلاحًا، وبين فيه جوازه عقلًا ووقوعه فعلًا في الشرائع السابقة، وجاء فيه بواحد وعشرين شاهدًا على وقوعه فيما بين الشرائع السابقة، كما جاء باثني عشر شاهدًا على وقوعه في الشريعة الواحدة من الشرائع السابقة، وأبطل فيه ادِّعاءات أهل الكتاب بأن شريعة محمد صلى صلى الله عليه وسلم غير ناسخة لشرائعهم. الباب الرابع: في إبطال التثليث وألوهية عيسى عليه السلام، وفيه مقدمة وثلاثة فصول: المقدمة: وذكر فيها اثني عشر أمرًا تتعلق بعقيدة التثليث وألوهية المسيح لا بد من معرفتها قبل الكلام في الفصول الثلاثة؛ لأنها تزيد الناظر بصيرة. الفصل الأول: ( في إبطال التثليث بالبراهين العقلية)، وقد أتى فيه بسبعة براهين عقلية على إبطال التثليث، وكلها براهين قوية دامغة لحجة الخصم. الفصل الثاني: (في إبطال التثليث بأقوال المسيح عليه السلام)، وقد أتى فيه باثني عشر قولًا للمسيح، تدل دلالة قاطعة على بطلان عقيدة التثليث وألوهية المسيح، وأنه بشر رسول دعا للتوحيد. الفصل الثالث: (مناقشة النصارى في دعوى ألوهية المسيح بآيات الكتاب)، وقد ناقش فيه أدلة النصارى النقلية على ألوهية المسيح وأبطلها، وبين أنه ليس في شيء منها التصريح بألوهيته، وقد غلب عليها المجاز والإجمال، وأثبت أن استدلالهم بها خطأ على فرض ثبوتها فضلًا عن بطلانها. الباب الخامس: (في إثبات كون القرآن كلام الله ورفع شبهات القسيسين) وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: (في الأمور التي تدل على أن القرآن الكريم كلام الله)، وأتى فيه باثني عشر أمرًا دالًّا على كون القرآن الكريم كلام الله وأنه معجز، ثم أعقب ذلك بذكر ثلاث فوائد. الفصل الثاني: (في رفع شبهات القسيسين عن القرآن)، وقد ذكر فيه خمسًا من شبههم على القرآن الكريم وأجاب عنها جوابًا شافيًا. الفصل الثالث: (في إثبات صحة الأحاديث النبوية في كتب الصحاح من كتب أهل السنة). الفصل الرابع: (في دفع شبهات القسيسين الواردة على الأحاديث النبوية). الباب السادس: (في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودفع مطاعن القسيسين)، وفيه فصلان: الفصل الأول: (في إثبات نبوته صلى الله عليه وسلم) وقد أتى فيه بستة مسالك، كل واحد منها يكفي للاستدلال على نبوته، ومن ذلك: (ظهور معجزات على يديه صلى الله عليه وسلم- الأخلاق والصفات والمحاسن الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم - ما تشتمل عليه شريعته الغراء – أنه عليه الصلاة والسلام ادعى النبوة بين قوم لا كتاب لهم – ظهوره في وقت كان الناس في حاجة إليه – إخبار الأنبياء المتقدمين عليه عن نبوَّته) ثم أتى بثماني عشرة بشارة من كتب العهدين دالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. الفصل الثاني: (في دفع المطاعن)، وقد بيَّن ثلاثة وثلاثين مطعنًا من مطاعن أهل الكتاب في الأنبياء والسابقين ووصفهم إياهم بأقبح الصفات، كما ردَّ فيه على أربعة مطاعن من مطاعنهم في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. رابعًا: طبعات الكتاب وتحقيقه طبع الكتاب أول مرة في إسطانبول باللغة العربية عام 1284ه في حياة المؤلف في مجلدين اثنين، بالمطبعة الملكية في إسطنبول لتوزيعه بين المسلمين الذين يتحدثون العربية، ثم طبع مرة أخرى بعد نفاد الطبعة الأولى عام 1305ه، ثم طبع في مصر عدة طبعات عام 1309ه، وأخرى عام 1317ه، حتى بلغت طبعاته الآن أكثرَ من عشر طبعات بالعربية ما بين قديمة وحديثة، ونظرًا لبعد زمن المؤلف فقد تغيرت كثيرًا من الاصطلاحات المستعملة فيه، وجدَّت معلومات جديدة تساند الحجج التي وردت في الكتاب، فكان تحقيق الدكتور/ محمد عبد القادر الملكاوي من أطيب الأعمال والتحقيقات التي تمت لهذا المصنف؛ حيث قام بعمل متميز في تحقيقه لهذا الكتاب، فشرح غريبه، وقابل نصوصه على أصولها، وعرَّف بالأعلام، وأسماء البلدان التي وردت في الكتاب، كما اشتمل على مشاركات وردود تهدف إلى استكمال بعض مباحث الكتاب، وتساند جهد المؤلف، كما تُرجِم الكتاب إلى العديد من اللغات بأمر السلطان العثماني عبد الحميد خان وتم توزيعه في العالم الإسلامي؛ فترجم إلى الألمانية والفرنسية والإنجليزية والتركية ولغات أخرى، كما قام غلام محمد الرانديري بن الحاج حافظ صادق بترجمته إلى اللغة الكجراتية؛ وهي إحدى لغات الهند الإقليمية، كما قام الشيخ أكبر السهارنفوري العثماني بترجمته إلى اللغة الأردية، وأصبحت لا تكاد تخلو مكتبة في الشرق والغرب من نسخة لهذا الكتاب. خامسًا: القيمة العلمية للكتاب لقد ظهر هذا الكتاب في وقت كانت الحاجة إليه ماسة؛ حيث كان سلطانُ النصارى غالبًا على معظم أنحاء العالم، وكان المنصِّرون يؤلفون الكتب التي يتهجمون فيها على الإسلام وكتابه ونبيه صلى الله عليه وسلم، وكانت هذه الكتب تُطبع بجميع اللغات العالمية، فجاء هذا الكتاب الذي يُعد من أعظم ما أُلِّف للرد على النصارى، وكشف زيف مزاعم المنصِّرين ومطاعنهم. حقًّا يُعد كتاب إظهار الحق أدقَّ دراسة نقدية في إثبات وقوع التحريف والنسخ في التوراة والإنجيل، وإبطال عقيدة التثليث وألوهية المسيح، وإثبات إعجاز القرآن، ونبوَّة محمد صلى الله عليه وسلم، والرد على شبه المستشرقين والمنصِّرين التي أثاروها بمنهج علمي دقيق، حيث بَنى رحمت الله منهجه المبتكر على تحليل النقد البروتستانتي الأوروبي التاريخي أو النقد الأعلى؛ أي: على إعادة تفسير، وإعادة صياغة التاريخ التوراتي الذي وضعه علماء اللاهوت الأوربيون أنفسهم، مثَّل هذا تحوُّلًا كبيرًا عن الطريقة التقليدية في الدفاع عن الإسلام، التي كانت ترجع بشكل أساسي للقرآن الكريم. وبفضل الله تعالى تلقَّفَتْه الأمةُ بالقبول والثناء، فكان مما قاله أبو الحسن الندوي: "ومن الكتب التي اعتنى بها العلماء في الأقطار الإسلامية، وعدُّوها من خيرة ما كُتب في الموضوع: كتاب (إظهار الحق) و(إزالة الأوهام) للشيخ رحمت الله الكيرانوي" [3] ، وأثنى عليه خير الدين الزركلي عند ترجمته للشيخ رحمت الله فقال: "وإظهار الحق – ط – جزآن في مجلد هو من أفضل الكتب في موضوعه" [4] . [1] د. فندر: هو مستشرق أمريكي كاثوليكي، تحوَّل إلى البروتستانتية لأجل الطمع الدنيوي؛ لأنه رغب في استيطان إنجلترا للهند، حيث كان يرأس بعثة التنصير داخل الأراضي الهندية، فأظهر نشاطًا كبيرًا بحيث عدَّه المنصِّرون ثالث أخطر مُنصِّر يدخل الهند، فألقى العديد من المواعظ والخطب في الاجتماعات العامة والمآتم والأفراح الإسلامية والهندوسية، وتقديم النصائح للمستمعين بالإيمان بالمسيح، وقد بلغت به الجرأة أنه كان يتخذ من درج الجامع الكبير بدلهي قرب القلعة الحمراء منصة لإلقاء خطبه من فوقها بين العصر والمغرب. [2] إظهار الحق: رحمت الله الهندي، تح: محمد الملكاوي، (1/ 7)، ط1، 1410ه/1989م، ط الإدارة العامة للإفتاء، السعودية. [3] المسلمون في الهند، أبو الحسن الندوي، ص58، ط1، 1420ه/ 1999م، دار ابن كثير، دمشق، بيروت. [4] الأعلام: خير الدين الزركلي، (3/ 18)، ط15، 2002م، دار العلم للملاين، بيروت، لبنان. |
الذاكرة الشعبية لعبد الرحمن بن عبد الله الشقير | محمود ثروت أبو الفضل | 10-05-2022 | 2,906 | https://www.alukah.net//culture/0/154695/%d8%a7%d9%84%d8%b0%d8%a7%d9%83%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b9%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%82%d9%8a%d8%b1/ | الذاكرة الشعبية لعبد الرحمن بن عبد الله الشقير صدر حديثًا كتاب " الذاكرة الشعبية - قراءة اجتماعية لمصادر الوعي التاريخي المحلي والمنتج الثقافي في الحياة اليومية للمجتمع السعودي "، تأليف د. " عبد الرحمن بن عبد الله الشقير "، نشر: " دار ابن النديم للنشر والتوزيع "، و"دار الروافد الثقافية- ناشرون". تمثل هذه الدراسة رصدًا تاريخيًا وأنثربولوجيًا وتحليلًا اجتماعيًا لجزء من منظومة حياة الإنسان العادي اليومية في المجتمع السعودي، والتعريف بها في مجالات ثقافية عدة من أمثلة طقوس الزواج والأطعمة الشعبية والتمايز الاجتماعي والتقاليد الموروثة وكل ما يتعلق بما بقي منها في الذاكرة الشعبية، وتتبع تطوره؛ من أجل ترسيخ الهوية الاجتماعية وتعزيز القيم الحديثة بنماذج من داخل المجتمع، مما استدعى من الباحث تقديم نماذج من التحولات الاجتماعية والاقتصادية خلال السنوات المئة الأخيرة، مبينًا كيف تلقاها المجتمع السعودي وقام بدمج كثير منها في منظومته القيمية. وقد اندرجت طروحات الكتاب ضمن ثلاث موضوعات رئيسة: الترفيه والسياحة في الثقافة المحلية، والطعام بين صناعة الثقافة والتمايز الاجتماعي، والمضامين الاجتماعية في الجسد، حيث تم التركيز فيها على تحليل مصادر الوعي التاريخي، بينما تم التركيز في بقية الموضوعات والطروحات التي تناولها الباحث على تحليل المنتج الثقافي، واتبع الكاتب في ذلك: الرصد، والتوثيق، والتحليل، والهيكلة المنهجية. وقد حاول الباحث تحليل التحولات في المجتمع السعودي مستعينا بمصادر مختلفة مثل الرواية الأدبية المحلية، والأهازيج الشعبية في الستينيات، إضافة إلى الكتب والروايات الشفوية. وتأتي أهمية هذه الدراسة من كونها نافذة اجتماعية على تاريخ الأفكار العادية في الحياة اليومية للمجتمع النجدي، والتعرف على كيفية اكتشاف انتشار هذه التحولات التي تعرضت لها صنوف الناس عبر الأجيال، إذ أنه كلما تزايد تعقيد نمط الحياة الحديث، وتوغلت التقنية في خصوصيات المجتمع والأفراد؛ يزيد حاجة الإنسان في اللجوء إلى البحث عن هويته في التاريخ المتمثل في الزمان والمكان واللغة، من أجل الوصول إلى مصفوفة قيمية تمنح لحياة معنىً، وتخفف من حدة التناقضات الاجتماعية، قبل أن يفقد هويته ومعنى الحياة. والمؤلف هو د. " عبد الرحمن الشقير " مدير مركز البحوث الأمنية بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، وعضو مجلس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، ومستشار رئيس الجامعة، وأستاذ علم الاجتماع المساعد في كلية علم الجريمة جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية. حاصل على درجة الدكتوراه في علم الاجتماع ( علم اجتماع المعرفة ) من جامعة الملك سعود. وعنوان البحث "تمثلات رأس المال الثقافي وممارساته في الحياة اليومية الجامعية". حاصل على درجة الماجستير في علم الاجتماع من جامعة الملك سعود. وعنوان بحثه للماجستير "موقف الشباب السعودي من قيم التحديث". من مؤلفاته: • (بنو زيد القبيلة القضاعية في حاضرة نجد). • تحقيق كتاب ( الخبر العيان في تاريخ نجد ) تأليف: خالد الفرج. • ( سليمان بن عبد الله بن جبرين حياته وإمارته ). • ( ورق اللعب: تاريخه ورموزه وحكمه ). • تحقيق كتاب ( قلائد النحرين في تاريخ البحرين ) تأليف: ناصر بن جوهر بن مبارك الخيري. • (طباعة الكتب ووقفها عند الملك عبد العزيز: دراسة تحليلية وقائمة ببليوجرافية). صدر عن دارة الملك عبد العزيز عام 2003م • ( صالح بن عبد العزيز الراجحي: إدارة الأعمال بالفطرة ) [بالاشتراك مع محمد بن صالح الراجحي]. • تحقيق كتاب (مشاكلة الناس لزمانهم وما يغلب عليهم في كل عصر). صدر عن دار جداول عام 2019م. • (رأس المال الثقافي: استراتيجيات النجاح في الحياة تبدأ من الجامعة). |
المرأة بين الحرية والعبودية في الإسلام | رانية نصر | 10-05-2022 | 6,781 | https://www.alukah.net//culture/0/154676/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/ | المرأة بين الحرية والعبودية في الإسلام كثيرةٌ هي الادعاءات التي تتهم الإسلام بأنه منع المرأةَ حقوقَها، وممارستها حريتها، وكثيرةٌ هي الأصوات غير الراشدة المنادية اليوم بتحرير المرأة تحريرًا مطلقًا، بالرغم من اتفاق كل الثقافات والمجتمعات الإنسانية على اعتبار أن حريات الأفراد حقٌّ خالصٌ لهم، منوط بعدم التعدي على مصالح وأمان الآخرين، ويؤكد ذلك ما جاء في الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان الصادر سنة 1789 بأن الحرية هي القدرة على عمل كل ما لا يضر بالغير. وهذا المبدأ الجوهري يتفق عليه منطق البشرية جمعاء دونما استثناء؛ لأن مصلحة الجماعات مُقدَّمة على مصلحة الأفراد في حال التعارض، ولكي نصل لفهم صائب ومنضبط بضوابط شرعية وأخلاقية عن الحرية بشكل عام وحرية المرأة المسلمة بشكل خاص؛ علينا مناقشة أربع مسائل مهمة في هذا الإطار؛ المسألة الأولى: مفهوم الحرية والعبودية في دلالات النصوص الشرعية، والمسألة الثانية: أهمية تحديد المركزية؛ هل هي للحرية أم للعبودية في الرؤية الإسلامية، والمسألة الثالثة: حدود حرية المرأة المسلمة، والمسألة الرابعة: خلل المعالجات المطروحة في قضايا المرأة، وأثرها في المجتمع الإسلامي. مفهوم الحرية والعبودية في الإسلام: لم ترد كلمة الحرية في القرآن الكريم إلا من خلال ألفاظ مشتقة لكلمة الحرية "كتحرير رقبة"، أو دلالة نصية يُفهَم منها حرية الاختيار؛ مثل: ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [البقرة: 168]، ويُفهم من دلالة الآية أن لكم الحرية أيها الناس في اختيار ما تأكلون شرط الكسب الحلال الطيب لا الخبيث، و﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ﴾ [البقرة: 256]، ومدلولها أن للإنسان حرية اختيار الدين الذي يراه مناسبًا له دون إكراه أو إجبار. وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، ودلالة النص هنا تشير إلى أن المسلم ليس له حرية الخيار فيما قضى الله ورسوله؛ أي: إن الحرية مقرونة بإرادة الخالق عز وجل والرسول صلى الله عليه وسلم. والحرية لغة: هي ما يضاد الرق والعبودية، وبالرغم من كثرة التعاريف التي تفرَّعت عن معنى الحرية، فإن شتى المذاهب أجمعت على أنها القدرة على الفعل والاختيار، والحالة التي يستطيع فيها الأفراد أن يختاروا ويقرروا ويفعلوا الشيء بوحي من إرادتهم دونما أية ضغوط من أي نوع عليهم. أما العبودية؛ فقد ورد الجذر اللغوي لكلمة "عبد" في القرآن الكريم كثيرًا مما يوحي باهتمام القرآن بهذه اللفظة ترسيخًا لمعانيها وتوضيحًا لحقيقتها في ضمير المتلقي وحسِّه وتصوُّره، والعبادة هي الغاية التي خلق الله لأجلها الخلق أجمعين، والمعنى العام للفظ العبودية الواسع هو الخضوع والذلة، وإفراد الله بالطاعة والعبودية. وبالتالي فإن العبودية المطلقة في التصوُّر الإسلامي يجب أن تكون خالصة للخالق لا لغيره، كما قال ربعي بن عامر جملته الشهيرة التي خلَّدها التاريخ: "الله ابتعثنا لنُخرج من شاء من عباده من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.."، وأن الحرية حقٌّ للناس، وهي من مبادئ المساواة، كما قال الطاهر بن عاشور؛ لأنها من مطالب الفطرة، لكنها في الوقت عينه مشروطة بعدم تصادمها مع إرادة الخالق، وإلا وقع المكلف في المحظور الشرعي. المسألة الثانية: هل المركزية للحرية أم للعبودية؟ مع هبوب عواصف العلمانية واشتداد هيجانها في ظل الوفرة التكنولوجية التي جعلت العالم قريةً صغيرةً، امتزجت الثقافات، واختلطت الأفكار، وتأثر بعضها ببعض؛ مما أدى إلى حدوث تغيرات على الصعيدين الإيجابي والسلبي، وما يهمنا هو الحديث عن الأثر السلبي لها هنا؛ إذ أخطرها هو تشويش المعتقدات الإسلامية لدى الشباب المسلم، فضلًا عن تنامي تيار النسويات المناديات بالحقوق والحريات، وانتشار فكرة تقبل الشذوذ؛ حتى وصلوا إلى مرحلة تشريع عقوبات على من يحاول تجريم تلك الممارسات المخالفة للفطرة السوية؛ إذ كانت بالأمس القريب من المحظورات التي تلفظها الإنسانية ليس فقط عند المسلمين؛ بل في كل الشرائع والثقافات. ومن المبادئ التي نالها هذا التشويه؛ الحرية، فالحرية في الإسلام لها ضوابط وحدود لا يستطيع المسلم تجاوزها على عكس مفهومها في الغرب؛ فهي بالمفهوم الغربي حرية مطلقة لا تأبه بالآثار المدمرة التي قد تنال الأفراد والمجتمعات ككل، فصرنا دون وعي منا نردد ما ينادين به النسويات الغربيات بالمطالبة بالحرية المطلقة. إن المركزية في الدين الإسلامي للعبودية، ولا يصل العبد إلى كمال العبودية إلا إذا تمتع بالحرية في اختيار معتقده ودينه عن رغبة كاملة منه وإرادة، أما في الغرب فالمركزية ترجع عندهم للحرية حتى وإن ترتب عليها فساد المجتمع، ونحن كمسلمين لا نستطيع تبني هذا التوجه؛ ليس فقط لاختلافنا في الدين والمعتقد والمبادئ؛ إنما لتغوُّل العلمانية في تلك المجتمعات وتشظيها؛ حيث منحت الناس مفهومًا مغلوطًا عن الحرية، فلو التزمت تلك المجتمعات بمبادئ شريعتهم وقوانينهم التي توافق الفطرة السليمة، ما انحرفوا بفكرهم وسلوكهم عما لا يختلف عليه العقل والمنطق الإنساني! إن الشرائع كلها جاءت لتكرس للمبادئ الإنسانية المتفق عليها عند العقلاء والحكماء، حاثَّة على التعامل بالأخلاق الحسنة والقيم المثلى والمبادئ السامية، ولما حادوا عن هذا المنهج أصبحت الفجوة بيننا وبينهم كبيرة، ولا تكاد تردم لتشوه المنهج والفطرة النقية لديهم؛ وبالتالي فإن هذا المنهج لا يمثلنا ولا يلزمنا؛ لأنه مضطرب اضطرابًا شديدًا، لا قواعد كبرى حاكمة فيه، وغير منضبط بما صح من معتقدات وقيم وأخلاق وآداب. المسألة الثالثة: حدود حرية المرأة المسلمة المرأة المسلمة تسري عليها أحكام الشريعة الإسلامية، مثلها مثل الرجل، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال تعالى: ﴿ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، إن الله عز وجل الذي خلق المرأة والرجل هو الأقدر على وضع المنهج الأنسب لمن خلق، فمن الجهل بمكان أن نلقي القرآن الكريم خلف ظهورنا، ونترك أحكامه، ونلتفت إلى ما ينادي به الغرب بزعم بعضهم أن القرآن لا يصلح لهذا العصر، ومن حق المرأة أن تتحرر من قيود ومسؤوليات الأسرة! وزَّع الله عز وجل مهام ووظائف الرجل والمرأة بما يتناسب وطبيعة كل منهما، وحرَّم على نفسه الظلم، فلم يظلم المرأة ولا الرجل، وأعطى لهما الحقوق، وألزم عليهما الواجبات، ومن تلك الحقوق: الحرية؛ لكن الحرية لها ضوابط مرعية في الإسلام، وكما أسلفنا أن أول هذه الضوابط هي ألا تتصادم مع حقوق الآخرين، وألا تلحق الضرر بهم لتحقيق المصالح الفردية، فضلًا عن أن المسلمة لا تلزمها ما تنادي به النسويات المتظاهرات بالدفاع عن حقوقها؛ لأن الشارع لم يترك هذه المسألة إلا وضبطها، فهي مأمورة بالامتثال لأوامر الله، والانتهاء عما نهى عنه أولًا وآخرًا، سواء علمنا الحكمة من تلك الأحكام أم لم نعلم، فالطاعة واجبة، والالتزام بما جاءت به نصوص الوحيين ملزمة للطرفين الرجل والمرأة معًا. المسألة الرابعة: خلل المعالجات المطروحة في قضايا المرأة وأثرها في المجتمع مع تنامي وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام بشكل عام التي أتاحت خصائص التفاعلية واللازمكانية والكونية؛ نرى كل مستخدم أصبح مصدرًا للمعلومات بغض النظر عن أهليته، سواء التخصصية، أو المعارفية والخبراتية؛ مما أدى إلى تشويش الأفكار لدى الجماهير المستخدمة، ومن هذه الإشكاليات وجود المؤثرات اللواتي يدعين الخبرة والتخصص، ومنهن النسويات الإسلاميات اللواتي يتابعهن عدد كبير من النساء! فمن أخطر أخطاء هذه الفئة أنهن يقمن بمعالجة قضايا المرأة من منظور فردي منتصر للمرأة دون موازنات رصينة، ومراعاة حقوق الزوج والأطفال والأسرة؛ مما تسبب في حالات طلاق وشقاق كثيرة. مشاكل المرأة وقضاياها يجب أن تُعالج داخل منظومة الأسرة بتوازن وحذر، فالمرأة ليست كل المجتمع بالرغم من أنها قد تكون أهم جزء في هذا الكيان؛ لكن الحكمة تستدعي المحافظة على الأسر المسلمة بما لا يهضم حق المرأة، ولا يهدم الأسرة لأجل الانتصار لحق المرأة. نحتاج العقل والحكمة والتوازن للإصلاح، فالمقصد الأهم للشريعة الإسلامية هو الحفاظ على الأسر الإسلامية، وإن اضطر أحد أطرافها للتنازل عن بعض الحقوق، قال تعالى: ﴿ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [البقرة: 237] ، وقال تعالى: ﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195]، فلا يكون الفضل والعفو والإحسان إلا بالتنازل عن بعض الحقوق؛ نيلًا لرضا الله، ورغبةً في المحافظة على الرباط المقدس الذي أنعم الله تعالى به علينا، قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]، وقال العلماء في تفسير الآية في باب كراهية الطلاق: إن الزواج آية من آيات الله؛ أي: نعمة عظيمة أنعم الله بها على المسلمين، ومن كفران النعمة عدم تقديرها بأن يطلق الزوج زوجته بلا سبب معتبر. إن الحرية مبدأ مهم من مبادئ الإسلام، ويكاد يكون أعظم المبادئ، وهو منضبط بضوابط الشارع الذي كفل الحفاظ على حياة المسلم بما أراده الله له من خير في الدنيا والآخرة إذا طبق شرع الله والتزمه، والمسلم والمسلمة إذا قال الله ورسوله شيئًا قالوا: سمعنا وأطعنا، هذا هو المنهج السليم والطريق المستقيم الذي لا يجب الحياد عنه لصلاح أمر المؤمن في الدنيا والآخرة. |
ابن تيمية "المنطقي" لحمو النقاري | محمود ثروت أبو الفضل | 09-05-2022 | 3,703 | https://www.alukah.net//culture/0/154668/%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-"%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%82%d9%8a"-%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%82%d8%a7%d8%b1%d9%8a/ | ابن تيمية "المنطقي " لحمو النقاري صدر حديثًا كتاب " ابن تيمية المنطقي " أو منطق "الرد على المنطقيين ""، تأليف: د. "حمو النقاري"، نشر: "دار إبداع للنشر والتوزيع". ويرصد هذا الكتاب موطن آخر من مواطن تميز ابن تيمية الموسوعي، وهو جانب تميز ابن تيمية المنطقي في إطار ردوده الكثيرة على الفرق الضالة وتعقبها بنفس أسلحتها الجدلية والعقلية، وفي كتابه "الرد على المنطقيين" نرى أهم التعقبات الفكرية لابن تيمية في بيان تهافت المناطقة وفقر بضاعتهم وكسادها في مواجهة علوم النقل، ولم يكن ميراث ابن تيمية المنطقي - من جهة الاصلاح العقلي ومن جهة الرد - يحمله من طلبة العلم إلا قليل منهم ، لذا كانت هذه الملاحظة جديرة بتغليب جانب التعمق من جانب ابن تيمية في رصد أدلة الفرق المخالفة ونقضها، وكان ابن تيمية ربَّما يفرد الردَّ على مقالة تكون لفِرقة بعينها، أو أخذتْ بها فِرَق عِدَّة، وانتشرتْ بين طوائفَ ومذاهب، أو يُفرِد نقدًا لفرقة وحْدها، فيَعرِض أصولَها، ويَحكي نشأتها ويعدِّد أئمتها، أو ربما خصَّص لمخالف مصنَّفًا للردِّ عليه، ونقْد أصولٍ شاعتْ عنه. وهذا الكتاب تقريب ومقارنة وتحليل لكتاب ابن تيمية "الرد على المنطقيين"، ومناقشات نقدية لبعض التعليقات المعاصرة حول أفكار الكتاب . والكتاب عبارة عن تجميع نصوص ابن تيمية في كتاب (الرد على المنطقيين) التي رأى الدكتور النقاري أنها دالةً على مواقف منطقية، وتحليلها والإشارة إلى ما فيها من تعلق بالعلوم العقلية. وقام المؤلف بتبويب هذه النصوص على ثلاثة أبواب: المبادئ العامة الموجهة لكلام ابن تيمية في المنطق اليوناني. المبادئ العامة الموجهة لكلام ابن تيمية في نظرية التدليل المنطقية. المبادئ العامة الموجهة لكلام ابن تيمية في نظرية التعريف المنطقية. وقد تعمد المؤلف تقديم "نظرية التدليل" وتأخير "نظرية التعريف" مخالفًا التقليد السائد في المنطق من تبعية مبحث التصديق لمبحث التصور. وقد سكت الدكتور النقاري عن النصوص التي تعلقت بالمجال العقدي أو الفقهي أو السلوكي، ليكون الكتاب أشبه بـ (المتن المنطقي التيمي)، كما وضع د. "حمو النقاري" لفقرات الكتاب المختارة عناوينَ جانبية لتساعد القارئ على السير في الخريطة المنطقية التيمية، وهذا الكتاب الذي قُصد به إبراز وتحديد آراء ابن تيمية المنطقية هو مقدمة لكتاب آخر يتلوه إن شاء الله؛ موضوعه مقارنة هذه الآراء بالآراء الأخرى المعتبرة بالدرس المنطقي القديم والحديث. تقول الباحثة (أنكه فون كوجلجن) - الأستاذة بجامعة برن للعلوم الإسلاميَّة - في بحثٍ مطول عن (نقد ابن تيمية للمنطق الأرسطي ومشروعه المضاد): "كان ابنُ تيمية - باتِّفاق خصومِه وأنصاره - شخصيَّة ذاتَ طراز عظيم؛ فهو فقيه ومتكلّم ناقد للمنطق الأرسطي، والتصوف من جهة، وناقدٌ استثْنائي وباحثٌ أخلاقي من جهة أخرى". وترى "أنكه فون كوجلجن": أنَّ بعْضَ المهتمين يصفون فِكْر ابنِ تيميَّة بالتجريبية والاسميَّة على حَذَرٍ، ومن هؤلاء المستشرق "وائل حلاق"، بينما يذهب البعضُ إلى أبْعد من ذلك؛ فقد كتب "عبدالرحمن الوكيل" في مقدمة كتاب "نقض المنطق" لابن تيميَّة: أن الكتاب يدلُّ على عبقرية ابن تيميَّة التي فجَّرتِ الثورة التي أشعلها فيما بعد فرنسيس بيكون (1561 - 1626)، وجون ستيورات ميل (1806 - 1873). والمؤلف هو د. "حمو النقاري" أستاذ المنطق بجامعة محمد الخامس أكدال- الرباط منذ 1978 م، حاصل على جائزة المغرب الكبرى للكتاب سنة 1991 م. من مؤلفاته: • "المنهجية الأصولية والمنطق اليوناني" الدار البيضاء، 1992م. • "منطق الكلام من المنطق الجدلي الفلسفي إلى المنطق الحِجَاجي الأصولي"، الرباط: دار الأمان، 2005م. • "المنطق في الثقافة الإسلامية"، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2013م. • "أبحاث في فلسفة المنطق"، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، 2013م. • "منطق تدبير الاختلاف من خلال أعمال طه عبد الرحمن". • "نظرية العلم عند أبي نصر الفارابي". • "من أجل تجديد النظر في علم أصول الفقه - من خلال منطق القانون". • "معجم مفاهيم علم الكلام المنهجية". • "التحاجج - طبيعته ومجالاته ووظائفه". |
مشروع المجتمع الجزائري.. بين الرشاد والتيه! | د. حرزالله محمد لخضر | 09-05-2022 | 2,061 | https://www.alukah.net//culture/0/154660/%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a6%d8%b1%d9%8a..-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%b4%d8%a7%d8%af-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a%d9%87/ | مشروع المجتمع الجزائري... بين الرَّشاد والتِّيه ! إن من عوامل تفكك الشخصية الجزائرية المعاصرة واضطرابها، وتناقض مكوناتها ومسلكياتها، هو الدور السلبي الذي تلعبه الترسانة الإعلامية والمنظومة التربوية في إعاقة التكوين الفكري والديني، والعلمي والأخلاقي للفرد الجزائري، وسعيها إلى إحداث شروخ بالغة في النظام الفكري والاجتماعي والأخلاقي للمجتمع، ذلك النظام العتيد الذي مكنه من الصمود أمام جحافل المحتلين، وحملات التنصير، والمسخ والفسخ، والتصدع لعهود طوال، بالرغم من تواتر الخطط والمكائد لإعادة تشكيل هويته ومرجعيته، وضرب أصوله الثقافية والدينية واللغوية، غير أنها كانت تتهاوى مرارًا أمام صخرة الشخصية الجزائرية العصية على التغريب والتنصير والانحلال. إلا أن الإسفاف الذي يعانيه المشهد الإعلامي الجزائري في الآونة الأخيرة، والحرب المستبطنة على الأخلاق والدين التي تشتد وتمتد من سنة لأخرى، خاصة في شهر رمضان، والتي من خلالها تسعى وسائل الإعلام إلى ترويض الفكر والسلوك والطبائع على ثقافة هجينة متبلدة بائسة تائهة، لا تستمسك بأي أصل، ولا تُسْتَمَدُّ من أي سماء، ولا تؤسس لأي نبل وارتقاء، فأغلب ما يبث عبر السلاسل البرامجية المخصصة لشهر رمضان اتفقت على ما يلي: • الجرأة على القيم الإسلامية والاستهزاء بأصول الدين وما لا يعذر مسلم بجهله. • التهشيم المتعمد لأصول الحشمة والحياء، والترويج للقبح وأخلاق المنحلين، تحت مسمى الفن ومحاكاة المجتمع، وفي حقيقتها هي محاكاة لأراذل المجتمع! • التجاسر بكل صفاقة وقلة أدب على رموز المجتمع وفضلائه، وتحويلهم إلى مادة للتندر والتهكم؛ كالمتدينين والأساتذة، والشباب المتخلق والمرأة العفيفة. • بؤس وضحالة المحتوى الإعلامي واللغوي والفكري بما لم يسبق له مثيل. • استضافة رواد النوادي الليلية ومغني الملاهي والخمور والمخدرات، ومقدمي المحتوى الفاحش (لا الجريء) والمخنثين، وتمكينهم من المنابر الإعلامية باعتبارهم مؤثرين ونماذج للنجاح. • تركيز الأنظار على الأغمار وتعمد طمس الكبار، خاصة في علوم الشريعة الإسلامية، والتمكين لضعاف البضاعة من منابر الفتوى ومناقشة مسائل العامة، والترويج للدروشة والدجل باسم الدين! كل هذا وأكثر يمثل انزلاقًا خطيرًا للمشهد الإعلامي الجزائري، ومسايرةً مفضوحة للخط الإعلامي المنتهج في عدة منابر إعلامية عربية، التي تأسست كطرف وكيل عن الغرب لإحكام خطة تزوير فطرة مجتمعاتهم، وتحريف معتقداتهم وتاريخهم، وتدمير أخلاق الشباب، وسلخ الشعوب من حضارتها وانتمائها ورميها في متاهة اللاأمة واللاحضارة واللادين واللامبدأ واللاأخلاق. لقد أسهم هذا الخليط الإعلامي الممجوج في صناعة فرد منافق دينيًّا، مضطرب فكريًّا، ضائع أخلاقيًّا، كما أن خطره يستهدف أكثر الناشئة التي لا تملك قاعدة عقائدية وفكرية قوية وسليمة، إن هذا التيه الذي يحياه المجتمع وسط متاهة الحداثة المنسلخة والعلمنة المتوحشة، يرجع إلى غياب إطار قيمي مرجعي واضح وصريح يحدد المعالم الحضارية لمشروع المجتمع الجزائري، وآليات تجسيده، وعلى حد تعبير المفكر مالك بن نبي رحمه الله غياب "الفعالية والحركة في إطار الزمان والمكان". فقد تحدث ابن نبي في كتابه "ميلاد مجتمع" عن الشروط الموضوعية والتاريخية لنشوء "المجتمع" مفرقًا في غاية الدقة بين مصطلحي "المجتمع" و"المجموعة البشرية"، التي وصفها "بأكداس بشرية"؛ لأنها لا تمتلك صفة "الحركة" و"الدافعية" نحو التقدم والعمل والتغيير، هذه الحركة التي لا توجد إلا من خلال "الفكرة الجامعة للنسيج الاجتماعي"، التي تنصهر فيها إرادات الأفراد باتجاه تأسيس المجتمع وتوجيه طاقاته نحو النهضة والبناء. ومن المؤسف عندنا في الجزائر أن مجتمعنا يفتقد لصفة الحركية والفعالية وروح المبادرة، وهذا ما يتجلى في استشراء منطق التبرير على منطق العمل وجودة التفكير، وسيادة صفة القدرية والاتكالية والأنانية والفردانية، أن يحرص كل فرد على التبرم من مسؤولية الإصلاح وتغيير المنكر ورميها على غيره، مع اختلاق المبررات لإعفاء نفسه من تبعات المساءلة، كنوع من التعلل الساذج الذي يُرضي به ضميره الميت ويريحه مؤقتًا بالوهم الزائف! هذا المسلك الأعرج في الفكر والسلوك جعلنا نركن إلى الخمول والرضا بالحال وانتظار قدوم المخلص، وعدم الإيجابية والمبادرة لتغيير الواقع القريب منا، انطلاقًا من البيت والحي والشارع الذي نمر عليه يوميًّا ومكان العمل والمحيط البيئي، والسبب في ذلك هو اضمحلال الروابط الاجتماعية والأسس القيمية التي كانت في يوم ما تمثل لنا "المقدَّس"، الذي نفديه بأرواحنا ونذود عنه بمهجنا، كالأمانة والعمل الجماعي، واحترام الجار والشيخ الكبير والمرأة، والتشارك في تربية الأبناء، وتوقير أهل العلم، والتعاون على صنائع المعروف، وإطعام الجائع، وإيواء الضائع، واحترام المناسبات الدينية والمرجعيات العلمية والوطنية، والإحساس بالانتماء إلى وطن يحمينا، ويعكس هويتنا الحقيقية التي مَهَرَهَا الملايين بأرواحهم، فصرنا نمجد أهل الضَعَة – السفه - على أهل العلم والمحبرة، ونسوِّد لسياساتنا العامة كل من به عوج، ونخذل أهل الكفاءة والمهارة، فتاهت بين الملاعب وكرة الأقدام مقاصدنا، وتسفهت بين مسارح اللهو والتفاهة أحلامنا. إن هذا الوضع المشوه للبيئة الفكرية والثقافية والأخلاقية في بلدي لا يمكن أن يبعث على الفتور والتيئييس، ألم تفعل فرنسا أعظم من ذلك وأقبح؟ ألم تقتل في الجزائر كل جميل؟ ومع ذلك استطاع رواد المعرفة والفكر إعادة هندسة الفكرة الجزائرية الأصيلة، وبعثها من أجداث النفس المنهزمة والروح المتبلدة، لتعيد للمجتمع الجزائري رابطته التي عمل المخرب الفرنسي على تبديدها؛ عملًا بقاعدته الشيطانية "فرِّق تَسُد". وإذا كان العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمتى أدرك العالم في بلدي أنه أهلٌ للوراثة العلمية لا المادية، وسعى بكل صدق إلى بعث روح الوعي في الأجيال المتعاقبة، ونصح للأمة ولم يركن إلى الجهة الآثمة، فعندها لن يطول أمد المحنة، وسينجلي أُوَارُهَا بأزكى منحة، وسيتَفرَّى الليل عن صُبحِه، ويكشف الغمام عن وَبْلِهِ، ولكن الخوف كل الخوف أن يصبح حامل العلم حِلس خمول لا باني عقول، وأسير درهم ودينار، لا محرر أنفسٍ وأفكارٍ، ومدَّاح أسواق، لا عالم آفاق، مستمطرًا منائح الحُكَّام، ومستغفلًا لألباب الأنام، وصريعًا أمام أبواب اللئام، ضيقَ العَطَنِ لا كَيِّسًا ذا فِطَنٍ، نديم المسكنة والدَّعَةِ، لا رائدًا للفكر والمنفعة، مستسمنًا ذا وَرَم، ونافخًا في غير ضَرَم، ونصيرًا لمن هدم الحق وصَرَم، فعند ذاك حُقَّ الرثاء على صفقة الغبن والبلاء، والعيش في زمن العجفاء والعرجاء والعوراء، وصدق مَنْ قال مِنَ الشعراء: متى يصل العطاش إلى ارتواء إذا جلس الأكابر في الزوايا وإنَّ تَرَفُّعَ الوُضعاء يومًا على الرفعاء من إحدى الرزايا إذا استوت الأسافل والأعالي فقد طابت منادمة المنايا |
كلمة وعالم نحرير (أعجوبة العصر) - رحمه الله تعالى - | كريم بن إبراهيم بن أحمد | 08-05-2022 | 1,882 | https://www.alukah.net//culture/0/154641/%d9%83%d9%84%d9%85%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d9%86%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d8%a3%d8%b9%d8%ac%d9%88%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89/ | كَلِمَةٌ وعَالِـمٌ نِحْرِيرٌ ((أعجوبة العَصْرِ)) رحمه الله تعالى مما لا يختلف فيه اثنانِ عنايةُ المملكة العربية السعودية - حمَاها الله وزادها من فضْلِه - بالعلمِ والعلماءِ. وقيادةُ المملكة - وفَّقها الله وسدَّدها - ذاتُ ارتباطٍ وثيقٍ بالعلم وأهله، ولهم من التقدير والحظوة ما لا يخفى، ومن قرأ عَرَف، ومن سأل التاريخَ أجابه. وقد حبا الله - سبحانه وتعالى - بلادَ الحرمين الشريفين بأئمةٍ كبارٍ ملأ الله تعالى بعلمهم الآفاقَ، وذاعت دروسهم وسارت كالنور والسراج المنير الذي يضيء الدرب للسالكين، ومن أبرز هؤلاء: أئمةٌ ثلاثةٌ كبارٌ جهابذةٌ وَضَعَ الله لهم قبولًا عجيبًا، وأَثنى عليهم القاصي والداني، إنهم أصحاب السماحة والفضيلة: عبدالعزيز بن عبد الله بن باز (1330-1420ه)، ومحمد بن صالح بن عثيمين (1347-1421ه)، وعبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين (1349-1430ه)، رحمهم الله تعالى وجزاهم خيرًا ونفعنا والمسلمين بعلومهم الغزيرة، وأساليبهم السهلة اليسيرة، وشروحهم الكثيرة. ثلاثتُهم تَميَّزوا بميزاتٍ عديدةٍ، واشتركوا في أمورٍ كثيرة، يطول الكلام جدًّا بذكر بعضِها، ومن أبرز ذلك - في مجال عنايتي واهتمامي - أمران: الأمر الأول: اهتمامهم باللغة العربية بعلومها كافة في سهولةٍ عجيبةٍ ويُسْرٍ لافتٍ، وتجنبُهم للَّحن والخطأ اللغوي بصوره كافة، وحرصُهم على ذلك، وهذا يدركه المهتم المتأمل، ويجدُ براهينه ساطعة غالبةً. الأمر الآخر: عناية باحثي درجات التخصُّص ( الماجستير ) والعالِمِيَّة ( الدكتوراه ) بهم وبتراثهم، من خلال تناول ذلك في رسائلَ علميةٍ مسجلة لدى الجامعات المعتمدة: فقد سجلت (18) رسالة علمية فيما يتعلق بابن باز، و(137) فيما يتعلق بابن عثيمين، وأكثر من (30) رسالة فيما يتعلق بابن جبرين. وقد كان سببُ كتابتي هذه كلمةً ذكرها العلامة ابن جبرين - رحمه الله تعالى - وهي كلمة ( اخلولق ) ثم عَطَفَ عليها ( بَلِيَ )، فقال: ( اخْلَوْلَقَ وَبَلِيَ )، فلَفَتَ نَظَرِي واسترعى انتباهي استعمالُ الشيخ لكلمة (اخلولق) بمعنى ( بَلِيِ )، رغم كون المشهور: أَخْلَقَ وَخَلقَ ( بكسرِ اللَّام وضمِّها ) الثوبُ والجلدُ وغيرُهما، وبمراجعة (( مقاييس اللغة )) لأبي الحسين أحمد بن فارس وغيره من المعاجم والقواميس يتجلى للباحث دقةُ الشيخ وعنايتُه، رحم الله الجميعَ رحمةً واسعةً. |
كتاب البسيط في النحو لابن العلج الإشبيلي | محمود ثروت أبو الفضل | 08-05-2022 | 9,147 | https://www.alukah.net//culture/0/154639/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b3%d9%8a%d8%b7-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d9%88-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b4%d8%a8%d9%8a%d9%84%d9%8a/ | كتاب البسيط في النحو لابن العلج الإشبيلي صدر حديثًا كتاب "البسيط في النحو"، تأليف: الإمام "أبي عبد الله ضياء الدين محمد بن علي ابن العلج الإشبيلي"، تحقيق: د. "تركي بن سهو العتيبي"، نشر: "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية". ونجد أن كتاب البسيط لابن العلج اسمٌ ملأ المؤلفات النحوية ولا سيما ما ألف بعد القرن السابع، حيث عوَّل عليه "أبو حيان الأندلسي" في كتابه (ارتشاف الضرب) ونقل عنه كثيرًا، وذكره في أكثر من مئة موضع، واحتفى به "ابن عقيل" في كتابه "المساعد شرح تسهيل الفوائد"، وذكره في أكثر من سبعين موضعًا، وعوّل عليه "السيوطي" في كتبه "همع الهوامع" و"الاتقان في علوم القرآن" و"الأشباه والنظائر" الذي قلما تخلو صفحة من صفحاته من ذكر "ابن العلج" وكتابه "البسيط"، وورد اسم الكتاب في "شرح التسهيل" للمرادي، و"شرح التصريح" للأزهري، وشرح الأشموني للألفية.. وغيرها. ونجد أن النصوص المنقولة عن ابن العلج تضمنت نكتًا وتفصيلات دقيقة تكشف عن شخصية نحوية قوية ترّد وتأخذ وتبدع وتختار وتعترض وتقوي وتضعف فضلًا عن أن كثيرًا من هذه النكت ذات طرافة في موضوعاتها، وتشكّل مع بعضها البعض نظامًا متينًا في دقة النظر النحوي، ونجد أن هذه المنقولات دللت على زعامة صاحب "البسيط" في فنه حتى قال "السيوطي" عن صاحب "البسيط": "أكثر أبو حيان وأتباعه من النقل عنه". ونجد أن "البسيط" في أصله شرح لأحد متون النحو، ويكاد يكون مطابقًا لكتاب "المفصل" للزمخشري، وأغلب المادة المجموعة من كتاب "البسيط" متناثر الأجزاء مرتب على أساس توزيع مباحثها وفق مباحث كتاب "المفصل" للزمخشري. وتَشْهَدُ البقايا المتناثرة في بطون كتب النحو من كتاب "البسيط" لابن العلج بالقدم الراسخة في علم العربية، وتشهدُ له بالإحاطة وطول التقصيّ وتتبع المسائل النحوية في مظانّها بحيث جاء الكتابُ عَرْضًا مُفَصَّلًا لأبواب النحو كافةً مع عناية واضحة بالخلاف والتعليل النحويين، يعرضها "ابن العلج" عَرْضًا مستقصيًا وَيَتَخَلَّلُ الكتاب آثارٌ شرعية واهتمام باللغات المختلفة. وَيَغْلب على الكتاب طابع النقل عن النحاة من بصريين وكوفيين وغيرهم. وهذا كلُّه يعضد وصف "السيوطي" للكتاب بأنّه "كبير نفيس في عِدّة مجلّدات"، ونظرًا لكون مادة الكتاب متفرقة مفقودة، فقد بذل المحققون جهدًا كبيرًا في جمع مادة الكتاب، ومنها النسخة التي حقق عليها الدكتور "صالح العايد" الكتاب وهي نسخة وحيدة تتكون من جزء قبله أجزاء وبعده أجزاء، وقد نشر د. "صالح العويد" بعض أبواب التوابع في مجلدتين، وهذا التحقيق للأستاذ "تركي العتيبي" فيما بقي من أبواب الجزء الذي وجده الدكتور "العايد"، وهي أبواب: العطف، والتصغير، والتكسير، والنسب، وهذه الطبعة تضم كل ما وصلنا من هذا الكتاب الهام في بابه ومباحثه. ويتضح أنّ "ابن العلج" ذو شخصية قوية استوعبت قضايا النحو ومسائله، وبرزت تردّ وتضعف، ولم تخل كتب النحو من ردود عليه بالطريقة التي ردّ فيها على سابقيه. والمعلومات التي لدينا عن صاحب "البسيط في النحو" قليلة للغاية غير شافية بقدر الرجل ومكانته العلمية، ومن نقولات العلماء يمكن استخلاص المعلومات التالية عن صاحب "البسيط في النحو": فاسمه: محمد بن عليّ الإِشبيلي، ويعرف بابن العِلْج، وكنيته: أبو عبد اللّه، ولقبه: ضياء الدين. وموطنه: مدينة إشبيلية في الأندلس، ولد ونشأ بها، وتلقى العلم على أبي عليّ الشلوبين. لكنه غادر الأندلس متوجهًا إلى المشرق حتى وصل اليمن، وسكن بها وصنّف. وهو من نحاة القرن السابع الهجري، لأنه من طبقة ابن عصفور وغيره من تلاميذ الشلوبين. ونرى أن صاحب "البسيط في النحو" عالم كبير، وإمام متبحّر في علم النحو، وهذه النقول الكثيرة عن كتابه "البسيط" تدل على علوّ كعبه في هذا الفن، وشدّة تمكنه من هذا العلم. ويكفى للدلالة على ذلك أنه من تلاميذ الأستاذ أبي عليّ الشلوبين، وقد قيل: "كل من قرأ على أبي الشلوبين ببلده نجب"، وقال ابن مكتوم القيسى: "وقد تخرج بالأستاذ أبي عليّ الشلوبين، ومهر بين يديه نحو أربعين رجلًا كأبي الحسن بن عصفور وأبي الحسين بن أبي الربيع وأبي عبد اللّه بن العلج... وغيرهم". ثم قال: "وكلهم أئمة كبار مصنفون في علم العربية وغيره، قد طبقوا بعلمه الآفاق، وملأوا بفوائده وفرائده الأوراق...". وقد وصفه أبو حيان بالإمامة والعلم فقال: "وقال بعض أصحابنا، وهو الإمام العالم ضياء الدين أبو عبد اللّه محمد بن عليّ الأشبيلي ويعرف بابن العلج...". وهذه شهادة تقدير واعتراف من أبي حيان لهذا العالم الكبير، إلى جانب أن أشهر المصنفين نقلوا عن صاحب "البسيط" في مؤلفاتهم. أمَّا وفاته فقد سكتت عنها كتب التراجم كما سكتت عن أخباره جملة. ومن العسير علينا تحديد سنة وفاته وربما يمكن ترجيح وفاة ابن العلج كانت بعد سنة 650هـ. ونجد أنَّ عوادي الزمان عَدَت على ابن العلج فلم تبق من أخباره غير ذَرْوٍ تَقَدْم، وعدت على كتابه فلم تبق غير ما ضمته كتب النحو بين حناياها، لذا كانت هذه النشرة لهذا السفر النحوي من أهم التحقيقات العلمية التي كشف عنها اللثام مؤخرًا للتعريف بهذا الكتاب ومؤلفه. |
جهود الشيخ عثمان بن فودي في إرساء نظام الحكم والإدارة من خلال كتاب "أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي" للدكتور علي بن غانم الهاجري | د. محمد ساني إبراهيم | 07-05-2022 | 1,534 | https://www.alukah.net//culture/0/154604/%d8%ac%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d9%81%d9%88%d8%af%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%83%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-"%d8%a3%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d9%81%d9%88%d8%af%d9%8a"-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%ac%d8%b1%d9%8a/ | جهود الشيخ عثمان بن فودي في إرساء نظام الحكم والإدارة من خلال كتاب "أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي" للدكتور علي بن غانم الهاجري صدر في شهر مارس من العام الجاري 2022م كتاب "أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي"؛ للأديب والدبلوماسي القطري الدكتور علي بن غانم الهاجري، ليغني أرشيف المكتبات العربية والعالمية بشخصية لا تزال مغمورة في العالم العربي رغم ما لها من تأثير كبير في قارة إفريقيا السمراء عامة، وفي غرب إفريقيا خاصة، وهذا الكتاب الذي رأى لتوه النور، سعى إلى التعريف بهذا العَلَمِ الفذ من أعلام القارة السمراء، مع إبراز دوره الريادي في مختلف الأصعدة الدينية، والسياسية، والإدارية، والمالية، والعسكرية، والعلمية. والدكتور غانم الهاجري صاحب مشروع بحثي عملاق يحاول من خلاله التنقيب عن كنوز الإرث الحضاري الإسلامي، وإبراز الدور الرائد لأبناء هذه الثقافة في صرح الفكر الإنساني قاطبة، من أقصى المعمورة شرقًا إلى أقصاها غربًا، فألف عددًا من الكتب العلمية الجادة بغية تحقيق هذا الهدف، ولعل من أهم الكتب التي رأت النور لحد الساعة، كتابه الذي كتب حول أسرة مينغ الصينية التي أسست أعظم إمبراطورياتها على يد كبيرها تشودي ومؤسس دبلوماسيتها وأعظم بحاريها تشنغ خه، ثم أتحفنا بكتاب آخر بعنوان: "السلطنة الجبرية"، ثم واصلت سفنه البحثية الإبحار تشق عباب البحار، فكان من ثمار ذلك أنه انطلق نحو الغرب باتجاه ديار الأندلس ليطلعنا على شخصية عظيمة من خلال كتابه "الحاجب المنصور أسطورة الأندلس"، ثم وقف أخيرًا في الشواطئ الإفريقية؛ ليعرفنا بأحد أهم رواد العمل الإنساني هناك؛ إنه عثمان بن فودي، تلك الشخصية المجددة للفكر والثقافة والتنمية في القارة السمراء. ويسعى هذا المقال إلى إبراز جانب مهم من الجوانب التي تناولها هذا الكتاب؛ ألا وهو إبراز جهود الشيخ عثمان بن فودي في إرساء نظام الحكم والإدارة. الشيخ عثمان بن فودي وإرساء نظام الحكم والإدارة: كان الشيخ عثمان بن فودي قائدًا ومصلحًا ومجددًا، ومؤسس إمبراطورية تعد الأولى من نوعها في التاريخ الإسلامي في غرب القارة السمراء؛ عرفت بـ"الدولة الفولانية" (1219- 1321ه/ 1804-1903م)، نسبةً إلى قبيل "الفولاني" التي ينتمي إليها الشيخ عثمان بن فودي، تمتد من غربي "النيجر" غربًا إلى حدود "البرنو" شرقًا، وإلى الجنوب حتى "أدماوا" شمال الكاميرون، وإلى مشارف الصحراء الكبرى شمالًا، وظل أولاده وتلامذته يحكمون الدولة طوال قرن من الزمان، حتى سقطت على أيدي الاحتلال الإنجليزي بداية القرن العشرين [1] ، وهذه الدولة الإسلامية التي أسسها الشيخ عثمان بن فودي في شمال نيجيريا ضمت ثلاثين إمارة، ساعدت على توحيد القبائل والممالك في غرب "السودان" في ظل إدارة واحدة، تدار على وفق أصول الخلافة الإسلامية [2] . وبناء على ذلك، خصص مؤلف هذا الكتاب جانبًا مهمًّا في الكتاب (الفصل الثالث) لتقديم بيان مفصل حول جهود الشيخ عثمان بن فودي في إرساء نظم الحكم، وبالتحديد النظام السياسي، والإداري، والمالي، والقضائي، والعسكري، والأمني؛ ليتسنى للقارئ العربي الوقوف على تلك الجهود التي بذلها الشيخ عثمان بن فودي في سبيل ترسيخ دعائم ملكه. أولًا: النظام السياسي: تحدث الكتاب بالتفصيل حول اتجاه الشيخ عثمان بن فودي إلى نظام الخلافة، وذلك بحكم المنهج الإسلامي الداعي إلى دور الخلافة الإسلامية؛ فبعدما هاجر، واستقر في "قدو" اجتمع بجماعته، وتشاوروا في أمرهم، رأت الجماعة ضرورة تنصيب الشيخ عثمان بن فودي أميرًا عليهم وقائدًا لهم؛ وبالتالي فقد أسس الشيخ عثمان بن فودي نظامًا أقرب إلى الشورى في اختيار الخليفة القادم (ولي العهد)، كما تمت الإشارة إلى ألقاب الخليفة مثل لقب "الشيخ"، ولقب "نور الزمان"، والفقيه أمير المؤمنين والمجدد، وذي النورين (نور العلم والعمل) وغيرها، ومن الأمور المهمة التي تحدث عنها الكتاب تطبيق الشيخ عثمان بن فودي لمبدأ الشورى، واعتماده قاعدة نظام الحكم، هذا، بالإضافة إلى الوزارة التي تأتي في الدرجة الثانية بعد منصب أمير المؤمنين (الخليفة) فيما يتعلق بالأحكام، والتدوين، بل إن الشيخ عثمان بن فودي جعل الوزارة ركنًا من أركان الولاية؛ إذ لا تقوم الدولة إلا بوزير صدوق يسهم في بناء الأمة، وينبه السلطان إذا نام، ويذكره إذا نسي؛ لذلك تم تقسيم وزارة دولته إلى وزارة تفويض، ووزارة تنفيذ، ووزارة الاستشارة، ووزارة الكتابة والحجابة، أما النقطة الأخيرة في هذا السياق، فهي الإمارة وأنواعها ووظائفها [3] . النظام الإداري: اتبعت الدولة الصكتية في عهد الشيخ عثمان بن فودي النظم الإدارية التي اعتمدت على تقسيم البلاد على ولايات وأقاليم، بهدف تسهيل شؤون الدولة، فقسمها الشيخ عثمان بن فودي بحسب ما كانت عليه من تقسيم الإمارات والممالك والأقاليم؛ وعين أمراء عليها وعقد لهم الألوية، فكان الشيخ يفصل في أي نزاع بين الأمراء في القيادة، وكان لكل ولاية أميرها، ويساعده موظفون عديدون؛ مثل: الوزير، وقائد الجند، والإمام الأكبر، وقاضي القضاة، وكبار العلماء، وعمال الولاية، كما أن الشيخ عثمان بن فودي لم يعتمد على تقسيم دولته على ولايات وأقاليم فحسب؛ بل قسمها إلى أقسام كبرى؛ فقد قسمها إلى قسمين رئيسين: القسم الشرقي والقسم الغربي؛ حيث وضع القسم الشرقي تحت إمرة أخيه عبدالله بن فودي، وعاصمته مدينة "غواندو"، وشملت إمارات نوفي ( Nupe )، وزبرما ( Zaberma )، وغورما ( Gorma )، وياووري ( Yawuri )، وكبي ( Kabi )، وكامبا ( Kamba )، وإلورن ( Ilorin )، وأريوا ( Arewa )، ودندي ( Dendi )، وبورغو ( Borgu )، ولبتاكو ( Liptako )، أما القسم الغربي، فقد وضعه تحت إمرة ابنه محمد بلو وعاصمته مدينة "سوكوتو"؛ وتشمل ولايات هذا الإقليم: "كانو"، و"كتسينا"، و"بوشي"، و"غمبي"، و"زاريا"، و"دورا"، و"كبي"، و"بورنو"، و"كتاغم" [4] . النظام المالي: تعد الدولة الصكتية التي أسسها الشيخ عثمان بن فودي أولى الدول في الغرب الإفريقي، التي أرست أنظمة مالية على وفق أسس إسلامية؛ فقد امتلكت نظامًا ماليًّا متقدمًا تقوم على أسسه إدارة شؤون البلاد، وهو نظام مستمد من تعاليم القرآن الكريم، مثل الزكاة، والجزية، والغنيمة وغيرها من الضرائب التي كانت تُدفَع لبيت المال، وكلها من مصادر الدولة المالية المهمة التي رفدت الدولة الصكتية بمبالغ مالية كبيرة [5] . النظام القضائي: أولت الدولة الصكتية في عهد الشيخ عثمان بن فودي اهتمامًا خاصًّا بالقضاء، لدرجة أن قادة هذه الدولة كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقفون على مظالم الناس بأنفسهم، ومن الوظائف القضائية التي كانت موجودة في عهد الشيخ عثمان بن فودي وظيفة قاضي القضاة؛ التي تعد من الوظائف الكبرى في القضاء بصفة خاصة، ووظائف الدولة بصفة عامة، وكان من الوظائف القضائية قضاة الأقاليم، إلى جانب القضاء كان هناك النظر في المظالم؛ حيث كان يجلس خلفاء الدولة الصكتية - ومنهم الشيخ عثمان بن فودي - للنظر في المظالم بأنفسهم، وهناك أيضًا الحسبة؛ وهي وظيفة دينية هدفها إصلاح ممارسات الناس في حياتهم اليومية، فيعمل متوليها على إزالة الفعل الذي من شأنه أن يضر بمصالح الناس [6] . النظام العسكري: لم تمتلك الدولة الصكتية في عهد الشيخ عثمان بن فودي جيشًا موحدًا يضم جميع الجنود في الأقاليم والإمارات، ويخضع لسلطة مباشرة للخليفة أو للوزير أو للقائد الأعلى للجيش؛ بل كان كل إقليم وإمارة مستقلة بذاتها في تنظيم جيشها من حيث التدريب والتسليح والتجنيد، ويحق للدولة المركزية أن تستدعي هذه الجيوش في وقت الحاجة، وكان الجيش في عصر الدولة الصكتية ينقسم إلى قسمين: الفرسان والمشاة، وكان أغلب الجيش من صنف المشاة، الذين كانوا يتوزعون على فرق عسكرية مختلفة، وكان هناك أيضًا الشرطة؛ حيث تعد وظيفة صاحب الشرطة من الوظائف المهمة في نظام الشيخ عثمان بن فودي الإداري [7] . الخاتمة: إن البيانات الواردة في هذا الكتاب القيم، وبالتحديد في الفصل الثالث من الكتاب أبرزت الجهود الكبيرة التي بذلها الشيخ عثمان بن فودي في إرساء نظام الحكم والإدارة، بدءًا بالنظام السياسي والإداري، وصولًا إلى النظام المالي والقضائي، وانتهاءً بالنظام العسكري، ولا بد أن الكاتب يستحق كل الإشادة والتنويه بما زود به القارئ من المعلومات الثمينة حول هذه الشخصية العظيمة التي تفخر بها القارة السمراء والعالم الإسلامي بصفة عامة. [1] الهاجري، علي بن غانم (2022)، أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي، ط1، منشورات ضفاف/ منشورات الاختلاف، ص11-12 [2] الهاجري، علي بن غانم، ص 101. [3] الهاجري، علي بن غانم، ص103-113. [4] الهاجري، علي بن غانم، ص 114-116. [5] الهاجري، علي بن غانم، ص 17-19. [6] الهاجري، علي بن غان، ص120-123. [7] الهاجري، علي بن غانم، ص124-126. |
ذو النورين (قصيدة) | عبدالله بن محمد بن مسعد | 30-04-2022 | 2,341 | https://www.alukah.net//culture/0/154551/%d8%b0%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d8%b1%d9%8a%d9%86-%d9%82%d8%b5%d9%8a%d8%af%d8%a9/ | ذو النورين صِفَاتُ المَرْءِ لَيسَ بِها خَفَاءُ وذُو النُّورَينِ شِيمَتُهُ الحَيَاءُ وكَانَ لهُ إِلى الإسلَامِ سَبْقٌ وهَذا الحَقُّ لَيسَ بِهِ ادِّعَاءُ وتَسْتَحْيِي مَلَائِكَةٌ كِرَامٌ بِحَضْرَتِهِ إِذا مَا ثَمَّ جَاؤوا هُو الصِّهْرُ الحَبِيبُ إِلى نَبِيٍّ عَلى بِنْتَيهِ لَازَمَهُ الوَفَاءُ لَهُ فَضْلٌ وكَيفَ الفَضْلُ يُنْسَى ولَيسَ الفَضْلُ يَأْتِيهِ العَفَاءُ فَشَارَكَ صَحْبَهُ تَجْهِيزَ جَيشٍ وحَالُ النَّاسِ أَرْهَقَهُ العَنَاءُ فَمِنْ جَدْبٍ إِلى حَرٍّ شَدِيدٍ وحَتَى المَاءَ أَدْرَكَهُ الفَنَاءُ وأَوْقَفَ مَاءَ رُومَةَ مُسْتَطَابًا لِكُلِّ النَّاسِ هُم فِيهَا سَوَاءُ وَدَامَتْ فِي سَبِيلِ اللهِ دَهْرًا ومَا زَالتْ يُغَذِّيهَا النَّمَاءُ فَأَعْطَاهُ نَبِيُّ اللهِ وَعْدًا وهَذَا الوَعدُ صِدْقٌ لا افْتِرَاءُ فَحَازَ الفَضْلَ فِي الدَّارَينِ لمَّا تَنَامَى البَذْلُ وانْتَصَرَ العَطَاءُ وقَدْ صَارَ الخَلِيفَةَ بِاجْتِمَاعٍ لِأهْلِ الحَلِّ فَانْتَظَمَ البِنَاءُ تَوَلَّى بَعْدَهَا القُرآنَ جَمْعًا عَلى حَرْفٍ فَأَدْرَكَهُ الثَّنَاءُ فَخِدْمَتُهُ كِتَابَ اللهِ جُهْدٌ عَلى مَرِّ الزَّمَانِ لَهُ بَقَاءُ ومِنْ فَتْحٍ إِلى فَتْحٍ ترَاءَى بِغَربِ الأرضِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ أَنَارَ الكَونَ فَانْتَفَعَتْ شُعُوبٌ وزَالَ الظُّلمُ وانْكَشَفَ البَلَاءُ وقَدْ نَالَ الشَّهَادَةَ عِنْدَ مَوتٍ بِلَا شَكٍّ ولِلعُمُرِ انْقِضَاءُ |
فسحة الأمل | علي بن حسين بن أحمد فقيهي | 28-04-2022 | 3,148 | https://www.alukah.net//culture/0/154526/%d9%81%d8%b3%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%84/ | بوح القلم (تأملات في النفس والكون والواقع والحياة) (فسحة الأمل) قال ابن حجر: "الأَمَل – بفتحتين - رجاء ما تحبه النفس من طول عمر، وزيادة غِنًى، وهو قريب المعنى من التمني، وقيل: الفرق بينهما أن الأمل ما تقدم له سبب، والتمني بخلافه، وقيل: لا ينفك الإنسان من أمل، فإن فاته ما أمله، عوَّل على التمني، ويقال: الأمل إرادة الشخص تحصيل شيء يمكن حصوله، فإذا فاته تمناه"؛ [فتح الباري (١١/ ٢٠١)]. فالأمل هو رجاء الوصول إلى أمر يراه المؤمل محبوبًا، سواء كان من أمور الدنيا أو الآخرة، وهو القوة الدافعة للإنسان إلى العمل، والباعثة على السعي والمثابرة والاجتهاد، بغض النظر عن سلبية الاتجاه الذي يسير فيه المؤمل وإيجابياته. إن قوة الثقة بالأمل والمؤمل تكون من قوة الواعد، وقوة علمه وإدراكه؛ فالله جل وعلا وعد عباده بالنصر، وأملهم بالخير المطلق، فمن هنا تكمن قوة الثقة والأمل بالوعد الصادق، ونصوص الوحي زاخرة ببشارات الأمل ووعود الفأل؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]، ولن يغلب عسرٌ يسرين. وقال سبحانه: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126]. وقال المولى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30]. والثقة في الموعود، والرجاء في المأمول عادة المرسلين، وسجية العارفين: ♦ ففي قصة إبراهيم عليه السلام لما بشرته الملائكة المكرمون بغلام، عجب من بشارتهم، وقد تخطى سن الأمل إلى شيخوخة اليأس؛ فطمأنوه قائلين: ﴿ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴾ [الحجر: 55، 56]، والقنوط هو اليأس من الخير، فإبراهيم عليه السلام لم يكن قانطًا، بل قال ذلك على وجه التعجب والاستبعاد. ♦ وفي قصة يعقوب عليه السلام اشتد أمله في العثور على يوسف عليه السلام، بعدما فقد ابنه الثاني، ولم يذهب عنه الأمل، وكلف أبناءه بالبحث عن يوسف وأخيه؛ كما حكى الله عنه قوله: ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، فكانت عاقبة صبره وأمله أن زال كربه، وفرج همه، ورد إليه بصره، وعاد يوسف وأخوه. ♦ ولما أمر موسى عليه السلام قومه بالاستعانة بالله، والصبر على ظلم فرعون، بث في نفوسهم الأمل؛ قال تعالى: ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. والأمل كان يبثه صلى الله عليه وسلم دائمًا وأبدًا في نفوس أصحابه: ففي غزوة أحد أصاب المسلمون ما أصابهم من قتل وجرح، فنهاهم الله تعالى في القرآن عن الوهن والحزن، وحثهم على الثبات، وغرس الأمل في نفوسهم؛ قال تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]. وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: ((شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ قال: كان الرجل فيمن قبلكم يُحفر له في الأرض، فيُجعل فيه، فيُجاء بالمنشار فيُوضع على رأسه فيُشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون))؛ [رواه البخاري]. وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته: ((فأبشروا وأملوا ما يسركم))؛ [رواه البخاري عن عمرو بن عوف المزني (٤٠١٥)]. وفقدان الأمل وانعدام الرجاء قد يودي بالفرد للقلق والاكتئاب، واليأس والقنوط؛ قال تعالى: ﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 53]. وعن ابن عباس رضي الله عنهما ((أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما الكبائر؟ قال صلى الله عليه وسلم: الشرك بالله، والإياس من روح الله، والقنوط من رحمة الله))؛ [رواه البزار، وحسنه العراقي]. والأمل طبيعة بشرية، ونزعة إنسانية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حب الدنيا، وطول الأمل))؛ [رواه البخاري]. قال ابن حجر: "وقال ابن الجوزي: الأمل مذموم للناس إلا للعلماء، فلولا أملهم لما صنفوا، ولا ألفوا". وقال غيره: الأمل مطبوع في جميع بني آدم؛ كما في الحديث: ((لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: حب الدنيا، وطول الأمل))، وفي الأمل سر لطيف؛ لأنه لولا الأمل ما تهنى أحد بعيش، ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة، فمن سلم من ذلك، لم يكلف بإزالته"؛ [فتح الباري (١١/ ٢٣٧)]. فالأمل لا ينفك عنه أكثر الخلق، ولولا الأمل ما تهنى أحد بعيش أبدًا، ولا صلح حال الناس في حياتهم ومعاشهم. فقد ذكر الإمام علي الماوردي ست قواعد تصلح بها الدنيا، حتى تصير أحوالها منتظمة، وأمورها ملتئمة؛ وهي: "دين متبع، وسلطان قاهر، وعدل شامل، وأمن عام، وخصب دائم، وأمل فسيح"؛ [أدب الدنيا والدين (٩٥)]. ثم فصل في الأمل بقوله: "أما القاعدة السادسة: فهي أمل فسيح، يبعث على اقتناء ما يقصر العمر من استيعابه، ويبعث على اقتناء ما ليس يأمل في دركه بحياة أربابه، ولولا أن الثاني يرتفق بما أنشاه الأول، حتى يصير به مستغنيًا، لافتقر أهل كل عصر إلى إنشاء ما يحتاجون إليه من منازل السكنى، وأراضي الحرث، وفي ذلك من الإعواز وتعذر الإمكان، ما لا خفاء به، فلذلك ما أرفق الله خلقه من اتساع الآمال، حتى عمر به الدنيا، فتم صلاحها، وصارت تنتقل بعمرانها إلى قرن بعد قرن، فيتم الثاني ما أبقاه الأول من عمارتها، ويرم الثالث ما أحدثه الثاني من شعثها، لتكون أحوالها على الأعصار ملتئمة، وأمورها على ممر الدهور منتظمة، ولو قصرت الآمال، ما تجاوز الواحد حاجة يومه، ولا تعدى ضرورة وقته؛ ولكانت تنتقل إلى من بعده خرابًا، لا يجد فيه بلغة، ولا يدرك منها حاجة، ثم تنتقل إلى من بعد بأسوأ من ذلك حالًا، حتى لا ينمي بها نبت، ولا يمكن فيها لبث؛ وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الأمل رحمة من الله لأمتي، ما غرس غارس شجرًا، ولا أرضعت أم ولدًا))، وقال الشاعر: وللنفوس وإن كانت على وجل من المنية آمال تقويها فالمرء يبسطها والدهر يقبضها والنفس تنشرها والموت يطويها وأمـا حـال الأمل في أمر الآخرة، فهو من أقوى الأسباب في الغفلة عنها، وقلة الاستعداد لها، وقد أفصح لبيد بن ربيعة مع أعرابيته بما تبين به حال الأمل في الأمرين؛ فقال: واكذب النفس إذا حدثتها إن صدق النفس يزرى بالأمل غير ألَّا تكذبنها في التقى وأخزاه بالبر لله الأجل وفرق بين الآمال والأماني: أن الآمال ما تقيدت بأسباب، والأماني ما تجردت عنها"؛ [المرجع السابق (١٠٤)]. ونقل ابن القيم قول سقراط: "للحياة حدَّان، أحدهما: الأمل، والآخر: الأجل، فبالأول بقاؤها، وبالآخر فناؤها"؛ [إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان (٢/ ٢٦٦)]. قال الشاعر الحسين بن علي الطغرائي: أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل والمذموم في النصوص هو طول الأمل والاسترسال فيه والانقياد له؛ كما قال تعالى: ﴿ ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [الحجر: 3]، "فصورة الأمل الملهي صورة إنسانية حية، فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه وينشغل به، ويستغرق فيه حتى يجاوز المنطقة المأمونة، وحتى يغفل عن الله وعن القدر، وعن الأجل، وحتى ينسى أن هناك واجبًا، وأن هنالك محظورًا، بل حتى لينسى أن هنالك إلهًا، وأن هنالك موتًا، وأن هناك نشورًا، وهذا هو الأمل القاتل الذي يؤمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدعهم له... ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾؛ حيث لا ينفع العلم بعد فوات الأوان... وهو أمر فيه تهديد لهم، وفيه كذلك لمسة عنيفة لعلهم يصحون من الأمل الخادع الذي يلهيهم عن المصير المحتوم". قال القرطبي رحمه الله في تفسيره للآية السابقة: "وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه، واشتد علاجه، ولم يفارقه داء، ولا نجح فيه دواء، بل أعيا الأطباء، ويئس من برئه الحكماء والعلماء". ♦ ومضة: "الأمل تلك النافذة الصغيرة التي مهما صغر حجمها، إلا أنها تفتح آفاقًا واسعة في الحياة"؛ [مصطفى صادق الرافعي]. |
السلطان مراد الأول.. مشروع الدولة العلية | عمر محمود عبدالحليم | 25-04-2022 | 5,901 | https://www.alukah.net//culture/0/154440/%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%86-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d9%84..-%d9%85%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%8a%d8%a9/ | السلطان مراد الأول.. مشروع الدولة العلية "لا يمكن أن يُعثر على حاكم على مستوى السلطان مراد، بين معاصريه من الحكام الأوروبيين، لم يكن داهيةً عسكريًّا وأستاذًا إستراتيجيًّا فحسب، بل كان في ذات الوقت دبلوماسيًّا مرهفًا. كان حاكمًا بالفطرة، جعل من العثمانيين أمةً موحدةً، عرفهم بالمُثل وزودهم بها. كان عند وفاته قد أمن مستقبل هذه الدولة لخمسة قرون" [1] . [المؤرخ الفرنسي ( Fernard Gernard )] بسم الله الحق، والصلاة على خير الخلق، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن لحق؛ أما بعد: فإن الخلافة الإسلامية العثمانية قد نالها ما نالها من الأقلام الغربية المعادية، والأقلام المستغربة التابعة، فشوَّهوها وألبسوها عباءة العلمنة تارة، والتشدد أخرى، والاستبداد ثالثة، بغير بيِّنة تاريخية ثابتة، أو قراءة علمية متأنية؛ لذا فإنا نتناول فترة أحد سلاطين الدولة العثمانية بالوصف والتحليل والتمحيص، مفتشين عن إنجازاته، وكاشفين هفواته، بمنهج التزمنا فيه الحياد قدر ما استطعنا، سائلين المولى تعالى التوفيق والسداد. ملامح العصر: كان العالم الإسلامي إبان تلك الفترة متآكل الأوراق والثمار بفعل الجراد المغولي المنبعث من الشرق، فقد أسقط المغول بغداد حاضرة الخلافة العباسية 656هـ/1258م، بعد أن امتد عمرها لأكثر من خمسة قرون متتالية، ورغم محاولة الدولة المملوكية (648-923هـ/1250-1517م) في مصر والشام خلافة الدولة العباسية، فإن الصعود المفاجئ للسلطنة العثمانية كان يبشر بخلافة أكثر مركزية، وخليفة أوطد نفوذًا. قيام الدولة العثمانية: بعد انهيار دولة السلاجقة العظام (552هـ/1157م)، بقيت منطقة الأناضول (أغلب تركيا حاليًّا) تحت سيطرة سلاجقة الروم مزدهرة رغم مجاورتها للدولة البيزنطية المسيحية، "وفي عام 699هـ (1300م)، زحف جيش جرار من جماعة التتر على سلطنة علاء الدين (آخر سلاطين سلاجقة الروم)، وفزعوا عليه بالحرب، وبعد أن ناهضهم طويلًا ولم ينله الله الفوز عليهم؛ شق رعاياه عليه عصا الطاعة، وجاهروا بعدوانه، فاضطر إلى المهاجرة لبلاد الروم، وهناك توفي، وحينئذٍ انقرضت الدولة السلجوقية، فقام الأهلون على قدم وساق، ونادوا باجتماع الكلمة باسم عثمان الغازي بن أرطغرل سلطانًا عليهم، فجلس على مهد السلطنة عام 699 للهجرة، وتمركز في مدينة قره حصار (وسط غرب تركيا حاليًّا)، ودعاها بادشاه [2] ، ثم حصن مدينة يكي شهر (اسكيشهر) وجعلها مركزًا له، وأخذ يحكم بالقسط والعدل، وينصف المظلوم من الظالم" [3] . ظل عثمان على عرش السلطنة حتى وفاته سنة 726هـ/1327م، فأعقبه عليه ابنه أورخان؛ الذي "أمر بوضع الشرائع، وسن النظامات على ما يلائم طبائع العباد، ثم نقل كرسي الحكومة إلى مدينة بروسه (بورصة، شمال غرب تركيا حاليًّا)، وجعلها مركز السلطنة، واهتم بعدئذٍ في توسيع نطاق المملكة" [4] ، حتى قُبض عام 761هـ/1360م. بلغت مساحة الأراضي التي خلفها السلطان أورخان 95000 كم 2 وهي تمثل 6 أضعاف ما تركه له أبوه [5] . مراد الأول: هو غازي خنكار (السلطان المقاتل) والأمير الأعظم، بادشاه، السلطان مراد بن أورخان غازي بن الغازي عثمان، ثالث السلاطين العثمانيين، ولد في بورصة 726هـ/1326م [6] ، ونشأ فيها "شجاعًا مجاهدًا كريمًا متدينًا، وكان محبًّا للنظام متمسكًا به" [7] ، "ولما بلغ أشده حضر جملة مواقع في محاربة والده لليونان، فأظهر بسالة لا توصف، وإقدامًا يسير بذكره الركبان" [8] ، وقد كان أثناء ولايته للعهد حاكم بورصة ثم أسكي شهر (المدينة القديمة)، وبعد وفاة شقيقه سليمان باشا، فاتح الروملي [9] ، تولى مراد الأول المهمة وأكمل الفتوحات فيها [10] . وقد كان "متوسط البنية، ربع الهيئة، مفتول العضلات، له لحية خفيفة بُنية ... تصف المصادر العثمانية السلطان مراد بأنه مسلم ملتزم من أولياء الله الصالحين، فقد كان هادئًا وعطوفًا وخيرًا وتقيا" [11] . السلطنة وملامح المشروع: جلس مراد الأول على سرير السلطنة عقيب وفاة والده عام 761هـ/1361م [12] ، بالغًا من العمر 35 (أو 36) سنة. أولًا/ الغازي المجاهد: كان السلطان مراد إمبراطورًا، نال بصورة رسمية ألقاب: سلطان الغزاة والمجاهدين، غياث الدنيا والدين، ليث الإسلام، السلطان العادل، وقد صادق على هذه الألقاب الخليفة العباسي في القاهرة [13] . أعطى السلطان مراد أولوية كبيرة للغزوات؛ فقد قام بـ37 غزوة خلال فترة حكمه لم يُهزم في واحدة منهن، كما حمل الإسلام إلى البلقان [14] . وما كاد يستقر على عرش السلطنة حتى شرع في الجهاد وتوسيع مملكته غازيًا أوروبا، فقد هاجم الجيش العثماني أملاك الدولة البيزنطية ثم استولى على مدينة أدرنة [15] ، وكانت لتلك المدينة أهمية إستراتيجية في البلقان؛ إذ كانت ثاني مدينة في الإمبراطورية البيزنطية بعد القسطنطينية، واتخذها مراد عاصمة للدولة العثمانية منذ عام 768هـ/1366م، وبذلك انتقلت العاصمة من آسيا الصغرى إلى أوروبا، وأصبحت أدرنة عاصمة إسلامية، وكان من أهداف مراد من هذه النقلة: أن يجمع في هذه العاصمة كل مقومات النهوض بالدولة وأصول الحكم، فتكونت فيها فئات الموظفين، وفرق الجيش، وطوائف رجال القانون وعلماء الدين، وأُقيمت دور المحاكم، وشُيدت المدارس المدنية والمعاهد العسكرية لتدريب الإنكشارية. وقد ظلت أدرنة على هذا الوضع السياسي والعسكري والإداري والثقافي والديني حتى فتح العثمانيون القسطنطينية في عام 857هـ/1453م؛ فاتخذوها عاصمة لدولتهم [16] . لم يقتصر مراد على التوسع ناحية أوروبا فقط، فخلال سنوات حكمه الأولى قاد سلسلة من المعارك ضد الكرمانيين ( القرمان ) ودولة أرتنا في وسط الأناضول، وأصبحت أنقرة تحت السيطرة العثمانية في عهده [17] . مضى السلطان مراد في حركة الجهاد والدعوة وفتح الأقاليم في أوروبا، وانطلق جيشه يفتح مقدونيا، وكانت لانتصاراته أصداء بعيدة، فتكون تحالف أوروبي بلقاني صليبي باركه البابا أوربان الخامس، وضم الصربيين والبلغاريين والمجريين، وسكان إقليم والاشيا ( الأفلاق )، وقد استطاع هذا التحالف الصليبي حشد جيش بلغ عدده ستين ألف جندي، فتصدى لهم القائد العثماني ( لالا شاهين ) بقوة تقل عددًا عن القوات المتحالفة، ووقعت مذبحة مروعة واضطرب نظام الجيش المتحالف، ولاذ بالفرار الأميران الصربيان ولكنهما غرقا، ونجا ملك المجر بأعجوبة، وقد نجم عن هذا الانتصار نتائج مهمة بالنسبة للعثمانيين؛ فقد استكملوا فتح إقليم تراقيا ومقدونيا، ووصلوا إلى جنوبي بلغاريا وإلى شرقي صربيا، والتي كانت تتساقط في أيديهم كأوراق الخريف، ثم عاد السلطان إلى مقر سلطنته لتنظيم ما فتحه من الأقاليم والبلدان [18] . وفي سنة 791هـ/1388م وقعت معركة قوصوه ( كوسوفو )؛ إذ تحالف الصرب والبوسنيون والبلغار، وأعدوا جيشًا أوروبيًّا صليبيًّا كثيفًا لحرب السلطان الذي كان وصل إلى منطقة كوسوفو في البلقان، بدأت المعركة مع الفجر واستمرت 8 ساعات متواصلة، واستخدم الجانبان سلاحًا جديدًا في هذه الحرب؛ وهي المدافع، وما إن اشتدت المعركة بينهما حتى انجلت عن انتصار المسلمين انتصارًا باهرًا حاسمًا، ثم قام السلطان يتفقد ساحة المعركة ويدور بنفسه بين صفوف القتلى والجرحى من المسلمين ويدعو لهم، وفي أثناء ذلك قام جندي من الصرب، كان قد تظاهر بالموت، فطعن السلطان بخنجر مسموم، فاستشهد رحمه الله في شعبان 791هـ/حزيران 1389م [19] ، وكان من دعائه قبل استشهاده: "اللهم اجعلني فداءً لكل المسلمين الحاضرين والغائبين عن ساحة هذه المعركة، خذ روحي ولكن انصرنا، لقد جعلتني محاربًا في سبيلك، اللهم فاجعلني شهيدًا" [20] ، وبهذه المعركة فقد ضاع استقلال الصرب حتى القرن التاسع عشر، إضافة لتحول كثير منهم للإسلام بمحض إرادتهم [21] . ثانيًا/ الدبلوماسي الداهية: كان السلطان مراد الأول دبلوماسيًّا مرهفًا، وسياسيًّا بارعًا، فرغم قيادته لـ37 غزوة واشتغاله بالحرب والجهاد؛ إلا أنه كان يؤثر السلم والسياسة، "ولم يكن يرغب على الإطلاق في النزاع مع الإمارات الأناضولية التركية التي كان يعرف أنها تشاركه نفس الجذور والأسلاف، فكان يفضل بدلًا من ذلك التفاوض، وإقامة تحالفات معهم عبر الزواج" [22] ، فاستخدم الزيجات فيما بين الأسر الحاكمة كوسيلة دبلوماسية من أجل تمتين العلاقات الخارجية، فتم إعلان مراسم زواج ابنه الأمير بايزيد بدولت خاتون ابنة أمير كرميان، وبعد الزفاف تم ضم أربع بلدات للأراضي العثمانية بشكل رسمي، وكان هدف السلطان هو توفير الأمان في الأناضول والانخراط في الفتوحات الأوروبية، وخلال تلك الفترة أقيمت علاقة قرابة مع سليمان ابن حاكم قسطموني؛ حيث زوج مراد الأول ابنة أخيه (سلطان هانم) بسليمان بك؛ فأعلن ولاءه للعثمانيين، كما قامت علاقات جيدة بين العثمانيين والمماليك خلال حكم مراد الأول، وساند بعضهم البعض ضد الحملات الصليبية [23] . كان للسلطان مراد شأن في البلقان، ولم يكن يرغب في زجِّ نفسه في قضايا الأناضول الوسطى، وكان يعلم أن كل انتصار يحرزه في البلقان سيكون السبب في انضمام إمارة جديدة في الأناضول إلى الدولة العثمانية دون قتال [24] . أما عن الفتوحات في أوروبا، فقد كان العثمانيون يدركون أنهم بتطبيق سياسة التسامح مع المسيحيين يمكنهم أن يوسعوا أراضيهم بسهولة، وأن يزيدوا من مصادر دخلهم، فكانوا يعمدون إلى تجنيد أفراد الطبقة العسكرية المحلية لصالحهم، فخدم في الجيش العثماني كثير من الجنود من الدول التابعة، تحت قيادة أمرائهم أو أسيادهم الجدد، دون أن يعني ذلك بالضرورة اعتناق الإسلام [25] ، فخلال السنوات من 1375 إلى 1381م وافق السلطان مراد الحاكم العام لمنطقة الروملي على القيام بتطبيق أول توزيع للإقطاعيات العسكرية بين الجنود المسيحيين المحليين، فسمح لهم بالعيش في بعض أجزاء الأرض التي كانوا يعيشون فيها مقابل الخدمة في الجيش العثماني؛ وهو ما أدى إلى إقامة جيش عثماني في البلقان يتكون من جنود مسلمين ومسيحيين [26] . وفي هذا الصدد يقول المؤرخ الإنجليزي Gibbons أن السلطان مراد قد "عامل الأرثوذكس معاملة أفضل بأضعاف من معاملة الكاثوليك للأرثوذكس" [27] . كما تجدر الإشارة إلى أنه في عهد مراد الأول عُقدت أول معاهدة بين الدولة العثمانية والدول المسيحية؛ إذ إنه لما اشتد ساعد الدولة العثمانية خافها مجاوروها، فبادرت جمهورية (راجوزه) [28] ، وأرسلت إلى السلطان لعقد معاهدة ودية وتجارية تعاهدوا فيها بدفع جزية سنوية قدرها 500 دوكًا من الذهب [29] . لعل أهم ما انمازت به دبلوماسية وسياسة السلطان الشهيد أنها دبلوماسية إسلامية؛ إذ كان الهدف منها رفع لواء الدولة الموحدة القوية في الأناضول، وفتح المسلمين للبلقان وتوطينهم فيها، وجعلهم اليد العليا في تلك المنطقة المتاخمة للعدو الصليبي المتمثل في الدولة البيزنطية. ثالثًا/ الإمام العادل: تتجلى ملامح شخصية الحاكم ومشروعه في خدماته لرعاياه، وتوطيد دعائم الدولة، وخير مثال على ذلك السلطان مراد الأول، الذي عكس عاطفة الإسلام على رعاياه المسيحيين، وكان محبوبًا بالنسبة لهم إلى الحد الذي دفع الكثير منهم إلى اعتناق الإسلام، بفضل سلوكه الحسن، ومواقفه الجيدة، وكان يحترم المفكرين والعلماء، كما كان قائدًا ذكيًّا وسياسيًّا منظمًا، وكان قليل الكلام، وينطق بالحكمة عندما يتحدث، كما كان يتمتع بشخصية متوازنة ورزينة، فتعاطف الأناضول والمناطق المحيطة مع السلطان مراد الأول بصفته الغازي العظيم الذي يحارب ضد الصليبيين [30] . نقل السلطان مراد دولته من طور الإمارة الحدودية الناشئة لدولة مركزة قوية، وبهذا وضعها على خطا الإمبراطوريات الكبرى، فقد كان "قديرًا ذا نزعة دينية قوية، وكان شديدًا في تمسكه بالنظام، عادلًا مع رعاياه، كريمًا مع جنوده، وأولع ببناء المساجد والملاجئ والمدارس، وقد جمع إلى جانبه مجموعة من خيرة القادة والخبراء العسكريين، واستطاع أن يمضي في علياته الحربية في أوروبا وفي آسيا الصغرى في وقت واحد تقريبًا" [31] . فأنشأ مجمع المباني حول الجامع للمنفعة العامة، كما أنشأ جامع خداوندكار، وجامع حصار في بورصا، وجامع خداوندكار في بلدة آيواجك، ومسجدًا في بيلجيك ويني شهير، وبعد فتح أدرنة قام بتحويل كنيستين إلى مسجدين، كما أقام كذلك ملجأ للمحتاجين في إزنيق، وقصرًا متواضعًا في أدرنة، حمل اسم والدته [32] . وختامًا: فقد "ترك السلطان مراد إحدى أقوى الإمبراطوريات العالمية وخاصة من الناحية العسكرية، فقد بلغت مساحة الإمبراطورية عند وفاة السلطان مراد 000 500 كم 2 تقريبًا، وهكذا تكون مساحة الإمبراطورية التي خلفها السلطان أورخان قد تضاعفت أكثر من 5 أضعاف خلال 27 سنة [33] . رحم الله السلطان العثماني المجاهد العادل، فقد "كان السلطان الأول والوحيد الذي استشهد على أيدي أعدائه في ساحة المعركة" [34] . [1] يلماز أوزتونا - تاريخ الدولة العثمانية ج1 - ترجمة: عدنان محمود سلمان - مراجعة وتنقيح: د. محمود الأنصاري - ط1 1408هـ/1988م مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول - ص102. [2] بادشاه أو باديشاه: تعني السلطان العظيم، وربما أُريد بها هنا دار السلطنة العظمى. [3] عزتلو يوسف بك آصاف - تاريخ سلاطين بني عثمان - ط1 (1435هـ) 2014م، مؤسسة هنداوي، القاهرة - ص34. [4] يوسف آصاف، ص36. [5] يلماز أوزتونا، ص97. [6] انظر: صالح كولن - سلاطين الدولة العثمانية - ترجمة: منى جمال الدين - ط1 1435هـ/2014م - دار النيل، القاهرة - ص18، وأيضًا: يوسف آصاف، ص37. [7] علي محمد الصلابي - الدولة العثمانية (عوامل النهوض وأسباب السقوط) - ط1 1421هـ/2001م - دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة - ص58. [8] يوسف آصاف، ص37. [9] الروملي أو روم إيلي: وتعني بالتركية أرض الرومان، وهو اسم أطلقه العثمانيون على أراضي البلقان الواقعة أقصى الجنوب الشرقي من أوروبا (بلغاريا واليونان ومقدونيا وكوسوفو و... حاليًّا). [10] صالح كولن، ص20. [11] نفسه، ص25. [12] انظر: يوسف آصاف، ص37، وصالح كولن، ص18. [13] يلماز، ص98. [14] كولن، ص25. [15] أقصى الشمال الغربي لتركيا حاليًّا، يحدها جنوبًا بحر إيجة وشمالًا البحر الأسود، وشرقًا إسطنبول وغربًا بلغاريا. [16] إسماعيل أحمد ياغي - الدولة العثمانية في التاريخ الإسلامي الحديث - ط1 1416هـ/1996م - مكتبة العبيكان، الرياض - ص38، وانظر أيضًا: الصلابي، ص59. [17] كولن، ص19. [18] إسماعيل ياغي، ص38. [19] انظر: يلماز أوزتونا، ص100، الصلابي، ص60، إسماعيل ياغي، ص39، صالح كولن، ص23. [20] كولن، ص23. [21] ياغي، ص40. [22] كولن، ص25. [23] السابق، ص23. [24] يلماز، ص100. [25] خليل اينالجيك - تاريخ الدولة العثمانية من النشوء إلى الانحدار - ترجمة: محمد الأرنؤوط - ط1 1422هـ/2001م - دار المدار الإسلامي، بنغازي - ص26. [26] كولن، ص22. [27] يلماز، ص102. [28] دولة تطل على البحر الأدرياتيكي؛ (الصلابي، ص59): وهو بحر البنادقة، الفاصل بين شبه الجزيرة الإيطالية وشبه جزيرة البلقان. [29] الصلابي، ص59. [30] كولن، ص25. [31] ياغي، ص37. [32] كولن، ص26. [33] يلماز، ص101. [34] كولن، ص24. |
الإمام ابن باز شمس الحجاز | عبدالله ميزر الحداد | 24-04-2022 | 6,719 | https://www.alukah.net//culture/0/154408/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a8%d8%a7%d8%b2-%d8%b4%d9%85%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%ac%d8%a7%d8%b2/ | الإمام ابن باز شمس الحجاز من حكمة الله سبحانه وتعالى أن سخر للأمة في كل زمان ومكان علماء ربانيين، يحفظون دينه، ويقومون بشرعه خير قيام، ومن لطفه سبحانه أنه يسخر للناس في كل مائة عام من يجدد لهم دينهم، ويهديهم إلى جادة الصواب، وفضائل العلماء كثيرة معروفة؛ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (( وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورث علمًا، فمن أخذه أخذ بحظٍّ وافر )). وهذه المقالة عن أحد العلماء الربانيين، والأئمة الصالحين المصلحين، والسادات المجددين؛ وهو الإمام الرباني العظيم، مجدد العصر، عبدالعزيز بن باز، رحمه الله تعالى، وجزاه خير الجزاء. لقد كان الإمام ابن باز رحمه الله مثالًا رائعًا للعالم الصادق المخلص، الذي أفنى حياته في سبيل نشر العلم، ونصرة الإسلام والدعوة. إن ابن باز إمام رباني تفوق علمًا وفضلًا وفقهًا على جميع علماء عصره، ومَن بعدهم، بل لقد بلغ الإمام ابن باز مبلغًا عظيمًا في العلم والورع لم يصل إليه إلا القلة على مر الزمان، واستحق بما بلغه رضي الله عنه أن يكون من العلماء النادرين زهدًا وورعًا وعلمًا وتقوى. وابن باز رحمه الله الذي أمضى عمره في العلم والإفتاء والدعوة وإصلاح الناس جدير بما قاله الشاعر: هيهات لا يأتي الزمان بمثله إن الزمان بمثله لَبخيلُ ولا ريب أن ابن باز من خيرة أولياء الله الصالحين، والعلماء العاملين، ولا شك أنه من كبار المجددين الذين تركوا آثارًا وعلمًا لا يُنسى. وفي هذا المقال أذكر ترجمة الإمام العظيم عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى، مبينًا آثاره العظيمة وفضائله الغزيرة، وأسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق والعون، والسداد وحسن الثواب. اسمه ونسبه: هو الإمام الرباني الجليل، شيخ الإسلام، ومجدد العصر، ومفتي المسلمين، وحيد دهره، وفريد عصره؛ العلامة عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالرحمن بن محمد بن عبدالله آل باز المعروف بالإمام ابن باز، رحمه الله تعالى، وأجزل له الثواب. مولد الإمام ابن باز: في شهر ذي الحجة من سنة 1330 هجرية أشرق هذا القمر المنير، والسيد الجليل؛ ابن باز، الذي ظل يضيء للناس طريقهم إلى يومنا هذا بما تركه من علم وفقه وسيرة يفتخر بها. ولقد وُلد الإمام ابن باز رحمه الله في مدينة الرياض في أسرة كريمة، محبة للعلم وأهله. أسرة الإمام ابن باز: نشأ الإمام في أسرة علمية صالحة، محبة للخير وأهله، ومعروفة بالزهد والورع. ومن أبرز العلماء في هذه الأسرة الشيخ عبدالمحسن بن أحمد بن عبدالله بن باز، وقد توفي سنة 1342. ومن علماء هذه الأسرة الشيخ مبارك بن عبدالمحسن بن باز، فالغالب على هذه الأسرة الاشتغال بالعلم والفقه، ولا عجب وهذه الحال أن يأتي منها هذا الإمام العظيم شيخ الإسلام ابن باز، رحمه الله. أبناء الإمام ابن باز: تزوج الإمام ابن باز من ثلاث نساء، وكان له منهن أربعة أبناء وأربع بنات، فعدد أولاده الإجمالي ثمانية. وأولاده هم: عبدالله، وهو أكبرهم وبه يكنى سماحة الإمام. ثم عبدالرحمن، وثالثهم أحمد، وكان مرافقًا لوالده في الحضر والسفر. وأصغرهم خالد، وكان يدرس في جامعة الملك سعود. وقد سُئل سماحة الإمام ابن باز عن أحب أولاده إليه، فأجاب: ( كلهم بمنزلة سواء لا أقدم أحدًا على أحد ). فلله در هذا الإمام ما أعظمه! وما أحسنه! حلية الإمام ابن باز وصفاته: كان الإمام يمتاز باعتدال في بنيته، مع هيبة عظيمة، وهو ليس بالطويل البائن ولا القصير جدًّا، مستدير الوجه، حنطي اللون، له لحية قليلة على العارضين، كثة تحت الذقن، ولما كثر بياضها صبغها بالحناء، وهو صاحب بسمة رائعة، عريض الصدر، بعيد ما بين المنكبين، يمتاز بالتوسط في جسمه، وأوصافه فيها شبه من أوصاف العلماء السابقين، وكان حسن الهيئة، جميل المظهر، يحرص على لبس البياض في ثيابه، ويحب ارتداء الثياب الواسعة، وثيابه تصل إلى أنصاف ساقيه، ويزين ثيابه بمشلح وعباءة عودية اللون، وهو سلفي في المظهر والشارة، رحمه الله ورضي عنه. وقد نقلنا صفاته الجسدية من كتاب ( الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز ). وأما أخلاقه وصفاته، فقد كان الإمام ابن باز عظيم الأخلاق، تميز بالخلال الحميدة، والخصال الرشيدة، وعظيم الأخلاق، وطِيب الفِعال، وعظيم التواضع، وهو أسوة حسنة في كل شيء، وفي كل باب. وكان الإمام ابن باز مثالًا في الزهد والعبادة، والأمانة والصدق، كثير الالتجاء إلى الله، عظيم الخوف من الله. وكان الإمام زكي الفؤاد، سخيَّ اليد، طيب المعاشرة، ناصرًا للسنة، قامعًا للبدعة، واسع العلم، كثير التواضع، عفيف اللسان، عفيف النفس، بعيدًا عن المحارم، مجانبًا للمآثم، مقبلًا على الطاعات، مدبرًا عن السيئات. وكان شديد المحافظة على الصدق، أمينًا، شديد المحافظة على الأمانة، ولا أدل على ذلك من أن المسلمين في المشارق والمغارب قد ائتمنوه على دينهم وأفكارهم، فهو مفتي المسلمين، ومرجعهم الأول في هذا الزمان، وحبرهم الأعظم. ولقد كان الإمام حليمًا واسع الصدر، يعفو عن المسيء، ويصفح عن المخطئ، ويغفر لمن أساء له، وكان كريمًا جوادًا شديد الكرم حتى سماه بعض الناس ( حاتم الطائي ). فلم تكن مائدته تخلو من ضيوف قط، وكان يلتقي عليها الصغير والكبير، والغريب والقريب. وكان كثير المساعدة للفقراء والمحتاجين، وربما مرت عليه بعض الأشهر يستدين على راتبه ليعطي الفقراء والمحتاجين، ولربما باع أغراضًا مهمة لإنفاق قيمتها في سبيل الله. وكان يصرف رواتب بعض الموظفين من ماله الخاص، وجاءته امرأة وأخبرته بأن راتبها قد انقطع، فخصص لها راتبًا من ماله الخاص، رحمه الله، وجزاه خير الجزاء. وقد نقلنا هذه التفاصيل من كتاب ( الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز )، وغيره من المصادر. نشأة الإمام ابن باز وطلبه للعلم: نشأ الإمام ابن باز في أسرة صالحة، ولما بلغ سن التمييز دخل الكتاب، وتعلم مبادئ الدروس، وبدأ يحفظ القرآن الكريم، وأتم حفظ القرآن الكريم قبل البلوغ وفي عام 1346 هجرية. وعندما كان عمره ستة عشر عامًا أُصيب بمرض في عينيه، فضعف بصره بالتدريج، ثم ذهب بصره بالكلية عام 1350 هجرية. ولكن الله سبحانه عوَّضه بنور البصيرة ونور اليقين، فقدَّم للإسلام ما عجز عن تقديمه الكثير من المبصرين. وما بلغ الإمام ابن باز هذه المنزلة العالية إلا بصدقه وإخلاصه، ويقينه ونور بصيرته. وهذه التفاصيل رواها الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل وغيره. واشتهر رحمه الله بالفضل والعلم والتُّقى مبكرًا، وبرع في العلوم. ولقد طلب العلم رحمه الله على يد علماء كبار أجلاء من أهل الرياض وغيرهم، وأكثرهم من آل الشيخ أحفاد الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، كما درس على غيرهم، وساعده في طلب العلم إخلاصه وتقواه، وصلاح نيته وذكاؤه وألمعيته. شيوخ الإمام ابن باز: تلقى رحمه الله العلم على أيدي شيوخ كثيرين من أهل الخير والصلاح، وجلس عندهم مُددًا مختلفة؛ ومن أبرز مشايخه: سماحة الشيخ المفتي العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله تعالى، وهو أجل شيوخه، وأكثرهم إفادة له لازمه الإمام ابن باز عشر سنوات، وكان له الحظ الأوفر في تحقيق العلم على يدي هذا العلامة، ودرس عليه الكثير والكثير، واستمر في صحبته إلى أن قام العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ بترشيح الإمام ابن باز لمنصب القضاء عام 1357 هجرية. ومن شيوخه العلامة محمد بن عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ. ومن شيوخه العلامة صالح بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل الشيخ، وكان قاضيًا للرياض. ومن شيوخه الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق قاضي الرياض أيضًا. ومنهم الشيخ حمد بن فارس وكيل بيت المال آنذاك. والشيخ سعد وقاص البخاري أخذ عليه علم التجويد في مكة المكرمة. ملازمته للعلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ: سبق أن الإمام ابن باز لازم العلامة محمد بن إبراهيم عشر سنوات منذ سنة 1347 وحتى سنة 1357 هجرية. وكانت دراسة الإمام ابن باز على سماحة العلامة محمد بن إبراهيم لها نظامها الخاص، الذي يعتمد على التدرج والبداءة بالأهم؛ فأولًا بدأ الدراسة بالعقائد، فبدأ بالأصول الثلاثة، ثم كشف الشبهات، ثم كتاب التوحيد، وهذه كلها لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، ثم العقيدة الواسطية، لشيخ الإسلام ابن تيمية. وهكذا في بقية العلوم درسها على فضيلة الشيخ المفتي معتمدًا نظام التدرج. وفي هذا فائدة يعلمنا إياها سماحة الإمام ابن باز وشيخه العلامة؛ وهي أهمية التدرج والانتقال من مرحلة إلى مرحلة، وبهذا يسهل العلم على الطالب، ويستوعب مسائله وأصوله وقواعده. وكانت أوقات دراسة الإمام ابن باز على سماحة العلامة محمد بن إبراهيم كالآتي: من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس في المسجد. ثم ضحوة النهار في مجلس سماحة المفتي في البيت. ثم بعد الظهر وبعد العصر وبعد المغرب في المسجد. والعلامة محمد بن إبراهيم هو - كما بينا - أهم شيوخ الإمام ابن باز وأكثرهم إفادة له، وهو إمام كبير، عسى الله أن ييسر لنا إفراده بالكتابة، ونشر سيرته في الفترة المقبلة. فهؤلاء أبرز شيوخ سماحة الإمام ابن باز الذين كان لهم تأثير عليه، وكلهم من معادن العلم، وله غيرهم من الشيوخ والأساتذة رحمهم الله جميعًا. وهذا استفدناه من مقدمة الشيخ عطية محمد سالم لكتاب الإمام ابن باز ( محمد بن عبدالوهاب دعوته وسيرته ). تلاميذ الإمام ابن باز: وأما تلاميذ سماحة الإمام ابن باز فعددهم كثير جدًّا، يُقدَّر بالمئات، وكلهم من أهل الخير والصلاح، والرسوخ في العلم، ولا عجب؛ فشيخهم هو إمام الأئمة عبدالعزيز بن باز. وسأكتفي بذكر أسماء بعض تلاميذه المشهورين بالعلم والصدق، والذين بلغوا الدرجات العلى في العلم والفقه؛ فمن تلاميذه: فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين، الفقيه الكبير، صاحب المصنفات العظيمة، والفوائد الغزيرة، والعقيدة السلفية الصافية، وابن عثيمين من كبار علماء أهل السنة، ومن أفاضل الأئمة الصالحين المصلحين، وهو أشهر من نار على علم، رحمه الله تعالى. ولابن عثيمين الكثير من المؤلفات الكبيرة المتقنة العظيمة التي نصر فيها السنة، وقمع البدعة، وسأكتب عنه ترجمة كاملة لحياته بعد الإمام ابن باز إن شاء الله تعالى. ومن تلاميذه فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان، وهو إمام كبير، حفظه الله، وأمد في عمره. ومن تلاميذه العلامة الكبير صالح اللحيدان، وقد توفي منذ فترة، رحمه الله تعالى. ومن تلاميذه سماحة المفتي العلامة عبدالعزيز آل الشيخ وهو من بحور العلم، حفظه الله تعالى. ومن تلاميذه الشيخ العلامة عبدالمحسن العباد، حفظه الله، وهو من كبار العلماء الأجلاء في زماننا. ومن تلاميذه العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد. ومن تلاميذه الشيخ محمد بن سليمان الأشقر، صاحب كتاب زبدة التفسير، والشيخ سعود بن إبراهيم الشريم إمام المسجد الحرام، وكذلك درس لديه العلامة عثمان الخميس من دولة الكويت، وله غير هؤلاء الكثير من التلاميذ. وقد جمعنا أسماء تلاميذه من عدة مصادر؛ أهمها موقع الإمام ابن باز الإلكتروني. علوم الإمام ابن باز: كان الإمام ابن باز - طيب الله ثراه - من كبار العلماء المجتهدين، ومن صفوة الفقهاء العاملين. وهو - بلا ريب - مجدد العصر، ومجدد القرن، كما شهد له بذلك كبار العلماء، وكما يظهر من مؤلفاته العظيمة. ولقد منحه الله علمًا غزيرًا، ومعرفة قوية باللغة العربية، جعلته واحدًا من كبار المجتهدين الذين يمكنهم العودة إلى الأدلة الشرعية، واستنباط الأحكام منها. والإمام ابن باز هو أعظم علماء عصرنا، وأجلُّ أئمة الإسلام في زماننا، ولا أبالغ أبدًا إذا قلت: إن الإمام ابن باز لا يوجد له نظير ولا شبيه في علماء القرون الماضية منذ زمان ابن حجر العسقلاني، هذا على الأقل رأيي ورأي كل من اطلع على كتب الشيخ، ورأى عظيم علمه؛ يقول الشيخ عبدالله بن سليمان المنيع: "لا شك أن شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالعزيز – يعني: ابن باز - إمام ومجدد في العصر الحاضر؛ فهو إمام في علم الحديث ورجاله بلا نزاع، وهو إمام في الفقه ودقة النظر، وإمام في الدعوة إلى الله بلسانه وقلمه، ونفسه وماله، وهو إمام في كرم النفس، وكرم اليد، وإمام في النصح في العمل والمثابرة عليه، وإمام في السماحة والتواضع، والقناعة والتقوى والصلاح، إننا لا نستطيع أن نجد في عصرنا الحاضر عالمًا كان له من الثقة والقبول العام والاطمئنان والمحبة والاعتبار ما كان لشيخنا عبدالعزيز بن باز؛ فهو إمام العصر وحبره وعالمه". وهذا قاله في تقريظه لكتاب ( الإنجاز في سيرة ابن باز ). ولقد كان الإمام ابن باز شبيهًا بشيخ الإسلام المجدد محمد بن عبدالوهاب؛ من حيث سعة العلم، وصدق العمل، وعظمة النية، ونشر الدعوة، والحرص على الخير، وغير ذلك. وبالجملة؛ فقد برع سماحة الإمام ابن باز في مختلف أنواع العلوم، وبلغ فيها مبلغًا لم يبلغه إلا القلة على مر الزمان، واستحق أن يكون المرجع الأول للعلم والفقه في عصرنا. والإمام ابن باز قد صرف جل اهتمامه للعقيدة والتوحيد، والحديث والفقه، مع عدم إهماله لبقية العلوم، بل هو البحر في كل علم، والحبر في كل باب، رحمه الله تعالى. مؤلفات الإمام ابن باز: صنف سماحة الإمام ابن باز الكثير من المؤلفات، وأثرى المكتبة الإسلامية بالكثير من الكتب العظيمة في شتى المجالات، وبلغت مؤلفاته ما يقارب الستين كتابًا، ما بين مطول ومتوسط ومختصر، وكلها كتب عظيمة غزيرة النفع، كثيرة الفوائد. ولقد ألف ابن باز في كل ما يحتاج إليه المسلمون؛ فألف في العقيدة وما يناقضها، وألف في التحذير من البدع، والحث على السنن، وألف في الفقه والحديث، والدعوة والأذكار، والتراجم، وألف عن المرأة المسلمة، والشباب المسلم، وألف في الرد على الأفكار الدخيلة، وفي الجهاد، وغير ذلك الكثير. وقد كتب الله لمؤلفاته القبول، وانتشرت بين الناس، واستفاد منها خلائق كثر، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرًا. ولما انتشرت مؤلفاته، وتلقاها أهل العلم بالقبول والثناء، صار ذلك من الدلائل على حسن نيته، رحمه الله. لأنه كما قال العلامة ابن عثيمين في كتابه شرح الأربعين النووية: "قبول الناس المؤلفات من الدليل على إخلاص النية". والغالب على كتب سماحة الإمام سهولة العبارة، مع تحري الصواب والمنهج الصحيح، وقد تُرجمت كتبه إلى عدة لغات، وانتشرت انتشارًا، حتى وجد بعضها في أدغال إفريقيا، وحكى بعض الدكاترة المصريين أنه رأى صفًّا طويلًا في معرض الكتاب الدولي في القاهرة، فاستغرب لهذا الأمر العجيب، ووقف مع الناس ليعرف الأمر، فإذا به يفاجأ بأن الصف من أجل أنه يوزع كتاب ( التحذير من البدع ) لسماحة الإمام ابن باز؛ يقول الدكتور: ( فكبرت بأعلى صوتي وقلت: جاء الحق وزهق الباطل ). ولنذكر الآن بعض مؤلفات الإمام ابن باز، رحمه الله تعالى: فمن مؤلفاته: كتاب الأدلة الكاشفة لبعض الكتاب، وكتاب إقامة البراهين على من استغاث بغير الله أو صدق الكهنة والعرافين. وكتاب الإمام محمد بن عبدالوهاب دعوته وسيرته، وكتاب بيان معنى كلمة لا إله إلا الله، وكتاب شرح كتاب التوحيد، وكتاب شرح الأصول الثلاثة، وكتاب مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، وكتاب وجوب العمل بالسنة وكفر من أنكرها، وكتاب نقد القومية العربية على ضوء الإسلام والواقع. وكتاب الفوائد الجلية في المباحث الفرضية، وكتاب الرسائل والفتاوى النسائية، وكتاب مجموعة رسائل في الطهارة والصلاة والوضوء، وكتاب التحذير من البدع، وكتاب التحذير من المغالاة في المهور والإسراف في حفلات الزواج، وكتاب الجواب المفيد في حكم التصوير، وكتاب هكذا حج النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، وكتاب حكم الغناء، وكتاب الغزو الفكري ووسائله، وكتاب العقيدة الصحيحة وما يضادها، وكتاب وجوب لزوم السنة والحذر من البدعة. وله من المؤلفات غير ذلك الكثير، ومن أراد الاستقصاء فليراجع كتاب (الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز). المناصب التي تولاها الإمام ابن باز: من الطبيعي بعد أن عرفنا شخصية الإمام ابن باز، وتعرفنا على فضله وعلمه، وفقهه وتقواه، وورعه وتقدير الناس له، ومحبتهم له - من الطبيعي بعد هذا أن نجده تولى المناصب الرفيعة، بل تولى أهم المناصب وأرفعها؛ كمنصب المفتي، ورئيس هيئة كبار العلماء. والتزم سماحة الإمام ابن باز في كل المناصب التي تولاها الأخلاق العالية، والخصال الحميدة، والورع، والعدل، وحب الخير للناس، ومساعدة الناس، وإرشاد المسلمين وتعليمهم، وقام بكل ما يمليه عليه دينه وخلقه الرفيع. وأثبت رحمه الله أنه خير من تولى الإفتاء والقضاء وهذه المناصب العالية، وأنه نموذج فريد من الناس قلما يجود الزمان بمثله. ولنذكر الآن المناصب التي تولاها سماحة الإمام رحمه الله: 1- تولى الإمام ابن باز القضاء في منطقة الخرج عام 1357 هجرية. ولم يكن رحمه الله راغبًا في القضاء، إلا أنه تولاه بإلزام من سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ومن الملك عبدالعزيز آل سعود. وبقي فيها قاضيًا أكثر من أربع عشرة سنة، وأحبه أهلها، وفرحوا بقدومه، وخدم الخرج وأهلها خدمات جليلة، وقصده طلبة العلم من داخل السعودية وخارجها للدراسة عليه، وقصده الطلاب من اليمن والعراق وفلسطين وغيرها، وكثر عددهم، حتى بُنيت لهم حجرات خاصة بأمر من الملك عبدالعزيز، واستأجر سماحته لبعضهم بيوتًا بسبب امتلاء الحجرات، فكان قاضيًا ومعلمًا في آنٍ واحد. وكان آية في العدل بين الخصوم في مجلس القضاء، وكان يتثبت قبل الحكم ويحكم بالعدل، وكثيرًا ما يدعوهم إلى الصلح رحمه الله تعالى. 2- تولى الإمام رحمه الله التدريس في المعهد العلمي بالرياض سنة 1371 هجرية بأمر من سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ. ثم تولى الإمام ابن باز التدريس في كلية الشريعة، وتخرج على يديه أفواج من أهل العلم والصلاح، وقد ذكرنا بعضهم، وكان يدرس الحديث والعقيدة والفقه والنحو، وكان خير مثالٍ للمعلم الجاد الذي يريد فلاح تلاميذه، واستمر مدرسًا حتى عام 1380 هجرية. 3- عُيِّن سماحة الإمام ابن باز نائبًا لرئيس الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1381 هجرية بأمر من سماحة المفتي محمد بن إبراهيم، ثم عُيِّن رئيسًا للجامعة الإسلامية عام 1390 هجرية، واستمر رئيسًا لها حتى عام 1395 هجرية. وكان لسماحة الإمام دور كبير في نهضة الجامعة الإسلامية وازدهارها، بل هو الذي ارتقى بها إلى القمة، وإلى أعلى درجات النهضة، حتى أصبحت صرحًا علميًّا مرموقًا، ومن أراد الاطلاع على إسهامات الإمام فيها فليراجع: (الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز). 4- تولى سماحة الإمام رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، برتبة وزير، عام 1395 هجرية، وكان له أطيب الأثر فيها كما هي عادته في كل ما تولاه. 5- تولى سماحة الإمام ابن باز منصب المفتي العام للمملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى رئاسة هيئة كبار العلماء، ورئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، وذلك عام 1413 هجرية، واستمر حتى وفاته رحمه الله تعالى. كما تولى سماحة الإمام رحمه الله عدة مناصب أخرى؛ وهي: 6- رئاسة اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. 7- رئاسة وعضوية المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي. 8- رئاسة المجمع الإسلامي بمكة المكرمة التابع للرابطة أيضًا. 9- عضوية المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. 10- عضوية الهيئة العليا للدعوة الإسلامية. 11- عضوية الصندوق الدائم للتنمية الشبابية. فانظر - رحمك الله - كيف تولى سماحة الإمام ابن باز كل هذه المناصب الرفيعة التي تنوء بحملها العصبة أولو القوة، ومع ذلك حملها سماحة الإمام وقام بأداء حقها خير قيام، وساهم في نهضتها وازدهارها أيما إسهام. ولولا خشية الإطالة، لذكرنا مآثره وإسهاماته الجليلة في هذه المناصب، فقد ترك في كل عمل تولاه أثرًا لا يُنسى، فرحمة الله على هذا الإمام الجليل. وفاة الإمام ابن باز: بعد حياة عظيمة مليئة بالعلم والفقه، زاخرة بالعطاء والإحسان، وبعد تسعين سنة قضاها في العلم والدعوة، وخدمة الإسلام، ونفع الناس والإحسان، وتقديم الغالي والنفيس للعلم وأهله وطلابه، وللأمة الإسلامية، قضى الله أن يرحل سماحة الإمام ابن باز عن هذه الدنيا الفانية إلى ثواب الله وجنات النعيم إن شاء الله تعالى. توفي سماحة الإمام ابن باز فجر الخميس في السابع والعشرين من محرم سنة 1420 هجرية في مدينة الطائف، وصُلِّي عليه في المسجد الحرام، ثم دُفن في مقبرة العدل بمكة المكرمة، وحضر جنازته والصلاة عليه خلائق كثيرة من الناس، وكان وفاته خسارة كبيرة، وفاجعة عظيمة للأمة الإسلامية جمعاء، كيف لا وقد مات إمام العصر، وشيخ الزمان، وحيد الدهر، وفريد الأوان. وغاب قمر من أقمار هذه الأمة، ومات الإمام الجليل الحبر العظيم ابن باز، الذي طالما نفع الأمة الإسلامية، وقدم الغالي والنفيس من أجلها، حتى صار مفتي الأمة وشيخ المسلمين. قصائد في مدح الإمام ابن باز: أُنشدت في مدح الإمام ابن باز الكثير من القصائد قبل وفاته وبعدها، ومدحه كثير من الناس، وهو أهل لكل مدح وثناء، وسأذكر بعضًا مما قيل في مدح الإمام من الشعر: قال عائض القرني مادحًا سماحة الإمام ابن باز: قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي فقمت أنشد أشواقي وألطافي عفوًا لك الله قد أحببت طلعتكم لأنها ذكرتني سير أسلافي والمدح يا والدي في غيركم كذب لأنكم لفؤادي بلسم شافي يكفيك يا شيخ أن الناس قد شُغلوا بالمغريات وأنت الثابت الوافي وأنت جالست أهل العلم فانتظمت لك المعالي ولم تولع بإرجاف ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة وعذرها أنها في عصر إنصاف يكفي محياك أن القلب يعمره من حبكم يا والدي أضعاف أضعاف وقال ناصر بن مسفر الزهراني يمدح الإمام ابن باز: يا مرحبًا بإمام قدره عال وصوته عندنا مستعذب غال يا مرحبًا يا إمام الحق أنفسنا قامت تحييك في حب وإجلال ما أعظم الأنس يا أغلى الضيوف فقد جدتم علينا وأنتم أهل أفضال من ضيفنا؟ خير من في الأرض في نظري شهادة ما أنا عنها بميال يا رائد العلم في هذا الزمان ويا مجدد العصر في علم وأعمال في الجود مدرسة في البذل مملكة في العلم نابغة أستاذ أجيال الحق مذهبه والنصح يعجبه والذكر يطربه يحيا به سال يا درة العصر يا بحر العلوم فما رأت لك العين من ند وأمثال مثل ابن حنبل أو مثل ابن تيمية أو البخاري في إسناده العالي لكننا يا حبيب القلب نبصرهم كأنما مثلوا في شخصك الغالي وبهذا أرجو أن أكون قد جليت سيرة هذا الإمام العظيم مجدد العصر عبدالعزيز بن باز، وأن أكون قد أظهرت هذه السيرة العظيمة. وأنا مقر بالتقصير، معترف بالعجز، ولكني اجتهدت لأبين شيئًا من حياة هذا الرجل، الذي لا أظنه يتكرر. ولا ريب أن سماحة الإمام ابن باز هو أعلى علماء هذا العصر قدرًا وأكثرهم علمًا. وأنا وكل طالب للحق نحب سماحة الإمام في الله حبًّا كبيرًا، فهو مجدد العصر، وإمام الدعوة في عصرنا رحمه الله تعالى. وبهذا أكون قد أنجزت ما أردت كتابته في هذا المقال عن سيرة سماحة الإمام، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين أجمعين [1] [1] المصادر والمراجع: 1-كتاب الإنجاز في ترجمة الإمام عبدالعزيز بن باز؛ عبدالرحمن بن يوسف الرحمة. 2-ترجمة سماحة الإمام ابن باز في موقع الإمام ابن باز على الشبكة. 3-مقالات منشورة في موقع الألوكة عن حياة الإمام ابن باز. |
قنبلة الألفية | د. زيد بن محمد الرماني | 20-04-2022 | 3,335 | https://www.alukah.net//culture/0/154340/%d9%82%d9%86%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%84%d9%81%d9%8a%d8%a9/ | قنبلة الألفية لقد كتبت عشية الألفية الثانية وبداية الثالثة مقالة جاء فيها: إذا كان السبب في انتقال المجتمعات الزراعية بشكل عام إلى المجتمعات الصناعية، يعود إلى اختراع الآلة، فإن السبب في انتقال المجتمع الصناعي إلى مجتمع المعلومات يعود إلى اختراع الحاسوب قبل أكثر من نصف قرن. بيد أن التطور الأهم في عالم الحاسوب جاء في أواخر الخمسينات، مع ابتكار لغة (الكوبول)، وهي لغة حاسوبية شديدة السهولة أصبح من اليسير جدًا على الجميع استخدامها، وكانت بمثابة القاعدة التي انطلقت منها الثورة المعلوماتية المعاصرة، ومن أجل توفير المساحة الثمينة على الكروت المثقبة التي كانت تعمل بها حاسوبات تلك الأيام، تمّ اختصار تاريخ السنة إلى رقمين فقط، وكان هذا الخطأ التقني الصغير هو منبت المشكلة التي يعتقد بعض المتابعين أنها ربما تقود إلى نهاية العالم، وتعرف باسم مشكلة عام 2000م. وتتمثل المشكلة في أن الكثير من حواسيب العالم ودوائر الرقائق الدقيقة، وهي الدوائر التي تدير كل شيء بدءًا من آلات صرف النقود الإلكترونية وحتى أجهزة الفيديو المنزلية والصواريخ الباليستية العابرة للقارات ستضمن عيبًا في البرمجة، يجعلها عاجزة عن قراءة التاريخ 2000م. إن مشكلة العام 2000م بوصفها شبكة كونية من العواقب المترابطة، تبدأ عند المركز في الدول المتقدمة تقنيًا لكنها سرعان ما ستمتد إلى بقية أنحاء العالم في سرعة مخيفة، حسب توقعات الخبراء. وعلى المستوى الاقتصادي تقدم التكلفة الإجمالية التعامل مع مشكلة العام 2000م على صعيد العالم بما يتراوح بين 300 600 بليون دولار، وهي التكلفة المباشرة وحدها، والمرتبطة بمحاولات معالجة المشكلة.. إن الأضرار الاقتصادية المتوقعة ربما تصل 120 بليون دولار. وعلى المستوى التقني، ينبغي أن تدرك أنه خلال السنوات الأربعين الماضية كتب آلاف المبرمجين البلايين من سطور الشيفرة الإلكترونية (الكود).. البرمجية لأجهزة الحاسوب التي يعتمد عليها الآن اقتصاد العالم ومجتمعاته؛ لذا يشير أحد المحللّين إلى أنه سيتعين عزل 180 بليونًا من سطور الكود البرمجية على المستوى العالمي كتبت ربما يقارب من 2500 لغة حاسوبية. يقول جون بيترسون في مقالة له بعنوان: مشكلة العام 2000: إننا نتحدث عن مشكلة سميت في البداية علّة الألفية The Millennial Bug ثم صعدتها الحساسية المتزايدة فيما يتعلق بخطورة الأزمة الوشيكة لتصبح قنبلة الألفية. ويقول ريتشارد لاكايو في مقالة له بعنوان نهاية العالم الآن: علّة الألفية يمكنها أن تضرب كل شيء، فالمنجمّون يقولون إنها نهاية العالم. ويقول داميان طومسون.. في مقالة له بعنوان: الألفية الالكترونية المشؤومة: تخلّف التنبؤات المتشائمة بالكوارث التي ستحدث في أعقاب انهيار الحواسيب بسبب مشكلة العام 2000 رنينًا مألوفًا على نحو مثير لدى ملايين المؤمنين بالقيامة الألفية في سائر انحاء العالم: ذعر الجماهير، وشلل الحكومات، واحداث شغب من أجل الغذاء، وطائرات تصطدم بناطحات السحاب. إن القضايا موضع النقاش هنا هي: الزمن والناس، والأموال، وطبيعة النظم. والواقع أن الآثار الاقتصادية فيما يتعلق بالاقتصاد الكوني ضخمة وغير معروفة. بقواعد روس واجنر في مقالة له بعنوان مشكلة العام 2000 في البورصة والاقتصاد: قد تؤدي المشكلة الحاسوبية للعام 2000م خلال وقت ما من عام 1999م إلى تدهور اقتصادي عالمي النطاق في اسواق المال فاذا ما حدث، فسوف يظل الركود مخيّمًا على أسواق الاسهم الكونية. إن من المرجّح أن يحبس المستثمرون أنفاسهم خلال شهور العام2000م محجمين عن التعامل في الاسهم حتى يقتنعوا بأن العام كله سيتخلص بنجاح من آثار مشكلة عام2000م، وبالتالي يمكن لتحفظهم هذا أن يؤخر انتعاش الأسواق المالية في العالم حتى عام 2001م. إن هذه النرفزات المالية هي أشبه بطفل جريء يعلم إلى أية مسافة يمكن أن يخطو فوق بركة من الجليد، لكنه يندفع عائدًا بفزع شديد نحو الشاطئ عند اول رؤية او اول صوت يسمعه لتشققات في الجليد، لكنه ما يلبث أن يعيد كرة المغامرة،، مرة أخرى. إن مثل هذه الذهنية لا تملك سوى أن تعجّل بحركة الاندفاع نحو الشاطئ المالي والذي سببته التشققات المتعددة والوشيكة للمشكلة الالفية في الجليد الاقتصادي وستبدأ مثل هذه التشققات في الظهور في أواخر عام 1999م. مشكلة العام 2000 مشكلة بالغة الخطورة وممتدة التأثير في مختلف مناحي حياتنا، ومن الواضع أن هذه المشكلة في حاجة ماسة وعاجلة إلى الحل المناسب في الوقت المناسب بما يمنع حدوث صدمة اقتصادية خطيرة الاقتصاد العالمي، وحيث إن البورصة ليست سوى انعكاس لدى سلامة أداء الاقتصاد، فإن من المرجح أن تعكس الأسواق الكونية للأسهم هذه الصدمة الاقتصادية من خلال تزايد هبوط أسعارها. ختامًا أقول: إن الأرض ستظل تدور حول الشمس وتقترب من العام 2000، واذا لم نستطع أن ننتقل على الفور من بلاغة القول إلى جدّية الفعل، ومن الخطابات السياسية إلى المشاركة الاقتصادية الجماعية، وإذا لم نبدأ في التواصل المشترك فيما بيننا من أجل الهدف المشترك، فسوف نعيش وضعًا مخيفًا فجر ذلك اليوم، والعُهدة على خبراء الحواسيب، وستعاني من عواقب كان بالإمكان تجنبّها لو تعلّمنا تلك الدروس وأعددنا العدة اللازمة. |
رقمنة الأخلاق | محمد عمر المصري | 20-04-2022 | 2,378 | https://www.alukah.net//culture/0/154338/%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%82/ | رقمنة الأخلاق إن المفهوم الفلسفي للأخلاق مفهومٌ ضاربٌ في أعماق الإنسانية، جُبِل عليه البشر للدلالة على تميُّزهم عن سائر المخلوقات، وإن كان من الكائنات من يتصرف تصرفًا نعده محمودًا؛ كأن تعطف هرة على جرو وتتقبَّله بين صغارها! ويعزو هذا المفهوم الأخلاق إلى أنها مجموعة القيم والمبادئ التي يتحلى بها الأفراد أو الجماعات، وتعتبر شكلًا من أشكال الوعي والحضارة الإنسانية، ينادي بها العقلاء والحكماء، ولا تستقيم أمور الدولة بنظمها وقوانينها إلا بها. والأخلاق نزعة إنسانية تدعو لفعل الخير وتجنُّب أعمال الشر ومشتبهاته، وهي أيضًا مكون ديني ثابت لا تستقيم العبادات والمعاملات من دونه، فالعدل كأمر أخلاقي تألفه النفس ويقره الشرع وينشده القانون. والفارق بين الأخلاق في كونها نزعة إنسانية وضرورة تنظيمية في المجتمعات وبين كونها مكونًا إسلاميًّا ساميًا هو أن مصدرها في النفس والمجتمع ربما يتغير من نفس لأخرى ومن مجتمع لآخر في بعض حالاته، فعندما يلتزم المرء بالعفاف وعدم السرقة، فإن المجتمع لا ينبذه والقانون لا يجرمه، لكن لا المجتمع ولا القانون يضمن له عقبى حسنة في آخرته جراء التزامه بالعفاف، كذلك فإن بعض الأعراف الحسنة والأخلاق النبيلة متغيرة من مجتمع لآخر، فالمجتمع الغربي يرى أنه لا بأس بخروج المرأة مُتبرِّجة بزينة، وأن تواعد خطيبها وتحتضنه وتفعل معه ما تفعله المرأة مع زوجها! وهذه أمور قد درج عليها العرف محافظًا كان أم غير محافظ، حسب البيئة الاجتماعية التي تسير تصرفات الناس حسب النظرة العقلية الحكيمة وحسب ما يرونه من ضرورة اجتماعية لا تقيدها حدود الشرع أو الدين! غير أن الأمر أصبح له بُعد حديث الظهور نوعًا ما وهو البعد الرقمي للأخلاق، أو الأخلاق الرقمية التي لم أقف على تعريف لها بعد، ولا أدعي أني أخترع هذا المصطلح لتحميل السياق بما لا يحتمله من معانٍ ومصطلحات، خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع متغير ذي أبعاد مختلفة في بعض الثقافات، لكنه ثابت تليد وإلزامي في الثقافة الإسلامية التي تجعل الأخلاق تتسع ليس لتنطلق من الضمير الإنساني فقط، بل من استشعار مراقبة الله تعالى وتقواه! وتلك المراقبة تستدعي أن نسير بالأخلاق وتسير بنا في منعطفات الحياة المختلفة بلا تغير، فليس ما أعده ذنبًا في بيئة ما هو تقرب إلى الله في بيئة أخرى، فالأخلاق في عمومها كلٌّ واحد لا يتجزأ، ومظهر واحد يضفي على الإنسان مدى تمسُّكه بالقيم والمبادئ وتعليمات الشرائع المختلفة! ويظهر في المجال الرقمي أخلاق هلامية يتخفى وراءها بعضٌ ممن في قلوبهم مرض، وغشيهم نوع من النفاق الاجتماعي، فيظهر في صورة الملاك الطاهر، حسن السيرة والسلوك الرقمي، كحسن صورته المزينة بها صفحته على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن وراء الأكمة ما وراءها، فالناصح الذي يعظ الناس ليلَ نهارَ بتقوى الله تعالى واتِّباع سنة نبيه والتحلي بالأخلاق الحسنة، لا يتورع أن يرتكب من المعاصي والآثام ما الله به عليم! والأمين الذي يدل الناس على سُبُل النفع المادي والاستثمار ذي العائد المرتفع لا يتورع أن يأكل أموال الناس بالباطل، ويسرق ويسرف بلا رقيب. ومع الضرورة الحياتية بأن تتم بعض المعاملات عن بُعد، أصبحنا لا نرى من نتعامل معه، وأصبح من لديه فراسة التأمل في وجه الناس فيعرف صادقهم من كاذبهم لا تسعه تلك الفراسة للحكم على الأشخاص الرقميين! ولا سبيل لتوجيه الأخلاق الرقمية وجهة حسنة إلا بتضييق دائرة المعارف في وسائل التواصل الاجتماعي والتواصي دومًا بالأخلاق الحميدة والنصح الشخصي، وأن يعلم الناس أن ساحة التواصل الاجتماعي كواقع افتراضي لها ما لها وعليها ما عليها، وأنها كالواقع الفعلي من حيث الثواب والعقاب، فما يرتكب من جرم في وسائل التواصل الاجتماعي يعاقب عليه القانون ويؤخذ بذنبه المجرم. |
الإنترنت وأثره النفسي والعقلي والسلوكي والثقافي على الطفل والمراهق | د. فاطمة عشري المساوي | 19-04-2022 | 7,805 | https://www.alukah.net//culture/0/154303/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%aa%d8%b1%d9%86%d8%aa-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%88%d9%83%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%81%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%82/ | الإنترنت وأثره النفسي والعقلي والسلوكي والثقافي على الطفل والمراهق كيف يمكن استخدام الإنترنت بشكل إيجابي من خلال قوة عقلك الباطن؟ نتحدث هنا عن الاستخدام المفرط لـ" الإنترنت " بما يؤثر على الحياة الطبيعة والاستقرار للطفل والمراهق، وتعرض لخطر الإصابة باضطراب إدمان " الإنترنت "، فهناك علاقات تربط بين استخدام الوسائط التكنولوجية والرقمية بالصحة النفسية والعقلية، والسلوكية والثقافية للطفل والمراهق وللمجتمع كله، وهي قيد البحث بين عديد من الخبراء في المجتمع الطبي والعلمي والتكنولوجي على تحديد تصنيف لهذا الاستخدام. ولهذا قد يصنف استخدام " الإنترنت " بشكل إيجابي من حيث الالتزام المهني والتعليمي في مشاركة الفرد لبعض المهام والمسؤوليات، في تخصصات مختلفة بأشكال مختلفة بواسطة "الإنترنت"، وهناك شكل سلبي وهو استخدام " الإنترنت " بشكل مبالغ فيه، بما يضيع الوقت والجهد والمال، ويأخذ مساحة من التركيز العقلي والإدراكي والانفعالي، لا فائدة منه، مثل الألعاب الإلكترونية العنيفة، وقد يسبب الفشل أثناء اللعب إلى الاكتئاب والانطواء، والهزل في الصحة العامة للجسم، وقلة التفاعل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة. وهذا يوضح أن هناك تأثيرًا للحالة النفسية والعقلية، والصحية والعاطفية، والمهنية والاجتماعية للفرد المدمن للإنترنت؛ بسبب قلة النوم، وإجهاد العين والظهر، وبالتالي ضعف الإقبال على المذاكرة أو العمل، أو القيام بأي نشاط داخل أو خارج المنزل، وهي أعراض الانسحاب أو إدمان " الإنترنت " التي ينتج عنها الهياج والاكتئاب، والغضب والقلق، يكون لها دور خطير ومدمر لحياة هذا الفرد، وهذا طبقًا لما يتابع ويشاهد على " الإنترنت "، بما يمكن اعتباره اتجاهًا ثقافيًّا لسلوك مرغوب أو غير مرغوب فيه من الوالدين. اضطراب التواصل هو اضطراب سلوكي مفترض، يتعلق بضرورة التواصل المستمر مع الآخرين، حتى في حالة عدم وجود ضرورة عملية لهذا التواصل، فيها يصبح المستخدمون " الإنترنت " مدمنين على التواصل الفردي أو الجماعي، في شكل علاقات دعم اجتماعية، أو ترفيهية، أو شخصية، مع صعوبة الوصول إلى الهوية الحقيقية للشخص المرسل أو المستقبل، وطبيعة التفاعل بينهم، ولهذا قد نجد بعض الأشخاص الشيء الوحيد المهم هو أن يكون لديهم الكثير من الأصدقاء على شبكة " الإنترنت "، بغض النظر عما إذا كانوا غير متصلين أو افتراضيين فقط؛ هذا ينطبق بشكل خاص على المراهقين لتعزيز الذات، وإظهار صورتهم المثالية للآخرين، أو التعبير عن شخصيتهم الحقيقية، وليس للترويج لهويتهم المثالية، وتلقي الدعم باستمرار بأشكال مختلفة، بما يوفره "الإنترنت" لعلاقات بديلة، بشكل آمن للأشخاص الذين يعانون من صعوبات التواصل الاجتماعي. من عوامل الخطر من إدمان " الإنترنت " هو إحداث تغيرات شخصية وسلوكية في الأشخاص الأصحاء، حتى يصبحوا مرضى نفسيين، الشخص يختلف تفكيره وإدراكه، ومعتقداته وسلوكه، وكلامه من يوم لآخر، اعتمادًا على ما يقرأ ويسمع ويشاهد على " الإنترنت "، بما قد يحدث تغيير مفاجئ للطفل والمراهق، لا علاقة له بالواقع الشخصي أو الأسري، فيصاب بتطرف في المزاج، يظهر في صورة نشاط مفرط "الهياج العصبي " أو نشاط أقل " اكتئاب "، أو اضطراب في الوعي، أو البلادة، أو البطء في الاستجابة، أو سرعة الاستجابة بكلام غير منطقي لا يناسب أي سؤال يوجه إليهم، فقد يكون الرد يصحبه توهج عاطفي، أو نوبة غضب أو صمت، إدمان "الإنترنت" يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على وظائف الدماغ؛ مثل: صعوبة الحركة، أو قلة التوازن الحركي، أو التحدث بأسلوب غير مناسب "تجد ألفاظًا غير لائقة أو غير مفهومة" للشخص العادي، مشاكل الرؤية، الصداع الكلي. قد يعتقد البعض أن " الإنترنت " نوع فرعي من الوسائل التكنولوجية الأوسع حول العالم، تسمح بالحضور في أي وقت، وأي مكان، للشخصين المتصلين، ولكنها تسبب الوفاة عند الأطفال والمراهقين، وهنا نتحدث عن طريقة جديدة لقتل الطفل إذا تم تحفيزه باللعب باستمرار، بواسطة الهواتف الذكية خلال فترة الرضاعة وما بعدها، فإن عقولهم قد تنجح أو تفشل في تحقيق التوازن بين النمو العقلي والطبيعي، وهي أحد أخطار إدمان " الإنترنت ". الحل يكمن هنا في استخدام الأخصائي النفسي أولًا: العلاج النفسي والمعرفي والسلوكي والأسرى؛ من حيث السيطرة على الانفعالات، وتعلم إستراتيجيات إدارة الوقت، زيادة الوعي الذاتي، والوعي بالآخرين حول العالم، تحديد محفزات على السلوك المرغوب فيه، تعلم إدارة العواطف، والتحكم في الدوافع المتعلقة بالتفاعل مع الأشخاص على صفحات التواصل الاجتماعي، محاولة تحسين مهارات التواصل والتفاعل الاجتماعي بشكل حقيقي وإيجابي، وتحسين أساليب المواجهة بوضوح، قوة الشخصية والالتزام الأخلاقي، تنمية الاهتمامات في أنشطة بديلة عن الموهبة والإبداع، يمكن استخدام أسلوب توجيهي يركز على إحداث تغيير تنموي ومهاري في سلوك الطفل أو المراهق من خلال الوالدين. ثانيًا: يمكن التأثير على الصحة العقلية من خلال الإجابة على هذا السؤال: كيف يمكن استخدام "الإنترنت" بشكل إيجابي من خلال قوة " عقلك" الباطن ؟ هو الاعتراف بفوائد " الإنترنت "، وأثره على تنمية المهارات النفسية والاجتماعية والثقافية للطفل والمراهق، التعرف على قوة "عقلك" الباطن كأحد الأدلة التي يساعدك في معرفة كيف يمكن أن يؤدي تغيير أنماط تفكيرك إلى حياة أفضل، عن التأثيرات الواسعة " للعقل " الباطن على جميع جوانب الحياة؛ حيث يشمل المال والعلاقات، والوظائف والسعادة؛ ولهذا يجب توجيه قوة "عقلك" الباطن لتحقيق أهدافك وأحلامك، واكتشاف ذاتك، وتحقيق النجاحات الهائلة بواسطة " الإنترنت ". يعد العقل الباطن شيئًا محسوسًا، وليس ملموسًا مثل الروح، يتم فيه تخزين التجارب والمشاعر، والأفكار والأحاسيس، والخبرات والغرائز، فهو مخزن للخبرات المترسبة، يضم العقل الباطن محركات ومحفزات داخلية تعمل أثناء الاستيقاظ والنوم، وذلك لمساعدته في الوصول إلى الأهداف، والوصول إلى النتيجة المطلوبة في أمر معين، فإن آلية عمل العقل الباطن تشبه آلية عمل جهاز الكمبيوتر؛ لذا عندما يريد الإنسان نتائج صحيحة ومرضية، فعليه ضبط البرامج بطريقة صحيحة ومؤثرة، وذلك عن طريق إدخال بيانات ومعلومات دقيقة وصحيحة مثل دخولك على محرك البحث للجوجل، والبحث عن شيء معين يخرج لك ما تبحث عنه بصورة منظمة الأهم ثم المهم، وهذا يمكن أن يساعدك على علاج نفسك، وإبعاد مخاوفك، والنوم بشكل أفضل، والاستمتاع بعلاقات أفضل والشعور بالسعادة، من خلال تقنيات بسيطة، وتأتي النتائج بسرعة، يمكنك تحسين علاقاتك وأموالك، ورفاهيتك وطاقتك الجسدية، وذلك من خلال توجيهات عقلك الباطن، إطلاق العنان للقوى العقلية غير العادية لبناء الثقة بالنفس، وخلق علاقات متناغمة، واكتساب النجاح العلمي والمهني، وجمع الثروة، تحقيق الرفاهية والسعادة بشكل عام. وهذا يعتبر الدليل الإرشادي للتحريك السلوك المرغوب إلى غير المرغوب، والعكس صحيح، للحصول على ما تريد، كما تريد، حينما تريد، يمكنك استخدام خيالك لاقتراح أفكار لعقلك الباطن، سيقوم عقلك بتوجيه سلوكك لجعل هذه الأفكار حقيقية، دون علمك؛ يمكن لعقلك الباطن معالجة المعلومات بشكل أسرع، وبطرق مختلفة عن نفسك الواعية، فقد يمكنك أن تسير على طريقتك الخاصة؛ لهذا فإن تركه يفعل ما يريد أثناء النوم يمكن أن يؤدي إلى أفكار أوضح، ورأي أكثر ثقة، تتضح لك عندما تستيقظ؛ لذلك نَمْ ثم اتخذ القرار، ثم تمنَّ الخير للآخرين؛ حتى يساعدك ذلك في الحصول على ما تريد، بشكل أفضل مما تريد. ونتعلم مما سبق أن التغيرات في الشخصية أو في السلوك أو في التفكير، ناتجة عن الظروف الأسرية والاقتصادية، والتربوية والاجتماعية والثقافية للطفل والمراهق، فقط ولكن هناك ما يسمى اضطراب إدمان " الإنترنت ". |
عرض موجز لبعض كتب أحكام النساء | مها محمد المهوس | 19-04-2022 | 4,872 | https://www.alukah.net//culture/0/154298/%d8%b9%d8%b1%d8%b6-%d9%85%d9%88%d8%ac%d8%b2-%d9%84%d8%a8%d8%b9%d8%b6-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a1/ | عرض موجز لبعض كتب أحكام النساء تعددت جوانب المؤلفات، ومن الجوانب التي حرصت على الوقوف عليها: هو ما يخص أحكام النساء، فمما وقفت عليه: ١- أحكام النساء عن الإمام أحمد بن حنبل. ٢- أحكام النساء لابن الجوزي. ٣- أحكام النساء لابن العطار. وفيما يلي ذكر لمحات لهذه الكتب. أما عن الكتاب الأول : فقد حققه الأستاذ عمرو سليم، ويقع في جزء واحد، تبلغ عدد صفحاته ٢٠٠ تقريبًا. وهذا الكتاب هو جزء من أجزاء الجامع المشهور في فقه ومسائل الإمام أحمد لأبي بكر الخلال، وقد ذُكر فيه عدد من المسائل التي تخصُّ المرأة في أبواب الفقه؛ منها: مسألة: حكم كشف المرأة وجهها وكفيها. مسألة: حكم أكل الرجل مع مطلقته. مسألة: حكم صوت المرأة. مسألة: حكم تطبيب غير المسلمة للمسلمة. مسألة: حكم خروج النساء للعيدين. وغيرها من المسائل التي وردت. وأما بالنسبة لطريقة عرض هذه المسائل، فتدون المسألة ثم يعقبها ما يدل عليها من الأحاديث والآثار، وعمل المحقق هو بتخريج الآثار وعزوها، مع النظر في المخطوطات ومقابلتها، وبيان ما حُرِّف من النصوص. أما عن الكتاب الثاني ، فقد حققه الأستاذ عمرو سليم، ويقع في جزء واحد، تبلغ عدد صفحاته ٤٠٠ تقريبًا. وهو كتاب نافع في بابه، احتوى على أهم ما يجب على المرأة معرفته من الأحكام الشرعية مع الأدلة على ذلك. ومن المسائل التي ذكرت: مسألة: الختان للمرأة. مسألة: في الحيض والنفاس. مسألة: ثواب طاعة الزوج. مسألة: في النهي عن تشبه المرأة بالرجل. مسألة: في ذكر لعن زوارات القبور. مسألة: في ثواب تربية الأولاد. وغيرها من المسائل التي وردت. أما عن الكتاب الثالث: فقد حققته الدكتورة إيمان عزام، ويقع في ٤ أجزاء، تبلغ عدد صفحاته ١,٨٠٠ تقريبًا. وقد اعتنت المحققة بهذا المخطوط، فكان أول جزء منه يتحدث عن مؤلف الكتاب وهو علاء الدين ابن العطار، دمشقي، شافعي المذهب. وقيل بأنَّ هذا الكتاب لابن العطَّار أول كتاب فقهي أفرد في أحكام النساء. ومن المسائل التي تحدِّث عنها الكتاب: مسألة: حكم المرأة في صلاة المرض والسفر والخوف. مسألة: إمامة المرأة للرجال. مسألة: صفة غسل المرأة. مسألة: في حق الزوج على زوجته. مسألة: حكم عيادة النساء للمرضى. مسألة: ما تحرم فيه الغيرة على المرأة وما تجب فيه. مسألة: موضع وصفة وقوف النساء بعرفة. مسألة: صفة توريث الإناث. وغيرها من المسائل التي وردت. ومن الكتب التي وقفت عليها: جامع في أحكام النساء لمصطفى العدوي، معاصر. وإنني أدعو - أخواتي المسلمات - إلى العناية بالأحكام التي تخصهنَّ من أمر دينهنَّ، فإنَّما يراد العلم للعمل، فتتعلَّم الواحدة منَّا أمر دينها؛ لتعبد الله على بصيرة، ثم تزكِّي هذا العلم وتنشره في أوساط النساء. |
أهم الأحداث التاريخية الواقعة في رمضان | د. عبدالسلام حمود غالب | 19-04-2022 | 25,573 | https://www.alukah.net//culture/0/154295/%d8%a3%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%82%d8%b9%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b1%d9%85%d8%b6%d8%a7%d9%86/ | أهم الأحداث التاريخية الواقعة في رمضان حسب ترتيب صاحب الفقه الإسلامي وأدلته الدكتور وهبة الزحيلي رحمة الله عليه؛ حيث يقول: إن أهم حدث في رمضان هو نزول القرآن الكريم في ليلة الخامس والعشرين. ثم وقعت أحداث تاريخية فاصلة كبرى في شهر رمضان، تدل على أن الإسلام يقدر الأمور حق قدرها، وأن شعار الصوم هو القوة والجهاد والعمل، لا الضعف والهروب، والفتور والكسل، والخمول والنوم، كما هو حاصل اليوم، فالمسلم يتفاعل مع واقع الحياة، ويتكيف مع الظروف، فلا يثنيه واجب ديني عن واجب معيشي أو حياتي، ولا تحد من عزيمته وهمته أهواء الدنيا، ومغريات الطعام والشراب، ولا يصح لمسلم أن يقول: إن الصوم يعطل الأعمال، ويؤخر المجتمعات، فسبيل الإسلام معروف وهو الجهاد، ودين الله وشرعه يسر لا عسر، فقد أباح الفطر وحضَّ عليه في السفر والحرب، وحكم بأن الصائمين حينئذٍ متنطعون متشددون، وبأن المفطرين في الجهاد ذهبوا بالأجر كله، كما بيَّن النبي صلَّى الله عليه وسلم في فتح مكة، وكان أول المفطرين. ودليل ما نقول: هذه الأحداث الكبرى التي وقعت في رمضان ونكتفي بذكر أشهرها، للاستدلال على أن النصر مرتبط بتطهير النفوس وصفائها وسموها وترفُّعها عن أدران المادة، وأن أيام رمضان مباركة ينتهز فيها الخير والنصر والفضل الإلهي، إذا توجهت القلوب لرب الأرض والسماء؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126]. ومن أهم الأحداث التي حصلت للأمة الإسلامية في شهر رمضان المبارك: 1- معركة بدر الكبرى 17 رمضان السنة الثانية للهجرة: وهي يوم الفرقان الذي فرق الله فيه بين الحق والباطل، فانتصر فيه الإسلام - رمز القيم العليا في التوحيد والتفكير، والحياة السوية والأخلاق الصحيحة - واندحر الشرك والوثنية؛ رمز الانحدار والتخلف والتعقيد، وإهدار الكرامة الإنسانية. والمعركة حدثت في يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة؛ قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آل عمران: 123]، وقال ابن عباس: "كانت يوم الجمعة السابع عشر من شهر رمضان، وفيها قُتل فرعون الأمة أبو جهل أكبر أعداء الإسلام". 2 - فتح مكة في 20 رمضان في السنة الثامنة للهجرة: وهو الفتح الأكبر؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا ﴾ [الفتح: 1]، حدث في يوم الجمعة في العشرين أو الحادي والعشرين من رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وقد تم به القضاء على فلول الوثنية، وتم به تحطيم الأصنام حول الكعبة. وفي رمضان من السنة الخامسة كان استعداد المسلمين لغزوة الخندق التي وقعت في شوال من العام نفسه. 3- وقعت بعض أحداث غزوة تبوك في رمضان سنة 9هـ، وفي رمضان كانت معركة القادسية، ومعركة البويب، وفتح رودس. 4- انتشر الإسلام في اليمن في السنة العاشرة في رمضان، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم عليَّ بن أبي طالب على رأس سرية إلى اليمن، وحمل معه كتابًا إليهم. 5- هدم خالد بن الوليد لخمس بقين من رمضان في السنة الثامنة البيت الذي كانت تعبد فيه العزى في نخلة، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: ((تلك العزى ولا تعبد أبدًا)). ووجه الرسول صلى الله عليه وسلم السرايا لهدم الأصنام. 6- قدم في السنة التاسعة في رمضان وفد ثقيف من الطائف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون الإسلام، وهدم فيها صنم اللات الذي كانت تعبده ثقيف. 7- في صبيحة يوم الجمعة في 25 من رمضان479 هـ حدثت موقعة الزلَّاقة (سهل يقع على مقربة من البرتغال الحالية) أو يوم العروبة والإسلام، وانتصر فيها جيش المرابطين المسلمين في الأندلس بقيادة يوسف بن تاشفين على جيش الفرنجة البالغ ثمانين ألف مقاتل بقيادة الفونس السادس ملك قشتالة. 8- موقعة عين جالوت: (قرية بين بيسان ونابلس) حدثت في صبيحة يوم الجمعة في الخامس عشر من رمضان سنة 658 هـ الموافق 3 أيلول (سبتمبر) 1260م، بقيادة السلطان قُطُز سلطان المماليك في مصر، بعد أن صاح بأعلى صوته: وإسلاماه، وانتصر فيها على المغول الذين ولوا الأدبار لا يلوون على شيء، وتم فيها توحيد مصر وبلاد الشام، وإنقاذ الإسلام والمسلمين من همجية المغول، كما أن البطل صلاح الدين خاض معارك حاسمة ضد الصليبيين في رمضان. 9- فتح الأندلس: في رمضان كانت معركة طريف تمهيدًا لفتح الأندلس، وكانت معركة الزلاقة، ثم حدث فتح الأندلس في 28 رمضان سنة 92هـ/19 يوليو (تموز) 711 م بقيادة طارق بن زياد بعد أن هزم روذريق قائد القوط في موقعة حاسمة تعرف بـ"موقعة البحيرة"، بعد أن استولى على مضيق جبل طارق وأحرق سفنه، وقال كلمته المشهورة: "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم"، ثم تم بعدها فتح قرطبة وغرناطة وطليطلة العاصمة السياسية للأندلس. وفي رمضان كانت آخر المعارك مع الصليبيين لتطهير أرضنا وديارنا من أرجاسهم. 10- وفي العاشر من رمضان سنة 1393هـ/1973م كانت معركة العبور؛ أي: عبور القوات المصرية المسلحة قناة السويس من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية، بعد احتلال اليهود لها مدة نحو سبع سنوات في الخامس من شهر حزيران سنة 1967م، ووصلت في العاشر من شهر رمضان القوات السورية إلى شواطئ بحيرة طبرية، ولقَّن الفلسطينيون العدو الصهيوني في رمضان في معركة الكرامة في نيسان (أبريل) سنة 1968م درسًا لا ينساه مع قلتهم، وتمكن العدو في موقع إستراتيجي رائع. |
إبراز جهود الشيخ عثمان بن فودي العلمية من خلال كتاب "أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي" للدكتور علي بن غانم الهاجري | د. محمد ساني إبراهيم | 19-04-2022 | 2,757 | https://www.alukah.net//culture/0/154290/%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%b2-%d8%ac%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d9%81%d9%88%d8%af%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-"%d8%a3%d8%b3%d8%b7%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d9%88%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d9%81%d9%88%d8%af%d9%8a"-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%83%d8%aa%d9%88%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%ba%d8%a7%d9%86%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%ac%d8%b1%d9%8a/ | إبراز جهود الشيخ عثمان بن فودي العلمية من خلال كتاب "أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي" للدكتور علي بن غانم الهاجري صدر في شهر مارس من العام الجاري 2022م كتاب "أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي"؛ للأديب والدبلوماسي القطري الدكتور علي بن غانم الهاجري، ليُغني أرشيف المكتبات العربية والعالمية بشخصية لا تزال مغمورة في العالم العربي، رغم ما لها من تأثير كبير في قارة إفريقيا السمراء عامة، وفي غرب إفريقيا خاصة، وهذا الكتاب الذي رأى النور مؤخرًا، هدف إلى التعريف بهذا العَلَمِ الفذِّ من أعلام القارة السمراء، مع إبراز دوره الريادي في مختلف الأصعدة الدينية، والسياسية، والإدارية، والمالية، والعسكرية، والعلمية. والدكتور غانم الهاجري صاحب مشروع بحثي عملاق، يحاول من خلاله التنقيب عن كنوز الإرث الحضاري الإسلامي، وإبراز الدور الرائد لأبناء هذه الثقافة في صرح الفكر الإنساني قاطبة، من أقصى المعمورة شرقًا، إلى أقصاها غربًا، فألَّف عددًا من الكتب العلمية الجادة والمتميزة؛ بغية تحقيق هذا الهدف السامي، ولعل من أهم الكتب التي رأت النور لحدِّ الساعة، كتابه حول أسرة مينغ الصينية التي أسست أعظم إمبراطورياتها على يد كبيرها تشودي، ومؤسس دبلوماسيتها وأعظم بحاريها تشنغ خه، كما أتحفنا بكتاب آخر بعنوان: "السلطنة الجبرية"، ثم واصلت سفنه البحثية الإبحار تشق عباب البحار، فكان من ثمار ذلك أنه انطلق نحو الغرب باتجاه ديار الأندلس؛ ليطلعنا على شخصية عظيمة من خلال كتابه "الحاجب المنصور أسطورة الأندلس"، ثم وقف أخيرًا في الشواطئ الإفريقية ليعرفنا بأحد أهم رواد العمل الإنساني هناك؛ إنه "عثمان بن فودي"، تلك الشخصية المجددة للفكر والثقافة والتنمية في القارة السمراء. ويسعى هذا المقال إلى إبراز جانب مهم من الجوانب التي تناولها هذا الكتاب؛ ألا وهو إبراز جهود الشيخ عثمان بن فودي العلمية. الشيخ عثمان بن فودي والازدهار الثقافي: أسهم الشيخ عثمان بن فودي إسهامًا فعالًا في دفع عجلة الحياة الثقافية والتربوية والاجتماعية في المجتمعات الإفريقية، وخلَّف تراثًا فكريًّا ضخمًا في جميع مجالات العلوم الإنسانية والتربوية [1] ؛ لذلك عدَّ المؤرخون عهد الشيخ عثمان بن فودي أخصب عهود بلاد غرب إفريقيا ثقافة، وأكثرها ازدهارًا بالعلم، وأوسعها عطاء بالإنتاج الفكري؛ وذلك لاهتمام الشيخ عثمان بن فودي بنشر العلم واحترامه وتكريمه للعلماء، وهو الأمر الذي أدى إلى ازدهار حركة التأليف في جميع العلوم مما عز نظيره في بقية عهود بلاد إفريقيا [2] . وبِناء على ذلك، أولَى مؤلف الكتاب هذا الجانب عناية كبيرة فأفرد له فصلًا قائمًا بذاته، فصَّل فيه جهود الشيخ عثمان بن فودي العلمية في الدولة الصكتية، وبالتحديد جهوده في الجانب التعليمي، وفي تعليم اللغة العربية وانتشارها، ثم جهوده أيضًا في تعليم المرأة، هذا، بالإضافة إلى إسهامات الشيخ عثمان بن فودي في التأليف، والشعر، وقد اعتمد في سرد معلوماته على مصادر علمية موثوقة. جهود الشيخ عثمان بن فودي في الجانب التعليمي: قد كان الناس في بلاد "الهوسا" يذهبون للدراسة إلى المراكز العلمية في بلاد "السودان الغربي"، وكذلك بلاد "المغرب" (المغرب العربي)، فلما برز الشيخ عثمان بن فودي رجع الناس إليه في أمور دينهم وعلمِهم، وقصدوه من كل جهة [3] ، ولذلك، عندما أسند الشيخ عثمان بن فودي الخلافة لابنه وأخيه، قعد للتدريس، وتصدر مجالس الوعظ وتعليم القرآن في جامع "سوكوتو"، الذي أصبح من أكبر مراكز التعليم في غرب إفريقيا [4] ، وقد قام الشيخ عثمان بن فودي بتخريج كثير من التلاميذ الذي كان لهم دور ريادي في نشر التعليم والعلم في بلاد "الهوسا" [5] ، والبلدان المجاورة لها. جهود الشيخ عثمان بن فودي في تعليم اللغة العربية وانتشارها: بلغت اللغة العربية في عهد الشيخ عثمان بن فودي أوجَ ازدهارها ومجدها، ففي عهده أصبح الحرف العربي هو الحرف الذي يكتب به أشهر اللغات الإفريقية، مثل: الهوسا والفلانية والسواحلية والولفية، وغيرها من اللغات، كذلك في عهد الشيخ عثمان بن فودي وخلفائه أسهمت عملية التدوين في نقل العلوم والمعارف المختلفة، وترجمتها من اللغة العربية إلى اللغات المحلية في شكل منظومات مقفاة بتنشيط اللغة العربية وانتشارها، وأسهم ذلك أيضًا في دفع نشاط الحركة العلمية وازدهارها، فنتج عن هذا النشاط ظهور نسخ من القرآن الكريم باللغات المحلية، هذا، إلى جانب إنتاجات العلماء والأدباء في العلوم المختلفة بهذه اللغات، هذا الاهتمام المتزايد من الشيخ عثمان بن فودي باللغة العربية جعل إسهام العلماء الأفارقة في الثقافة العربية والإسلامية يبلغ ذروته في عصر الدولة الصكتية، من حيث التأليف والتدريس، وهذا التمكين للغة العربية في بلاد "نيجيريا" جعل منها اللغة الرسمية للدولة الصكتية [6] . جهود الشيخ عثمان بن فودي في تعليم المرأة: يتجلى البُعد العلمي والتربوي عند الشيخ عثمان بن فودي في موقفه من تعليم المرأة، وخاصة إذا ما عرفنا أن تلك المدة كانت مدة ركود فكري في بلاد "الهوسا" عامة؛ لذلك كان تعليم المرأة والعناية بتربيتها وتثقيفها من أقل اهتمامات العلماء؛ لهذا وجه الشيخ عثمان بن فودي جهوده إلى تعليم المرأة، ولذلك قد أسهم الشيخ عثمان بن فودي إسهامًا كبيرًا في تعليم المرأة نظريًّا وعمليًّا، وتصدى لمن وقف ضد تعليم المرأة، وكان لديه مواقف مشرفة في ذلك، مما أدى إلى انضمام كثير من النسوة اللاتي أسهمن في حركة النهوض التي قادها، لا سيما ابنته نانا أسماء التي كانت ضمن عالمات تخرجن وتتلمذن على يده، وتولت أسماء وغيرها بعد ذلك تدريس النساء في نظام مزدهر، وسميت مدارس ومنظمات نسائية كثيرة باسمها تكريمًا لها [7] . إسهامات الشيخ عثمان بن فودي في التأليف: يعد عصر الدولة الصكتية التي أسسها الشيخ عثمان بن فودي من أكثر الدول الإسلامية في "السودان الغربي" ثراءً في الإنتاج العلمي؛ فقد أولَى الشيخ عثمان بن فودي العلم كل الاهتمام، فازدهر في دولته كل الازدهار، ونشطت حركة التأليف لدرجة أنه لم يزدهر العلم والتأليف في الدول الإسلامية التي سبقتها في غرب إفريقيا مثلما ازدهر فيها، ودليل ذلك إنتاجاتها الأدبية والدينية، التي ما زالت تكشف لنا الأيام عن الكثير من كنوزها الدفينة، وقد أنتج الشيخ عثمان بن فودي نفسه عددًا كبيرًا من الإنتاجات العلمية في مختلف المجالات المعرفية، بل إن الدولة الصكتية بقيادته وأخيه وابنه من بعده استطاعت أن تخلف وراءها المئات من الكتب والمصنفات الجليلة في فنون المعرفة المختلفة، واستطاعت أن تخرج العشرات من العلماء والفقهاء، والشعراء والكتاب، والمؤرخين ورجال الدين، الذين أغنوا الحياة العلمية في القارة الإفريقية [8] . إسهامات الشيخ عثمان بن فودي في الشعر: لقد كان الشيخ عثمان بن فودي شاعرًا مفوهًا له شعر حسن، وكان شعره ذا قيمة تاريخية واجتماعية؛ نظرًا لما يعرضه من أحداث ووقائع، وقد جاء شعره في الدين والزهد والتقشف، ويظهر فيه اعتزازه بدينه، بل إن كتب التاريخ ذكرت أنه كان مبدعًا في تأليف العديد من القصائد والموشحات ذات المضمون الأخلاقي والعلمي والإرشادي الراقي باللغات المحلية والعربية، لرفع مستوى الوعي الاجتماعي، ويعد من أبرز القصائد التي نظمها "القصيدة الدالية" في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم. الخاتمة: ظهر من المعلومات السابقة الذكر في هذا المقال أن الشيخ عثمان بن فودي بذل جهدًا كبيرًا في الجانب العلمي، وخصوصًا في الجانب التعليمي، وفي تعليم اللغة العربية وانتشارها، وأيضًا في تعليم المرأة، هذا، بالإضافة إلى إسهامات الشيخ عثمان بن فودي في التأليف، والشعر، وقد حاول الدكتور علي بن غانم الهاجري أن يقف على كل نقطة على حدةٍ، مبينًا جهود الشيخ عثمان بن فودي العلمية ومستشهدًا بالبيانات الموثوقة التي تؤكد ما ذهب إليه، وهذا جهد كبير يستحق الإشادة به. [1] الهاجري، علي بن غانم (2022)، أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي، ط1، منشورات ضفاف/منشورات الاختلاف، ص129. [2] الهاجري، علي بن غانم (2022)، أسطورة إفريقيا وعالمها الشيخ عثمان بن فودي، ط1، منشورات ضفاف/منشورات الاختلاف، ص129. [3] الهاجري، علي بن غانم، ص 132. [4] الهاجري، علي بن غانم، ص 134. [5] قبيلة من أهم القبائل الموجودة في غرب إفريقيا، وخصوصًا في نيجيريا، وجمهورية النيجر، وتشاد، والكاميرون، والبنين، وغانا وغيرها من الدول الإفريقية. [6] الهاجري، علي بن غانم، ص 143-154. [7] الهاجري، علي بن غانم، ص 143-154. [8] الهاجري، علي بن غانم، ص 165- 170. |
شذرات من مناقب العفيفة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (2) | محمد عبدالرحمن صادق | 18-04-2022 | 4,179 | https://www.alukah.net//culture/0/154269/%d8%b4%d8%b0%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%81%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d8%a6%d8%b4%d8%a9-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87%d8%a7-2/ | شذرات من مناقب العفيفة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضِي الله عنها (2) تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن: تعريف بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، كما تحدثنا عن زواجها ومدى حب النبي لها، كما عرجنا على مدى عدل النبي صلى الله عليه وسلم بين زوجاته، وبعد ذلك تناولنا شيئًا يسيرًا من فضلها وعلمها، وأخيرًا تحدثنا عن فضلها في القرآن الكريم، رضي الله عنها وأرضاها، ولعن الله من آذاها. 8- دعاءُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه قالت: "لَمَّا رأَيْتُ مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم طِيبَ نفسٍ، قُلْتُ: يا رسولَ اللهِ، ادعُ اللهَ لي، فقال: ((اللَّهمَّ اغفِرْ لِعائشةَ ما تقدَّم مِن ذنبِها وما تأخَّر، ما أسرَّتْ وما أعلَنَتْ)) فضحِكَتْ عائشةُ حتَّى سقَط رأسُها في حِجْرِها مِن الضَّحِكِ، قال لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((أيسُرُّكِ دعائي؟))، فقالت: وما لي لا يسُرُّني دعاؤُكَ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((واللهِ إنَّها لَدعائي لِأُمَّتي في كلِّ صلاةٍ))"؛ (صحيح ابن حبان). 9- حياء أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: إن المرأة المؤمنة بفطرتها النقية تستحي من أي رجل حتى لو كان زوجها، فما ظنك بمن لا تستحي من الأحياء فحسب؛ بل تستحي من الأموات؟! عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن أم المؤمنين عائِشةَ قالت: "كنتُ أدخُلُ بَيتي الذي دُفِنَ فيه رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأَبي، فأضَعُ ثَوْبي، وأقولُ: إنَّما هو زَوْجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عُمَرُ معهم، فواللهِ ما دخَلتُهُ إلَّا وأنا مَشدودةٌ علَيَّ ثيابي؛ حَياءً مِن عُمَرَ!"؛ (تخريج المسند، صحيح على شرط الشيخين). عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يُبعثُ النَّاسُ يومَ القيامةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا))، فقالت عائشةُ: فَكيفَ بالعوْراتِ؟ قالَ: ((﴿ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 37]))؛ (صحيح النسائي). 10- عبادة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: عن عروة بن الزبير رضي الله عنه أنَّ عائشةَ رضيَ اللَّهُ عنها كانت تَصومُ الدَّهرَ، في السَّفَر، والحضَرِ"؛ (نخب الأفكار بإسناد صحيح). *المعنى: أنها رضي الله عنها كانت تصوم غيرَ الأيام المنهي عنها؛ كالعيدين، وأيام التشريق، والحَيْض. وروى ابن أبي الدنيا بإسناده، عن القاسم بن محمد بن أبي بكر رضي الله عنهم، قال: "كنت غدوت يومًا فإذا عائشة قائمة تسبح- يعني: تصلي- وتبكي، وتقرأ: ﴿ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ [الطور: 27] وتدعو وتبكي، وترددها، فقمت حتى مللت القيام، فذهبت إلى السوق لحاجتي، ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي"؛ (فتح الباري). 11- زهد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "ما شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مِن خُبْزِ شَعِيرٍ يَومَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، حتَّى قُبِضَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم"؛ (صحيح مسلم). عن عطاء أنَّ مُعاويةَ بعَثَ إلى عائشةَ بقِلادةٍ بمِئةِ ألفٍ، فقسَمَتْها بيْنَ أُمَّهاتِ المؤمنينَ. عن أُمِّ ذَرَّةَ، قالتْ: بعَثَ ابنُ الزُّبَيرِ إلى عائشةَ بمالٍ في غِرارَتَينِ، يَكونُ مِئةَ ألْفٍ، فدعَتْ بطَبقٍ، فجعَلَتْ تَقسِمُ في النَّاسِ. فلمَّا أمسَتْ، قالت: هاتي يا جاريةُ فُطوري. فقالتْ أُمُّ ذَرَّةَ: يا أُمَّ المؤمنينَ، أمَا استطَعتِ أنْ تَشتري لنا لَحمًا بدِرهَمٍ؟ قالتْ: لا تُعنِّفيني، لو أذكَرْتِني لفَعَلتُ"؛ (تخريج سير أعلام النبلاء، رجاله ثقات). 12- مهارة أم المؤمنين عائشة في الطب: عن الشعبي قال: قيل لعائشة: يا أم المؤمنين، هذا القرآن تلقيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الحلال والحرام، وهذا الشعر والنسب والأخبار سمعتها من أبيك وغيره، فما بال الطب؟ قالت: كانت الوفود تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يزال الرجل يشكو علة، فيسأله عن دوائها، فيخبره بذلك؛ فحفظت ما كان يصفه لهم وفهمته"؛ (سير أعلام النبلاء). 13- جهاد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "لَمَّا كانَ يَوْمُ أُحُدٍ، انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قالَ: وَلقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بنْتَ أَبِي بَكْرٍ، وَأُمَّ سُلَيْمٍ وإنَّهُما لَمُشَمِّرَتَانِ، أَرَى خَدَمَ سُوقِهِما تَنْقُزَانِ القِرَبَ، وَقالَ غَيْرُهُ: تَنْقُلَانِ القِرَبَ علَى مُتُونِهِمَا، ثُمَّ تُفْرِغَانِهِ في أَفْوَاهِ القَوْمِ، ثُمَّ تَرْجِعَانِ فَتَمْلَآنِهَا، ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهَا في أَفْوَاهِ القَوْمِ"؛ (صحيح البخاري). عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "خرَجْتُ يومَ الخَندقِ أقفو أثَرَ النَّاسِ... إلى أن قالت: فقُمْتُ فاقتحَمْتُ حديقةً فإذا فيها نفَرٌ مِن المُسلِمينَ فيهم عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضِي اللهُ عنه، فقال عُمَرُ: وَيْحَكِ ما جاء بكِ؟! لَعَمْرِي واللهِ إنَّكِ لَجريئةٌ!"؛ (تخريج صحيح ابن حبان بإسناد حسن). 14- بعض المواقف من حياة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: 1- عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت عند رجل فسبها الطاهرة الذكية فقيل له: أليست بأمك؟ قال: ما هي لي بأم، فبلغها ذلك فقالت: صدق، أنا أم المؤمنين، فأما الكافرون فلست لهم بأم؛ (الشريعة للآجري). 2- لم يكن لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في بداية الأمر خادم، ثمَّ اشترت جارية اسمها بَرِيرة وأعتقتها، واشترطت أن يكون ولاؤها لها، ولما ذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اشتريها وأعتِقيها؛ فإنَّ الولاءَ لمن أعتق))؛ (صحيح النسائي). 3- كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تغار على النبي صلى الله عليه وسلم، ولما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا: ((ما لَكِ يا عَائِشَةُ؟ أَغِرْتِ؟)) فَقُلتُ: وَما لي لا يَغَارُ مِثْلِي علَى مِثْلِكَ؟...))؛ (صحيح مسلم). 4- بلغ من حب النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وخوفه عليها أنه كان يأمرها أن تسترقي من العين؛ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "كانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ"؛ (صحيح مسلم). 5- الواجب على المسلم الإمساك عن المفاضلة بين مناقب الصحابة؛ فكلهم على خير، ويكفيهم شرف صدقهم في صحبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الإمساك عن الخوض فيما شجر بين الصحابة؛ فهم بين مجتهد مُصيب له أجران، وآخر غير مصيب له أجر. كانت علاقة عَائِشَة رضي الله عنها بعليٍّ رضي الله عنه قبل وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم علاقة حميمة، ثمَّ بعد وفاة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حدثت فتنة الجمل، واختلف كل من عَائِشَة وعلي رضي الله عنهما في الاجتهاد، وحصل ما حصل، ولكن بالرغم من ذلك، لم تكن العلاقة بينهما علاقة عداء وجفاء، بل إن عَائِشَة رضي الله عنها لما أرادت الخروج من البصرة- بعد انتهاء فتنة الجمل- بعث إليها عليٌّ رضي الله عنه بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك، وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام، واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات، وسيَّر معها أخاها محمد بن أبي بكر، فلما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء عليٌّ فوقف على الباب وحضر الناس وخرجت من الدار في الهودج فودعت الناس ودعت لهم، وقالت: «يَا بَنِيَّ لا يَعْتِبْ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ، إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَلِيٍّ فِي الْقِدَمِ إِلا مَا يَكُونُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَأَحْمَائِهَا، وَإِنَّهُ عَلَى مَعْتَبَتِي لَمِنَ الأخْيَارِ»، فقال علي رضي الله عنه: «صَدَقَتْ وَاللَّهِ مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا إِلا ذَاكَ، وَإِنَّهَا لَزَوْجَةُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ»، ثم سار عليٌّ معها مودعًا ومشيعًا أميالًا؛ (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم لابن الجوزي). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة): "فإنَّ عائشة لم تقاتِل، ولم تخرج لقتال، وإنما خرجتْ لقصد الإصلاح بين المسلمين، وظنَّتْ أنَّ في خروجها مصلحةً للمسلمين، ثم تبيَّن لها فيما بعد أنَّ ترك الخروج كان أولى، فكانتْ إذا ذكرتْ خروجَها تبكي حتى تبل خمارها، وهكذا عامة السابقين ندموا على ما دخلوا فيه من القتال، فندم طلحة، والزبير، وعلي، رضي الله عنهم أجمعين، ولم يكن "يوم الجمل" لهؤلاء قصد في الاقتتال، ولكن وقع الاقتتال بغير اختيارهم"؛ ا هـ. 6- إن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عرَفت لله تعالى فضله عليها حين برَّأها من فوق سبع سماوات، وذلك بقرآن يُتلى ويُتعبد بتلاوته إلى يوم القيامة. عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيدالله بن عبدالله أن أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها، "حِينَ قالَ لَهَا أهْلُ الإفْكِ ما قالوا، وكُلٌّ حدَّثَني طَائِفَةً مِنَ الحَديثِ، قالَتْ: فَاضْطَجَعْتُ علَى فِرَاشِي وأَنَا حِينَئِذٍ أعْلَمُ أنِّي بَرِيئَةٌ، وأنَّ اللَّهَ يُبَرِّئُنِي، ولَكِنِّي واللَّهِ ما كُنْتُ أظُنُّ أنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ في شَأْنِي وحْيًا يُتْلَى، ولَشَأْنِي في نَفْسِي كانَ أحْقَرَ مِن أنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بأَمْرٍ يُتْلَى، وأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ ﴾ [النور: 11] العَشْرَ الآيَاتِ كُلَّهَا"؛ (صحيح البخاري). 15- مرض أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ووفاتها: مرضتْ أُمُّ المؤمنين عائشة في آخِرِ حياتها مرضًا ألْزمها الفراشَ، وأحاطها الصحابةُ بعنايتهم واهتمامهم بصحَّتِها، فكان يدخل عليها بعضُ الصحابة الذين هم مِن قرابتها، مثل عبدالله بن عباس، فيُثني عليها؛ لتخفيفِ وطأة المرض عنها، ولم تكن تحبُّ أن تسمع مَن يُثني عليها، قالت رضي الله عنها: "أثنَى عليَّ عبدالله بن عباس، ولم أكن أُحبُّ أن أسمع أحدًا اليوم يُثني علي، لوددتُ أنِّي كنت نسيًا منسيًّا"؛ (الطبقات لابن سعد). أما عن وفاة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: توفيت رضي الله عنها سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان وخمسين ولها ثلاث وستون سنة وأشهر؛ (مسند الإمام أحمد). تُوفيت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ليلة الثلاثاء، لسبع عشرة ليلة مضت من رمضان. صلى أبو هريرة رضي الله عنه على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بعد الوِتْر، ودُفنت بالبقيع. أخيرًا أقول: إنَّ أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها شمسٌ لا يمكن حجب نورها، فهي رضي الله عنها موجودة في كل بيت، وعلى كل لسان، وفي كل عصر ومصر، هي ملء السمع والبصر، وأحمق من تسول له نفسُه أنه يستطيع أن يحجب شيئًا من أنوارها، ولقد أثبتت الأيام والأحداث أنه كلما زاد إرجاف المرجفين في حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، زاد الناس لها حبًّا، واستزادوا من فضائلها ومناقبها، وعلا مقامها، ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنافقون: 8]. رحمَ اللهُ تعالى الصِّدِّيقَةَ بِنْت الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةَ حَبِيبِ اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ، أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها رحمةً واسعةً، وجزاها عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء. |
معنى اسم خولة | د. تيسير الغول | 17-04-2022 | 13,129 | https://www.alukah.net//culture/0/154259/%d9%85%d8%b9%d9%86%d9%89-%d8%a7%d8%b3%d9%85-%d8%ae%d9%88%d9%84%d8%a9/ | معنى اسم خولة السؤال: هل ورد اسم خولة في القرآن الكريم؟ وما معنى خولة؟ وهل يصلح أن يُطلَق على الذكر والأنثى أم الأنثى فقط؟ يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأنعام: ﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ [الأنعام: 94]. لو نظرنا إلى كلمة ﴿ خَوَّلْنَاكُمْ ﴾ لوجدنا أنها تعني النعم التي أعطاها الله تعالى للإنسان في حياته الدنيا؛ أي: إن كلمة﴿ خَوَّلْنَاكُمْ ﴾ تعني النعم، من خولة وهي النعمة؛ أي: إن معنى خولة: هي نعمة. وخَوَّلهُ حَقًّا؛ أي: أَكْسَبَهُ إِيَّاه، مَنَحَهُ إِيَّاهُ، أَعْطَاهُ إِيَّاهُ مُتَفضِّلًا. خوَّل إليه إدارة أعمال الشركة: منحه السلطة عليها والتصرف بشأنها؛ وعلى هذا فإن خولة تعني النعمة أو العطية أو المنحة الربانية. هل يصلح هذا الاسم أن يُطلَق على الذكر؟ الجواب: نعم. يصلح أن يطلق على الذكر إذا عدنا إلى أصل المعنى، فالخولة تكون للذكر والأنثى؛ نقول: هذا خولة من الله، وهذه خولة من الله، إلا أن الدارج والشائع توقيف هذا الاسم على الأنثى دون الذكر. وقد أعطت العرب اسم الأنثى للمذكر، وسمت بالمثنى "زيدان" و"بدران" و"حسنين"، وسمّت بالجمع "زيدون"، وسمت جملة فعلية "تأبط شرًّا"، و"شَابَ قرْناها"، وقد تضاف تاء التأنيث للمبالغة في المعنى مثل "سلَّامة"، "علَّامة"، "خولة"، "حمزة"، "طلحة"، "عقلة"، وسمت العرب بعض الأسماء بالفعل مثل: "يزيد" و"أحمد". وأخيرًا فلك أن تسمي ما تشاء؛ فالأسماء لا تُعلَّل، ويبقى معنى الاسم المراد في نفس المسمى. وبمناسبة اسم خولة فإنه من الجدير أن نذكر الشخصية التاريخية المسماة خولة بنت الأزور فهي خولة بنت الأزور الأسدي: شاعرة، كانت من أشجع النساء في عصرها، وتشبه بخالد بن الوليد في حملاتها، وهي أخت ضرار بن الأزور، لها أخبار كثيرة؛ (من فتوح الشام). وقد أنكر بعض المؤرخين شخصية خولة بنت الأزور، وقالوا: إنه لم يكن هناك شخصية بهذا الاسم، وإنه لم يَرِدْ ذكرُها في السير إلا ما ذكره الواقدي في "فتوح الشام"، ومما هو معلوم أن كتاب "فتوح الشام" فيه شبهة النسبة للواقدي، وهو كتاب مكذوب عليه كما يقول المؤرخون، والله أعلم. |
شذرات من مناقب العفيفة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (1) | محمد عبدالرحمن صادق | 17-04-2022 | 6,477 | https://www.alukah.net//culture/0/154258/%d8%b4%d8%b0%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%81%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d8%a3%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d9%85%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%b9%d8%a7%d8%a6%d8%b4%d8%a9-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87%d8%a7-1/ | شذرات من مناقب العفيفة الطاهرة أم المؤمنين عائشة رضِي الله عنها (1) إن الشرع يُحتِّم على كل مسلم أن يَخفِض جناحه، ويُطأطيء رأسه، ويتكلم همسًا وأدبًا إذا أراد الحديث مع أمه التي ولدته، فما بالنا إذا أراد الحديث عن واحدة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن أجمعين! فالأدب في هذا المقام فرض، والتواضع عبادة، ومَدْحُهنَّ بما مَدَحَهُنَّ الله تعالى به واجب. حقيقة لا أدري هل عندما يُفكر من هو مثلي أن يكتب عن بعض مناقب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هل يعد ذلك تطاولًا منِّي، أم رضًا من الله تعالى عنِّي؟! إنني أوقن تمام اليقين أن مناقب السيدة عائشة رضي الله عنها لا يستطيع أن يثبر غورها إنسان مهما أوتي من علم، ولكني آثرت أن أدلو بدلوي في هذا الموضوع؛ طمعًا في الأجر والثواب، الله تعالى أسأل أن يكون ذلك رضًا منه سبحانه عني، وأسأله سبحانه توفيقًا وسدادًا وتأييدًا وقبولًا لـ ( عُبيد ) يعرف حدود نفسه ويُقر بتقصيره، ويسأل الله تعالى المغفرة والستر والعفو والعافية. كَانَ مَسْرُوقٌ إِذَا حَدَّثَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ: "حَدَّثَتْنِي الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ، الْمُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ" ( البداية والنهاية لابن كثير ). 1- من هي السيدة عائشة رضي الله عنها: هي أم المؤمنين عائشة بنت صدِّيق هذه الأمَّة أبي بكر، أُمُّها أم رُومان بنت عامر بن عُوَيمِر الكنانيَّة، رضي الله عن أم المؤمنين عائشة وعن أبويها. أما بالنسبة لإخوة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فهم: عبدالرحمن، وعبدالله، وأسماء، ومحمد، وأم كُلثوم. وجميعهم من خيرة المسلمين الذين حسُن إسلامهم وهاجروا وجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولدت عائشة رضي الله عنها في الإسلام ولم تُدرك الجاهلية. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "لَمْ أعْقِلْ أبَوَيَّ إلَّا وهُما يَدِينَانِ الدِّينَ..."؛ (صحيح البخاري). كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تكنَّى بـ "أم عبدالله"، ويلتقي نسبها مع النبي صلى الله عليه وسلم في مُرة بن كعب. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: "يا رَسولَ اللهِ، كُلُّ نِسائِكَ لها كُنيةٌ، غَيري، فقال لها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( اكتَني أنتِ أُمَّ عَبدِاللهِ ))، فكان يُقالُ لها: أُمُّ عَبدِاللهِ، حتى ماتَتْ، ولم تَلِدْ قَطُّ" (تخريج المسند بإسناد صحيح) . كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بيضاء جميلة، وهذا هو سبب تسمية السيدة عائشة بالـ "حُميْراء"، فالحُميْراء هي البيضاء. قال ابن حجر في الفتح: "والعرب تطلق على الأبيض الأحمر كراهة اسم البياض لكونه يُشبه البرص؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول لعائشة يا حميراء"؛ ا هـ. كان جسمها رضي الله عنها قليل وبعد الزواج بفترة زاد جسمها: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "كانَت أمِّي تعالِجُني للسُّمنةِ، تريدُ أن تُدْخِلَني على رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فما استقامَ لَها ذلِكَ، حتَّى أَكَلتُ القِثَّاءَ بالرُّطَبِ، فسَمِنْتُ، كأحسَنِ سِمنةٍ"؛ (صحيح ابن ماجه) . 2- زواج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مُسمَّاةً لجبير بن مطعم بن عُدي، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن سلَّها أبوها من أهله لإصراره على الكفر. "فأتى أبو بَكرٍ المطعمَ، فقالَ: ما تقولُ في أمرِ هذِهِ الجاريةِ؟ قالَ: فأقبلَ على امرأتِهِ فقالَ لَها: ما تقولينَ؟ فأقبلت على أبي بَكرٍ فقالت: لعلَّنا إن أنْكحنا هذا الفتى إليْكَ تُصبئْهُ وتدخلْهُ في دينِكَ، فأقبلَ عليْهِ أبو بَكرٍ فقالَ: ما تقولُ أنتَ؟ فقالَ: إنَّها لتقولُ ما تسمعُ، فقامَ أبو بَكرٍ وليسَ في نفسِهِ منَ الموعدِ شيء"؛ ( تاريخ الإسلام للإمام الذهبي بإسناد حسن ). عن عروة بن الزبير رضي الله عنه قال: "تُوُفِّيَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ مَخْرَجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى المَدِينَةِ بثَلاثِ سِنِينَ، فَلَبِثَ سَنَتَيْنِ أوْ قَرِيبًا مِن ذلكَ، ونَكَحَ عائِشَةَ وهي بنْتُ سِتِّ سِنِينَ، ثُمَّ بَنَى بها وهي بنْتُ تِسْعِ سِنِينَ"؛ ( صحيح البخاري ). وأمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي ثالث زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وإحدى أمهات المؤمنين، ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة بِكْرًا غيرها، وكانت أحبَّ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إلى قلبه حيث أُرِيها صلى الله عليه وسلم في المنام مرتين قبل أن يتزوجها. عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهَا: ((أُرِيتُكِ في المَنَامِ مَرَّتَيْنِ، أرَى أنَّكِ في سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ، ويقولُ: هذِه امْرَأَتُكَ، فَاكْشِفْ عَنْهَا، فَإِذَا هي أنْتِ، فأقُولُ: إنْ يَكُ هذا مِن عِندِ اللَّهِ يُمْضِهِ))؛ ( صحيح البخاري ). • سَرَقَةٍ مِن حَرِيرٍ: قطعة مِن حَرِيرٍ. 3- حب النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وثناؤه عليها: أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقال: ((كَمَلَ مِنَ الرِّجالِ كَثِيرٌ، ولَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إلَّا مَرْيَمُ بنْتُ عِمْرانَ، وآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وفَضْلُ عائِشَةَ علَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ علَى سائِرِ الطَّعامِ))؛ ( صحيح البخاري ). كانتْ أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها أحبَّ أزواج رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إليه. عن عمرو بن العاص رضي الله عنه "أنَّ رَسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بَعَثَهُ علَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، فأتَيْتُهُ فَقُلتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إلَيْكَ؟ قالَ: (( عَائِشَةُ ))، قُلتُ: مِنَ الرِّجَالِ؟ قالَ: (( أَبُوهَا ))، قُلتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: (( عُمَرُ )) فَعَدَّ رِجَالًا"؛ ( صحيح مسلم ). عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "إنْ كانَ رَسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَتَعَذَّرُ في مَرَضِهِ: (( أيْنَ أنَا اليَومَ؟ أيْنَ أنَا غَدًا؟ )) اسْتِبْطَاءً لِيَومِ عَائِشَةَ، فَلَمَّا كانَ يَومِي، قَبَضَهُ اللَّهُ بيْنَ سَحْرِي ونَحْرِي، ودُفِنَ في بَيْتِي"؛ ( صحيح البخاري ). 4- عدل النبي صلى الله عليه وسلم بين زوجاته: بالرغم من حب النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة رضي الله عنها، إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتهاون في أمر الله ولم يَحِد عن الحق في القسمة بينها وبين باقي زوجاته رضي الله عنهن أجمعين. عن عروة بن الزبير رضي الله عنه: "قالَت عائشَةُ: يا ابنَ أُختي، كانَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يفضِّلُ بعضَنا على بعضٍ في القَسْم، من مُكثِهِ عِندنا، وَكانَ قلَّ يومٌ إلَّا وَهوَ يطوفُ علينا جميعًا، فيدنو مِن كلِّ امرأةٍ من غيرِ مَسيسٍ، حتَّى يبلغَ إلى الَّتي هوَ يومُها فيبيتَ عندَها..."؛ ( صحيح أبي داود ). عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يقسِمُ بين نسائهِ فيعدلُ ويقولُ: (( اللَّهمَّ هذا قَسمي فيما أملِكُ، فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ ))؛ ( رواه ابن الملقن في البدر المنير بإسناد صحيح ). • ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (( فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ ))؛ أي: الحب والمودة القلبية. 5- فضل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( يا عائِشَ، هذا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلامَ ))، فَقُلتُ: وعليه السَّلامُ ورَحْمَةُ اللَّهِ وبَرَكاتُهُ، تَرَى ما لا أرَى تُرِيدُ رَسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم"؛ ( صحيح البخاري ). عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "فضلت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم بعشر، قيل: ما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: لم ينكح بكرًا قط غيري، ولم ينكح امرأة أبواها مهاجران غيري، وأنزل الله عز وجل براءتي من السماء، وجاءه جبريل بصورتي من السماء في حريرة، وقال: تزوجها، فإنها امرأتك، فكنت أغتسل أنا وهو من إناء واحد، ولم يكن يصنع ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان يصلي وأنا معترضة بين يديه، ولم يكن يفعل ذلك بأحد من نسائه غيري، وكان ينزل عليه الوحي وهو معي، ولم يكن ينزل عليه وهو مع أحد من نسائه غيري، وقبض الله نفسه وهو بين سَحْري ونَحْري، ومات في الليلة التي كان يدور علي فيها، ودفن في بيتي"؛ ( الطبقات الكبرى لابن سعد ). • بين سَحْري ونَحْري: قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ( فتح الباري ): "وَالسَّحْر: هُوَ الصَّدْر، وَهُوَ فِي الْأَصْل الرِّئَة. وَالنَّحْر: الْمُرَاد بِهِ مَوْضِع النَّحْر ( أسفل الرقبة )"؛ ا هـ. قال الإمام أبو الوفا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله: "انظر كيف اختار لمرضه بيت البنت، واختار لموضعه من الصلاة الأب". وقد توفي عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي في الثامنة عشرة من عمرها. 6- علم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وفقهها: إن علم أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بحرٌ لا يُثبر قعرُه ولا تُرى شطآنه، وعُبابٌ لا تُكدِّره الدِّلاءُ، وسحاب تتقاصر عنه الأنواء، ومرجع صافٍ رقراق يُرجَع إليه في مسائل العلم الشائكة، فينهمر منه العلم الذي يُرشد الضالَّ، ويسكن به الحيارى. ولمَ لا؟! وهي رضي الله عنها من أكثر رواة الأحاديث النبوية، وقد عدَّ الذهبي أحاديث عائشة 2210 أحاديث. قال الحاكم في المستدرك: " إنَّ رُبْعَ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ نُقِلَت عَن السَّيِّدَة عَائِشَة ". وقال الزُّهري رضي الله عنه: "لو جُمِع علم نساء هذه الأمة، فيهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كان علم عائشة أكثر من علمهنّ"؛ ( رواه الطبراني ). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "ما أشكَل علينا- أصحابَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم- حديثٌ قطُّ فسأَلْنا عائشةَ إلَّا وجَدْنا عندَها منه عِلْمًا"؛ ( صحيح الترمذي ). وعن عُروةَ بن الزبير رضي الله عنه قال: "ما رأيْتُ امرأةً أعلمَ بطبٍّ ولا بفقهٍ ولا بشِعرٍ مِن عائشةَ"؛ ( مجمع الزوائد بإسناد حسن ). وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن رضي الله عنه قال: "ما رأيتُ أحدًا أعلمَ بسُنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقهَ في رأي إن احتيج إلى رأيه، ولا أعلم بآية فيما نزلتْ، ولا فريضة- مِن عائشة". من أسباب المكانة العلمية لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: • شدة ذكائها، وقوة ذاكرتها. • زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم في سن مبكرة وملازمتها له صلى الله عليه وسلم إلى أن توفاه الله تعالى. • كثرة ما نزل من الوحي في حُجرتها. • رغبتها في التعلم، فكانت رضي الله عنها لا تسمع أمرًا تستشكله، إلا وتستفسر عنه. 7- فضل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في القرآن الكريم: أنزل الله تعالى الآيات ( 11: 26 من سورة النور ) في شأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ليُبَرِّئها من فوق سبع سماوات مما ادَّعاه الأفاكون المنافقون، وليحكم بطهرها وعفتها وتقواها ورضاه عنها وليبشرها بالجنة. قال تعالى: ﴿ الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [النور: 26]. قال ابنُ كثير رحمه الله: "فغار اللهُ لها وأنْزَلَ براءتَها في عشْر آياتٍ تُتلى على الزمان، فسَمَا ذِكْرُها، وعلا شأنُها؛ لتسمعَ عفافَها وهي في صِباها، فشَهِدَ الله لها بأنَّها مِنَ الطَّيِّبات، ووعدَها بمغفرةٍ ورِزق كريم". كما قال في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾: "أي عند الله في جنات النعيم. وفيه وعد بأن تكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة"؛ ا هـ. وقدْ أجْمَع علماءُ الإسلام على أنَّ مَن سبَّ أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها ورَماها بما برَّأها الله منه أنه كافِرٌ. قال الإمام القرطبي رحمه الله: "قال بعض أهل التحقيق: إن يوسف عليه السلام لما رُمِي بالفاحشة برأه الله على لسان صبي في المهد، وإن مريم لَـمَّا رميت بالفاحشة برأها الله على لسان ابنها عيسى صلوات الله عليه، وإن عائشة لما رميت بالفاحشة برأها الله تعالى بالقرآن؛ فما رضي لها ببراءة صبي ولا نبي حتى برأها الله بكلامه من القذف والبهتان"؛ ( الجامع لأحكام القرآن ). قال ابن العربي رحمه الله: "إن أهل الإفك رموا عائشة المُطهرة بالفاحشة، فبرَّأها الله، فكل من رماها بما برأها الله منه فهو مُكذِّب لله، ومن كذب الله فهو كافر"؛ ا هـ. وقال الزمخشري: "ولو فليت القرآن كله، وفتشت عما أوعد به من العصاة، لم تر الله تعالى قد غلظ في شيء تغليظه في إفك عائشة"؛ ا هـ. وللحديث بقية في الجزء الثاني إن شاء الله تعالى. |
الوجيز في شرح كتاب التمييز للإمام مسلم شرح الشيخ عبد الله السعد | محمود ثروت أبو الفضل | 16-04-2022 | 7,239 | https://www.alukah.net//culture/0/154233/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a%d8%b2-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%85%d9%8a%d9%8a%d8%b2-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%af/ | الوجيز في شرح كتاب التمييز للإمام مسلم شرح الشيخ عبد الله السعد صدر حديثًا كتاب " الوجيز في شرح كتاب التمييز " للإمام " مسلم بن الحجاج القشير ي"، شرحه: العلامة المحدث " عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد السع د"، تحقيق: " خالد بن جذع بن خالد آل سعدون "، نشر: " دار أطلس الخضراء للنشر والتوزيع " - الرياض، و" دار الإداوة للنشر والتوزيع ". وهو أول شرح صوتي على طريقة المتقدمين من أهل الأثر، حيث كان في صورة محاضرات ألقاها فضيلة الشيخ "عبد الله السعد" في شرح الكتاب، وقد حُرِّرَ كتابةً فصار أول شرح حديثي لهذا السفر النفيس. كما حقق أصله على مخطوطته، ثم قوبل على أجود الطبعات، وتمتاز هذه الطبعة بأنها معتناة من حيث الإخراج والتشكيل متنًا وشرحًا وتعليقًا. وأما مادة الكتاب فقد انتقى فيه الإمام مسلم عشرات الأحاديث فأفصح عن عللها بما يخالفها من صحيح الآثار. وقد أسهب الشارح أيضًا في ذكر الآثار المعلولة وبيان عللها. وهذا الكتاب ينقسم ثلاثة أقسام: القسم الأول: هي المقدمة التي قدم بها الإمام مسلم لهذا الكتاب، وبين في المقدمة أن الناس من حيث الحفظ ينقسمون إلى قسمين، ثم بعد ذلك ذكر الأخطاء حيث ذكر أن الخطأ ينقسم إلى قسمين: خطأ واضح وخطأ غير واضح. وأن كل قسم منهما بالتالي ينقسم إلى قسمين. القسم الثاني: لهذا الكتاب: يتحدث فيه عن الإتقان والضبط والحفظ وأن الإنسان ينبغي أن يكون متقنًا لما يتحدث به وضابط لما يتكلم به. ثم القسم الثالث: وهو المقصود، ذكر أمثلة على الأحاديث التي وقع فيها الخطأ، وكيفية اكتشاف هذا الخطأ. فالإمام مسلم ذكر أقسام الخطأ نظريًا، ثم ذكر أقسام الخطأ عمليًا، فتوسع في ذكر الأمثلة، فهذا يبسط الشيء المقصود بالحديث عنه، ويفهم القارئ. وهو كتاب سهل، ميسر، مبسط، يمتاز بمقدمته القصيرة الموجزة، يعلمك كيف تعرف الحديث الصحيح من الضعيف، وكيف تعرف الخطأ من خلال ذكر الأمثلة الكثيرة التي ذكرها الإمام مسلم، والتي عليك أن تقيس عليها. ونوه الشيخ "عبد الله السعد" أن هذا الكتاب فيه نقص وفيه اختصار، ويعني فيه نقص أنه لم يوجد كاملًا، ومما يدل أيضًا على أنه لم يوجد كاملًا، هو أن هناك أشياء تعزى لهذا الكتاب هي غير موجود في هذا الكتاب، ومما يدل على أن هذا الكتاب لم يوجد كاملًا، فسوف يرى القارئ أن فيه اختصار، أي: أن هناك من اختصره، وساق الحديث، فالذي يقول: ساق الحديث هو الذي اختصر الكتاب. وهناك أسانيد مختصرة معلقة ذكرت من طريق (كذا.. كذا.. كذا) فدل على أنه مختصر. ويدلل على أهمية الكتاب أهمية موضوعه وهو معرفة الخلط في الحديث، وكيفية معرفة هذا الخلط وفيه أمثلة كثيرة جدًا، فكتب المصطلح لا تأتي بالأمثلة إلا نادرًا أما الإمام مسلم فقد ذكر عشرات الأمثلة. كما أن شرح هذا الكتاب يتيح لنا الاستفادة من منهج المتقدمين في التأليف، ومعرفة طريقة السلف في الصناعة الحديثية، ولا يتأتى لنا هذا الشيء إلا بالرجوع إلى كتب السلف، فندرس طريقتهم ومنهجهم. وصاحب هذا الكتاب هو الإمام الحافظ، حجَّة الإسلام، مُسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، ولد سنة 204هـ، صاحب الكتاب المشهور "صحيح مُسلم". رحل الإمام مُسلم إلى العراق، والحجاز، والشام، ومصر، وسمع من يحيى بن يحيى النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، وإسحاق بن راهويه، ومحمد بن عمرو زنيجا، ومحمد بن مهران الحمال، وإبراهيم ابن موسى الفراء، وعلي بن الجعد، وأحمد بن حنبل، وعبيد الله القواريري، وخلف ابن هشام، وسريج بن يونس، وعبد الله بن مسلمة القعنبي، وأبي الربيع الزهراني، وعبيد الله بن معاذ بن معاذ، وعمر بن حفص بن غياث، وعمرو بن طلحة القناد، ومالك بن إسماعيل النهدي، وأحمد بن يونس، وأحمد بن جواس، وإسماعيل بن أبي أويس، وإبراهيم بن المنذر، وأبي مصعب الزهري، وسعيد بن منصور، ومحمد بن رمح، وحرملة بن يحيى، وعمرو بن سواد، وغيرهم رحمهم الله. وقدم بغداد - غير مرَّة - وحَدَّثَ بها، وقد روى عنه من أهلها: يحيى بن صاعد، ومحمد بن مخلد. وآخر قدومه بغداد كان في سنة 259هـ. مكث قرابة الخمسة عشرة عامًا في طلب الحديث، لقي فيها عددًا كبيرًا من الشيوخ، وجمع ما يزيد على ثلاثمائة ألف حديث. أثنى عليه علماء عصره ومن بعدهم، واعترفوا له بإمامته وبالتقدم والإتقان في علم الحديث. قال فيه شيخه محمد بن عبد الوهاب الفراء: "كان مسلم من علماء الناس وأوعية العلم، ما علمته إلا خيرًا". قال ابن الصلاح: "رفعه الله تبارك وتعالى بكتابه الصحيح إلى مناط النجوم، وصار إمامًا حُجة يبدأ ذكره ويُعاد في علم الحديث، وغيره من العلوم، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء". قال ابن الأخرم: "إنما أخرجت مدينتنا هذه من رجال الحديث ثلاثة: محمد بن يحيى وإبراهيم بن أبي طالب ومسلم". قال بندار: "الحفاظ أربعة، أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل والدارمي ومسلم". قال أبو علي الحسين بن علي النيسابوري: "ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم بن الحجاج في علم الحديث". قال أحمد بن سلمة النيسابوري: "رأيت أبا زرعة وأبا حاتم يقدمان مسلم بن الحجاج في معرفة الصحيح على مشايخ عصرهما". قال جمال الدين المزي: "قال الحاكم أبو عبد الله الحافظ: قرأت بخط أبى عمرو المستلمى: أملى علينا إسحاق بن منصور سنة إحدى وخمسين ومئتين، ومسلم بن الحجاج ينتخب عليه وأنا أستملى، فنظر إسحاق بن منصور إلى مسلم، فقال: لن نعدم الخير ما أبقاك الله للمسلمين". وللإمام مسلم مصنفات أخرى غير صحيحه في علم الحديث وعلم الرجال؛ لكنَّ أغلبها مفقود، وتوفي يوم الأحد الخامس والعشرين من رجب سنة 261 هـ، وعمره خمس وخمسون سنة، ودفن يوم الاثنين ومقبرته في رأس ميدان زياد بنصر أباد بظاهر نيسابور. ومن مصنفاته: "كتاب الجامع على الأبواب"، و"كتاب الأسماء والكُنَى"، و"كتاب التمييز"، و"كتاب العلل"، و"كتاب الوحدان"، و"كتاب الأفراد"، و"كتاب الأقران"، و"كتاب سؤالاته أحمد بن حنبل"، و"كتاب حديث عمرو بن شعيب"، و"كتاب الانتفاع بأهب السباع"، وكتاب "مشايخ مالك"، و"كتاب مشايخ الثوري"، و"كتاب مشايخ شُعبة"، و"كتاب من ليس له إلا راوٍ واحدٍ"، و"كتاب المخضرمين"، و"كتاب أولاد الصحابة"، و"كتاب أوهام المحدثين"، و"كتاب الطبقات"، و"كتاب أفراد الشَّاميين". وقد جمع الإمام مُسلم كتابه "المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم" المعروف بكتاب "صحيح مسلم" من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة - كما ذكر هو بنفسه رضي الله عنه -، ويمثِّل هذا الكتاب أهميَّةً كبيرةً في علوم الحديث الشريف وله منزلة لم يبلغْها كتاب مثله باستثناء "صحيح البخاري". وقد كان الإمامُ البخاريُّ أسوةً وقدوةً للإمام مُسلم في منحاه العلمي، قال الخطيب البغدادي: "إنما قفا مُسلم طريق البخاري ونظر في علمه، وحذا حذوه، ولمَّا ورد البخاري نيسابور في آخر أمره لازمه مُسلم وأدام الاختلاف إليه". |
عبد الله بن سلام رضي الله عنه | أبو عاصم البركاتي المصري | 16-04-2022 | 30,174 | https://www.alukah.net//culture/0/154221/%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/ | عبدالله بن سلام رضي الله عنه الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله؛ أما بعد: فهذا جمع لطيف في ترجمة الصحابي الجليل، الحَبْرِ العالم؛ عبدالله بن سَلَام، رضي الله عنه، فأستعين بالله وأقول: اسمه ونسبه: عبدالله بن سلام بن الحارث، وكنيته: أبو يوسف، وقيل أبو الحارث [1] ، من ذريـة يوسف الصديق بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام. وكان من يهود بني قينقاع؛ وكان حبرًا من أحبار يهود، وعالمًا من علمائهم، لديه علم بالتوراة. كان اسمه "الحصين"، فسمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه "عبدالله". إسلامه: أسلم رضي الله عنه بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة. ففي الصحيحين عن أبى هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو تابعني عشرة من اليهود، لم يبقَ على ظهرها يهودي إلا أسلم)). قصة إسلامه: أخرج الترمذي وابن ماجه من حديث عبدالله بن سلام رضي الله عنه أنه قال: ((لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قِبله، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثلاثًا، فجئت في الناس؛ لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام)). وأخرج أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه عن أنس رضي الله عنه: ((أن عبدالله بن سلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، فقال: يا رسول الله، إني سائلك عن ثلاث خصال، لا يعلمهن إلا نبي، قال: سَلْ، قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفًا، قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة، قال: أما أول أشراط الساعة، فنار تخرج من المشرق فتحشر الناس إلى المغرب، وأما أول ما يأكل منه أهل الجنة، زيادة كبد حوت، وأما شبه الولد أباه وأمه، فإذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة، نزع إليه الولد، وإذا سبق ماءُ المرأة ماءَ الرجل، نزع إليها، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، وقال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم، فاسألهم عني: أي رجل ابن سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم، فقال: أي رجل عبدالله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وعالمنا وابن عالمنا، وأفقهنا وابن أفقهنا، قال: أرأيتم إن أسلم تسلمون؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك، قال: فخرج ابن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا، فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوف منهم)). وأخرج القصة كذلك الإمام أحمد في المسند (23984)، وابن حبان في صحيحه (2106 موارد)، عن عوف بن مالك الأشجعي، قال: ((انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود بالمدينة يوم عيدهم، وكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر اليهود، أروني اثنى عشر رجلًا يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، يحبط الله عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضبَ الذي غضب عليه، قال: فأمسكوا وما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم، فلم يجبه أحد، ثم ثلَّث، فلم يجبه أحد، فقال: أبيتم؛ فوالله إني لأنا الحاشر، وأنا العاقِب، وأنا المقفى، آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه، حتى دنا أن يخرج، فإذا رجل من خلفنا يقول: كما أنت يا محمد، قال: فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود؟ قالوا: ما نعلم أنه كان فينا رجل أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك، ولا من أبيك من قبلك، ولا من جدك قبل أبيك، قال: فإني أشهد له بالله أنه نبي الله الذي تجدونه في التوراة، قالوا: كذبت ثم ردوا عليه وقالوا له شرًّا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبتم لن يقبل قولكم، أما آنفًا فتثنون عليه من الخير ما أثنيتم، وأما إذا آمن كذبتموه، وقلتم ما قلتم، فلن يقبل قولكم، قال: فخرجنا ونحن ثلاثة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا وعبدالله بن سلام؛ فأنزل الله فيه: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ ﴾ [الأحقاف: 10]. قلت: ولعل هذه القصة كانت في مرة أخرى بعد إسلامه أولًا رضي الله عنه. وساق ابن إسحاق في السيرة قصة إسلام عبدالله بن سلام بسياق أطول فقال: ((وكان من حديث عبدالله بن سلام، كما حدثني بعض أهله عنه وعن إسلامه حين أسلم، وكان حبرًا عالمًا من علماء اليهود، قال: لما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت صفته واسمه وزمانه الذي كنا نتوكف له – أي: نترقب - فكنت مُسرًّا لذلك صامتًا عليه، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، أقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة، فلما سمعت الخبر بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم كبرت، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري: خيبك الله، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادمًا ما زدت، قال: فقلت لها: أي عمة، هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه، بُعث بما بُعث به، قال: فقالت: أي ابن أخي، أهو النبي الذي كنا نخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ قال: فقلت لها: نعم، قال: فقالت: فذاك إذًا، قال: ثم خرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا، قال: وكتمت إسلامي من يهود، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا رسول الله، إن يهود قوم بهت، وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك وتغيبني عنهم – أي: تسترني - ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم، قبل أن يعلموا إسلامي، فإنهم إن علموا به بهتوني وعابوني، قال: فأدخلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض بيوته، ودخلوا عليه، فكلموه وسألوه، ثم قال لهم: أي رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: سيدنا وابن سيدنا، وحبرنا وعالمنا، قال: فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم، فقلت لهم: يا معشر يهود، اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به، فوالله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله تجدونه مكتوبًا عندكم في التوراة باسمه وصفته، فإني أشهد أنه رسول الله، وأومن به، وأصدقه وأعرفه، فقالوا: كذبت، ثم وقعوا بي، فقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم أخبرك يا رسول الله أنهم قوم بهت، أهل غدر وكذب وفجور؟ قال: وأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث فحسن إسلامها))؛ [السيرة النبوية لابن هشام (1/ 516)]. وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (14/ 322) رقم (14955) بسنده عن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبدالله بن سلام، عن أبيه: ((أن عبدالله بن سلام قال لأحبار اليهود: إني أحدث بمسجد أبينا إبراهيم وإسماعيل عهدًا، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة، فوافاهم وقد انصرفوا من الحج، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنًى، والناس حوله، فقام مع الناس، فلما نظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنت عبدالله بن سلام؟ قال: قلت: نعم، قال: ادْنُ، فدنوت منه، قال: أنشدك بالله يا عبدالله بن سلام، أما تجدني في التوراة رسول الله؟ فقلت له: انعت ربنا، قال: فجاء جبريل عليه السلام حتى وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، فقرأها علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم انصرف ابن سلام إلى المدينة، فكتم إسلامه [2] . عداء اليهود لجبريل عليه السلام: أخرج البخاري في صحيحه عن أنس، قال: ((سمع عبدالله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض يخترف، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سائلك عن ثلاث، لا يعلمهن إلا نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا، قال: جبريل، قال: نعم، قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة؛ فقرأ هذه الآية: ﴿ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ ﴾ [البقرة: 97]، أما أول أشراط الساعة، فنارٌ تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وأما أول طعام أهل الجنة، فزيادة كبد حوت، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة، نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة نزعت، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم يبهتوني، فجاءت اليهود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أي رجل عبدالله فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، قال: أرأيتم إن أسلم عبدالله بن سلام؟ فقالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبدالله، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، وانتقصوه، قال: فهذا الذي كنت أخاف يا رسول الله)). وصية معاذ بن جبل رضي الله عنه: روى أحمد والترمذي عن يزيد بن عميرة، قال: ((لما حضر معاذ بن جبل الموت، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة))؛ [قال الترمذي: وهذا حديث حسن صحيح غريب]. علمه بالتوراة: وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبدالله بن عمر رضى الله عنهما: ((أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلًا منهم وامرأةً زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، فقال عبدالله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجما، قال عبدالله: فرأيت الرجل يجنأ على المرأة يقيها الحجارة)). تمسكه بالعروة الوثقى: أخرج مسلم برقم (461) من حديث عبدالله بن سلام أنه قال: ((بينما أنا نائم إذ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها، فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني، فقال لي: خذ ها هنا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت عن يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين)). عبدالله بن سلام رضي الله عنه من أهل الجنة: أخرج أحمد في "المسند" (22104)، والترمذي (3804) عن يزيد بن عميرة قال: ((لما حضر معاذ بن جبل الموتُ، قيل له: يا أبا عبدالرحمن، أوصِنا، قال: أجلسوني، فقال: إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما، يقول ثلاث مرات، فالتمسوا العلم عند أربعة رهط: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبدالله بن مسعود، وعند عبدالله بن سلام الذي كان يهوديًّا، ثم أسلم؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة)). الآيات التي نزلت في عبدالله بن سلام: الآية الأولى: ﴿ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 113]: ورد في "أحكام القرآن" لابن العربي (1/ 385) في قوله تعالى: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴾ [آل عمران: 113]. قال ابن وهب: قال مالك: يعني: قائمةً بالحق، يريد قولًا وفعلًا؛ فيعود الكلام إلى الآية المتقدمة: ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ [آل عمران: 104]. وقد اتفق المفسرون أنها نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب، وعليه يدل ظاهر القرآن؛ ومفتتح الكلام نفي المساواة بين من أسلم منهم وبين من بقي منهم على الكفر، إلا أنه روي عن ابن مسعود أن معناه نفي المساواة بين أهل الكتاب وأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وقد روي عن ابن عباس أنها نزلت في عبدالله بن سلام ومن أسلم معه من أهل الكتاب؛ [انتهى]. وقوله تعالى: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾ [المائدة: 44]: وقوله تعالى: ﴿ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ ﴾ [المائدة: 44]، قال أبو هريرة وغيره: ومحمد منهم، يحكمون بما فيها من الحق، وكذلك قال الحسن، وهو الذي يقتضيه ظاهر اللفظ ومطلقه في قوله: ﴿ النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ ﴾ [المائدة: 44]، آخرهم عبدالله بن سلام؛ [انتهى من أحكام القرآن لابن العربي (2/ 127)]. قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]. قوله تعالى: ﴿ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]. قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (3/ 85): اختلف فيمن عنده علم الكتاب بعد ذكر قول مجاهد على أربعة أقوال: الأول: أن المراد به مَن آمن مِن اليهود والنصارى. الثاني: أنه عبدالله بن سلام. الثالث: أنه علي بن أبي طالب، وقد قرئ: "ومِن عنده عَلم" بخفض الميم من "من"، ورفع العين من "علم". وقرئ بخفض الميم من "مِن" وباقيه على المشهور. الرابع: المؤمنون كلهم. المسألة الثالثة: في تدبر ما مضى: أما من قال إنهم الذين آمنوا من اليهود، كابن سلام، وابن يامين. ومن النصارى، كسلمان، وتميم الداري، فإن المعنى عنده بالكتاب التوراة والإنجيل. قوله تعالى: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10]. أخرج الترمذي بسنده عن عبدالملك بن عمير، عن ابن أخي عبدالله بن سلام، قال: إنه لما أُريد قتل عثمان جاء عبدالله بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرك. قال: اخرج إلى الناس، فاطردهم عني، فإنك خارجًا خير لي منك داخلًا. فخرج عبدالله إلى الناس، فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله، ونزلت فَّي آيات من القرآن فنزلت فيَّ: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10] الآية إلى آخرها، ونزلت فيَّ: ﴿ قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 43]. إن لله سيفًا مغمودًا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. الله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله لئن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، وليسلن سيف الله المغمود عنكم، فلا يغمد إلى يوم القيامة. قالوا: اقتلوا اليهودي، واقتلوا عثمان. مناقب عبدالله بن سلام رضي الله عنه: 1- أخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: ((ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة، إلا لعبدالله بن سلام، قال: وفيه نزلت هذه الآية: ﴿ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ﴾ [الأحقاف: 10]. 2- وأخرج البخاري ومسلم بسنده عن قيس بن عباد، قال: ((كنت جالسًا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فصلى ركعتين تجوز فيهما، ثم خرج، وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد، قالوا: هذا رجل من أهل الجنة، قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك: رأيت رؤيا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، ورأيت كأني في روضة، ذكر من سعتها وخضرتها وسطها عمود من حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: ارقَ، قلت: لا أستطيع، فأتاني منصف، فرفع ثيابي من خلفي، فرقيت حتى كنت في أعلاها، فأخذت بالعروة، فقيل له: استمسك فاستيقظت، وإنها لفي يدي، فقصصتها على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: تلك الروضة الإسلام، وذلك العمود عمود الإسلام، وتلك العروة عروة الوثقى، فأنت على الإسلام حتى تموت، وذاك الرجل عبدالله بن سلام)). ورواه مسلم بسنده عن محمد بن سيرين، قال: قال قيس بن عباد: ((كنت في حلقة فيها سعد بن مالك، وابن عمر، فمر عبدالله بن سلام، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة، فقمت فقلت له: إنهم قالوا كذا وكذا، قال: سبحان الله ما كان ينبغي لهم أن يقولوا ما ليس لهم به علم، إنما رأيت كأن عمودًا وضع في روضة خضراء، فنصب فيها، وفي رأسها عروة، وفي أسفلها منصف - والمنصف الوصيف - فقيل لي: ارقَهْ، فرقيت حتى أخذت بالعروة، فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يموت عبدالله وهو آخذ بالعروة الوثقى)). 3- وأخرج مسلم بسنده عن خرشة بن الحر، قال: ((كنت جالسًا في حلقة في مسجد المدينة، قال: وفيها شيخ حسن الهيئة، وهو عبدالله بن سلام، قال: فجعل يحدثهم حديثًا حسنًا، قال: فلما قام، قال القوم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، قال فقلت: والله لأتبعنه فلأعلمن مكان بيته، قال: فتبعته، فانطلق حتى كاد أن يخرج من المدينة، ثم دخل منزله، قال: فاستأذنت عليه فأذن لي، فقال: ما حاجتك، يا ابن أخي؟ قال: فقلت له: سمعت القوم يقولون لك، لما قمت: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا، فأعجبني أن أكون معك، قال: الله أعلم بأهل الجنة، وسأحدثك مم قالوا ذاك، إني بينما أنا نائم، إذ أتاني رجل فقال لي: قم، فأخذ بيدي فانطلقت معه، قال: فإذا أنا بجواد عن شمالي، قال: فأخذت لآخذ فيها، فقال لي: لا تأخذ فيها؛ فإنها طرق أصحاب الشمال، قال: فإذا جواد منهج على يميني، فقال لي: خذ ها هنا، فأتى بي جبلًا، فقال لي: اصعد، قال: فجعلت إذا أردت أن أصعد خررت على استي، قال: حتى فعلت ذلك مرارًا، قال: ثم انطلق بي حتى أتى بي عمودًا، رأسه في السماء وأسفله في الأرض، في أعلاه حلقة، فقال لي: اصعد فوق هذا، قال قلت: كيف أصعد هذا؟ ورأسه في السماء، قال: فأخذ بيدي فزجل بي [3] ، قال: فإذا أنا متعلق بالحلقة، قال: ثم ضرب العمود فخر، قال: وبقيت متعلقًا بالحلقة حتى أصبحت، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقصصتها عليه، فقال: أما الطرق التي رأيت عن يسارك، فهي طرق أصحاب الشمال، قال وأما الطرق التي رأيت عن يمينك، فهي طرق أصحاب اليمين، وأما الجبل، فهو منزل الشهداء، ولن تناله، وأما العمود، فهو عمود الإسلام، وأما العروة، فهي عروة الإسلام، ولن تزال متمسكًا بها حتى تموت)). 4- وأخرج أحمد وابن حبان في الصحيح وحسنه الألباني "السلسلة الصحيحة" (3317) عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بقصعة، فأصبنا منها، ففضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطلع رجل من هذا الفج، يأكل هذه القصعة - من أهل الجنة، فقال سعد: وكنت تركت أخي عميرًا يتطهر، فقلت: هو أخي، فجاء عبدالله بن سلام، فأكلها)). ورعه وزهده وكرمه وتواضعه: فعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه: ((أتيت المدينة فلقيت عبدالله بن سلام رضي الله عنه، فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقًا وتمرًا، وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاشٍ، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربًا))؛ [أخرجه البخاري]. وعن محمد بن القاسم، قال: ((زعم عبدالله بن حنظلة أن عبدالله بن سلام مر في السوق، عليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس أغناك الله؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أقمع الكبر، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر)) [4] . حرصه مع الصحابة على الخير: وأخرج الدارمي (2435) والترمذي (3309) وغيرهما عن أبي سلمة، عن عبدالله بن سلام، قال: ((قعدنا نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكرنا، فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله، لعملنا، فأنزل الله: ﴿ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 1، 2]، حتى ختمها. توثيق العلماء له: وقد روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وأبو هريرة وأبو بردة بن أبي موسى الأشعري، وعطاء بن يسار وغيرهم، وشهد مع عمر رضي الله عنه فتح بيت المقدس، والجابية وقد عده بعضهم من البدريين، وأما ابن سعد: فذكره في الطبقة الثالثة ممن شهد الخندق وما بعدها. وفاته: كانت وفاته سنة ثلاث وأربعين من الهجرة؛ [سير أعلام النبلاء (2/ 424)]. هذا ما تيسر، والله وحده من وراء القصد. [1] سير أعلام النبلاء (3/ 413). [2] سنده منقطع حمزة لم يدرك جده عبدالله بن سلام. [3] أي: رفعني. [4] أخرجه الضياء في "الأحاديث المختارة" (9/ 452). |
تعريف بكتاب: صفحات مضيئة من حياة العلامة محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله: دروس ومواقف | عمار محمد أعظم | 14-04-2022 | 4,407 | https://www.alukah.net//culture/0/154192/%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%a8%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b5%d9%81%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%85%d8%b6%d9%8a%d8%a6%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%a2%d8%af%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%aa%d9%8a%d9%88%d8%a8%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%af%d8%b1%d9%88%d8%b3-%d9%88%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%82%d9%81/ | تعريف بكتاب صفحات مضيئة من حياة العلامة محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله دروس ومواقف تمهيد: من الدَّلائل البَاهرة والآيات الظَّاهرة لكل عاقل بصير: حِفظُ الله سبحانه وتعالى لدين الإسلام على مرِّ العصور والقرون والأزمان، وفي مختلف الظروف والأحوال والبلدان؛ فديننا الإسلامي محفوظٌ بحفظ الله تعالى رغم أنوف الحاقدين ورغم كيد الكائدين، ويتجلى لنا هذا الحفظ في حفظ الله سبحانه وتعالى لكتابه الكريم، ففي أي بقعة من بقاع الأرض قلبت مصحفًا من المصاحف لم تلف اختلافًا بينه وبين أي مصحفٍ آخر في أية بقعة أخرى، ولو كان بينهما بُعد المشرقين، فيا لله ولحفظه هذا الدين العظيم كل هذه القرون: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]. ومن تجليات هذا الحفظ حفظُه سبحانه وتعالى للمصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، وهو الحديث النبوي الشريف المتمثل في كلام رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي انبرى له عظماء الأمة في سالف الدهور جمعًا وحفظًا وشرحًا وتدريسًا وتخريجًا وتعلُّمًا وتعليمًا وتحريرًا وحكمًا، إننا لا نستطيع أن نتجاوز ذلك المشروع الإسلامي العظيم في لمحة بصر، ولا أن ننهي الحديث عنه بجرة قلم، ولكن حسبنا أن نعرِف موقف الأئمة حين سُئلوا عن الدجَّالين والكذابين والوضَّاعين، فكان ردُّ علمائهم وبكل ثقة: " يعيش لها الجهابذة " [1] . يقول الإمام ابن الجوزي (597) رحمه الله: "سنةُ نبينا صلى الله عليه وسلم مأثورة ينقلها خلفٌ عن سلفٍ، ولم يكن هذا لأحد من الأمة قبلها، ولَمَّا لم يمكن لأحدٍ أن يُدخل في القرآن شيئًا ليس منه، أخذ أقوام يزيدون في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وينقصون، ويبدلون ويضعون عليه ما لم يقل، فسخَّر الله عز وجل علماءَ يذبون عن النقل، ويوضِّحون الصحيح ويفضحون القبيح، وما خلوا في عصر من العصور، غير أن هذا النسل قد قل في هذا الزمان، فصار أعزَّ من عنقاء مغرب" [2] . ولا يحدِّثنا التاريخ عن أفراد أو جماعات تنتسب إلى الإسلام أنكرت السنة النبوية، إلا أفرادًا في القرن الثاني لا يتأهلون لأن يُسَمُّوا طائفة، وقد أصبحوا في ذمة التاريخ وهامشه، واستمر الحال هكذا بعد القرن الثاني مدة أحد عشر قرنًا من الزمان، لا يُعرف على وجه الأرض من ينكر السنة، حتى أثاره المستشرقون وأذنابهم، "فظهر من ينكر حجية السنة جملة وتفصيلًا" [3] . وعلى الرغم مِن قِدَمِ شُبَهِهم التي أثاروها، وتفنيد العلماء لها نقضًا وإبطالًا، وعلى الرغم من أن غالب من يثير الشُّبَه اليوم لا يزيد على تكرار القديم، مع إضافة بعض المنكهات العصرية [4] ، - فإنهم وجدوا من الببغاوات من يتبعون صدى نعيقهم! وهذا ما يُحتِّم علينا الالتفاف حول العلماء، ولا سيما علماء الحديث الذين لهم اليد الطولى في نقض هذه الأباطيل وتفنيد تلك الشبهات، كما أن لهم اليد العليا في حفظ الحديث ومدارسته، والتأليف فيه أصالةً، وقد أكرمنا باستمرار رجاله وتتابُع أعلامه، يقول الإمام الألباني: "وقد اقتضت حكمةُ العليم الخبير سبحانه وتعالى ألا يدع هذه الأحاديث التي اختلقها المغرضون لغايات شتى تسري بين المسلمين، دون أن يقيِّض لها من يكشف القناع عن حقيقتها، ويبيِّن للناس أمرها، أولئك هم أئمة الحديث الشريف، وحاملو ألوية السنة النبوية..." [5] . وإن من أبرز أعلام الحديث في عصرنا: فضيلة الشيخ العلامة محمد بن علي بن آدم الإثيوبي رحمه الله، ومن دواعي السرور صدور أول كتاب مفرد في ترجمته رحمه الله في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2022م. المعلومات الأولية للكتاب: عنوان الكتاب: صفحات مضيئة من حياة العلامة محمد بن علي بن آدم الإتيوبي رحمه الله: دروس ومواقف. اسم المؤلف: د. أبرار الحق مولوي، المدرس بدار الحديث الخيرية بمكة المكرمة. تقديم: معالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، إمام وخطيب المسجد الحرام وعضو هيئة كبار العلماء. دار الطباعة: دار ابن الجوزي، الدمام، رقم الطبعة وتاريخها: الطَّبعة الأولَى، عام 1443هـ-2022م. حجم الكتاب: يقع في غلاف وعدد صفحاته (128) صفحة. أهمية الكتاب: يعدُّ هذا الكتاب أول كتاب مفرد في ترجمة الشيخ محمد بن علي بن آدم الإثيوبي، وقد التقى فيه الباحث بذويه من أقارب وتلاميذ وغيرهم، بالإضافة إلى اعتماده على ما كُتب في حياة الشيخ من تراجم، ناهيك أن مؤلفه ممن تتلمذ على الشيخ رحمه الله قريبًا من ثلاثة عقود، وشرَّفه الله بمزاملته في التدريس في دار الحديث الخيرية بعد أن تخرج على يديه. ومن الجميل في هذا الكتاب أن مؤلفه - جزاه الله خيرًا - عُنِيَ باستنباط الدروس وتَجْلية العبر من حياة الشيخ رحمه الله، فيفوز القارئ بالفوائد التربوية والنكات العلمية، والمواقف النافعة في الهمة والصبر والتربية والتعليم، وشدة الجلد في تأليف الكتب، وبثِّ العلم صباحَ مساءَ! وقد قدَّم للكتاب معالي الشيخ صالح بن عبدالله بن حميد بتقديم رائق بيَّن فيه أهمية الكتابة في تراجم المعاصرين، ثم قال: "ومن تلك الكتابات ما كتبه فضيلة الشيخ/ أبرار الحق مولوي -وفَّقه الله - في ترجمة شيخه الشيخ الإمام العالم الأصولي المحدث النحوي الشيخ/ محمد بن علي بن آدم بن موسى الإتيوبى رحمه الله، وهو من علماء مكة المكرمة - حرَسها الله - ومن النوادر في الجلد والعمق في طلب العلم وتحصيله، وبذله مكتوبًا وملفوظًا، وقد عُرِف بموسوعيته العلمية في علوم الغاية والآلة. وقد عرفتُ الشيخ رحمه الله في علمه وفضله، وحسن تديُّنه وورعه، ودأبه في بذل العلم تدريسًا وتأليفًا ومطالعةً. أحسن الله إليه وأجزَل مثوبته، وجعل ذلك كله في ميزان حسناته، وأصلح عَقِبَه وذريَّته، وجعل فيهم من يخلُفه في علمه وفضله، إنه سميع مجيب. وقد أحسن الشيخ الفاضل/ أبرار الحق مولوي في هذه الترجمة التي عنوَن لها: (صفحات مضيئة من حياة العلامة محمد بن علي بن آدم الإثيوبي رحمه الله: دروس ومواقف). فشكر الله للشيخ أبرار الحق مولوي هذا الوفاء، ورَدَّ الجميل لشيخه محمد علي آدم رحمه الله. سائلًا المولى العلي القدير أن يبارك في هذا الجهد، وينفع به طلاب العلم ومحبي الشيخ، وأن يكتُب أجر العلامة محمد علي آدم على ما بذل من العلم ونشره وبيانه". منهج الكتاب: صرَّح المؤلف بمنهجه في مقدمة كتابه؛ حيث آثر أن يرتِّب كتابه على أدب الرحلات، فقال: "هذه جملة من التقييدات والذكريات والخواطر والوقائع التربوية المنتقاة من سيرة ومسيرة شيخنا - رفع الله درجته في عِليين - التي هي في أسلوبها ونسقها أشبهُ بأدب الرحلات". وأما عن هدف الكتاب، فقال: "سطرتُها تذكرةً للنفس، وعرفانًا لمن لا نقدِر أن نكافئ أفضاله علينا، وإفادة لمن أحبَّ هذا العالم الجليل، أو رغب في معرفة جوانبَ مشرقةٍ من حياته العلمية والاجتماعية". ومن جميل ما في الكتاب أن المؤلف حفِظه الله بيَّن مصادره في الترجمة وهي ثلاثة مصادر كما نص عليها، وهي: 1- "ما علِق بالذاكرة ورسَخ في الأذهان عن الشيخ العلامة محمد بن الشيخ علي بن آدم رحمة الله عليهم. 2- ومما تكررت مشاهدته ممن حوله؛ من زملائه ومعارفه وملازميه من طلابه. 3- مع ما ظفرنا به من أحوال وخصال حدَّثنا بها أهله والمقربون منه، عزَبت عن الكثيرين من أنشطته في بث العلم وجهوده في تعليمه وتأليفه". وقد حلَّاه المؤلف حفظه الله بمجموعة من الفوائد التربوية، جعلت الكتاب رائقًا منعشًا للعقول مُحييًا للقلوب كما سبق، وفي ذلك يقول في مقدمته: "يجد القراء في سطور هذه الصفحات مواقفَ تربويةً ودروسًا في الهمة، وفوائدَ مهمة، ومساراتٍ مشرقةً في التربية والتعليم والصبر". ويجد القارئ وطالب العلم في هذا الكتاب دراسة مختصرة لجميع مؤلفات الشيخ رحمه الله التي تناولت فنونًا متعددةً، فقد عرَّف المؤلف بها، وبيَّن منهجه فيها وذكر ما امتازت به. وتتلوها دراسة أيضًا لجميع الفنون والكتب التي كان يُدرِّسها رحمه الله منذ أن جاور الحرم المكي، فبيَّن أسماءَ الكتب والفنون التي درَّسها، وحدَّدَ أماكنها ومواقيتها، وتطرَّق لأسلوبه ومنهجه في التدريس، وطعَّمها بمواقفَ وقصص تحمِل في طيَّاتها العبر. موضوعات الكتاب: المقدمة : وتكلم فيها عن هدف الكتاب ومنهجه ومكانة الشيخ. بطاقة المعلومات الشخصية، وقد أورد فيها المعلومات الشخصية من ولادته وإقامته وعمره ومهنته، وغير ذلك. ترجمة الفقيد بقلمه. جهوده في التعليم والتدريس. تأليف الكتب والأسفار. حرصه على الوقت وجلده في التأليف. كتبه ومؤلفاته. محفوظاته وطريقة معاهدته لها. مواقف من هِمته وجلده. اتِّباعه للدليل ورجوعه للحق وتَحرِّيه الدقة في المسائل. حاله مع العبادة. أخلاقه وتواضُعه وزهده. مواقف مِن مِزاحه وملاطفته. تعامُله مع زملائه وطلابه. حاله مع الامتحانات المدرسية. مواقف من مواساته لمن حوله. حاله مع أهله وأولاده. الخاتمة. والكتاب ماتع في أسلوبه فريد في بابه، ثري في مادته جدير بقراءته. [1] الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/ 2 - 3). [2] الموضوعات لابن الجوزي (1/ 31). [3] ينظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد مصطفى الأعظمي (1 /29) بتصرف. [4] ينظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه، محمد مصطفى الأعظمي (1/ 29). [5] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة للألباني (1/ 47) بتصرف. |
الفساد الإداري | محمد بن فوزي الغامدي | 09-04-2022 | 10,439 | https://www.alukah.net//culture/0/154084/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b3%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d9%8a/ | الفساد الإداري انتشر الفساد الإداري حتى أصبح ظاهرة ومشكلة حقيقية تعاني منها الإدارات في شتى المجالات، ويؤثر الفساد الإداري على تحقيق أهداف الإدارة، ويعتبر الفساد الإداري من أهم العوامل المؤثرة سلبًا على المنظمة والعاملين داخل المنظمة. مفهوم الفساد الإداري: هو استغلال السلطة العامة لتحقيق المصالح والأغراض الشخصية، وهو إساءة استخدام الوظيفة الإدارية لأجل المكاسب الخاصة. أسباب الفساد الإداري: تتعدد أسباب الفساد الإداري لعدة عوامل أدت لظهوره؛ ومنها: الأسباب الاقتصادية: تتحدد أكثر الأسباب الاقتصادية في: ارتفاع معدلات البطالة واستمراريتها. ضعف مستوى الدخل الفردي. غياب الشفافية والموضوعية في الأمور المالية. افتقار القوانين والقواعد المالية للعدالة والوضوح. الأسباب السياسية: يؤثر غياب تطبيق العقوبات على الفساد داخل الأنظمة الحكومية والخاصة، فالتساهل في محاسبة الفاسدين، وتطبيق العقوبات عليهم يؤدي إلى زيادة حالات الفساد الإداري. الأسباب الاجتماعية: تتكون الأسباب الاجتماعية من حصيلة التنشئة الاجتماعية داخل المجتمعات، التي تلعب دورًا كبيرًا في مدى التزامهم بالقواعد الأخلاقية. مظاهر الفساد الإداري: تتجلى مظاهر الفساد الإداري بمجموعة من السلوكيات التي يقوم بها بعض من يتولَّون المناصب العامة؛ ومنها: الفساد الإداري. الفساد المالي. الفساد السياسي. الرشوة. الواسطة. هدر المال العام. طرق مكافحة الفساد الإداري: هنالك عدة عناصر رئيسية وأساسية لمكافحة الفساد الإداري؛ ومنها: المحاسبة. المساءلة. الشفافية. النزاهة. بناء جهاز قضائي قوي ومستقل. تطبيق العقوبات على الفاسدين. المراجع: أخلاقيات الإدارة في عالم الأعمال، سليم بطرس، ٢٠٠٩. أخلاقيات العمل، بلال السكارنة، ٢٠١٦. |
عصر الإنفوميديا | د. زيد بن محمد الرماني | 07-04-2022 | 4,924 | https://www.alukah.net//culture/0/154064/%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d9%81%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a7/ | عصر الإنفوميديا لا تزال الثورة التي أحدثها الحاسوب تدفع بموجاتها الجديدة الهائلة واحدة تلو الأخرى في صورة صدمات أسهمت الى حد بعيد في تشكيل مجتمعنا المعاصر. وعندما استخدمت الحواسيب الكبيرة لأداء مهام روتينية في الستينيات كمسك الدفاتر وفي الإدارة ومراقبة المخزون، استغنت المؤسسات عن أعداد كبيرة من موظفي الأعمال الكتابية. وهكذا كانت الحاجة إلى توفير الأيدي العاملة سببا رئيسيا وراء اقتناء الحواسيب الجديدة بما لها من بريق وجاذبية. ومع وصول الحواسيب الشخصية الى ذروتها كان هناك تزايد هائل في قدراتها على إنجاز ما لا حصر له من مهام مع تقدم مماثل في درجة تعقيدها ودقتها. وهكذا أصبحت ركيزة ثابتة فوق كل مكتب وأصبح من المحتَّم أن تقتحم عالم الإدارة لتطيح بالعديد من الموظفين الإداريين. ومع حلول نهاية الثمانينيات كانت الحواسيب الشخصية بالإضافة إلى ما حدث من ركود اقتصادي شديد في تلك الفترة كارثة حقيقية لكثير من الناس وذلك لأن الشركات أخذت تقلل حجم العمالة بها. وهكذا أخذ المديرون وفرق السكرتارية والذين ظلوا ينعمون لسنوات طويلة بالأمان في كنف مكاتبهم يشهدون وظائفهم المستقرة تتبخر أمام أعينهم وتذهب أدراج الرياح. فهل سيكون تأثير عصر الإنفوميديا الوسائط المعلوماتية أشد على العمالة بحيث تصبح الوسائط المتعددة متنوعة الأعراض والتي تعمل من خلال أحدث صيحات التقنية من الأشياء المألوفة؟! إذ غالبا ما يقال أن اقتصادنا هو اقتصاد خدمات. إن معظم الناس يشغلون وظائف في مجال تقديم الخدمات للآخرين سواء أكانوا يعملون في محطات بنزين أو متاجر او مطاعم وجبات سريعة أو كمصرفيين. وهناك الكثيرون غيرهم ممن يعملون في صناعة أو أخرى، فقد يعملون وكلاء، سفريات سماسرة بورصة، أو عقارات، وثمة عدد كبير ممن يعملون بالقطاع الحكومي يقومون أيضا بخدمة الناس. بَيدَ أنه ومع تغلغل الحواسيب المتصلة بالشبكات داخل كل بيت في كل أنحاء الدولة، ستبدأ الموجه التالية من خفض حجم العمالة، فهناك الكثيرون ممن يعملون كوسطاء بين الشركات وعملائها، وهؤلاء سيتم تصفيتهم فالاتصالات المباشرة بين الحواسيب التابعة لمؤسسة معينة وبين المستهلك داخل منزله سوف تحولهم إلى عمالة زائدة. ترى ماذا يحدث عندما يقوم الناس بالتسوق وهم داخل منازلهم؟ وما الذي يحدث عندما يقوم سماسرة البرمجيات بمساعدة القائمين بعطلاتهم في حجز تذاكر سفرهم أو مساعدة المستثمرين في شراء الأسهم؟ وما الذي يحدث عندما يقوم الناس بالحصول على الخدمات المصرفية وهم داخل بيوتهم بدلا من الذهاب إلى أحد الأفرع الحقيقية للمصرف حيث يقوم على إدارته أناس من لحم ودم. وعلى الرغم من ذلك فالصورة ليست قاتمة تماما، فمع الاستغناء عن بعض عناصر قوة العمل في مجال معين سيزداد الطلب عليها في مجالات أخرى. ومن الواضح أن صناعات التقنية المتقدمة ولا سيما الحواسيب والاتصالات والإليكترونيات الاستهلاكية سوف تشهد نموا هائلا. ختاما أقول: إن كل التغييرات في حاجة إلى وقت والتغييرات الكبرى تتطلب وقتا طويلا وعندها نكون قد خرجنا من ثورة الإنفوميديا إلى عصر الإنفوميديا. |
عشاق الكتب | د. سعد الله المحمدي | 04-04-2022 | 2,945 | https://www.alukah.net//culture/0/153985/%d8%b9%d8%b4%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8/ | عُشَّاق الكُتب الكتابُ الجيِّد كنزٌ ثمين، ورافدٌ مهمٌّ من روافد العلم والمعرفة، وهو نعم الأنيس والقرين والدخيل والوزير؛ كما يقول الجاحظ (ت 255هـ). ويقضي محبُّو الكتب وعُشَّاقُها وقتَهم في القراءة والنظر في الكتب، وفي البحث عنها في الخزائن والمكتبات، والمعارض ودُور النشر، وحتى في الأسواق الشعبية يُقلِّبون الكتب القديمة والأوراق العتيقة أو المقطَّعة؛ لعلَّهم يفوزون فيها بشيءٍ يشفي غليلهم وحبَّهم للمطالعة. وهؤلاء العُشَّاق يعتبرون حمل الدفاتر من المروءة، ويعدُّون الكتب موطنًا آمنًا يأوون إليه لطلب الراحة الذهنية والفكرية، ويصرفون في الحصول عليها كرائمَ أموالهم، ولربَّما استدان أحدُهم لشراء كتابٍ أحبَّهُ وملَك عليه قلبه، بل ولربَّما باعَ بعضهم ثيابه، أو دَارَهُ ليسدّ ثمن كتابٍ، كما وردَ عن أبي جعفر القَصري، وابن الخشَّاب، وأبي العلاء الهمذاني وغيرهم من المولعين بالكتب. يقول العلامة اللغوي الفيروز آبادي (ت 817هـ): "اشتريتُ بخمسين ألف مثقالٍ ذهبًا كتبًا، وكان لا يُسافر إلا وصَحِبَتْه منها عدة أحمال، ويُخرج أكثَرَها في كل منزلةٍ فينظر فيها ثم يعيدها إذا ارتحل"؛ (الضوء اللامع للسخاوي: 10/ 81). ويشترط الجاحظ في شراء الكتب والإنفاق عليها الحبَّ الصادق لها قائلًا: "ومن لم تكن نفقتُه التي تخرج في الكتب ألذَّ عنده من إنفاق عُشَّاق القيان والمستهترين بالبنيان، لم يبلغ في العلم مبلغًا رضيًّا، وليس يَنتفِع بإنفاقه حتَّى يؤثِر اتِّخاذَ الكتبِ إيثارَ الأعرابي فرسَه باللَّبن على عياله، وحتى يؤمِّل في العلم ما يؤمِّل الأعرابي في فرسه"؛ (الحيوان: 1/ 55). ونجد في كتب التاريخ أن بعض المدن الإسلامية اشتهرت بحبِّ الكتب والعناية بها، قال شهاب الدين المقَّرِيّ (ت 1041هـ) عن قرطبة: "هي أكثرُ بلاد الأندلس كُتبًا، وأشدُّ الناس اعتناءً بخزائن الكتب، صار ذلك عندهم من آلات التعيّن، والرئاسة"؛ (نفح الطيب: 1/ 462). وكان الخليفة الأموي الحكم المستنصر بالله (ت 366هـ) يحبُّ الكتب ويستجلبها من الأقاليم والنواحي بواسطة الورَّاقين الذين كانوا يجمعون له غرائب المؤلفات وأندرها، وكان مغرمًا بالكتب، موثقًا في النقل، كاتبًا للفوائد على ظهور الكتب، آثر ذلك على لذَّات الملوك، وكان يعمل بمكتبته نُسَّاخ وخطَّاطون ورسَّامون، ومَنْ له عناية بفنِّ التجليد والتنميق والزخرفة للحفاظ على الكتب. لا تُخدَعنّ عن العُلوم فإنّها سرُجٌ يزيدُ على الزّمان ضياؤها تُنسى القرونُ فلا يُشيدُ بذكرِها أحدٌ ويذكر دائبًا علماؤها فاحرص على جمع العلوم فإنّها رِيّ القلوب من الصدى وشِفاؤها شمعة أخيرة: أورد الخطيب البغدادي بإسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا ﴾ [الكهف: 82]، قال: "ما كان ذلك ذهبًا ولا فضّة"، قال: "صُحفًا علمًا". وعلَّق الحسن بنُ صالح على ذلك، فقال: " وأيّ كنزٍ أفضلُ من العلم؟" ؛ (تقييد العلم: 154). |
ثورة الإنفوميديا | د. زيد بن محمد الرماني | 02-04-2022 | 5,203 | https://www.alukah.net//culture/0/153957/%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d9%81%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%af%d9%8a%d8%a7/ | ثورة الإنفوميديا قد تكون أي آلة حاسبة للجيب بين أيدينا اليوم أكثر من حيث القدرة والامكانات مما كانت عليه كل الحواسيب التي وجدت قبل عام 1950م، وحتى ألعاب الفيديو التي يلهو بها أطفالنا الآن، وهي الأخرى لديها من الإمكانات ما يفوق قدرة حاسوب كلف انشاؤه ملايين عدة منذ عشر سنين مضت. إن ثورة الوسائط المعلوماتية آتية وفي جعبتها عجائب تخرج عن نطاق الحصر، فكما أذهلت السيارات والطائرات الأولى أجدادنا، وأدهشنا الراديو والتليفزيون لدى ظهورهما، ستقلب ثورة الوسائط المعلوماتية ( Infomedia Revolution ) حياتنا رأسًا على عقب. فلا عجب، إن قيل إن أعظم ثلاث قوى تقنية على الساحة الآن: الحوسبة، والاتصالات، والوسائط المعلوماتية «الاعلامية»، التي من خلال تكييف نفسها معًا تحقق صيغة ائتلافية جديدة فيما بينها تعرف باسم: «التقارب التقني Convergence . ويحقق ذلك التقارب عائدًا يفوق 30 تريليون دولار سنويًا. وستبرز الوسائط المعلوماتية كما يقول الخبراء ومن خلال تلك الصناعة الجديدة، التي تتنامى في سرعة مذهلة، كسلاح أساسي جديد للمنافسة في القرن الحادي والعشرين. وسيظهر إلى الوجود جيل جديد من شركات تمتلك تقنية ثاقبة تدعم بدورها الوسائط المعلوماتية، لتحقق نجاحًا فلكيًا. يقول فرانك كيلش في كتابه: «الوسائط المعلوماتية وكيف تغير عالمنا وحياتك؟»: إن ثورة الوسائط المعلوماتية تتحدانا على المستوى الشخصي، وتثير قضايا أخلاقية جديدة وتغير من أساليب حياتنا اليومية. لقد تقادم عصر المعلومات تقادم الحواسيب البالغ عمرها أكثر من خمس وعشرين سنة، فلماذا نتكلم عن عصر كانت أجهزة الحاسوب فيه لا تعالج سوى البيانات بينما نجدها تعالج الآن، الصور والفيديو والصوت الوسائط الاعلامية بالقدر ذاته من السهولة؟! وقد توافق عصر المعلومات الذي انطلقت بداياته في السبعينات، مع عصر الحواسيب الرئيسية، واليوم لدى أطفالنا قدرة أكبر على معالجة البيانات بين أيديهم. لقد أصبحت أجهزة الحاسوب جزءًا متممًا لحياتنا اليومية، بدءًا من ماكينات تسجيل المدفوعات النقدية حتى آلات الحاسب الرقمية ومشغلات الأقراص المدمجة وألعاب الفيديو وآلات النسخ والفاكسات والهواتف الذكية المتنقلة، وحتى الساعات التي بأيدينا ما هي إلا حواسيب مقنعة. ولذا سيكون المحرك الاقتصادي Economic Enfine للاقتصاد العالمي الجديد مكونًا من صناعات الانفوميديا وهي الحوسبة والاتصالات والالكترونيات الاستهلاكية. وهذه الصناعات هي أكبر الصناعات العالمية الآن وأكثرها ديناميكية ونموًا حيث يبلغ رأسمالها أكثر من 3 تريليونات دولار. وسيكون عصر الانفوميديا أعظم انطلاقة وأضخم تعزيز على مدار التاريخ للاقتصاد العالمي، خارج نطاق المجال العسكري، وسيكون هو محرك التقدم للتكتلات الاقتصادية التجارية العظمى في القرن الجديد. وسيكون عصر الوسائط المعلوماتية «الانفوميديا» لبعض الناس كنز الفرص الجديدة. وقد ظهر على الساحة أخيرًا محاربون جدد لعدد من الشركات لمواجهة عصر الانفوميديا، وقد تشكلت ملامحهم بالفعل، فقد اخرجت لنا شركات مثل مايكروسوفت Microsoft وانتل Intel وآبل Apple وسيجا Sega وكومباك Compag رجال أعمال من أمثال ستيفن جوبز وبيل جيتس. ولقد وجدت كبريات المؤسسات من عمالقة الصناعة أمثال IBM و Amdahl و Sperry و Burroughs أنفسهم في موقف صعب. ففي صناعة يكون فيها العائد الوفير هو المعيار، لن يكون بيل جيتس هو آخر بليونير في العصر الجديد ولكن تكون IBM هي أول من يعاني من آلام ذلك الاضطراب الهائل الذي اعترى الصناعة. ولا شك أن ثورة الانفوميديا ستلقي بظلها على كل مشروع وكل صناعة، وقد احتلت أجهزة الحاسوب وشبكات الاتصالات موقعًا رئيسًا وسط العمليات اليومية لكل مشروع أو مؤسسة، بل يمكن القول إنها قد أصبحت سلاحًا تنافسيًا رئيسًا في معركتها لفرض سيادتها على السوق. وفي زمن ثورة الانفوميديا، لا عجب إن وجدنا هواتف بلا أسلاك ونشرًا بلا ورق، وكتبًا بلا ورق وعقارًا اليكترونيًا وتسوقًا منزليًا ونقودًا رقمية وبطاقات ذكية ومتاجر دون أرفف ومصارف بلا صرافين. إذ لم تكن النقود موجودة طوال أكثر فترات التاريخ امتدادًا. وكان البشر الأولون يستخدمون أسلوب المقايضة في تجارتهم فكانوا يبيعون بضاعتهم لقاء ما يحتاجونه من بضائع وعلى مدار معظم تاريخ الجنس البشري، كان نظام المقايضة هذا هو الطريقة الوحيدة المتاحة للناس لامتلاك الأشياء التي لا يمكنهم تنميتها أو تصنيعها بأنفسهم. وفي النهاية أدرك البشر أن المقايضة لا يمكنها أن تفي باحتياجاتهم ولابد أن تكون هناك طريقة أفضل. لذا، تطورت نظرتنا للنقود مع تطور المجتمع، فقد كانت تمثل احتياجات ومتطلبات المشاريع والأعمال والمصارف والحكومة التي شكلت الصيغ المختلفة للنقود، واليوم تمثل النقود شريان الحياة لكل المشروعات والاقتصاد الوطني. واتخذت النقود على مدار الأزمنة صورًا وأشكالًا مختلفة واستخدمت الأصداف، والبندق والحجارة والورق كنقود، بيد أنه ليس هناك أكثر مدعاة للغرابة والدهشة من نقود لا توجد على الاطلاق. واليوم، نجد أن الغالبية العظمى من النقود ما هي إلا نبضات اليكترونية في أي حاسوب. ومن الممكن تداولها وتحويلها بسرعة الضوء. وسرعان ما ستحل البطاقات الذكية مكان بطاقات الائتمان التي شاعت في كل الأرجاء. فلقد كانت البطاقات الذكية محور اهتمام مكثف وتطوير على مدى أكثر من 25 عامًا. وليست المصارف هي المستفيدة من البطاقات الذكية وحدها، فسيجني المستهلك ثمارها هو الآخر، فالبطاقات بديل ملائم وسهل الاستعمال كما يقول الاقتصاديون المتفائلون للتعامل بالنقد والشيكات. إن البطاقات الذكية قد تصبح دفتر شيكات المستقبل حيث تعكس كل معاملات العميل المالية ومدفوعاته، وسيكون لدى المستهلكين القدرة على إدارة سنداتهم وأوراقهم المالية في أي وقت وأي مكان تقريبًا. ختامًا أقول: لقد لعبت الأدوات دورًا مهمًا في تحديد ملامح الجنس البشري، فكانت خصائص كل عصر تصيغها الأدوات التي ظهرت في زمانه، وقد تم تدوين تاريخ العقد الأخير من التاريخ على الحاسوب، أما العقد القادم فسيشكله الحاسوب كلية. وكلما تضاربت تقنيات المعلوماتية والوسائط الاعلامية والاتصالات، أدركنا أن عالمنا يعاد صياغته من جديد. إن تلك القوى ستعمل بجهد لا يكل على دفع عجلة الاقتصاد والمجتمع وحياتنا الخاصة نحو العصر القادم: عصر الإنفوميديا. إن ثورة الوسائط المعلوماتية «الانفوميديا» تطرق أبوابنا بالفعل، ولن تدع أمامنا سوى خيارات تشترك كلها في صعوبة واحدة: النظرة المستقبلية. |
كتاب أدبي عظيم لا يعرفه أكثر الأدباء | المعتز بالله الكامل | 30-03-2022 | 2,529 | https://www.alukah.net//culture/0/153912/%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a3%d8%af%d8%a8%d9%8a-%d8%b9%d8%b8%d9%8a%d9%85-%d9%84%d8%a7-%d9%8a%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%87-%d8%a3%d9%83%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d8%a8%d8%a7%d8%a1/ | كتاب أدبي عظيم لا يعرفه أكثر الأدباء أكثر شداة الأدب والمحبين له والحريصين على اقتناء كتبه، يعرفون كتاب " الكامل " لإمام اللغة أبي العباس محمد بن يزيد بن عبدالأكبر المعروف بـ " المبرد "، فهو كتاب عظيم النفع جليل القدر، وهو من الكتب التي تهتم بالانتقاء، فصاحبه رحمه الله يذكر آيات من كتاب الله، أو أحاديث من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أو أبياتًا شعرية، أو خطبة أو قطعة أدبية فنية رائقة، ثم يشرح غريب الألفاظ التي توجد فيها، ثم يتعرض أحيانًا لوجوه اللغة، وهو كتاب عظيم الفائدة غزير المادة، قد طبقت شهرته الآفاق خاصة بعد ما نقله ابن خلدون في مقدمة تاريخه حين قال: ((وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه (يعني علم الأدب) أربعة دواوين وهي أدب الكتاب لابن قتيبة وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي)). لكن ما لا يعرفه أكثر أدبائنا هو أن للمبرد كتابًا آخر لا يساوي كتاب الكامل، ولا يدانيه في الاشتهار، ومعرفة الناس به، لكنني لعلي لا أبالغ إذا قلت: إن هذا الكتاب الآخر على صغر حجمه يفوق كلَّ كتب الأدب التي اهتمت بانتقاء أطايب الكلام؛ كـ "ديوان المعاني" لأبي هلال العسكري، و"البيان والتبيين" للجاحظ، و"الكامل" للمبرد، و"الأمالي" لأبي على القالي؛ إذ إن كتابنا الذي نتحدث عنه اليوم قد فاق جميع هذه الكتب في جودة الانتقاء، وجمال الاختيار، وحسن الاصطفاء، فقد أحسن مؤلفه الاختيار لكل شيء وضعه في هذا الكتاب، فهو قد اختار من الشعر أعذبه (ولست أعني بأعذبه أكذبه) ، بل قد أتقن صاحبه اختيار كل بيت ذكره في كتابه، وكل قطعة أدبية ساقها في فاضله، فهو جدير بهذا الاسم، ثم هو قد ازداد زينةً وبهاءً وجمالًا بتحقيق العلامة عبدالعزيز الميمني الراجكوتي، فخرج على الأدباء يرفل في حلة فوقها زينة وبهاء، حلة مؤلفه، وزينة محققه، فغدا نورًا على نور وبهاء على بهاء، وأنا ناقل لك بعض ما أورده مؤلفه من أبيات رائقة، ومن قطع أدبية فريدة، على أني لن أُكثر لا لخوف الملالة على قارئي الكريم، فإن هذا الكتاب من الكتب النادرة التي لا يعرف الملالة ولا السآمة قارئها، بل لأن المقالة لن تتسع لأكثر مما سأنقله، وإلا خرجت عن كونها مقالة، فأصبحت كتابًا وهذا مالم أقصده. وهذا أوان الشروع في النقل. يقول الإمام المبرد رحمه الله تحت عنوان: باب من الشعر: أنشدني أبو عثمان المازني: وإنا لمشَّاؤون بين رحالنا إلى الضَّيف منَّا لاحف ومنيم فذو الحلم منا جاهل من ورائه وذو الجهل منا عن أذاه حليم وقال آخر يصف ضيفًا: عوى في سواد الليل بعد اعتسافه لينبح كلب أو ليفزع نوُّم جاوبه مستسمع الصوت للقرى له مع إتيان المهيبين مطعم يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلًا يكلِّمه من حبِّه وهو أعجم وقال أعرابي: وعاو عوى شبه الجنون وما به جنون ولكن كيد أمر يحاوله فأوقدت ناري فاستضاء بضوئها وأخرجت كلبى وهو في السجن داخله فلما رآها كبَّر الله وحده وبشِّر قلبًا كان جمًّا بلابله فلما أتاها قلت أهلًا ومرحبًا تقدَّم ولم أقعد إليه أسائله فقمت إلى البرك الهجان أعودها بضربة حقٍّ لازم أنا فاعله فجالت قليلًا واتَّقتني بخيرها سنامًا وأدناها من الشحم كاهله فأطعمته من لحمها وسنامها شواء، وخير الخير ما كان عاجله طعامين لا أسطيع بخلا عليهما جنى النحل والمغصوب تغلي مراجله وقال آخر يصف ضيفًا: ومستنبح قال الصَّدي مثل قوله حضأت له نارًا لها حطب جزل وقمت إليه مسرعًا فغنمته مخافة قومي أن يفوزوا به قبل فأوسعني حمدًا وأوسعته قرى وأرخص بحمد كان كاسبه الأكل وقال أبو كدراء العجليّ: يا أم كدراء مهلًا لا تلوميني إني كريم وإن اللوم يؤذيني فإن بخلت فإن البخل مشترك وإن أجد أعط عفوًا غير ممنون ليست بباكية إبلي إذا فقدت صوتي ولا وارثي في الحيّ يبكيني بنى البناة لنا مجدًا ومكرمة لا كالبناء من الآجر والطين هذه صفحات من الكتاب نقلتها متتالية، كما نقشتها يد كاتبها، لم أتدخل فيها بتقديم أو تأخير، أو حذف أو تغيير، وهذا غيض من فيض، وكل ما نقله الإمام المبرد يشبه هذا حسنًا، أو يزيد عليه جمالًا. أتمنى أن يسامحني القارئ الكريم إذ قطعت عليه لذته، فإني لم يمنعني من كثرة النقل إلا خشية الإطالة، وإلا فإني أقسم أني أجد لكل بيت نقله الإمام المبرد رحمه لذة دونها لذة المتنقل بين الرياض النضرة، أو المتفكه بأفضل أنواع الفاكهة، ولست ممن يحفظون الشعر دون معاناة، لكنني لا أبالغ إن قلت أن أكثر أبيات كتاب الفاضل قد طبعت في ذهني وعلى صفحة قلبي دون أدنى تكلف للحفظ. لعلك أيها القارئ الكريم قد اشتقت لمعرفة اسم هذا الكتاب العظيم والسفر الجليل، إنه كتاب "الفاضل" لأبي العباس المبرد رحمه الله رحمة واسعة. وأخيرا: فإني ناصح قرائي الكرام قائلًا لهم: عليكم بهذا الكتاب الذي لا يمل قارئه ولا يسأم تاليه، بل لا أبالغ إن قلت: لم أقرأ في كتب الأدب كتابًا يشبهه، ولم أقرأ كتابًا أكثر من مرة كما فعلت معه، ولم تصبني ملالة التكرار حتى ولو أعدته مائة مرة. عليكم به فهو نصيحتي لكم، لعلكم تحسون بما أحس حينما أقرأه. |
فجوة المعرفة | د. زيد بن محمد الرماني | 29-03-2022 | 5,441 | https://www.alukah.net//culture/0/153864/%d9%81%d8%ac%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d8%a9/ | فجوة المعرفة المعرفة أشبه بالنور؛ فهي بلا وزن ولا ملمس، ولكنها تستطيع الانتقال بسهولة في العالم، فتستضئ بها حياة الشعوب في كل مكان، ومع ذلك فما زال هناك مليارات من الناس الذين يعيشون في ظلمة الفقر. هكذا ورد في ديباجة تقرير البنك الدولي للإنشاء والتعمير عن التنمية في العالم لعام 98/ 1999. إن المعرفة يستضاء بها في كل عملية اقتصادية؛ فهي تبيِّن الأفضليَّات، وتوضِّح المبادلات، وتنقل المعلومات إلى الأسواق. والافتقار إلى المعرفة هو الذي يتسبب في انهيار الأسواق أو في عدم قيامها أصلاً. إن تأمُّل التنمية من منظور المعرفة يعزز بعضًا من الدروس المعروفة، مثل: أهمية نظام التجارة المفتوح، والتعليم الأساسي الشامل، كما يركز الاهتمام على الاحتياجات التي أغفلت في بعض الأحيان التدريب العلمي والتقني، والبحث والتطوير؛ لتسهيل تدفُّق المعلومات إلى الأسواق. كما أن تبنِّي سياسات تزيد من كلا نوعي المعرفة، وهما: الدراية الفنية، والمعرفة المتعلقة بالجودة من شأنه أن يحسِّن حياة الشعوب من جوانب متعددة، بالإضافة إلى تحقيق دخل أعلى. فزيادة المعرفة بشؤون التغذية قد تعني صحة أفضل حتى لمن ليس لديهم غير القليل لإنفاقه على الطعام. والمعرفة بشأن كيفية الحيلولة دون انتقال مرض (الإيدز) من شأنها أن تنقذ الملايين من الأمراض الموهنة للصحة ومن الموت. كما أن برامج الائتمان الصغيرة جدًّا من شأنها أن تتيح للفقراء فرصة الاستثمار في مستقبل أفضل لهم ولأولادهم. وصفوة القول أن المعرفة تهيِّئ للناس أن يسيطروا على مقاديرهم وأمورهم سيطرة أفضل. وللأسف، فإن هناك فجوة واسعة في المعرفة بين البلدان النامية والبلدان الصناعية، بل إن هناك فجوات معرفية داخل البلدان. وكثيرًا ما تنطوي الإستراتيجيَّات الخاصة بسدِّ هذه الفجوات على نفس العناصر، ومن شأن تطبيقها تطبيقًا فعَّالاً أن يقطع شوطًا بعيدًا نحو الحدِّ من التفاوت، واستئصال الفقر. إن العلاقة بين فجوة المعرفة، ومشكلات المعلومات مثلاً، هي علاقة واضحة من تاريخ الثورة الخضراء؛ إذ اتضح مع الوقت أن النوعيَّات المحسنة من النباتات كانت ضرورية، ولكنها لم تكن كافية لتحسين حياة فقراء الريف. وفي آخر المطاف أفلحت الثورة الخضراء في تعظيم دخل المزارعين الفقراء، والذين لا يملكون أرضًا. وقد أدى انفجار المعرفة الجديدة، وتعاظم التقدُّم التقني، والتزايد المتواصل في المنافسة إلى جعل التعلُّم مدى الحياة أهم مما كان في أي وقتٍ مضى، وعلى المجتمعات في سبيل تضييق فجوة المعرفة أن تكفل التعليم الأساسي للجميع. حيث يعتبر التعليم بالنسبة للأفراد والبلدان مفتاح تكوين المعرفة وتطويعها ونشرها، فالتعليم الأساسي يزيد من قدرة الناس على التعلُّم وتفسير المعلومات. ولكن تلك هي البداية فحسب؛ لأن هناك حاجة كذلك للتعليم العالي، والتدريب الفني؛ من أجل بناء قوة عمل قادرة على مسايرة التيار المتدفِّق في التقدم التقني، ذلك التيار الذي يضغط دورات الإنتاج، ويزيد من سرعة انخفاض قيمة رأس المال البشري. فالتعليم الأساسي الذي يعني في معظم البلدان التعليم الابتدائي - المتوسط - الثانوي، يحقق تطوير قدرة الشخص على التعليم وتفسير المعلومات، وتطويع المعرفة مع الظروف المحلية، ومن خلال تأثيراته على الإنتاجية الاقتصادية، وعلى نواحي الحياة الأخرى، مثل: الصحة، فإنه يساعد في تحديد رفاهية الإنسان. ثم إن التعليم المدرسي يدعم الابتكار الزراعي، ويعزز قدرة المرء على إعادة تخصيص الموارد؛ استجابة للتغير الاقتصادي، لمواجهة تقلُّبات الأسعار أو فترات صعود وهبوط دورات الأعمال. كذلك يشجع التعليم المدرسي على استخدام التقنيات الجديدة في المنزل لأغراض الصحة والتغذية، والتعلم وتنظيم الحمل. وعلى ذلك فإن التعليم الأساسي ضرورة لتعزيز قدرة الناس على تسخير المعرفة، خاصة في البلدان الأكثر فقرًا. وهناك بعض الشواهد كذلك على أن التعليم العالي أمرٌ مهم للنمو الاقتصادي. فإنتاج معارف جديدة، وكذا تطويعها لأوضاع بلدٍ معين يرتبط بصفة عامة بمستوى عالٍ من التعليم والبحث. ولتعزيز إمكانية أن تظلَّ المناهج الدراسية، والأبحاث العلمية ينبغي أن تعمدَ كثيرٌ من المدارس والجامعات إلى إقامة شركات أوثق مع الصناعة، وبناء جسور مع الصناعة؛ من خلال المناهج الدراسية التي تضمن مكونات تعليمية قائمة على العمل. كذا ينبغي على الأكاديميين أن يدعموا البحث الذي يؤدي مباشرة إلى الابتكار التقني، وأن يرحِّبوا بتقديم الاستشارات للقطاع الصناعي الخاص. إن المعرفة عنصر حاسم في التنمية؛ لأن كل ما نفعله يستند إلى المعرفة، فلكي نعيش يتعين علينا أن نحوِّل الموارد المتاحة لنا إلى أشياءَ نحتاج إليها، وهو ما يتطلب معرفة. وإذا أردنا أن نعيش في غدٍ أفضل مما نعيش اليوم، وإذا أردنا أن نرفع مستوى حياتنا كأُسَرٍ وبلد، وأن نحسِّن صحتنا، ونعلِّم أولادنا تعليمًا أفضل، ونحافظ على بيئتنا، فعلينا أن نقوم بما هو أكثر من مجرَّد إجراء تحويل المزيد من الموارد؛ لأن الموارد شحيحة. وعلينا أن نستخدم هذه الموارد بالطرق الكفيلة بتوليد عوائد متزايدة بما نبذله من جهود، ونقوم به من استثمارات، وهذا يتطلب معرفة تزيد بنسبة أكبر من زيادة مواردنا. إن السعي في سبيل الحصول على المعرفة يبدأ بالقرار بأن المعرفة ليس من السهل شراؤها من على الرف، وكأنها خُضَرٌ أو أجهزة حاسب، فقابلية المعرفة للتسويق تحدُّها خصيصتان تميزانها عن السلع الأكثر تقليدية. أُولاهما: أن استخدام شخص لهذا الجزء أو ذاك من المعرفة لا يحول دون استخدام الآخرين لنفس هذا الجزء، فهي كما يقول الاقتصاديون ليست تنافسية. وثانيتهما: أنه متى صار جزء من المعرفة مِلكًا مشاعًا، تعذَّر على منشِئي هذه المعرفة أن يحول دون استخدام الآخرين لها، فالمعرفة غير قابلة للاستئثار بها. وهاتان الخصيصتان للمعرفة - وهما الخصيصتان الأساسيتان في السلع العامة - تهيِّئان للناس في كثير من الأحيان استخدام هذه السلع دون دفع مقابل لها، وهو ما يقلل من المكاسب التي يجنيها المبتكرون في استحداثهم للمعرفة، وهي مكاسب ليست قليلة. إن التنمية الناجحة إذًا تنطوي على ما هو أكثر من الاستثمار في رأس المال المادي، فهي تنطوي كذلك على الحصول على المعرفة واستخدامها؛ من خلال: (1) الحصول على المعرفة العالمية، واستنباط المعرفة محليًّا. (2) الاستثمار في رأس المال البشري؛ لاستيعاب المعرفة. (3) الاستثمار في التقنية؛ لتسهيل الحصول على المعرفة. ختامًا أقول: إن السياسات الفعَّالة للحصول على المعرفة واستيعابها ونقلها، هي مكونات يدعم بعضها بعضًا لإستراتيجية شاملة ترمي إلى سد فجوة المعرفة. فهل آن أوان ذلك؟! |
البيان في فضائل سيدنا عثمان بن عفان | عبدالله ميزر الحداد | 28-03-2022 | 31,012 | https://www.alukah.net//culture/0/153850/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%b3%d9%8a%d8%af%d9%86%d8%a7-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%81%d8%a7%d9%86/ | البيان في فضائل سيدنا عثمان بن عفان من أصول أهل السنة والجماعة محبة الصحابة الكرام، والترضي عنهم، وذكر محاسنهم، ونشر فضائلهم؛ امتثالًا لأمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. وفي مقدمة الصحابة، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، والأئمة المهديون: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، رضي الله عنهم وأرضاهم. والراشدون الأربعة هم صفوة الصحابة، وخواص الخواص، وأقرب الناس إلى الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وأحبهم إلى قلبه. وأهل السنة مجمعون على أن الخلفاء الراشدين المهديين هم أفضل الصحابة إطلاقًا، وأن ترتيبهم في الفضل هو ترتيبهم في الخلافة، فأولهم الصديق، ثم الفاروق، ثم عثمان ذو النورين، ثم علي الكرَّار المرتضى. وسيدنا أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه هو ثالث الخلفاء الراشدين، وثالث العشرة المبشرين، وهو من أشهر الصحابة وأعظمهم. لقد اشتهر عثمان رضي الله عنه بالكرم والجود، وشدة الإيمان، والسماحة مع الناس، وبقي على هذه السيرة الحميدة العظيمة حتى ذهب إلى ربه شهيدًا مظلومًا عزيزًا، آثر الاستشهاد والموت على إراقة الدماء، فرضي الله عنه وأرضاه. وفضائل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومناقبه كثيرة جليلة عظيمة، أشهر من أن تُذكر، وأكثر من أن تُحصر. ولقد تزوج رضي الله عنه من ابنتَي النبي صلى الله عليه وسلم: السيدة رقية، ثم السيدة أم كلثوم، فسُمِّي ذا النورين، وحسبك بها شرفًا. وهو الذي جهز جيش العسرة في غزوة تبوك من ماله، وحمل الناس على ألف بعير وسبعين فرسًا؛ كما في الاستيعاب والفتح. وعثمان رضي الله عنه هو الذي اشترى بئر رومة في المدينة المنورة بخمسة وثلاثين ألف درهم، وجعلها في سبيل الله تعالى. وعثمان ذو النورين هو الذي وسع المسجد النبوي الشريف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشترى الأرض المجاورة له بخمسة وعشرين ألف درهم؛ كما روى النسائي وابن حبان. وعثمان رضي الله عنه هو أحد الذين حفظوا القرآن الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ الناس عليه القرآن. وثبت عنه أنه قرأ القرآن كله في ركعة واحدة؛ كما في طبقات ابن سعد. وبالجملة فقد جمع الله في أمير المؤمنين عثمان بن عفان كل الفضائل والمناقب التي جعلته عظيمًا جليلًا، واستحق أن يكون ثالث الخلفاء الراشدين المهديين، رضي الله عنهم أجمعين. وإن الحديث عن فضائل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، ومناقبه الجليلة مما تنشرح له صدور المتقين، وتفرح به قلوب المؤمنين، وكذلك الحال مع بقية الراشدين المهديين. وفي هذه الصفحات سأذكر فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ومناقبه، مقرًّا بالتقصير، راجيًا من الله العون والتوفيق. فضائل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ومناقبه: 1- عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة ...))؛ [رواه الترمذي والنسائي وأحمد، وصححه الألباني، وللحديث تتمة]. 2- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((القائم بعدي في الجنة، والذي يقوم بعده في الجنة، والثالث والرابع في الجنة))؛ [رواه ابن عساكر، وصححه الألباني]. والمراد بالحديث الخلفاء الراشدون الأربعة، والثالث هو سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه. 3- عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه في قصة تجهيز عثمان لجيش العسرة، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم؛ مرتين))؛ [أخرجه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني]. 4- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافًا، فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ قال: عليكم بالأمين وأصحابه، وهو يشير إلى عثمان بذلك))؛ [رواه أحمد والحاكم، وصححه الألباني]. 5- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرقية زوجة عثمان: ((أكرميه فإنه من أشبه أصحابي بي خُلُقًا))؛ [أخرجه أحمد في فضائل الصحابة والطبراني]. 6- عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم عن عثمان: ((ألَا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة))؛ [رواه مسلم وأحمد وابن حبان]. 7- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر ابنته الثانية التي كانت عند عثمان - يعني السيدة أم كلثوم - فقال: لو كن عشرًا، لزوجتهن عثمان، وما زوجته إلا بوحي من السماء))؛ [رواه الطبراني وابن عساكر، وهو يرتقي إلى الحسن بطرقه وشواهده، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد]. 8- عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال: ((اللهم إني قد رضيتُ عن عثمان، فارضَ عنه، اللهم إني قد رضيت عن عثمان، فارضَ عنه، اللهم إني قد رضيت عن عثمان، فارضَ عنه))؛ [رواه ابن عساكر]. 9- عن أنس بن مالك رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أُحُدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: اثبت أحد، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان))؛ [رواه البخاري والترمذي وغيرهما]، والشهيدان هما عمر وعثمان كما هو معلوم. وقد تكررت هذه القصة على جبل حراء، وكان عثمان رضي الله عنه موجودًا أيضًا إلى جانب أبي بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد. 10- عن أنس بن مالك رضي الله عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان ...))؛ [أخرجه الترمذي والنسائي، وللحديث تتمة]. 11- عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: ((كان عثمان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين))؛ [أخرجه أحمد في فضائل الصحابة وابن أبي شيبة]. ولأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه من المناقب والفضائل غير ذلك الكثير، وسيرته كلها من أولها إلى آخرها مليئة بالمفاخر والفضائل، وستبقى سيرة سيدنا عثمان رضي الله عنه منارة شعاع وهدى ونور، مهما حاول الحاقدون تشويهها، ومهما افترى السبئيون المرجفون عليها، ومَثَل الذي يطعن في أمير المؤمنين عثمان كمثل الذي يأتي إلى أبي قبيس يريد أن يهدمه بنعاله. ويكفي عثمان شرفًا وفخرًا أنه ذو النورين، وأنه هو الذي جمع المصحف، وأرسل النسخ إلى الأمصار، وأنه هو الذي وسع الحرمين في عهده، وهو الذي فتحت في عهده إفريقية وطبرستان وغيرها كثير، وهو الذي جرت في عهده معركة ذات الصواري، وهو الذي أنشأ مرفأ جدة؛ خدمة للحجاج، وغير ذلك الكثير. فكل هذه الفضائل والمناقب والمفاخر هي لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، ثالث الخلفاء الراشدين، وأمير المؤمنين المسلمين. وكان في الخاطر كتابة المزيد من فضائل سيدنا عثمان، وكتابة المزيد من سيرته، ولكن رأيت أن أكتفي بما ذكرته وقدمته خشية الإطالة، وكل فضيلة من هذه الفضائل تجعلنا نعلم شيئًا من مكانة عثمان رضي الله عنه عند الله، وعند رسوله، وعند المسلمين. وفي الختام رضي الله عن سيدنا عثمان بن عفان أمير المؤمنين وأرضاه، وحشرنا في زمرته المباركة، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الغر الميامين أجمعين. المصادر والمراجع: 1- كتاب عثمان بن عفان؛ لعبد الستار الشيخ. 2- صحيح البخاري؛ للإمام محمد بن إسماعيل البخاري. 3- صحيح مسلم؛ للإمام مسلم بن الحجاج. 4- مسند الإمام أحمد بن حنبل؛ للإمام أحمد بن حنبل. 5- سنن الترمذي؛ للإمام الترمذي. 6- سنن النسائي؛ للإمام النسائي. 7- السلسلة الصحيحة؛ للإمام الألباني. 8- المستدرك على الصحيحين؛ للإمام الحاكم. 9- صحيح ابن حبان؛ للإمام ابن حبان. 10- تاريخ ابن عساكر؛ للحافظ ابن عساكر. 11- فضائل الصحابة؛ للإمام أحمد بن حنبل. 12- مصنف ابن أبي شيبة؛ للإمام أبي بكر ابن أبي شيبة. 13- صحيح الجامع؛ للإمام الألباني. 14- طبقات ابن سعد؛ لمحمد بن سعد. 15- فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ للحافظ ابن حجر العسقلاني. 16- الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ لابن عبدالبر. |
التعريف بالباقلاني | محمد حسن عباس | 27-03-2022 | 14,226 | https://www.alukah.net//culture/0/153804/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%82%d9%84%d8%a7%d9%86%d9%8a/ | التعريف بالباقلاني [1] الإمام، العلامة، أوحد المتكلمين، مقدم الأصوليين، القاضي أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن قاسم البصري، ثم البغدادي، ابن الباقلاني، صاحب التصانيف، وكان يضرب المثل بفهمه وذكائه. ويعتبر الباقلاني المؤسس الثاني للمذهب الأشعري [2] وقد اشتهرت النسبة للأشعري في عصره [3] . ونسبة الباقلاني إلى بيع الباقلاء، تولى القضاء لعضد الدولة [4] . قال عنه ابن تيمية: «وهو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى الأشعري، ليس فيهم مثله لا قبله ولا بعده، وهو فحل الطائفة» [5] ، وهو «أكثر إثباتًا بعد الأشعري في الإبانة» [6] ، ووصفه هو والبيهقي بأنهما فضلاء الأشعرية [7] . وقال الذهبي: «الذي ليس في المتكلمين الأشعرية أفضل منه مطلقًا» [8] . وهو الذي وضع المقدمات العقلية لمباحث العقيدة وعلم الكلام، مثل: مباحث الجوهر والعرض، وأقسام العلوم، والاستدلال، والكلام عن الموجودات وأنواعها. قال ابن خلدون: وكثر أتباع الشيخ أبي الحسن الأشعري واقتفى طريقته من بعده تلميذه كابن مجاهد وغيره. وأخذ عنهم القاضي أبو بكر الباقلاني، فتصدر للإمامة في طريقتهم وهذبها ووضع المقدمات العقلية التي تتوقف عليها الأدلة والأنظار، وذلك مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء، وأن العرض لا يقوم بالعرض وأنه لا يبقى زمانين. وأمثال ذلك مما تتوقف عليه أدلتهم. وجعل هذه القواعد تبعًا للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها لتوقف تلك الأدلة عليها وأن بطلان الدليل يؤذن ببطلان المدلول، فكملت هذه الطريقة وجاءت من أحسن الفنون النظرية والعلوم الدينية [9] . شيوخه: 1- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن يعقوب بن مجاهد الطائي البصري - تلميذ أبي الحسن الأشعري- درس عليه الأصول والكلام. 2- أبو الحسن الباهلي: تلميذ أبي الحسن الأشعري، توفي سنة 370هـ، تلقى على يديه أصول المذهب الأشعري. 3- أبو عبد الله: محمد بن خفيف الشيرازي الصوفي، المتوفى سنة 371هـ، وهو أيضًا ممن تتلمذ على أبي الحسن الأشعري. 4- أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي، راوي مسند الإمام أحمد، توفي سنة 368 هـ، سمع منه الحديث. 5- أبو بكر: محمد بن عبد الله الأبهري، توفي سنة 375هـ، شيخ المالكية في وقته، أخذ عنه الفقه. 6- أبو محمد: عبد الله بن أبي زيد القيرواني المالكي، صاحب الرسالة ومختصر المدونة، كان يسمى بمالك الصغير، توفي سنة 386هـ. 7- أبو أحمد الحسين بن علي النيسابوري، روى عن ابن خزيمة، توفي سنة 375هـ. 8- محمد بن عمر البزار، المتوفى سنة 374هـ. 9- وأبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري، المتوفى سنة 382هـ، روى عن الطبري. وغيرهم، ويلاحظ أن من شيوخه ثلاثة من تلاميذ أبي الحسن الأشعري. كما تتلمذ عليه مجموعة من العلماء، منهم: 1- القاضي المالكي أبو محمد عبد الوهاب بن نصر البغدادي، المتوفى سنة 422هـ. 2- أبو ذر الهروي، عبد بن أحمد، الأشعري، المتوفى سنة 434هـ، وراوي (البخاري) عن الثلاثة: المستملي، والحموي، والكشميهني والذي نقل المذهب الأشعري إلى الحرم، ثم أخذ عنه المالكية هذا المذهب، وقد كان شيخه الدارقطني المتوفى سنة 385هـ، يعظم الباقلاني لما التقى به في الطريق، ولما سأله الهروي قال: «هو أبو بكر بن الطيب، الذي نصر السنة وقمع المعتزلة»، وأثنى عليه. قال الذهبي عن أبي ذر: «أخذ الكلام ورأي أبي الحسن الأشعري عن القاضي أبي بكر بن الطيب، وبث ذلك بمكة، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب، والأندلس، وقبل ذلك كانت علماء المغرب لا يدخلون في الكلام، بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية، ولا يخوضون في المعقولات، وعلى ذلك كان الأصيلي، وأبو الوليد بن الفرضي، وأبو عمر الطلمنكي، ومكي القيسي، وأبو عمرو الداني، وأبو عمر بن عبد البر، والعلماء» [10] . 3- أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد السمناني، الحنفي، المتوفى سنة 444هـ، العلامة، قاضي الموصل، الحنفي. ولازم ابن الباقلاني حتى برع في علم الكلام. قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقًا، فاضلًا، حنفيًّا، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف. قال عنه ابن حزم: «وهو أكبر أصحاب الباقلاني ومقدم الأشعرية في وقتنا» [11] . قال الذهبي: «كان من أذكياء العالم» [12] . فائدة: «الماتريدية كلهم حنفية المذهب، بل المراد من الحنفية على الإطلاق في علم الكلام هم الماتريدية فحسب. ولا يكاد يعرف أحد من المالكية والشافعية والحنابلة أن يكون ماتريديًّا، كما لا يعرف أحد من الحنفية أن يكون أشعريًّا إلا أبا جعفر محمد بن أحمد السمناني؛ فقد كان أشعري الاعتقاد، وكان تلميذًا للباقلاني في علم الكلام، فكان الباقلاني يمازحه ويقول: (إنه مؤمن آل فرعون) يعني: أنه الأشعري الوحيد بين الحنفية» [13] . 4- أبو الحسن علي بن عيسى السكري الفارسي، الشاعر، المتوفى سنة 413هـ. 5- الحسين بن حاتم الأزدي، الذي أرسله الباقلاني إلى جامع دمشق ليلقي درسًا في العقيدة، وقد رجع إلى المغرب ونشر علمه هناك، ومات بالقيروان. 6- أبو عبد الرحمن السلمي، محمد بن الحسين الصوفي، المتوفى سنة 412هـ، قرأ عليه لما قدم الباقلاني إلى شيراز. 7- ابن اللبان، أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني الشافعي، المتوفى سنة 446هـ. 8- أبو علي الحسن بن شاذان، ت 426هـ. 9- أبو بكر بن الحسين الإسكافي. كتبه: للباقلاني قريب من خمسين ألف ورقة من تصانيفه في نصرة الدين والرد على أهل الزيغ والبدع [14] . قال أبو الفرج محمد بن عمران الخلال عن الباقلاني: «وكان كل ليلة إذا صلى العشاء وقضى ورده، وكان ورده في كل ليلة عشرين ترويحةً، ما تركها في حضر ولا سفر، وضع الدواة بين يديه وكتب خمسًا وثلاثين ورقةً تصنيفًا من حفظه، وكان يذكر أن كتبه بالمداد أسهل عليه من الكتب بالحبر، فإذا صلى الفجر دفع إلى بعض أصحابه ما صنفه في ليلته، وأمره بقراءته عليه، وأملى عليه الزيادات فيه» [15] . 1- كتاب «إعجاز القرآن»: قال ابن العربي عنه: «لم يصنف مثل كتابه» [16] . 2- كتاب «تمهيد الأوائل في تلخيص الدلائل». 3- كتاب «التقريب والإرشاد»، قال الزركشي عنه: «وهو أجل كتاب صنف في هذا العلم [أصول الفقه] مطلقًا» [17] . 4- كتاب «الانتصار للقرآن». 5- «كشف الأسرار وهتك الأستار». ثناء العلماء عليه: قبَّلَه الدارقطني بين عينيه، وقال: «هذا يرد على أهل الأهواء باطلهم»، ودعا له [18] . قال الصاحب إسماعيل بن عباد: «ابن الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك صل [19] مطرق، والإسفراييني نار تحرق» [20] . قال الذهبي: «كان ثقةً إمامًا بارعًا، صنف في الرد على الرافضة، والمعتزلة، والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق؛ فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه. وقد ذكره القاضي عياض في «طبقات المالكية»، فقال: هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته، وكان له بجامع البصرة حلقة عظيمة» [21] . وقال علي بن محمد الحربي: «جميع ما كان يذكر أبو بكر بن الباقلاني من الخلاف بين الناس صنفه من حفظه، وما صنف أحد خلافًا إلا احتاج أن يطالع كتب المخالفين، سوى ابن الباقلاني» [22] . وقال أبو بكر الخوارزمي: «كل مصنف ببغداد إنما ينقل من كتب الناس سوى القاضي أبي بكر؛ فإنما صدره يحوي علمه وعلم الناس. وقال أبو محمد البافي: لو أوصى رجل بثلث ماله لأفصح الناس، لوجب أن يدفع إلى أبي بكر الأشعري. قال أبو حاتم محمود بن الحسين القزويني: كان ما يضمره القاضي أبو بكر الأشعري من الورع والدين أضعاف ما كان يظهره. فقيل له في ذلك. فقال: إنما أظهر ما أظهره غيظًا لليهود والنصارى، والمعتزلة والرافضة؛ لئلا يستحقروا علماء الحق» [23] . عقيدة الباقلاني: كان ببغداد يناظر عن السنة وطريقة الحديث بالجدل والبرهان، وبالحضرة رؤوس المعتزلة والرافضة والقدرية وألوان البدع، ولهم دولة وظهور، وكان يرد على الكرامية، وينصر الحنابلة عليهم، وبينه وبين أهل الحديث عامر، وإن كانوا قد يختلفون في مسائل دقيقة؛ فلهذا عامله الدارقطني بالاحترام، وقد ألف كتابًا سماه: «الإبانة»، يقول فيه: فإن قيل: فما الدليل على أن لله وجهًا ويدًا؟ قال: قوله: ﴿ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ [الرحمن: 27] وقوله: ﴿ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، فأثبت تعالى لنفسه وجهًا ويدًا. إلى أن قال: فإن قيل: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله، بل هو مستوٍ على عرشه كما أخبر في كتابه. إلى أن قال: وصفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفًا بها: الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والوجه واليدان والعينان والغضب والرضى، فهذا نص كلامه [24] . وقال نحوه في كتاب «التمهيد» له، وفي كتاب «الذب عن الأشعري». وقال: قد بينا دين الأمة وأهل السنة أن هذه الصفات تمر كما جاءت بغير تكييف ولا تحديد ولا تجنيس ولا تصوير. قال الذهبي: فهذا المنهج هو طريقة السلف، وهو الذي أوضحه أبو الحسن وأصحابه، وهو التسليم لنصوص الكتاب والسنة، وبه قال ابن الباقلاني، وابن فورك، والكبار إلى زمن أبي المعالي، ثم زمن الشيخ أبي حامد، فوقع اختلاف وألوان، نسأل الله العفو» [25] . ما اشتهر من مناظرته: قال أبو القاسم علي بن الحسن بن علي أبي عثمان الدقاق: بعث الملك الملقب بعضد الدولة القاضي أبا بكر بن الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم، فلما ورد مدينته عرف الملك خبره، وبين له محله من العلم وموضعه، ففكر الملك في أمره وعلم أنه لا يكفر له إذا دخل عليه، كما جرى رسم الرعية أن تقبل الأرض بين يدي الملوك، ثم نتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن لأحد أن يدخل منه إلا راكعًا؛ ليدخل القاضي منه على تلك الحال، فيكون عوضًا من تكفيره بين يديه، فلما وضع سريره في ذلك الموضع أمر بإدخال القاضي من الباب، فسار حتى وصل إلى المكان، فلما رآه تفكر فيه، ثم فطن بالقصة فأدار ظهره، وحنا رأسه راكعًا ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه، وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه، ثم رفع رأسه ونصف ظهره، وأدار وجهه حينئذ إلى الملك فعجب من فطنته، ووقعت له الهيبة في نفسه» [26] . وجرت له أمور معه، ومنها أنه قال لراهبهم: كيف الأهل والأولاد؟ فقال الملك: مه! أما علمت أن الراهب يتنزه عن هذا؟ فقال: تنزهونه عن هذا، ولا تنزهون رب العالمين عن الصاحبة والولد؟! وقيل: إن الطاغية سأله: كيف جرى لزوجة نبيكم؟- يقصد توبيخًا- فقال: كما جرى لمريم بنت عمران، وبرأهما الله، لكن عائشة لم تأت بولد، فأفحمه. قال الخطيب البغدادي: وحدثت أن ابن المعلم- شيخ الرافضة ومتكلمها- حضر بعض مجالس النظر مع أصحاب له إذا أقبل القاضي أبو بكر الأشعري فالتفت ابن المعلم إلى أصحابه، وقال لهم: قد جاءكم الشيطان، فسمع القاضي كلامهم، وكان بعيدًا من القوم، فلما جلس أقبل على ابن المعلم وأصحابه، وقال لهم: قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ﴾ [مريم: 83]؛ أي: إن كنت شيطانًا فأنتم كفار، وقد أرسلت عليكم [27] . وعمل بعضهم في موت القاضي: انظر إلى جبل تمشي الرجال به وانظر إلى القبر ما يحوي من الصلف وانظر إلى صارم الإسلام منغمدًا وانظر إلى درة الإسلام في الصدف مات في ذي القعدة، سنة ثلاث وأربع مائة، وصلى عليه ابنه حسن، وكانت جنازته مشهودةً، وكان سيفًا على المعتزلة والرافضة والمشبهة، وغالب قواعده على السنة. وقد أمر شيخ الحنابلة أبو الفضل التميمي مناديًا يقول بين يدي جنازته: هذا ناصر السنة والدين، والذاب عن الشريعة، هذا الذي صنف سبعين ألف ورقة. ثم كان يزور قبره كل جمعة [28] . [1] https://www.youtube.com/watch?v=IjxYBUPiXg4&t=152s [2] «موقف ابن تيمية من الأشاعرة»: (2/ 549). [3] «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري»: (ص410). [4] «تاريخ ابن الوردي»: (1/ 315). [5] «مجموع الفتاوى»: (5/ 98)، «الفتاوى الكبرى لابن تيمية»: (6/ 544). [6] انظر: «الفتاوى الكبرى لابن تيمية»: (6/ 544). [7] انظر: «مجموع الفتاوى»: (6/ 53). [8] «العلو للعلي الغفار»: (ص237). [9] «تاريخ ابن خلدون»: (1/ 590). [10] «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة»: (17/ 557). [11] «الفصل في الملل والأهواء والنحل»: (4/ 157). [12] «سير أعلام النبلاء- ط الرسالة»: (17/ 651). [13] انظر: «موسوعة الفرق المنتسبة للإسلام - الدرر السنية»: (2/ 345 بترقيم الشاملة آليًّا). [14] «التبصير في الدين وتمييز الفرقة الناجية عن الفرق الهالكين»: (ص193). [15] «تاريخ بغداد، ت/ بشار»: (3/ 364). [16] «الإتقان في علوم القرآن»: (4/ 3). [17] انظر: «البحر المحيط في أصول الفقه»: (1/ 11). [18] «البداية والنهاية، ط هجر»: (15/ 550). [19] «الأصلال: السيوف القاطعة، الواحد صل» «لسان العرب»: (11/ 383). [20] «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة»: (17/ 354). [21] «ترتيب المدارك وتقريب المسالك»: (7/ 44). [22] «إعجاز القرآن للباقلاني»: (ص53). [23] «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري»: (ص220). [24] انظر: «تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل»: (ص297). [25] «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة»: (17/ 559). [26] «تاريخ بغداد، ت/ بشار»: (3/ 364). [27] «تاريخ بغداد، ت/ بشار»: (3/ 364). [28] انظر: «تاريخ بغداد، ت/ بشار»: (3/ 364)، «تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري»: (ص221)، «سير أعلام النبلاء - ط الرسالة»: (17/ 193)، «موقف ابن تيمية من الأشاعرة»: (2/ 528). |
الوعد الأخروي شروطه وموانعه لعيسى بن عبدالله السعدي | محمود ثروت أبو الفضل | 26-03-2022 | 1,857 | https://www.alukah.net//culture/0/153791/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%88%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7%d9%87-%d9%88%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%87-%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d9%89-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%af%d9%8a/ | الوعد الأخروي شروطه وموانعه لعيسى بن عبدالله السعدي صدر حديثًا كتاب "الوعد الأخروي شروطه وموانعه"، تأليف: د. "عيسى بن عبدالله السعدي"، نشر "دار الأوراق للنشر والتوزيع". وأصل هذه الرسالة أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه بقسم العقيدة من كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، تحت إشراف د. "أحمد بن ناصر الحمد"، وذلك سنة 1416هـ، 1996م. تدرس هذه الرسالة وعد الله سبحانه وتعالى من حيث متعلقاته بالقرآن والسنة، ومن حيث ما يشترط في تحقيقه وجودًا وعدمًا، وذلك من خلال بابين رئيسين: الباب الأول: الوعد في القرآن والسنة ويتكون من ثلاثة فصول: الفصل الأول: معنى الوعد. والفصل الثاني: أنواعه، وتحته مبحثان: الأول: وعد الدنيا، والثاني: وعد الآخرة. أما الفصل الثالث فتناول فيه مبحث الوعد والوعيد، ونظرًا لقوة الارتباط بين الوعد والوعيد مادةً، ودلالةً، وأنواعًا، واقترانًا، عنى العلماء بذكر الفرق بين الوعد والوعيد من سبع جهات بينها الكاتب. وقد ركزت الرسالة على جانب الوعد في الآخرة خاصة. فجاء الباب الثاني: بأصول تحقق الوعد في الآخرة، ويتكون من مقدمة وأربعة فصول، وقد بين في المقدمة المراد بالأصل وأن المراد هنا هو معناه اللغوي، وهو أساس الشيء الذي يبنى عليه ويتفرع منه، ويستند في تحققه عليه. أما الأصول التي يستند عليها تحقق الوعد في الآخرة فهي أربعة؛ وهي موضوعات الفصول التالية: الفصل الأول: التوحيد (من حيث كونه صفة لازمة لإنجاز الوعد لا من حيث كونه عملًا قائمًا بالموحد) لأن الواعد لابد أن يكون متصفًا بالصفات المصححة؛ لإنجاز وعده: كالعلم والقدرة والحكمة. الفصل الثاني: المعاد لأن الموعود به لابد أن يكون ثابتًا ثبوتًا حقيقيًا، ويكون إنجازه مؤقتًا بزمن معين لا يتأخر عنه. الفصل الثالث: الإيمان لأن الموعود لابد أن يقوم به مقتضى الوعد اعتقادًا وقولًا وعملًا. الفصل الرابع: ثبوت الاستحقاق؛ لأن مقتضى الوعد لابد أن يكون سالمًا عن المعارض المقاوم اعتقادًا وشكًا ونطقًا وفعلًا. وقد خرج الكاتب بمجموعة من النتائج في ختام دراسته منها: 1- أن لفظ الوعد وُضِعَ للخير والشر، وغلب استعماله في الخير، وهو المقصود منه اصطلاحًا، وحقيقته إطماع وترجية بالمنافع قبل حصولها. 2- متعلقات الوعد الدنيوي كثيرة، وأكثرها يتفرع عن الوعد ببقاء الإسلام حتى قيام الساعة، والوعد بإظهار الإسلام وتمكينه في الأرض والوعد بالحياة الطيبة. 3- أن الوعد الأخروي هو الغالب على نصوص الوعد، جريًا على سنة الإسلام في التربية على مبدأ إيثار الآخرة. 4- أن متعلقاته كثيرة؛ وهي ترجع إلى وعد البرزخ، ووعد القيامة، ووعد الجنة. 5- سنة الشريعة ذكر الوعد مقرونًا بالوعيد؛ تحقيقًا لحكمة التربية، والغالب تقديم الوعد؛ لأنه ناشئ عن الفضل والرحمة، ورحمة الله تسبق غضبه، وقد يقدم الوعيد؛ مبالغة في الزجر، أو لغير ذلك من الحكم. 6- الوعد المقيد بذكر الموعود يستعمل لغةً في الخير والشر، والوعيد لا يستعمل إلا في الشر. 7- الوعد ناشئ عن فضل الله ورحمته، والوعيد ناشئ عن عدل الله وغضبه. 8- أن إطلاقات الوعد إخبارات عن استحقاق الثواب دون إيقاعه؛ لأن القواطع دلت على اشتراط القول والعمل في تحقق الوعد، وعلى ثبوت الوعيد على الكبائر، وعلى حصول الكفر مع وجود القول؛ ولهذا يجب أن تكون إطلاقات الوعد مشروطة بأربعة أمور: أ- تحقيق القيود المعتبرة في كل وعد بخصوصه. ب- تحقيق الإيمان قولًا وعملًا. جـ- السلامة من المكفرات اعتقادًا وشكًا ونطقًا وفعلًا. د- اجتناب الكبائر، وهو شرط غير مطرد؛ لأنه قد يتخلف في بعض الحالات، وذلك إذا كان مقتضى الثواب أقوى من مانعه؛ كما في حديث البطاقة ونظائره. 9- الوعد بالجنة أعظم أنواع الوعد على الإطلاق، وهو شامل لنعيم الروح والبدن وأعلى نعيم الجنة رؤية الرب عيانًا. 10- الإيمان المشترط في تحقيق الوعد قول وعمل، ويزيد وينقص، فمن أتى بأصله فله مطلق الوعد، ومن أتى بكماله فله الوعد المطلق وهو دخول الجنة بلا عذاب. والمؤلف هو د. عيسى بن عبد اﷲ السعدي ﺃﺳﺘﺎﺫ ﺍﻟﻌﻘﻴﺪﺓ ﲜﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻄائف، من مؤلفاته: • "خلاصات في مباحث النبوات". • "دلالة الأسماء الحسنى على التنزيه". • "مقدمة في عقيدة السلف". |
رحيل رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق الطبيب اللغوي البحَّاثة المعمَّر مروان المحاسني | أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى | 24-03-2022 | 5,631 | https://www.alukah.net//culture/0/153766/%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%b1%d8%a6%d9%8a%d8%b3-%d9%85%d8%ac%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d9%85%d8%b4%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d9%88%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d9%91%d9%8e%d8%a7%d8%ab%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%85%d9%91%d9%8e%d8%b1-%d9%85%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b3%d9%86%d9%8a/ | رحيل رئيس مجمع اللغة العربية بدمشق الطبيب اللغوي البحَّاثة المعمَّر مروان المحاسني كتبه: أيمن بن أحمد ذو الغنى فقدَت دمشقُ علمًا كريمًا من أعلامها، وخسِرَت العربيةُ شيخًا جليلًا من شيوخها، وحُرمت العلومُ فارسًا مجلِّيًا من فرسانها، برحيل الأستاذِ الكبير محمد مروان المحاسني ، رئيسِ مجمع اللغة العربية بدمشق، وأحد أئمَّة تعريب العلوم الطبِّية في عصرنا، الذي جمع إلى تخصُّصه العالي والدقيق في الجراحة الطبِّية الاهتمامَ بالعربية، والشَّغَف بعلومها، والتضلُّع من آدابها. مع عناية خاصَّة بالتعريبِ ووضعِ المصطلحات في مجالات الطبِّ والعلوم الطبيعية والحيَوانية، والبيئة والزراعة والجيولوجيا، وعلوم الأحياء النباتية، والعلوم الرياضية والفيزيائية والكيميائية، وألفاظ الحضارة. مستفيدًا من إتقانه عددًا من اللغات العالمية ، وإلمامه بغيرها؛ كالإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية، فضلًا عن العربية. وكان المحاسني رجلًا راقيًا في كلِّ شيء؛ في علمه وعمله، وفي إدارته وتوجيهه، وفي خُلقه وشمائله، وفي لطفه وتواضعه. وهو إلى ذلك متحدِّثٌ بارع، ومحاضرٌ حاذق، وصاحبُ بديهة حاضرة، ونكتة لطيفة آسِرة، وبقي ممتَّعًا بهمَّة عالية، في عمل متقَن دائب، حتى رحيله وقد ناهزَ المئة! سيرة الأستاذ المجمعي محمد مروان المحاسني (1344- 1443هـ/ 1926- 2022م) ֎ نسبه وأسرته: هو أبو فؤاد محمد مروان بن أحمد فؤاد بن محمد خيري بن علي بن خليل المحاسِني. أصلُ أسرتهم من بيت المقدِس من ذُرِّية الصَّحابي تميم الدَّاري رضي الله عنه، ثم جاء جدُّهم الأعلى إلى دمشق، واشتَهَر من أولاده مَحاسِن الشرابيشي التميمي الحنفي في القرن السادس الهجري، فنُسِبَت إليه الأسرة وعُرفت باسم بني مَحاسِن (أو المحاسني). قال الحِصنيُّ عنهم: من مشاهير الأسر القديمة في الفضل والعلم بدمشق، خدم رجالُ هذا البيت الأكارم الشريعة الغرَّاء، وتولَّى كثيرٌ منهم القضاء والإفتاء، وخُطبة جامعها الأموي. ولرجال هذا البيت تآليفُ ودواوينُ شعر كثيرة. وقد امتدح هذا البيتَ العلامةُ محمد بن عبد الرحمن الغَزِّي مفتي الشافعية بدمشق قائلًا: إذا افتخرَ الأنامُ بأرض شامٍ وعَدُّوا دُورَها ثمَّ المساكِنْ أقول مُفاخرًا قولًا بديعًا محاسِنُ شامِنا بيتُ المحاسِنْ وامتدحهم أيضًا العلامة محمود الحمزاوي مفتي دمشق في ديوانه. أما والدُ د. مروان فهو أحمد فؤاد المحاسني: ولد سنة 1320هـ/ 1902م قاضٍ شهير، وحقوقيٌّ وإداري كبير، تخرَّج في معهد الحقوق العربي بدمشق، بدأ العمل في القضاء سنة 1926م، تولَّى عددًا من المناصب القضائية والإدارية، منها عضوُ محكمة التمييز العليا، ومديرٌ في الأمانة العامَّة لرئاسة الجمهورية، والأمين العامُّ لوِزارة الداخلية سنة 1948م، ومحافظُ جبل الدروز عام 1951م. وأما جدُّه فهو محمد خيري المحاسني: توفي سنة 1345هـ/ 1926م، قاضي القضاة بدمشق، عُيِّن في زمن العثمانيين رئيسًا لكتَّاب المحكمة الشرعية، ثم تولَّى قضاء دمشق في العهد الفيصلي. وصفَه الحِصني بقوله: هو مثالُ الفضيلة والوجاهة، حاز ثروةً كبيرة بجِدِّه واجتهاده. وأما والدُ جدِّه فهو عليُّ بن خليل المحاسني: توفي سنة 1299هـ/ 1881م، قاضٍ ممَّن خدموا العلم والشريعة السَّمحة، تولَّى القضاء الشرعي في أكثر أقضية دمشق، ثم تقلَّد رَآسة الكتَّاب في المحكمة الشرعية الكبرى. ֎ ولادته ودراسته: ● وُلدَ محمد مروان المحاسني في دمشق سنة 1344هـ/ 1926م. ● تلقَّى علومَه الابتدائية والثانوية في مدرسة (الفرير ماريست/ الإخْوة المَريميِّين) بدمشق؛ حصلَ على الشهادة الابتدائية سنة 1937م، وعلى الشهادة الثانوية سنة 1943م. ● انتسبَ إلى المعهد الطبِّي العربي (كلِّية الطبِّ بجامعة دمشق الآن) ، وحصلَ على الدكتوراه منه سنة 1951م. ● أُوفدَ إلى جامعة باريس ونال شهادةَ اختصاص في الجراحة سنة 1955م. ● عاد إلى دمشقَ ليدرِّسَ الجِراحةَ في كلِّية الطبِّ. ● في أثناء تدريسه الطبَّ انتسبَ إلى كلِّية الآداب قسم اللغة الفرنسية في جامعة دمشق. ● اتَّبعَ بَرنامجًا نظَّمه رئيسُ الجامعة د. أمجد الطرابُلُسي باللغتين العربية والفرنسية. وحضرَ دروس الأستاذ شكري فيصل في الأدب، والأستاذ سعيد الأفغاني في النحو واللغة، وحصلَ على إجازة في الآداب سنة 1958م. ● أُوفدَ إلى بريطانيا للتخصُّص في جراحة القلب والأوعية مدَّة سنة. ● في سنة 1961م أُوفدَ إلى جامعة باريس مرَّة أُخرى للحصول عل شهادة الأستاذية في العلوم الطبِّية، فحصلَ عليها سنة 1962م. ֎ وظائفه وتدريسه: ● عاد إلى دمشقَ محاضرًا ومدرِّسًا في جامعتها، وأخذ يتدرَّج في مناصب الهيئة التدريسية في كلِّية الطب، فصار أستاذًا في الجراحة سنة 1969م، ورئيسًا لقسم الجراحة من 1974إلى 1977م. ● في نهاية عام 1979م استقالَ من جامعة دمشق، وسافر إلى المملكة العربية السعودية للعمل أستاذًا للجراحة في جامعة الملك عبد العزيز بجُدَّة. ● عُيِّنَ رئيسًا لقسم الجراحة في جامعة الملك عبد العزيز من 1984 إلى 1991م، ثم مديرًا للتعليم الطبِّي في مستشفى الملك عبد العزيز من 1991إلى 2001م. ֎ في الهيئات والجمعيات: ● عضو جمعية الأمراض التنفسية بباريس، 1955م. ● عضو موسِّس لسكرتارية المجلس الأعلى للعلوم بدمشق، 1959إلى 1967م. ● عضو جمعية جراحة الصدر بإنكلترا، 1960م. ● رئيس الرابطة السورية لحقوق الإنسان، 1961م. ● عضو المجلس الأعلى للعلوم بدمشق، 1970إلى 1977م. ● عضو المجلس الصحِّي الأعلى بدمشق، 1974 إلى 1979م. ● ممثِّل سورية في لجنة الحوار بين الحضارات في اتحاد الجامعات الناطقة بالفرنسية، 1974م. ● عضو أكاديمية العلوم بنيويورك، 1974م. ● عضو مؤسِّس للمجلس العربي للاختصاصات الطبِّية (البورد العربي)، 1975م. ● زميل FICS كلِّية الجراحة الدَّولية، 1975م. ● عضو مؤسِّس في جمعية أصدقاء دمشق، منذ 1977م. ● عضو المكتب التنفيذي للمجلس العربي للاختصاصات العربية، 1977إلى 1979م. ● رئيس لجنة الحوار بين الحضارات، وعضو مجلس إدارة الاتحاد، 1979إلى 1995م. ● ممتَحِن خارجي لزمالة الكلِّية الملكية الإيرلندية RCS (جُدَّة، تبوك، عمَّان، البحرين، إيرلندة)، 1982إلى 1998م. ● ممتَحِن خارجي للجراحة في الجامعات العربية (حلب، عمَّان، بغداد، الرياض). ● عضو الجمعية السورية للفنون. ֎ في مجمع الخالدين: ● انتُخبَ الدكتور محمد مروان المحاسني عضوًا عاملًا في مجمع اللغة العربية بدمشق في 4/ 9/ 1979م خلَفًا للدكتور أسعد الحكيم، وصدرَ مرسوم تعيينه في 12/ 12/ 1979م. ● استُقبلَ في المجمع في 22/ 11/ 1989م، وقد تأخَّر حفلُ استقباله عشرَ سنوات بسبب عمله في السعودية أستاذًا في جامعة الملك عبد العزيز، على ما تقدَّم آنفًا. ● انتُخبَ نائبًا لرئيس المجمع بتاريخ 7 حَزِيران 2005م، وظلَّ يشغل هذا المنصبَ حتى كانون الأول 2008م. ● في 15 كانون الأول 2008م انتُخبَ رئيسًا للمجمع، وجُدِّد انتخابُه في سنة 2012م، ثم في سنة 2017م، وبقي رئيسًا للمجمع حتى وفاته. ● انتُخبَ الدكتور المحاسني ممثِّلًا للمجمع في اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، سنة 2004م، خلَفًا للدكتور محمد إحسان النص. ● وانتُخبَ عضوًا عاملًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، سنة 2009م. ● رأَسَ الدكتور مروان المحاسني (لجنة مكتب المجمع)، و(لجنة مصطلحات ألفاظ الحضارة)، و(لجنة مصطلحات الإعلام)، و(لجنة مصطلحات البيئة والمجتمع والمياه)، و(لجنة مصطلحات إدارة الجودة وعلم القياس)، و(لجنة مصطلحات العلوم الطبيعية والزراعية)، و(لجنة مصطلحات طبِّ الأسنان)، و(لجنة مصطلحات علوم الأحياء الحيَوانية)، و(لجنة مصطلحات علوم الأحياء النباتية)، و(لجنة مصطلحات العلوم الجيولوجية)، و(لجنة تنسيق المصطلحات وتوحيدها). ● وشارك في أعمال (لجنة المعاجم اللغوية)، وأعمال (لجنة النشاط الثقافي)، و(لجنة الترجمة)، و(لجنة مشروع الذَّخيرة اللغوية)، و(لجنة المخطوطات وإحياء التراث)، و(لجنة مصطلحات العلوم الرياضية والفيزيائية والكيميائية). ֎ مشاركاته المجمعية: ● المؤتمر السنوي الرابع للمجمع (اللغة العربية والمجتمع) سنة 2005م، وألقى فيه محاضرةً بعنوان (مع قضايا اللغة والمجتمع). ● المؤتمر السنوي الخامس للمجمع (اللغة العربية في عصر المعلوماتية) سنة 2006م، وألقى فيه محاضرةً بعنوان (اللغة العربية ومواكبة علوم العصر). ● المؤتمر السنوي السادس للمجمع (لغة الطفل والواقع المعاصر) سنة 2007م، وألقى فيه كلمةَ المجمع في جلستَي الافتتاح والختام. ● المؤتمر السنوي السابع للمجمع (التجديد اللغوي) سنة 2008م. ● المؤتمر السنوي الثامن للمجمع (نحو رؤية معاصرة للتراث) سنة 2009م. ● المؤتمر السنوي التاسع للمجمع (الكتابة العلمية باللغة العربية) سنة 2010م، وألقى فيه كلمةَ رئيس المجمع في جلستَي الافتتاح والختام. ● المؤتمر السنوي العاشر للمجمع (واقع اللغة العربية في عصرنا الحاضر) سنة 2019م، وألقى فيه كلمةَ رئيس المجمع في جلسة الافتتاح. ● وله عشَراتُ الكلمات والخطابات التي ألقاها في محافل الاستقبال والتأبين، إضافةً إلى بعض البحوث والمقالات، نُشرَت في (مجلَّة المجمع) بدءًا من سنة 1990م. ֎ مؤلفاته وآثاره: ❶ (بيولوجية الحيَوان) ترجمة بالاشتراك، المجلس الأعلى للعلوم بالقاهرة، 1960م. ❷ (المعجم الطبِّي الموحَّد) ثلاثي اللغات، بالمشاركة، ط1/ مطبعة المجمع العلمي العراقي ببغداد 1973م، القاهرة 1977م، ط2/ جامعة المَوصِل بالعراق، 1978م، ط3/ ميدليفانت بسويسرا، 1983م، ط4/ منظمة الصحَّة العالمية ومكتبة لبنان ناشرون ببيروت، 2009م. ❸ (الكلمات الإيطالية في لغتنا العامِّية، دراسة تاريخية لغوية) دار العربيَّة ببيروت. ❹ (كلمات في التراث واللغة والعلوم) مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 2011م. ❺ (معجم ألفاظ الحضارة) الجزء الأول (المهن والحِرَف والمنزل والملابس)، ثلاثي اللغات، بالمشاركة، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 2014م. ❻ (معجم العبارات الاصطلاحية في اللغة العربية المعاصرة) ثلاثي اللغات، بالمشاركة، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، 2021م. ❼ (العدوان الثقافي والعولمة) في قيد الطباعة. وله بحوثٌ علمية كثيرة منشورة في مجلات طبِّية عربية وأجنبية. ֎ وفاته وتشييعه: توفِّي بدمشق صباح يوم الأحد 17 شعبان 1443هـ يوافقه (20/ 3/ 2022م)، عن تسعٍ وتسعين سنةً هجرية، وشُيِّع جُثمانه من مشفى الشامي، وصُلِّيَ عليه في جامع سعد بن معاذ، ودُفن في مقبرة الباب الصغير (ماوردي). تغمَّده الباري برحَماته، وجزاه عن العلوم والعربية والتعريب خيرَ الجزاء، وأخلفَ على الأمَّة من أمثاله، وإنا لله وإنا إليه راجعون. المصادر: ● (منتخبات التواريخ لدمشق) لمحمد أديب تقيِّ الدين الحِصني (ت 1358هـ/ 1940م)، 2/ 839- 840. ● (موسوعة الأسر الدمشقية) لمحمد شريف الصوَّاف، 3/ 392- 393، 396. ● (مَن هُم في العالم العربي، سورية) لجورج فارس (ت 1962م)، ص565. ● (أعلام مجمع اللغة العربية بدمشق في مئة عام) لأستاذنا مروان البوَّاب، ص245- 248. ● موقع مجمع اللغة العربية بدمشق الإلكتروني على الشَّابِكة. ● ورقة نعي الأستاذ الراحل. كتبه أبو أحمد المَيداني أيمن بن أحمد ذو الغنى الرياض 18 شعبان 1443هـ 21/ 3/ 2022م مروان المحاسني رحمه الله تعالى، وعن يمينه: كاتب الترجمة أيمن ذو الغنى وعن يساره: الأستاذ المؤرِّخ الأُردُنِّي أحمد العلاونة، والطبيب الأديب العراقي د. نبيل نجيب فاضل دمشق 22 من شعبان 1430هـ مروان المحاسني رحمه الله تعالى |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق- الفهم الصحيح) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 23-03-2022 | 1,812 | https://www.alukah.net//culture/0/153728/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%87%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق - الفهم الصحيح ) تطرق العرض في المحدد الثامن ذي العلاقة بالتنصير إلى أن الغرب بعلاقته بالشرق المسلمين هنا يقوم على فكرة استشراقية قديمة تتجدد، قامت على تشويه الإسلام، وذلك ناتج عن عدد من المواقف بين الطرفين، ومنها موقف المسلمين في الحروب الصليبية، وعدم سماحهم لهذه الحملات بالنجاح على أكتاف المسلمين وأرواحهم. على أن هناك من يعيد الفكرة الاستشراقية إلى ما قبل ذلك بزمن، عندما دخل المسلمون الأندلس وبدأت العلاقة العلمية بينهم وبين نصارى أوروبا، مما أدى إلى تعلم اللغة العربية والقرآن الكريم، ويقال: إن هذا التلقي عن المسلمين كان بقصد إخراجهم من الأندلس، وقد كان ذاك، إلا أن القصد لم يقتصر على ذلك، بل إن الفكرة الاستشراقية يمكن أن تعاد إلى هدفين أساسيين: أحدهما: حماية النصارى من الدخول في الإسلام، والثاني: الحد من انتشار الإسلام في ديار النصارى وفي ديار أخرى يطمع النصارى في أن يكون لهم فيها قدم، عن طريق الحملات التنصيرية، ويرغبون في الوقت نفسه في ألا يصلها الإسلام. وعلى أي حال، قام الاستشراق في بداياته ليدرس الإسلام من قِبل علماء نصارى ثم يهود، كان موقعهم الجغرافي بالنسبة لدار الإسلام في الغرب في ذلك الزمان، إلا أنه مع مرور الأيام وانتشار الإسلام، وبالتالي انتشار الاستشراق لم يَعد للجهة الجغرافية معنًى في إطلاق الشرق والغرب، بل أصبح الغرب يمثل فكرًا، وأصبح الشرق يعني شيئًا فكريًّا غير الفكر الغربي، بما في ذلك الفكر الفارسي والهندي والصيني ونحوها. وأصبح الاستشراق بالنسبة للمسلمين هو اشتغال غير المسلمين بعلوم المسلمين وعاداتهم وتقاليدهم وآدابهم وأساطيرهم،وهذا الإطلاق إطلاق اصطلاحي إجرائي؛ إذ لا يعني هذا النقاش المعنى الأشمل للاستشراق الذي يشمل الشرق كله، لا سيما أن هناك في الشرق من يدرس الإسلام ويُعَدُّ من المستشرقين؛ كالاستشراق الروسي في الجانب الآسيوي منه، والاستشراق الصيني، والاستشراق الياباني أخيرًا، الذي يحتاج وحده إلى دراسة مستقلة؛ نظرًا لكونه ظاهرةً فريدة. ومنذ انتشار الإسلام في الأندلس إلى اليوم والاستشراق يعد عاملًا مهمًّا من عوامل تحديد العلاقة وطبيعتها بين الشرق والغرب؛ إذ إن غالبية الاستشراق، وليس كله، كان سببًا ولا يزال في قيام فجوة بين الشرق والغرب. وزاد في هذه الفجوة اعتماد المتأخرين من المستشرقين على المتقدمين منهم، مما أدى إلى تراكم الأخطاء، وزيادة سوء الفهم مع الزمن، برغم وجود محاولات جادة منهم لفهم الإسلام بمنأى عن الاستشراق، كما فعل إدوارد سعيد في أعماله المعلومة، مثل: "الاستشراق وتغطية الإسلام"، وغيرها من الكتب والمقالات الثقافية التي ينشرها في الصحف والدوريات الغربية، لا سيما الأمريكية، ويعد هذا المؤلف نموذجًا حقًّا للمحاولات التي برزت في ظاهرة الاستشراق، والتي تمردت عليه - كما سيأتي ذكره في وقفة خاصة - مثله في ذلك مثل عالم الإسلاميات جون أسبوزيتو الذي بات لا يقبل أن يقال عنه: إنه مستشرق؛ لما توحي الكلمة به من معنى غير مقبول في الأوساط العلمية والفكرية العربية والإسلامية - كما مر ذكره [1] . ومع وجود هذه الظاهرة داخل ظاهرة الاستشراق يظل الاستشراق في عمومه تيارًا يسيء إلى الإسلام، ويسيء تقديمه للآخرين بقصدٍ غالبًا، ومن دون قصد في حالات خاصة،والذين سعوا إلى فهم الإسلام من الغربيين فهمًا صحيحًا لم يفهموه عن طريق الاستشراق، بل إنهم ربما تجنبوا إسهامات المستشرقين، علمًا منهم أن الاستشراق عاملٌ سلبي من عوامل تحديد العلاقة بين المسلمين والغرب، بل من عوامل تحديد العلاقة بين الشرق والغرب. [1] انظر: جون أسبوزيتو وداليا ، من يتحدث باسم الإسلام: كيف يفكر - حقًّا - مليار مسلم؟ نتائج أكبر استطلاع رأي عالمي حتى الآن/ ترجمة عزت شعلان، تقديم فهمي هويدي - القاهرة: دار الشروق، 2009م - ص 239. |
الوافي في الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان للإمام النسفي | محمود ثروت أبو الفضل | 22-03-2022 | 6,054 | https://www.alukah.net//culture/0/153711/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b9%d8%b8%d9%85-%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%ad%d9%86%d9%8a%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%86-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%81%d9%8a/ | الوافي في الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان للإمام النسفي صدر حديثًا كتاب " الوافي في الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان "، تأليف: الإمام " حافظ الدين عبدالله بن أحمد النسفي " (ت 710 هـ)، اعتنى به: د. " محمد نزار تميم "، نشر: " دار الرسالة العالمية "، دمشق. وهذا الكتاب يُطبَع محققًا لأول مرة على أقدم نسختين خطيتين لمتن الكتاب، في ثلاثة مجلدات، وضم معه المحقق دررًا من كتاب " الكافي شرح الوافي " للنسفي، ويليه " معجم الوافي ". وأهمية هذا المصنف تنبع من أهمية مصنفه وعلو قدره في المذهب، فقد كان الإمام النسفي - رحمه الله - من أئمة المذهب الحنفي، والمجتهدين فيه، منكبًا على الاشتغال والتصنيف ورأسًا في الفقه والأصول، بارعًا في الحديث ومعانيه، فاضلًا محررًا مدققًا، ولعلمه ومعارفه الغزيرة وسعة أفقه وورعه لقبوه بعلامة الدنيا، وتصدر للإفتاء والتدريس سنين عديدة، وانتهت إليه رئاسة الحنفية في زمانه علمًا وعملًا. وذكرت كتب التراجم أنه كان يتميز بالسبق والتقدم والقدرة على التمييز بين القوي والضعيف من الأدلة، والحرص على عدم النقل في كتبه الأقوال المردودة والروايات الضعيفة، وعده بعض العلماء من المجتهدين في المذهب، وقالوا إنه اُختتَم به ولم يوجد بعده مجتهد في المذهب الحنفي. وقد وضع الإمام النسفي العديد من المؤلفات في خدمة المذهب الحنفي، حيث جدد معالمه، وأرسى أصوله، ومن هذه المصنفات ذلك المتن الجامع، وهو كتاب "الوافي في الفقه"، والذي اختصره في كتابه "كنز الدقائق"، الذي غطت شهرته شهرة كتابه الجامع "الوافي"، و"كنز الدقائق" هو من أشهر مؤلفاته في الفقه والأصول، وهو متن معتمد في فروع الحنفية، لخص فيه الإمام كتاب "الوافي" فيما عمَّ وقوعه، وجعله حاويًا لمسائل الفتاوى والواقعات فكان هذا المختصر الفقهي عمدة المحققين، منتقى من منتقى فائق، جمع أصول هذا الفن وقواعده، واحتوى على غوامضه وشوارده، ولقيمته الكبيرة تعدَّدَ طبعه وكتب عليه العلماء شروحًا عدة وأولوه عناية بالغة حتى قيل إنه أحسن مختصر أُلف في فقه الحنفية، وليس أدل على ذلك من الشروحات الكثيرة التي وضعت عليه من متأخري المذهب الحنفي. ثم وضع "النسفي" على "الوافي" أيضًا شرحه الآخر المسمى بـ "الكافي في شرح الوافي". لذا نجد أن هذا المصنف الفقهي الأصولي الذي ظل في خزائن المخطوطات ردحًا طويلًا هو عمدة تلك الشروحات والمصنفات المتأخرة التي وضعت في خدمة المذهب الحنفي، ومن أيسرها وأسهلها، ولكنه أُغِفلَ في إخراجه لجمهور القارئين؛ رغم الجهود التحقيقية العديدة التي رصدت لتحقيق متنه في جامعات عديدة كأطروحات علمية لنيل درجة الماجستير والدكتوراه ومن أشهرها: تحقيق الدكتور "عبد الستار الغريري" لنصف المخطوط بكلية الإمام الأعظم، وكان مشرف الرسالة الدكتور "محي هلال السرحان"، وقام د. "عبد الستار الغريري" بتحقيق النصف الآخر في الجامعة الإسلامية ببغداد، غير أن هذا الكتاب يتميز بجمعه بين مخطوطي "الوافي" و"الكافي" مع الفهرسة والاعتناء بالنص، وإخراجه منشورًا محققًا لجمهور القارئين. وقد بين الإمام النسفي منهجه في ذكر الاختلافات الفقهية بين الأئمة، والانتصار لمذهبه في مقدمة كتابه حيث يقول: "ولقد أفردت فى هذا الكتاب ما هو المُعَوَّلُ عليه فى الباب، وطويت ذكر الاختلافات، واكتفيت بالعلامات: فالحا علامة أبى حنيفة رضى الله عنه، والسين أبو يوسف، والميم محمد، والزا زُفَر، والفا الشافعى رضى الله عنهم والكاف مالك - رحمه الله - والواو رواية عن أصحابنا، أو قياس مرجوح، تحاميًا عن الإطناب، وتفاديًا عن الإسهاب. وهو ولى التوفيق". ومصنف الكتاب هو عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، أبو البركات (ت. 710هـ- 1310م) فقيه حنفي ولقب بحافظ الدين. من أهل إيذَج ( بلدة بين خوزستان وأصبهان ) ووفاته فيها، ونسبته إلى "نسف" من بلاد ما وراء النهر بين جيحون وسمرقند- أوزبكستان. من فقهاء الحنفية، أحد الزهاد المتأخرين والعلماء العاملين، تتلمذ لشيوخ كثيرين، وتفقه ببلاده على الوجيه الرازي، وعلى شمس الأئمة الكردري والسراج الثقفي، والزين البدواني، وروى الزيادات عن أحمد بن محمد العتابي، وسمع منه الصِغْنَاقِي، وحجَّ وظهرت فضائله، ورحل إلى بغداد، كان واسع العلم، كثير المهابة، واشتهر بالترفع على الملوك، وعدم التقرب لأرباب الدولة، فكان لا يجتمع بهم إلا إذا أتوا إلى منزله، وأثنى على علمه ودينه العلماءُ. قال عنه ابن حجر العسقلاني: "عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي علامة الدنيا"، وقال الحافظ عبد القادر في طبقاته: "أحد الزهاد المتأخرين صاحب التصانيف المفيدة في الفقه والأصول"، وقال ابن تغري بردي: "عبد الله بن أحمد بن محمود، الإمام العلامة شيخ الإسلام حافظ الدين أحد العلماء الزهاد، وصاحب التصانيف المفيدة في الفقه والأصول والعربية"، وتتلمذ على يد العلامة النسفي الكثيرون من النجباء منهم الشيخ حسام الدين الحسين بن علي الصغناقي. وتوفي الإمام النسفي - رحمه الله - ببغداد سنة 710 هـ، ودفن في بلده إيدج. ومن مصنفاته: • "منار الأنوار في أصول الفقه". • "كشف الأسرار في شرح المنار" • "المستصفي في شرح منظومة أبي حفص النسفي" والمعروفة بالمنظومة النسفية في الخلاف. • "المصفى". • "عمدة العقائد في أصول الدين". • "الاعتماد في شرح عمدة الاعتقاد". • "المنافع في شرح الفقه النافع". • " فضائل الأعمال في الرقائق". • "مدارك التنزيل وحقائق التأويل". |
الآيات والمعجزات الباهرة لا تزيد قريشا إلا طغيانا | د. محمد منير الجنباز | 21-03-2022 | 5,185 | https://www.alukah.net//culture/0/153689/%d8%a7%d9%84%d8%a2%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d8%a7-%d8%aa%d8%b2%d9%8a%d8%af-%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%b4%d8%a7-%d8%a5%d9%84%d8%a7-%d8%b7%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d9%86%d8%a7/ | الآيات والمعجزات الباهرة لا تَزيد قريشًا إلا طغيانًا صوَّرت كثير من سور القُرْآن الكريم وآياته حال العتاة من قريش حين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فكشفت ما يختلج في نفوسهم ويعتمل في صدورهم؛ قال الله تعالى: ﴿ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ * كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ * وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 1 - 5]، وكان العربُ أهل بلاغة وعلو كعب في العربية وأسرارها ومراميها وتأليفها وتراكيبها، فنزل القُرْآن بلغتهم، فعرفوا هذه المَيْزة فيه، وأنه يأتي في الذروة؛ لغة وبلاغة وبيانًا، لا يستطيع أي بليغ أن يجاريه أو أن يأتي بسورة مثله، فهذا الوليد بن المغيرة يرق قلبه عندما يسمع القُرْآن ويدرك علو منزلته وارتقاء بلاغته، فيأتيه أبو جهل ليحمسه ضد الإسلام لكي يرضي قومه وتبقى فيهم زعامته، فيقول أبو جهل: قل فيه قولًا يبلغ قومك أنك منكر له، وأنك كاره له، قال الوليد: وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني لا برَجَزه ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه هذا الذي يقول شيئًا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه، قال: فدعني أفكر، ثم انقلب رأسًا على عقب، فقال: هذا سحر. وروى ابن إسحاق أنه دعا قريشًا لأخذ موقف موحد تجاه النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته، فقال: إنه قد حضر الموسم - عكاظ - وإن وفود العرب ستقدَم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيًا واحدًا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضًا، قالوا: فأنت ما تقول؟ قال: بل أنتم قولوا أسمع، قالوا: نقول: كاهن، قال: لا والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان؛ فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه، قالوا: فنقول: مجنون، قال: ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا تخالجه ولا وسوسته، قالوا: فنقول: شاعر، قال: ما هو بشاعر، لقد عرفنا الشِّعر كله؛ رَجَزه وهزجه وقريضه ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قالوا: فنقول: ساحر، قال: ما هو بساحر، لقد رأينا السُّحَّار وسحرهم، فما هو بنفثهم ولا عقدهم، قالوا: فما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله، إن لقوله لحلاوة وإن أصله لغدق - كثير الماء - وإن فرعه لجناة - كثير الثمر - ثم قال: وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا: هو ساحر جاء بقول سحر يفرق به بين المرء وأبيه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته، ولإيغال الوليد في الكذب وحض كفار قريش على الدعوة المضادة للإسلام وتضليلهم بدل إرشادهم لما عرَف من الحق - فقد توعَّده الله بأشد العذاب في الآخرة فضلًا عن نكال الدنيا؛ قال الله تعالى: ﴿ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾ [المدثر: 11 - 15]. ذَرْني: بمعنى دعني، وهي كلمة تهديد ووعيد بأن هذا الطاغية معرض للانتقام، ومعنى: خلقت وحيدًا؛ أي: كونته في بطن أمه وحيدًا ليس معه أحد، ولما كبر أعطيته مالًا كثيرًا فكان من أغنى قريش مالًا، وكثرت أولاده، فقد روي أن سبعة منهم ولدوا في مكة وخمسة في الطائف، وكلهم فتيان قومهم شجاعة وقوة، ويكفي أن منهم خالد بن الوليد سيف الله والوليد بن الوليد وهشام بن الوليد، وهؤلاء الثلاثة أكرمهم الله بالإسلام، ثم تابع القُرْآن ذكر الوليد، فبعد أن ذكَّره الله بما أنعم عليه أتبع ذلك بالتهديد، والله قادر على أن يسلبه هذه النعم التي لم يقدرها حق قدرها: ﴿ كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ ﴾ [المدثر: 16 - 25]، وصفٌ دقيق لما كان عليه قبل أن ينطق بالكذب والهذيان ويخالف ما استيقنه قلبه من صدق دعوة الحق وبلاغة القُرْآن، وأنه ليس من كلام البشر، لكنَّ إرضاءَ قريش والحفاظ على زعامته دفعاه للكذب والافتراء، فكان الجزاء من الله مؤلمًا؛ لأنه لم يكذب عن جهل وضعف في التفكير، وإنما عن سبق تعمد وإصرار، فبعد اللعن والطرد من رحمة الله ومشاركته إبليس في هذا الأمر سينقلب في الآخرة إلى أشد العذاب: ﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾ [المدثر: 26 - 30]، مصير مؤلم ونار حامية أعدت لهذا الطاغية الكذاب الذي كان سيد قومه فهوى للحضيض واستحق نار الله الموقدة، ولما بلغه ما نزل فيه من القُرْآن وجم؛ لعلمه بصدق القُرْآن، لكنه - بدل أن يتراجع عن غيه ويعترف بخطأ رأيه وخطأ ما اتهم به القُرْآن بأنه من أقوال السحرة، فيكون بتراجعه قدوة في قول الحق ونصاعة الرأي - ظل متمسكًا بكذبه، مصرًّا على موقفه. ثم لما سمع أبو جهل بأن عدد خزنة جهنم تسعة عشر، قال: أما لمحمد من الأعوان إلا تسعة عشر يخوفكم محمد بهم وأنتم الدهم - كناية عن كثرة العدد - أفيعجز كل مائة رجل أن يبطشوا بواحد منهم ثم يخرجون من النار؟ وقال أبو الأشد وهو من بني جمح: يا معشر قريش، إذا كان يوم القيامة فأنا أمشي بين أيديكم فأدفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر ونمضي ندخل الجنة، فأنزل الله: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ﴾ [المدثر: 31]، ومَن يقدر على الملائكة؟ فهذا العدد فتنة للذين كفروا فاستقلوه وراح تفكيرهم يوهمهم أنهما قادرون على قتالهم والتخلص منهم، بالمقابل فإن هذا العدد موافق لما ورد في كتب أهل الكتاب؛ لذلك أردف معقبًا: ﴿ لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ﴾ [المدثر: 31]، ولتماديه في العناد وأنه كان صاحب فتنة للناس لأنهم يصدرون عن رأيه، فقد تكرر ذكره في سورة "ن" مع ذكر صفاته بحيث يعرف بلا أدنى شك بأنه المقصود في هذا التهديد: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ * وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ * وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ ﴾ [القلم: 7 - 16]، ولا يمنع أن يشترك آخرون في بعض هذه الصفات، فيشملهم الوعيد والتهديد؛ أمثال: الحكم بن أبي العاص والأسود بن عبد يغوث، والأخنس بن شريق، لكن يبقى الموسوم الأول بها هو الوليد بن المغيرة زعيم العتاة والمتجبرين، وبعد أن لف هذا الضِّلِّيل عقولهم وحرفها عن الحقيقة تمادى كفار قريش في طلباتهم؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اجتمع عليةٌ من أشراف قريش بعد غروب الشمس عند الكعبة، فقالوا: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه، فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعًا وهو يظن أنه قد بدا لهم في أمره بدء، وكان حريصًا يحب رشدهم ويَعِزُّ عليه عَنَتُهم، حتى جلس إليهم، فقالوا: يا محمد، إنا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنا والله لا نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرقت الجماعة، وما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيًا - تابعًا من الجن - تراه قد غلب عليك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر فيك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بي مما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا الشرف فيكم ولا الملك عليكم، ولكن الله بعثني إليكم رسولًا وأنزل عليَّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم من الدنيا والآخرة، وإن تردوه عليَّ أصبِر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم))، قالوا: يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادًا، ولا أقل مالًا، ولا أشد عيشًا منا، فسل لنا ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا، وليبسط بلادنا وليُجرِ فيها أنهارًا كأنهار الشام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيما يبعث لنا منهم قصي بن كلاب؛ فإنه كان شيخًا صدوقًا فنسألهم عما تقول أحق هو أم باطل؟ فإن فعلت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا منزلتك عند الله وأنه بعثك رسولًا كما تقول، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما بهذا بُعثتُ؛ إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به، فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم))، ثم قالوا: فإن لم تفعل هذا فخذ لنفسك، فسل ربك أن يبعث لنا ملكًا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وتسأله فيجعل لنا جنانًا وكنوزًا وقصورًا من ذهب وفضة، ويغنيك عما نراك تبتغي؛ فإنك تقوم في الأسواق وتلتمس المعايش كما نلتمسه، حتى نعرف فضل منزلتك من ربك إن كنت رسولًا كما تزعم، فقال لهم: ((ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بُعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوا عليَّ أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم))، قالوا: فأسقِطِ السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل؛ فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال: ((ذلك إلى الله، إن شاء فعل بكم ذلك))، ثم اتهموه بأن الذي يعلمه هذا هو رجل باليمامة يدعى الرحمن، وقالوا: أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس قال: قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبًا ونؤمن بك، قال: ((وتفعلوا؟))، قالوا: نعم، قال: فدعا، فأتاه جبريل فقال: ((إن ربك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: إن شئت أصبح الصفا لهم ذهبًا، فمن يكفر منهم بعد ذلك أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب الرحمة والتوبة، قال: بل الرحمة والتوبة))، وفي رواية: ((إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا هلكوا كما أهلكت من قبلهم، قال: لا، بل أستأني بهم)). |
محاكاة الشيخ الشنقيطي صاحب الأضواء | عامر الخميسي | 19-03-2022 | 2,177 | https://www.alukah.net//culture/0/153639/%d9%85%d8%ad%d8%a7%d9%83%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%86%d9%82%d9%8a%d8%b7%d9%8a-%d8%b5%d8%a7%d8%ad%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b6%d9%88%d8%a7%d8%a1/ | محاكاة الشيخ الشنقيطي صاحب الأضواء مما ثبَتَ عن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان وكتبه هو بنفسه في بعض كتبه وهو ثابت مرقوم في مقدمة كتابه "رحلة الحج" أنه في بداية طلبه للعلم ذهب عند أحد الشيوخ يريد دراسة "لامية الأفعال"، فلما حضر إلى الدرس وجلس، سأله الشيخ عمن يكون في ملأ من تلامذته، فأنشد الشنقيطي رحمه الله على البديهة مرتجلًا: هذا فتًى مِن بني جاكان قد نزَلَا به الصبا عن لسانِ العُرْبِ قد عدلا رمَتْ به همَّةٌ علياءُ نحوَكُمُ إذ شام برقَ علومٍ نورُه اشتعلا فجاء يرجو ركامًا مِن سحائبهِ تكسو لسانَ الفتى أزهارُه حُلَلا إذ ضاق ذَرعًا بجهلِ النَّحوِ ثم أبَى ألَّا يميِّزَ شكلَ العينِ مِن فعلا وقد أتى اليوم صبًّا مُولَعًا كَلِفًا بالحمد لله لا أبغي به بَدَلا هذا ما حصل للشيخ الشنقيطي مع معلمه، وقد حفظت الأبيات في صغري وترنمت بها كثيرًا، وكانت تعجبني وأكثر ما يشدُّني إليها ذلك الموقف الذي تخيلته والشيخ ينشدها ارتجالًا في ذلك المجلس البهي الرضي، وذات يوم في مجلس علمي بين يدي شيخي عبدالرحمن ولد أحمد شعبان الشنقيطي ضياء شنقيط ونور عينيها، وقد ساقني الله إليه لدراسة لامية الأفعال، وأنا في الطريق زوَّرتُ أبياتًا في رأسي لأنشدها بين يديه عند سؤاله عن اسمي وهي: هذا فتى قد أتى يحدو له شغفٌ بالحمد لله لا أبغي به بدلا من بلدةِ اليمنِ الميمونِ موطنهُ من سفحِ صنعاءَ مهد السادة النُّبلا قد عالج الصَّرفَ فاختالت مسائلهُ ولم توطَّأ له أكنافها ذُللا وصار يخلطُ في فِعْل وفي فُعَل وليس يضبط فَعْلًا منه أو فَعُلا وقد حداهُ حنينُ الشوق نحوكم يرجو ارتشافَ معانٍ تُشبهُ العَسلا وقد أنشدتُها بين يديه في ذلك المجلس أول ما صافحته، وسألني عن اسمي كما قررتُ في الطريق وخططتُ، فأعجب بها وأطربته معانيها، وقال لي: أعِدْها كي يسجلها فأعدتُها لكن بعدما أكملت البيت الثالث نسيت تمامًا ما بعده، وذهب عن ذاكرتي البيت الرابع والخامس، وتوقَّفتُ مليًّا، وأطرقتُ برأسي ثم رفعتُه أقلب طرفي في جدار المسجد يَمْنةً ويَسْرةً، والقارئ بين يدي الشيخ نظراته تستعجلني وكأني به يقول إما أن تكمل الأبيات وإما أن تفسح لي المجال، فالدرس بين يدي الشيخ لا يزيد عن عشرين دقيقة، ودقات قلبي تزيد في الإسراع، وعلاني الوجوم، ثم أعَدْتُها من جديد حتى وصلت إلى نفس الموضع، وضاع مني ما تبقَّى كأول مرة، ووقف حمار الشيخ في العقبة كما تقول العامة، وحِرتُ في أمري، ثم فكرتُ أن أقول للشيخ: نسيتُ بقيتها لكني تجاسرتُ وأعدْتُها ثالثةً، وبقيت أخبط خبط عشواء، لا أدري ما أقول وهمي البيتان، فلما أن وصلتُ لم أذكر ولو كنتُ أذكر الخامس لرقعتُ به لكنهما طارا مرة واحدة، فأنا كما قال الشاعر: فَلَوْ كَانَ سَهْمًا وَاحِدًا لاَتَّقَيْتُهُ وَلَكِنَّهُ سَهْمٌ وَثَانٍ وَثَالِثُ وعند الإعادة أعيد وتركيزي كله على البيتين، وأعيد بخوف وتلكُّؤ حذرًا من نسيانها هي؛ إذ هي كل رأس مالي، فكنتُ كماشٍ بين أشواك لا يدري ما مصيره، وفي المرة الثالثة أو الرابعة فتح الله عليَّ بالبيتين مرة واحدة فأكملتهما وتنفست الصُّعَداء، وقررتُ ألا أحاكي أحدًا بعد اليوم، وكأنما أزاح عني أحدهم صخرةً كبيرةً كانت ترزح على صدري. |
الموضح في التجويد لعبدالوهاب بن محمد القرطبي | محمود ثروت أبو الفضل | 19-03-2022 | 4,459 | https://www.alukah.net//culture/0/153634/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b6%d8%ad-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d9%88%d9%8a%d8%af-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%b7%d8%a8%d9%8a/ | الموضح في التجويد ل عبدالوهاب بن محمد القرطبي صدر حديثًا "الموضح في التجويد"، تأليف: "عبدالوهاب بن محمد القرطبي" (ت 461 هـ)، تحقيق: د. "غانم قدوري الحمد"، نشر "دار الرشد للنشر والتوزيع". وهذا الكتاب يبحث في جزئية من علم التجويد، وهي تقسيم اللحن في القرآن إلى لحنين: جلي وخفي، وهو أمر سبق إلى تقريره ابن مجاهد البغدادي (ت 324 هـ) حيث قال: "اللحن في القرآن لحنان: جلي وخفي، فالجلي لحن الإعراب، والخفي ترك إعطاء الحرف حقه من تجويد لفظه". وعبد الوهاب القرطبي هو أول عالم من علماء التجويد اعتمد على فكرة تقسيم اللحن في تبويب كتابه، وقد وضح المؤلف فكرته تلك في خمسة فصول صدر بها كتابه وهي: • فصل في بيان معنى اللحن في موضوع اللغة. • فصل في حد اللحن وحقيقته في العرف والمواضعة وذكر السبب الموجب لانتشاره واستمراره. • فصل في بيان المراد بالتنبيه على اللحن الخفي والمقصود بالحض على اجتناب الألفاظ المستهجنة. • فصل فيما يستفاد بتهذيب الألفاظ وماذا تكون الثمرة الحاصلة عند تثقيف اللسان. • فصل في الكلام على اللحن الخفي والألفاظ المستكرهة من جهة التفصيل وعلى وجه التقسيم. وبعد أن أسهب الكاتب في مجالات اللحن الخفي، استنتج أنها خلل يطرأ على الألفاظ، فلزم تحقيق ما تتركب منه الألفاظ بالحد، وإيضاحه بالقسمة والحصر، لذلك دخل في حقيقة الألفاظ وحدودها على النحو التالي: الباب الأول: في الكلام على بسيط الحروف، في تحقيق مخارجها ومدارجها وما يتبع ذلك من أحكامها، والتنبيه على ما يطرأ عليها من الخلل المستكره فيها. الباب الثاني: فيما يعرض في هذه الحروف من الأحكام، في الكلام على ما يلزم هذه الحروف عند الائتلاف، وما يحدث فيها لذلك، مما يُكْرَهُ ويختار. الباب الثالث: في الكلام على الحركات والسكون، وما الواجب معرفته من ذلك. وختم عبد الوهاب القرطبي كتاب (الموضح) بفصل بين فيه موضوعين: الأول: كيفية القراءة وما يستقبح منها وما يُستحسن ويُختار منها ويُستهجن. الثاني: عيوب النطق ومسترذل اللهجات. وهذه هي أصول المنهج المحدد الذي اتبعه عبد الوهاب القرطبي في دراسة أصوات اللغة العربية في مستوييها البسيط والمركب. وقد استكمل المؤلف بذلك دراسة أصوات العربية على أساس منهج شامل وواضح ومحدد، لم يدع من موضوعات علم الأصوات النطقي شيئًا إلا أورده ووضحه وعلله واستشهد عليه ومثَّلَ له، وهذا المنهج لا نجده بهذا الشمول والوضوح والتحديد عند علماء التجويد الذين سبقوا عبد الوهاب القرطبي، حيث استفاد القرطبي من مادة هذه المصادر السابقة، لكنه استطاع أن يصوغها على نحو جديد متميز. وكتاب الموضح يقف في مقدمة الكتب التي عنيت بدراسة أصوات اللغة العربية من الناحية التاريخية أولًا، فالعربية تفخر بهذا الكتاب وأمثاله التي كتبت قبل ألف سنة، وهي على هذه الدرجة من النضج في دراسة علم الأصوات، ومن الناحية الموضوعية ثانيًا لأن الكتاب يقدم دراسة شاملة لقضايا علم الأصوات اللغوية، لا يقلل من قيمتها الملاحظات القليلة التي يمكن أن يوردها علماء الأصوات المحدثون حولها. وقام المحقق بتحقيق الكتاب على ثلاث نسخ خطية: مخطوطة المكتبة الملكية في برلين، مخطوطة مكتبة رضا في رامبور في الهند، ومخطوطة مكتبة الأوقاف العامة في الموصل. ومؤلف الكتاب هو "عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن عبد القدوس الأنصاري" ولد سنة (403) هـ في أشونة وهي حصن قريب من قرطبة، رحل في طلب العلم إلى بلاد المشرق، وحج وسمع من العلماء وقرأ عليهم في مكة ودمشق وحران وميافارقين ومصر، من شيوخه: أبو علي الأهوازي (ت 446 هـ)، وأحمد بن سعيد بن أحمد المعروف بابن نفيس (ت 453 هـ)، وأبو الحسن القنطري (ت 438 هـ). ومن تلاميذه: أحمد بن عبد الله بن طريف القرطبي (ت 520 هـ)، وابن البيان (ت 496 هـ)، وأبو علي القرطبي (ت 486 هـ)، وابن الحصار (ت 511 هـ). ومن أهم مصنفاته: "المفتاح في اختلاف القرأة السبعة"، و"المفيد في القراءات"، و"الموضح في التجويد"، و"الوجيز في القراءات". وصفه ابن بشكوال بأنه "كان من جلة المقرئين، ومن الخطباء الحفاظ المجودين، عارفًا بالقراءات وطرقها، حسن الضبط، وكانت الرحلة في وقته إليه". ووصفه الذهبي بأنه "مقرئ أهل قرطبة"، وقال عنه "وبلغنا أنه كان عجبًا في تحرير هذا الشأن ومعرفة فنونه". ووصفه ابن الجزري بأنه "مقرئ أستاذ كامل متقن كبير رحّالُ". وتوفي سنة إحدى وستين وأربع مائة بقرطبة. |
الثورة الرقمية | د. زيد بن محمد الرماني | 19-03-2022 | 6,658 | https://www.alukah.net//culture/0/153629/%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%88%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a%d8%a9/ | الثورة الرقمية ضفي الإنترنت والتقنيات المرتبطة بها طابعًا خاصًا على الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون ويتصلون فما التأثيرات التي ستحدثها هذه التغيُّرات البعيدة المدى على حياتنا؟! وما نوع الحكومات التي يحتاج إليها الناس خلال القرن الحادي والعشرين؟.. أو بالأحرى ما نوع أنظمة الإدارة التي يريدها الناس في الألفية الجديدة؟ ربما كان هذا السؤال ضمن الأسئلة الأكثر جوهرية وهذا هو الوقت الملائم لطرحه.. لكن ذلك ليس فقط لأننا على مشارف تاريخ خاص في التقويم، تاريخ مشهود، كما هو ملاحظ بعشية العام الجديد، لا، بل السبب أننا نعيش فترة من فترات التغيير الأكثر إثارة في التاريخ. والواقع، أن كل شيء نقوم به في حياتنا اليومية وفي عملنا وفي كل نواحي هياكل أنظمة إدارتنا، يمرّ الآن أو سرعان ما سيمرّ، بتحوُّل أساسي.. وهذا التّحول يُسمى بالثورة الرقمية. إن التقنيات التي تعمل بالإنترنت وترتبط معًا، والتي تمثِّل الإنترنت فيها الشكل الملحوظ بدرجة أكبر على الملأ تقوم الآن بقلب العالم رأسًا على عقب. ومع رسوخ شبكات العمل بصورة متزايدة تعيد هذه التقنيات تشكيل الطريقة التي يعيش بها الناس ويتصلون ويعملون.. ونفس هذه التغيرات التقنية التي تغيِّر حاليًا عالم الأعمال والمجتمع المدني ستضفي أيضًا طابعًا خاصًا على الطريقة التي تقوم بها أنظمة الإدارة وطبيعة الحياة العامة نفسها.. وستقوم الثورة الرقمية في سياق تواصلها بإعادة تشكيل علاقات متميزة وإن ظلت متشابكة بين الناس. ولكي نفهم لماذا وكيف ستتأثر مؤسسات أنظمة إدارتنا بمثل هذا العمق، من المفيد أن نبحث أولًا التأثير الهائل للاقتصاد الرقمي على الأعمال. إن التقنية المعتمدة على الإنترنت تفرِّخ أعمالًا جديدة تعلن وفاة شركة العصر الصناعي. منذ أعوام مضت طرح الباحث الاقتصادي رونالدكوس سؤالًا ذكيًا لماذا توجد الشركة؟! إذ إنه في عالم رشيد، قائم على النظرية الاقتصادية التقليدية، لماذا لا يستيقظ العمال والموردون والعملاء كل صباح فيشترون السلع من السوق ويعقدون الصفقات؟ لماذا هذه البنى الأساسية الضخمة والمصانع الثابتة في حين أنه في عالم مثالي أو على الأقل في عالم نظري ستقوم قوانين العرض والطلب بإملاء التسعيرة، وقبل أن يبرد الإفطار نرى العالم يتبدى واضحًا للعيان كما ينبغي له أن يفعل؟! وكانت إجابة كوس بديهية وتتفق مع الفطرة فالاقتصاد كان معقدًا للغاية، والأهم من ذلك أن تكلفة إبرام كل تلك الترتيبات كانت من حيث الوقت والمال على حد سواء أعلى كثيرًا من التعامل مع أي شيء آخر سوى هيكل شبه دائم عالي التنظيم يُسمى الشركة. ولكن إذا انتقلنا بسرعة إلى اليوم، يسقط الآن بعض من تلك الحواجز التي كانت تحول دون إبرام ترتيبات أكثر مرونة بكثير بين الموردين وشركاء البنية الأساسية وحتى العمل وهو يتمثَّل الآن في الأدمغة، وليس في القوة العضلية. وتتمثَّل ميزة الاتصالات المدارة بالإنترنت في أن تكلفة المعاملات لمثل هذا النشاط تنخفض إلى الصفر تقريبًا عندما يزيد مدى وسرعة تقنيات الاتصالات زيادة أسية، وعندما تصبح الأدوات أقوى. وليست التجارة الإلكترونية سوى قمة جبل الجليد، فالاقتصاد الجديد يدور حول ظاهرة أعمق كثيرًا تعيد صنع قواعد الأعمال. وتظهر الآن اتجاهات رئيسة متعددة، يمكن أن تكون أوصافها الموجزة مفيدة عندما نفكر في التغيُّرات المقبلة في أنظمة الإدارة ومن ذلك: 1- الشركات يتم تحويلها على نطاق واسع بحيث تخضع لفحص دقيق وإصلاح واسع النطاق. 2- السوق تتعلم كيف تمارس السلطة حيث تغدو السوق أبرع وأكثر تشددًا. 3- مشروعات الأعمال حيث تتحرك هذه المشروعات بسرعة هائلة. 4- المعرفة هي الأصول الرئيسة بحيث يفسح النشاط الاقتصادي الذي يقوم على استخراج وتحويل الموارد النادرة المجال لاقتصاد الوفرة، وفرة المعلومات ووسائل الاتصال.. ويغدو تأثير المعرفة عبر الابتكار حاسمًا. 5- الشفافية والانفتاح: حيث يصبحان عاملي تمكين رئيسين في السوق. إن العصر الرقمي زمن تحولات كبيرة تزعزع الاستقرار لم يسبق لها مثيل. ومع انهيار الهياكل القديمة وتآكل القوانين والأعراف القائمة، تحل أخرى محلها، وإذا كانت الأعمال الإليكترونية تعلّمنا شيئًا فهو أن العصر الرقمي يمقت الفراغ لذا، فإن هيكل العصر الصناعي، الذي كان عالم الحياة العامة فيه يشتمل على ثلاثة مجالات رئيسة هي: الحكومة والسوق والمجتمع المدني، يمرّ الآن بتحوُّل أساسي مع سيطرة التقنيات. ومن ثمَّ، تصبح الإنترنت منفذًا لأشكال جديدة من التفاعل مع المواطنين تسمح بالمشاركة.. وفي العصر الرقمي، يتحوَّل المواطنون من مجرد مستهلكين إلى وضع يصبحون فيه شركاء نشطين في عملية الإدارة. يقول دون تاسكوت: في الأعوام القادمة نعتقد أنه سيحدث بون شاسع واسع النطاق لنموذج أنظمة الإدارة. ومع ذلك فإن هناك الكثير مما يدعو للتفاؤل إذ إن التقنيات الجديدة والتغيرات الناشئة عن التطبيق الواسع لها سوف تتيح لأنظمة الإدارة في القرن الحادي والعشرين الفرصة ليس فقط لتعمل بصورة أفضل، بل أيضًا وهو الأهم، لتقوم بإشراك المواطنين في الإدارة. بَيْدَ أننا لا ينبغي أن نتجاهل الأخطار أيضًا إذ تبقى قضايا خطيرة دون حل، وفي مختلف أنحاء العالم يشعر الناس بالقلق، عن حق من قدرة التقنيات الجديدة على تقويض خصوصياتهم. ختامًا أقول: إن في متناولنا إقامة أنظمة إدارة أُعيد تنشيطها لتواكب العصر الرقمي وعندما يقوم الشركاء والمواطنون والقطاع الخاص بإعادة تحديد أدوارهم وإعادة مشاركتهم فيها ستكون النتيجة أنظمة إدارة أفضل. |
الزراعة في ميزان الإسلام | نجاح عبدالقادر سرور | 16-03-2022 | 21,384 | https://www.alukah.net//culture/0/153596/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%b1%d8%a7%d8%b9%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%8a%d8%b2%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/ | الزراعة في ميزان الإسلام الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، أما بعد: الزراعة مهنة من أجلِّ المهن، وآية من آيات الله، وسبيل لترسيخ الإيمان في القلوب، ودليل على وحدانية الله عز وجل؛ يقول الله سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ * أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ ﴾ [الواقعة: 63، 64] . • تعدد أنواع الزرع آية من آيات الله : فهذا حَب، وهذا ثمر، وهذا زهر، وهذا عشب، وهذه فاكهة وهذه خضر، وهذا معروش، وهذا غير معروش: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ * أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا * ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا * مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ ﴾ [عبس: 24 - 32] . • اختلاف ألوان الزرع وأشكاله آية من آيات الله : يقول عز وجل: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام: 99]. • إن المزارع يضع الحبة في الأرض ويرويها بالماء الذي سخره الله له، ويهيئ لها الأرض التي هيأها الله عز وجل له ويستخدم الآلات التي أنعم الله بها عليه، وينتظر ماذا يحدث لها، فمن الذي يشق الأرض عن هذا الزرع ويفلق الحب والنوى؟ مَن غير الله سبحانه؟ • الزرع دليل حي على زوال الدنيا: قال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [يونس: 24]. • إن هذا المثل يضربه الله عز وجل للإنسان في الدنيا يبدأ الإنسان ضعيفًا، ثم يشتد عوده ويصل إلى مرحلة الشباب ويظن الشاب أنه سيعيش أبدًا، وأنه يستطيع أن يفعل كذا وكذا، وهذا قول الله عز وجل: ﴿ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا ﴾ [يونس: 24]، ثم يصل الإنسان إلى الشيخوخة ويكبر ويَعجِز، ويصير كالزرع الذي اصفرَّ ثم صار حصيدًا؛ أي: كأن الإنسان لم يعش في هذه الدنيا إلا ساعة، إنه الموت؛ قال الشاعر: زهرة الدنيا وإن أينعت لابد أن تسقى بماء الزوال • الزرع والكلمة والزرع والإنفاق: ما أشبه الكلمة بالزرع، وما أشبه الإنفاق بالزرع، هذا مثل يضربه الله عز وجل للكلمة طيبة أو خبيثة: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ ﴾ [إبراهيم 24-26]، ومثل آخر للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة 261]، فتدبر العلاقة بين الكلمة والزرع وبين الإنفاق في سبيل الله والزرع. • النبى صلى الله عليه وسلم يشبِّه المسلم بالنخلة: روى البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ، فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ، "فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ، ثُمَّ قَالُوا: حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ " [1] . • فالنخلة والمسلم كلاهما يعطي أكثر مما يأخذ - والإيمان ثابت في قلب المسلم وهكذا النخلة ثابتة - والمسلم مترفع عن الصغائر، وهكذا النخلة سامقة في السماء، والنخلة تُرمى بالحجر فتُلقي الثمر، وهكذا المسلم يرد على السيئة بالحسنة، ويدفع بالتي هي أحسن. • الزراعة لها علاقة وثيقة بفرائض الله وبذكر الله عز وجل : - فالزرع يسبح الله ويذكره: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء 44]. • و الزرع يصلي : قال عز وجل: ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾ [الرحمن 6]. • و الزرع فيه زكاة : ﴿ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام 141]. • والزرع فيه صوم وامتناع: فكما يمتنع المسلم الصائم عن الطعام والشراب وسائر المفطرات، كذلك على الزارع أن يمتنع عن زرع الخبيث من الزراعات كالبانجو والأفيون والخشخاش وغيرها، ومن فعل ذلك فقد بدَّل نعمة الله: ﴿ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [البقرة 211]. • و الزرع له علاقة بالحج : حيث يحرم على الحاج أن يقتلع شيئًا من زرع مكة، روى البخاري عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ، فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي، أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ" [2] . • الزراعة مدرسة للأخلاق: تعلمنا الزراعة مجموعة من مكارم الأخلاق؛ منها: • الأمانة : ففي يد المزارع أمانة هي قوام الحياة للناس جميعًا، وهذه الأمانة يجب رعايتها، لقد كانت سببًا في نجاة بلاد من الفقر والقحط الشديد، هذا سيدنا يوسف يفسر رؤيا عزيز مصر التي أزعجته: ﴿ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ ﴾ [يوسف 47-49]. • فلما نفذوا ما نصحهم به نجوا بإذن الله. • إغاثة الملهوف : لقد كان الزرع إغاثة ليونس عليه السلام بعد أن التقمه الحوت، ثم لفظه إلى شاطئ البحر، أغاثه الله بنبات اليقطين ليعيد إليه عافيته: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ ﴾ [الصافات 145-146]، وكذلك كان الرطَب إغاثة لمريم عليه السلام: } ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]، فعليك بإغاثة الملهوف. • حفظ حدود الله: فالحقول بينها حدود، والذي يحافظ على تلك الحدود ولا يعتدي عليها حافظٌ لحدود الله: ﴿ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة 112]، روى مسلم عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ" [3] . • الشكر لله عز وجل وعدم جحود النعمة : لأن الإنسان يرى نعمة الله كل يوم بين يديه وهو يرعى زرعه فيدوم شكره لربه، وفي قصة صاحب الجنتين العبرة والمثل، فقد جحد نعمة الله ونصحه صاحبه المؤمن: ﴿ وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [الكهف: 39] ، ولما لم ينتصح كانت النتيجة ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42] انظر الكهف 33-43. - التفاني في العمل والإنتاج: يمكن أن نرى فئات كثيرة تقوم بما يسمى بالإضراب: أطباء / مدرسون / محاسبون / عمال...... إلا المزارع الذي لا يفكر أبدًا في إضراب أو امتناع عن العمل في حقله لأنه يعرف قيمته وأهميته في هذا المجتمع ويعلم الثواب العظيم له عند الله عز وجل؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ" [4] . • حسن التوكل على الله عز وجل : فالمزارع يخرج بعد صلاة الفجر متوكلًا على الله ولا يرجع إلا بعد غروب الشمس حامدًا ربه عز وجل، وهذا من حسن التوكل على الله سبحانه. • من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم معجزات تتعلق بالزراعة ؛ منها: 1- حنين الجذع : عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَقُولُ : "كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ وَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ" [5] . 2- شهادة الشجرة : عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَأَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ، فَلَمَّا دَنَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: إِلَى أَهْلِي، قَالَ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ؟ قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: مَنْ شَاهِدٌ عَلَى مَا تَقُولُ؟ قَالَ: هَذِهِ الشَّجَرَةُ. فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَهِيَ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تَخُدُّ الأَرْضَ خَدًّا حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاثًا، فَشَهِدَتْ أَنَّهُ كَمَا قَالَ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا" [6] . • فلا تقصِّر في حق زرعك؛ لأنك إذا قمت بواجبك نحوه كنت من المقربين إلى الله عز وجل، ونصرت بلادك ومجتمعك على أعدائه، فلا توقعه في حرج مَدِّ اليد إليهم، واستيراد السلع منهم؛ يقول الشعرواي رحمه الله: إذا أردنا أن تكون كلمتنا من رأسنا، فعلينا أن تكون لقمتنا من فأسنا. • وأخيرًا كفى بالمزارعين شرفًا أن الله عز وجل قد شبه بالزرع خير البرية صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال عز وجل: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الفتح: 29]. • هذا جهدنا والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. [1] البخاري 1/ 107. [2] البخاري 5/ 132. [3] مسلم 10/ 174. [4] البخاري 8/ 118. [5] البخاري 11/ 421. [6] الطبراني 11/ 63 والدارمي 1/ 28 . |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق- الاستشراق والتنصير) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 16-03-2022 | 4,381 | https://www.alukah.net//culture/0/153592/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%b1/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق- الاستشراق والتنصير) إذا كان من محددات العلاقة بين الغرب والشرق المسلمين هنا قيام ظاهرة الاستشراق واستمرار ظاهرة التنصير، فإن هناك رابطًا قويًّا بين الاستشراق والتنصير من حيث التقاء الأهداف، وإن اختلفت الوسائل،وإذا كانت هذه العلاقة القوية تخفِتُ مع الزمن، فإن ذلك عائد إلى وضوح فكرة الاستشراق لدى المسلمين، والحد من قبولها بعدما تبين ارتباطها بالتنصير من جهة، وبالتيارات الأخرى الموجهة إلى المسلمين من جهة أخرى، تلك التيارات مثل الاحتلال المنقشع، والتغريب المستعر، والصِّهْيونية، والماسونية. يمكن القول: إن كل منصر موجه إلى المسلمين يُعَد مستشرقًا، وليس بالضرورة العكس، فليس كل مستشرق منصرًا،وحيث كتب نجيب العقيقي موسوعته العلمية حول المستشرقين، أدرج معهم المنصرين، أمثال السموءل (صموئيل) زويمر ولو شاتليه، بل إن طلائع المستشرقين بحسب تصنيف نجيب العقيقي قد انطلقوا من الكنائس والأديرة [1] . من المستشرقين الأوائل والمتأخرين من هم ذوو مراتب دينية؛ كالأب لويس شيخو، والأب لوي ماسينيون وغيرهما،وهكذا تتضح العلاقة بين التنصير والاستشراق في تحديد العلاقة بين الغرب والشرق الإسلامي [2] ،ولا تتضح العلاقة بمجرد إيراد هذه النماذج من الأسماء، ولكنها تتضح أكثر من ذلك بمتابعة الموسوعة المذكورة [3] . وقد استفاد المنصرون من المستشرقين كثيرًا، واستفاد المستشرقون من المنصرين قليلًا؛ ذلك أن فائدة المستشرقين جاءت من خلال الجهود "العلمية" التي قاموا بها، لا سيما الدراسات التي قاموا بها حول الإسلام وتراث المسلمين وواقعهم المعاصر،وينبغي وضع كلمة (العلمية) باعتبارها وصفًا للجهد بين معقوفتين؛ قصدًا إلى التنبيه إلى أن جهود المستشرقين ليست كلها علمية بالمفهوم الذي يراد من هذه الكلمة. واستفاد المستشرقون من المنصرين الميدانيين من خلال انطباعاتهم التي سجلوها وتصيدوها عن المجتمع المسلم الذي عايشوه، فخرجوا منه بهذه الصور التي لا تعبر عن الإسلام بقدر ما هي تعبر عن الخرافات عن الإسلام في المجتمع المسلم، فعَدُّوها من الإسلام، وجعلوا الناس حجةً على الدين، أخذًا بالنظرية الاجتماعية التي تقول: إن الدين يؤخذ بقدر ما يأخذ الناس منه، الأمر الذي أدى إلى تصنيف الدين إلى جملة من الأديان، فالإسلام عندهم وعند من تأثر بهم إسلامات، وليس إسلامًا واحدًا؛ إذ إن هناك عندهم الإسلام الشعبي، والإسلام التقليدي، والإسلام السياسي، والإسلام اليساري، والإسلام اليميني، والإسلام الوسط، والإسلام المتطرف، والإسلام العلماني [4] . وأخذ بعض المفكرين العرب بهذه التقسيمات، وأشاعوها بين الناس، ودعوهم إلى تصنيف إسلام الأشخاص بحسب ما يظهر عليهم من قرب أو بعد عن هذا الإسلام أو ذاك،وقد تبنى الأستاذ عبدالجليل الشرفي من دار الجنوب بتونس نشر أعمال عدة حول الإسلام المصنف إلى إسلامات في سلسلة سماها: "الإسلام واحدًا ومتعددًا"، وتبنت رابطة العقلانيين العرب ودار الطليعة ببيروت نشر هذه الأعمال وما يأتي بعدها" [5] . ولم يقف هذا التأثير على المفكرين العرب الذين أخذوا هذا التصنيف أيضًا محددًا في العلاقة بين الشرق والغرب، بل إن المؤسسات الغربية الأخرى قد أخذت هذا التصنيف مأخذ الجد، وبنت عليه قراراتها، لا سيما المؤسسات السياسية التي تتضح فيها وجهة العلاقة وضوحًا قويًّا. ولم تقتصر تأثيرات التنصير والاستشراق على الشرق، وعلى النظرة العامة إليه، بل إنها تعدت إلى أنها أصبحت محددًا في العلاقة تقوم عليها قرارات مصيرية تؤثر في حياة الغرب وحياة الشرق معًا،وتأثيرها في حياة الغرب جاء من العمل على الحد من انتشار الدعوة الإسلامية، وتأثيرها على حياة الشرق جاء من عدم ثقة الغرب في الشرق والخوف منه، أخذًا في الحسبان أن الحديث الآن يدور حول العدو الجديد للغرب وللحضارة الغربية، المتمثل في الإسلام [6] [1] انظر: نجيب العقيقي ، المستشرقون - مرجع سابق - 110: 1 - 125 . [2] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة ، المستشرقون والتنصير: دراسة للعلاقة بين ظاهرتين، مع نماذج من المستشرقين المنصرين - الرياض: مكتبة التوبة، 1418هـ/ 1998م - ص 178. [3] انظر: نجيب العقيقي ، المستشرقون - مرجع سابق. [4] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة ، الاستشراق والدراسات الإسلامية: مصادر المستشرقين ومصدريتهم - الرياض: مكتبة التوبة، 1418هـ/ 1998م - ص 262. [5] انظر قائمة بهذه الإسلامات في: محمد حمزة ، إسلام المجددين - بيروت: دار الطليعة، 2007م - ص 175 - 176. [6] انظر: ألان غريش ، الإسلاموفوبيا/ ترجمة وتعليق إدريس هاني - الكلمة - ع 40، مج 10 (صيف 2003م/ 1424هـ) - ص 104 - 120. |
الزوائد على روضة الناظر لابن قدامة نشر شركة إثراء المتون | محمود ثروت أبو الفضل | 15-03-2022 | 13,121 | https://www.alukah.net//culture/0/153580/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b1%d9%88%d8%b6%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a7%d8%b8%d8%b1-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%82%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%86%d8%b4%d8%b1-%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a5%d8%ab%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%88%d9%86/ | الزوائد على روضة الناظر لابن قدامة نشر شركة إثراء المتون صدر حديثًا كتاب " الزوائد على روضة الناظر "، إعداد: " شركة إثراء المتون "، نشر " دار إثراء للنشر والتوزيع ". وهذا الكتاب يعد إضافة أصولية على كتاب "روضة الناظر" لابن قدامة في علم أصول الفقه، حيث يشتمل على ١٩٣ مسألة أصولية مستقاة من التوصيفات الأكاديمية للكليات الشرعية، الكتاب مكمِّلٌ لمقرر تعليمي للطلبة الجامعيين في الكليات الشرعية. ونجد أن كتاب ( روضة الناظر وجنة المناظر ) لابن قدامة رحمه الله من أبرز مصنفات علم أصول الفقه، وأجلها قدرًا؛ لما جمع فيه بين الشمول، ودقة العبارة، واختصارها، واعتماده على أمهات المصنفات الأصولية، لا سيما مدونة الغزالي الفريدة: ( المستصفى )، والمصادر الأصولية الرئيسة للحنابلة؛ كـ(العدة) و( التمهيد )، كل ذلك كان سببًا حقيقيًّا لاعتماد تدريسه للطلاب في الكليات الشرعية في المملكة العربية السعودية. ولما كان توصيف مقرر أصول الفقه الصادر عن الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، والتوصيفات المعتمدة من الكليات الشرعية، قد نصت على مفردات أصولية لم يتطرق لها كتاب روضة الناظر، أو اكتفى بالإشارة إليها، وسعيًا من شركة ( إثراء المتون ) في خدمة العلم وأهله، فقد رأت أن تعد منتجًا علميًّا موثقًا، يستوفي هذه المفردات؛ ليكون بين يدي الأستاذ والطالب مرجعًا متكاملً مع كتاب الروضة، وقد أسمته: ( الزوائد على روضة الناظر ). والكتاب يهدف للآتي: 1- التسهيل على الطلاب في الجامعات الشرعية باقتناء كتاب واحد يضاف لروضة الناظر؛ فيكونا مرجعًا معتمدًا للطلاب في علم أصول الفقه. 2- توفير الوقت - للأساتذة والطلبة - الذي يذهب في الإملاء أو إعداد المذكرات. 3- تقديم مادة علمية موثّقة، ومراجعة، ومحكّمة من لجنة علمية متخصصة من أساتذة جامعيين في تخصص أصول الفقه. 4- التقريب بين فكرة التمسك بكتب التراث واستبدالها بالكتاب الجامعي؛ وذلك بتقريب كتب التراث، وتتميم مباحثها. وكان منهج التأليف في تلك الموسوعة ما يلي: أولً: معايير حصر المسائل (الزوائد): 1- استيفاء المسائل الزوائد على روضة الناظر من توصيف الهيئة الوطنية للتقويم والاعتماد الأكاديمي، ومن تواصيف مقررات أصول الفقه في الكليات الشرعية في المملكة، ولو تفردت بها جامعة أو جامعتان. 2- أن تكون المسألة الزائدة لم يتطرق إليها ابن قدامة في (الروضة)، أو اكتفى بالإشارة إليها. 3- أن تكون المسائل الزائدة ليس لها علاقة بالجانب المهاري التطبيقي؛ اعتمادًا على إلحاقها بمؤلف آخر خاص بالجانب المهاري، وكذا ألا تكون داخلة تحت المهارات الإدراكية، باعتبارها نتيجة يصل لها الطالب بنهاية أخذه للمقرر، ولصعوبة قياسها تربويًّا. ثانيًا: مصادر المسائل (الزوائد): 1- الاعتماد في جميع عناصر المسألة على كتب أصول الفقه في المذهب الحنبلي؛ خاصة مصادر (الروضة)؛ كـ: (العدة) و(التمهيد)، أو الكتب التي استفادت من (الروضة)؛ كـ: (شرح الطوفي) و(المسودة) و(التحبير) و(شرح الكوكب المنير)، ونحو ذلك. 2- أن يكون الخروج عن تلك المصنفات التي سبق الإشارة إليها عند الحاجة -كما في توثيق أقوال وأدلة المذاهب الأخرى، وكذلك عند النقول المتميزة التي لم يوجد مثلها عند الحنابلة - وذلك للمحافظة على روح الكتاب الحنبلية، ولعدم اضطراب الطالب في المسائل الأصولية المرتبطة ببعضها. ثالثًا: منهج التوثيق: يكون التوثيق إجماليًّا في آخر المسألة؛ بحيث يوضع عنوان: (أهم المراجع)، وذلك بذكر المراجع التي اعتُمِد عليها، ويشمل الإشارة إلى طائفة من الكتب والبحوث المحكمة التي تناولت المسألة. رابعًا: ضوابط العرض والصياغة: تنقسم المسائل التي أوردت في هذا المشروع إلى قسمين: مسائل خلافية، ومسائل غير خلافية، وكلاهما يشتركان في بعض معايير العرض والصياغة، وتنفرد المسائل الخلافية بمعايير زائدة عليها، وفيما يأتي بيانها: المعايير المشتركة بين مسائل الكتاب: وتشمل المعايير العامة التي اشتركت فيها المسائل الخلافية، والمسائل غير الخلافية، وأهمها: • الدمج في المسألة الواحدة بين الصياغة العصرية التعليمية الواضحة، ونقل النصوص المتميزة في المسألة الأصولية؛ رغبة في تقريب علم الأصول، مع عدم تفويت مهارة الرجوع إلى المصادر والتعرُّف عليها. • تجنُّب الألفاظ الغريبة إلا عند الضرورة، ومراعاة بيان المراد بها إن وُجدت، وشرحها شرحًا مختصرًا في الهامش. • التعريف بالمصطلحات الأصولية والفقهية في بدايات المسائل. • مراعاة الضبط اللغوي والإملائي لمحتوى الكتاب. • عَنْوَنَة الفقرات بشكل يُسهِّل على الطالب ربط المادة العلمية بعناوين محكمة، مع عدم تطويل الفقرات. • تطعيم الكتاب بالنقل عن المصادر الأصولية عند الحاجة إليه، ومن مواطن الحاجة ما يأتي: أ- توثيق سبب الخلاف. ب- بعض فقرات تحرير محل النزاع؛ كنقل الإجماع ونحوه. ج- التعاريف. د- الأبيات الشعرية. • تجنُّب التكرار في طرح المادة العلمية؛ بالإحالة على المسألة الرئيسة إن اشتركت مع غيرها من المسائل في بعض العناصر. المعايير الخاصة بالمسائل الخلافية: والمراد بها المسائل التي وقع فيها الخلاف بين الأصوليين، وقد اتُّبِع فيها أسلوبٌ مطردٌ في العرض والصياغة، وفق المعايير الآتية: • تصوير المسألة: وفيها تُعرض المسألة بشكل إجمالي ليتصورها الطالب، ويعلم ما هو بصدد دراسته. • تحرير محل النزاع: وفيه يبين محل الاتفاق والاختلاف بين الأصوليين في المسألة؛ ليضع القارئ يديه على محل الخلاف. • حكاية الأقوال وعزوها: وفيه تُسرد الأقوال المختلفة للأصوليين في المسألة متتالية، مع تقديم مشهور المذهب الحنبلي، وعزو كل قول لأبرز القائلين به. • عرض أدلة الأقوال ومناقشتها: حيث تُعرض أبرز الأدلة التي استدل بها أصحابُ كل قول، مع إيراد المناقشة المؤثِّرة التي وردت عليه إن وجدت، مع جواب ذلك الإيراد إن كان قويًّا وله وجهه. وقد اتبع في ترتيبها طريقة ابن قدامة؛ من تقدم أدلة مشهور المذهب الحنبلي، وسَوْق المناقشات عليها، والإجابة عنها، ثم تذكر أدلة الأقوال الأخرى ومناقشتها. • نوع الخلاف وثمرته: ويذكر فيه نوع الخلاف، وهل هو خلاف لفظيٌّ أو خلاف معنويٌّ، وإن كان معنويًّا يذكر ثمرة الخلاف باختصار، عن طريق ذكر أبرز المسائل الفقهية التي ترتبت على ذلك الخلاف، وقد تذكر أبرز المسائل الأصولية. • ذِكْر سبب الخلاف في المسألة: إن كان مشهورًا وظاهرًا، وإلا فلا يُذكر سبب الخلاف. • عدم إضافة فقرة للترجيح، أو حكاية المعتمد، أو المشهور في مذهب الحنابلة. أما الترجيح: فلتفاوت نظر المدرسين للكتاب، وكذا الباحثين والمحكمين له، وتقييدُهم بما ذكر من الترجيح قد يكون فيه مصادرة على آرائهم. أما حكاية المعتمد من المذهب: فلأن حكاية المعتمد في الأصول عسير، ومحل نظر كذلك؛ لاختلاف طبيعة المسألة الأصولية عن المسألة الفقهية. أما حكاية المشهور من المذهب: فللاستغناء عنه بما اعتمدناه في سياق الأدلة والمناقشات على طريقة ابن قدامة في حكاية القول والاستدلال له؛ من تقديم رأيه وما يميل إليه. خامسًا: القراءات الإثرائية: أضيف في ثنايا الكتاب بعض القراءات الإثرائية لعدد من الأغراض، منها: • إيراد النقول المتميزة التي لا تنطبق عليها بعض معايير النقل السابقة. • التفصيل والتوضيح عند طول المادة العلمية وتشعبها. وقد زيدت القراءات الإثرائية لمسائل الاجتهاد والتقليد؛ حيث كانت المفردات الزوائد في المقرر أكثر مما تناوله ابن قدامة في الروضة، ورغبةً في تأهيل الطالب للدراسات العليا؛ حيث كان آخر مقررات الأصول في الكليات الشرعية لمرحلة البكالوريوس. سادسًا: عَنْوَنَةُ المسائل الزوائد وترتيبُها: • اعتُمد في عنونة المسألة الزائدة اعتبار السياق الأتم في توصيف الجامعات، مع التصرف البسيط عند الحاجة. • أما ترتيب المسائل وتقسيم الكتاب فقد جرى على وفق ترتيب وتقسيم كتاب (روضة الناظر) لابن قدامة؛ وذلك لارتباط الكليات الشرعية بالكتاب الأصل، ولاختلاف ترتيب التوصيفات الأكاديمية للمسائل الزوائد، فأصبح ترتيب الكتاب على النحو الآتي: مدخل إلى أصول الفقه. الباب الأول: الحكم الشرعي. الباب الثَّاني: تفصيل الأُصول (الكتابُ، والسُّنةُ، والإجماعُ، والاستصحابُ). الباب الثَّالث: بيان الأصول المختلفِ فيهَا. الباب الرَّابع: تقاسيم الأسماء. الباب الخامس: الأمر، والنَّهي، والعموم، والخصوص، والمفاهيم. • بعض المسائل لم يتطرق لها ابن قدامة، فالتُمِسَ لها الموضعُ المناسب، مع الاستئناس بترتيب توصيفات المقررات، مثل: تقسيمات الأدلة، وحروف المعاني، وغير ذلك. الباب السَّادس: القياس وقوادحه. الباب السَّابع: الاجتهاد والتقليد. الباب الثَّامن: التعارض والترجيح. ومؤلف "روضة الناظر" موفق الدين ابن قدامة (541 - 620 هـ، 1147 - 1223 م) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماع يلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي. • فقيه محدّث ولد بجماعيل، وهي قرية بجبل نابلس بفلسطين. ثم رحل إلى دمشق، وقرأ القرآن، وسمع الحديث الكثير من والده، ومن أبي المكارم ابن هلال، ومن أبي المعالي بن صابر وغيرهم. ثم رحل إلى بغداد مع ابن خالته الحافظ "عبد الغني" وسمع من علمائها ثم عاد إلى دمشق. كان حجة في المذهب الحنبلي. • برع وأفتى وناظر وتبحر في فنون كثيرة. • وكان زاهدًا ورعًا متواضعًا، حسن الأخلاق، كثير التلاوة للقرآن، كثير الصيام والقيام. قال ابن تيمية في حقه: ما دخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابن قدامة. وقال عنه ابن الحاجب: كان ابن قدامة إمام الأئمة ومفتي الأمة اختصه الله تعالى بالفضل الوافر والخاطر العاطر والعلم الكامل، طنت بذكره الأمصار وضنت بمثله الأعصار، قد أخذ بمجامع الحقائق النقلية والعقلية. فأما الحديث فهو سابق فرسانه، وأما الفقه فهو فارس ميدانه، أعرف الناس بالفتيا وله المصنفات الغزيرة ... له كتب كثيرة: • أشهرها: المغني في شرح الخرقي في الفقه، ويقع في عشرة مجلدات. • الكافي في الفقه، ويقع في أربعة مجلدات. • المقنع في الفقه. • الهداية. • العمدة والأخيران في الفقه. • روضة الناظر وجنة المناظر في أصول الفقه، وقد شرحها ابن بدران شرحًا سماه: نزهة الخاطر العاطر. • وله أيضًا مختصر العلل للخلال، وغيرها كثير. |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق - المصطلح) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 23-02-2022 | 4,469 | https://www.alukah.net//culture/0/153101/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%b4%d8%b1%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستشراق - المصطلح ) تعد ظاهرة الاستشراق محددًا من محددات العلاقات بين الشرق والغرب، إلا أن المستشرقين المعاصرين يحاولون التهرب من هذا المصطلح،فلماذا يتهرب المستشرقون الجدد من مصطلح الاستشراق؟ ولماذا بالتالي، لا يرغبون في أن يقال عنهم: إنهم مستشرقون، ويحبذون أن يقال عنهم أي شيء سوى ذلك؟ ولماذا توجه بعض الاستشراق الجديد أو الحديث أو ما بعد الاستشراق، إلى علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا [1] ؟ أسئلة تحتاج إلى عدد من الوقفات؛ ذلك أن مصطلح "الاستشراق" كان يلقى رواجًا في انطلاقة النهضة الفكرية العربية وإنشاء وزارات المعارف والثقافة، ومجامع اللغة العربية، والمجامع العلمية، ومراكز البحث العلمي، وانتشار الطباعة والكتاب والدورية والمجلة والصحيفة، فكان لهم أثر في ذلك كله مسجلٌ في الوثائق، وكان بهم انبهار فاق الحد والعقل، وكانوا محل عناية وترحيب، وافتتن بهم مفكرون عرب؛ لأنهم مستشرقون، وليس لأنهم أي شيء سوى كونهم مستشرقين. وما دام هذا الأمر في خبر كان، كما هو واضح من هذا الطرح في هذه المقدمة، فإن هناك فكرة قد تكون مقبولة للتنصل من المصطلح،هذا هو الطرح القائم الآن، ولا يعرف الآن إلا عدد قليل من المستشرقين ممن يفضلون تصنيفهم أو نَعْتَهم بالمستشرقين. فهذا أندريه ميكيل يرفض هذا التصنيف، ويرد على من أدخله في زمرة المستشرقين بقوله: "أنا لست مستشرقًا، وأرفض هذه الكنية،أنا عروبي سحرني الأدب العربي فانكببت عليه بحثًا ودراسة" [2] ،ويقول في مقام آخر: "لست مستشرقًا، اهتمامي يدور حول اللغة والأدب العربيين، وبصفة خاصة الكلاسيكي؛ أي حتى القرن التاسع عشر، فأنا متخصص في اللغة والأدب العربيين" [3] ،وكذلك المستشرق الأمريكي جون أسبوزيتو رفض هذا التصنيف، وفضَّل أن يدعى بعالم الإسلاميات. وهذا المستشرق الفرنسي دومينيك شوفالييه ينكر المصطلح، ويحمله تبعاتٍ تاريخية ليست إيجابية؛ ولذلك نراه يقول: "أن تكون مستشرقًا يعني أن تكون مهتمًّا بالشرق،وأنا مؤرخ لتاريخ العرب المعاصر" [4] . والمستشرق الفرنسي مكسم رودنسون [5] يرى أن كلمة الاستشراق لم تعد تعني شيئًا، ويقول: "إنني لا أستطيع أن أتحدث وأستفيض فيما ليس موجودًا،كذلك أقول بأنه لا يوجد شرق، وإنما شعوب، مجتمعات ثقافات، وبالتالي لا يوجد استشراق أيضًا، وإنما توجد أنظمة علمية لها موضوعاتها وإشكالياتها النوعية، مثل علم الاجتماع والاقتصاد السياسي والألسنية والإناسة والفروع المختلفة للتاريخ" [6] . والمستشرق الفرنسي كذلك، جاك توبي، يؤكد على أنه مؤرخ للشرق، وليس مستشرقًا،وعندما سأله أحمد الشيخ على أنه مستشرق قال: "مستشرق لا، كما لا أعرف إذا كان ما يزال هناك وجود لبعض المستشرقين أم لا،هذا مصطلح قديم" [7] . وهذه المستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو تتهرب من المصطلح وتقول: "خلال زياراتي إلى البلدان العربية قدمتني الصحف أكثر من مرة بالمستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو، واحتججت أكثر من مرة على هذه التسمية،طبعًا كان من أهم الأسباب لاحتجاجي أن شخصية المستشرق أصبحت مشؤومة إلى حد ما في الوطن العربي" [8] . وسابع هؤلاء هو برنارد لويس الذي يمقت مصطلح الاستشراق، ويدعو إلى رميه في زبالة التاريخ [9] ، حيث يقول: "لقد أصبحت كلمة "مستشرق" منذ الآن فصاعدًا ملوثة" [10] ،ويقول أيضًا: "وهكذا تم رمي مصطلح "المستشرق" في مزبلة التاريخ،ولكن المزابل ليست أماكن مضمونة ولا نهائية؛فالواقع أن كلمتي "مستشرق" و"استشراق" اللتين رميتا من قبل العلماء بصفتهما لا جدوى منهما قد استُعِيدتا من جديد، ووُظِّفتا ضمن معنى مختلف؛ أي ككلمتين تدلان على الشتيمة والمماحكة الجدالية" [11] ،ويقول كذلك في مقام آخر: "لقد أصبحت كلمة "مستشرق" منذ الآن فصاعدًا ملوثة هي الأخرى أيضًا، وليس هناك أي أمل في الخلاص،ولكن الضرر هنا أقل؛ لأن هذه الكلمة كانت قد فقدت قيمتها، وحتى أولئك الذين كانت تدل عليهم تخلَّوا عنها، وقد تجلى هذا التخلي رسميًّا في المؤتمر الدولي التاسع والعشرين للمستشرقين، الذي عقد في باريس صيف 1394هـ/ 1973م،وكان ذلك التاريخ يصادف الذكرى المئوية لأول مؤتمر دولي للمستشرقين المجتمعين في المدينة نفسها" [12] ،وليس هذا هو موقف المستشرق برنارد لويس الثابت؛ إذ سبق له تعريف الاستشراق بتفصيل أكثر التصاقًا بالنظرة العلمية [13] . ويمثل برنارد لويس مثالًا حيًّا للمستشرق المتطرف، الذي يمقته بعض المستشرقين والمفكرين الغربيين؛ ولذا عقدتُ له وقفةً لاحقةً يتبين فيها مدى تطرُّفه وتطرُّف مَن يُفيد منه. [1] انظر: البحوث المستفيضة التي نشرتها مجلة "الاجتهاد" عن التحول من الاستشراق إلى الأنثروبولجيا في الأعداد 47 و48 و49 و50 في صيف وخريف العام 2000م/ 1421هـ وشتاء العام 2001م/ 1422هـ، وربيع 2001م/ 1422هـ. [2] انظر: علي بن إبراهيم الحمد النملة ، الالتفاف على الاستشراق - مرجع سابق - ص173. [3] انظر: أحمد الشيخ ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - القاهرة: المركز العربي للدراسات الغربية، 1999م - ص 81 - 88. [4] انظر: أحمد الشيخ ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - المرجع السابق - ص 105 - 111. [5] توفي المستشرق الفرنسي مكسيم رودنسون في ربيع الأول 1435هـ مايو من عام 2004م ، انظر آخر مقابلة معه في: جيلبير أشقر ، المستشرق الفرنسي الراحل مكسيم رودنسون وشؤون الإسلام السياسي والأصولية - الشرق الأوسط - ع 15136 (5/ 9/ 2004م). [6] انظر: أحمد الشيخ ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - مرجع سابق - ص 37 - 45. [7] انظر: أحمد الشيخ ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - المرجع السابق - ص 157 - 168. [8] انظر: ناديا أنجيليسكو ، الاستشراق والحوار الثقافي - الشارقة: دار الثقافة والإعلام، 1420هـ/ 1999م - ص 72 ، 34. [9] انظر: أسرة تحرير التسامح ، العرب والإسلام والغرب والظروف الراهنة: مقابلة مع برنارد لويس - التسامح - مرجع سابق - ص 263 - 272. [10] انظر: برنارد لويس ، مسألة الاستشراق - ص 159 - 182 - في: هاشم صالح/ معد ومترجم ، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - ط 2 - بيروت: دار الساقي، 2000م - ص 261. [11] انظر: برنارد لويس ، مسألة الاستشراق - ص 159 - 182 - في: هاشم صالح/ معد ومترجم ، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - المرجع السابق - ص 261. [12] انظر: برنارد لويس ، مسألة الاستشراق - في: هاشم صالح/ معد ومترجم ، الاستشراق بين دعاته ومعارضيه - المرجع السابق - ص 163. [13] انظر: عبدالله علي العليان ، الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف - الدار البيضاء: المركز العربي الثقافي، 2003م - ص 12. |
دولنة المعلوماتية | د. زيد بن محمد الرماني | 22-02-2022 | 3,323 | https://www.alukah.net//culture/0/153080/%d8%af%d9%88%d9%84%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/ | دولنة المعلوماتية إنّ المعلومات والمعرفة لا تعترفان بحدود سياسية سيادية للدولة، فالسمة الأساسية للاقتصاد الدولي المعاصر هي دولنة الاقتصاد، أي أنه أصبح من الصعب ترسيم حدود الاقتصاد الوطني فهناك تشابك هائل بين الاقتصاد، خاصة ومعظم السلع المركبة تنتج مجزأة في مناطق شتى. ويتوازى مع هذه ما أطلق عليه عولمة الأسواق التي أصبحت متشابكة إلى حد كبير. لقد كان آدم سميث يؤمن بأن العادات التي أنشأتها الرأسمالية سوف تنتشر إلى بقاع الأرض بسبب تفوقها في إيجاد ثروة الأمم. وكان كارك ماركس يؤمن بأن الرأسمالية سوف توحّد العالم في سوق واحد كبير، بعد أن تدك السلع المتداولة في التجارة الدولية. وقد تبعهما في هذا الإيمان واليقين مئات بل وآلاف من أساتذة الاقتصاد وأنصار وتلاميذ العلوم الاجتماعية طوال القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين. وصار هؤلاء يمثلون تياراً عريضاً في الفكر السياسي والاجتماعي، وذلك بغض النظر عن موقفهم من الرأسمالية. فقد صارت فكرة أن الرأسمالية قادرة على التوحيد الاقتصادي للعالم كله، ليس مجرد نظرة علمية، وإنما أصبحت نوعاً من الاعتقاد التنبئي بما يجعلها لدى الكثيرين في صف واحد مع اليقين. بَيْدَ أنه حتى أنصار مدرسة سوق واحد حتمي في كوكب الأرض، بتأثير وضغط الرأسمالية لم يدر بخيالهم المدى المذهل الذي تتحقق به تنبؤاتهم ونحن في أوائل القرن الواحد والعشرين. فالسلعة صارت لها قوة عجيبة وقدرة فريدة على النفاذ عبر الحدود، واختراق الأسوار، والانتشار حتى في الثقوب الصغيرة. ومن الناحية العلمية لا نستطيع أن نتحدث عن كوكب اقتصادي أرضي واحد بعد، فلا يزال هناك تعدد في النظم الاقتصادية، حتى بعد انهيار الاشتراكية كنظام منافس ومناقض للرأسمالية. فهناك تكتلات تتصارع حول الامتيازات داخل وخارج نطاقاتها السياسية والاقتصادية بوسائل لا يرضى عنها أساتذة الاقتصاد الرأسمالي. وهناك حدود كثيرة بين الأمم والأقاليم والثقافات تجزئ الاقتصاد العالمي وتشوّش كثيراً صورة توحّده. فعلى المستوى الاقتصادي هناك عولمة أو كوكبة للسلع، ولكن هناك عملية موازنة لإعادة إنتاج الفقر والثروة وهو ما يترتب عليه تضاعف الحرمان في مناطق كثيرة من العالم. وعلى المستوى الاتصالي، أدت ثورة التقنية المعاصرة إلى جعل العالم قرية اتصالية صغيرة. وعلى المستوى السياسي، يتحدث بعض السياسيين عن نظام عالمي جديد. في ظل هذا كله، لا يمكن أن تكون الكوكبة الاقتصادية عملية إيجابية، بل هي بتأثير الرأسمالية عملية حافلة بالتوترات والتناقضات. من هذا المنطلق، يمكننا أن نرى عملية توسع مجال الحركة للموارد الاقتصادية المادية، والتي تؤدي إلى تنميط متزايد لشروط المبادلات الدولية أي حركة السلع، التجارة السلعية، وحركة التقنية، وحركة رأس المال، أي تجارة الائتمان الدولي. يقول د. محيي مسعد في كتابه «ظاهرة العولمة»: لقد خلط الاقتصاديون بين الوطنية الاقتصادية وفكرة أفول النزعات الوطنية، مما أدى بهم إلى التنبؤ بنهاية عصر المدرسة الوطنية عموماً، وفي مجال الاقتصاد بصفة خاصة. وبدت لهم الكوكبة الاقتصادية نقيضاً للوطنية الاقتصادية على كل المستويات بالنسبة لكل الأمم والشعوب. والواقع أن نبوءة اضمحلال الوطنية قد ظهرت منذ بداية الخمسينيات. ومع ذلك فالظاهرة الواضحة على نحو متزايد هي التأكيد المضاعف على الوطنية وعلى سلطة الدولة الوطنية وسيادتها. لقد ارتبطت الوطنية الاقتصادية في الماضي باستخدام الأدوات الإدارية والسياسية لتحقيق المصالح الاقتصادية الوطنية. وأهم هذه الأدوات هي سياسة لحماية التجارية، وضمان السيادة الوطنية على الثروات الطبيعية، والإجراءات التقليدية الخاصة بالاستثمارات الأجنبية ونقل التقنية. إنه من غير الممكن توظيف هذه الأدوات والإجراءات التي مثلت الشكل الأساسي للوطنية الاقتصادية في عقدي الستينيات والسبعينيات، إلا إذا رغبت الدولة في عزل نفسها عن الاقتصاد العالمي، وهو أمر ثبت أنه يضر أكثر مما ينفع. إن الوطنية الاقتصادية يمكن أن تضمحل في الظروف الجديدة للنظام العالمي، وخصوصاً جانبه الاقتصادي، إلا إذا استطاعت الأمم والدول الوطنية أن توجد أشكالاً جديدة لتعظيم مصالحها الاقتصادية. وهذا هو التحدي الذي يواجه العالم الثالث عموماً، والوطن العربي خاصة. فجوهر الوطنية الاقتصادية يمكن أن يستمر حتى في الطور الجديد لتطور الاقتصاد الكوكبي المعولم. ولكن: كيف تنجح الأمم، وخصوصاً عالمنا العربي والإسلامي في تحسين موقعها التوزيعي في إطار عملية العولمة الاقتصادية؟! إن جوهر المنافسة التوزيعية هو التسابق حول الحصول على فرص أفضل للنمو الاقتصادي والقلب المحرّك لفرص النمو الحقيقي للاقتصاد الوطني هو البشر من ناحية، والتقنية من ناحية أخرى. ومن ثم فينبغي وضع استراتيجيات نمو وتطور جدية في العالم العربي، ترتكزان أساساً على مفهوم التنمية البشرية، فالفوارق بين تنافسية وإنتاجية الأمم ومعدلات تطورها تتفق مع الفوارق في المستويات المتحققة للتعليم والصحة وتدريب وتنظيم القوى العاملة. إن الوطن العربي يحتاج بصورة حاسمة من أجل تأمين مستقبله الاقتصادي والسياسي إلى التركيز على التنمية البشرية. حيث صارت معظم الدول العربية، وخصوصاً الأقل غنى، من بين أقل دول العالم إنجازاً في مؤشرات التعليم والصحة والحقوق الإنسانية للسكان، كما يظهر بوضوح من تقارير التنمية البشرية السنوية الدولية. ختامًا أقول: إن من اللازم في الدول العربية أن تتم عملية كبيرة لإعادة صياغة دور الدولة، بحيث تركّز على التنمية البشرية. وقد آن أوان ذلك!! |
الكلام المبين فيما ينسب للإمام النووي من شرح الأربعين | عبدالله الحسيني | 22-02-2022 | 4,878 | https://www.alukah.net//culture/0/153074/%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d9%81%d9%8a%d9%85%d8%a7-%d9%8a%d9%86%d8%b3%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%88%d9%88%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%86/ | الكلام المبِين فيما يُنسب للإمام النَّووي من شرح الأربعين الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فكتاب ( الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام ) الشَّهير بـ ( الأربعين حديثًا النَّووية ) من الكتب المباركة النَّافعة التي صنَّفها شيخ الإسلام محيي الدِّين أبو زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي الدِّمشقي (631 هـ- 676 هـ) – تغمَّده الله تعالى بواسع رحمته-، ضمَّ فيه جوامع الكَلِم النَّبويِّ التي عليها مدار الإسلام، وخَتَمَه بباب مختصر في ضبط ألفاظها المشكلة وغيرها مرتَّبةً؛ وذلك كما قال (ص 131): ( لئلَّا يُغلط في شيء منها، وليستغني بها حافظها عن مراجعة غيره في ضبطها ) ا.هـ. وعَزَمَ على شرح الكتاب كاملًا، فقال (ص 131-132): ( ثمَّ أَشرعُ في شرحها في كتابٍ مستقلٍّ، وأرجو من فضل الله أن يوفِّقني فيه لبيان مهمَّات من اللَّطائف، وجُمَل من الفوائد والمعارف، لا يستغني مسلمٌ عن معرفة مثلها، ويظهرُ لمطالعها جزالة هذه الأحاديث وعِظَم فضلها، وما اشتملَتْ عليه من النَّفائس التي ذكرتُها، والمهمَّات التي وصفتُها، ويعلَم بها الحكمة في اختيار هذه الأحاديث الأربعين، وأنَّها حقيقة بذلك عند النَّاظرين ) ا.هـ. وعلَّق على كلامه هذا تلميذُه الشِّهاب ابن فرح الإشبيلي (المتوفى 699 هـ) في أوَّل شرحٍ لكتاب الأربعين في خاتمته، فقال: (هذا كلامُه رحمه الله تعالى، وأرجو مِن رحمة الله أنْ يُعطيَه أجر ما كان في أَمَلِهِ، فقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ( نيَّةُ المؤمنِ خيرٌ مِن عمله )، وقد كنتُ رَغبتُ منه رحمه الله أن يُعجِّل بما ذَكَرَهُ مِن شَرْحِها، فأَرادَ ذلك، ثمَّ عاقَهُ قدرٌ إلى أن أُدرِجَ إلى رحمة الله تعالى، ثمَّ إنِّي رأيتُ أنْ أَجمعَ على هذه الأربعين شيئًا ممَّا قاله هو وغيره ممَّا هو موجود في كتب الشَّارحين، فجَمعْتُ عليها مِن كلامِه على صحيح مُسلم .. وقد تمَّ بحمد الله، ولكن أين الغمام السَّاكب مِن الجَهام؟! وأين الحسام القاضب مِن الكَهام؟! وأين الثَّرى مِن الثُّريَّا؟! ولكنِّي قد قلتُ إنَّها جهد مقل، ونسأله جلَّت قدرته أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وأن يهدينا إلى صراطه المستقيم، بمنِّه لا ربَّ سواه) [1] ا. هـ وقد شَرَعَ الإمام النَّوويُّ في شرحه في كتابٍ يُعرف بـ ( الإملاء )، حيث أَملَى فيه شَرْح أوَّل حديثٍ منه ( إنَّما الأعمال بالنِّيَّات )، بدأ فيه: يوم الخميس 23 من شهر ربيع الآخر سنة 676 هـ بدار الحديث الأشرفيَّة بدمشق قبل وفاته بثلاثة أشهر، وكان يقصد من هذه الأمالي إتمام شرحه لكتاب (الأربعين) إلَّا أنَّ المنيَّة عاجلتْهُ، فلم يتمَّ منها إلَّا هذا القدر الذي أَملَى بعضه على طلَّابه ووُجِدت تتمَّة بعضه بخطِّه، وبهذا يفسَّر ذِكرُ تلميذه العلاء ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) لكتاب ( الإملاء ) في ( تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين ) (ص 82) ضمن الكتب التي ابتدأها ولم يُتمَّها على أنَّ شيخه الإمام النَّووي ابتدأ ( شرح الأربعين ) ، فأَملَى مجلسًا واحدًا لشرح أوَّل حديث منه، ولم يُقدَّر له إتمام شرح الكتاب كاملًا، والله أعلم [2] . وأمَّا الشَّرح التَّام للكتاب المنسوب إلى الإمام النَّووي، فلا تصحُّ نسبته إليه قطعًا، وذلك لعدَّة أمور، منها [3] : أوَّلًا: أنَّ الإمام النَّووي لم يُشر إليه إطلاقًا في أيّ من مصنَّفاته وأجزائه حتَّى التي هي مظنَّة ذِكره وأقربها مناسبة به، مع أنَّ من عاداته المعروفة الإحالةُ عليها، وأمَّا قوله في ( التَّلخيص ) (ص 756) أثناء شرحه لحديث: ( أن تعبد الله كأنَّك تراه فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك ): ( فهذا تلخيص مقصوده، وأمَّا بَسْطُهُ ففي شرح كتاب الأربعين ) ا. ه، فهذا ممَّا عزم عليه فلم يتيسَّر له ذلك كما تقدَّم، ولا يوجد في الشَّرح المنسوب إليه أيُّ بسط في هذا الموضع، وهذا يُثبت يقينًا أنَّه ليس له. ثانيًا: أنَّه خالٍ تمامًا من عادات الإمام النَّووي التي يدركها كل ممارس لمصنَّفاته، كتسمية الكتاب ومراعاة السَّجع فيه غالبًا، وصياغة مقدّمة له تبيِّن منهجه فيه، وتحديد سنة ابتدائه أو الفراغ منه، والإحالة على مصنَّفاته الأخرى، بل ورد فيه ما يؤكِّد نفي نسبته إليه، ففي شرح الحديث التَّاسع والثلاثين ( إنَّ الله تجاوز لي عن أمَّتي الخطأ والنِّسيان وما استكرهوا عليه ) ما نصُّه: ( وهذا الحديث اشتمل على فوائد وأمور مهمَّة جَمَعْتُ فيها مصنَّفًا لا يحتمله هذا الكتاب ) ا.هـ، وهذا المصنَّف المشار إليه لم يذكره الإمام النَّووي في أيّ من كتبه ولا نَسَبَهُ إليه أحد. ثالثًا: أنَّ تلميذَيه الشِّهاب ابن فرح الإشبيلي (المتوفى 699 هـ) -الذي كان يخصُّه بيومين أسبوعيًّا في شرح الصَّحيحين- والعلاء ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) -الملقَّب بمختصَر النَّووي، وهو ممَّن قَرأ عليه (الأربعين) وأجازه فيه، وقُرئ عليه مرارًا، ونُسخ عن نسخته المقروءة على المصنِّف- قد ذَكَرَا في شرحهما للأربعين أنَّه لم يتيسَّر لشيخهما ذلك، فقال الأوَّل: ( وقد كنتُ رغبتُ منه رحمه الله أن يُعجِّل بما ذَكرَهُ مِن شَرْحِها، فأراد ذلك، ثمَّ عاقَهُ قدرٌ إلى أن أُدرِج إلى رحمة الله تعالى ) ا.هـ، وقال الثَّاني (ص 35): ( وعَزَمَ رحمه الله تعالى على شرحها، وتبيين الحكمة في اختيارها دون غيرها، فلم يُقَدَّر له رحمه الله تعالى ذلك، واخترمته المنيَّة ) ا.هـ ، ولذلك قاما هما بشرحه وفاءً وبرًّا به. شرح الأربعين، للإشبيلي، مكتبة مراد ملا (431) [129/ ب، 130/ أ] شرح الأربعين، لابن العطَّار، دار الكتب المصرية (25321 ب) رابعًا: أنَّ كافَّة مَن أفرد ترجمته بالتَّصنيف واعتنَى بسرد مصنَّفاته التَّامة والنَّاقصة من أهل العلم لم يذكره ضمنها، وهم العُمدة في هذا الباب لداعي الاختصاص والتَّتبُّع، كتلميذه الخاص وأعرف النَّاس به: العلاء ابن العطَّار (المتوفى 724 هـ) في ( تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين )، والتّقي اللّخمي (المتوفى 738 هـ) في (ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي )، والسِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) في (عمدة المحتاج إلى شرح المنهاج) (1/ 229-234)، والكمال ابن إمام الكامليَّة (المتوفى 874 هـ) في (بغية الرَّاوي في ترجمة الإمام النَّواوي )، والجلال السُّيوطي (المتوفى 911 هـ) في ( المنهاج السَّوي في ترجمة الإمام النَّووي )، والشَّمس السَّخاوي (المتوفى 902 هـ) في ( المنهل العذب الرَّوي في ترجمة قطب الأولياء النَّووي )، وغيرهم، واتِّفاق جميع هؤلاء أهل الاختصاص على عدم ذِكر هذا الشَّرح من بينها يُعدُّ من أقوى القرائن في نفي نسبته إليه. خامسًا: أنَّ السِّراج ابن الملقِّن -الذي له عناية خاصَّة بتتبُّع تصانيفه وتمييز ما هو صحيح النِّسبة إليه من غيره- لم يذكره أثناء شرحه لكتاب ( الأربعين ). *** فإن قيل: قد نسبه النَّجم الطُّوفي (المتوفى 716 هـ) إليه، فقال في (التَّعيين في شرح الأربعين) (ص 2-3) ما نصُّه: ( واعلم أنَّ الشَّيخ محيي الدِّين رحمه الله تعالى كان قد وعد في هذه الأربعين أن يضع لها شرحًا يكون لقُفْلها فتحًا، وإنَّه وفَّى بما وعد، وسحَّ سحابه إذ رَعَد . ورأيتُ هذا الشَّرح مجلَّدًا لطيفًا يكون على التَّقريب والتَّشبيه قدر نصف أو ثلثَي التَّنبيه، ولم يتهيَّأ لي أن أطالعه ولا شيئًا منه، فلذلك لم أعرف مقصوده فيه ومغزاه، ولم أحط بمبدأ قوله فيه ومنتهاه ) ا. هـ فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأوَّل: أنَّه تفرَّد بذلك، وخالف سائر من ترجموا له فلم يذكروه، بل خالف تلميذَيه: الشِّهاب ابن فرح الإشبيلي والعلاء ابن العطَّار اللَّذَين نصَّا على أنَّه لم يقدَّر لشيخهما ذلك، كما تقدَّم. الثَّاني: أنَّه من المحال أن يغفل أهل العلم من طلَّاب الإمام النَّووي وغيرهم عن شرحٍ بمثل هذا الحجم، وهم قد اعتنوا بسرد مصنَّفاته التَّامَّة والنَّاقصة والمبيضة والمسودة، و ميَّزوا ما هو صحيح النِّسبة إليه من غيره، حتَّى قال السِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) في (عمدة المحتاج إلى شرح المنهاج) (1/ 234): ( وأَكبَّ النَّاسُ على كتابتها التَّامَّة والنَّاقصة حتَّى أنَّه رحمه الله تعالى شَرَعَ يختصرُ "التَّنبيه"، فكَتَبَ منه ورقةً، فكَتَبَها بعض الفضلاء في زمننا تبرُّكًا به ) ا. هـ الثَّالث: أنَّ النَّجم الطُّوفي نفسه لم يطَّلع عليه! ولعلَّه رآه منسوبًا إليه في صفحة عنوان المجلَّد، وهي أضعف قرائن النِّسبة، أو رأى عليها عبارة نحو ( شرح الأربعين للنَّووي ) فوَهِمَ أنَّه له، والمقصود بها الكتاب لا الشَّرح، والظَّنُّ به أنَّه لو تصفَّحه واطَّلع عليه لجزم أنَّه ليس له. وإن قيل: إنَّه يتضمَّن بعض كلامه الموجود بعينه في مصنَّفاته الأخرى، مثل: ( شرح صحيح مسلم )، وباب ضبط ألفاظ الأربعين المشكلة في آخره، وغيرهما. فالجواب عنه: أنَّ هذا ممَّا يُثبت أنَّه ليس له؛ لأنَّ من عادة الشُّرَّاح أنَّهم ينقلون عن غيرهم سواء صرَّحوا بذلك أم لا، ويرون النَّقل عن المصنِّف أَولى من غيره، وهذا ما صرَّح به تلميذاه: الشِّهاب ابن فرح الإشبيلي والعلاء ابن العطَّار، فقال الأوَّل في خاتمة شرحه: ( ثمَّ إنِّي رأيتُ أنْ أجمعَ على هذه الأربعين شيئًا ممَّا قاله هو وغيره ممَّا هو موجود في كتب الشَّارحين، فجَمعتُ عليها مِن كلامِه على صحيح مسلم ) ا.هـ، وقال الثَّاني في مقدّمة شرحه (ص 35): ( وغالب ما أنقلُهُ هو من كلام شيخنا محيي الدِّين رحمه الله تعالى من باقي مصنَّفاته المباركات ) ا. ه وإن قيل: إنَّ للشَّرح عدَّة نسخ خطيَّة في مكتبات العالم تنسبها إليه. فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: الأوَّل: أنَّ جميع هذه النُّسخ الخطِّيَّة –إضافة لما وقع فيها من اختلاف كالتَّقديم والتَّأخير والزِّيادة والنَّقص- متأخِّرة جدًّا ترجع إلى القرن الحادي عشر الهجري فما بعده أي: بعد وفاته بأربعة قرون وأكثر [4] ! لا يُطمئنُّ إليها في ميزان التَّحقيق العلمي، وليس فيها أيّ قرينة معتبرة تُثبت صحَّة نسبته إليه، بخلاف سائر مصنَّفاته التي هي مقابلة على نسخته أو مسموعة على الرُّواة عنه من تلامذته، أو مقابلة على أصولهم المعتمدة، أو منصوص عليها عند جمهور أهل العلم من المعتنين به، أو يظهر فيها بجلاء لكل معتنٍ بتراثه نَفَسُهُ وأسلوبُهُ. الثَّاني: أنَّ هناك بعض الكتب وُجدت لها نسخ خطِّيَّة قريبة العهد بعصر الإمام النَّووي، نَسَخَها بعض تلامذته ومَن في طبقتهم، ونَسَبَها إليه بعض أهل العلم ممَّن عاصروه أو أتوا بعده بيسير، ومع ذلك جَزَمَ المحقِّقون من أهل العلم بعدم صحَّة نسبتها إليه، مثل: ( مشكلات الوسيط ) الذي نسبه إليه: النَّجم أحمد بن محمَّد ابن الرِّفعة (645 هـ-710 هـ) في ( المطلب العالي في شرح وسيط الغزالي )، والتَّقي محمَّد بن الحسن اللّخمي (680 هـ-738 هـ) في ( ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي ) (ص 60) ووصفه أنَّه كامل في كراريس، والكمال جعفر بن ثعلب الأدفوي (685 هـ-748 هـ) في ( البدر السَّافر ) ووصفه أنَّه لم يكمل، بينما جَزَمَ الجمال الإسنوي (المتوفى 772 هـ) والسِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) أنَّه ليس من تصنيفه [5] ، و( مختصر مسلم ) الذي له عدَّة نسخ، منها: نسخة بخطِّ العلاء علي بن أيُّوب بن منصور المقدسي (666 هـ-748 هـ) -الذي نصَّ السَّخاوي في ( المنهل العذب الرَّوي ) (ص 87، 127) و( الضَّوء اللَّامع ) (2/ 141) و( التُّحفة اللَّطيفة ) (2/ 410) أنَّه تلميذٌ للإمام النَّووي، وذَكَرَ أنَّه نَسَخَ بخطِّه كتابه (المنهاج) وحرَّره ضبطًا وإتقانًا-، وفرغ منها سنة 747 هـ، وأخرى بخطِّ محمَّد بن عمر بن إبراهيم بن محمَّد، وفرغ منها سنة 717 هـ، ونسبه إليه: التَّقي اللّخمي في ( ترجمة الشَّيخ محيي الدِّين يحيى الحزامي النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي ) (ص 55) ووصفه أنَّه مجلَّد كبير ضخم، بينما جَزَمَ السِّراج ابن الملقِّن (المتوفى 804 هـ) أنَّه ليس من تصنيفه [6] ، فإذا انتَقَدَ المحقِّقون نسبة هذين الكتابَين إليه مع ما ترى من حالهما، فكيف بالنُّسخ الخطِّيَّة المتأخِّرة للشَّرح التي لم ينسبها إليه أحدٌ من أهل العلم المتقدِّمين المعتنين به بل صرَّح أقرب تلميذَيه أنَّه لم يقدَّر له شرحه؟! الثَّالث: أنَّه جاء في بعض النُّسخ الخطِّيَّة نسبة هذا الشَّرح حرفًا بحرف إلى الشِّهاب أحمد بن عماد بن يوسف الأَقْفَهْسِي (المتوفى 808 هـ)، وفي نسخ أُخرى إلى الزَّين زكريَّا بن محمَّد بن أحمد الأنصاري (المتوفى 926 هـ)، وممَّا يرجِّحُ أنَّه للأوَّل: أنَّ الشَّمس السَّخاوي نصَّ أثناء ترجمته له في (الضوء اللامع) (2/ 48) أنَّه شَرَحَ الأربعين، وأنَّ العبارة التي خُتمت بها النُّسخة أدناه المنسوبة للأوَّل-وجُلّ النُّسخ الخطِّيَّة المنسوبة للإمام النَّووي-: ( وهذا آخر ما يسَّره الله الكريم على سبيل الاختصار ) ا.هـ هي ذات العبارة التي اعتاد الشِّهاب الأَقْفَهْسِي أن يختم بها عددًا من مصنَّفاته، فقال في (القول التَّمام في آداب دخول الحمَّام) ما نصُّه: ( وهذا آخر ما يسَّره الله الكريم من القول التَّمام في آداب دخول الحمَّام ) ا.هـ، وقال في ( شرح المشكل من ألفاظ نظم الاقتصاد ) ما نصُّه: ( وهذا آخر ما يسَّره الله عزَّ وجلَّ من شرح المشكل على سبيل الاختصار) ا.هـ، وقال في (القول التَّام فيما على المأموم والإمام ) ما نصُّه: ( وهذا آخر ما يسَّره الله الكريم من القول التَّام فيما على المأموم والإمام ) ا.هـ، وقال في ( تسهيل المقاصد لزوَّار المساجد ) ما نصُّه: ( وهذا آخر ما يسَّره الله الكريم من تسهيل المقاصد لزوَّار المساجد ) ا.هـ، وهذا لا يدع مجالًا للشَّكِّ أنَّه له. منثور الدرر من كلام خير البشر، للأقفهسي، مكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود (8837 خ) [1/ أ، 45/ ب] *** ويظهر ممَّا سبق أنَّ شرح الأربعين لا تصحُّ نسبته إلى الإمام النَّووي، والصَّواب أنَّه للشِّهاب الأَقْفَهْسِي. هذا والله تعالى أعلم. وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. [1] أفادني بهذه الفائدة النَّفيسة أخي فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد يوسف الجوراني، جزاه الله تعالى خير الجزاء، وقال: (هذا النَّصُّ وغيره ساقطٌ من مطبوع «شرح الأربعين النووية» ط دار الغرب، وهو مثبتٌ في النُّسخ الخطية: نسخة بلدية الإسكندرية (و 70/ أ)، ونسخة مكتبة مراد ملا ـ اصطنبول (و 130/ ب)، والعمل على تحقيقه تحقيقًا علميًّا كاملًا قارب الثُّلث، فنسأل الله الإعانة والتَّوفيق والسَّداد) ا.هـ. [2] حقَّق ذلك أخي فضيلة الشَّيخ د. محمَّد الجوراني في مقدِّمة تحقيقه لكتاب (الإملاء) (ص 33-36)، فأجاد وأفاد، ثمَّ زاد ذلك تحريرًا وحسمًا. [3] سألني عن ذلك فضيلة الشَّيخ قصي عبد الله، وذلك مِن حسن ظنِّه بالعبد الفقير، فكان هذا البحث المتواضع. [4] جاء في (الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط-الحديث وعلومه) (2/ 954) أن هناك نسختان خطِّيَّتان للشرح المنسوب للإمام النَّووي نُسختا في أوائل القرن التَّاسع الهجري: نسخة مكتبة البلدية بالإسكندرية رقم (2101 د) سنة 810 هـ، ونسخة مكتبة تشستربيتي رقم (4842) سنة 820 هـ. قلتُ: ليس الأمر كذلك، بل الصَّحيح أنَّ نسخة البلدية فُرغ من نسخها نهار السَّبت 8 من شهر شوال سنة 1020 هـ بالجامع الأزهر، وهو المطابق لليوم والتَّاريخ والشَّهر من السَّنة، وأمَّا التَّاريخ الآخر الوارد فيها فهو مقحم أو مزوَّر، وفي صفحة عنوانها ما نصُّه: (شرح الأربعين النووية للمؤلِّف، وقيل: لشيخ الإسلام زكريا) وهذا تردُّد في النِّسبة، وأمَّا نسخة تشستربيتي فهو شرْحٌ مختلف تمامًا، سطَّرَهُ وكَتَبَهُ: علي بن فاضل بن أبو بكر، وذَكَرَ في المقدّمة أنَّه مختصرٌ في شرح الأربعين للنَّووي، وصرَّح بالنَّقل عنه وعن تلميذه الشِّهاب ابن فرح الإشبيلي، والله أعلم. [5] قال الإسنوي في (المهمَّات) (1/ 98-99) -بعد قوله: (ويُنسب إليه تصنيفان لَيسا له)-: (والثَّاني: "أغاليط على الوسيط" مشتملة على خمسين موضعًا، بعضها فقهيَّة وبعضها حديثيَّة، وممَّن نسب هذا إليه: ابن الرِّفعة في "شرح الوسيط"، فاحذره، فإنَّه لبعض الحمويِّين) ا.هـ، وقال ابن الملقِّن في (عمدة المحتاج) (1/ 232): (و"مشكلات الوسيط": والظَّاهر أنَّها ليست له، وإن عزاها إليه صاحب "المطلب"، وغيره) ا.هـ، وعلَّق على كلامه السَّخاويُّ في (المنهل العذب الرَّوي) (ص 82)، فقال: (يعني: كالكمال الأدفوي، فإنَّه سمَّاه في "البدر السَّافر" من تصانيفه مع: "إشكالات على المهذَّب"، وقال: إنَّهما لم يكملا) ا.هـ [6] قال في (عمدة المحتاج) (1/ 232) -بعد جزمه في "النِّهاية" أنَّه ليس له-: (وكذا "مختصر مسلم"، وكأنَّ مصنِّفه أخذ تراجمه من "شرح صحيح مسلم" له، وركَّب عليها متونه، وعزاه إليه) ا.هـ |
الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي تحقيق محمد مطيع الحافظ | محمود ثروت أبو الفضل | 22-02-2022 | 6,303 | https://www.alukah.net//culture/0/153073/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b4%d8%a8%d8%a7%d9%87-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b8%d8%a7%d8%a6%d8%b1-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%ac%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d9%85%d8%b7%d9%8a%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8/ | الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي تحقيق محمد مطيع الحافظ صدر حديثًا كتاب "الأشباه والنظائر" لابن نجيم الحنفي (ت 970 هـ)، وبحاشيته "نزهة النواظر على الأشباه والنواظر"، لابن عابدين الحنفي (ت 1262 هـ)، تحقيق: د. "محمد مطيع الحافظ"، نشر: "دار الفكر للنشر والتوزيع"- دمشق. وكتاب "الأشباه والنظائر" في الفقه الحنفي هو ثمرة للنضج العلمي الذي تم على يد ابن نجيم في المذهب الحنفي، حيث كان الإمام أبو طاهر الدباس والإمام الكرخي قد بدآ التأليف في القواعد الفقهية، لكن ابن نجيم توج عملهما بما فعله في هذا الكتاب، الذي عم نفعه بين العلماء وأرباب الفقه، وأكبوا عليه درسًا وشرحًا وترتيبًا، وأكثروا من وضع الحواشي والتعليقات عليه، وصار كتابه عمدة الحنفية ومرجعهم في فروع الحنفية. وذكر "ابن نجيم" في مقدمته لهذا الكتاب سبب تأليفه من كثرة تآليف الحنفية ما بين مختصر ومطول من متون وشروح وفتاوى، إلا أنه لم ير كتابًا يحكي كتاب "الأشباه والنظائر" للشيخ تاج الدين بن السبكي الشافعي مشتملًا على فنون في الفقه، ونجد أن ابن نجيم رحمه الله لما وصل في شرح "الكنز" إلى تبييض باب البيع الفاسد ألف مختصرًا في الضوابط والاستثناءات منها سماها "الفوائد الزينية في فقه الحنفية" وصل إلى خمسمائة ضابط، فألهم أن يضع كتابًا على النمط السابق مشتملًا على سبعة فنون هي مادة هذا الكتاب: 1- معرفة القواعد. 2- فن الضوابط. 3- فن الجمع والفرق. 4- فن الألغاز. 5- فن الحيل. 6- الأشباه والنظائر وهو فن الأحكام. 7- فن الحكايات. وقد وضع حاشية على هذا الكتاب تبين غوامض عباراته وتفكك مفرداته محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز المعروف بابن عابدين المتوفى سنة 1252 هـ، وقد جمعها تلميذه العلامة محمد بن حسن البيطار المتوفى سنة 1312 هـ، وفي هذا الشرح يعمد إلى نقل أقوال من سبقوه من علماء الحنفية، وقد يتوقف في بعض الأحيان لبعض المسائل فيقول: هذا ما ظهر لنا. وقد قام المحقق بإحالة كل مسألة من شرح ابن عابدين على الكتاب إلى أصلها في "الأشباه والنظائر" وذلك بوضع رقم يصل بين المتن والشرح، مع وضع كتاب ابن عابدين في الحاشية، والتعليق بما يلزم لشرح عبارات الإمامين. وُلِد العلّامة، والإمام، والفقيه زين الدين بن إبراهيم بن محمد، والذي يُكنى بابن نجيم الحنفيّ في مدينة القاهرة في عام 926 هجريّة، وتعلَّم الفقه، وأصول الدين إلى أن أصبح قُدوة الفُقَهاء الأجلّاء، وإمامًا عالِمًا بأمور الدين، وعامِلًا بها، وقد كان محظوظًا - بكَرم الله - أن آتاه أخلاق الأولياء، والصالحين، فلم يتوقَّف عن طلب العِلم، وتدريسه إلى أن تُوفِّي، وقد قال ابنه إنّه تُوفِّي سنة 970هـ، بينما أورد الكثيرون إنّه تُوفِّي في يوم الأربعاء الموافق الثامن من شهر رجب من عام 969 هجريّة. تتلمذَ على يد كبار شيوخه، وعُلمائه، أمثال: الشيخ قاسم بن قطلوبغا، والشيخ أمين الدين الحنفيّ، والشيخ شهاب الدين الشلبيّ، والشيخ شرف الدين البلقينيّ، وغيرهم. وتجدر الإشارة إلى أنّ ابن نجيم تمكَّن من إتقان مسائل المذهب الحنفيّ، وأصوله؛ فأخذ الإجازة من شيوخه في الإفتاء، والتدريس، وبدأ بإعطاء الدروس للتلاميذ، وطُلّاب العِلم، ومنهم: أخوه سراج الدين، وسبط ابن أبي شريف المقدسيّ (محمد العلميّ)، ومحمد الغزى على الرغم من قلّة تلاميذه؛ نظرًا لأنّه كان مُنشغِلًا بالتأليف، كما أنّ وفاته في سِنٍّ مُبكِّرة تسببت في قلّة تلاميذه. وضع الإمام، والعلّامة ابن نجيم قبل وفاته عددًا كبيرًا من المُؤلَّفات، وفيما يلي ذِكر لأهمّها: • "البحر الرائق شرح كنز الدقائق": شرح فيه كتاب "كنز الدقائق" للإمام حافظ الدين النسفي في الفقه الحنفي ووصل في شرحه إلى آخر كتاب الإجارة ثم توفي قبل أن يتمه فأتمه الشيخ عبد القادر بن عثمان القاهري الشهير بالطوري (ت: 1030 هـ) والذي كان مفتي الحنفية بمصر، وقد اعتنى العلماء بشرحه عناية كبيرة وهو من المراجع الهامة عند متأخري الحنفية، وقد كتب عليه الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين حواش أسماها "منحة الخالق على البحر الرائق"، وقد طبع الكتاب مع حواش ابن عابدين بالمطبعة العلمية بالقاهرة سنة 1311هـ في ثمان مجلدات، ثم طبع بعدها بالمطبعة الميمنية سنة 1323هـ في ثمان مجلدات أيضًا. • "الرسائل الزينبيّة في فِقه الحنفيّة". • "فتح الغفّار في شرح المنار". • "لبّ الأصول في تحرير الأصول". • "التحفة المرضية في الأراضي المصريّة". • "الفوائد الزينبيّة الملتقط من فرائد الحسينيّة". • "الفتاوى الزينيّة". • "الخير الباقي في جواز الوضوء من الفساقي". • "القول النقيّ في الردّ على المفتري الشقيّ". • "تعليق الأنوار على أصول المنار". • "المسألة الخاصّة في الوكالة العامّة". • "تحرير المقال في مسألة الاستبدال". |
الرؤيا الصادقة | د. محمد منير الجنباز | 21-02-2022 | 4,332 | https://www.alukah.net//culture/0/153039/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d8%af%d9%82%d8%a9/ | الرؤيا الصادقة لقد بدأَتْ علامات قرب التكليف بالنبوة تقترب وتظهر بوضوح أكثر، كل ذلك لأجل إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر؛ كيلا تأتيه النبوة فجأة، فكانت الدلالات تشير إلى اقتراب موعد التكليف، فما كان يراه في الحُلُم يتحقق كأنما كان يراه رؤيا العين، وهذا ما سُمِّي بالرؤيا الصادقة؛ فقد حدثت عائشة رضي الله عنها: "أن أولَ ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم - من النبوة - الرؤيا الصادقة، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه إلا جاءت كفَلَق الصبح، قالت: وحُبِّب إليه الخَلوة، فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده، وكان من العلامات الأولى تسليم الحجر والشجر عليه حين يكون بعيدًا عن البيوت والناس، فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله، فيلتفت فلا يرى إلا الشجر والحجارة، ومكث على هذا فترة إلى أن أتاه التكليف بالنبوة"، ويروي عامر بن ربيعة أن زيد بن عمرو بن نفيل قال: إنا لننتظر نبيًّا من ولد إسماعيل، ثم من بني عبدالمطلب، ولا أراني أدركه وأنا أؤمن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، فإن طالت بك حياة ورأيته فأقرئه مني السلام، وسأخبرك ما نعته حتى لا يخفى عليك، قلت: هلم، قال: هو رجل ليس بالطويل ولا بالقصير، ولا بكثير الشعر ولا بقليله، ولا تفارق عينه حمرة، وخاتم النبوة بين كتفيه، واسمه أحمد، وهذا البلد مولده ومبعثه، ثم يُخرجه قومه ويكرهون ما جاء به، ويهاجر إلى يثرب، فيظهر بها أمره، فإياك أن تنخدع عنه؛ فإني طفت البلاد كلها أطلب دين إبراهيم، فكل من أسأله من اليهود والنصارى والمجوس يقول: هذا الدين وراءك، وينعتونه مثل ما نعتُّه لك، ويقولون: لم يبقَ نبي غيره، قال عامر: فلما أسلمتُ أخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم قول زيد وأقرأته السلام، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترحم عليه، وقال: (( قد رأيته في الجنة يسحب ذيولًا ))". |
تذكير العلماء بسيرة سلطان العلماء | محمد علي الخلاقي | 20-02-2022 | 3,532 | https://www.alukah.net//culture/0/153024/%d8%aa%d8%b0%d9%83%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a8%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1/ | تذكير العلماء بسيرة سلطان العلماء في زمن الفتن، وكثرة المغريات والانغماس في الملذات، يحتاج الواحد إلى من يذكره بالله ويوصيه بالتقوى فهي السبيل الوحيد للنجاة والبعد عن الخسران، قال تعالى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3]، وأعظم من يثبت الدين في قلوب الناس بعد الأنبياء هم العلماء؛ فهم ورثة الأنبياء، وحماة الشريعة، والقائمون على أمر الله، يفندون عنه الشبهات، وينفون عن كتاب الله تعالى تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وأعظم مصيبة تحل بالأمة هي فساد العلماء وسكوتهم عن بيان الحق للناس، وهم من يجب عليهم أن يبينوا للناس دينهم ويحفظوا عليهم إيمانهم قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران: 187]. وسكوت العلماء عن الحقِّ مصيبة عظيمة؛ لأنهم بصنيعهم هذا سقطت منزلتهم في نظر العامة، وقلت كرامتهم بين الناس، وانتكس كثير من الناس ممن كان يرى فيهم القدوة والأسوة التي يقتدى بها، فمن يصلح فساد العلماء إن هم فسدوا… يا علماء الدين يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد وعليه نقول: إن العلماء هم ورثة الأنبياء يذبون عن الدين ما يشوبه ويمنعون عنه ما يعكر صفوه، ويقفون بالمرصاد لمن أراد تغييره أو تحريف تعاليمه، فإن هم سكتوا فشا الباطل وانتشر المنكر وأصبح الإسلام غريبًا بسبب ضعف حامليه وتخاذل متبعيه، وتصدر لهذه المهمة أناس جهله لا يعرفون حقيقة الدين وليسوا من الراسخين في العلم فيفتون الناس، فيضلون بفعلهم هذا ويلبسون على الناس دينهم، فلا تسأل بعدها عن الفتن التي تظهر، والمصائب التي تحل بالأمة. وقد سطر لنا التاريخ مواقف علماء كتبت بحروف من ذهب، وخلدت سيرتهم بين الناس حيث وقفوا في وجه الباطل وقفة الجبال الراسية التي لا تهتز ولا تميل، ولم يساوموا على دينهم وعقيدتهم، حتى عذبوا وقتلوا وسحلوا في الطرقات والأزقة، وما سيرة الإمام أحمد في محنة خلق القرآن التي دعا لها المعتصم عنا ببعيد، وصاحبه العالم الجليل محمد بن نوح الذي لا يعرفه إلا القليل منا والذي مات شهيدًا في هذه الفتنه من التعذيب، وسيرة الإمام ابن تيمية وجهاده ضد المبتدعة والفرق الضالة حتي حبس ونفى من بلده ومات في سجنه، والكثير من علماء الأمة الذين أدوا العهد والميثاق الذي أخذه الله عليهم في بيان العلم والجهر بالحق ولو كلف ذلك حياتهم، ولكني سأقف على جبل من الجبال، وعلم من الأعلام الكبار، الذي سطرت لنا سيرته، ونقلت إلينا مواقفة في وجه الظالمين الذين أشاعوا المنكرات، حتى لقب بسلطان العلماء، إنه العز بن عبدالسلام رحمه الله، الذي له من اسمه نصيب في عز دين الله من أن يهان أو يهمش، وسوف أذكر طرفًا من سيرته، ومقتطفات من حياته لنذكر بها العلماء اليوم بسلفهم السابق، وليتذكروا قول النبي عليه الصلاة والسلام: « لا يحقرنَّ أحدكم نفسه، أن يرى أمر الله عليه فيه مقال ثم لا يقوله فيقول الله: ما منعك أن تقول فيه فيقول: رب خشيت الناس فيقول: وأنا أحق أن يخشى »، فهذه المواقف تبين قيمة العلماء وفيها يتمايز الفضلاء، ومن هذه المواقف التي تذكر عن العز بن عبدالسلام سلطان العلماء.. الموقف الأول: عندما طلبوا منه أن يقبل يد الحاكم ويطلب منه العفو والصفح، فقال العز بن عبدالسلام قولته المشهورة: "والله ما أرضاه أن يقبّل يدي، فضلًا عن أن أقبّل يده، يا قوم أنتم في واد، وأنا في واد، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به". وهذه المقولة قالها عندما وقف في وجه السلطان الصالح حاكم دمشق عندما حالف النصارى وأعطاهم أراضي كثيرة من الشام بشرط أن يقفوا معه ضد أخية نجم الدين أيوب حاكم مصر، فما كان من العز بن عبدالسلام إلا أن وقف في وجهه وأنكر عليه صنيعه عندما كان خطيبًا في الجامع الأموي في دمشق، فتعرض للمضايقات لكي يرجع عن موقفه ويميل في رأيه إلى السلطان الصالح أيوب ويغض طرفه عن تعاونه مع النصارى فأرسل إليه رسول ليستميله إلى السلطان ويعطيه من الأعطيات الكثيرة، بشرط أن يقبّل يد السلطان ويظهر له الاحترام، فقال له تلك المقولة، فاضطروا إلى اعتقاله، وبعدها خرج من الشام إلى مصر واستقبله حاكمها نجم الدين أيوب وأهلها استقبال الملوك. الموقف الثاني: عندما نزل مصر ولاه حاكمها نجم الدين أيوب القضاء، وكان نجم الدين شخصًا مهابًا لا يجرؤ أحدٌ على الحديث بين يديه، وكان إذا غضب على شخص أودعه السجن فنسيه فلا يقدر أحد على إخراجه، وفي يوم من الأيام خرج بزينته والجنود يحيطون به، وهو يمشي مشية الخيلاء مزهوا بمنصبه، والعيون ترقبه والناس تهابه، إذ ناده صوت من جانب يا أيوب - هكذا باسمه مجردًا - بلا ألقاب أو كنى، فنظر فإذا هو العز بن عبدالسلام فقال: يا أيوب، ما حُجّتك عند الله إذا قال لك: ألم أُبَوِّئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى ذلك؟ فقال: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات! فقال: يا شيخنا هذا من أيام أبي. فقال الشيخ: أنت من الذين يقولون: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 22]؟! فأمر بإغلاق تلك الحانة وشرع تشريعًا بمنع بيع الخمور في بلده. هكذا كان العز بن عبدالسلام لا يخشى إلا الله تعالى ولا يخاف إلا من خالقه سبحانه، وحدث بعد ذلك أن سأله تلميذ له ألم تخف السلطان وأنت تناديه باسمه مجردًا فقال: استحضرتُ هيبة الله تعالى فصار السلطان أمامي كالقطّ!. وقال أيضا انه أراد أن يقلل من هيبته وزهوه بنفسه ويكسر تلك النفس المتعالية فناداه باسمه فقط. فأين نحن اليوم من علماء يُلبسون البشر صفات الجلال والكمال، وينزلونهم منزله لا يضاهيها أحد من الناس، ويصفونهم بصفات السمو والعظمة، والجلالة، والفخامة... الموقف الثالث: عندما نزل العز بن عبدالسلام مصر استقبله أهلها، وولاة السلطان نجم الدين أيوب الخطابة في مسجد عمرو بن العاص رضي الله عنه، وولاة منصب القضاء، فلاحظ انتشار أمر لا يجوز في الشريعة وهو أن المماليك الذين اشتراهم الملك نجم الدين من أموال الدولة لخدمته ولخدمة الجنود وتسيير أمور الدولة، تخرج عقود البيع والشراء موقعة بأسمائهم، ويأمرون وينهون وكأنهم ملوك، فأفتى بإبطال تلك العقود التي تبرم بأسمائهم، لأنهم عبيد لا يجوز لهم التصرف في الأمور العامة، وإنما يجب إصلاح أوضاعهم أولًا بأن يباعوا في السوق وتدخل أموالهم في خزينة الدولة ثم يعتقون وبالتالي تصح تصرفاتهم في البيع والشراء والعقود وغيرها، وهذه الفتوى أغضبتهم فشكوا الأمر للملك نجم الدين فغضب من صنيع العز بن عبدالسلام، فلم علم العز بن عبدالسلام ذلك عزل نفسه، وحمل امتعته يريد الخروج من مصر التي لا يحكم فيها بشرع الله، ولحقه جمع غفير من العلماء والعامة وتلاميذه، فوصل خبره إلى الملك نجم الدين فخرج وراءه وطلب منه الرجوع وتنفيذ ذلك الحكم فيهم، فبيعوا جميعًا وأدخلت أموالهم إلى بيت مال المسلمين ثم عتقوا بعد ذلك، ومن هذه الحادثة سمي العز بن عبد السلام ( بائع الأمراء ). الموقف الرابع: رفضه جمع المال من الفقراء ( زيادة الضرائب ) في زمن غزو التتار لبلاد المسلمين... فعندما استباح التتار بلاد المسلمين، وسفكوا الدماء ونهبوا الأرض، وعاثوا في الأرض فسادًا بلا رحمة أو شفقة، وتهاوت حصون الإسلام في أيديهم واحدة تلو الأخرى، حتى سقطت عاصمة الخلافة العباسية ومدينة العالم وقتل الخليفة، استمر التتار في اكتساح الأرض وسفك الدم حتى سقطت بلاد الشام، فيمموا وجوههم تجاه مصر يريدون الاستيلاء عليها، وتدميرها، وكان على رأسها في ذلك الوقت الحاكم قطز والعز بن عبدالسلام يومئذ قاضي القضاة، وكانت الدولة تمر بظروف اقتصادية صعبة، فاستفتى قطز العز بن عبدالسلام في فرض ضرائب علي الشعب لتجهيز الجيش ورد الهجوم التتاري المرتقب فوافق العز على ذلك ولكن بشرطين اثنين كل شرط أعظم من سابقة فقال: «إذا طرق العدو البلاد وجب على العالم كلهم قتالهم ( أي العالم الإسلامي )، وجاز أن يؤخذ من الرعية ما يستعان به على جهازهم ( أي فوق الزكاة ) بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء» وهذا شرطه الأول.. أما شرطة الثاني وهو يخاطب الحاكم والوزراء والحاشية وأمراء الجند فقال: «وأن تبيعوا مالكم من الممتلكات والآلات ( أي يبيع الحكام والأمراء والوزراء ما يمتلكون )، ويقتصر كل منكم على فرسه وسلاحه، وتتساووا في ذلك أنتم والعامة، وأما أخذ أموال العامة مع بقاء ما في أيدي قادة الجند من الأموال والآلات الفاخرة، فلا!». فأذعن الحاكم قطز لهذه الفتوى الجريئة وباع جميع ما يملك، وفعل بوزرائه وأمراء جيشة، فتم تجهيز الجيش ولم تمس أموال الفقراء المعوزين، وبالتالي لم تفرض الضرائب لأن ما كان بأيدي هؤلاء من الأموال يساوي أموال الشعب كلها - وهكذا يكون العالم الرباني مدافعًا عن الحق واقفًا في وجه هؤلاء الذين اغتصبوا حقوق الفقراء واكلوا أموالهم، بينما الناس لا يجدون ما يسد جوعهم أو يكفي حاجتهم. الموقف الخامس: بعد وفاة نجم الدين أيوب حاكم مصر، تولت بعده الحكم زوجته شجر الدر، وكانت تختم الرسائل والمكاتب بختم نجم الدين، خشية من تداعي الجيش بسماع موت قائده في حربه مع الفرنسيين، فقام شيخ الإسلام العز بن عبدالسلام وبين رفضه بأن تحكم شجر الدر بعد وفاة الملك نجكم الدين، وأن هذا من الولايات العامة التي لا يجوز أن تتولاها امرأة، فنزلت على فتواه وتزوجت عز الدين أيبك الذي تولى السلطة في وقتها. هذه بعض المواقف التي سطرت لسلطان العلماء وشيخ الإسلام العز بن عبدالسلام في زمن ظهرت فيه الفتن، وانتشرت فيه المنكرات، فكان السد المنيع الذي وقف في وجهها، يبين الحق، ويصدح بالأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ولا يخاف في الله لومة لائم مستشعرًا قول النبي عليه الصلاة والسلام:( أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر… ) فهنيئا لكل عالم صدع بالحق وناصره. |
الفتوحات التقنية المعلوماتية | د. زيد بن محمد الرماني | 20-02-2022 | 4,022 | https://www.alukah.net//culture/0/153021/%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%aa%d9%88%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa%d9%8a%d8%a9/ | الفتوحات التقنية المعلوماتية في عالم اليوم، يضطر العديدون أن يسلّموا بأن الفتوحات التقنية الجديدة المهمة قد غيّرت مؤقتًا ميزان القوى العسكرية والاقتصادية، وحتى بقاء كوكبنا نفسه أصبح موضوع بحث. ومع ذلك فالعديدون منا يفترضون أنه مهما غيّرت التقنية الوسائل التي تمارس الأمم بموجبها مصالحها السياسية الجغرافية، فإن تلك المصالح نفسها تظلّ على حالها. على أن هذا الرأي لا يصدق دائمًا. إن التطورات المضافة في العلم والتقنية التي غالبًا ما نلخصّها بعبارة "ثورة المعلومات" غيّرت شكل واتجاه الأحداث الوطنية والدولية بطرق أساسية؛ فنحن نشهد ثورة في العلاقات بين الدول ذات السيادة وفي العلاقات بين الحكومة والمواطنين وبين هؤلاء المواطنين وأقوى المؤسسات الخاصة في المجتمع. إن ثورة المعلومات تشكّل تهديدًا عميقًا لبُنى القوى في العالم، ولسبب وجيه. فطبيعة الدولة وسلطاتها ذات السيادة تتغير بل تتعرض للخطر بطرق أساسية، كما أن خريطة العالم السياسية الجغرافية يعاد رسمها. فعناصر توازن القوى التي سيطرت في الأربعين سنة الماضية قد أصابها الخلل بصورة دائمة، كما أن مؤسسات أخرى في عالمنا، وعلى رأسها شركات الأعمال، تواجه تحديات، بنفس القوة، لأسلوب عملها وستخضع لتغييرات عميقة مؤثرة. ولا تزال ثورة المعلومات، رغم كونها أكثر الثورات ذكرًا في التاريخ، تُفهم فهمًا قليلاً. فالكثير من التجديدات التي أعلن عنها بأعلى الأصوات، لم يتحقق حتى الآن: المجتمع بلا شيكات، والمكتب بلا أوراق، والجرائد التي تصل عبر تلفزيون الكوابل، وطائرة حوّامة (هليكوبتر) في فناء خلفي لكل بيت. يقول ولتر رستون في كتابه: " أفول السيادة" : يُنظر إلى ثورة المعلومات عادة على أنها مجموعة تغييرات تحدثها تقنية المعلومات. وأهم تغييرين اثنين منها: تقنية الاتصالات الجديدة لبث المعلومات وأجهزة الحاسوب لمعالجتها. فالمعرفة في واقع الأمر تعني الإطلاع على الوقائع والحقائق، أو المباديء عن طريق الدراسة أو البحث. كذا بالإمكان اعتبار المعرفة تعبيرًا منطقيًا لما نطبقه على العمل في إنتاج الثروة، فالمعرفة هي المصدر النهائي لقيمة في عمل. إن أرنبًا يركض طليقًا في حقل ليس ثروة. بل يُصبح ثروة نتيجة لمعلومات تطبق على عمل صيّاد: معلومات عن مكان الطريدة، وكيفية مطاردتها، وكيفية رمي حربة أو إطلاق سهم وطريقة صنع السهم أو القوس أو الحربة. إن ما سبق من المعلومات إذا أخذت وطُبقت على عمل الصياد، تنتج قيمة، أي غذاء للصياد ولعائلته أو للمجتمع كله. وتجدر الإشارة إلى أن لدى الاقتصاديين اسم للعمل الذي يقوم به الصيّاد لتحويل الأرنب إلى شواء: القيمة المضافة، وحتى في العصور القديمة، كان قسم كبير من تلك القيمة المضافة عملاً فكريًا: معرفة الصياد ومهارته، ومع ذلك، كان معظم القيمة المضافة - ماديًّا - أيامًا طويلة في الحقل لمطاردة الأرنب، وجهودًا شاقة طويلة الأمد في تشكيل حربة أو قوس، وشحذ سهم أو رأس حربة. وبالطبع، كان الأرنب يوفّر القيمة الأصلية للصفقة. إن التقدم الاقتصادي، بصورة كبيرة، هو عملية زيادة المساهمة النسبية للمعرفة في إيجاد ثورة؛ فقيمة سنبلة من حبوب برّية يحصدها صيادون كانت مادية بشكل تام تقريبًا، هبة من الخالق سبحانه، وبمجيء الثروة الزراعية، تصبح سنبلة من القمح المهجّن مزروعة في حقول مسيّجة وخاضعة لدورات زراعية ومسمّدة ومروّية بعناية، تصبح إلى حد كبير جدًا إنتاجًا مستمدًا من العقل، كما أن الثروة الصناعية طوّرت العملية أكثر عندما زاد الناس من قدرتهم على معالجة المادة وتشكيلها طبقًا لاحتياجاتهم. وفي زماننا هذا، ازدادت أهمية مكونات المعرفة لكل التقنيات زيادة واسعة، وكما أشار جورج جلدر فإن تقنية عصر المعلومات والشريحة الدقيقة ومكونات كل الاتصالات العصرية الأساسية وتقنية الحاسوب تتألف تقريبًا بالكامل من معلومات. إن لتقنيات المعلومات التي وفرتها الشريحة تأثيرًا عميقًا على معدّل التقدم في معظم العلوم. إذ أن الحسابات التي كانت تستغرق سنوات، يمكن القيام بها في دقائق. والمعرفة العلمية تتضاعف حاليًا كل خمسة عشر عامًا تقريبًا. وهذه الزيادة الكبيرة في المعرفة تجلب معها زيادة ضخمة في مقدرتنا على معالجة المادة بزيادة قيمتها بقوة العقل. إن عالم العمل ودراما الإنتاج الاقتصادي والأساس الجوهري لوجودنا المادي الذي تسيّطر عليه منذ عدة قرون قوى الصناعة العمياء، أصبحت تسيطر عليها الآن تقنيات وعمليات تتألف من العقل أكثر مما تتكون من المادة، وهذه التقنية والعمليات أسرع وأكثر تحركًا، وأقل اعتمادًا على موارد طبيعية أو أجهزة مادية أو عمل بشري مما كانت عليه في الماضي القريب. نحن الآن وسط ثورة تقنية واقتصادية هائلة ومع ذلك، فنحن معتادون على استعمال المقاييس الاقتصادية والاجتماعية التي طوّرت العالم نحو العالم الصناعي والعصر المتقدم الحديث، حتى إننا قلما نتوقف لنفكر بأن المقاييس القديمة للتقدم والانحلال والنجاح والفشل آخذة في فقدان فائدتها، فالكثير من الهستيريا الاقتصادية أصبحت خلفية متواصلة لمناقشات مقاييسنا الاقتصادية. ويبدو أن الفائدة المتناقصة لهذه المقاييس هي أحد الأسباب التي جعلت العديد من اقتصاديينا الجيّدين جدًا مخطئين بشأن اتجاهات الاقتصاد المستقبلية. إن اقتصاد المعلومات هو اقتصاد عالميّ بصورة لا يمكن التحكم به، ويعود هذا جزئيًا إلى أن التجارة بالمعلومات التي تقيّدها الجغرافيا أو تثقلها المادة قليلاً هي عالمية. واقتصاد عالميّ حقيقيّ جديد، على عكس اقتصاد الماضي القريب، متعددّ الجنسيات، يتطلب تنازلات من السلطة الوطنية. اقتصاد كهذا، لا يمكن احتواءه حقًا أو السيطرة عليه باستراتيجيات تجارية أو وقائية. لقد حولتنا التقنية إلى مجتمع "عالمي" بالمعنى الحرفي للكلمة. وسواء كنا مستعدين لذلك أم لا، فإن لدى الجنس البشري الآن سوقًا ماليًا ومعلوماتية دولية متكاملة قادرة على تحويل الأموال والأفكار إلى أي مكان على هذا الكوكب خلال دقائق. فرأس المال سيذهب إلى حيث توجد حاجة إليه، ويبقى حيث يُعامل جيدًا. كما أن تدفق المعلومات لن يختفي، بل سيزداد. فسلسلة جديدة من الابتكارات في أجهزة البث التليفزيوني تحوّل العالم كله إلى سَبْق صحفي محلي، فقد أصبحت أخبار التليفزيون طريق معلومات ذات كفاءة عالية، حتى إنّ التليفزيون تطوّر ليصبح قوة في الشؤون الدولية وسلاحًا في الدبلوماسية. ورغم ما كُتب وقيل عن ثورة المعلومات، إلا أن العديد من الناس لم يواجهوا حتى الآن كيف غيّرت هذه الثورة الاقتصاد. فـي الوقت الذي يدركون فيه أن أجهزة الحاسوب والاتصالات السلكية واللاسلكية قد أصبحت قوى اقتصادية فعّالة. إن العالم يتغير، ليس لأن مشغلي أجهزة الحاسوب حلّوا محل الكتبة الطابعين وأصبح بإمكانهم إنتاج عمل أكثر في وقت أقل، بل لأن الكفاح البشري للبقاء والازدهار يعتمد الآن على مصدر ثروة جديد كليًا، ألا وهو المعلومات. إذن الفرق بين الاقتصاد الصناعي القديم واقتصاد المعلومات الجديد هو فرق كمي، وليس مجرد فرق نوعي. ومن ثم، فإن تقنيات المعلومات قد أوجدت اقتصادًا جديدًا بصورة كلية، اقتصاد معلومات يختلف عن الاقتصاد الصناعي، بنفس درجة اختلاف الاقتصاد الصناعي عن الاقتصاد الزراعي. وعندما يتغير مصدر ثروة الأمم تتغير سياساتها كذلك. لقد غيرت الثورة الصناعية مصدر الثروة، فحوّلت أكوام الصخر والمواد الخام إلى ثروات من الفولاذ والبخار. وحتى عندما أعطت قيمة لموارد طبيعية كانت في السابق مهملة، زاد التصنيع بدرجة درامية قوة الدولة الوطنية، ليس فقط بزيادة إيراداتها، بل بتوسيع سلطتها التنظيمية والأسلحة اللازمة للسيطرة على هذه الموارد والمناطق التي تضمها أيضًا. ختامًا أقول : إن العالم بحاجة ماسة إلى نموذج من اقتصاد معلوماتي ستخطّط أشكاله ووظائفه، فقد أصبحت الآن القواعد والعادات والمهارات والمواهب اللازمة لكشف وتصيّد وإنتاج وحفظ واستغلال معلومات، أهم قواعد وعادات ومهارات ومواهب الجنس البشري... |
الأربعون المنتخبة من أحاديث توحيد ابن خزيمة المستعذبة للشيخ عبد الله السعد | محمود ثروت أبو الفضل | 19-02-2022 | 2,514 | https://www.alukah.net//culture/0/152975/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%aa%d8%ae%d8%a8%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%aa%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%ae%d8%b2%d9%8a%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%b9%d8%b0%d8%a8%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%af/ | الأربعون المنتخبة من أحاديث توحيد ابن خزيمة المستعذبة للشيخ عبد الله السعد صدر حديثًا كتاب: "الأربعون المنتخبة من أحاديث توحيد ابن خزيمة المستعذبة"، تأليف: الشيخ "عبد الله بن عبد الرحمن السعد"، انتَخبهَا وانتقاها تلميذه: "أحمد بن عبد الرزاق آل إبراهيم العنقري"، نشر: "دار أطلس الخضراء للنشر والتوزيع"، بالمملكة العربية السعودية. وأصل الكتاب مجموعة من الدروس العلمية في شرح "كتاب التوحيد" للإمام أبي بكر محمد بن إسحاق ابن خزيمة، انتخب منها جامع الكتاب أربعين حديثًا في شرحه لأحاديث الكتاب، والتي عليها مدار الكتاب، وأصول العقيدة، مع تلخيص شرح الشيخ "عبد الله السعد" على كل حديث، وجعلها كفوائد ملحقة بعد كل حديث. وقد اشتملت هذه الأربعون على غالب أصول أبواب الاعتقاد تقريبًا، وقام جامع تلك الأحاديث بذكر أحكام الشيخ "عبدالله السعد" عليها عن رجاله دون توسع، مع ترجمة الباب حسب دلالة الحديث، وبيان موضع الشاهد من الحديث في كل باب، مع بيان مقصود ترجمة الباب، وإيراد الشرح والفوائد لكل حديث مع إبراز تعليقات الشيخ "عبد الله السعد" وما يتعلق بالحديث من فوائد عامة مستقاة من كتب العلماء الأعلام، وقد تم التوسع في ذكر الأدلة والأقوال في بعض الأبواب؛ لأهمية الباب وقوة النزاع فيه. إلى جانب تلخيص ترجمة الإمام ابن خزيمة، مع بيان شيوخه الذين ذكروا في الكتاب المنتخب فقط. وتم الاعتماد في ترقيم الحديث على تحقيق الشيخ "سمير الزهيري" لانتشارها بين طلبة العلم اليوم وتسهيلًا لهم، كما وُضِعَ بآخر الكتاب ملحقًا ذُكِرَ فيه متن الأحاديث الأربعين. وكتاب التوحيد من أهم كتب العقيدة الإسلامية، وقد ألفه مؤلفه ردًا على أهل البدعة والضلالة، من الجهمية المعطلة والقدرية المعتزلة كما ذكر ذلك في مقدمة مصنفه، إذ في عصره بزغت شمس البدعة من الخوارج والشيعة والجبرية والقدرية والمعتزلة والجهمية، فقام "ابن خزيمة" يرد على أهل الأهواء وأهل البدع، في كثير من مصنفاته؛ ومن ضمن المصنفات هذا الكتاب الجليل المسمى بـ "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل". يختص الكتاب بالرد على الأشاعرة والمعتزلة؛ حيث يهتم في المقام الأول بإثبات صفات الله الخبرية التي ينفيها الأشاعرة كصفة الوجه واليدين والرجل، وقد عقد فصولًا في إثباتها. ثم عقد فصولًا للصفات الفعلية كالضحك والاستواء والنزول التي يؤولها الأشاعرة أيضًا. ثم فصولًا لصفة الكلام وأن الله يتكلم بما شاء وقت ما شاء، وهو يرد على الأشاعرة في إثباتهم الكلام النفسي فقط، ثم تحدث عن رؤية المؤمنين لربهم، وهو يرد في هذا على المعتزلة. ثم فصولًا عن إثبات الشفاعة. كما تكلم عن إثبات القول بالقضاء السابق، والمقادير النافذة قبل حدوث كسب العباد. وقد أصبح كتابه هذا من أجل الكتب المصنفة عند العلماء وأنفعها، وأكثرها فائدة وصحة وأنصعها؛ فمن تبحر فيه وقرأه تنقل بين العقيدة والأحاديث وعللها، وكيفية الجمع بين الأحاديث وبيان ألفاظها، والوقوف على حِكمها وأسرارها، ومعرفة الاستنباط والاستدلال، وسوق الأدلة والأقوال، ومناقشة المخالف من أهل البهتان، بالحجة والبيان والبرهان، مما أعجزهم عن الرد في كل عصر وزمان. وقد اشترط مؤلفه الصحة في نقله الأحاديث المحتج بها على عنوان الباب، فلا يحتج بالمراسيل ولا بالأخبار الواهية، ولا "نحتج في صفات معبودنا بالآراء والمقاييس" كما قال في مقدمة كتابه. وقد قدم الشيخ "عبد الله السعد" للكتاب بمقدمة ماتعة ذكر فيها قيمة الكتاب العلمية وطرفًا من منهج ابن خزيمة في تأصيل العقيدة الصحيحة في مؤلفاته، وذكر أنه تبين له أن كتابه "التوحيد" هو جزء من كتابه "مختصر المختصر" حيث كثرت إشاراته وإحالاته في كتابه إلى أجزاء كثيرة من كتب أخرى تدل على أن كتابه "التوحيد" حلقة ضمن سلسلة عظيمة سطرها في كتابه الكبير واختصر منه "مختصر المختصر" وأخرج منه أجزاء ينتفع بها الطلبة وأهل الحديث. وابن خزيمة هو الحافظ الثبت، شيخ الإسلام، أبو بكر، محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، ولد بنيسابور سنة 223هـ= 838م، اعتنى ابن خزيمة منذ صغره بدراسة الحديث بنيسابور، ثم بعد ذلك طاف البلاد ورحل إلى الآفاق لسماع الحديث وطلب العلم، واتسعت رحلاته العلمية حتى شملت الشرق الإسلامي حينذاك، فرحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر، وتعلم وسمع على يد الكثير من علماء هذه البلدان، فكان إمام الحديث في عصره والعالم الأوحد، وكان بحرًا من بحور العلم، فكتب الكثير وصنف وجمع الكثير أيضًا، وكتابه الصحيح من أنفع الكتب وأجلها، وصار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان، وتتلمذ على يديه الكثير، ومن أشهر تلاميذه البخاري ومسلم. قال عنه ابن حبان: "ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزياداتها، حتى كأن السنن كلها بين عينيه إلا محمد بن إسحاق". وقال الدارقطني: "كان ابن خزيمة إمامًا ثبتًا معدوم النظير". وسُئل عنه ابن أبي حاتم فقال: "ويحكم! هو يسأل عنّا، ولا نسأل عنه، وهو إمام يُقتدى به، وثقة صدوق". وقال أبو علي النيسابوري: "كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة". وقال الحاكم: "كان إمام أهل المشرق في زمانه عِلمًا وإتقانًا ومعرفة". وقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: "كان يقال له: إمام الأئمّة، وجمع بين الفقه والحديث". وكان بارعًا في إيجاد أوجه الجمع بين النصوص الصحيحة المتعارضة في الظاهر فكان يقول: "من رأى نصين متعارضين فليأتني أوفق له بينهما". وعني بالحديث والفقه، حتى صار يضرب به المثل في سعة العلم والإتقان. واشتهر بقوة حفظه حتى قال عن نفسه ((ما كتبت سوداء في بياض إلا وأنا أعرفه)). وكان من أعلم الناس بفقه الشافعي. وكان إمامًا مجتهدًا في الفقه، بلغ مرتبة الاجتهاد المطلق. توفي ابن خزيمة بنيسابور سنة 311هـ= 924م عن نحو تسعين سنة، وقيل: كان له ثمان وثمانون سنة حين وفاته. قال أبو عبد الله الحاكم: شمائله أشهر من أن يحتملها هذا الموضع، ومصنّفاته تزيد على مائة وأربعين كتابًا، سوى المسائل، والمسائل المصنّفة أكثر من مائة جزء، ومن أهم مصنفاته كتاب التوحيد وإثبات صفة الرب، وصحيح ابن خزيمة، وقد سئل ابن خزيمة: من أين أوتيت هذا العلم؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ"، وإنّي لمَّا شربته سألت علمًا نافعًا. |
موريس بوكاي: طبيب باحث عن الحقيقة وناقد للكتب المقدسة | د. سمير الخال | 17-02-2022 | 3,216 | https://www.alukah.net//culture/0/152960/%d9%85%d9%88%d8%b1%d9%8a%d8%b3-%d8%a8%d9%88%d9%83%d8%a7%d9%8a-%d8%b7%d8%a8%d9%8a%d8%a8-%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%ab-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%88%d9%86%d8%a7%d9%82%d8%af-%d9%84%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%af%d8%b3%d8%a9/ | موريس بوكاي: طبيب باحث عن الحقيقة وناقد للكتب المقدسة [1] تقديم: يعتبر الطبيب الفرنسي موريس بوكاي ( Maurice Bucaille ) (1920- 1998م) المسيحي الكاثوليكي منشأً وتكوينًا، من قلة الباحثين الغربيين الذين استطاعوا الاشتغال على قضية حوار الأديان، من مدخل اختبار النصوص الدينية الثلاثة: العهد القديم، والعهد الحديث، والقرآن، في علاقتها بالعلم الحديث وفاقًا أو اختلافًا. ورغم تأثير تعليمه في شبابه المحرِّف لصورة الإسلام والمسلمين، إلا أن اعتماد بوكاي على الموضوعية العلمية، وتحرره من الأحكام المسبقة، وربطه لعلاقات طيبة بينه وبين نخب إسلامية من سياسيين ومثقفين، بالإضافة إلى تعلمه للغة العربية نفسها، أتاح له فرصًا متعددة للتعرف على الإسلام دون وسائط، مما سمح له بالاقتناع بالإسلام دينًا سماويًّا، وبالقرآن كتابًا ربانيًّا. الشروط المعرفية والمنهجية المحددة لفكر موريس بوكاي: ينطلق بوكاي من أن كلام الله لا ينبغي أن تتعارض رواياته، أو أن يتعارض مع العلم؛ لذلك، نجده يعيب على التوراة احتواءها على نصوص "مختلفة في الرواية الواحدة، وتضادات، وأخطاء تاريخية، ومستحيلات، وتناقضات مع معطيات علمية قوية الثبوت" [2] . وأما مناسبة دراسته هذه، فإنها ترجع إلى انغمار الغرب في الإلحاد، وإعلان اليهودية والمسيحية عجزهما عن الوقوف أمام هذه الهجمة اللادينية، وترشيحه الإسلام منقذًا منها. لكن الإسلام ذاته يظل محكمًا بتصورات خاطئة ومشوهة مرسومة تاريخيًّا في أذهان الغرب نفسه؛ لذلك، دعا إلى مراجعة للترجمات والشروحات المتعلقة بالإسلام، مبرزًا اندهاشه من عدم إمكانية تصوره نصًّا مكتوبًا منذ أربعة عشر قرنًا، يكشف تنوع موضوعاته، واتفاقها التام مع المعارف العلمية الحديثة [3] . مقارنة العهد القديم بالعلم الحديث: قبل إجراء مقارنة هادفة بين العهد القديم والعلم، قدَّم بوكاي اقترابًا تصوريًّا عن هذا الكتاب المقدس، معتبرًا إياه مجموعة من مؤلفات غير متساوية الطول، ومختلفة النوع، ومتباينة فترات كتابتها التاريخية، لتصل إلى أكثر من تسعة قرون (أي: منذ القرن 11 إلى القرن 1 ق. م)؛ حيث اتخذت كتابات هذا العهد شكلها النهائي. وبتعداده لمؤلفات العهد القديم، ما بين التوراة أو الأسفار الخمسة (وهي: سفر التكوين، وسفر الخروج، وسفر الأحبار، وسفر العدد، وسفر التثنية)، و الكتب التاريخية (المؤرخة للشعب اليهودي منذ أواخر القرن 13 إلى 6 ق. م)، و كتب النبوة (المتضمنة مواعظ الأنبياء كأوزيه، وأشعيا، وغيرهما ممن يقعون بين القرن 8 و2 ق. م)، و كتب الشعر والحكمة (والتي تشكل وحدة أدبية مؤلفة أكثرها من طرف داود بين القرن 5 و4 ق. م)، يخلص موريس بوكاي إلى أن هذه المجموعات المتباينة شكلًا، والمتنوعة مضمونًا، والمختلفة مصدرًا، انصهرت جميعها لتكون - على مر العصور - مؤلفًا واحدًا، يعتبر كتاب الوحي في اليهودية، والمسيحية على حد سواء [4] . وخشية الإطالة، فسيتم عرض قضيتين تمثيليتين عقدهما بوكاي بين العهد القديم والعلم: خلق العالم : ففي الآيتان 1 - 2 من سفر التكوين، «في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه القمر ظلام، وروح الله يرف على وجه الماء». ويعلق بوكاي مستغربًا من كون الأرض - وهي جزء من العالم - خربة وخالية، وعلى وجه القمر ظلام، في الوقت الذي لم تخلق فيه السماوات والأرض (أي: الكون). تاريخ خلق العالم وظهور الإنسان على الأرض : يحدد التقويم العبري المنسجم مع العهد القديم تاريخ الكون - المطابق لسنة 1975م - منذ 5736 سنة، أي: نحو 37 قرن ق. م (أي: 5736 = 1975 + 3700)، وهكذا، فالإنسان يملك القدم نفسه، لتأخر خلقه عن العالم ببضعة أيام. ويعلق بوكاي بأن العلم الحديث يعلمنا بأنه من الصعوبة إيجاد تاريخ دقيق لخلق العالم، لكن ما يمكن تحديده هو إيجاد قيمة تقريبية لتكوين نظامها الشمسي، والتي تصل إلى 4,5 مليار سنة. وأما تاريخ ظهور الإنسان على الأرض، فيصعب كذلك إيجاد تحديد دقيق، بسبب عدم التأكد من وجود بقايا للإنسان القديم، لكن المعلومات المتوفرة حول دراسة تاريخ الآثار الإنسانية، ترشدنا إلى فترة عشرات الآلاف من السنين، وهذا العدد قابل لأن يصير مئات الآلاف في حال وجود بقايا لعظام بشرية أكثر قدمًا. ومهما يكن، فإن المعطيات العلمية الحديثة تجعلنا نصِف تقديرات سفر التكوين، في علاقتها بعمر الكون، وتاريخ ظهور الإنسان بأنها غير مقبولة تمامًا. وأمام هذه الأخطاء والتناقضات مع العلم، نسجل اندهاش بوكاي [5] من موقف المسيحيين منها؛ بين متبنٍّ لبعضها، ومتعصب لها، يحاول إقناع مخالفيه بتبريرات معينة، آملين حمل الناس على نسيان ما يرفضه العلم والعقل والمنطق. العهد الجديد وانسجامه مع العلم المعاصر: ابتدأ بوكاي توطئته النظرية حول المسيحية، بتشكيكه في روايات الكنيسة من أن الأناجيل الأربعة (وهي: إنجيل مرقس، ولوقا، ويوحنا، ومتَّى) قد كتبت من طرف الشهود المعاينين لحياة المسيح، محددًا تاريخ ظهورها في الفترة ما بين 70 و110م، وهي فترة صراع بين المسيحية البولسية، والمسيحية اليهودية، إن هذه المرحلة قد انتهت بانتصار المسيحيين اليونان بقيادة بولس على اليهود المسيحيين، ليتم التخلص اجتماعيًّا وسياسيًّا من اليهودية والانفتاح على الوثنيين، مما يؤكد كون هذه الأناجيل لا تمثل وثائق المسيحية الأولى الثابتة والأصلية. وهكذا، فإن الأناجيل التي بين أيدينا إنما هي صورة عما نقلت إلينا الطوائف المسيحية الأولى مما كانت تعرفه عن حياة المسيح ورسالته، واعتقادات هذه الطوائف وأفكارها اللاهوتية، ما دام الإنجيليون ما كانوا سوى وسائط لنقل كلمة الطائفة المسيحية المؤطرة بعرفها الشفوي [6] . ثم انتقل بوكاي لعقد مقارنات حوارية بين الأناجيل والعلم، نكتفي بقضيتين تمثيليتين فقط: أنساب المسيح : إن أنساب المسيح المذكورة في إنجيل متى ولوقا تثير إشكالية أصالة النصوص المسيحية ومدى صحتها وتوافقها مع معطيات العلم الحديث؛ ولذلك، تتحدد أنساب المسيح التي ذكرها إنجيل متى في 41 ما بين إبراهيم وعيسى، في حين، نجد إنجيل لوقا يفصح عن لائحة سلالة المسيح إلى آدم، والتي تبلغ 77 فردًا. لذلك تساءل بوكاي: هل يمكن أن نتصور بأنه قبل إبراهيم (والذي يصل تقدير زمن عيشه في 1800 سنة ق. م)، ليس بينه وبين آدم سوى 19 فردًا حسب لوقا؟! وهذا يعني أن ظهور الإنسان الأول كان قبل 38 قرنًا من ولادة المسيح، وهذا ما يرفضه العلم الحديث. روايات الآلام : تختلف روايات الآلام، فالأناجيل الثلاثة تتفق على جعل الفصح زمنيًّا في عشاء المسيح الأخير مع الرسل، في حين، نجد إنجيل يوحنا يجعل العشاء السري قبل عيد الفصح. ويعلق بوكاي متسائلًا عن كيفية إمكان الذاكرة الإنجيلية أن تفقد عشاء المسيح الوداعي مع تلاميذه، رغم أهميته الكبيرة؟! وهكذا، استخلص بوكاي وجود تضادات بارزة في روايات الأناجيل، بالإضافة إلى تصادمها مع العلوم المعاصرة، ولكن ما يؤسف هو أن كثيرًا من المسيحيين يجهلون هذه التضادات والأشياء التي لا تصدق، بسبب تأثرهم بالشروح والتأويلات الحاذقة. القرآن وتوافقه مع العلم الحديث: إن منهج بوكاي مطرد في دراسة الكتب الثلاثة المؤسسة لليهودية والمسيحية والإسلام، وهكذا، شرع في الحديث عن أصالة القرآن، مبرزًا تميزه بمكانة خاصة لا ينازعه فيها العهدان القديم والحديث، بسبب الاهتمام والحرص الشديدين على توثيق النص القرآني، سواء في الحقبة النبوية، أو بعدها على عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، وكذا في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان، مما عكس عنصر الأصالة بواسطة الازدواجية في الحفظ بالذاكرة وبالكتابة، ومدارسة الرسول عليه السلام لجبريل كل رمضان، ومرتين في السنة التي توفي فيها، ناهيك عن جهود الصحابة في جمع المصحف جمعًا أول في عهد أبي بكر، وجمعًا ثانيًا في خلافة عثمان [7] . ومن أبرز القضايا المعرفية التي شغلت بوكاي، إبان مقارنته بين القرآن والعلم: مدة خلق السماوات والأرض : القرآن ينص كما التوراة على أن مدة خلق السماوات والأرض هي ستة أيام، إلا أن ما يمتاز به القرآن هو التوجيه العلمي لليوم، في بعده عن معناه الذي نعرفه، والممتد من طلوع الشمس إلى غروبها، ما دامت الشمس لم تخلق بعد: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 4]. أصل خلق السماوات والأرض: يصرح القرآن بأن أصل السماوات والأرض طبقة غازية، قد أشار إليها بالدخان: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ [فصلت: 11]. ويقر العلم الحديث بموافقته التامة للقرآن، بالنظر إلى أن أصل السماوات والأرض طبقة غازية من الهيدروجين وجزء من الهليوم، ملتئمة العناصر ستعرف انفصالها إلى أجزاء ذات أبعاد ضخمة نشأت عنها المجرات، والنجوم، والكواكب: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30] [8] . على أن النتيجة المذهلة التي توصل إليها بوكاي، تنصب على الموافقات التامة بين القرآن والعلم الحديث، مما يشهد بربانية المصدر للقرآن [9] . خاتمة: وهكذا، استطاع بوكاي أن يبرهن بأن العهدين القديم والجديد لم يسلما من تدخلات بشرية، سواء بالزيادة، أو بالنقصان، أو بالشروح والتأويلات غير المقبولة تمامًا، وهي سمة سلم منها القرآن كتابة وتدوينًا، وشرحًا وتأويلًا، حفاظًا على صفته الربانية. [1] دكتوراه في الدراسات الإسلامية. [2] بوكاي، موريس (ت 1998م)، التوراة والإنجيل والقرآن والعلم، ترجمة نخبة من الدعاة، دار الكندي، بيروت، ط 2، 1398هـ - 1978م، ص51. [3] المرجع السابق نفسه، ص 112 - 113. [4] المرجع السابق نفسه، ص 20، و31، و38، و39، و41. [5] المرجع السابق نفسه، ص 46. [6] المرجع السابق نفسه، ص 55، و57، و63، و70، و73، و80، و84، و87، و90، و96. [7] المرجع السابق نفسه، ص 119 - 123، بتصرف شديد. [8] المرجع السابق نفسه، ص 129 - 134، بتصرف شديد. [9] المرجع السابق نفسه، ص 124 - 126، بتصرف شديد. |
رحيل المؤرخ الفلسطيني المجاهد الشيخ محمود إبراهيم الصمادي | أ. أيمن بن أحمد ذو الغنى | 17-02-2022 | 5,888 | https://www.alukah.net//culture/0/152954/%d8%b1%d8%ad%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a4%d8%b1%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%a7%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%85%d8%a7%d8%af%d9%8a/ | رحيل المؤرِّخ الفلسطيني المجاهد الشيخ محمود إبراهيم الصمادي رحم الله فضيلةَ الشيخ العصاميِّ الصالح، والمؤرِّخ الكُتُبي الفلسطينيِّ المجاهد ( محمود إبراهيم الصمادي ) (1346- 1443هـ/ 1928- 2022م) المولود في فلسطين، والمقيم في دمشق، والمتوفَّى في القاهرة ♦♦♦♦♦♦♦ ♦ وصفَه الأستاذُ محمد بن محمد حسن شَرَّاب في كتابه ( معجم العشائر الفلسطينية ) بقوله: (الشيخ الحافظ الرحَّالة وعاء العلم، ومعجم تراجم الرجال، هو دائرةُ معارف في تراجم الرجال القدماء والمعاصرين، وفي أحداث فلسطين ورجالاتها وثوراتها، وفي الفقه الإسلامي، وأسباب نزول القرآن وتفسيره، وفي السيرة النبوية وأعلام الصحابة والتابعين، والملل والنِّحَل الإسلامية والمسيحية واليهودية، والكتب القديمة والحديثة، وقيمة مضموناتها). ♦ وقد أصاب كبِدَ الحقيقة في وصفه؛ إذ عرفتُ الشيخَ الصمادي في رحلة لا تُنسى مضَينا فيها من دمشق إلى إستانبول بَرًّا؛ لحضور مؤتمر رابطة الأدب الإسلامي العالمية، من 13 إلى 15/ 8/ 2008م، صُحبةَ عدد من كرام الأدباء، على رأسهم أستاذُنا الكبير د. وليد قصَّاب، والشاعر الإسلامي الكبير مصطفى عِكرمة. وفي هذه الرحلة سعدتُّ جدًّا بمجالسة شيخنا أبي سميح والدنوِّ منه، والإصغاء إلى حديثه الرائق السَّلسال، وقصصه المؤنِسة المُستَطابة، في شؤون شتَّى؛ من تاريخ فِلسطين العامِّ وحادثة النكبة، وتاريخه الخاصِّ واشتراكه في الجهاد عامَي 1948 و1967م، وخبر التشرُّد والنزوح المؤلم، فضلًا عن صِلاته ببعض أعلام العصر، وبأصحابه وأحبابه في الشام، ممَّن ابتهج بمعرفتهم والقرب منهم، ومن أحظاهم عنده الشيخُ محمد محمد حسن شرَّاب، وشيخُنا عبد القادر الأرناؤوط. ♦ ومن تمام توفيق الله لابنته الكريمة الأستاذة هدى محمود الصمادي ، أن هيَّأ لها وأعانها على تدوين هذا التاريخ العريق المتطاول، مُسطِّرةً إياه من فم بطله وروايته، في كتابها ( رحلة لاجئ من لوبية إلى بولاق الدكرور ) الذي صدر عن دار صفَحات للدراسات والنشر بدمشق، عام ٢٠١٩م. ♦ وكان الشيخ الصمادي مولعًا بالكتب، وقارئًا واعيًا بصيرًا؛ في التاريخ والتراجم والسِّيَر التي شُغف بها حبًّا، وفي علوم الشريعة والعربية والأدب. أما سَمتُه وصلاحُه، وحِلمُه وحكمتُه، ولطفُه وتواضعُه، وورعُه وزهدُه، فالحديثُ عنها يطول. لمحات إلى سيرته: ♦ وُلد الشيخ أبو سَميح محمود بن إبراهيم بن خليل بن إبراهيم بن حسين بن جودة الصمادي عام 1346هـ/ 1928م، في (قرية لوبية/ لوبيا) التي كانت من أكبر قرى قضاء طَبَرِيَّةَ المأهولة قبل 1948م، ولمَّا استبسَل أهلُها في مقاومة المحتلِّ الصِّهْيَوني بضراوة، كان مصيرَ سكَّانها القتلُ والتشريد، ومصيرَها الهدمُ والتدمير على رؤوس من بقيَ فيها. ♦ اضطُرَّ إلى مغادرة بلدته عُقْبَ النَّكبة، واللجوءِ إلى دمشقَ عام 1948م، وطابَ له المقام في حيِّ مخيَّم اليرموك بدمشق، منذ إنشائه عام 1954م، فقضى فيه قرابة ستِّين عامًا. ♦ عمل في سِلك التربية والتعليم، في دار المعلِّمين العامَّة بدمشق، من نهاية الخمسينيَّات الميلادية حتى تقاعده عام ١٩٧٨م. ♦ افتتحَ عام ١٩٦٩م أولَ مكتبة في مخيَّم اليرموك، بشارع لوبية، أسماها (مكتبة الطلَّاب الحديثة) ؛ لبيع الكتب الدينية والأدبية والتاريخية وإعارتها، وبيع القرطاسية. ♦ جمعَ في بيته مكتبةً خاصَّة ضخمة، في علوم الشريعة والعربية والتاريخ، مع عناية خاصَّة بتاريخ فِلسطين وسِيَر أعلامها، أتاحها لكلِّ راغب في الاستفادة منها. ثم رأى أن يجعلها صدقةً جارية عنه، فتبرَّع بها للمعهد الشرعيِّ الذي يُشرف عليه الشيخ د. محمد راتب النابُلُسي، غيرَ أنه احتفظ بالكتب الفِلسطينية فقط. ♦ اتصلَ بعدد من علماء الشام ومشايخها الكبار ، وانتفع بعلمهم، وتأثَّر بمنهجهم، منهم: العلامة الشيخ محمد بهجة البَيطار، والشيخ المحدِّث محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ المحدِّث عبد القادر الأرناؤوط، الذي كان حريصًا على حضور مجالسه العلمية وخُطَبه أيام الجُمَع. وقرأ على الشيخ المحقِّق محمد أحمد دهمان، واستفاد منه في فنِّ تحقيق التراث ومعرفة الكتب وطبَعاتها. ولزم دروسَ عدد من العلماء في مساجد دمشق من أبرزهم: الشيخ محمد سعيد البرهاني، والشيخ عبد الحكيم المنيِّر، رحمهم الله جميعًا. ♦ أسَّس ورَأَسَ الجمعيةَ الخيرية الفلسطينية في مخيَّم اليرموك عام 1966م، وكان رَأَسَ من قبلُ لجنةَ بناء جامع الرجولة في المخيَّم عام 1961م، ثم تولَّى الإمامةَ والخطابة فيه سنوات، حتى جاءه قرارُ وزير الداخلية السوري محمد رَباح الطويل بإيقافه عن الخطابة، مع التهديد بالسَّجن إن لم ينفِّذ الأمر. ولكنَّ الله سبحانه شاء أن يُعتقلَ الوزير نفسُه عام 1970م، وأن يلبث في السِّجن اثنتين وعشرين سنة! ♦ لم يُكثر من التأليف والتحقيق ، وأشهرُ ما صدَر له: • ( تخريج كتاب تفسير الجلالين ) الذي تخيَّر فيه أحاديثَ مناسبة تفسِّر الآيات القرآنية وتبيِّنها، طبعة دار الملَّاح بدمشق. • تحقيق كتاب ( نشوة السَّكران من صَهباء تَذكار الغِزلان ) لمحمد صدِّيق حسن خان القِنَّوجي، صدر عن دار كرم بدمشق. • سلسلة ( من عظماء الإسلام )؛ ترجم فيها لأكثر من ثلاثين صحابيًّا وتابعيًّا وإمامًا. • سلسلة ( من أبطال النهضة العربية )؛ كتب فيها عن يوسف العظمة، وعبد القادر الحسيني، وغيرهم. • ( عظماء وعظيمات تتحلَّى بهم مدارسُنا ) دوَّن فيه تراجم نحو 300 علَم من الأعلام الذين سُمِّيت بأسمائهم مدارسُ الشام، بتكليف من وِزارة التربية السورية عام 1967م. ولكنَّ الموجِّه المختصَّ عبد الله حوراني رفضَ الكتاب؛ مدَّعيًا أن المؤلف لم يلتزم الموضوعية فيه، فحابى علماء الشريعة من أهل الحديث والأثر، ولم يُعنَ بتراجم الفلاسفة وغيرهم من ذوي الاتجاهات الأخرى. فبقيَ الكتاب لدى الشيخ مخطوطًا. • شارك في تحقيق كتاب ( تلبيس إبليس ) للإمام ابن الجَوزي، مع المشايخ خير الدين وانلي، وبشير محمد عيون، ومحمود مهدي إستانبولي رحمهم الله جميعًا، نحو عام ١٩٦٨م، وصدرت الطبعة باسم الشيخ وانلي. وله مقالاتٌ منشورة في المجلات والدوريات، من أهمِّها مقالته: ( الأوقاف الإسلامية في فلسطين ) في مجلة الفيصل السعودية، العدد (232)، شوَّال 1416هـ/ فبراير- مارس 1996م. ♦ اضطَرَّته الأحداثُ الموجِعة التي عصفَت بالشام في عام 2011م إلى مغادرة داره في المخيَّم، والنزوح مرَّة أخرى إلى القاهرة عام 2013م؛ ليقضيَ فيها السنواتِ الأخيرةَ من عمره. ♦ استأثرَ الله به أَصِيلَ يوم الأحد الخامس من رجب 1443هـ (6/ 2/ 2022م) عن 97 عامًا، عَقِيبَ إصابته بداء كورونا ، وكان ممتَّعًا بذهنه وحِفظه وذاكرته إلى وفاته. ودُفنَ يوم الاثنين سادس رجب 1443هـ في شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بعد أن صُلِّيَ عليه ظهرًا في المسجد الذي كان يؤمُّه في حيِّ بولاق الدكرور بمدينة الجيزة من القاهرة الكبرى. لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكلُّ شيء عنده بأجل. وإنا لله وإنا إليه راجعون. ♦♦♦♦♦♦♦ المراجع: • مشافهة الشيخ الراحل المترجَم له، ومشافهة ولدِه الصديق العزيز الأديب الأستاذ خليل محمود الصمادي. • مقالة بعنوان ( الشيخ محمود إبراهيم الصمادي )، بقلم ولده الأستاذ خليل محمود الصمادي، في موقع رابطة أدباء الشام. • لقاء مع الشيخ بعنوان ( الشيخ محمود إبراهيم الصمادي مثالُ اللاجئ الفلسطيني المثقف )، في مجلة ( العودة ) الصادرة عن مؤسسة فلسطين للثقافة والعودة بدمشق، العدد (52)، بتاريخ 29 كانون الأول 2011م. أيمن ذو الغنى مع الشيخ محمود الصمادي رحمه الله، في 13/ 8/ 2008م |
صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (144) | أ. د. محمد بن تركي التركي | 16-02-2022 | 2,473 | https://www.alukah.net//culture/0/152932/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d9%87%d8%a7-144/ | صدر حديثا من كتب السنة وعلومها (144) 1. القواعد الحديثية عند الإمام الشافعي في كتاب الأم، دار طيبة الخضراء، رسالة ماجستير. 2. مسالك نقد المتن عند نقاد الحديث في القرن الثالث الهجري، دراسة نظرية تطبيقية، مطبوعات الهيئة العامة لطباعة القرآن والسنة بوزارة الأوقاف الكويتية، رسالة دكتوراه. 3. مرويات الإمام شعبة بن الحجاج في كتاب العلل الدارقطني، جمع وتخريج ودراسة، تأليف أكرم رضوان المكي، دار المقتبس، رسالة دكتوراه، 4ج. 4. جزء من فضائل الإسكندرية حماها الله، لابن الصباغ، تحقيق عمرو شريف الحويني، دار الأمل. 5. نسخة البخاري الأصلية، ورواياته العلية، قراءة في النسخة المرادية، تأليف صلاح فتحي هلل، جمعية دار البر، دبي. 6. الأحاديث الصحيحة التي أدعي أنها من الإسرائيليات، تأليف د. أحمد عبدالله الطالباني، مكتبة الفاروق، الأردن، رسالة دكتوراه. 7. كتاب الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزي، نسخة خطية نفيسة، منقولة من نسخة الإمام المنذري، قدم لها وعرّف بها نظام يعقوبي، دار المقتبس. 8. مرويات سعيد بن المسيب وآراؤه الفقهية من خلال موطأ الإمام مالك بن أنس، جمعاً ودراسة مقارنة، تأليف د. محمد زكريا صاري، مؤسسة الرسالة ناشرون. 9. فقه الإنكار النبوي في الجامع الصحيح للإمام البخاري، تأليف محمد طه آل بيوض التميمي، دار ابن حزم، 2ج. 10. المسالك العلية للحديث المسلسل بالأولوية، لقطب الدين الخيضري، ويليه: طرق قوله صلى الله عليه وسلم: "اسمح يسمح لك"، لهبة الله بن الأكفاني، تحقيق نظام يعقوبي، دار المقتبس. 11. الفوائد الجزرية (فوائد تتعلق بصحيح البخاري)، ويليه: بغية العالم من كلام أبي القاسم، وهو أربعون حديثا من الصحيحين، للإمام شمس الدين ابن الجزري، اعتنى به محمد عمار سليم المدني، مكتبة قاسم العلوم. 12. التسمية المبشرة بمعرفة الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، لجمال الدين الغزي، تحقيق محمد جاسم الدكيلة، دار المقتبس. 13. شرح الأربعين النووية، للإيجي، تحقيق د. خالد العمودي، مركز الأمير الدولي للبحوث والدراسات. 14. اختلاف الأصوليين مع المحدثين في المسائل الحديثية وأثره، من خلال ألفية الحديث وشرحها للحافظ أبي الفضل العراقي، تأليف أ.د ياسر عجيل النشمي، دار المرقاة. 15. محاسن الإفادة في أحاديث العيادة، لأبي الحسن الصديقي البكري، تحقيق د. إياد العكيلي، دار المستقبل. 16. محو الأوزار بفضل الاستغفار، لأبي الحسن الصديقي البكري، تحقيق د. إياد العكيلي، دار المستقبل. 17. اختصار علوم الحديث، لابن كثير، ومعه بلغة الطالب الحثيث في شرح اختصار علوم الحديث، للمحقق، شرحه وحققه تركي مسفر العبديني، الناشر المتميز، دار النصيحة. 18. دراسة حديثية لمسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، تأليف د. عمر إيمان أبو بكر، المكتبة الإسلامية. 19. ما زاد عبدالله بن الإمام أحمد من المتون على مسند أبيه، جمعاً وتخريجاً ودراسة، تأليف د. عمر إيمان أبو بكر، المكتبة الإسلامية. 20. الوجادات في مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، جمعا وتخريجاً ودراسة، تأليف د. عمر إيمان أبو بكر، المكتبة الإسلامية. |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - المسؤولية) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 16-02-2022 | 5,054 | https://www.alukah.net//culture/0/152926/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%a4%d9%88%d9%84%d9%8a%d8%a9/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - المسؤولية ) يتعرض الطلبة الدارسون في الخارج إلى حملات التنصير بشكل واضح جدًّا،تبدأ الحملات غالبًا في معاهد اللغة، أو ربما بدأت في المكاتب المخصصة لرعاية الطلبة الأجانب في الكلية أو الجامعة،هذا عدا عن أفراد يقرعون أبواب المنازل، ويبشرون بالمسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - وربما كانوا أبعد من غيرهم عن تعاليم المسيح ابن مريم - عليهما السلام - مع ما اعترى تعاليم المسيح ابن مريم - عليهما السلام - من تدخلات البشر. وكنت في شقتي الصغيرة بالولايات المتحدة الأمريكية يومًا عندما قرع عليَّ الباب مجموعة من الرجال،نظرت إليهم من منظار الباب فوجدت أشخاصًا عليهم سيماء طيبة وثياب مألوفة، فعلمت أن هؤلاء مسلمون،فتحت الباب ورحبت بهم، وكانوا من الإخوة الهنود والباكستانيين وبعض المقيمين من مسلمي الولايات المتحدة الأمريكية يجوبون البلاد، ويذكرون الناس مبلغين إياهم ضرورة التمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وكان من بينهم رجل يلبس الثياب الهندية، ولكنه من الأمريكيين، فدفعني الفضول إلى سؤاله عن الطريق الذي وصل منه إلى الإسلام، فأجابني الرجل أنه دخل الإسلام عن طريق التنصير، فعجبت كثيرًا،وبدا عليَّ العجب، وقدر عجبي،فقص عليَّ خطواته الأولى نحو التعرف على الإسلام [1] . هذه ليست هي الحال الوحيدة التي يهتدي فيها منصرون إلى الإسلام ثم يتحولون إلى دعاة؛ فقد حدث هذا في إفريقيا، ويحدث الآن في أماكن كثيرة،وتكاد تكون هذه المسألة هنا ظاهرة تستحق الدراسة والمتابعة؛ فاهتداء النصارى واليهود وغيرهم أمرٌ ليس غريبًا أو عجيبًا، ولكن اهتداء من حملوا على عواتقهم مهمة الدعوة إلى دينهم أمر يستحق التوقف حقًّا [2] . المراد من ذكر هذه الظاهرة في إسلام المنصرين والقسس الوصول إلى نتيجة قد تكون قابلة للتعميم، فنحن نتحدث عن الوسائل التي يستعين بها المنصرون في حملاتهم، ومن هذه الوسائل نذكر الحقد المكين والتقليدي على الإسلام، من قبل أولئك الذين يدرسون الحروب الصليبية، ثم يريدون لها أن تمتد حربًا صليبية تأخذ أشكالًا أخرى من السلاح غير الشكل الذي كانت عليه الحروب الصليبية السابقة. وندرس ضمن هذه الوسيلة الاستعداد الذاتي لدى المنصرين، ورغبتهم في السفر والاختلاط بالأمم الأخرى التي يراد لها أن تتنصَّر، وما يتبع هذا الاختلاط من التخلي عن سبل الرفاهية التي عاشت عليها الأمة الغربية، وندرس ضمن هذه الوسيلة أيضًا إيمان بعض المنصرين بما يدعون إليه إيمانًا عقديًّا. ثم تأتي هذه الظاهرة على صورة حالات متشابهة لتنبهنا إلى أن علينا عدم التعميم في الأحكام؛ فليس كل من يشترك في حملات التنصير مؤمنًا بما يقوم به، وليس كل من يشترك في حملات التنصير حاقدًا على الإسلام والمسلمين، ولكن جماعةً من هؤلاء مضللون، لديهم الرغبة في نشر الخير، فلم يجدوا وسيلة أمامهم إلا حملات التنصير، فلما يتبين لهم الحق يتركون ما هم عليه ويتبعون الحق. يلقي هذا عبئًا آخر على الدعاة إلى الله في أن يجِدُّوا في اتباع السبل الحديثة المشروعة في الدعوة إلى الله، وأن تكون هناك لقاءاتٌ مع مجموعات المنصرين، تكون فيها حوارات ومناظرات وحِجَاج ونقاش،ولا يستغرب المرء أن تتحول هذه الجهود والإمكانات التي يقوم بها المنصرون في مصلحة الإسلام، ولا يستغرب المرء كذلك أن تتحول مجموعاتٌ من الأعضاء في الجمعيات التنصيرية إلى الإسلام، إذا ما اتضح الإسلام لهذه الجمعيات والمجموعات. وعليه، فإن مجرد التوعية بأخطار الجمعيات التنصيرية المنتشرة اليوم قد لا يكون كافيًا، بقدر ما تكون البدائل متوافرة،ومن هذه البدائل التوجه إلى هذه الجمعيات والجماعات، وانتزاع المضلل منهم، والتشكيك في المصممين منهم، وتشكيكهم هم بجدوى ما يقومون به على المستويين الدنيوي والأخروي، لا سيما أنهم يعانون من ضحالة الاستجابة إلى جهودهم. وهذه مسؤولية تضاف إلى المسؤوليات المناطة بالقيادات السياسية في العالم الإسلامي، وبالدعاة إلى الله تعالى، الذين آلَوْا على أنفسهم مزاحمة الباطل بالحق، وإنقاذ الأمم الأخرى من الضلال ومن الدعاة إلى الضلال،وتبقى المقومات والإمكانات الأخرى المطلوبة في سبيل القيام بهذه المسؤوليات تحتاج إلى التنبه لها، فتكون للدعاة مصادر للدعم والتمويل والعون وتذليل الصعاب. [1] ذكرت هذه القصة في كتاب: التنصير: المفهوم - الوسائل - المواجهة - مرجع سابق - ص 60. [2] انظر: محمد بن ناصر الطويل ، إسلام القساوسة والحاخامات - مرجع سابق - ص ، وانظر أيضًا: محمد عزت الطهطاوي ، لماذا أسلم هؤلاء؟ قساوسة ورهبان وأحبار مستشرقون وفلاسفة وعلماء - مرجع سابق - ص 194. |
فوائد من كتاب: سألت أبي الإمام العالم الألباني | فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ | 15-02-2022 | 4,190 | https://www.alukah.net//culture/0/152907/%d9%81%d9%88%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%aa-%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%84%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a/ | فوائد من كتاب: سألت أبي الإمام العالم الألباني الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ أما بعد: فمن رحمة الله عز وجل بعباده أن علم الأنبياء لا يذهب بموتهم، بل هو باقٍ، فهو إرثهم، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، والعلماء هم ورثة الأنبياء في هذا الإرث، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا مكانة العلماء، وأن يأخذوا عنهم العلم ما داموا أحياء، فالعلم يقبض بموتهم؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله لا يقبض العلم، انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ... ))؛ [أخرجه الإمام البخاري]، فالموفق السعيد من نهل من علمهم في حياتهم، فهم نور يستضيء به الناس في أمور دينهم ودنياهم. من العلماء المتأخرين العلامة الألباني رحمه الله، فالشيخ له جهود كبيرة في نشر العلم، من أبرزها تمييز السنة النبوية الصحيحة من الضعيفة، من خلال كتبه الكثيرة. والشيخ رحمه الله تعالى كتب عنه كثيرون من طلابه وغيرهم، وقد قامت ابنة الشيخ ( سكينة ) حفظها الله، بإخراج كتاب عن والدها وسمته بــ" سألت أبي الإمام العالم محمد بن ناصر الدين بن نوح الألباني "؛ حيث قامت بسؤال والدها رحمه الله عن مسائل، وأخرجتها في ذلك الكتاب. وقد جاء في مقدمة الكتاب لابنة الشيخ قولها: • جمعت هذه الفتاوى أغلبها من دفاتري، وبعضها من أشرطة تسجيل خاصة بي، وأقلها من ذاكرتي، وأقل القليل من رسالة كتبتها ليفيدني رحمه الله عن صحة بعض الأحاديث. • كنت - بفضل الله - أكتب غالب ما أسمعه من أبي ولو خلاصته، وكان القلم والدفتر صاحبي في لقاءاتي به، بل كان يقول لي أحيانًا إشارة أنه مستعد الآن لأسئلتي: أين كتابك؟ عجبي كيف سماه كتابًا، وهو مجرد دفتر. كما كنت أسجل بعض مجالس هذه الأسئلة بمسجلتي الصغيرة. • هذا المنشور هو بعض أسئلتي، ومن مجالات التبعيض أني لم أودعه كثيرًا مما سألته إياه عن درجة بعض الأحاديث، خشية الإطالة بما قد يُستغنى خاصة الآن بعد طبع المزيد من كتبه وتحقيقاته. • البعض القليل من هذه الأسئلة، كان من أحد الأهل أو المعارف، وأنا حاضرة حال السؤال والجواب. • هذه الأسئلة هي جمع لما سألته رحمه الله على مدى نحو عشر سنوات. • ليعذر القارئ في الكتابة التعثر، وفي الإصدار التأخر، فأسئلتي لما سألته إياها، ولما سجلت بعضها، ولما كتبت بعضها الآخر، ولما خططت تيك الرسالة، لم يكن في نيتي أن تنشر ألبتة، ولم يخطر ذا ببالي قط، بكل ما تعنيه كلمتا ألبتة وقط، ولم يجل هذا في خلدي يومًا، حتى ذكرت ذلك - عرضًا - لبعض الصديقات وذلك بعد وفاته ببضع سنين، فكان اللوم عليَّ عدم النشر، والوصف بأنه ضن بعلمه، ولو لم يكن إلا كلمة من كلماته. • توصيات لأخواتي بنات العلماء: لا تقصرن في الكتابة تقصيري، ولا تطلن زمن إخراج العلوم تطويلي. والكتاب فيه العديد من الفوائد الكثيرة والمتنوعة، اخترت بعضًا منها، أسأل الله الكريم أن ينفع الجميع بها. مواقف من حياة الشيخ: إيقاظ الشيخ لأهل بيته لصلاة الفجر: تقول ابنته حفظها الله: أذكر إيقاظه لأهل البيت لصلاة الفجر. حرص الشيخ على اتخاذ سترة للصلاة: كان رحمه الله حريصًا جدًّا على اتخاذ سترة للصلاة، ولم يكن يكتفي بوجود شيء ما أمامه، بل لا بد أن يكون الشيء متصلًّا بالأرض، بمعنى لو كانت السترة كرسيًّا، فإنه يتجه نحو قائمة الكرسي، لا الفراغ بين القوائم. الحرص على إلقاء السلام عند كل دخول وخروج: كان الوالد رحمه الله حريصًا على إلقاء السلام عند كل دخول وخروج، موصيًا بذلك كل من في البيت، وفي حكم ذلك: الاتصال الهاتفي، فيحرص على إلقاء السلام في إنهاء المكالمة، وينبه عليه، كما يحرص على ذلك في افتتاح المكالمة. دعاء الشيخ لمن سترت وجهها: بلغتني حسانة وفقها الله ترضِّي والدنا رحمه الله عنها، لما رآها ساترة لوجهها، وهم خارجون من البيت. التصدق بخاتم ذهب: حكت لي أمي حفظها الله أنها خلال عملها في تنظيف الدجاج - الذي تولت هي ذبحه - ذات يوم، وجدت في أمعاء دجاجة خاتمًا من ذهب، فأخبرت أبي رحمه الله بذلك، فأخذه وباعه، وتصدق بثمنه، وحصل هذا مرة أخرى بقطعة ذهب ( تعليقة )، فكان التصرف نفسه. شراء الشيخ كتابه ممن استعاره منه: حدثتني أمي حفظها الله عن أبي رحمه الله أنه قال: اشتريت أحد الكتب مرتين، واختصار القصة أنه اشترى كتابًا فأودعه رفوف مكتبة بيته، ثم أعاره أحدهم، ولم يرجع إليه الكتاب، ولما طالبه أنكره، ثم رآه بيده بعد مدة، فذكره به فجحد، مع أن أبي أعطاه علامات علم عليها في كتابه، إذ قال الرجل المستعير: هكذا اشتريته، وأخيرًا انتهى الأمر إلى أن اشترى أبي كتابه من هذا المستعير. الشيخ يأبى أن يُقبِّل أحد يده: معلوم عن الوالد رحمه الله إباؤه أن يقبل أحد يده، والذي سأضيفه أن هذا معنا أيضًا؛ ذريته، رحمه الله. جواب لا يعجب الشيخ: أخبرني عبدالمصور [ابن الشيخ] أن الوالد رحمه الله كان لا يعجبه جواب الرجل إذا سئل عن حال عياله الصغار: "يسلمون عليك، ويقبلون يديك" ونحوها، ويرى أن في هذا مبالغة وكذبًا. تفرغ الشيخ للعبادة في مرضه: الآن تفرغت لعبادات أكثر مما مضى من عمري: التسبيح والتحميد، قالها أبي مبتسمًا، ونحن حوله في جلسة عائلية، مع نسمات ليلية صيفية في شرفة بيته، وكان ذلك في آخر عام من عمره لما منعه المرض من دخول مكتبته الحبيبة، وحيل بينه وبين الانكباب على الكتب، فوجد في الوقت بحبوبة اغتنمها في ذكر ربه جل جلاله، أسأل الله الرحمن الرحيم أن يرحمه، وأن يتقبل منه علمه وعمله، آمين. فوائد تربوية: سعة صدر الشيخ لأسئلة ابنته: تقول ابنته حفظها الله: جزى الله أبي خيرًا، صبرًا على أسئلتي الصغيرة، فلا أذكر أنه أذال من أسئلتي سؤالًا، أو أنه ذم استشكالًا، بل كل ما عرضته عليه من الخطير واليسير، كان عنده محل عناية، وقمينًا بالرعاية والهداية، فجزاه الله أطيب الجزاء، بل بعض إجابته لي كانت في أيام مرضه الأخير، وهو مستلقٍ على السرير، على شقه الأيمن أو الأيسر، وأنا جاثية أرضًا، وجهي مقابل وجهه، رحمه الله من وجه حبيب. وتقول: كنا جلوسًا حوله يومًا ومضى وقت بعد راحة الطعام، فقال لي: ما عندك أسئلة؟ وأنا ما كنت قد حضرت، فأخذت أقلب في أوراق دفتري، أبحث عن سؤال ليس عليه علامة تم الجواب في غمرة ذلك، قال أبي: التاجر إذا أفلس، رجع لأوراقه القديمة. لكني أبشركم وجدت أسئلة تنتظر فك وثاقها، وأخذ يجيبني عليه، رحمه الله، وبحبوحة الجنة حباه. وتقول: اتصلت به يومًا لأسأله، وصدرت ذلك بقولي: لدي أسئلة، إذا كان عندك وقتك يا أبت، فقال لي: ولو لم يكن عندي وقت، أوجد لك وقتًا. رحمه الله، وجزاه خير الجزاء. توجيه الشيخ لابنته أن تكتب بخط كبير: تقول ابنته حفظها الله: رآني وأنا أكتب جوابه عن أحد أسئلتي بخطي الصغير، فقال: كان معلمنا لما يرانا نكتب كتابتك هذه، يقول: "لا تقرمط الخط قرمطة"؛ يعني: لا تصغره، لأنه سيأتيك زمان - إن شاء الله يكون عمرك مباركًا - ستضعين نظارة مكبرة جدًّا، لقراءة هذا الخط المقرمط. ملاطفة الشيخ لابنته أثناء إجابته على أسئلتها: • يقول الشيخ رحمه الله لابنته: يابي. [قالت ابنة الشيخ في الحاشية: "يابي"؛ أي: يا أبي، كلمة شامية يخاطب بها الأب ابنته أو أبنه، والعكس]. • تقول ابنته في موقف: ضحك أبي هنا، رحمه الله. وتقول في ثانٍ: ضحك رحمه الله. وتقول في ثالث: ضحك أيضًا، ثم قال: ... • يقول الشيخ لابنته: جوابك، يا بنيتي. ويقول لها في رسالة مكتوبة: إليَّ ابنتي الكريمة ... تأكد الشيخ من فهم ابنته: يقول الشيخ لابنته: مفهوم إلى هنا؟ اختلاف إجابة ابنته حسب فهمها: ففي مواقف تقول: مفهوم يا أبت مفهوم .... تمامًا يا أبت، وضح لي تمامًا. وفي ثانية تقول: نعم، الآن فهمت، نعم، مفهوم يا أبت. وفي ثالثة تقول: لم أفهم يا أبت ... لا أعرف، يا أبه. وفي رابعة: مفهوم يا أبي، ولكني عندي تعليق يسير على قولكم. مخاطبة ابنه الشيخ لوالدها بعبارات جميلة: تخاطب ابنة الشيخ والدها رحمه الله في رسالة مكتوبة فتقول: والدي الحبيب، حفظك ربي ورعاك، وبارك في حثيث خطاك، وبلغك في الدارين مناك. تعجب ابنة الشيخ من كلام لوالدها: تقول ابنته حفظها الله: استدل مرة خلال كلامه بأحاديث نبوية، منها حديث لم يسبق أن ورد على سمعي، فقلت مستغربة: وهل هذا الحديث صحيح؟ فضحك، وقال: أم ماذا؟ وتقول في موقف آخر: معقول؟! ويجيب الشيخ رحمه الله: معقول ... دعاء الشيخ لابنته: يقول الشيخ لابنته: يا بنيتي، الله يهديك. أمور تعلمتها ابنة الشيخ حفظها الله من والدها رحمه الله: • العناية بتحسين تلاوة القرآن الكريم، وإن إبحار الطالب في علم الحديث ينعكس على تلاوته بالجودة، وفصاحة الحروف، وإتقان أحكام الترتيل. • الحرص على الصلاة جماعة، وكان يفضل لنا - نحن نساء بيته - أن نصلي جماعة بإمامة إحدانا، عن أن نصلى فرادى. • منه تعلمت الحرص على سنة الاستعاذة الأكمل: (( أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه، ونفثه )). • سنة البدء باليمين في الضيافة، وفي توزيع ما يعطى الجلوس: أهلًا أو ضيوفًا، كبيرًا كان الأيمن أو صغيرًا، ذكرًا أو أنثى. • وكان رحمه الله يحث على الستر والحشمة حتى للصغيرات، في سن الطفولة، ومن دقائق ذلك حثه على لبس السراويل الطويل تحت الثوب، وإن كان طويلًا، وذلك للصغيرات والكبيرات، ولو داخل المنزل بين العائلة. • لباس المرأة أمام المحارم والنساء المسلمات ينبغي أن يكون فضفاضًا بلا حزام، فالثوب الذي يحيط بخصر المرأة ضيقًا، أو كان فضفاضًا، ولكن معه حزام يشد على خصر المرأة لا يجوز، وذلك أن الذي يجوز كشفه هو مواضع الزينة، ومواضع الوضوء، والخصر لا من هذا ولا من ذاك، والاستدلال بقصة "ذات النطاقين" لا يستقيم؛ لأنها كانت قبل نزول آيات الزينة والحجاب، ولأن وصف النطاق الذي ذكره العلماء مختلف عما تفعله النساء اليوم من شد الوسط المحجم لما فوقه، ولما تحته. • وتعلمت منه رحمه الله ثم من الأسرة تبعًا له، الحرص على اجتناب شراء أو لبس الملابس التي عليها صورة ذي روح، مطبوعة أو مطرزة أو غيره، وهذا أكثر ما يكون منتشرًا في ملابس الأطفال، من المنتوجات الجاهزة. • الحرص على طمس صور ذوات الأرواح فلم تكن لتظهر في بيته حتى التي تدخل للحاجة أو الضرورة. وختامًا فيوجد في بيوت بعض المسلمين كنوز تتمثل في علماء يبذلون أعمارهم لتعليم الناس العلم، ينبغي لأقرب الناس إليهم من أبناء وأحفاد وغيرهم أن يستفيدوا من علومهم، وأن يكتبوها، وألَّا يفرطوا في ذلك، تقول ابنة الشيخ حفظها الله: ولئن كان هذا الكتاب نقطة من بحر أبي رحمه الله، وشعور الأسف على التفريط في تدوين آلاف القطرات لا ينفك عني، فإني أعزي النفس بأن لعله مجرد محفز لكتب الأخوات بنات العلماء، تشجيعًا لهن على نشر علوم أفاضل الآباء. فلعل أبناء وبنات وأحفاد وأقارب العلماء يقومون بتدوين سيرهم، فهم ألصق الناس بهم، مما يجعلهم يطلعون على أمور لا يطلع عليها ممن يكتب سير العلماء من غيرهم. |
الأربعون الصحية من الأحاديث النبوية للشيخ حسن الشافعي | محمود ثروت أبو الفضل | 15-02-2022 | 2,320 | https://www.alukah.net//culture/0/152903/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ad%d8%b3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a/ | الأربعون الصحية من الأحاديث النبوية للشيخ حسن الشافعي صدر حديثًا كتاب "الأربعون الصحية من الأحاديث النبوية"، تأليف: د. "حسن الشافعي"، نشر: هدية عدد مجلة الأزهر الصادر في شوال 1441 هـ / يونيو 2020 م. جمع فيه د. "حسن الشافعي" أربعين حديثا نبويًّا صحيحًا وحسنًا تتعلق بصحّة الإنسان في ظل جائحة كورونا التي نزلت بالبشرية. مع تعليقات على كلّ حديث تبيّن وجه صحة الإنسان فيه.. وهو كتاب يكشف عن وجه من الوجوه الحضارية في السنة النبوية. وبين د. "حسن الشافعي" أنه نشط لجمع الكتاب بعدما لاحظه من هجوم وسخرية أحد العلمانيين من الأحاديث النبوية الطبية، ويدعو لاحترام التخصص وعدم إقحام الدين شئون الصحة والمرض. وقد جعل الكاتب عناوين فرعية على اختياراته من الأحاديث الأربعين الطبية من كلام خير البرية لبيان المقصد من إيراد الحديث، وهي على النحو التالي: الحديث الأول: مشروعية التداوي. الحديث الثاني: نظافة البيئة. الحديث الثالث: النهي عن خروج من مكان وقع فيه الوباء أو القدوم عليه. الحديث الرابع: المؤمن والموت. الحديث الخامس: أكل الطيبات، واجتناب الخبائث. الحديث السادس: من آداب الشرب: التنفس خارج الإناء. الحديث السابع: السواك، وخصال الفطرة. الحديث الثامن: النهي عن إتيان الكهان والمنجمين وأمثالهم. الحديث التاسع: عيادة المريض والدعاء له. الحديث العاشر: النهي عن ترك النار في البيت عند النوم ونحوه. الحديث الحادي عشر: الحفاظ على الموارد الحيوية، وخصوصًا المياه. الحديث الثاني عشر: النهي عن الوصال رحمة بالبدن. الحديث الثالث عشر: السحر من كبائر المحرمات. الحديث الرابع عشر: النهي عن دخول المسجد، وإيذاء الناس بالروائح الكريهة. الحديث الخامس عشر: فضل الصحة والسلامة والعافية. الحديث السادس عشر: من أجل نوم هادئ مطمئن. الحديث السابع عشر: الوضوء: النظافة اليومية المكررة. الحديث الثامن عشر: النظافة الأسبوعية. الحديث التاسع عشر: كراهة تمني الموت. الحديث العشرون: اللجوء إلى الله في الشدائد. الحديث الحادي والعشرون: فضل الترقي بالحياة، وشؤم من يطيح بها. الحديث الثاني والعشرون: وحدة المجتمع، والالتزام بالمصلحة العامة. الحديث الثالث والعشرون: طاعةٌ للنبوة وعقلٌ موحدٌ. الحديث الرابع والعشرون: أحوال الناس مع هدي النبوة. الحديث الخامس والعشرون: السعي على العيال كالجهاد في سبيل الله. الحديث السادس والعشرون: تحسين الزي، دون إسراف أو خيلاء، والنهي عن الحرير للرجال إلا لعذر. الحديث السابع والعشرون: لا بأس أن يشكو المريض وجعه، بلا جزع، أو تسخط. الحديث الثامن والعشرون: الصوم فريضة دينية وسنة حيوية. الحديث التاسع والعشرون: الاستبشار برؤية الهلال، والدعاء عندها. الحديث الثلاثون: الاعتكاف كالصوم في نظام الحياة. الحديث الحادي والثلاثون: الأدب في الطعام. الحديث الثاني والثلاثون: كلنا مسئولون. الحديث الثالث والثلاثون: رعاية الجيران. الحديث الرابع والثلاثون: صلة الأرحام. الحديث الخامس والثلاثون: الإفادة من التجربة الواقعية. الحديث السادس والثلاثون: اتقاء الضرر في دين أو دنيا. الحديث السابع والثلاثون: المسئولية عن النعم، وخاصة نعمة الحياة أو العافية. الحديث الثامن والثلاثون: بساطة العيش. الحديث التاسع والثلاثون: نأكل مما ننتجه. الحديث الأربعون: فضلُ مِصر: رَحِمُ للنبوة وصهر. والمؤلف هو د. " حسن محمود عبد اللطيف الشافعي " أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم، ورئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة منذ فبراير 2012، وهو أول أزهري يعتلي المنصب. وهو أيضًا عضو في هيئة كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين. حصل على الماجستير عام 1969. ابتُعث للحصول على الدكتوراه من جامعة لندن، حيث أتقن اللغة الإنجليزية واطّلع على الثقافة الغربية والقضايا الفكرية التي يهاجم بها المستشرقون الإسلام ويثيرون حولها الشبهات. استطاع إنجاز رسالته للدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن سنة 1977، ثم عاد ليدرس الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم. بعد حصوله على الدكتوراه درّس في عدد من الجامعات الإسلامية. في عام 1979 بالجامعة الإسلامية بأم درمان بالسودان، وفي عام 1981 أعير إلى الجامعة الإسلامية العالمية في إسلام أباد بباكستان حتى عام 1988. عاد للتدريس بكلية دار العلوم ثم عمل وكيلًا لشئون الدراسات العليا بالكلية حتى عام 1994، وفي نفس العام اختير عضوًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة. ثم عاد إلى الجامعة الإسلامية بباكستان رئيسا لها حتى عام 2004، ومن ثم عاد للتدريس بدار العلوم. في فبراير 2012 انتُخب رئيسًا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة بعد وفاة رئيس المجمع الدكتور محمود حافظ قبلها بشهور. للدكتور حسن الشافعي إنتاج علمي غزير؛ فقد أصدر منذ عام 1971 م عشرة كتب بالعربية في الفلسفة الإسلامية والتوحيد وعلم الكلام والتصوف، وأكثر من 30 بحثًا علميًّا في العديد من المجلات والدوريات العلمية في مصر والخارج، وخمسة نصوص تراثية محققة، وأربعة كتب مترجمة إلى الإنجليزية، هذا فضلاً عن الإشراف والحكم على عشرات من الرسائل الجامعية في مصر والعالم العربي وباكستان وماليزيا. ومن مؤلفاته وأبحاثه: • الآمدي وآراؤه الكلامية. • علم الكلام بين ماضيه وحاضره. • المدخل إلى دراسة علم الكلام. • فصول في التصوف. • التيار المشائي في الفلسفة الإسلامية. • أبو حامد الغزالي: دراسات في فكره وعصره وتأثيره. • الإمام محمد عبده وتجديد علم الكلام. • حركة التأويل النسوي للقرآن والدين. • تجديد الفكر الإسلامي: "المفهوم والدواعي والخطوات". • البيوتات العلمية بين مصر وتونس. • تطور الفكر الفلسفي في إيران - محمد إقبال، ترجمة: د. حسن الشافعي. |
التحكيم | د. محمد منير الجنباز | 14-02-2022 | 4,648 | https://www.alukah.net//culture/0/152866/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d9%83%d9%8a%d9%85/ | التحكيم عزَمَتْ قريش على إعادة بناء الكعبة ورفع بنيانها، فقد كان بنيانها غير سامق مع عطب في أخشاب السقف؛ قال ابن الأثير في الكامل: " كان سبب هدمهم إياها أنها كانت رضيمة - حجارة مصفوفة - فوق القامة، فأرادوا رفعها وتسقيفها "، وكان البحر قد ألقى بسفينة إلى شاطئ جدة لتاجر رومي فتحطمت، فقوَّت من عزيمة قريش على استعمال أخشابها في البناء، كما ذكر أن أفعى ضخمة كانت تخرج من بئر الكعبة، فتتسلق جدار الكعبة، وكانت إذا اقترب منها أحدٌ كشَّت وفغَرت فاها، فلا يجرؤ أحد على الاقتراب منها. ولما عزمت قريش على بناء الكعبة وجمعوا المال لأجل ذلك، زالت العقبات سريعًا؛ فقد أتى طائر كبير فاختطف الأفعى وذهب بها، فاطمأنت قريش إلى أن عملها في البناء ميسر، ثم هابوا هدمها ونقضها، وقام أبو وهب بن عمرو المخزومي فتناول حجرًا، فوثب من يده، فقال: لا تدخلوا فيها إلا مالًا حلالًا طيبًا، ويروى هذا عن الوليد بن المغيرة، ثم بدأ نقضها وهو يقول: اللهم لم ترع، اللهم لا نريد إلا خيرًا، ثم هدم ناحية الركن، وتربص الناس به تلك الليلة؛ ليروا إن أصابه شيء، وإلا أقدموا على إتمام الأمر، فقام في الصباح دون أن يمسَّه أذى، فأقدم الناس على هدمها إلى أن وصلوا إلى الأساس، وهو حجارة خضر كأنها أسنة آخذ بعضها ببعض، ويروى أن رجلًا وضع عتلة بين حجرين في هذا الأساس، وأراد اقتلاع أحدهما انتقضت مكة بأسرها واهتزت، فوقفوا عند هذا الأساس، وشرعوا في البناء، ولَما وصلوا إلى مكان الحجر الأسود اختلفوا فيمن له الشرف بوضعه، فكل يدعي أحقية هذا الشرف، وكادت تحدث حرب بين الأطراف وينقلب فرح التجديد إلى حزن مأساوي وإراقة للدماء، وهنا اقترح أحد هؤلاء الزعماء - أبو أمية بن المغيرة - تحكيم أول داخل من باب المسجد، فوافقوا، فكان الداخل محمدًا صلى الله عليه وسلم وهو في ذلك في الوقت ابن خمس وثلاثين سنة، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين قد رضينا به، هذا محمد، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال: هَلُمَّ لي ثوبًا، فأُتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعًا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه بيده ثم بنى عليه، وهكذا وأد الفتنة بهذا الحل العبقري، وهذا من بشائر الخير الذي يصيب قومه بفضل الله، ثم ببركة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. وبعد هذه الفترة وحتى سن الأربعين حبب إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخَلوة في غار حراء، وكان يمضي فيه الليالي ذواتِ العدد، لقد هيأ الله له الزوجة الصالحة خديجة ذات الثراء التي تمده بالحنان والمال، وتصبر على خَلوته، وهي له محبة وودودة، وكانت تعد له الزاد الذي يكفيه الأيام، وإذا تأخر خرجت بنفسها تتفقده وتزوده بالطعام والشراب إلى أن يرجع من خَلوته، فكانت امرأة ذلك الموقف التي لا تتأفف ولا تشكو مما يفعل، فهي تعتقد أنه الرجل المناسب الودود، وأن ما يفعله هو لأمر قد أعده الله له، وأنه يختلف عن أقرانه وعن بقية الرجال، ففيه شيء مميز عنهم، وأن القدر لا بد سيظهره على جليته في يوم من الأيام لتتبيَّن صدق فراستها فيه؛ إضافة لما لاحظته عليه من صدق الحديث وطيب المعشر، وحبه للناس والفقراء، ومساعدة الضعفاء، والبر بأهله وعمه الذي رباه، حيث لاحظ كثرة عياله وضيق ذات يده، فاتفق مع عمه العباس أن يعيل النبي صلى الله عليه وسلم عليًّا ويضمه إليه، ويعيل العباس جعفرًا، وكان هذا من نعمة الله على عليٍّ الذي شهد بدء الدعوة، فكان أول الفتيان إيمانًا، وكذلك رفع مكانة غلامه زيد الذي أهدته له خديجة ليخدمه، وما كان منه يوم علم أبواه أنه في مكة، فكان لزيد بن حارثة قصة، قال ابن هشام في السيرة: "قدم حكيم بن حزام من الشام برقيق فيهم زيد بن حارثة وصيف - حسن الشكل - فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد وهي يومئذ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان شئت فهو لك، فاختارت زيدًا، فأخذته، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فاستوهبه منها، فوهبته له، فأعتقه وتبناه، وذلك قبل أن يوحى إليه، وكان أبوه حارثة قد جزع عليه جزعًا شديدًا، وبكى عليه حين فقده - وعلم أنه بمكة - فقدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - وطلب فداءه بالمال - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد: ((إن شئت فأقم عندي، وإن شئت فانطلق مع أبيك))، فقال: بل أقيم عندك، فلم يزَلْ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله وأسلم وصلى معه". |
الوحدة والتنوع في المجتمع الإسلامي خلال عصر صدر الإسلام (الموالي أنموذجا) | م. نكتل يوسف محسن | 13-02-2022 | 4,829 | https://www.alukah.net//culture/0/152843/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%ad%d8%af%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%88%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d8%a3%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac%d8%a7/ | الوحدة والتنوع في المجتمع الإسلامي خلال عصر صدر الإسلام (الموالي أنموذجًا) تكون المجتمع الإسلامي ومنذ فجر الإسلام من اللبنات نفسها التي كانت تتكون منه قبله، حيث مثل العرب بقبائلهم المختلفة، والموالي بأعراقهم المتباينة والمتضمنة: (الفرس، والحبش، والزنج، وغيرهم). لقد أحسن رسول الله إلى الموالي وعاملهم على قدم المساواة مع العرب عبر الشعار القرآني: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، لا بل تفوق البعض منهم على العرب وأصبحوا سادة المجتمع أنذاك مثل: بلال الحبشي، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وسالم مولى أبي حذيفة، وغيرهم. لقد مثلت الدولة الأموية من حيث تأسيسها وطبيعتها، نقلة نوعية في الجانب الاجتماعي إذا ما تم مقارنتها بدولة النبوة والراشدين، إذ إن الكثير من روافد الحياة الاجتماعية قد صبت في تكوينها لتجعل منها دولة مختلفة على الصعيد الاجتماعي، فضلا عن بقية الأصعدة السياسية والاقتصادية وحتى الإدارية. فقد عملت الأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية التي كونت الدولة الأموية عملها في تغيير النموذج الإسلامي الذي شهدته الأمة الإسلامية في العقود الأربعة السابقة لنشأتها، والتي امتازت بقوة اللحمة الاجتماعية بين الفئات كافة والتي غذَّتها فيض من القيم الأخلاقية النبوية فجعلتها حالة واحدة، لا فرق بين عربي أو أعجمي ولا أعجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى [1] ، منهج حياة ساد في عصر الرسالة والراشدين، ولكننا نرى أن هذا اللون قد خفت نوعًا ما في العصر الأموي، لقد كان التركيز على القومية بارزًا في العصر الأموي والتدرج في التنوع الاجتماعي واضحًا تمامًا، لسبب بسيط أن الدولة الأموية توسعت بصورة كبيرة لتضم مناطق من قارات ثلاث آسيا وإفريقيا وأوربا، فقد امتدت من الصين شرقًا حتى جنوب فرنسا غربًا وتوغلت في أرمينيا وأذربيجان ووصلت القسطنطينية شمالًا، مما ترتب عليه تنوع اجتماعي أضيف إلى التنوع الموجود فيما سبق، فدخلت عناصر تركية وكردية ورومية وأرمنية وأمازيغية وفارسية وقوطية، وكانت هذه العناصر حديثة عهد بالإسلام ولم يكن من المنطق أو العدالة أن تتولى مناصب معينة في إدارة الدولة – لحداثة إسلامها؛ وسطحية تجربتها في هذا المجال – وليس كما يؤشر البعض أن الدولة الأموية كانت دولة عنصرية عربية بحتة، ولعل الأدلة التي سنسوقها في هذا المجال - لاحقا – ما يسند هذا الراي ويقويه إلى حدٍّ كبير. إن هذا التباين الاجتماعي باعتباره فعل له صداه فقد ولد حاضنة لمفهوم الوحدة والتنوع في الدولة الاموية؛ فالدولة واحدة يستند نظامها إلى الحكم الوراثي في البيت السفيان ثم البيت المرواني من بني أمية، أما المجتمع فأخلاط من الناس أطلق عليهم الموالي تضاف إلى المكونات السابقة المتمثلة بالعرب. ولكي نعي تمامًا قيمة التنوع وتمثيله الحقيقي في صدر الإسلام، للأبد لنا من لاطلاع على واقع حال الموالي في الدولة الأموية قياسًا بعصر الرسالة والراشدين. أولًا: الموالي وأقسامهم في المجتمع الإسلامي. يتشعب التعريف اللغوي والاصطلاحي للموالي فقد ذكر أنه: الرب وَالْمَالِك وكل من ولي أمرًا أَو قَامَ بِهِ وَالْوَلِيّ الْمُحب والصاحب والحليف والنزيل وَالْجَار وَالشَّرِيك والصهر والقريب من الْعصبَة كالعم وَابْن الْعم وَنَحْو ذَلِك والمُنعِم والمُنعَمُ عَلَيْهِ وَالْمُعتِق وَالْمُعتَق وَالْعَبْد وَالتَّابِع والجمع موَالٍ [2] ، ولكن المدلول اللغوي في العصر الأموي اقتصر على المسلمين غير العرب، والذين وجدوا في المجتمع الإسلامي عبر قنوات منها: العتق (ولاء العتاقة) : حيث حث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عتق الرقاب وتخليصهم من العبودية [3] ، وإلحاقهم بقبائل من عتقهم فيقال: مولى قريش ومولى ثقيف ومولى تميم، وجعل لهذا قنوات عدة منها: القتل الخطأ والحنث باليمين وكفارة الظهار والمكاتبة وعتق التدبير (اعتاق العبد بعد وفاة سيده) [4] ، والأمثلة على هذا كثيرة مثل بلال بن رباح ويسار والد الحسن البصري وأسلم مولى عمر بن الخطاب. ولاء الموالاة: ويطلق عليه ولاء الحلف حيث يقع بين طرفين أحدهما عربي والآخر غير عربي [5] ، مثل ولاء يزيد بن أبي مسلم للحجاج بن يوسف الثقفي. وقد يشمل الموالي كل أبناء البلدان المفتوحة - التي تقع خارج الإطار العربي - كبلاد فارس وما وراء النهر والهند وأرمينيا والأندلس وغيرها [6] . ويطلق المولى : على العربي الذي يترك قبيلته – بالأسر أو الاختيار أو الخلع - ويلتحق بقبيلة أخرى ومثال ذلك زيد بن حارثة الكلبي القحطاني رضي الله عنه الذي أسر وأصبح في مُلك خديجة فملك النبي صلى الله عليه وسلم وفضل البقاء مع النبي بعد مجيء أهله لافتدائه لحبه إياه [7] . ثانيا: أصناف الموالي في العصر الأموي الفرس: يرجع الباحثون سلالة الفرس إلى السلالة الآرية والتي تعود أصولها الأولية إلى القارة الأوربية، والفارسية لغتهم التي يتحدثون بها، وقد استقرت هذه السلالة في بلاد فارس - إيران الحالية - وتشكلت هويتها بعد استيعاب الكثير من الأمم مثل العرب والترك واليونان، وكان لهم حضارة عظيمة قبل الإسلام دامت ألف عام، ودخل أفرادا منهم الإسلام في فجر الدعوة الإسلامية وتتابع البقية بعد الفتح الإسلامي [8] ، ومن أولئك الأساورة في البصرة والكوفة الذين أسلموا في بداية الفتوحات ودخلوا في خدمة المسلمين، وكان لهم نهر معروف باسمهم في البصرة [9] . الروم: الرّوم بَنو الْأَصْفَر والأصفر هُوَ روم بن الْعيص بن إِسْحَاق صابئة ذَوي أصنام حَتَّى تنصر قسطنطين فتنصروا [10] ، وقيل إن روم هو الاسكندر ذي القرنين بيلبوس بن مطريوس وقيل غير ذلك [11] ، كانت الامبراطورية البيزنطية أحد أقطاب العالم عند مجيء الإسلام، ودخل الكثير من الروم في الإسلام ولا سيما بعد الفتوحات العظيمة التي حدثت في الثغور الرومية في أذربيجان وأرمينيا الأولى (تركيا حاليًا) حتى وصلوه إلى القسطنطينية زمن معاوية وسليمان والتي تقع ضمن الامبراطورية البيزنطية، فضلا عمن استقر في الشام بعد الفتح الإسلامي فكانوا ضمن الموالي. الترك: قوم اختلفوا في أصلهم، قال الخطابي: الترك هم بنو قنطوراء، وهي جارية كانت لإبراهيم، عليه السلام، ولدت أولادًا جاءت من نسلهم الترك. وقال كراع: الترك هم الذين يقال لهم: الديلم، وقال ابن عبد البر: الترك هم ولد يافث وكان ليافث سبعة أولاد منهم ابن يسمى: كور، فالترك كلهم من بني كومر، وهم أجناس كثيرة أصحاب مدن وحصون، ومنهم في رؤوس الجبال والبراري - وسط أسيا وشرقيها - ليس لهم عمل سوى الصيد [12] ، دخل بعضهم الإسلام منذ القرن الأول الهجري ولا سيما في ولاية عبيد الله بن زياد على العراق وازداد أعداد المسلمين في القرن الثاني. البربر: ذكر الطبري أنهم من أبناء مازيغ وبر أبناء يقشان بن إبراهيم الخليل [13] ، وقال ابن خلدون أن الأمازيغ عرب تبربروا وهم من اليمن أحفاد مازيغ بن كنعان [14] ، وذكر أوغسطين القديس الجزائري أن أصل أهل الجزائر – المغرب الأوسط – كنعانيون [15] ، ويقسمون إلى بربر البتر البدو وبربر البرانس الحضر، وقد دخلوا الإسلام في منتصف القرن الأول الهجري ولا سيما بعد بناء القيروان. الكرد: قوم مختلف في نسبهم قال ابن الكلبي هم أبناء كرد بن عمرو مزيقياء من أهل اليمن، وقال المسعودي: أن الأكراد من ولد ربيعة بن نزار،،وقال المقريزي وابن خلدون: هم بدو الفرس، وهم طوائف شتى، والمعروف منهم السورانية والكورانية والعمادية والحكارية والهارونية... الخ، إلى غير ذلك من القبائل التي لا تحصى كثرة، وبلادهم أرض الفارس وعراق العجم والأذربيجان والإربل والموصل [16] . الزط والسبابجة : قوم من السند جاءوا بعد الفتوحات ودخلوا في الإسلام واستقروا في البصرة والكوفة، وذكر أن معاوية نقل إِلَى السواحل قومًا من زط البصرة والسبابجة وأنزل بعضهم انطاكية، فبانطاكية محلة تعرف بالزط وببوقا من عمل انطاكية قوم من أولادهم يعرفون بالزط وكذلك فعل الوليد [17] . الأفارقة : من أصناف الموالي اللذين تواجدوا بكثرة في الجزيرة العربية قبل الإسلام ودخلوا في الإسلام في أول أمره، وهم على أنواع كثيرة: الحبشة والزنوج والنوبيين وغيرهم، وكان منهم بلال بن رباح وام ايمن بركة وأصحمة نجاشي الحبشة وغيرهم. ثالثًا: دور الموالي في الحياة السياسية والحضارية في عصر صدر الإسلام. لقد أسهم الإسلام بذوبان هذه العناصر في حضارته، وأصبحوا لبنة أساسية في بناء الدولة، بالرغم مما أشيع أن دورهم كان سلبيًّا ولا سيما في عصر الدولة الأموية وأن الأمويين قد أقصوهم عن مراكز القرار والمناصب الإدارية والعسكرية، فيكفي أن نذكر في مجال الجيش قائدان هما من الموالي طارق بن زياد وموسى بن نصير وهما من ألمع القادة الأمويين الذين فتحوا المغرب والأندلس ومكنوا للإسلام فيه ووسعوا حدود الدولة الأموية، أما على الجانب الإداري فيكفي أن نذكر يزيد بن أبي مسلم وأبي المهاجر دينار ولاة الأمويين على المغرب، فضلا عن عمال معاوية وزياد بن أبي سفيان حيث ذكر أن لزياد زاذان فروخ كاتب الخراج وكاتب الرسائل عبد الرحمن بن أبي بكرة وجبير بن حية وحاجبه مهران مولاه [18] . أما في الجانب الحضاري فقد أسهم الموالي إسهامًا لا بأس به في هذا الجانب وأخذوا بنصيب وافر من هذا المضمار، ولعل في قول ابن حبيب صاحب المحبر والمنمق - وهو من الموالي - ما يؤشر بعض هذا الإسهام هذا إذ قال: والموالي حملة العلم في العصر العباسي كما كانوا في العصر الأموي [19] ، وهذا لا يضيق المساحة على العرب الذين كانوا في هذا الوقت يعتلون الصدارة، ففي جانب الفقه والحديث والعلوم الشرعية تصدر إمام التابعين سعيد بن جبير مولى بني أسد وسيد التابعين الحسن بن يسار البصري مولى زيد بن ثابت الأنصاري المشهد الفقهي والحديثي في العصر الأموي وهما من الموالي، فضلًا عن محمد بن سيرين الأمام الراسخ في الفقه والحديث إلى جانب تصدره في مجال تأويل الرؤى، وذلك بعد وفاة جل الصحابة المشهورين في بحور العلم ولا سيما العبادلة الأربعة، إذ روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم يقول: " لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم، صار الفقه في البلدان كلها إلى الموالي، فكان فقيه مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل اليمن طاووس، وفقيه أهل الكوفة إبراهيم، وفقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيب، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير، وفقيه أهل البصرة الحسن، وفقيه أهل الشام مكحول، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني" [20] ، كما كان عامر الشعبي سفير عبد الملك بن مروان ومن الأذكياء كما أنه تولى القضاء في المدينة [21] ، فضلا عن رجاء بن حيوة مولى كندة ودوره العظيم في نصح الخلفاء الأمويين والتأثير في سياستهم ومن ذلك التأثير على الخليفة سليمان بن عبد الملك لتولية عمر بن عبد العزيز [22] ، مما يثبت أن الموالي أو قسمًا منهم قد أخذوا حظهم في إدارة الدولة الأموية. رابعًا: أثر الموالي في الثورات والاضطرابات السياسية. لقد شكل الموالي إحدى لبِنات المجتمع في عصر صدر الإسلام، وساهموا في الأحداث والنشاطات والفعاليات على هذا الأساس، ومن تلك الأحداث الثورات التي قامت على الدولة الأموية والتي نفذها جميع عناصر المجتمع من عرب وموالي وغيرهم، وقد تلاطمت الآراء في تحديد مدى الدور الذي لعبه الموالي في هذا الجانب تلاطم الأمواج العاتية، ومن تلك الآراء اعتبار الموالي السبب الرئيس في سقوط الدولة الأموية وعزوا هذا إلى سوء تعامل الأمويين مع الموالي [23] ، وبالرغم من مشاركة الموالي في أغلب الثورات العربية ضد الأمويين، مثل ثورة ابن الزبير والمختار الثقفي وعبد الرحمن بن الأشعث فضلا عن ثورات المغرب وغيرها [24] ، فإن ذلك لا يعطي الباحثة المساحة والصلاحية للقول: إن السياسة التعسفية للدولة الأموية كانت السبب وراء سقوط الدولة، فالكثير من الموالي انخرطوا في الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والعلمية كما بينا سابقًا، كما أن الثورات شاركت بها جميع الفئات وقاد أغلبها العرب ولو كان الموالي قد وصلوا في تأثيرهم في سقوط الدولة الأموية إلى الحدِّ الذي ذكرته لكان الأجدر بهم أن يتبنوا الثورة هم ويباشروها بأنفسهم، ولا يقفون خلف العرب ويستترون بهم ليعلنوا معادتهم للأمويين. إن ما أثر على الموالي هو نفسه الذي أثر على العرب، فقد اختلف التعامل من عصر الرسالة والراشدين إلى العصر الأموي، وكانت السياسات التي انتهجها الولاة الأمويين السبب في أغلب تلك الثورات، فالظلم والتعسف السبب الذي يقف خلف الثورة والمشاركة بها وليس العنصرية العربية التي انتهجها العرب، والأدلة في هذا كثيرة فعبد الله بن الزبير والحسين بن علي وعمرو بن سعيد الأشدق الأموي وغيرهم لم يكونوا موالي بل من العرب ومن قريش ولكن الخلافات السياسية أدت لثورة هؤلاء ومقتلهم على يد الأمويين. خامسًا: تقييم دور الموالي في صنع التنوع في العصر الأموي: 1- توسع التمثيل الاجتماعي للموالي في العصر الأموي على ما كان عليه في العصور التي سبقته بسبب توسع رقعة الدولة. 2- تعددت معاني الموالاة في العصر الأموي، ما بين موالاة العتاقة ومولاة الحلف، والموالي العرب الذين انسلخوا من قبائلهم، فضلا عن أهل المناطق المفتوحة. 3- مثل الأمويين نظامًا مختلفًا في الحكم عن عصر الرسالة والراشدين، آثار في نفوس المجتمع ككل روح الاحتجاج الثورة. 4- ومع هذا النظام فقد نجح الكثير من الخلفاء الأمويين – أمثال معاوية بن أبي سفيان وعمر بن عبد العزيز في استقطاب الموالي إلى وظائف الدولة ووصلوا إلى مراكز القيادة. 5- كان للموالي دورا بارزًا في الجوانب الحضارية والعلمية، حيث شقوا طريقهم في هذا المجال فكانوا أئمة القرآن والحديث والتفسير والفقه والعربية وغيرها. 6- يعود امتناع الأمويين على تولية بعض الموالي في المهام الإدارية والسياسية إلى حداثة عهدهم بالإسلام وعدم تشربهم به وليس إلى العنصرية المحضة التي امتاز بها الأمويين. 7- كانت مشاركة الموالي في الثورات ردة فعل طبيعية على السياسات التي انتهجها الولاة الأمويين باعتبارهم أحد مكونات المجتمع. 8- لقد انضوى الكثير من الموالي تحت لواء الدولة الأموية، مكونين بهذه وحدة في الدولة وتنوع في المجتمع وفي مقومات الحضارة والعلم. قائمة المصادر والمراجع: (1) ابن حبيب، المنمق في أخبار قريش. (2) ابن حزم، المحلى بالآثار. (3) ابن خلدون، العبر وديوان المبتدأ والخبر. (4) ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب. (4) ابن الوردي، تاريخ ابن الوردي. ( 5) الأمام أحمد بن حنبل الشيباني، المسند. (6) البخاري، الجامع الصحيح. (7) البلاذري، فتوح البلدان. (8) خليفة بن خياط، تاريخ خليفة. (9) الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس. (10) الطبري، تاريخ الرسل والملوك. (11) العيني، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري. (12) الفاكهي، أخبار مكة. المراجع الثانوية : (1 ) إبراهيم مصطفى - أحمد الزيات - حامد عبد القادر - محمد النجار، المعجم الوسيط. (2 ) إيمان علي، دور الموالي في سقوط دولة الأموية. (3 ) بسمة حسن، من هم الروم والفرس في هذا العصر، مقال منشور في موقع المرسال الألكتروني. (4 ) جميل حمداوي، أصول الإنسان الأمازيغي. (5 ) M.Bennards ,patronga in Eariy and Classical islam [1] أحمد، الامام ابو عبد الله بن حنبل الشيباني، مسند الامام احمد، 5 /411. [2] إبراهيم مصطفى - أحمد الزيات - حامد عبد القادر - محمد النجار، المعجم الوسيط،2 /1085. [3] البخاري، الجامع الصحيح، 2 /684؛ 2 /899. [4] إيمان علي، دور الموالي في سقوط دولة الاموية، 62. [5] ابن حزم، المحلى،11/ 59. [6] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 8 /35. نقلًا عن: M. Bennards ,patronga in Eariy and Classical islam ,268 [7] ابن عبد البر، الاستيعاب، 2 /543. [8] بسمة حسن، من هم الروم والفرس في هذا العصر، مقال منشور في موقع المرسال الالكتروني. [9] الطبري، تاريخ، 2 /428. [10] ابن الوردي، تاريخ ابن الوردي، 1 /79. [11] ابن الوردي، تاريخ ابن الوردي، 1 /79. [12] العيني، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، 4 /200. [13] الطبري، المصدر السابق، 1 /29. [14] العبر وديوان المبتدا والخبر، 6 /191. [15] جميل حمداوي، اصول الانسان الامازيغي، 3. [16] الزبيدي: محمّد بن محمّد، تاج العروس من جواهر القاموس، 9 /104. [17] البلاذري، فتوح البلدان، 162. [18] خليفة بن خياط، تاريخ، 212. [19] ابن حبيب، المنمق، 5. [20] الفاكهي، اخبار مكة، 2/342. [21] خليفة بن خياط، تاريخ، 313. [22] ايمان علي، دور الموالي، 137 [23] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 4 /59. [24] إيمان علي، المرجع السابق، 137-145. |
الأربعون التعليمية من حديث معلم البشرية لسليمان السويد | محمود ثروت أبو الفضل | 12-02-2022 | 2,419 | https://www.alukah.net//culture/0/152811/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%a8%d8%b9%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%8a%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d9%8a%d8%af/ | الأربعون التعليمية من حديث معلم البشرية لسليمان السويد صدر حديثًا كتاب "الأربعون التعليمية من حديث معلم البشرية"، تصنيف: د. "سليمان بن أحمد السويد"، نشر وتوزيع "دار ابن الجوزي". وهذا الكتاب جمع فيه مؤلفه أربعين حديثًا - جريًا على عادة العلماء السابقين - من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في باب التعليم والتعلم. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المعلم الأول لأصحابه وللبشرية، وقد وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض التطبيقات التربوية في طرق التعلم والتلقي سلوكيًا ومعرفيًا، وكان لتنوع أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم - شأوًا عظيمًا في إيصال المادة العلمية للمتلقي من أحسن طريق وأيسره؛ وقد جاءت هذه الرسالة في بيان وحصر بعض تلك الأفكار التعليمية والتطبيقات النبوية في هذا الباب والميدان بما فيه من اختلاف في المفاهيم والأساليب حسب حالة كل سائل وطالب علم. يقول الكاتب في مقدمته رسالته: "أحببتُ المساهمة في جمع هذه الأحاديث التي تشير إلى أمور جزئية في العملية التعليمية وهي: أساليب النبي - صلى الله عليه وسلم - في تقديمه للمعلومات والمهارات". وراعى الكاتب في جمعه لهذه الأحاديث شرحها وبيانها بشكل مختصر، بغرض توضيح الفكرة التعليمية المستنبطة من الحديث دون التوسع في التدليل. وكان ضابط الأحاديث المختارة هي الأحاديث المرفوعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ويكون فيها ما يخدم عملية توصيل المعارف والمهارات والعلوم للمتلقي. وقد ابتعد الكاتب عن الموقوفات والمقطوعات من تلك الأحاديث، حيث تخير الصحيح منها لرسالته، وبيَّنَ الكاتب أنه سبق فكرته عدة كتب جمعت أربعين حديثًا ولها تعلق بالتعليم، ومن أهمها: 1- الاحتفال بأحكام وآداب الأطفال [أربعون حديثًا في الصبيان] لعبدالله آل حمدان الغامدي. 2- الرسول المعلم - صلى الله عليه وسلم - وأساليبه في التعليم، للشيخ عبد الفتاح أبو غدة. 3- الأربعون التربوية لأسامة علي متولي. 4- الأربعون في التربية والمنهج لعبد العزيز بن محمد السدحان. ويمتاز هذا الكتاب بأن مؤلفه جمعه بحكم خبرته الطويلة في السلك التربوي، وفي مجال التعليم، حيث أنه ألصق بمجال تخصصه، وهو عن تجربة وممارسة لهذا الباب والمجال. والشيخ يأتي بالحديث ثم يضيف تخريج الحديث في الحاشية، ويعلق باختصار على المراد من هذا الحديث، وما هي طريقة التعليم لإيصال المعلومة للمتلقي في هذا الحديث. وقد جمعتْ أحاديث الباب الأربعون عناوين من مثل: تحفيز المعلم، التدرج في المعارف، جذب الانتباه بالتكرار، استخدام الجسد في التعليم، جذب الانتباه بغموض المعلومة، حماس المعلم، إنجاز الحوافز، الرفق في توجيه خطأ المتعلم، أخلاقيات المعلم، التعليم الفردي.. وغيرها. والمؤلف هو د. " سليمان السويد " متخصص في الإشراف التربوي والتدريس، يعمل بمركز الإشراف التربوي بالقطيف، من مؤلفاته: " فوائد متفرقة لابن الجوزي في كتابه نواسخ القرآن "، و" الكليات الفقهية عند الإمام أحمد" ، إلى جانب أنه اختصر كتاب " 100 فكرة لإدارة سلوك الطلاب والطالبات " تأليف " جوني ينغ " وترجمة " سلام حسن الخطيب ". |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - إحصائيات) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 09-02-2022 | 6,516 | https://www.alukah.net//culture/0/152777/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%b5%d9%8a%d8%b1-%d8%a5%d8%ad%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d9%8a%d8%a7%d8%aa/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (التنصير - إحصائيات ) نشرت مجلة " الكوثر " التي يصدرها الدكتور عبدالرحمن بن حمود السميط إحصائية عن التنصير لعام 1424هـ/ 2003م [1] ، ذكرت فيه أن مجمل التبرعات للأغراض التنصيرية بلغت ثلاثمائة وعشرين مليارًا (320،000،000،000) دولار للعام 1424هـ/ 2003م، وكانت قد بلغت عام 1390هـ/ 1970م سبعين مليار (70،000،000،000) دولار، وبلغت عام 1420هـ/ 2000م مائتين وسبعين مليار (270،000،0000،000) دولار، ويتوقع أن تبلغ سنة 1445هـ/ 2025م ثمانمائة وسبعين مليار (870،000،000،000) دولار. وسيبلغ عدد المنظمات والجمعيات التي ترسل منصرين أربعة آلاف ومائة وخمسين (4150) منظمة وجمعية، وكانت قد بلغت سنة 1390هـ/ 1970م ألفين ومائتي (2200) منظمة وجمعية، وبلغت سنة 1420هـ/ 2000م أربعة آلاف (4،000) منظمة وجمعية،ويتوقع أن تبلغ سنة 1445هـ/ 2025م ستة آلاف (6،000) منظمة وجمعية للتنصير المباشر،أما الجمعيات والهيئات والمنظمات التي تعمل على التنصير غير المباشر فتزيد عن خمسة وعشرين ألف (25،000) جمعية وهيئة ومنظمة. وذكرت مجلة " الكوثر " نقلًا عن النشرة الدولية لأبحاث التنصير [2] : أن عدد المنصرين المفرغين من المحليين والأجانب بلغ للعام 1424هـ/ 2003م خمسة ملايين وسبعمائة وتسعة وثمانين ألف (000،987، 5) منصر ومنصرة، وأن عدد الأناجيل التي طبعت في منتصف ذلك العام قد وصل إلى اثنين وستين مليون (62،000،000) نسخة، وأن عدد محطات الإذاعة والتلفزيون التنصيرية وصل في المدة نفسها إلى أربعة آلاف وخمس وسبعين (4075) محطة إذاعة وتلفزيون يستمع إليها ويشاهدها ما لا يقل عن ستمائة وثمانية وخمسين مليون (658،000،000) مستمع ومستمعة ومشاهد ومشاهدة. وقد أعَدَّ هذه الدراسة الإحصائية للنشرة الدولية لأبحاث التنصير كلٌّ من الأستاذ الدكتور ديفيد باريت المتخصص في إحصاءات التنصير بجامعة ريخت في فرجينيا ورئيس مركز أبحاث التنصير في مدينة ريتشموند بفرجينيا كذلك، والأستاذ الدكتور نود جونسون أستاذ اللاهوت في كلية دير فيلد بولاية إلينوي. وذكرت صحيفة " الكوثر " أن عدد الحاسبات الآلية المستخدمة في التنصير قد بلغ أربعمائة مليون (400،000،000)، واتضحت صحة هذا الرقم الفلكي بعد التحقق منه من مصدره الأصلي في النشرة الدولية لأبحاث التنصير، إلا أنه يشير إلى عدد استخدامات الحاسب الآلي التي كانت صفرًا سنة 1900م، ثم بلغت ألفًا (1،000) فقط سنة 1390هـ/ 1970م، ثم ارتفعت إلى ثلاثمائة واثنين وثلاثين مليون (332،000،000) استخدام سنة 1420هـ/ 2000م لتصل إلى أربعمائة مليون (400،000،000) استخدام لسنة 1424هـ/ 2003م، ثم يتوقع أن تصل إلى مليار وخمسمائة مليون (1،5000،0000،000) استخدام بحلول عام 1445هـ/ 2025م. وتحت كلمة " تبشير " يوجد على الشبكة العنكبوتية تحديدًا أكثر من مائة وسبعين ألف (170،000) مادة على شبكة جوجل، وواحد وثلاثين ألف ومائة (31،100) مادة على شبكة "ياهو" للتنصير والمنظمات والهيئات والمعاهد التنصيرية [3] . وقد بلغت الكتب المنشورة حول التنصير في عام 1424هـ/ 2003م مائة وثمانية وعشرين ألف (128،000) كتاب، وستبلغ سنة 1445هـ/ 2025م مائة وخمسة وتسعين ألف (195،000) كتاب،أما الصحف ( المجلات، والدوريات ) فتبلغ تسعة عشر ألف (19،000) دورية، وستصل إلى ثمانين ألف (80،000) مجلة ودورية بحلول عام 1445هـ/ 2025م. أما الخطط التنصيرية فقد بلغت في العام 1424هـ/ 2003م ألفًا وستمائة وعشر (1،610) خطط، وستصل سنة 1445هـ/ 2025م إلى ثلاثة آلاف (3،000) خطة. توضع هذه الأرقام الحديثة أمام ناظري القارئ والقارئة الكريمين دون أدنى تعليق، سوى أنها أرقام تثير - من حيث ضخامتها - الاستغراب،ويحتِّم هذا مواصلة تحديث المعلومة، بما في ذلك توقع ما ستكون عليه المعلومة، وإيجاد مجال للتخطيط فيما يتعلق بمواجهة هذه الحملات التي لم تسلم منها المجتمعات المسلمة؛ إذ إنها مستهدفة من ذلك. [1] انظر: التحرير ، إحصائية التنصير للعام 2003م - مجلة الكوثر - ع 42 (محرم وصفر 1424هـ/ إبريل 2003م) - ص 34. [2] انظر: Interrnaitlal Bulletin of Mitteinaty Reseatdtch [3] انظر: زينب عبدالعزيز ، حرب صليبية بكل المقاييس - مرجع سابق - ص 24. |
نماذج من سير العلماء والصالحين (7): الإمام النسائي رحمه الله تعالى | د. صغير بن محمد الصغير | 09-02-2022 | 11,027 | https://www.alukah.net//culture/0/152770/%d9%86%d9%85%d8%a7%d8%b0%d8%ac-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%86-7-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89/ | نماذج من سير العلماء والصالحين (7): الإمام النسائي رحمه الله تعالى الحمد لله، سخر بعض البشر لبعض، وجعل منهم مدارس وعلماء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أخرج الله تعالى به الناس من الظلمات إلى النور والضياء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأتقياء الأوفياء؛ أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [الحشر: 18]. أيها الإخوة، معنا اليوم سيرة عَلَمٍ من أعلام الأمة، بل مدرسة من مدارسها خرَّجت أممًا وأئمة، أمثال: الإمام أبي جعفر الطحاوي العالم المعروف صاحب العقيدة الطحاوية، وأمثال أبي جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحاس الإمام النحوي المشهور، والمحدث أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ومحمد بن موسى المأموني، والإمام ابن السني المحدث المعروف، وغيرهم كثير رحمهم الله تعالى، هو رحمه الله كما قال ابن عساكر رحمه الله: "أحد الأئمة المبرزين، والحفاظ المتقنين، والأعلام المشهورين" [1] ، وكما قال الذهبي رحمه الله: "الإمام، الحافظ، الثبت، شيخ الإسلام، ناقد الحديث... وكان من بحور العلم، مع الفهم، والإتقان، والبصر، ونقد الرجال، وحسن التأليف" [2] . إنه الإمام أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر الخراساني، النسائي، ولد بنسا في سنة خمس عشرة ومائتين للهجرة. سيرة هذا الجبل من أعظم السير، فطار ثناء العلماء عليه في الآفاق حتى قال الذهبي رحمه الله: "ولم يكن أحد في رأس الثلاثمائة أحفظ من النسائي، هو أحذق بالحديث وعلله ورجاله من مسلم، ومن أبي داود، ومن أبي عيسى، وهو جارٍ في مضمار البخاري، وأبي زرعة" [3] . وقال الدارقطني: "وكان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعلمهم بالحديث والرجال" [4] . وقال الحاكم: "كان النسائي أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال" [5] . وقال أبو الحسن الدارقطني رحمه الله: "أبو عبدالرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره" [6] . ومن اطلع على سيرته علِم صدق قولهم فيه؛ فقد "طاف البلاد، وسمع بخراسان، والعراق، والحجاز، ومصر، والشام، والجزيرة من جماعة يطول ذكرهم" [7] . فهو كما قال الذهبي رحمه الله: "طلب العلم في صغره، فارتحل إلى قتيبة في سنة ثلاثين ومائتين، فأقام عنده ببغلان سنةً، فأكثر عنه... جال في طلب العلم في خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن" [8] . قال الحافظ ابن كثير: "رحل إلى الآفاق واشتغل بسماع الحديث والاجتماع بالأئمة الحذاق" [9] ، وهو من أعلى الأئمة إسنادًا، وجمع بين علم القراءات وعلم الحديث وعلله ورجاله. وعلاوةً على العلم والحفظ، كان من العباد الصالحين، يصوم يومًا ويفطر يومًا، ويخرج للجهاد، ويخرج للحج، حتى قال محمد بن المظفر الحافظ: "سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار، وأنه خرج إلى الفداء مع أمير مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثورة في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، والانبساط في المأكل، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استُشهد بدمشق من جهة الخوارج" [10] [11] . قال الدارقطني رحمه الله: "كان أبو بكر بن الحداد الشافعي كثير الحديث، ولم يحدث عن غير النسائي، وقال: رضيت به حجةً بيني وبين الله تعالى" [12] . وكان أثر الطاعة والعبادة يُرى على وجهه؛ قال الذهبي: "وكان نضر الوجه مع كبر السن..." [13] . ولا غرابة من علمه وعبادته، فهو تلميذ إسحاق بن راهويه، وهشام بن عمار، وأحمد بن منيع، وإسحاق بن شاهين، وسوار بن عبدالله العنبري، وعبدالملك بن شعيب بن الليث، وغيرهم. وقد اتهمه ثلة من المؤرخين وتبعهم أناس بشيء من التشيع، ولكن ذلك في الحقيقة لم يثبت؛ قال ابن الأثير: "كان شافعيًّا له مناسك على مذهب الشافعي، وكان ورعًا متحريًا" [14] ، وقال محمد بن أعين: "قلت لابن المبارك: إن فلانًا يقول: من زعم أن قوله تعالى: ﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي ﴾ [طه: 14] مخلوق، فهو كافر. فقال ابن المبارك: صدق، قال الإمام النسائي: بهذا أقول" [15] . ورُوي أنه سُئل عن معاوية بن أبي سفيان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "إنما الإسلام كدارٍ لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد دخول الباب، قال: فمن أراد معاوية، فإنما أراد الصحابة" [16] . وقد كان حريصًا على توثيق السنة؛ قال الحافظ ابن طاهر: "سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل، فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي، فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم، قال الذهبي: قلت: صدق فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم" [17] . وقد تميز بشجاعة منقطعة النظير، يدل على ذلك قصته في تأليف كتاب "خصائص علي رضي الله عنه"، قال الوزير ابن حنزابة: سمعت محمد بن موسى المأموني صاحب النسائي، قال: سمعت قومًا ينكرون على أبي عبدالرحمن النسائي كتاب (الخصائص) لعلي رضي الله عنه، وتركه تصنيف فضائل الشيخين، فذكرت له ذلك، فقال: دخلت دمشق، والمنحرف بها عن عليٍّ كثير، فصنفت كتاب (الخصائص) رجوت أن يهديهم الله تعالى، وحكى ابن خلكان في "الوفيات" أنه إنما صنف "الخصائص" في فضل علي وأهل البيت؛ لأنه رأى أهل دمشق حين قدمها في سنة ثنتين وثلاثمائة عندهم نفرة من عليٍّ [18] . وهذا لا يعمله - أيها الإخوة - إلا من كان صادقًا في دعوته وتأليفه، وأمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر؛ إذ دخل بلدة كانت في ذلك الحين بعض الناس فيها يقدحون بعلي رضي الله عنه، فواجههم بقلمه رحمه الله ورضي عنه، وألف هذا الكتاب خصائص علي رضي الله عنه، وهذا - لعمر الله - شجاعة ما بعدها شجاعة، يذهب إلى بلد ويخالفهم قاصدًا إظهار سنة النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إنه صنف بعد ذلك فضائل الصحابة [19] . قال الذهبي رحمه الله: "وأما كتاب (خصائص علي) فهو داخل في (سننه الكبير)، وكذلك كتاب (عمل يوم وليلة) وهو مجلد، هو من جملة (السنن الكبير) في بعض النسخ" [20] . قال ابن كثير رحمه الله: "وهو صاحب السنن، الإمام في عصره والمقدم على أضرابه وأشكاله وفضلاء دهره" [21] ، وأما الكتاب المشهور له، فهو السنن الصغرى المسمى بالمجتبى من السنن، وله أيضًا كتب أخرى رحمه الله. أقول قولي هذا، وأستغفر الله. الخطبة الثانية الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، الهادي إلى إحسانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأعوانه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد: فيا عباد الله، اتقوا الله تعالى حق التقوى، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]. هذه السيرة الحافلة للإمام النسائي رحمه الله التي لم نذكر إلا طرفًا منها، أبى الله تعالى إلا أن يكتب له الشهادة في آخرها، وقد ذكروا أن أهل دمشق لما ظنوا أنه يتنقص من معاوية رضي الله عنه آذوه وضربوه، فما زالوا يدفعونه ويضربونه على جنبيه حتى أخرج من المسجد، ثم حمل إلى الرملة - وقيل إلى مكة - فتوفي بها؛ قال الدارقطني: "خرج حاجًّا فامتحن بدمشق، وأدرك الشهادة فقال: احملوني إلى مكة، فحمل وتوفي بها" [22] . وقيل: كان أفقه مشايخ مصر في عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعرفهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه، فخرج إلى الرملة، فسئل عن فضائل معاوية، فأمسك عن الخوض في ذلك، فضربوه في الجامع، فقال: أخرجوني إلى مكة، فأخرجوه وهو عليل، فتوفي بمكة مقتولًا شهيدًا. وقيل توفي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة ثلاث وثلاثمائة [23] ، ودفن ببيت المقدس [24] . رحم الله الإمام أبا عبدالرحمن النسائي وغفر له ولجميع أئمة الإسلام، فهذه السير هي التي تستحق أن تُروى وتُذكر، لا سير التافهين والتافهات والرويبضات، والله المستعان. ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. [1] تاريخ دمشق لابن عساكر (71/ 170). [2] سير أعلام النبلاء (14/ 125). [3] سير أعلام النبلاء (14/ 133). [4] سير أعلام النبلاء (14/ 133). [5] طبقات الحفاظ للسيوطي (ص: 307). [6] سير أعلام النبلاء (14/ 131). [7] تاريخ دمشق لابن عساكر (71/ 170). [8] سير أعلام النبلاء (14/ 127). [9] البداية والنهاية (14/ 793). [10] سير أعلام النبلاء (14/ 131). [11] تاريخ دمشق لابن عساكر (71/ 174). [12] سير أعلام النبلاء (14/ 131). [13] سير أعلام النبلاء (14/ 128). [14] جامع الأصول (1/196). [15] سير أعلام النبلاء (14/ 127). [16] تاريخ دمشق لابن عساكر (71/ 175). [17] سير أعلام النبلاء (14/ 131). [18] البداية والنهاية (14/ 795). [19] سير أعلام النبلاء (14/ 129). [20] سير أعلام النبلاء (14/ 133). [21] البداية والنهاية (14/ 793). [22] سير أعلام النبلاء (11/ 82). [23] سير أعلام النبلاء (14/ 133). [24] البداية والنهاية (11/ 141). |
الأدوات البلاغية في القرآن الكريم لظافر غرمان العمري | محمود ثروت أبو الفضل | 08-02-2022 | 3,780 | https://www.alukah.net//culture/0/152743/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%84%d8%a7%d8%ba%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d9%84%d8%b8%d8%a7%d9%81%d8%b1-%d8%ba%d8%b1%d9%85%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%8a/ | الأدوات البلاغية في القرآن الكريم لظافر غرمان العمري صدر حديثًا كتاب "الأدوات البلاغية في القرآن الكريم"، تأليف: أ.د. "ظافر بن غرمان العمري"، نشر: "مكتبة الرشد للنشر والتوزيع". وهذا الكتاب يتناول حروف المعاني في اللغة العربية والتي تمثل الروابط الدقيقة في نظم الكلام البليغ، والناظر في بلاغة الكلام يجد لها دورًا فاعلًا في بناء هيكل الكلام وتوجيه معانيه، وقد اهتم علماء العربية بها من اللغويين والمفسرين وشراح الأدب، مستقين من القرآن الكريم أوجه بلاغة إيراد تلك الأدوات، حيث أن لعلوم البلاغة أهمية في فهم النص، وفحص دقائقه، واستنطاق مقاصده. فيتوجه البحث للكشف عما يمكن كشفه من أسرار العدول السياقي في توظيف حروف الجر، ومعاني النداء في القرآن الكريم، وحرفي التنفيس في النظم القرآني، وحروف النفي وغيرها من أساليب علم المعاني من علوم البلاغة. ويضم الكتاب مقدمة وستة فصول على النحو التالي: الفصل الأول: معاني العدول السياقي في استعمال حروف الجر في النظم القرآني. وفيه مبحثان: المبحث الأول: حروف الجر: المصطلح والوظيفة. المبحث الثاني: العدول السياقي في استعمال حروف الجر. الفصل الثاني: معاني النداء وحروفه في النظم القرآني: وفيه توطئة ومبحثان: التوطئة: النداء (الاصطلاح والدلالة البيانية). المبحث الأول: النداء من الله. المبحث الثاني: النداء من الخلق. الفصل الثالث: معاني حرفي التنفيس في النظم القرآني. وفيه مبحثان: المبحث الأول: حرفا التنفيس في الدرس النحوي. المبحث الثاني: حرفا التنفيس في النظم القرآني: حيث يتناول وجه الدلالة فيهما، ومعاني النظم في حروف التنفيس من: تأكيد ووعد ووعيد وتهديد وتفاؤل وتلطيف وترجي، وبيان متشابه النظم بين السين وسوف. الفصل الرابع: معاني حرفي النفي (لا، ولن) في النظم القرآني. وفيه مبحثان: المبحث الأول: حرفا النفي "لا، ولن" في الدرس النحوي. المبحث الثاني: حرفا النفي "لا، ولن" في النظم القرآني: حيث تناول في معاني النظم في النفي بـ"لا" معاني: النفي المطلق، والدعاء، والتحضيض والنفي المشابه للنهي، والتأكيد، وبيان تكرار "لا". أما في معاني النظم في النفي بـ"لن": التأكيد والتأبيد والدعاء. الفصل الخامس: معاني أن المصدرية في النظم القرآني. في ست مباحث: المبحث الأول: أن المصدرية في علم النحو. المبحث الثاني: أن والفعل المضارع: حيث تناول فيها معاني "أن في حيز "كان"، و"أن" و"لو"، و"أن" و"لا"... المبحث الثالث: "أن" وفعل الأمر. المبحث الرابع: "أن" والفعل الماضي. المبحث الخامس: أن الاستقبالية المؤكدة. المبحث السادس: إضمار "أن". الفصل السادس: معاني إذًا الناصبة في النظم القرآني. في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: "إذًا" في الدرس النحوي. المبحث الثاني: "إذًا" في الدرس البلاغي. المبحث الثالث: المعاني التي تفيدها "إذًا": وفيه جملة الشرط "لو"، وجملة الشرط بـ"إن"، وجملة الشرط بـ"إذا"، ومعنى الظرفية للزمن الماضي. والكاتب د. "ظافر بن غرمان العمري" أستاذ البلاغة والنقد بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى. من مؤلفاته: 1- مخالفة مقتضى الظاهر في استعمال صيغ الأفعال ومواقعها في القرآن الكريم (رسالة دكتوراه). طُبعت في كتاب صدر عام ١٤٢٧هـ عن مكتبة وهبة بالقاهرة. 2- التناول البياني في تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني (رسالة ماجستير). 3- مجازات النداء وحقيقته وأغراضهما في الخطاب القرآني - بحث منشور بمجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية. 4- مسائل علم المعاني في المحتسب لابن جني - بحث منشور بكلية اللغة العربية بالمنصورة. 5- المجاز في القراءات القرآنية ودلالاته البيانية - بحث منشور بمجلة معهد الإمام الشاطبي للدراسات القرآنية . 6- تقديم أحد المتقابلين في القرآن الكريم - بحث منشور بمجلة جامعة الأزهر بالقاهرة . 7- وجوه الإعجاز البلاغي عند الشيخ عبدالقاهر في كتاب دلائل الإعجاز. 8- الآخر في الثقافة الإسلامية . 9- قراءة في النقد الثقافي . 10- القيمة الحضارية للغة العربية (طبع ضمن إصدارات مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز لخدمة اللغة العربية) . 11- جهود الشيخ عبدالقاهر الجرجاني في بيان إعجاز القرآن الكريم - بحث مقدم لمؤتمر مقدس 2 في جامعة مالايا بماليزيا. 12- إذاً بين الدرس النحوي والمعاني البلاغية . 13- العدول السياقي في استعمال حرف الجر في القرآن الكريم . 14- المعاني البلاغية لحرفي التنفيس في النظم القرآني . 15- المنهج البلاغي للقرآن الكريم في استعمال حرفي النفي الاستقبالي . 16- أن المصدرية في النظم القرآني. 17- مستويات الحوار في قصة موسى في القرآن الكريم. |
مرحلة الشباب | د. محمد منير الجنباز | 07-02-2022 | 5,115 | https://www.alukah.net//culture/0/152732/%d9%85%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a8%d8%a7%d8%a8/ | مرحلة الشباب ولما بلغ عليه الصلاة والسلام خمس عشرة سنة أو أكثر بقليل هاجت حرب الفجار بين قريش ومن ساندها من كنانة وبين قيس عيلان، وسميت بهذا الاسم؛ لاستحلالهم القتال في الشهر الحرام، وروي أن أعمام النبي صلى الله عليه وسلم قد أخرجوه معهم ليشهد القتال، فقال: (( كنت أنبل على أعمامي ))؛ أي: أجمع لهم نبل عدوهم الذي يرميه عليهم. وشب عليه الصلاة والسلام على السجايا الحسنة والأخلاق الحميدة والصدق والأمانة في تعامله مع الناس، وعلمت بهذه الخصال خديجة بنت خويلد، وكانت امرأة تاجرة ترسل الناس في تجارة لها وتجعل لهم نسبة من الربح، فعزمت على أن ترسل محمدًا في تجارتها إلى الشام، فبعثت إليه وعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرًا وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، فقبل منها هذا العرض، وخرج في تجارة لها ومعه غلامها ميسرة ليساعده ويقوم على خدمته، وانطلق في تجارتها إلى الشام، ويروي ميسرة أن النبي صلى الله عليه وسلم جلس تحت ظل شجرة قريبًا من دير أحد الرهبان، فلما رآه الراهب نادى ميسرة واستعلم منه عن هذا الجالس تحتها، فأخبره أنه من قريش من أهل الحرم، فقال الراهب: ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي. كما حدَّث ميسرة عما رآه من النبي صلى الله عليه وسلم خلال هذه الرحلة، فقال: كان إذا اشتد الحر في الهاجرة يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره، وقد كانت هذه الرحلة موفقة، عادت بأرباح وافرة على خديجة، وقد وصلت هذه الأخبار عن النبي إلى خديجة من ميسرة، فرغبت فيه زوجًا طيبًا أمينًا مباركًا، قيل: إن خديجة قالت له: يا بن عم، إني قد رغبت فيك؛ لقرابتك وسِطَتِك في قومك وأمانتك وحسن خلقك وصدق حديثك، ثم عرضت عليه نفسها، قال ابن هشام: كانت خديجة يومئذ أوسط نساء قريش نسبًا وأعظمهن شرفًا وأكثرهن مالًا، كل قومها كان حريصًا على ذلك منها لو قدر عليه، وقد رُوي في قصة زواجه من خديجة غير هذا؛ فعن نفيسة بنت علية قالت: أرسلتني خديجة خفيةً إلى محمد بعد أن رجع في عيرها من الشام، فقلت له: يا محمد، ما يمنعك من أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت: فإن كفيت ذلك ودعيت إلى المال والجمال والشرف والكفاية، ألا تجيب؟ قال: فمَن؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قلت: عليَّ وأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه عليه الصلاة والسلام: أن ائت ساعة كذا وكذا، فأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، فحضر ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته فزوَّجوه، وكان الذي تولى زواجه عمُّه أبو طالب ومعه حمزة، وحضر الخِطبة من طرف خديجة ورقة بن نوفل، وكان زواجًا مباركًا، رُزق منه النبي صلى الله عليه وسلم الذرية من بنين وبنات، غير أن البنين ماتوا وهم أطفال قبل البعثة، وعاش بناته الأربع وشهدن الإسلام، وهن: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهن أجمعين، وقد عيَّره كفار قريش بأنه لا ولد ذكر له، وأنه أبتر؛ فنزلت فيهم سورة الكوثر: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3]. |
الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري | محمود ثروت أبو الفضل | 07-02-2022 | 2,993 | https://www.alukah.net//culture/0/152728/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%82%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b2%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%b1%d9%8a/ | الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري صدر حديثًا كتاب "الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة"، تأليف: شيخ الإسلام "زكريا بن محمد الأنصاري" (ت 926 هـ)، تحقيق: "محمود صالح إبراهيم علام"، نشر: "شجرة الكتب للنشر والتوزيع" - السعودية، توزيع: "دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع". وهي رسالة لطيفة مختصرة، للشيخ زكريا الأنصاري، اجتهد فيها مصنفها - رحمه الله - في جمع عدد كبير من الألفاظ والمصطلحات المتداولة في الاصطلاح الفقهي والأصول، وكذلك بعض الألفاظ العقدية وعلم الكلام، وقد بيَّنَ - رحمه الله - في مقدمة رسالته هذه باعثه لتأليفها وهو قوله (لما كانت الألفاظ المتداولة في أصول الفقه والدين مفتقرة إلى التحديد، تعين تحديدها؛ لتوقف معرفة المحدود على معرفة الحد) وهو جهدٌ مشكورٌ موفقٌ منه - رحمه الله - وحرص علمي مبارك، حيث رأى أن من المتعين عليه وهو العالم الأصولي الفقيه أن يبين لطلبة العلم والمشتغلين فيه معاني هذه المصطلحات العلمية، التي يترتب على فهمها فهم كثير من النصوص الشرعية، أو فهم مراد العلماء في مصنفاتهم العلمية، حتى يحسن التصور وينضبط الفهم. وقد بلغت المصطلحات التي وردت في الرسالة (164) مصطلحًا وحدًا أصوليًا وفقهيًا على وجه الإيجاز والاختصار، وقد قام المحقق بإرفاق عدة تشجيرات مفيدة لطالب العلم بمضموناتها للتيسير على طالب العلم استذكار تلك الرسالة المفيدة. ونجد أنه خص بالمعاني الاصطلاحية لتلك الحدود ما جاء في فقه الشافعية، مشيرًا إلى ذلك بقوله عقب إيراد التعريف: (عندنا)؛ لأنه كان من أئمة الشافعية. ولم يكن إيراد شيخ الإسلام زكريا الأنصاري للألفاظ مرتبًا وفق حروفها، وقد بيَّنَ - رحمه الله -معانيها اللغوية الوضعية، ثم معانيها الاصطلاحية في الفقه عامة، وفقه الشافعية خاصة، وللرسالة عدة نسخ خطية مشهورة منها مخطوطة دار الكتب الوطنية بالقاهرة، ومخطوطات المكتبة الظاهرية بدمشق، ومخطوطة محفوظة ببرلين، ونسخة محفوظة بمكتبة الأزهر. ويعد هذا الكتاب سفرًا مستوعبًا للكثير من المعلومات التي يحتاجها طالب العلم الشرعي عمومًا، وطالب أصول الفقه على وجه الخصوص، إلى جانب سهولة تناوله، وبساطة عبارته، مما يسهل حفظه لطلاب العلم. والمؤلف أبو يحيى زكريا بنُ محمد بنِ أحمدَ بنِ زكريا الأنصاريُّ الخزرجيُّ أصلًا، السُّنَيكيُّ مولدًا، القاهريُّ إقامةً، الأزهريُّ علمًا (824هـ/1421م - 926هـ/1520م) المعروفُ بـ"شيخ الإسلام" و"زين الدين" و"القاضي زكريا"، فقيهٌ وقاضٍ شافعيٌّ، شَغِلَ منصبَ قاضي القضاة وغيرَه في عهد الدولة المملوكية، واشتُهرَ بكثرةِ مصنفاتِه وأهميتِها حتى عُدَّ مُجَدِّدَ المائةِ التاسعةِ. وقد اهتمَّ العلماءُ المسلمون بكتبِه فأكثروا من شرحِها وتدريسِها، واعتمدَ الشافعيةُ كُتُبَهُ وكتبَ تلاميذه في الإفتاءِ غالبًا، خاصةً منهم ابنَ حجرٍ الهَيتمي وشمسَ الدينِ الرملي. انتشرت مؤلفاتُ زكريا الأنصاري واشتهرت، لا سيما في الفقه الشافعي، وظلت مصنفاتُه تُدرَّس وتُقرأ في المدارس والجامعات والمعاهد الإسلامية حتى يومنا هذا، وفي ذلك يقول الشعراني: «وصار أمثلَ أهل زمانه، وأرأسَ العلماء من أقرانه، ورُزق البركةَ في عمره وعلمه وعمله، وأعطي الحظَّ في مصنفاته وتلاميذه، حتى لم يبقَ بمصر إلا طلبته وطلبة طلبته، وقُرئ عليه شرحُه على البهجة سبعًا وخمسين مرة، حتى حررَه أتمَّ تحرير، ولم يُنقل ذلك عن غيره من المؤلفين، وكانت مؤلفاته: شرح الروض، وشرح البهجة، والمنهج وشرحه، يَدرُسها الناسُ، ويَرجعُ إليها مُدَرِّسُ كلِّ كتابٍ منها في حل مشكلاته». أما أهم مؤلفاته، فمنها: في التفسير وعلوم القرآن: • "فتح الجليل ببيان خفي أنوار التنزيل": حاشية على تفسير البيضاوي. • فتح الرحمن بكشف ما يلتبس من القرآن. • الدقائق المحكمة في شرح المقدمة: شرح المقدمة الجزرية في علم التجويد. في الحديث وعلومه: • تحفة الباري بشرح صحيح البخاري. • فتح الباقي بشرح ألفية العراقي: شرح ألفية العراقي في علم الحديث. • فتح العلام بشرح الإعلام بأحاديث الأحكام. في العقيدة وعلم الكلام والمنطق: • فتح الإله الماجد بإيضاح شرح العقائد: حاشية على شرح العقائد النسفية للتفتازاني. • لوامع الأفكار في شرح طوالع الأنوار: شرح طوالع الأنوار للبيضاوي. • المطلع شرح إيساغوجي. في الفقه: • منهج الطلاب: مختصر منهاج الطالبين للنووي. • فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب. • تحفة الطلاب لشرح تحرير تنقيح اللباب. • أسنى المطالب: شرح روض الطالب لابن المقري. • الغرر البهية في شرح البهجة الوردية: شرح كبير على منظومة ابن الوردي. • الإعلام والاهتمام بجمع فتاوى شيخ الإسلام. • نهاية الهداية إلى تحرير الكفاية: شرح ألفية ابن الهائم في علم الفرائض. في أصول الفقه: • لب الأصول: مختصر جمع الجوامع لتاج الدين السبكي. • غاية الوصول إلى شرح لب الأصول. • فتح الرحمن شرح لقطة العجلان: شرح لقطة العجلان وبلة الظمآن لبدر الدين الزركشي. في التصوف والتزكية: • الفتوحات الإلهية في نفع أرواح الذوات الإنسانية. • الزبدة الرائقة في شرح البردة الفائقة. • إحكام الدلالة على تحرير الرسالة: شرح الرسالة القشيرية. في علوم اللغة: • بلوغ الأرب بشرح شذور الذهب. • الدرر السنية في شرح الألفية. • المناهج الكافية في شرح الشافية لابن الحاجب. في موضوعات متنوعة: • فتح المبدع في شرح المقنع: في الجبر والمقابلة. • اللؤلؤ النظيم في روم التعلم والتعليم: في التربية والتعليم. • الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة. |
منية السول في مآثر المقرئ المجود الشيخ محمد بن شحادة الغول رحمه الله تعالى | عمير الجنباز | 07-02-2022 | 2,412 | https://www.alukah.net//culture/0/152715/%d9%85%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%88%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a6-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b4%d8%ad%d8%a7%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%88%d9%84-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89/ | مُنيةُ السُّول في مآثر المقرئ المجوِّد الشَّيخ محمَّد بن شحادة الغُول رحمه الله تعالى وفَيَات تضاعفُ مَنْ سَنرثي وهل غير الدُّعاء لهم جميعًا؟! إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، توفِّي بعد إصابته بالوباء أستاذنا فضيلة الأستاذ المقرئ المجوِّد الشَّيخ محمَّد بن شحادة الغُول البخعوني الطَّرابلسي، تغمَّده الله بغفرانه، وأورده موارد إحسانه، وهو من المُقرئين المُجيدين، والمُدرِّسين المُفيدين، ومن تلامذة العلَّامة المقرئ الكبير الشَّيخ محمَّد سليمان الشِّندويلي المعدُودين، جمعَ منَ العلوم أشرفَها وأشرقَها، وتلقَّى العلوم الشَّرعيَّة والعربيَّة بالأزهر، ثمَّ تصدَّر للإفادةِ والتَّعليم، والاستفادة والتَّفهيم، وقد عُرف في تيسيره علم التَّجويد وتصحيح التِّلاوة للعامَّة في حلقات المساجد والإشراف على الدَّورات والمسابقات القرآنيَّة، وله في ذلك تآليف عديدة مفيدة، مع جهود مأثورة في ميادين الإقراء والدَّعوة والتَّربية والتَّعليم تشهدُ له بالمعرفة والدِّراية، فانتفع الطَّلبة بعلومه المُتقنة البهيَّة، وفوائده المُتفنِّنة الزَّهيَّة، وكان مهذَّبًا في نفسه متواضعًا، لطيف المعشر والكلام، حسن السِّيرة بين الأنام، لا تملُّ مجالسته ولا تسأم مفاكهته، متقنِّعًا بالقناعة والعفاف، مشتملًا على النَّزاهة والكفاف، ولم يزل على صلاحٍ ظاهر، ودأبٍ على السُّنَّة باهر، وحياةٍ عامرةٍ في تعليم القرآن وعلومه، إلى أن حالَ حينَ وفاتِه، ودعَته المنيَّة لمماتِه، غفَر الله له وأعلى في المدارج مُرتقاه، وجعلَ الجنَّة مثواه ومأواه، وكتبه في عداد الشُّهداء السُّعداء، وأحسن الله عزاء أهله وطلَّابه ومُحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا. إنَّما الدنيا وإنْ طَالَ مَداهَا ليسَ للمَرءِ بَقاءٌ في حمَاها |
علم شرح الحديث دراسة تأصيلية منهجية لبسام خليل الصفدي | محمود ثروت أبو الفضل | 06-02-2022 | 6,500 | https://www.alukah.net//culture/0/152698/%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d8%aa%d8%a3%d8%b5%d9%8a%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%ac%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a8%d8%b3%d8%a7%d9%85-%d8%ae%d9%84%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%81%d8%af%d9%8a/ | علم شرح الحديث دراسة تأصيلية منهجية لبسام خليل الصفدي صدر حديثًا كتاب "علم شرح الحديث، دراسة تأصيلية منهجية"، تأليف: د. "بسام خليل الصفدي"، نشر: "دار المقتبس للنشر والتوزيع". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الكاتب لنيل درجة الدكتوراه في الحديث الشريف وعلومه من كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية بغزة، وذلك بعنوان: " علم شرح الحديث دراسة تأصيلية منهجية" وذلك تحت إشراف أ.د. "نافذ حسين حماد" وذلك عام 1436 هـ - 2015 م. ويسعى هذا الكتاب إلى تسليط الضوء على علم "شرح الحديث" وهو فرع من فروع علوم الحديث، أول من نبه عليه الحاكم في "معرفة علوم الحديث" حيث يقول: "النوع العشرون من هذا العلم - بعد معرفة ما قدَّمنا ذكره من صحَّة الحديث إتقانًا ومعرفة لا تقليدًا وظنًا -: معرفة فقه الحديث، إذ هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشَّريعة"، ورغم أهمية هذا العلم وموقعه من علوم الحديث غير أنَّ أكثر من صنف فيها بعد الحاكم لم يذكره ضمنها (أي: ضمن علوم الحديث). ومقصود الباحث بعلم شرح الحديث الذي تتناوله هذه الدراسة: "معرفة المسائل والأصول المتعلقة بشرح الحديث، والَّتي تضبطه وتؤصل له، وتبين مناهجه، وطرقه، ومسالكه، وموارده، وأسباب الخطأ فيه، وتعلقه بعلوم الشريعة عامَّة، وبعلوم الحديث على وجه الخصوص". وترجع أهمية هذه الدراسة في "شرح الحديث" في كونه يضبط ويؤصل مسائل هذا العلم المتفرقة في بطون الكتب والشروح. إلى جانب تعلقه بفقه الحديث وشرحه ودرايته، الذي هو ثمرة علوم الحديث وغايتها ومقصدها، كما أنه بمعرفة مسائل هذا العلم يستقيم وينضبط فهم طالب الحديث، ويسلم ممَّا وقع فيه الكثيرون بسبب الغلط في هذا الباب. ويهدف البحث إلى: 1- التَّنويه بهذا العلم وبيان أهميته ومكانته من علوم الحديث. 2- جمع مسائل وأصول وقواعد هذا العلم المبثوثة في كتب وشروح الأئمَّة. 3- بيان الطريقة المثلى في شرح الحديث. 4- بيان أسباب الخطأ والغلط في شرح الحديث. 5- بيان تعلق هذا العلم بعلوم الشَّريعة عامَّة، وببقية علوم الحديث خاصَّة. وقد اتَّبع الباحث المنهج الاستقرائيَّ في جمع كلام الأئمَّة وأهل العلم من بطون كتب الشروح وغيرها، واستعان بالمنهج الاستنباطي، وبين الكاتب أنه بعد البحث والتَّتبع لم يجد إلا كتابًا مفردًا في مسائل هذا العلم وهو بحث صغير للشَّيخ الدكتور "محمَّد بن عمر بازمول"؛ عنون له بـ"علم شرح الحديث وروافد البحث فيه". وقد قسّم البحث إلى مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة. أما المقدمة، فضمَّنها الباحث ما يلي: 1- أهمية الموضوع، وبواعث اختياره. 2- أهداف البحث. 3- منهج الباحث، وطبيعة عمله في البحث. 4- الدراسات السابقة. 5- خطة البحث. وأمَّا الفصول فرتَّبها على النَّحو التَّالي: الفصل الأوَّل: التَّعريف بعلم شرح الحديث وأهميُّته ونشأته وأنواعه ومسائله: وفيه خمسة مباحث: المبحث الأول: التَّعريف بعلم شرح الحديث. المبحث الثَّاني: أهميَّته وثمرته. المبحث الثَّالث: نشأته وتطوره وبداية التَّصنيف فيه. المبحث الرابع: أنواعه وأقسامه. المبحث الخامس: موضوعه ومسائله. الفصل الثاني: طرق شرح الحديث: وفيه أربعة مباحث: المبحث الأوَّل: شرح الحديث بالحديث. المبحث الثَّاني: شرح الحديث بأقوال الصَّحابة. المبحث الثَّالث: شرح الحديث بأقوال التَّابعين. المبحث الرابع: شرح الحديث بلغة العرب. الفصل الثَّالث: أسباب الخطأ في شرح الحديث: وفيه اثنا عشرَ مبحثًا: المبحث الأول: التَّعصب المذهبي الفقهي. المبحث الثَّاني: التَّعصب المذهبي العقدي. المبحث الثَّالث: الجهل باللغة. المبحث الرابع: إخضاع الأحاديث للعلوم والمكتشفات العصرية. المبحث الخامس: التَّسرع في تنزيل الحديث على الوقائع والحوادث. المبحث السَّادس: التَّأثر بالبيئة والواقع. المبحث السَّابع: اتباع المتشابه وعدم رده إلى المحكم. المبحث الثَّامن: تنزيل الأحاديث على المصطلحات والمعاني الحادثة. المبحث التَّاسع: مخالفة الإجماع. المبحث العاشر: دعوى الاختلاف. المبحث الحادي عشر: دعوى الإشكال. المبحث الثَّاني عشر: دعوى النَّسخ. الفصل الرابع: مصادر شرح الحديث وتعلقه بعلوم الشريعة: وفيه مبحثان: المبحث الأول: تعلقه بعلوم الحديث: وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: تعلقه بالكتب الحديثية. المطلب الثَّاني: تعلقه بغريب الحديث. المطلب الثَّالث: تعلقه بأسباب ورود الحديث. المطلب الرابع: تعلقه بمختلف الحديث ومشكله. المطلب الخامس: تعلقه بناسخ الحديث ومنسوخه. المبحث الثاني: تعلقه ببقية علوم الشَّريعة: ويشير الكاتب هنا إلى أهمية الاستفادة في هذا العلم من كتب التَّفسير، والتَّوحيد، والفقه، واللغة، والتَّاريخ والسير..؛ إذ إنَّ أصول هذه الكتب يستفاد منها في فقه الحديث ودراسته. سادسًا: الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتَّوصيات التي توصَّل إليها الباحث. سابعًا: الفهارس: • فهرس الآيات القرآنية. • فهرس الأحاديث النبوية. • فهرس الآثار. • فهرس الأعلام والرواة. • فهرس المصادر والمراجع. • فهرس الموضوعات. وبين الكاتب في دراسته أنَّ معرفة معاني وفقه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجلّ علوم الحديث، بل هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشَّريعة، ولا يوصف بالعلم من لا فقه ولا دراية له؛ ولهذا عظم حرص أهل العلم عليه، وتطلابهم له. كما أنَّ بداية هذا العلم ونشأته كانت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام - رضي الله عنهم - وأتباعهم، وأنَّ أوَّل من صنَّف فيه هو ابن جرير الطبري، ومن أوائل كتب الشروح: ما صنَّفه الخطَّابي على سنن أبي داود، وصحيح البخاري، ثمَّ تتابعت الشروح بعده. وأنَّ مسائل هذا العلم التي يتعرض لها شراح الحديث - وهي قابلة للزيادة بحسب طبيعة الشَّرح - منها ما يرجع إلى السَّند، ومنها ما يرجع إلى المتن: أمَّا السَّند: فيبحث فيه ما يتعلَّق بالتَّخريج، وبيان حال الرواة جرحًا وتعديلًا وما إلى ذلك، واللَّطائف، والعلل، والصحة والضَّعف، وغير ذلك ممَّا يندرج تحت هذه المباحث. وأمَّا المتن: فيبحث فيه ما يتعلَّق باللغة والغريب، والفقه والمعاني والأحكام، ووجوه ومآخذ الاستدلال والاستنباط، والمختلف والمشكل، والناسخ والمنسوخ، وغير ذلك ممَّا هو داخل فيه، أو مندرج تحته. كما أنَّ أقوى ما يعتمد عليه في تفسير الحديث أن يظفر به مفسَّرا في بعض روايات الحديث، وقد تواطأ السَّلف والخلف من شراح الحديث وغيرهم على بيان هذا، والإشارة إليه، والعناية به، وتقديم ما جاء مفسَّرا عن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - على غيره. ومن أسباب الخطأ في فهم الأحاديث النَّبويَّة التكلف في إخضاعها للحقائق أو النَّظريات العلميَّة، والمكتشفات الحديثة، وحملها على ما استجدَّ في حياة النَّاس بقصد أو بغير قصد، فإنَّ فتح هذا الباب والولوج فيه من غير قيود أو ضوابط تعصم من الزَّيغ والانحراف = يجر فتنًا عظيمة، وهو ضرب من القول على الله بغير علم؛ الذي هو أصل كل شر في هذا العالم. كما أنَّ تنزيل النصوص على الوقائع والحوادث من حيث الأصل لا إشكال فيه إن سلم من الخلل الملابس له، وهذه جادَّة مطروقة عند أهل العلم من زمن الصَّحابة إلى يومنا هذا من غير نكير، وإنَّما المستنكر أن يقتحم هذا الباب بتأويلات متكلَّفة، وإطلاقات مستكرهة، مع جرأة على النصوص، وعدم تمييز لصحيحها من سقيمها، وتجاوز لكلام أهل العلم في فقهها ومقاصدها، فإذا انضمَّ إلى ذلك الهوى والتَّشبع وطلب الشهرة عند النَّاس فلا تسل عن الفساد الحاصل بسبب ذلك. وأوصى الكاتب بدراسة مناهج الأئمَّة في كتب الشروح، لا سيَّما الشروح التي لم يتعرَّض لها أحد بالدراسة، وإبراز ما فيها من درر العلم وجواهره. وأوصى بدراسات علميَّة جادَّة في التَّأصيل لهذا العلم، وبيان قواعده ومسائله ومباحثه بصورة علميَّة تجمع بين النَّظريَّة والتَّطبيق. |
الإجماع في النحو: دراسة في أصول النحو لدخيل العواد | محمود ثروت أبو الفضل | 05-02-2022 | 11,587 | https://www.alukah.net//culture/0/152673/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d9%85%d8%a7%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d9%88-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d9%88-%d9%84%d8%af%d8%ae%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%a7%d8%af/ | الإجماع في النحو: دراسة في أصول النحو لدخيل العواد صدر حديثًا كتاب "الإجماع في النحو: دراسة في أصول النحو"، تأليف: د. "دخيل بن غنيم العواد"، نشر: "مكتبة الرشد للنشر والتوزيع". وأصل هذا البحث أطروحة علمية بعنوان "الإجماع في النحو العربي: دراسة أصولية نحوية" تقدم بها الكاتب لنيل درجة الماجستير في قسم النحو والصرف من كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت إشراف د. "علي أحمد أحمد طلب" وذلك عام 1415 هـ/ 1995م. وهذا الكتاب يتناول الإجماع من جهة أصول النحو، من بيان حجيته، والأدلة عليها، وشرعية الإجماع النحوي، ومستنده، وأنواعه، ومن يعتد بقوله من النحويين، والعقبات التي قد تقف في طريقه، وتتبعت نشأته وتطوره عبر العصور، إلى غير ذلك من المباحث المتعلقة بهذا الأصل. تأتي قيمة هذا الموضوع من العناية التي أولاها النحويون للإجماع النحوي، ونجد أن الباحثين أكثروا قديمًا وحديثًا من دراسة الخلاف في النحو كـ"الإنصاف في مسائل الخلاف" للأنباري، و"التبيين عن مذاهب النحويين" للعكبري، و"ائتلاف النصرة في اختلاف نحاة الكوفة والبصرة" للزبيدي، ودراسات المتأخرين في الخلاف النحوي أكثر من أن تحصر، ولا شك أن ما وقع عليه إجماع النحويين أولى بالدّراسة والعناية مما وقع فيه الخلاف بينهم، فالذي يدرس الخلاف ويتلمس أسبابه إنما يدرس عوائق الإجماع، لأن عدم الاختلاف هو الإجماع. والدراسة تقوم على مقدمة وتمهيد وستة فصول وخاتمة. بين الكاتب في المقدمة أسباب اختيار الموضوع، والمصاعب التي واجهته في سبيل بحثه في مظان تلك الدراسة. أما التمهيد فقد عقده الكاتب للإجماع عند النحويين والأصوليين، ولم يرد الباحث بذلك الموازنة بينهما في اعتماد ذلك الأصل وإما قصد بيان العلة بين النحو وأصوله والفقه وأصوله لاعتمادهما على الإجماع. وفيه أربعة مباحث: الأول: في تعريف الإجماع في اللغة. الثاني: في تعريفه في أصول الفقه. الثالث: في تعريفه في أصول النحو. الرابع: في بيان الصلة بين النحو وأصوله والفقه وأصوله. الفصل الأول: تطور مصطلح الإجماع عند النحويين، في أربعة مباحث: المبحث الأول: في الإجماع قبل سيبويه. المبحث الثاني: في الإجماع عند سيبويه. المبحث الثالث: الإجماع بعد سيبويه إلى وفاة ابن جني: في أربعة مطالب: المطلب الأول: الإجماع عند الفراء. المطلب الثاني: الإجماع عند المبرد. المطلب الثالث: الإجماع عند الزجاج. المطلب الرابع: الإجماع عند ابن جني. المبحث الرابع: استقرار المصطلح عند المتأخرين، في خمسة مطالب: المطلب الأول: الإجماع عند أبي البركات الأنباري. المطلب الثاني: الإجماع عند ابن مالك. المطلب الثالث: الإجماع عند أبي حيان. المطلب الرابع: الإجماع عند ابن هشام. المطلب الخامس: الإجماع عند السيوطي. الفصل الثاني: بيان حجية الإجماع ومواقف العلماء منها: وذلك في أربعة مباحث: المبحث الأول: مواقف العلماء من الاحتجاج بالإجماع. المبحث الثاني: الأدلية النقلية والعقلية على حجية الإجماع. المبحث الثالث: في معنى الحجية في هذا الباب وما يترتب على القول بحجية الإجماع. المبحث الرابع: في تركيب المذاهب وبيان حقيقته وحكمه والتمثيل عليه. الفصل الثالث: في مستند الإجماع: وفيه بيان الأدلة التي يستند إليها الإجماع وهي قسمان: الأدلة النقلية وتشمل القرآن الكريم وقراءاته والحديث الشريف وكلام العرب شعره ونثره. الأدلة العقلية وتشمل: القياس والعلة والاستحسان والاستصحاب والاستقراء، ثم بعد ذلك الأمثلة التطبيقية النحوية لما سبق. الفصل الرابع: عن أركان الإجماع، وذلك في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: المجمعون. المبحث الثاني: في الركن الثاني من الإجماع وهو الاتفاق. المبحث الثالث: في الركن الثالث وهو المجمع عليه. الفصل الخامس: عوائق الإجماع، وذلك في ستة مباحث: المبحث الأول: في اختلاف مناهج النحويين. المبحث الثاني: اختلاف الاتجاهات السياسية للنحويين. المبحث الثالث: في أثر الاختلاف في المذهب العقدي. المبحث الرابع: في أثر الموقع الجغرافي في اختلاف النحويين. المبحث الخامس: في العصبية المذهبية. المبحث السادس: تفاوت العقول والثقافة وأثره في وجود الخلاف وإعاقة الإجماع. الفصل السادس: في الإجماع عند المحدثين، في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: آراء المحدثين في الاحتجاج بالإجماع في النحو. المبحث الثاني: الإجماع في الهيئات اللغوية المتخصصة. المبحث الثالث: أثر الإجماع في تيسير النحو وحمايته. ومن نتائج الدراسة أنه لم يتأثر النحويون بالأصوليين في تطبيقهم أصول النحو؛ إذ كانوا يعرفونها قبل كتابة أصول الفقه كما هو الحال عند الخليل وسيبويه ويونس والحضرمي قبلهما، أما التأليف في أصول النحو فقد تأخر عن تأليف أصول الفقه فمن الواضح أن الأنباري وهو أشهر من صنف في أصول النحو أخذ أصول الفقه وركب عليها مثلًا نحوية. كما أن الإجماع معروف قبل سيبويه وتبينت عناية النحويين به حتى عهد السيوطي. ويذهب الباحثون إلى أنه لا شك في حجية إجماع النحويين، واستدلوا بتاريخ الاحتجاج به من القرن الثاني حتى العاشر والعصر الحديث، وبالأدلة النقلية على حجيته وإثبات اتفاق الأصوليين على شرعيته وبالدليل العقلي عليه وبتضافر أقوال النحويين المصرحة بحجيته. وأن إجماع النحويين نص على حجيته طائفة من العلماء مثل المبرد والزجاج والزجاجي والرماني وابن الخشاب ولعل القضية متعلقة بما أجمع عليه فما هو من قبيل الوصف المجرد للظاهر فهو كذلك، ولكن ما هو من قبيل التفسير والتعليل فليس الإجماع بحجة. وهذا مضمون قول ابن جني في حجية الاستعمال فهو يراه ملتزمًا في المنصوص وما قيس على المنصوص، أما التعليل فمن تمكن وقدر "كان خليل نفسه وأبا عمرو فكره"، وهذه فكرة نسبت إلى الخليل من قبل. ومثل ابن جني على مخالفة الإجماع بتفسير "هذا جحر ضب خرب". وقد احتج المحدثون بالإجماع وعدوه من الأصول ومنهم من جعله الأصل الثاني. والباحث د. "دخيل بن غنيم العواد" أستاذ مساعد | عضو هيئة التدريس بقسم اللغة العربية بكلية الآداب- جامعة الملك سعود، حصل على درجة الماجستير عام 1415هـ وكان عنوان رسالته: "الإجماع في النحو - دراسة في أصول النحو"، وحصل على درجة الدكتوراه عام 1423 هـ وكان عنوان رسالته: "المسائل المتفق عليها بين النحويين جمعًا وتصنيفًا ودراسة". |
نقطة البداية في بعث الأمة من جديد وإفاقتها من سباتها | إبراهيم بن أحمد الشريف | 03-02-2022 | 2,456 | https://www.alukah.net//culture/0/152662/%d9%86%d9%82%d8%b7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%b9%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%ac%d8%af%d9%8a%d8%af-%d9%88%d8%a5%d9%81%d8%a7%d9%82%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%85%d9%86-%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%aa%d9%87%d8%a7/ | نقطة البداية في بعث الأمة من جديد وإفاقتها من سباتها فإن الواقع المر الذي نحياه وتحياه أمتنا الحبيبة من ضعف وتأخر حتى إنها تخلفت عن الركب فأصبحت في ذيل القافلة، بعدما كانت هي تتصدر أول الركب وتصدر العلوم في جميع الميادين والأخلاق الحميدة إلى العالم كله، وما ظهرت أوربا التي كانت تعيش وقتها في ظلمة الجهل والتأخر إلا بعدما أخذت وسيطرت على علوم المسلمين في الأندلس ونسبتها لنفسها فارتقت وعلت، ولكن علوها إلى الهاوية لأنها لم تقم على الدين والأخلاق. قال د. محمد بدري: (وهكذا.. بعد أن كانت الأمة الإسلامية - يومًا من الأيام - تحتل مكانها في قيادة البشرية، صارت تزحف وراء غبار الركب البشرى في " تبعية " ذليلة تضيع معها الذاتية ويتحول أصحابها إلى " خدم " للآخرين!!! ولا ريب أن هذه الحال تؤرق أكثر المسلمين وتقض مضاجعهم، فتقفز إلى أذهانهم أسئلة كثيرة: كيف نخرج بأمتنا من أزمتها، وننتقل بها من الاستضعاف إلى التمكين؟ ومن التبعية إلى الريادة؟ كيف نرفع " غثاء " الأمة الإسلامية من حضيضه الذي يعيش فيه ليعود كما أراده الله؛ ﴿ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾ ؟ ولكي نكون قادرين على تحديد الجواب الكافي لكل هذه الأسئلة، لا بد أن نؤمن أن واقعنا الذي نعيشه اليوم لا يخرج عن أن يكون نتيجة طبيعية للمقدمات التي صغناها بأيدينا، وأن نزول الأمة الإسلامية من عليائها إلى هذا الدرك من الذل والهوان الذي وصلت إليه اليوم.. كل ذلك إنما حدث وفق سنن ربانية لا تحابي أحدًا من الخلق مهما زعم لنفسه من مسوغات المحاباة؟! ومن ثم، فإن عودة الأمة الإسلامية إلى الريادة البشرية من جديد تخضع لذات السنن الربانية التي لا يجدي معها " تعجل " الأذكياء أو " أوهام " الأصفياء) [1] . وأمتنا بإذن الله ستعود رايتها عالية خفاقة ترفرف بفضل الله جل وعلا وبفضل تمسكها بلؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله. فالدعوة إلى توضيح المفاهيم الإسلامية، وخاصة مفهوم لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله هي نقطة البداية في بعث الأمة من جديد وإفاقتها من سباتها. لا إله إلا الله هي التي بدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته وكل رسول بعثه الله جل وعلا، وكل من يسلك هذا الطريق للدعوة إلى الله، فهذا الأمر يحتاج إلى صبر ومصابرة وجهد بالغ للقيام بتحقيقه، فظل النبي صلى الله عليه وسلم يربي عليها أصحابه الكرام رضي الله عنهما في مكة شرفها الله ثلاثة عشر سنة، ثم انتقل بهم معها إلى المدينة وظل عشر سنوات إلى أن لقي ربه صلى الله عليه وسلم . قال الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله –: ( وقد مكث صلى الله عليه وسلم في مكة المكرمة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى الله سبحانه، ويحذّر الناس من الشرك به، ويوضح لهم معنى لا إله إلا الله، فاستجاب له الأقلون، واستكبر عن طاعته وأتباعه الأكثرون، ثم هاجر إلى المدينة عليه الصلاة والسلام، فنشر الدعوة إلى الله سبحانه هناك بين المهاجرين والأنصار، وجاهد في سبيل الله، وكتب إلى الملوك والرؤساء وأوضح لهم دعوته، وما جاء به من الهدى، وصبر وصابر في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين صلى الله عليه وسلم حتى ظهر دين الله، ودخل الناس في دين الله أفواجًا، وانتشر التوحيد بعده) [2] . وقال أيضًا رحمه الله في دور الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين من بعده صلى الله عليه وسلم: (ثم قام أصحابه صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله سبحانه والجهاد في سبيله في المشارق والمغارب حتى نصرهم الله على أعدائه، ومكن لهم في الأرض، وظهر دين الله على سائر الأديان، كما وعد بذلك سبحانه في كتابه العظيم [3] ؛ حيث قال عز وجل: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 33]. قال الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى في الآية الكريمة: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ ؛ أي: بالعلم النافع والعمل الصالح. بالعلم الذي يهدي إلى الله وإلى دار كرامته، ويهدي لأحسن الأعمال والأخلاق، ويهدي إلى مصالح الدنيا والآخرة. ﴿ وَدِينِ الْحَقِّ ﴾ ؛ أي: الدين الذي يدان به، ويتعبد لرب العالمين الذي هو حق وصدق، لا نقص فيه، ولا خلل يعتريه، بل أوامره غذاء القلوب والأرواح، وراحة الأبدان، وترك نواهيه سلامة من الشر والفساد فما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، أكبر دليل وبرهان على صدقه، وهو برهان باق ما بقي الدهر، كلما ازداد العاقل تفكرًا، ازداد به فرحًا وتبصرًا. ﴿ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ﴾ ؛ أي: ليعليه على سائر الأديان، بالحجة والبرهان، ويظهر أهله القائمين به بالسيف والسنان، فأما نفس الدين، فهذا الوصف ملازم له في كل وقت، فلا يمكن أن يغالبه مغالب، أو يخاصمه مخاصم إلا فلجه وبلسه، وصار له الظهور والقهر، وأما المنتسبون إليه، فإنهم إذا قاموا به، واستناروا بنوره، واهتدوا بهديه، في مصالح دينهم ودنياهم، فكذلك لا يقوم لهم أحد، ولا بد أن يظهروا على أهل الأديان، وإذا ضيعوه واكتفوا منه بمجرد الانتساب إليه، لم ينفعهم ذلك، وصار إهمالهم له سبب تسليط الأعداء عليهم، ويعرف هذا، من استقرأ الأحوال ونظر في أول المسلمين وآخرهم [4] . فلؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله) هي أصل الدين وبقية أركان الدين وفرائضه متفرعة منها، فهي دين شامل ومنهج حياة متكامل، ولا يعقل لذي لب أن يكون ذلك كله من أجل كلمة تلوكها الألسنة فحسب، بل لابد من الإقرار باللسان والتصديق بالجنان والعمل بالجوارح والأركان حتى تتحول لؤلؤة التوحيد إلى واقع ومنهج حياة كما كان واقع المسلمين الذين رباهم النبي صلى الله عليه وسلم بمكة شرفها الله ثم انتقل بهم إلى المدينة إلى أن لقي ربه صلى الله عليه وسلم . وقال الشيخ صالح الفوزان في فضل لؤلؤة التوحيد (لا إله الا الله): (لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إنها كلمة يعلنها المسلمون في آذانهم وإقامتهم وفى خطبهم ومحادثاتهم. وهي كلمة قامت بها الأرض والسموات وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة وسوق النار وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار فهي منشأ الخلق والأمر والثواب والعقاب، وهي الحق الذي خلقت له الخليقة، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب وعليها يقع الثواب والعقاب، وعليها نصبت القبلة وعليها أسست الملة، ولأجلها جردت سيوف الجهاد وهي حق الله على جميع العباد) [5] . فلؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله) هي كلمة الإسلام وذروة سنامه، قال الشيخ محمد حسان عن لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله): (هي كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة، وهي العاصمة للدم والأموال والذرية في هذه الدار والمنجية في الآخرة من عذاب القبر ومن عذاب النار، وهي الكلمة التي قامت بها الأرض والسموات، وفطر الله عليها جميع الموجودات، وهي محض حق الله على جميع المخلوقات، ولأجلها بعث الرسل وجاءت الرسالات) [6] . فلؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله) هي الفارقة بين الكفر والإسلام، وهي كلمة التقوى والعروة الوثقى، وهي التي جعلها إبراهيم ﴿ كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الزخرف: 28]. وهي كلمة الإخلاص وشهادة الحق ودعوة الحق وبراءة من الشرك، ولأجلها خلق الخلق؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون ﴾ [الأنبياء: 25]. هذه هي نقطة البداية في بعث الأمة من جديد وإفاقتها من سباتها وقيادتها دفه الأمة بمعرفه عقيدتها المعرفة الصحيحة السليمة التي بها ينجوا افرادها ويعلوا قدرهم بفضل التمسك بلؤلؤة التوحيد لا إله الا الله. ... لقد كان الرجل حين يدخل في الإسلام يخلع على عتبته كل ماضيه في الجاهلية كان يشعر في اللحظة التي يجئ فيها إلى الإسلام أنه يبدأ عهدًا جديدًا منفصلًا كل الانفصال عن حياته التي عاشها في الجاهلية. وكان يقف من كل ما عهده في الجاهلية موقف المستريب الشاك الحذر المتخوف الذي يحس أن كل هذا رجس لا يصلح للإسلام وبهذا الإحساس كان يتلقى هدى الإسلام الجديد. فلا استقرار ولا سعادة ولا نعيم إلا في ظل لؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله) فلؤلؤة التوحيد (لا إله إلا الله) هي منهاج الحياة الذي يريد الله للبشرية أن تسير عليه، لتنعم به في الدنيا، وتنال رضوان الله في الآخرة، تلكم كانت نقطة البداية في بعث الأمة من جديد وإفاقتها من سباتها. [1] الأمة الإسلامية من التبعية إلى الريادة تأليف د. محمد محمد بدري ص:9،8 دار الصفوة [2] فتاوى في العقيدة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، (ص: 4)، دار الوطن للنشر. [3] فتاوى في العقيدة الشيخ عبد العزيز بن باز (ص: 4)، دار الوطن للنشر. [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ايه رقم 8 من سورة الصف. تأليف العلامة الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله. مكتبة العبيكان [5] حقيقة لا إله إلا الله، الشيخ صالح الفوزان، (ص: 57)، مكتبة السنة. [6] حقيقة التوحيد، الشيخ محمد حسان (ص: 8). |
مختصر كتاب سيبويه على وفق تحقيق البكَّاء نشر معهد المخطوطات العربية | محمود ثروت أبو الفضل | 01-02-2022 | 6,464 | https://www.alukah.net//culture/0/152619/%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%b1-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b3%d9%8a%d8%a8%d9%88%d9%8a%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%88%d9%81%d9%82-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%83%d9%91%d9%8e%d8%a7%d8%a1-%d9%86%d8%b4%d8%b1-%d9%85%d8%b9%d9%87%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ae%d8%b7%d9%88%d8%b7%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9/ | مختصر كتاب سيبويه على وفق تحقيق البكَّاء نشر معهد المخطوطات العربية صدر حديثًا كتاب "مختصر كتاب سيبويه" (على وفق تحقيق البكَّاء) ، تأليف: أ.د. "محمد كاظم البكَّاء"، وأ.د. "عبد الفتاح محمد حبيب"، في جزءين (القسم الأول: النحو، القسم الثاني: الصرف) ، نشر: "معهد المخطوطات العربية". تنبع قيمة هذا المختصر من كونه جاء وفق تحقيق الدكتور "محمد كاظم البكّاء"، حيث وضع خريطة توضيحية للكتاب من خلال العنوانات التي وضعها بين معقوفين وغير ذلك. وذلك بعد أن كان الكتاب أبوابًا متلاحقة، ومسائل مزدحمة، وفقرات متداخلة، لا تخطيط يوضحها، ولا تصنيف ينظمها. وكل هذا من دون أدنى تغيير في ترتيب أبوابه في طبعاته السابقة. وهذه الخريطة، وذلك التخطيط يعد شرحًا غير مباشر لمسائل الكتاب. وفي هذا المختصر أبقى الشارحان عل ترتيب الجمل والفقرات كما هي، وظلت القواعد الأصول ثابتة، ولم يُحذَف شيئًا منها؛ لأن حذف شيء منها يمثل هدمًا لمراد سيبويه، وتشويها لمذهبه في المسائل التي نقلها اللاحقون عنه. وقد تدخل الشارحان في حذف كثير من الأمثلة في المسألة الواحدة، وأبقيا عل مثالين أو ثلاثة، وخففا من كثرة الاستطرادات، بحيث لا يبقى منها إلا ما كان له صلة بالمسألة، وما يمثل مذهبًا له في مسألة ما. أما الضبط فقد عنيا به عناية تامة، خاصة ما يحتاج إلى ضبط، وتوضيح مرجع الضمائر، وشرح مصطلحاته وأمثلته. وتناولا شرح عبارته من خلال مؤلفات القدماء، كشرح السيرافي، وشافية ابن الحاجب وشرحها للرضي، وشرح كتاب سيبويه للرماني، وشرح عيون كتاب سيبويه للقرطبي. ومن كتب المحدثين: التبيان في تصريف الأسماء، للدكتور: أحمد كحيل، ومعجم الشوارد النحوية، لمحمد حسن شرّاب. إضافة إلى اجتهادهما في توضيح عبارته، وبيان مراده وفق ربط اللاحق بالسابق، ومن ثم كان هذا الاختصار مبينًا عل الملاحظة للموضو ع كله، وإن كان في مواضع متفرقة من الكتاب؛ لأن سيبويه ربما يذكر مسألة عرضًا في باب من الأبواب، لكنه تناولها في موضع آخر بشيء من التوضيح والبيان، مما دعاهما إلى أن يكون الاختصار بعد قراءة متكاملة؛ ليكون عملهما منضبطًا محكمًا. وقد ترتب على ذلك أن هناك عبارات كثيرة قد تناولاها بالشرح والتحليل والبسط والبيان، مما لم يذكر في طبعات الكتاب السابقة. يقول د. "فيصل الحفيان" في تقديمه للكتاب: "... وآخرهما؛ لا أعرف - في حدود معرفتي غير القاطعة - أحدًا، لا في تراثنا ولا في العصر الحديث اختصر كتاب سيبويه، ولا ندري - على وجه اليقين - ما هو السبب، أو ما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟ تُرى، هل هي الهيبة التي يتمتع بها هذا النص المؤسس في حقل من أهم الحقول المعرفية (علم العربية) ؟ أم هو منهجه (أو لا منهجه عند بعضهم) الذي قد يستعصى على الاختصار؟ أم هو لغته المبكرة، فمصطلحات العلم كانت في بِداءتها، ولعل من عزموا على الإقدام على هذه الخطوة الجريئة قد فكروا في جدوى الاختصار". ويقول الشارحان في مقدمة تحقيقهما: "ونحن في هذا العمل نسعى إلى خدمة لغة القرآن الكريم باعتماد (الكتاب) الذي تخرَّج فيه أئمة النحو وعلماء العربية، ثم غاب عن الدراسة قرونًا طويلة، فظهر العجز في دراسته وفهمه، وحلت محله الكتب الدراسية التي أثبتت التجربة عدم جدواها في ترسيخ قواعد اللغة العربية، آملين أن تشيع دراسته في الأوساط الجامعية والعلمية، فلا يصلح هذا الأمر إلا بما صلح به أوله، ومن الله تعالى التسديد والتوفيق". وكتاب سيبويه يعتبر أول كتاب منهجي ينسق قواعد اللغة العربية ويدونها. وقال عنه الجاحظ أنه "لم يكتب الناس في النحو كتابًا مثله". أُلِّفَ الكتاب في القرن الثاني للهجرة الموافق للثامن من الميلاد. سمي بالكتاب لأن مؤلفه تركه دون عنوان. وقد سماه الناس قديمًا قرآن النحو. قال عنه السيرافي: وكان كتاب سيبويه لشهرته وفضله علَمًا عند النحويين، فكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب، فيُعلَم أنه كتاب سيبويه. وقال الجرمي: أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه. قال الجاحظ: أردت الخروج إلى محمد بن عبد الملك الزيات، ففكَّرت في شيء أُهديه له، فلم أجد شيئًا أشرف من كتاب سيبويه، وقلت له: أردت أن أهديَ لك شيئًا، ففكَّرت فإذا كل شيء عندك، فلم أرَ أشرف من هذا الكتاب، وهذا كتاب اشتريتُه من ميراثِ الفرَّاء. قال: والله ما أهديت إليَّ شيئًا أحبَّ إليَّ منه. وذكر صاعد بن أحمد الجياني من أهل الأندلس في كتابه قال: لا أعرف كتابًا أُلِّف في علم من العلوم قديمها وحديثها فاشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب؛ أحدها المجسطي لبطليموس في علم هيئة الأفلاك، والثاني كتاب أرسطاطاليس في علم المنطق، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي، فإن كلَّ واحد من هذه لم يشذَّ عنه من أصول فنِّه شيء إلا ما لا خطر له. وقال السيرافي: كان كتاب سيبويه لشهرته وفضله عَلمًا عند النحويين، فكان يُقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب، فيُعلَم أنه كتاب سيبويه، وقرأ نصف الكتاب، ولا يُشكُّ أنه كتاب سيبويه. وكان محمد بن المبرد إذا أراد مريدٌ أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر؟ تعظيمًا له واستصعابًا لما فيه. وكان المازني يقول: من أراد أن يعمل كتابًا كبيرًا في النحو بعد كتاب سيبويه، فليَسْتَحِ. وقال الزمخشري في هذا الكتاب: ألا صَلَّى الإلهُ صلاةَ صَدْقٍ على عَمْرو بن عُثْمان بن قنبر فإنَّ كِتابَه لم يُغْنِ عنه بنو قَلَمٍ ولا أبناءُ مِنْبَر تلك كانت نظرة الأقدمين إلى كتاب سيبويه نظرة التقدير والتعظيم، ولم يقتصر إجلال الكتاب على المعجبين بسيبويه، بل كان خصومه في تقديره والارتفاع به كالمُحبِّين، حدَّث الأخفش أنه قرأ كتاب سيبويه على الكسائي في جمعة، فوهب له سبعين دينارًا، قال: وكان الكسائي يقول له: "هذا الحرف لم أسمعه، فاكتبه لي، فأفعل". ولكتاب سيبويه وحدةٌ وغرض معين؛ لأن موضوعه جمع القواعد النحوية والصرفية، كما أن كتاب سيبويه لا يقتصر على ذكر قواعد النحو فحسب، بل شمل قواعد الصرف أيضًا، ففيه أبواب لأوزان الكلمة وأنواع الاشتقاق المختلفة، والتثنية، والجمع، والإعلال، والإبدال، والتصغير، والنسب، وغير ذلك من أبواب التصريف. والكتاب مقسَّم إلى أبواب تبلغ زهاء ستمائة، كل باب منها يعالج ناحية من نواحي القواعد، وليس في الكتاب مقدمةٌ كما ذكرنا، بل أوَّلُه في صميم الموضوع؛ إذ يتحدث عن أقسام الكلمة، فيقول: "هذا باب علم ما الكلم من العربية". والكتاب جزءان: يحتوي الجزء الأول منهما على الكلم وأقسامه، والفاعل، والمفعول، وما يعمل عمل الفعل، وإعمال المصدر، واسم الفاعل، والصفة المُشبَّهة، والحال، والظرف، والجر، والتوابع، والمعرفة والنكرة، والمبتدأ والخبر، والأسماء التي بمنزلة الفعل، والأحرف المشبهة به، والنداء، والترخيم، والنفي بلا، والاستثناء، وباب لكل من أحرف الجر. وفي الجزء الثاني ما ينصرف وما لا ينصرف، والنسب، والتصغير، والمقصور والممدود، والجمع، والوقف، والإعلال، والإبدال، ووزن الكلمات، ولكن ترتيب الكتاب يُخالف النهج الذي نتبعه ويتبعه المؤلفون المتأخِّرون. والكتاب صورة لآخر ما وصل إليه التقدم العلمي في النحو في أواخر القرن الثاني الهجري؛ لأن الكتاب ثمرة لهذه الجهود المتصلة في تلك المادة منذ بدأها أبو الأسود الدؤلي. وفي رأي الأستاذ "أحمد أحمد بدوي" أن كتاب سيبويه كان الكتاب الأول والأخير في النحو، فالكتاب سِجِلٌّ لقواعد النحو، وقف العلماء عندها، ولم يزيدوا عليها، وكل من جاء بعده جعل الكتاب أساس دراسته ووقف عند حد الشرح أو الاختصار، ولم يَزِد المتأخِّرون على كتاب سيبويه إلا أن وضعوا الاصطلاحات التي كانت تنقصه وإلا أن رتَّبوا أبواب القواعد ترتيبًا جديدًا، فالطبقة التي تَلَت كتاب سيبويه كانت طبقة الشرح والتكميل والتنظيم، ثُمَّ جاءت طبقة أخرى اكتفت في القواعد بذكرها من غير أن تَقرِنَها بعللها وأسبابها، وظلَّ الأمرُ يتدرَّج حتى انتهى إلى هذه المختصرات أو المتون التي احتاجت إلى شروح مطولة، ثُمَّ احتاجت الشروح إلى حواشٍ وتقريرات مصدرها في كتاب سيبويه. ويعد هذا الإصدار في حلته الجديدة بمثابة دراسة منهجية أكاديمية لكتاب سيبويه؛ من باب تيسير قراءته وفهمه، اختصرها الدكتور المتمرس "محمد كاظم البكاء" أستاذ النحو والصرف في جامعة الكوفة بالعراق، والذي اشتهر بدراساته المنهجية عن سيبويه وكتابه، ومن أهم دراساته عنه تحقيقه لكتاب سيبويه (تصنيف منهجي وشرح وتحقيق علمي) في ستة أجزاء، في مشروع علمي منذ عام 1989 م وحتى عام 2015 م. |
كلمات في الوعي | د. خالد النجار | 13-07-2022 | 3,439 | https://www.alukah.net//culture/0/156087/%d9%83%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b9%d9%8a/ | كلمات في الوعي في كتابه الماتع "كلمات في الوعي" يناقش د. مسفر القحطاني إحدى المشاكل المعاصرة للأمة الإسلامية، التي تعاني من تقهقر فكري وريادي وإنتاجي بما لا يخفى على بصير، ويوجز فضيلته هذه القضية بقوله: إن الأزمة الحقيقية التي تمر بها مجتمعاتنا الإسلامية في عصورنا الراهنة هي أزمة وعيٍ بالدور الحضاري للأمة التي أراد الله عز وجل أن تكون شاهدة على كل الأمم وفي كل العصور. قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110]. فالخيرية التي وصفت بها الأمة إنما هي مُعلَّلة بالدور الذي يجب أن تؤديه لتلك المجتمعات الأرضية؛ من أمر بالمعروف بكل ما يشمله هذا المفهوم، وكذلك النهي عن المنكر بنفس الشمول أيضًا، وهذا المعنى الزائد عن الوصف هو من أهم الأسس في شهودنا الحضاري على الأمم. فهل ستشكل يقظة الوعي لدينا الإفاقة اللازمة لغفوتنا الحضارية الراهنة؟ ♦ يقرِّر علماء النفس أن الطفل في بداية حياته يقوم بتصرفات كثيرة جدًّا، فمن أجل التعبير عن ظمئه - مثلًا - يطلق عشرات الأنواع من الأصوات، ويحاول عشرات المحاولات اليائسة، وفي كل مرة يقلل من عدد حركاته وأصواته، ويفهم بالتدريج عبثها، ولا يكررها ثانية حتى يصل إلى مرحلة يختار فيها حركة واحدة أو صوتًا واحدًا؛ لبلوغ هدفه كالبكاء أو الضرب بقدمه على الأرض، ثم تقل الأصوات تدريجيًّا حتى ينطق بكلمة واحدة "ماء". فهذه الحقيقة أقرب إلى مسيرة عقل الإنسان ومراحل نموه نحو النضج الذهني والوعي الفكري، فكم من المحاولات الخاطئة لفهم الواقع والمجتمع يعيشها الإنسان في بدايات نضجه! وكم من التشنجات الانفعالية التي تصحب تلك الفُهُوم والآراء، وتحمل هذه البدايات المتعثرة حتمياتٍ قطعية لا تقبل النقاش أو الجدال، ثم تثبت الوقائع والتجارب - فضلًا عن الاستزادة من العلوم والمعارف - خطأَ هذا النظر أو شناعته أحيانًا، ومن ثَمَّ تقل تلك القطعيات، وتزداد النسبية في عالم متغير كثيرِ التعقيد، يحتاج إلى تلك الخطوة الأولى نحو النضج في البصيرة والعمق في النظر. ♦ المفكر حسب تعريف بعض الباحثين هو من "يملك رؤية نقدية"، وهم أقل شريحة من المجتمع، وأكثرهم عبئًا للهموم التي تحملها، والرؤى التي تؤمن بها، ومع أهميتهم لأي مجتمع يعيشون فيه تجدهم في حياتهم أقل المميزين شهرة وصيتًا، وأخبارهم لا تكاد تهم إلا القليل من الجمهور، ولكن المتأمل في مسيرة المجتمعات ونهضتها يلحظ أن أولئك المغمورين هم من يحتفل بهم بعد موتهم، ويخلُد ذكرهم وتُنصب لهم الرايات، ويُنسى غيرهم ممن مُلِئت له المدرجات، وسُوِّدت لهم الصفحات. لا أظن أن المفكر الواعي يشتري لقبه، أو يكتسبه بماله أو معارفه، كما في بعض الصحف والفضائيات، بل يعرفه الناس بطول همه، وكثرة تأمله، وعكوف قلمه على الحرث والتحليل والنظر، فيكتب رأيه في الواقع، وينقد حالة المجتمع بنظر ثاقب، ورؤية ناضجة تحمل معها بذور التغيير إلى الأفضل، ويحملهم إلى وعيٍ أمثلَ، محافظًا على أصالته ودينه، ومعتزًّا بتاريخه وتراثه، من دون سعيٍ منه إلى تقزيمنا طوعًا، أو اغتيالنا أحياء، أو جعلنا شيعًا وأحزابًا. إنه في أوقات الذلة مكمن العزة التي لم تنشغل في العينة أو تترك الجهاد، أو ترغم أنفها خلف أذناب البقر وبذر الحرث ما جاء في حديث المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فهذا الأنموذج الفذُّ للمفكر الواعي هو مرادنا في أزمتنا المعاصرة، إنهم في مجتمعاتهم كالأنبياء في أممهم، بل هم ورثتهم في نقل العلم الصحيح، والنصح الرشيد، والسعي لمصالح الأمة. ♦ وخلاصة القول : إن مقصودنا من استخدام كلمة "الوعي" في سياق المفهوم الحضاري الشامل للمدنية، يمكن تحديده بأنه: "إدراك الفرد ومؤسسات المجتمع المختلفة بمسؤولياتهم الكبرى في بناء الشخصية الإنسانية المتكاملة، والسعي في دفع عملية النهضة والتقدم المعنوي والمادي، من خلال إصلاح الفكر والسلوك والواقع". ♦ والسبب في البدء بالوعي أولًا؛ لأن أيَّ تحضُّرٍ لأمة من الأمم لا بد أن يُسبق بفكرة تنطبع في أذهان أصحابها إلى درجة الاعتقاد الجازم المفضي إلى البناء المشترك والعمران الحضاري؛ وفي هذا يقول مالك بن نبي: "إن الحضارة ما هي إلا نتاج فكرة جوهرية تطبع على مجتمع في مرحلة ما قبل التحضر، الدفعة التي تدخل بها التاريخ". وهو ما عبَّر عنه ربعي بن عامر حين دخل على كسرى عظيم الروم عندما سأله كسرى: من أنتم؟ فأجابه: "لقد بعثنا الله تعالى لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن ظلم الحكام إلى عدل الإسلام". |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستغراب - الموضوع المكروه) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 06-07-2022 | 4,231 | https://www.alukah.net//culture/0/156026/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%b6%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%83%d8%b1%d9%88%d9%87/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستغراب - الموضوع المكروه) وفي كتاب أحمد الشيخ " حوار الاستشراق " يظهر طرح قوي مع مستشرقين فرنسيين، حول دراستهم للشرق عمومًا، وللمجتمع المسلم المعاصر بخاصة. ويبدو أن المحاور أحمد الشيخ قد واجه هؤلاء بقضايا مهمة حول موقفهم من الشرق، وموقف الشرق منهم، وهو ما يمكن أن يكون نواة للاستغراب، بما في ذلك نقد الاستشراق نفسه الذي لا يزال قائمًا، رغم رغبة المستشرقين أنفسهم في التنصل من المصطلح، كما مر بيانه في مطلع محدد الاستشراق؛ لما اكتسب من مفهوم سيئ (سلبي) مشؤوم لدى العرب والمسلمين والمستشرقين أنفسهم [1] . وفي ضوء نقد الاستشراق، ومن خلال هذا الحوار المهم، استطاع المحاور أحمد الشيخ أن يخرج بنتائج يؤمل منه أن يجعلها محتوى لعمل قادم؛ لأنه لم يضمنها نتيجة نهائية في كتابه، وإن كانت مبثوثة في مقابلاته مع عدد لا بأس به من المستشرقين، وبعض العرب التغريبيين المتبنين للفكر الاستشراقي أو الفكر التغريبي في النظرة للإسلام دينًا وعقيدة وفكرة وتمثلًا،وما استطاع المحاور الخروج به هو نواة لإمكانية بناء نظرية حول موقف المستشرق نفسه من الدراسات التي يقوم بها. وبعيدًا عن التعميم الذي اتسم به بعض نقاد الاستشراق، هناك من المستشرقين من يحقق ويقرر أن بعضهم ينظر إلى دراسة الشرق عمومًا والإسلام بخاصة على أنه مادة مكروهة،ويبدو أن هذه جرأةٌ في الطرح، واعتراف غير مسبوق؛ إذ ربما يُعَدُّ من الأسباب التي أدت إلى ما وصلت إليه الدراسات الاستشراقية، ليس كلها ولكن معظمها، وبالتالي يمكن القول: إن نقد الاستشراق هو نوعٌ من الاستغراب بالمفهوم العلمي للمصطلح، وإن كان لم يتبلور بعد. وهل بالإمكان القول: إن نقد الاستشراق قام بالتالي كذلك على الكره للمستشرقين ودراساتهم؟ هذا الموضوع يحتاج إلى تفصيل يطول، ولكنه يعود بنا إلى دوافع نقد الاستشراق، فإن كان من الدوافع الغيرة على الدين والمجتمع المسلم، فإن عدم الولاء لهذه الدراسات وارد ومطلوب. ولم تكن الغيرة على الدين هي المسيطرة بالضرورة على نقد الاستشراق، بل إن هناك دارسين علمانيين، أو هكذا يقال عنهم، نقدوا الاستشراق،ومن هؤلاء من نقده ربما لأن الاستشراق تعاطف مع الجانب الديني في المجتمع المسلم، وكان هذا الفريق يود من المستشرق أن يتجاهل الدين في المجتمع المدروس، في الوقت الذي يصرح فيه المستشرقون أنفسهم بأنه لا يمكن إغفال البعد الديني في المجتمع المسلم المعاصر، ناهيك عن المجتمعات المسلمة السالفة. وفي المحاورات التي تضمنها الكتاب "حوار الاستشراق" أطروحاتٌ جيدة حول هذا المفهوم، لا يملك المتابع لها أن يخفي إعجابه بها، وإن كان قد لا يتفق معها دائمًا، ولكنه الحوار الهادئ العميق الذي يجذب القارئ إليه، ويتيح له هامشًا كبيرًا للتأمل والتفكر،ولعله لا يخفى على القارئ استمرار المتعة بهذا الطرح، والإفادة منه في ملاحقة ظاهرة الاستشراق؛ للرغبة في الاستزادة من قراءة ما يكتب حوله من نقد له أو عليه. وهذا الكتاب في غاية الأهمية لمن يَعنيهم نقد الاستشراق والدعوة إلى الردود عليه، فيما بدأ يطرح الآن على أنه دعوةٌ إلى قيام علم الاستغراب، أو ظاهرة الاستغراب التي يرجى ألا تكون مجرد رد فعل لظاهرة الاستشراق، التي تكونت منذ أكثر من سبعمائة سنة على أقل تقدير، وتعرَّضت لتقلبات عديدة، بحسب ما تعرض له المجتمع المسلم من تقلبات، بدءًا بالحروب الصليبية، ثم الاحتلال، ثم التنصير، ثم الآن عودة الحروب الصليبية في أوربا بالتطهير العرقي والعقدي أولًا، مما يعني استمرار الاستشراق مهما حاول أقطابه أن ينسلخوا من المصطلح، ويعني ذلك فهم الغرب ومنطلقاته في حملاته المتكررة على الشرق، ليس على مستوى الحروب فحسب، ولكن على مستويات أخرى ثقافية وسياسية واقتصادية. ويدخل في المستويات الثقافية المستوى الإعلامي القوي في تأثيره،وهذا ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح الاستغراب، الذي يحتاج منا إلى المزيد من التأمل والاعتبار. [1] انظر: أحمد الشيخ ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - مرجع سابق - ص 240. |
إسلام خالد بن سعيد بن العاص | د. محمد منير الجنباز | 04-07-2022 | 5,564 | https://www.alukah.net//culture/0/155981/%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%ae%d8%a7%d9%84%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b3%d8%b9%d9%8a%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b5/ | إسلام خالد بن سعيد بن العاص رُوي أنه رأى في الحُلم أنه وقف على شفير النار، فذكر مِن سَعتها ما الله به أعلم، ورأى كأن آتيًا أتاه يدفعه فيها، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بحَقْويه - من جانبي الخاصرة من الخلف - كيلا يقع فيها، ففزع من نومه، فقال: أحلف بالله إن هذه لرؤيا حق، فلقي أبا بكر فذكر له ذلك، فقال أبو بكر: أريد بك خيرٌ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاتبعه، فإنك ستتبعه وتدخل معه في الإسلام، والإسلام يحجزك أن تدخل فيها - النار - وأبوك واقع فيها، فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأجياد، فقال: يا رسول الله، يا محمد، إلمَ تدعو؟ قال: ((أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، وتخلع ما أنت عليه من عبادة حجر لا يسمع ولا يضر، ولا يبصر ولا ينفع، ولا يدري مَن عبده ممن لا يعبده))، قال: فإني أشهد أن لا إله الله وأشهد أنك رسول الله. سُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه، وتغيب خالد، وعلم أبوه بإسلامه، فأرسل في طلبه، فأتي به، فأنَّبه وضربه بمقرعة في يده حتى كسرها على رأسه، وقال: والله لأمنعنك القوت، فقال خالد: إن منعتني فإن الله يرزقني ما أعيش به، وانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يكرمه ويكون معه. |
أساليب "الحداثيين" في الطعن في "السنة النبوية" (1) | د. محمود بن أحمد الدوسري | 03-07-2022 | 6,510 | https://www.alukah.net//culture/0/155931/%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a8-"%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d9%8a%d9%8a%d9%86"-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b9%d9%86-%d9%81%d9%8a-"%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a%d8%a9"-1/ | أساليب "الحَدَاثِيِّين" في الطَّعْنِ في "السُّنة النبوية" (1) إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: أنتجت القريحة العربية الإسلامية في ظلِّ نصوص الحديث الشريف صرحاً شامخاً، وطوداً راسخاً، تمثَّل فيما أطلق عليه العلماء اسم "علوم الحديث" التي شملت علوماً شتَّى؛ علم الإسناد، والرجال، ومصطلح الحديث، وغيرها من العلوم المرتبطة بالسنة النبوية، وقد بذلوا في سبيل ذلك النفس والنفيس، على مدار عقودٍ من الزمن، تمكَّنوا خلالها من تمييز السقيم من الصحيح؛ فحفظوا السُّنة وصانوها من عبث العابثين. ورغم ذلك؛ لم تمنع هذه العلوم بعض المشاغبين في كلِّ عصرٍ من التطاول على السُّنة وأهلها، بدايةً بأهل الأهواء والزيغ من أصحاب الفِرق والمذاهب الضالة التي نشأت في مرحلة مُبكِّرة من عمر الإسلام الحنيف. ويمثل العقلانيون العرب اتجاهاً مستقلاً بذاته عن الحداثيين؛ إذ إنهم وبالرغم من تلاقيهم في كثير من الأفكار والآراء إلاَّ أنهم يختلفون في المنطلقات والغايات. فالعقلانيون العرب، تأثروا – بداية – بمذهب المعتزلة، حيث اطَّلعوا عليه وخبروه خبرة تامة، وقد انبهروا بآرائهم فيما يتعلَّق بإعلاء شأن العقل وتقديمه على النقل، بل جعلوه حاكماً على النص، فكان التأويل وكان الهجوم على الإسناد وعلوم الحديث، وكان رد خبر الآحاد وعدم الأخذ به، وغير ذلك ممَّا ذهبوا إليه، فتأثَّر العقلانيون العرب بآرائهم وقاموا بإحياء تراثهم المندثر ونشره والترويج له. كما تأثر العقلانيون العرب بالصدمة الفكرية التي وقعت للشرق عامة ولهم خاصة، بعد مجيء الاستعمار وطَرْقِه أبواب الشرق والاتصال بالغرب والترحال إليه، والاطلاع على ما وصل إليه من تقدُّم وازدهار، بينما هم في تخلُّفٍ وانهيار؛ فأرادوا أن يلحقوا بركب التقدُّم والتحضُّر، ظانين أن السبيل هو متابعتهم فيما عندهم وإعمالهم العقل، والعقل فقط، فكان تعاطيهم للتراث وموقفهم من الحديث وأهله. ولكنهم ورغم ما تبنَّوه من أفكار وما روَّجوا له من آراء، إلاَّ أنهم كانوا يدَّعون رغبتهم في الإصلاح، وأنهم إنما يخدمون الإسلام والسنة النبوية المشرفة، فهدفهم المعلن كان نبيلاً. ويمكن القول إنَّ العقلانيين العرب كانوا أوَّلَ بذرة للحداثة العربية؛ لأنَّ أصحاب التيار الحداثي دائماً يتحدَّثون عنهم وعن آرائهم، وكثير من الأحيان يعتبرون أنفسهم امتداداً لهم، لا سيما أصحاب التيار الحداثي المصري. ولكن في الوقت ذاته لا يمكن بحال اعتبار الحداثيين العرب جزءًا من العقلانيين رغم تشابههم في كثير من الآراء والأفكار، فالتيار الحداثي العربي يُمثِّل تياراً مُستقِلاًّ، بأدوات وأفكار وآراء وأصول وجذور خاصة، مستمدة معظمها من الفلسفة الغربية والحداثة الغربية، وكذلك فإن موقفهم من التراث العربي موقف عدائي؛ حيث يريدون نقضه وهدمه، ثم البناء من جديد، بعيداً عن هذا التراث الذي يصدُّهم عن سبيل التقدُّم والرُّقي بزعمهم. كما يُلاحَظ على التيار الحداثي العربي غزارة إنتاجه الفكري وامتداده على مدار العالم العربي من شرقه إلى غربه، في حركة نشطة ومتصاعدة، حتى يمكن القول إنَّهم كوَّنوا فيما بينهم مدرسةً فكريَّةً وتيَّاراً فلسفيًّا. ولذا نالت السنة النبوية القسط الأوفر من الهجوم والحرب المعلنة، وتعدَّدت أوجه الهجوم وأساليب الطعن فيها، ومن أهم أساليب "الحداثيين" في الطعن في "السنة النبوية" ما يلي: الأسلوب الأول: نفي صفة الوحي عن السُّنة: وقف دعاة الحداثة من السنة النبوية وكونها وحياً من عند الله تعالى مواقف متعدِّدة؛ لكنها جميعاً تُعَبِّر عن موقف رافضٍ لاعتبارها وحياً من عند الله تعالى؛ هذا من جهة، ومن جهة أخرى الدعوة إلى التعامل معها تعاملاً لغوياً وتلقِّيها تَلَقِّياً بشرياً وَفْق مفاهيم ومعايير النقد الحديث [1] : 1- فمنهم مَنْ يتبنَّى القولَ ببشرية النصوص الدِّينية : (النصوص الدِّينية نصوص لغوية، شأنها شأن أيَّة نصوصٍ أُخرى في الثقافة، وأنَّ أصلها الإلهي لا يعني أنها في درسها وتحليلها تحتاج إلى منهجيات ذات طبيعة خاصة تتناسب مع طبيعتها الإلهية.. هنا نتبنَّى القول ببشرية النصوص الدِّينية) [2] ، وهم في دعواهم هذه لا يُفرِّقون بين القرآن والسُّنة؛ وإنما جمعوا بينهما باعتبارهما نصوصاً لغوية، ويجب إخضاعهما - في الدرس والتحليل والتأويل – لأدوات ومناهج اللغة؛ سواء أُنتِجت هذه الأدوات قديماً أو وُضِعَت حديثاً، ولعل من أخطر ما يُروِّجون له ويحاولون تطبيقه من مناهج النقد الحديث هي نظرية التَّلقِّي، وما تفرَّع عنها من مفاهيم ومصطلحات؛ كالإبداع الموازي، وموت المؤلف، وغيرها، التي لا يسوغ بحال من الأحوال استعمالها وتطبيقها على النصوص المقدَّسة، فلا يجوز أن نفصل النَّص المُقدَّس عن قائله؛ وهو الله سبحانه وتعالى، وعن مُبلِّغه؛ وهو النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أعلم خلق الله بمراد الله تعالى. 2- ومنهم مَنْ يُصرِّح بأنَّ الحديث النبوي ليس وحياً مُنزَّلاً ، ثم يستدل على ذلك بأن السُّنة لا تُقرأ في الصلاة ممَّا يدلُّ على بشريَّتها، وانتفاء صفة الوحي عنها: (الحديث النبوي ليس وحياً مُنزَّلاً، ولو كان كذلك لأصبح مَتْنُه قُرآناً يقرأه المسلمُ عند أدائه فروضَ صلاته) [3] ، وهذا دليل على قصور فهمهم؛ إذ إنهم لم يستوعبوا أنَّ نصوص السنة النبوية وحي من عند الله تعالى بمعناها، وإنما الذي صاغها وعبَّر عنها بلغته وبلاغته هو الرسول صلى الله عليه وسلم، والدليل على ذلك: الأحاديث المُفسِّرة للعبادات، التي أجملها القرآن الكريم وفسَّرتها السنة النبوية، فالعقل يقتضي أنَّ تفاصيل العبادات والفروض ليست اجتهاداً من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنما أوامر توقيفية من الله تعالى، فمن أين أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم لو لم تكن السنة وحياً من عند الله تعالى. 3- ومنهم مَنْ يُثبت القداسة للقرآن والأحاديث القدسية، وما عدا ذلك فهو إنتاج بَشَري غير مُلزم : (ليس هناك ما هو مقدَّس إلاَّ كلمات الله المُباشرة من كتابه الحكيم، وما بلَّغه عنه رسولُه الكريم، أمَّا عدا ذلك فإنتاج بشري نستفيد منه ونستشيره ولكنه غير ملزم) [4] ، وهذا الموقف ممَّا يُلَبِّس على الناس؛ إذ إنهم يُثبِتون القداسة للقرآن الكريم وللأحاديث القدسية، وربما يظن ظان أنهم أكثر اعتدالاً من غيرهم، وهذا خطأٌ جسيم؛ إذ إنهم أثبتوا القداسةَ لجزءٍ من الوحي، ثم نزعوا القداسة عن باقي الوحي، وفي نزعهم لهذه القداسة هَدْمٌ لما ادَّعوا تقديسَه ابتداءً؛ إذ لا يُفهم ولا يُفسَّر ولا يُعرف مُرادُه إلاَّ من خلال ما يُحاولون نزع القداسة عنه، فكيف لهم أنْ يفهموه؟! إنهم يهدفون إلى تأويل القرآن وتفسيره وإخضاعه وَفْقاً لأهوائهم وتحقيقاً لمآربهم، والسَّدُّ المنيع الذي يحول بينهم وبين ذلك هي السنة النبوية، فلا بد إذاً – حسب مفهومهم – من التخلص منها وتنحيتها جانباً. 4- ومنهم مَنْ يقول بثبوت منطوق النَّص، وتحرُّك مفهومه : (النص الديني في القراءة الحداثية ثابت من حيث منطوقه متحرِّك من حيث مفهومه، فلا مدلول له إلاَّ ما يضعه البشر من مدلولات وَفقاً لأفهامهم الخاصة، فهو قابل للتغيير قبولاً ورفضاً، والمصدر الإلهي للنصوص الدينية لا يُخرجها عن هذه القوانين؛ لأنها "تأنسنت" منذ تجسَّدت في التاريخ واللغة وتوجَّهت بمدلولها إلى البشر في واقع تاريخي محدَّد) [5] ، وهذا الاتجاه القائل بتاريخية النصوص الدينية لا يهدف إلاَّ إلى تعطيل هذه النصوص، فهو يُثبِت قدسيَّتها، ويُثبت ما فهمه منها السابقون، ولكنه في الوقت ذاته يدعو إلى القول بأنهم فهموها وَفق معطيات عصورهم ووَفق مقتضيات واقعهم هم، فهي مناسبة للظرف التاريخي الذي عاشوه وعايشوه، ولكننا لسنا ملزمين أنْ نعيش وَفق أزمانهم وحسب عصورهم، لا سيما مع التطور الواضح في الحياة وآلياتها. ولنا وقفات مع هذا الاتجاه: أولاً: هذا الاتجاه قَرَنَ بين الاجتهاد وبين الأحكام، فما لا شكَّ فيه أن الاجتهاد مستمر إلى قيام الساعة؛ وذلك ليستوعب ما يستجد من قضايا ومن إشكالات، ليقدم لها الحلول الشرعية المنضبطة بضوابط الشرع. ثانياً: القول بتاريخية النصوص دعوة خطيرة تُمثِّل اتِّهاماً خطيراً للإسلام، فتنفي عنه صفة العالمية؛ إذ كيف يصبح عالميًّا وقد نزل لظروف بعينها لا تنطبق على ما سواه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تنفي عنه صفة آخِر الرسالات، إذ أنه بهذا الشكل يفتقر إلى الكمال، ففيه قصور؛ لعدم استيعابه ما تبقَّى من عمر الإنسان على الأرض. 5- ومنهم مَنْ يرفض تفسيرَ أهلِ السُّنة للآيات الدالة على أنَّ السُّنة وحي ؛ كقوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم:3، 4] ويؤوِّلها ويقرؤها قراءةً حداثية: ويزعم أنه (لا علاقة للسُّنة بالحكمة أو الوحي، وأنَّ فَهم الآيات على هذا الشكل فَهمٌ ظاهر يُشبه ما ذهب إليه أهل الظاهر من فَهم الآية: ﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾ [الفتح: 10] فوقعوا في التشخيص تعالى الله عمَّا يقولون) [6] ، والسؤال المُوجَّه له ولمن على شاكلته: إذا لم تكن هناك علاقة للسنة النبوية بالحكمة أو الوحي، فما المقصود إذاً من الآية؟! وإذا لم نُفسِّر الآية بالآيات من القرآن، فما المقصود إذاً بالحكمة؟! ومَنْ هو صاحبُها؟! وأين هي؟! 6- ومنهم مَنْ ينفي صفة الوحي عن السُّنة بدليل عدم كتابة النبي صلى الله عليه وسلم لها، ونهيه عن ذلك، ويرفض قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ [7] ) [8] : بدعوى أنه (من أغرب ما قذفته الرواية في سَيْلِها؛ لأنَّ النبي إذا كان قد أوتي مِثلَ الكتاب، أو مِثلَ القرآن، فمعنى ذلك أنه قد أوتي بذلك ليكون تماماً على القرآن وإكمالاً له لبيان دينه وشريعته، وإذا كان الأمر كذلك فَلِمَ لَمْ يُعنَ النبي بكتابة هذا المِثْل في حياته عندما تلقَّاه عن ربه كما عُنِيَ بكتابة القرآن؟ ولِمَ لَمْ يجعل له كُتَّاباً يُقيِّدونه عند نزوله كما جعل للقرآن كُتَّاباً؟) [9] . والرد على هذه السؤالات كما يلي : أولاً: من الثابت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان له كتبةٌ للوحي، يكتبون ما ينزل عليه من ربه من آيات القرآن الكريم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم النهي عن كتابة شيء غير القرآن الكريم، كما ثبت عنه الأمر بكتابة ما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم؛ كما في حديث عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما، قال: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ في الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟! فَأَمْسَكْتُ عَن الْكِتَابِ! فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إلى فِيهِ، فقال: (اكْتُبْ فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلاَّ حَقٌّ) [10] . فلماذا اجتُزِئَتْ الروايات، وأخذتم ما يناسبكم وتركتم ما يُخالفكم؟! فهذا الانتقاء يُخالف الموضوعية العلمية التي تدَّعون التزامها. ثانياً: القرآن الكريم كلام الله تعالى، لا يجوز أن يُستبدل فيه حرف مكان حرف أو أن تُقدَّم آية على أُخرى، أو أن يتغيَّر موضع سورة من سورة بالتقديم أو التأخير، فهو توقيفي في الحروف والكلمات والآيات والسور بنفس الترتيب، ولا تجوز روايته بالمعنى وإنما بنصِّه ولفظه؛ لذا كان الشُّغل الشاغل هو تدوين القرآن الكريم كما هو وكما أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظاً له وصيانة له. أمَّا السنة فتختلف عن القرآن الكريم، فهي وإن كانت وحياً من عند الله تعالى، إلاَّ أنها ليست وحياً باللفظ التوقيفي، وإنما بالمعنى، وأمَّا الصياغة، فمن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتجوز روايتها بالمعنى. وليس هناك من أهل الإسلام قديماً وحديثاً مَنْ ساوى بين القرآن والسنة إلى حدِّ التَّطابق، فالسنة هي المصدر الثاني للتشريع، وهي في المنزلة التالية للقرآن الكريم، وقد استمدَّت قدسيَّتها وأهميَّتها من القرآن الكريم، باعتبارها الشارحة له والمفسِّرة لأحكامه، وأمَّا عن حفظها وتدوينها وصيانتها؛ فالأحاديث التي تحثُّ على حفظها وتبليغها أكثر من أن تُحصى، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حتى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إلى مَنْ هو أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيسَ بِفَقِيهٍ) [11] . أليس في هذا التوجيه النبوي بحفظها وتبليغها ما يوحي بعنايته صلى الله عليه وسلم بها وبحفظها؟ 7- ومنهم مَن يدَّعي بأنَّ السنة تجربة بشرية محضة خاضها النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فزعم بعضهم أنَّ السُّنة إلهام بشري، وحديث نفسٍ ، ولا ترتقي أنْ تكون وحياً ربَّانيًّا: بل (كلُّ ما اختزنه محمد في ذاكرته سيرجع عن طريق الوحي في حالة الإيحاء الداخلي، عن طريق الصوت الداخلي الملهم في فترات الانحطاط والذي اعتبَرَه محمد بكلٍّ حماسٍ وحياً إلهياً من الخارج) [12] . ولم يقف أصحاب هذا القول عند حدود السنة النبوية والقول ببشريَّتها، وإنما تجاوزوها إلى القرآن الكريم، ونفي صفة الوحي عنه، واعتباره تأليفاً من عند النبي صلى الله عليه وسلم. وزعم بعضُهم: أنَّ القرآن من صُنع النبي صلى الله عليه وسلم؛ بسبب تجربته البشرية ، ومخالطته ومعاشرته لبني قومه، واستفادته من الأقوام السابقين والأديان السابقة، وسفره المُتعاقب في رحلات التجارة إلى الشام، وإقامته بالشام مُتَتَلْمِذاً على يدي رهبانها وأحبارها [13] . وزعم بعضُهم: انتفاء الوحي عن السُّنة؛ بتعظيم صفات النبي صلى الله عليه وسلم البشرية القيادية : و(للتأكيد على بشرية السُّنة يذهب بعض الحداثيين إلى تعظيم صفات النبي صلى الله عليه وسلم، فهو الشَّخصية الفذَّة والقائد العظيم، والمُفكِّر المبدع، والعبقري الفيلسوف، والعالِم واسع الاطلاع، والمُشرِّع المُتَمرِّس، والأديب الذي لا يُضاهى، فهو الأعلى منزلةً بين البشر والأعلى قامةً، والأكثر معرفةً بأديان وشعائر الأقوام الآخرين والأمم السابقة وعباداتها... إلخ [14] ، هذه الأوصاف وغيرها الكثير التي تندرج تحتها عبارات المستشرقين التَّبجيلية لشخص محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأنه أعظم البشر وأعظم قائدٍ عبر التاريخ... وغيرها من الصفات البشرية مُتَجنِّبين ذِكر صفة الوحي أو النبوة عنه صلى الله عليه وسلم... فهذا المدح في حقِّه صلى الله عليه وسلم وإنْ كان غيرَ مرفوضٍ من حيث المبدأ؛ لكنه مردود مرفوض من حيث المآل والمَغْزَى الرَّامي لإبعاد صفة الوحي عنه) [15] ، وممَّا لا شك فيه أن الحداثيين العرب لم يختلقوا هذه الأقوال ولم يبتدعوها، وإنما أعادوا إحياءها من جديد، فحتى في عصر النبي صلى الله عليه وسلم يُسجِّل لنا القرآن الكريم أقوال مَنْ عادوه ورفضوا اتِّباعه، فقال سبحانه وتعالى عنهم: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الفرقان: 4 - 5]؛ وقوله سبحانه: ﴿ بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلْ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ﴾ [الأنبياء: 5]. فمثل هذه الأقوال ممَّا لا ينظر فيها، ولا يلتفت لها؛ لأنها مسألة إيمانية بحتة، فمهما ادَّعى الحداثيون اتصالهم بالدين ومهما ادَّعوا إسلامهم، فلا يمكن أن يُسلَّم لهم بذلك ما داموا يُشكِّكون في ثبوت القرآن الكريم وكونه كلام الله الموحَى به إلى نبيِّه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ولكن ما يجب النظر إليه والرد عليه هو خلع صفات العظمة والعبقرية على نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر مردود عليه من قديم، فقد فطن له العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في فتح مكة، عندما صعد هو وأبو سفيان الجبل؛ فرأى أبو سفيان جيشَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: سبحان الله، يا عباس! مَنْ هؤلاء؟ قال: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقَةٌ، واللهِ، يا أبا الفضل! لقد أصبح مُلْكُ ابنِ أخيك الغداةَ عظيماً، قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: يا أبا سفيان! إنها النبوة، قال: فنعم إذن [16] . ونرد عليهم جميعاً : إنَّ كل عظمة حقَّقها النبي صلى الله عليه وسلم وكلَّ منزلة وكلَّ فضل وكلَّ نبوغ مردُّه إلى النبوة والرسالة، فما كان لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أنْ يصل إلى ما وصل إليه إلاَّ بالنبوة الرسالة، وقد عاش صلى الله عليه وسلم أربعين سنة قبل الرسالة لم يكن يقرأ ولا يكتب ولم يكن قائداً ولا رئيساً إلاَّ ما اشتهر عنه من صفات خُلُقية حميدة، وهي بمثابة الإعداد الإلهي المُسبق للرسالة. فما ظهرت دلائل نبوغه وعبقريته إلاَّ مع الوحي ومع الرسالة، فمَنْ قال بعبقريته وعظمته وقيادته، فلا بد أن يقرنها بإقرارٍ آخر، وهو الإقرار برسالته ونبوته صلى الله عليه وسلم. 8- ومنهم مَنْ يطعن في شخص النبي صلى الله عليه وسلم بسبب اليتم؛ لنفي التقديس عن السُّنة : فيزعم أنَّ (قصة امتناع المراضع عن أخذ محمدٍ بسبب يتمه قصة أشهر من أنْ تُنكر، ولم تأخذه حليمة إلاَّ لأنها لم تجد سواه. اليتيم في مثل هذا المجتمع القائم على العصبية كان يُعاني دون شكٍ إحساساً طاغياً بالإهمال والضياع) [17] . والمحصِّلة النهائية لهذا الافتراء تُوصل إلى أنَّ إهمال المجتمع للنبي صلى الله عليه وسلم في طفولته – بسبب يُتمه؛ جعله شخصاً ناقماً على المجتمع والناس، فتنتفي القداسة عن السُّنة النبوية؛ لذا كان بعضهم يُشكِّك في السنة النبوية ويزعم أنها (ادِّعاءات نبوية) [18] . وبعضُهم: يطعن في النبيِّ صلى الله عليه وسلم بسبب أُميَّته ، فيقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميًّا ورسولاً للأميين، فما كان يخرج في شيء من حياته الخاصة والعامة ولا في شريعته عن أصول الأمية ولا عن مقتضيات السذاجة... فلعل ذلك الذي رأينا في نظام الحكم أيام النبي صلى الله عليه وسلم هو النظام الذي تقضي به البساطة الفطرية) [19] . والسؤال الموجَّه لهؤلاء الطاعنين في شخص النبي صلى الله عليه وسلم واتهامهم له بالحقد على المجتمع والنِّقمة عليه، أين هذا الحقد وتلك النِّقمة عندما دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكةَ فاتحاً منتصِراً؟! ألم يكن من حقه – لو كان تحليلهم لشخصيَّته صحيحاً – أن ينتقم منهم جراء ما فعلوه؟! ولكن العكس ما حدث، فقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، أقول لمَنْ يحتجُّ بقصة امتناع المراضِع عن أخذه صلى الله عليه وسلم وشهرتها: هذه القصة أيضاً أشهر من أن تُنكَر، وغيرها الكثير من قصص حلمه وعفوه وصفحه، والتي تدل على سمو أخلاقه، ورقي أدبه، وسلامة صدره، وبُعدِه كلَّ البُعد عن كلِّ مظاهر الحقد أو الانتقام. أمَّا مَن ادَّعى سذاجة النبي صلى الله عليه وسلم وأُميَّته، فأقول له: لن أناقشك في نظام الحكم الإسلامي الفريد، ولا في تجربة النبي صلى الله عليه وسلم الرائعة، ولكن أقول لك: أليس من العدل والموضوعية عند تقييم نظامٍ مَّا؛ أنْ يكون التقييم وَفْقَ ظروف عصره، فالتجارب إنما تُقيَّم في وسطها التاريخي والمكاني، ولا يجوز أنْ نُقيِّم تجربةً في القرن الأوَّل مثلاً بتجربةٍ في القرن العشرين، مُتَّهمين الأُولى بالتخلُّف والبساطة والسَّذاجة، فهذا ما لا يقبله العقل الصحيح، ولا البحث العلمي المُنصِف المحايد، ولكنه الهوى الذي يتحكَّم في أصحابه فيَخرُج بهم عن الصواب إلى الخطأ لا محالة. يُتبع. [1] انظر: الحداثة وموقفها من السنة، الحارث فخري عيسى عبد الله (ص 119). [2] نقد الخطاب الديني، نصر حامد أبو زيد (ص 208). [3] جناية البخاري: إنقاذ الدين من إمام المحدثين، زكريا أوزون (ص 14). [4] السياسة بين الحلال والحرام: أنتم أعلم بأمور دنياكم، تركي الحمد (ص 78). [5] القراءة الحداثية للسنة النبوية "عرض ونقد"، د. محمد عبد الفتاح الخطيب، (ص 16). [6] دراسات إسلامية معاصرة في الدولة والمجتمع، الدكتور المهندس محمد شحرور (ص 233). [7] (وَمِثْلَهُ مَعَهُ): أراد بذلك السُّنة التي أُوتي. انظر: (صحيح البخاري، لابن بطال (10/ 358). [8] رواه أحمد في (المسند)، (4/ 130)، (ح 17213)؛ وأبو داود، (4/ 200)، (ح 4604). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 117)، (ح 4604). [9] أضواء على السنة المحمدية، (ص 51). [10] رواه أحمد في (المسند)، (2/ 162)، (ح 6510)؛ وأبو داود، (3/ 318)، (ح 3646). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (2/ 408)، (ح 3646). [11] رواه أبو داود، (3/ 322)، (ح 3660)، والترمذي، (5/ 33)، (ح 2356) وحسنه. وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (2/ 411)، (ح 3660). [12] تاريخية الدعوة المحمدية في مكة، (ص 155). [13] انظر: العلمنة والدين، محمد أركون (ص 46)؛ تاريخية الدعوة المحمدية في مكة، هشام جعيط (ص 150)؛ النص القرآني أمام إشكالية البنية والقراءة، (ص 103). [14] انظر: القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني، (ص 84)؛ نزعة الأنسنة في الفكر العربي: جيل مسكويه والتوحيدي، محمد أركون، ترجمة: هشام صالح (ص 541)؛ السيرة النبوية الوحي والقرآن والنبوة، هشام جعيط (ص 46)؛ السنة والإصلاح، عبد الله العروي (ص 114)؛ الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث، محمد حمزة (ص 296). [15] الحداثة وموقفها من السنة، (ص 126). [16] انظر: سيرة ابن هشام، (2/ 404)؛ دلائل النبوة، للبيهقي (5/ 69). [17] مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، نصر حامد أبو زيد (ص 67). [18] الأختام الأصولية والشعائر التقدمية مصائر المشروع الثقافي العربي، علي حرب (ص 106). [19] الإسلام وأصول الحكم بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام، علي عبد الرزاق (ص 62). |
حوكمة الشركات إداريا لعلي عباس | محمود ثروت أبو الفضل | 02-07-2022 | 2,686 | https://www.alukah.net//culture/0/155919/%d8%ad%d9%88%d9%83%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a5%d8%af%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a7-%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%b9%d8%a8%d8%a7%d8%b3/ | حوكمة الشركات إداريًا لعلي عباس صدر حديثًا كتاب "حوكمة الشركات - المدخل الإداري -"، تأليف: د. "علي عباس"، نشر: "دار المسيرة للنشر والتوزيع". تناول المؤلفُ موضوعَ هذا الكتاب من مدخل إداري مع الأبعاد الموضوعية ذات العلاقة كالإدارة المالية والمحاسبية، ويقصد الكاتب بحوكمة الشركات القوانين والمعايير التي تحدد العلاقة بين إدارة الشركة من ناحية، وحملة الأسهم وأصحاب المصالح أو الأطراف المرتبطة بالشركة من ناحية أخرى، وتشمل حوكمة الشركات العلاقات بين المصالح المختلفة والأهداف ، وإدارة الشركة. حيث نجد أنه بظهور مفهوم "حوكمة المؤسسات المالية" منذ عدة عقود، تطورت على أثرها أساليب الرقابة والشفافية في كل ما يخص المعاملات المالية، حيث سارعت الكثير من الدول والمؤسسات والشركات المالية لوضع إطار الحوكمة الخاص بها الذي يعزز الرقابة والتدقيق داخليًا وخارجيًا على ما تقوم به هذه المؤسسات من أنشطة وما تنتهجه وتتبناه من معايير، والإفصاح عن ذلك للجهات الرقابية، وكانت الحاجة ماسة في عصرنا الحديث لوضع إطار لحوكمة نظام الشركات الخاصة، بما يفيد من أدبيات حوكمة المؤسسات المالية وتعزيز الشفافية، في محاولة للحد من سوء إدارة تلك المؤسسات المالية، وهيكلة مجالسها، وما يلحقه ذلك بالمجتمع من آثار سلبية لا تلبث أن تهدد الأمن والسلام الاجتماعي. وركزت الدراسة بصورة أساسية على تنمية علاقات الثقة بين أطراف حوكمة الشركات وهم المساهمون ومجلس الإدارة والإدارة التنفيذية، والعلاقات الشائكة بين هذه الأطراف بما يخدم الشركات وتنميتها وازدهارها ودورها في دعم الاقتصاد الوطني. وفي نهاية كل فصل من فصول الكتاب حرص مؤلفه على أن يختمه بالأسئلة المقالية والأسئلة متعددة الخيارات وفي أحيان أخرى بالحالات الإدارية. وهذا الكتاب موجه لطلبة البكالوريوس والدراسات العليا، ومديري الشركات، ورؤساء مجالس الإدارة، والشركات العائلية وغيرهم. وقد حاول المؤلف قدر الإمكان تبسيط لغة الكتاب ليسهل على القارئ فهمه وإدراك معانيه. وقد واجه المؤلف صعوبة في البحث عن المراجع العلمية، فقام المؤلف بعدة زيارات إلى بعض المؤسسات المستقلة كسوق الأوراق المالية، ومؤسسة النزاهة ومكافحة الفساد، وأجرى مقابلات معرفية، كل ذلك من أجل نقل الصورة واضحة للقارئ والمديرين كي يحقق الكتاب رسالته العلمية. ووضع الكاتب رسالته في عشرة فصول، تندرج تحتها عدة مباحث على النحو التالي: الفصل الأول: المدخل إلى حوكمة الشركات: وهو فصل تمهيدي وضح فيه الكاتب المفاهيم العامة لدراسته، كمفهوم الحوكمة، وأهداف حوكمة الشركات، ومزايا حوكمة الشركات، وما هي الأطراف الرئيسية في حوكمة الشركات، وبيَّنَ العناصر السلوكية للحوكمة، وذكرَ ضوابط الحوكمة، و مبادئها، وما هو الإطار المؤسسي الأمثل لحوكمة الشركات. كما ذكر الكاتب من خلال الفصل استراتيجيات مكافحة الفساد، والتحديات التي تواجه الحوكمة في الدول العربية، وإدراك الحاجة الى حوكمة الشركات في بلادنا العربية، ونماذج تعميم نظام الحوكمة الأجنبية في دول أخرى. أما الفصل الثاني فركز فيه على مفهوم حوكمة الشركات من خلال الاختصاص الإداري، حيث جاء الفصل بعنوان "تشكيل مجلس الإدارة في الشركات المساهمة"، حيث بيَّنَ فيه الكاتب هيكلة المؤسسة المالية من خلال بيان خطوات تشكيل مجلس الإدارة، وتحديد مكافأة أعضاء مجلس الإدارة، وشروط العضوية في مجلس الإدارة، واختصاصات وواجبات ومسؤوليات مجلس الإدارة، والقواعد الذهبية العشرة لأعضاء مجلس الإدارة. أما الفصل الثالث بعنوان "رقابة على أداء مجلس الإدارة" فوضع فيه الكاتب مفهوم الشفافية في المؤسسة المالية من خلال: أولًا: الرقابة الداخلية على أداء مجلس الإدارة . ثانيًا: الرقابة الخارجية على أداء مجلس الإدارة. وتناول الفصل الرابع بعنوان "دور وعمليات مجالس الإدارة والمساهمين في حوكمة الشركات" خطوات التطبيق العملي لتطبيق مفهوم حوكمة الشركات من خلال: الإشراف المستقل، المنافسة في الأداء ، ووضع استراتيجية الشركة من منظور رقابي، وتوضيح عمليات مجلس الإدارة، ولجان مجلس الإدارة، مع تدريب أعضاء مجلس الإدارة على مستويات السلوك والأداء في ظل نظام رقابي، وبيان أسس ومبادئ العلاقات الخارجية. وجاء الفصل الخامس لبيان "دور لجنة المراجعة والتدقيق الداخلي في حوكمة الشركات" من خلال شرح أهمية لجان المراجعة، ومبررات تشكيل لجنة المراجعة، والعناصر اللازمة لنجاح لجنة المراجعة، وضرورة تمتع تلك اللجان بالاستقلالية ، الخبرات المتراكمة للجنة المراجعة، ومهامها من حيث إعداد التقارير المالية، والرقابة الداخلية، ومهمة المراجعة في حد ذاتها، مع بيان وجهات نظر دولية حول مهام لجان المراجعة. وجاء الفصل السادس بعنوان "الفساد الإداري والمالي ومبادئ الأعمال لمكافحة الرشوة"، وذلك بتمهيد في بيان مفهوم الفساد الإداري والمالي، وأنواع الفساد الإداري والمالي في الشركات، وأشكاله، وأسبابه، وتوضيح تأثير الفساد الإداري والمالي ، وما هي مبادئ الأعمال لمكافحة الرشوة ، مع بيان ترتيب الدول العربية على مؤشرات مدركات الفساد العالمي. وتناول الفصل السابع أسس "الحوكمة الشاملة" من خلال بيان مفهوم الحوكمة الشاملة، ومبادئ الحوكمة الشاملة في الشركات من حيث: الشفافية المالية، والمساءلة، والإفصاح في الشركات ، و النزاهة. وتناول الفصل الثامن "حوكمة الشركات والتحيزات السلوكية" من خلال توضيح مفهوم التحيز السلوكي، وما هي تأثير التحيزات على أداء الشركة، مع تشخيص مشكلة التحيز، وتحليلها، وطرق معالجتها، وبيان طرق معالجة المشاكل السلوكية. كما تناول الكاتب في هذا الفصل علاقة الذكاء الاصطناعي بحوكمة الشركات ومعالجة المشاكل السلوكية. وجاء الفصل التاسع بعنوان "الخبرات والتجارب الدولية في تطبيق حوكمة الشركات" من خلال ذكر نماذج دولية من حوكمة الشركات العائلية في تركيا، وحوكمة الشركات في جمهورية مصر العربية، وحوكمة الشركات العامة والعائلية في البرازيل، وحوكمة الشركات الكولومبية، وإرساء قواعد الحوكمة في الشركات الرومانية. أما الفصل العاشر فحمل عنوان "مبادئ منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ( OECD ) في مجال حوكمة الشركات " وهي: المبدأ الأول: حقوق المساهمين المبدأ الثاني: المعاملة المتكافئة للمساهمين المبدأ الثالث: دور أصحاب المصالح في حوكمة الشركات المبدأ الرابع: الإفصاح والشفافية المبدأ الخامس: مسؤوليات مجلس الإدارة ووضع الكاتب عدة ملاحق في نهاية تلك الفصول على النحو التالي: الملحق (1): الإجابات الصحيحة على الأسئلة متعددة الاختيارات. الملحق (2): مصطلحات حوكمة الشركات. |
سمات الحداثيين العرب | د. محمود بن أحمد الدوسري | 02-07-2022 | 7,369 | https://www.alukah.net//culture/0/155903/%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8/ | سِماتُ الحَداثِيِّين العَرَب إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ أمَّا بعد: الحداثي العربي هو الشخص الذي يأخذ بالنموذجين "المذكورين في تعريف الحداثة" أو هو المُفكِّر الذي يعمل على تطبيق مفهوم الحداثة في الواقع المعاش؛ في فكره، ومناهجه، ودراساته التاريخية والمعاصرة. والحداثي العربي – أيضاً – صاحب أيديولوجيا [1] تقتضي قراءةَ الواقع والنصوص الشرعية وَفْقَ معطياتٍ مسبقة تعتمد على أوَّلية العقل، والشك والتفكيك، وينظر إلى نصوص الكتاب والسنة على أنها أمور فِكرية قابلة للنقد والتحوير، وفي الوقت ذاته يتعامل مع الحداثة على أنها نهايات مَعرِفية توزن بها الحقائق، ومن هنا يقوم خطاب الحداثي على الإقصاء والحَجْب والإبعاد والتعصب لتقليد النموذج الغربي [2] . أبرز معالم الحداثيين العرب: الحداثيون العرب تتعدَّد مشاربهم وتختلف توجُّهاتهم؛ فمنهم اليساري، ومنهم اليميني، ومنهم الرأسمالي، ومنهم الاشتراكي، ومنهم الليبرالي، ومنهم الشمولي، وهم رغم هذا الاختلاف وذلك التنوُّع إلاَّ أنهم جميعاً تجمع بينهم قواسم مشتركة ينطلقون منها، ويأخذون عنها، ومن أبرز معالمهم [3] : 1- الاعتماد الكامل على العقل؛ بحيث يصبح المرجعية الأُولى للمعرفة والمصدر الوحيد لها، والعقل – في ظن الحداثيين – قادر ابتداءً على إنشاء المعارف وإدراك كنه الأشياء دون حاجته إلى وصايةٍ خارجية. 2- التحرر الكامل من النصوص والضوابط والقيود، والقيم والأخلاق والمعايير، وأحكام الشريعة، ومن كلِّ شيءٍ يَضَعُ ضوابط أو عراقيل أمام العقل؛ ليقول ما يشاء، ويقرأ ما يريد. 3- عجز الثقافة الإسلامية والموروث الإسلامي – بكلِّ مُكوِّناته بما فيها نصوص الكتاب والسنة – عن تقديم حلولٍ لمشكلات الواقع، أو أن تكون صالحةً للتطبيق في زماننا هذا، مما يستلزم تجاوزها. 4- محاولة تقديم نموذج ناجح لخروج الأمة العربية من تخلُّفها وتأخُّرها عن مصاف التقدُّم؛ وذلك بنبذ التُّراث القديم [4] جملةً أو تدريجيًّا، والانخراط الكامل والتبعية المطلقة للنموذج الأوروبي، أو أخذ بعضه وترك الآخَر. 5- الانبهار بالحضارة الغربية بكامل مُكَوِّناتها، ومختلف تناقضاتها، وما أنتجته من أفكارٍ ومناهجَ وتقنيات. 6- النظر إلى التراث على أنه هو السَّبب الرئيس في تخلُّف الأمة [5] العربية وتأخُّرها. 7- النظر إلى العلاقة بين الإنسان والكون على أنها علاقة صراع وتضاد وبحث عن السيطرة لسيادة الإنسان عليه، خلافاً لنظرة التعايش والاستخلاف الإسلامية. 8- الإنسان هو الغاية، والحياة الدنيا هي المنتهى، ولا سعادة للإنسان إلاَّ في الحياة الدنيا، ومادية القيم والمعايير. 9- منطلق التجديد: حيث يزعم الحداثي أنه يسعى؛ ليجدد واقع الناس، ويقدم حلولاً تُخرج المجتمع من جميع مآزقه. 10- نبذ كل ما هو قديم، وأول ما يُنبذ من القديم هو الدين. مع أن الدين مركوز في الفطرة، فهو في الإنسان منذ بدء خلقه ونشأته. 11- إعطاء العقل قيمة مطلقة، فكل ما لا يدركه العقل أو لا يستطيع فهمه فهو مرفوض، وهذا بالطبع يشمل المعجزات. 12- المرجعية للعمل التجريبي، فكل ما لا يخضع للعلم التجريبي لا وزن له ولا قيمة، وأول ما يطبق عليه هذا المنهج هي الغيبيات. 13- التشكيك في ثوابت الدين باسم النقد العلمي، ومسايرة مقتضيات العصر. 14- مساواة البشر في اقتراف الخطيئة، وعدم التسليم بالعصمة للأنبياء. 15- عدم قبول أيِّ شيءٍ بالتسليم، فالتعليل هو ميزان القبول أو الرفض وما يستعصي على التعليل لا يؤبه به. 16- معاداة شرائع الدين؛ لا سيما المتعلِّق منها بالفضائل الاجتماعية، أو انتقاء ما وافق شرائع الغرب منها، أو ارتضاه الغرب. 17- الغرب هو مقياس الحضارة والتقدم، وكل ما خالف نُظُمَ الغرب وقِيَمَه وفلسفتَه فهو انحطاط وجهل وتخلُّف. 18- تفسير السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي تفسيراً مادِّيًّا. فالأديان – في نظر الحداثيين – ما هي إلاَّ ثورات اجتماعية ضد الظلم والفقر والاستبداد، ورسالات الرسل ما هي إلاَّ حركات إصلاحية كغيرها من الحركات التي عرفها تاريخ البشرية، والمعجزات التي وردت في السيرة النبوية – بحسب مذهبهم – ما هي إلاَّ أساطير وخزعبلات يجب أن تُنفى منها كتب السيرة. 19- نفي القداسة عن كل ما هو مقدَّس عند المتدينين، فكتاب الله تعالى – عند الحداثيين – كتاب كغيره من الكتب، يعبثون به كيفما شاءوا، ويفسِّرونه – حسب أهوائهم تفسيراً مادياً وعصرياً، والأنبياء – في اعتقادهم – بشر كغيرهم من البشر ينسبون لهم من النقائص ما لا ينسبونه لغيرهم من عظماء البشر. 20- الإصرار على بخس منزلة العلماء في الإسلام، وعدم الاعتراف بأئمة الفقه والتفسير وأرباب السِّيَر، الذين ظهروا على مر العصور الإسلامية، من منطق أنه "لا كهنوتية" في الإسلام؛ وذلك ليفتحوا الباب على مصراعيه لكل مَنْ لم يتلق العلم الشرعي من شيوخه ليفتي في أمور الدين بغير علم. 21- الدعوة إلى فتح باب الاجتهاد، من غير الضوابط الشرعية التي وضعها علماء الدين وتلقَّتها الأمة الإسلامية بالقبول؛ ليكون لهم منفذ يسعون من خلاله إلى تحريف شرائع الدين كي يلبِّسوا على عامة المسلمين دينَهم. [1] الأيديولوجيا: هي المعتقدات والقِيَم العُليا التي تُحرِّك السلوك والأفكار وتُوجِّهها. [2] انظر: روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، طه عبد الرحمن (ص 47) [3] انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 32-33)؛ الحداثة والنص القرآني، (ص 20)؛ إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدي العربي المعاصر، عبد الغني بارة (26)؛ في الحداثة والخطاب الحداثي، منير شفيق (ص 41)؛ العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين، د. عبد الإله بلقزيز (ص 58)؛ المشككون في ثوابت الدين، د. أحمد محمود طه مكي (ص 60-62). [4] التراث القديم – في تعبير الحداثيين، هو: نصوص الكتاب والسُّنة والآثار الثابتة. [5] المقصود بلفظ "الأمة" عند الحداثيين: هي الأمة العربية؛ بناءً على النظرة القومية، وليست الأمة الإسلامية، اقتداءً بالنموذج الغربي الذي أقام دُوَلَه على أساس القومية. انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 32). |
سعد بن معاذ: نبل في الأرض، وكرامة في السماء | د. عبدالمنعم مجاور | 29-06-2022 | 3,495 | https://www.alukah.net//culture/0/155869/%d8%b3%d8%b9%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b0-%d9%86%d8%a8%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b6%d8%8c-%d9%88%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%a1/ | سعد بن معاذ نبل في الأرض، وكرامة في السماء جُبلت الفطر السوية، والطِّباع الإنسانية المستقيمة على حبِّ كل نبيلٍ، وإن لم يتحقق ذلك النبل فيها فإنها تطرب لرؤيته، وتعجب به وإن كان في خصم أو عدو، والتاريخ حافل مليء بمن احترموا خصومهم، وعرفوا لهم قدرهم حتى بعد انتصارهم عليهم، هذا، إذا كان ذلك النبل في خصم أو عدو، فما بالك إذا كان النبل في أسمى معانيه، والشهامة في أزهى صورها قد تجسدا فيمن تحب؟! ساعتها سيزداد عجبك، ويربو طربك، فتهشُّ لهما نفسك، ويسعد بهما فؤادك، خاصة إذا كانت تلك الصفات المعنوية النبيلة تأخذ بأيديها صفات جسدية جزلة؛ لتلتقي العظمة في أبهى تجلياتها، لتأخذ بلُبِّك، فلا تدري إلى أي جانب توجه إعجابك، ولا إلى أية جهة تصرف حبك وإجلالك! وقد امتدح الله تعالى طالوتَ بهاتين الصفتين؛ ليبين لبني إسرائيل طرفًا من أسباب اصطفائه إياه عليهم؛ فقال عز من قائل: ﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 247]. ﴿ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ﴾ [البقرة: 247]؛ أي: زيادة في العلم، وطولًا في القامة، وقوة في البدن؛ وقد ذكر القرطبي وابن كثير أن أهلية القيادة تحصل بهذين الأمرين، فيجب أن يكون القائد من أفضل قومه في العلم وأقواهم. وعندما تقلب صفحات حياة "سعد" المضيئة يقشعر بدنك، وتنفِر الدماء في عروقك، وتكاد تتوشح سيفك لتكون في فيلقه؛ لأنه صورة للشهامة، وعنوان للمروءة؛ تلك الصفة الجامعة لكثير من خلال العظمة، فالشَّهم كما جاء في لسان العرب: "الذكي الفؤاد المتوقد، الجَلْد، والجمع شِهام؛ وفي الحديث: ((كان شهمًا نافذًا في الأمور ماضيًا))... والشهم السيد النَّجْدُ النافذ في الأمور، والجمع شُهوم، وفرس شهم: سريع نشيط قوي". وقد زاد من تلك الصفات قيمةً أن صاحبها قد تسربلها وهو في رَيعان الشباب، فكأن الشباب قد توَّج هذه الصفات بتاج القوة والعظمة؛ فإذا ذهبت تبحث عن الصفات التي تجمع الناس حول شخص ما، كان له منها ما يجعله في طليعتهم؛ شكلًا وهيئة، نفسًا وروحًا، قلبًا وعقلًا؛ فهو من حيث الصفات الشكلية الظاهرة وسيم، مشرق الوجه، مضيء الجبين، طويل فارع الطول، جَسِيم جَزل، من يَرَهُ، يقِرَّ في نفسه إجلال وتبجيل وهيبة، وهو من حيث الصفات المعنوية: شهم، شجاع، نبيل، جواد، كريم، غيور... ولَعَمري إن صفة واحدة من هذه الصفات لجديرة بأن تسوِّد صاحبها، فكيف بها إذا اجتمعت في شخص واحد؟ ووالله لقد اجتمعت وإن لأظنها – والظن هنا بمعنى اليقين - سعيدة، فخورة باجتماعها معًا في شخصية "سعد"، وأي الناس كسعد؟!! إنك لا تدري - وأنت تقرأ في سيرته - من أي صفاته تعجَب، ولا بأيِّها تفخر وتتيه، ولا تدري بأي موقف من مواقفه تبدأ، ولا بأيها تنتهي؛ فكلها تصدر عن جهة واحدة، ويحركها توجه واحد، وكلها ترفع الرأس والهامة، ولا تدري بأي كلماته وعباراته تستشهد، فكلها تجسد تلك الصفتين الأساسيتين في شخصيته؛ الشهامة والنبل. في يوم بدر عندما وجه النبي صلى الله عليه وسلم خطابه لصحابته الكرام، قائلًا: ((أشيروا عليَّ أيها الناس...))، وعَينُه على الأنصار؛ أهل الديار، ينبري سعدٌ للرد والجواب ليسطِّر بكلماته تاريخًا لقومه بل ولأمته كلها، وليقذف بحجج المعذِّرين الباردين في كل زمان وحين إلى هُوَّةٍ بعيدة القرار، وليعلمهم درسًا في المروءة والشجاعة والثبات: ((امضِ يا رسول الله لما أردت، فنحن معك... ووالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا... إنا لصُبرٌ في الحرب، صُدقٌ في اللقاء... ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك... فسِرْ بنا على بركة الله))، والله، إن كلماتك لتعلو الذهب قيمةً يا سعد، وتتضاءل بجوارها كنوز الدنيا المكتنزات، ويكفي كلماتك قيمةً وأثرًا أن يتهلل لها وجه النبي الكريم بشرًا وسرورًا، بأبي هو وأمي. إنها ليست كلمات، إنها ضربات سيف، وطعنات رمح، وطلقات مدفع، إنها صورة من نفس صاحبها، تلك النفس الثائرة للحق، الهادرة باليقين، التواقة إلى مكانها العالي في جنات النعيم. وانظر – جمعني الله وإياك بنبيه وصحابته في عليين - إلى صيغة الجمع التي اختارها سعد في خطابه النبي الكريم على مرأى ومسمع من أصحابه من الأنصار والمهاجرين، كيف وضع من خلالها الأمور في نصابها؛ إنه خطاب السيد، فهو سيد الأوس، والسيد مطاع؛ ليجمع الكلمة، ويوحد الصف، وهو خطاب قائد القوم، وقد كان قائد قومه قبل هجرة النبي إليهم، ولكنه اليوم تحت إمرة قائده الأعلى؛ النبي الكريم، فلا بد أن يهيئ للقائد عمله، ويقر عينه بجنده من الأنصار، فيؤكد له أنهم على أُهْبَةِ الاستعداد؛ ليقطع على أي متخاذل أو منافقٍ الطريق، وهو في كل هذا على ثقة من قومه، فقد خَبَرَهم، وعرف بلاءهم ((صبر في الحرب، صدق في اللقاء))، وها هو ذا يضع كل تلك الإمكانات بين يدي القائد؛ لتزداد الثقة في الجميع، ولترتفع الروح المعنوية إلى عَنان السماء، ليستعدوا ليومٍ سيكون له ما بعده في تاريخ الدعوة الإسلامية منذ تلك الساعة وإلى قيام الساعة. وإذا كان هذا موقفه يوم بدر، فإن موقفه يوم أحد لا يقل عنه عظمة، بل إن الشدة لتكشف عن معادن الرجال، يا ليت كل المعادن كمعْدِنِك يا سعد! يقف سعد في أتُون المعركة وقفة تليق به، فيثبت، وتتسمر قدماه دفاعًا عن النبي الكريم، لتستحيل الكلمات المنطوقة مواقف شامخة، وواقعًا محققًا، فيصدق القول العمل. وإذا كانت صفات الجسارة والشجاعة والبسالة قد ثبتت وظهرت شاخصة مجسَّدة في أرض المعارك، وفي ساحات النزال، فإن هناك صفاتٍ أخرى ستظهر ولا تتوارى، وتتضح ولا تختفي أو تغيب، وما كان لها أن تتخلف أو تغيب عن شخصية قائدٍ سيد، أو سيد قائد، إن تلك النفس النبيلة، وهذا القلب الشهم الشجاع لن يكونا لقمة سائغة أمام محاولات الغدر، والمخاتلة، وإنما سيكونان بالمرصاد لكل مكيدة يكيدها يهود، وكيف لا، وقد خبرهم، وعرف من دواخلهم ما لم يعرف غيره، "فليس من رأى كمن سمع"، وهو قد رأى منهم، وسمع، وعاين وجرب، ومن ثم سيحكم عليهم من واقع ذلك كله. في غزوة الأحزاب تتكالب قوى الشر على النبي وصحبه، ويظهر غدر "يهود" في أحط مشهد، وأنذل موقف؛ إذ يعمدون – كعادتهم - إلى الطعن في الظهر، فيتآمرون على من مدوا لهم أيديهم بالسلام، ويتسلل زعماؤهم إلى مكة ليحرضوا قريشًا على محمد وصحبه بالمدينة، ويغرونهم بهم، باذلين العهود والوعود أنهم واقفون معهم، ناصرون لهم على المسلمين بالمدينة، ولم يقف غدرهم عند حد الاتفاق مع قريش، بل تعداه إلى قبيلة من أكبر قبائل العرب عددًا وشأنًا؛ قبيلة "غطفان" فيؤلبونهم على المسلمين، ويتفقون مع سادتهم على الانضمام إلى قريش، ومشاركتها في مهاجمة المدينة والإغارة عليها؛ ليستأصلوا الإسلام من جذوره... تمت الخطة، ودُبِّر الأمر؛ قريش وغطفان يهاجمان المدينة من الخارج، ويهود المدينة يقومون بالأعمال التخريبية داخلها وفيما حولها، أما المسلمون فيصبحون بين فكي الرحى، ماذا يفعل النبي القائد في مثل تلك المحنة؟ وكيف يتعامل مع هذا الوضع المأزوم؟! يبدأ في مجريات العمل العسكري، فينخرط الصحابة في حفر الخندق وهو معهم، لكنه لم يغفل صلى الله عليه وسلم عن دوره السياسي، فيلجأ إلى سياسة "تفتيت الجبهة"؛ ليجنب المدينة وأهلها ويلات هذا الحصار المُطبِق، وذاك الغزو المحدِق، فيتفق مع قادة غطفان على أن يتخلوا عن قريش وجيشها، ولا يشتركوا في تلك الحرب مقابل أن يحصلوا على ثلث ثمار المدينة، ويرضى قادة غطفان بذلك، فهي غنيمة بلا حرب، ولكن النبي الكريم ما كان ليبرم الأمر وينهيه إلا بعد مشورة أصحابه، وخاصة سادة الأنصار، فهم أصحاب الحق الأول في هذا الأمر، فاستدعى "السَّعدين"؛ سعد بن معاذ، وسعد بن عبادة، وأخبرهما أنه ما لجأ إلى ذلك إلا لأنه – كما قال صلى الله عليه وسلم - قد رأى ((العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسِرَ عنكم من شوكتهم إلى أمرٍ ما))، وهنا يأتي رد سعد بن معاذ كاشفًا عن إيمان وعزة، وشموخٍ وأنفة ليسا بمستغربين عليه، فيقول: ((يا رسول الله، قد كنا ونحن على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة إلى قرًى [ضيافة وكرمًا] أو بيعًا، أفحين أكرمنا الله بالإسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم))، وبهذه الحجة الدامغة، والرد القاطع، والإجابة الشافية التي تكشف عن معادن أصحابها في الشدائد والمحن لم يجد النبي الكريم بدًّا من العدول عن الأمر، وأخبر غطفان برأي أصحابه، وإقراره له، والتزامه به. وبعدها بأيام يبدأ حصار المدينة ويخرج سعد حاملًا سيفه ورمحه، وهو ينشد: لبث قليلًا يشهد الهيجا جملْ ما أجملَ الموتَ إذا حان الأجلْ وفي إحدى الجولات يقذف أحد المشركين بسهم فيصيب ذراع سعد، فيتفجر الدم من وريده بغزارة فيسعف سريعًا، ويمرَّض في مسجد النبي، وتُنصب له فيه خيمة ليكون قريبًا من النبي الكريم أثناء علاجه وتمريضه، ويطلب سعد من ربه الشهادة، ولكن بعد أن تقر عينه من بني قريظة: ((ولا تُمتني حتى تقر عيني من بني قريظة))، وقد استجاب الله دعاءه فلم يمت إلا بعد أن شفا الله صدره منهم، فبعد أن وضعت الحرب أوزارها، وعادت قريش وحلفاؤها يجرون أذيال العار والخيبة يأمر النبي الكريم أصحابه بالسير إلى بني قريظة، فيحاصرونهم خمسة وعشرين يومًا، فلما أُسقط في أيديهم استسلموا، وطلبوا من النبي أن يحكم فيهم "سعد بن معاذ"، وقد كان حليفهم في الجاهلية قبل الإسلام، ويؤتى بسعد محمولًا على دابة، وقد نال منه المرض، ويطلب منه النبي أن يحكم في بني قريظة.. وهنا يتوقف الزمن وكأني بسعد قد انهالت عليه الذكريات، وتمثل أمام عينيه تاريخ "بني قريظة" الأسود، وما فعلوه في غزوة الخندق منه ببعيد، وكأني ببني قريظة وزعمائهم في تلك اللحظة وقد تعلقت أعينهم بشفاه سعد، وقد زاد اصفرار وجوههم، وعلت ضربات قلوبهم، وتملكتهم مشاعر متضاربة، بين يأس ورجاء، أمل وألم، وكيف لا وهي آخر فرصة لهم تحددها كلمات سعد؟ وها هو سعد يعود من رحلة ذكرياته إلى واقعه المعيش ليطهر المدينة من دنسهم إلى يوم الدين، فيقول: ((إني أرى أن يُقتل مقاتلوهم، وتُسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم))، فيثبت النبي الكريم حكمه ويقره قائلًا: ((حكمتَ بحكم الله))، لتطويَ كلمات سعد التي أجراها الله على لسانه صفحة من صفحات الغدر والخسة والخيانة، وتفتح للمسلمين آفاقًا جديدة في ظل مدينتهم الميمونة. وفي إحدى زيارات النبي الكريم وعياداته سعدًا يجده في لحظاته الأخيرة في هذه الدنيا، فيضع النبي الكريم رأس سعد في حجره، ويدعو الله له، ويحاول سعد بجهد جهيد أن يفتح عينيه لتكتحل بمرأى النبي الكريم، وليكون وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم آخر ما تبصر عيناه في هذه الدنيا قبل أن يسبق النبي إلى دار الخلد، ولكنه يشق على نفسه ليلقي على النبي السلام، ويودعه خير وداع، فيحرك لسانه قائلًا: السلام عليك يا رسول الله، أما إني لأشهد أنك رسول الله. ويلقي النبي على وجه سعد نظرة الوداع، وهو يقول: "هنيئًا لك أبا عمروٍ". لتجد نفسك أيها القارئ الكريم تردد خلف النبي صلى الله عليه وسلم: "هنيئًا لك أبا عمروٍ". رحل سعدٌ، ولكن ذكراه تظل عطرًا تتعطر به الأيام والليالي على مر الزمن، رحل سعد ولكن مواقفه تظل مثالًا للعزة والشموخ، ونبراسًا للكرامة والإباء، وقدوة لأصحاب العزائم والهمم. أليس سعد وإخوانه من الصحابة الكرام، ومن تبعهم من التابعين وتابعيهم أجدرَ بأن يمثِّلوا القدوة والمثل لأبنائنا وأحفادنا؟ أليس من الأولى أن تعرض سيرهم بأسلوب مشوق ممتع؛ كي يقتدي بهم جيل ابتعدت عنه تلك النماذج الفريدة لتحل محلها نماذج شوهاء؟ أليس من الأجدى أن نحوطهم بسِيَرِ هؤلاء الأبطال، وأن نستخلص منها الدروس والعبر التي تفيدهم في حياتهم فنحصنهم ضد هذا السيل الجارف الذي تضخه تلك السماوات المفتوحة، والعالم الأزرق؟! إن في تقليب صفحات الصحابة الكرام فوائد جمة، ومنافع عظيمة تساعد على خلق جيل ناضج اجتماعيًّا، سويٍّ نفسيًّا، ناجح عمليًّا، مفيدٍ لدينه ووطنه وأمته، فلنكتب عن هؤلاء بأسلوب بسيط يناسب أعمار النشء واليافعين؛ حتى لا تتبدل القيم، ولا تنحرف البوصلة عن تلك القدوات الحقيقية التي إن استلهمناها جنينا حلوَ الجني؛ ثمارًا يانعات، تقر بها عيون الآباء والأمهات، فهل نفعل؟ |
سمات الحداثة العربية | د. محمود بن أحمد الدوسري | 29-06-2022 | 7,121 | https://www.alukah.net//culture/0/155846/%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9/ | سِمَاتُ الحَدَاثَةِ العَرَبيَّة إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: إذا أردنا أن نؤرِّخ للحداثة العربية والحداثيين العرب – بمفهومها المتداول الراسخ في الأذهان – فإننا نكاد نجزم أنها تعود في بدايتها إلى أوائل القرن التاسع عشر مع مجيء الحملة الفرنسية على مصر (1798م – 1801م)، وما أحدثته من صدمة فكرية، ما زال صداها موجوداً إلى وقتنا الحاضر، ويدل على ذلك الاتفاق بين معظم المؤرِّخين على التأريخ للعصر الحديث وتحديد بدايته بمجيء الحملة الفرنسية على مصر. ثم أتبع ذلك البعثات العلمية التي أرسلها "محمد علي" إلى دول أوروبا؛ لتعلُّم الفنون الحديثة والعلوم الجديدة، فذهبوا إلى هناك بعقول شرقية وجنسيات عربية، وعادوا بعقول غربية في جنسياتهم العربية، فثاروا على ما لدى بني أوطانهم، وراحوا يروِّجون لأفكار جديدة وأساليب حديثة في السياسة والاقتصاد والاجتماع والتمدين والتدين وشتى مناحي الحياة، ضاربين عُرض الحائط ما لديهم من قيم سامية وأخلاق راقية، ودين حنيف. وقد بدأت الدعوة إلى هذه الأساليب الحديثة خافتة، ثم بدأت تعلو نبرتها شيئاً فشيئاً حتى باتت هي الصوت المسموع، فأفردت لها الجرائد والمجلات وأنشئت لها المطابع ودور النشر التي تتبنى هذا الفكر، وساعد على ترسيخها وتأصيلها انتشار فنون لم يَسمع بها الشرق من قبل؛ مثل المسرح والسينما والإذاعة، التي قرَّبت المسافات ومكَّنت من وصول الأصوات بلا مشقة ولا عناء، فأخذوا يسخرون من كلِّ ما هو قديم في العادات والتقاليد، بل في الأشخاص والشخصيات؛ فسخروا من شيخ المسجد، والمأذون الشرعي، ومُدرِّس اللغة العربية، وكلِّ ما يمت إلى الدين وإلى العربية والنموذج العربي بصلة، حتى انقضى جيل وظهرت أجيال أُشرِبتْ هذا الفكر؛ فاتَّسع هذا الفكر وانتشر، وكثرت الجماهير الحاملة له، فورثوه وتوارثوه، وما زلوا إلى وقتنا الحاضر يتوارثونه بينهم. وليس أدل على ما قلنا وذهبنا إليه من أنَّ الدعوة إلى هدم السُّنة ونقضها بدأت في مرحلة مبكِّرة، وأنها ليست وليدة السِّنين القليلة السابقة، وإنما وجدنا بدايتها مع بدايات القرن العشرين، يمثلها هذا المدعو "محمود أبو رية" ومَنْ سبقه، وهو الطبيب "محمد توفيق صدقي" الذي سبقه إلى الفكرة ذاتها وروَّج لها، ولكنه لم يشتهر، واشتهر "محمود أبو رية" وبئس ما اشتهر به. وفيما يلي نعرض لأهم السمات المميزة للحداثة العربية: السِّمة الأُولى: غَرْبِيَّة الجذور والمصادر: الحداثة العربية فكر مستورد بكامله من الحضارة الغربية، فأصولها وجذورها غَرْبِيَّة المصدر، والذي دعاهم إلى ذلك هو مقارنتهم بين الدِّين الإسلامي وأصوله وبين تعامل المجتمع الغربي مع الكنيسة الأوروبية، إذ يعتقدون أنَّ الدِّين الإسلامي بأحكامه وأصوله ومنهجه السَّلفي حَجَرُ عثرةٍ في سبيل تقدم الأمة العربية؛ لذا كان لابد من نبذه كما نَبَذَ المجتمع الغربي الكنيسة في القرون الوسطى، فهذه المقارنة فيها ظلم واضح بين الدِّين الإسلامي الحنيف وبين الديانة النصرانية المُحرَّفة التي تُحارب العلم والمعرفة من خلال قرونها الوسطى، ومن ثم فصلت الدِّين عن الحياة، ففعلهم فيه مغالطة كبيرة إذ من الظلم البيِّن تشبيه الإسلام الحنيف بالدِّيانات الأُخرى المُحرَّفة، فإنَّ رجال الدِّين الذين أقاموا الحكومة الثيوقراطية [1] في ظلِّ النصرانية المُحرَّفة؛ كانوا طبقة مُقدَّسة تستمد قداستها الزائفة من ذلك النص الذي نسبوه للمسيح عليه السلام وهو منه براء. وهو أمر غير منطبق على الإسلام؛ بل إنَّ علماء المسلمين لا يدَّعون امتلاك الحقيقة المطلقة؛ كما هو الشأن عند رجال الدِّين النصراني في القرون الوسطى، ولا يزعمون أنهم يتحدَّثون نيابة عن الله تعالى؛ كما يتَّهمهم الحداثيون بذلك، بل إنَّ اجتهاداتهم مأخوذةٌ أصولُها من الكتاب والسنة وما أجمع عليه المسلمون وما يتفق مع قواعد الشريعة في الأصول والفروع، ورغم ذلك فقد يُصيبون وقد يُخطئون، وهم مُثابون في كلا الحالين. فالحداثة العربية (تستوحي أُطروحاتها وتطلب مصداقية خطابها من "الحداثة الأوروبية" التي تتَّخذها أصولاً لها) [2] ، والإشكالية التي سقط فيها الحداثيون العرب؛ ظنُّهم السيئ بعلماء المسلمين؛ إذ يعتقدون أنَّ اجتهاداتهم مقدَّسة ولا يُخطئون، ولم يُميِّزوا بين النَّص المُوحى من الكتاب والسنة؛ وبين اجتهادات البشر التي يعتريها الخطأ والصواب؛ وما حملهم على ذلك إلاَّ أنه اجتروا النموذج الغربي المسيحي بكامل مكوناته وسلبياته وأرادوا أنْ يُنزلوه على الحالة العربية دون تمييز بين الأمرين، مما دفعهم للقول بتجاوز منهج السلف الصالح وتراث الأمة الإسلامية دون تمييز؛ اقتداءً وتقليداً للنموذج الغربي [3] . وهذه المقارنة بين الحالة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية من التخلُّف والفقر، وبين الحالة التي كانت عليها أوروبا في عصور الظلام، ومحاولة الربط بين الدين في الحالتين؛ كي يُسوِّغوا ضرورة طرح الدين جانباً لكونه يمثُّل حجر عثرة في سبيل التقدم، هي مقارنة ظالمة، بل غير موضوعية. ودليلنا على ذلك هو أن المقارنة لا بد أن تتم في إطارٍ زمنيٍّ معين، فإذا أردت المقارنة بين أوروبا في عصرها الثيوقراطي الكهنوتي وما كانت عليه من تخلُّفٍ وتأخر، وبين المسلمين في ذلك العصر، وما كانوا عليه من تحكيم الدين وتطبيق الشريعة، والمقارنة تُثبت بما لا مجال معه للشك أن المسلمين تفوَّقوا عليهم في شتَّى فروع العلم والمعرفة، وفي كافة مظاهر الحضارة؛ من إنشاءٍ وتعميرٍ وتمدين، وهذا في ظل الحكم الإسلامي المرتبط بالشريعة وتحكيمها، ولم تكن الشريعة عائقاً أمام التقدم والرقي، وهذا ليس من باب الترف الفكري أو الدفاع النظري، وإنما هذا ما أُثبِت في التاريخ الإسلامي، والذي شهد به ودوَّنه حتى غيرهم من المنصفين من أهل الغرب، بل يكاد يكون إجماعاً بينهم، فكيف للحداثيين العرب أن يَدَّعُوا أن الدين يمثِّل عائقاً أمام التقدَّم والرقي؟! وهنا نلاحظ أمراً هاماً، وهو أن العلمانية التي تعني فصل الدين عن الدنيا، هي وجهٌ من وجوه الحداثة أو العكس، مما يؤكد لدينا النزوع إلى القول بأن هذه الأسماء من (العلمانية – الحداثة – الليبرالية – الشيوعية) تحمل مضامين متشابهة إن لم تكن متطابقة في علاقتها بالدين، ولكنها تُغيِّر من أشكالها وخطاباتها بما يُحقِّق لها القدرة على جذب أنصارٍ لها ممَّن أُشْكِلَ عليهم أو لُبِّس عليهم من أهل الإسلام. السِّمة الثانية: الحداثة العَرَبية هي مُضاهاةٌ للحداثة الغَرْبية: تستمد "الحداثة العربية" منهجَها الكامل من "الحداثة الغربية" إذ هي نسخة منها، وامتداد لها، والغريب أنَّ الحداثيين العرب يتَّهمون المنهج السلفي بأنه منهج تقليدي للماضي وامتداد له، فإذا هم يقعون فيما اتَّهموا به غيرَهم من التقليد، إذ إنَّ الحداثة العربية مُقَلِّدة للحداثة الأوروبية، وليس فيها أيُّ لمسة إبداع واحدة، بحيث يمكن تسجيلها على أنها إنتاج وإبداع حَدَاثي عربي لم يُسبق إليه، فالمناهج المتبعة هي مناهج الغرب، والأفكار هي أفكار الغرب، والأساليب تكاد أن تكون ذاتها، فما يعيبون به أهلَ الإسلام هو ذات ما هم فيه، يقول "د. الجابري": (يقتبس العرب جميعاً مشروع نهضتهم من نوع الماضي، إما الماضي العربي والإسلامي، وإما الماضي والحاضر الأوروبي، وإما التجربة الروسية أو الصينية... والقائمة طويلة) [4] . وهكذا يعيب "الجابري" على الحداثيين العرب عدم قدرتهم على إنتاج مشروع نهضوي عربي نابع من احتياجاتهم الحقيقية، وهذا يُثبِتُ لنا فشلهم الذريع وعدم قدرتهم على الإبداع، وبدلاً من الاعتراف بهذا الفشل؛ إذ بهم يهربون من المسؤولية ويتستَّرون خلف قناعٍ وهمي يُسمَّى (نقض الماضي وهدم التراث) فيكون التراث هو المعوِّق لهم لا ضعف قدرتهم وقلة بضاعتهم. وتقليد الحداثيين للمنهج الغربي بكامله؛ وارتماؤهم بأحضانه دون تمييز هو الذي أقعدهم عن أيِّ إبداع أو إنتاج، فأصبح التقليد للغرب هو إنتاجهم، وها هو أحد مفكِّريهم يعترف قائلاً: (يبدو أنَّ النقل عن التيارات الفلسفية في أوروبا وأمريكا قد شَغَلَنا حتى لم يعد أمامنا فراغ نُفكِّر فيه لأنفسنا وبطريقتنا الخاصة) [5] . والحداثي العربي يحتقر نفسه ويستصغرها أمام العملاق الأوروبي، فهو ينظر للنموذج الغربي ومُفكِّريه نظرةَ إجلالٍ وإكبار؛ (كالفلاح الفقير الذي يقف خجلاً بنفسه أمام الغني الموقَّر، يقف مُثَقَّفُنَا العربي أمام نظيره الغربي، وهو يكاد يتَّهم نفسه ويعتذر عن شكلِه غيرِ اللائق، ولُغتِه غيرِ الحضارية، ودينِه المُتخلِّف، ويستحسن المُثقَّفُ الغربي منه هذا الموقفَ فيساعده على الغوص فيه أكثر حتى ليكاد يلعن نفسَه ويخرج من جلده؛ لكي يُصبح حضاريًّا أو حداثيًّا مقبولاً) [6] . وهذا الوصف هو وصفٌ لأحد أعلام الفكر الحداثي، وهو "محمد أركون"، ورغم ما وصف به الحداثيين العرب – وكأنه خارج عن هذا الوصف – إلاَّ أننا نجده يدخل فيما حاول إخراجَ نفسِه منه، فهو نفسُه لا يخاطب العرب ولا يكتب اللغة العربية، وإنما جلُّ إنتاجه الفكري كتَبَه باللغة الفرنسية، وقد تُرجِم إلى العربية، ولم يقم هو بترجمته، وإنما تَرجَم له غيره، وكأنه يحتقر تلك اللغة التي يُهاجم تراثها، ويحتقر هؤلاء القوم الذين نَصَّب نفسَه حاكماً عليهم وعلى تراثهم؛ وصفاً وتحليلاً ونقضاً. وليس هذا إلاَّ دليل على استصغار نفسه أمام المثقف الغربي. والحداثة العربية حينما تَستورد المنهج الغربي وتُقلِّده بحذافيره؛ تُحدِث تغييراً ولكن بالمعنى السلبي الانتكاسي؛ فيكون التَّقدُّم إلى الخلف، فتتكرَّس التبعية والاستعباد [7] ، يقول أحدهم – وهو يتحسَّر على حال الحداثة العربية: (يكفي أنْ نلحظ أنَّ التغيير بمعناه الإيجابي والنهضوي لا يتم بالتَّبعية، ولا سيما إذا كان السيد يريد منك أنْ تبقى مُتخلِّفاً وضعيفاً حتى لا تُشكِّل منافِساً أو خَطَراً) [8] . السِّمة الثالثة: دراسة الإسلام من خلال مصادر الغرب: من أبرز سمات الحداثيين العرب أنهم يقرؤون عن الإسلام من خلال المصادر الغربية؛ فهم يتعاطون التراث الإسلامي – سواء ما كان بَشَرِيُّ المصدر، وما كان الوحيُ مصدرَه – من خلال كتابات المستشرقين من أمثال: "جولد تسهير" و"شاخت" و"رينان" و"هنري" وغيرهم، ومن يتكلَّف عناء البحث ومشقة القراءة منهم، نجده يُخضع التراث العربي والإسلامي لمعايير المناهج الغربية، فيفسِّرون التاريخ الإسلامي – مثلاً – تفسيراً ماركسيًّا ماديًّا بحتاً، ويُخضعون وقائعه وأحداثه لمعايير ماركسية قوامها الصراع بين الطبقات. ومنهم مَنْ يُتابع الغرب والمفكِّرين الغربيين والمستشرقين فيما ذهبوا إليه وتبنَّوه من آراء، مثال ذلك: الشيخ "علي عبد الرازق" صاحب كتاب "الإسلام وأصول الحكم" الذي أحدث ضجة في حينه، والذي نفى فيه كون الدين الإسلامي ذا صلة بالحكم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان دوره مجرد إيصال الرسالة ولم يكن له علاقة بالحكم أو السياسة، وأتت خطورة هذه الدعوة من صدورها عن أحد مشايخ الأزهر، الذي يعتبر مؤسسة دينية كبرى في العالم الإسلامي، فكانت الضربة من الداخل والهدم من الأساس. ومثال آخر يدلنا على متابعة الحداثيين العرب للمفكرين الغربيين والمستشرقين، وهو: "د. طه حسين"، في كتابه الشهير: "في الشعر الجاهلي"، الذي نفى فيه الشعر الجاهلي، وادَّعى انتحاله، متابعاً في ذلك أحد المستشرقين وهو "مارجليوث"، وليس يخفى ما في هذه الدعوة من خطورة تمس القرآن الكريم؛ إذ ينفي عن العرب صفة الفصاحة والبلاغة التي جاء القرآن متحدِّياً إياهم فيها، فإذا انتفت الصفة، فالبضرورة انتفت مسألة إعجاز القرآن الكريم. وليت الأمر توقَّف عند هذا الحد، بل زد الطين بلة اتخاذه منهج الشك الديكارتي [9] سبيلاً وصل من خلال مقدِّماته إلى نتيجة مفادها عدم وجود شخصية "إبراهيم عليه السلام" وعدم ثبوت قصة بناء الكعبة مع ولده "إسماعيل عليه السلام" مخالفاً بذلك صريح النص القرآني. والقائمة تطول والسرد يعظم، وليس المقام مقام تفصيل، وإنما مقام تدليل وبرهان. السِّمة الرابعة: الحداثة مشروع أيديولوجي إقصائي [10] : المتتبِّع لكتابات الحداثيين العرب ومؤلفاتهم ومواقفهم ورُؤاهم ومحاضراتهم وندواتهم يلحظ أنهم مُتعصِّبون للحداثة حتى النُّخاع؛ بل إنَّ خطابهم خطاب أيديولوجي متعصِّب غير قابل للنقد والتعديل والتغيير – في نظرهم، لكنهم يتظاهرون بالحرية والعقلانية والانفتاح، وأنهم يتقبَّلون النقد، لكن الواقع خلاف ذلك، وإنْ تعجبْ فاعجبْ من دعاة الحداثة الذين يعيبون على أصحاب المنهج السلفي بأن خطابهم أيديولوجي أصولي، منغلق، متعصِّب مؤدلج قديم! ثم يدَّعون – بعد ذلك – بأنَّ الخطاب الحداثي خطاب مفتوح، وأنَّ بُناه غير مغلقة، يستوعب الجديد، وقابل للنقد والتعديل والتغيير! فهم يعيبون المنهج السلفي فيما هم واقعون فيه؛ على حدِّ المثل العربي: "رَمَتْنِي بدائها وانْسَلَّت" [11] ، فانطلقت الحداثة على أنها ثورة على الأيديولوجيا، وعلى النُّظم السُّلطوية؛ كما قال أحد دعاة الحداثة، أنها: (بدأت بفكرة، وانتهت أيديولوجيا) [12] ، فأصل الحداثة كانت ممارسة فكرية، ومُحاولة تقدُّميَّة، ثم (استحالت من مشروع مفتوح، وتجربة مشروطة تاريخيًّا ومعرفيًّا إلى أنموذج مكتمل ومجاوز لأيِّ شرط، وجاهز للاشتغال في أيِّ سياق) [13] . إذاً الحداثة مشروع أيديولوجي متكامل شمولي يقع خارج التاريخ والجغرافيا، يُظهر منطوق خطابه أنه يريد ممارسة حرية النقد والفكر، ويُخفي وراء ذلك غايات توسُّعية ورغبة في الهيمنة؛ بل هو خطاب ضالٌّ، ومُوَلِّد للإرهاب والعنف والتعصُّب، ويحاول المستغربون من الحداثيين العرب فرضه على أهل الإسلام؛ بل أصبح روحاً تسري في وجدان المستغربين الحداثيين – على اختلاف مشاريعهم وتعدُّد نظراتهم – ويتَّضح ذلك من الممارسات العملية لهم [14] . إنَّ الحداثة – في نظر دعاتها – مشروع مقدس، تُبذل في سبيله المُهج والأرواح، ويُجبر الناس للانصياع له إما طَوعاً أو كَرهاً بقوة السلاح العسكري [15] ، إنْ لم تُفلح الجهود الإعلامية والفكرية من الحداثيين المُجنَّدين لمشروع الحداثة على الساحة العربية، والحداثة اليوم "لاهوت جديد" طارئ على الساحة الفكرية العربية؛ لأنها (تبنَّت ثالوثاً مُقدَّساً؛ يجمع الحرية، والاشتراكية، والوحدة التي تُشكل غاية طموحات المواطن العربي المعاصر) [16] . ومن أجل ذلك يتمنَّى دعاة الحداثة المعاصرين أن تسري روح الحداثة في دماء الجيل القادم؛ ليصبحوا حداثيين بالفطرة، إنْ لم ينجحوا في إقناع الجيل المعاصر [17] . والحداثي العربي يتَّخذ موقفاً متشدِّدا إقصائياً إزاء التراث وأهله، فينعتهم بالتخلف والرجعية والحرفية، وغيرها من التُّهم التي يكيلها إلى أصحاب الفكر التراثي، فنصَّب من نفسِه حَكَماً على فكرهم، يحاكمهم وينفد أحكامه فيهم بلا رحمة ولا هوادة، متجاهلاً القيم التي يدعو إليها ويسعى لترسيخها، التي على رأسها حرية الفكر، إذ تُصبح لديه حرية الفكر إنما هي تلك الحرية التي تسير في ركبه وتدور في فلكه، فإذا ما حادت عنه أو خرجت عن إطاره فلا مجال للحرية الفكرية المزعومة لديه. فيعيبون على المرأة المسلمة الملتزمة ارتداءها الحجاب، ويثورون إذا ما دعى أهلُ العلم المرأةَ إلى ارتداء الحجاب بذريعة (الحرية الشخصية)؛ فيظهر انحيازهم وكيلهم بمكيالين؛ فمع المرأة الملتزمة بحجابها تكون الرجعية والتخلُّف التي تجب محاربتُها، ومع المرأة المتبرِّجة تكون الحرية الشخصية. وأما عن المساواة التي يتشدَّقون بها ليل نهار، فلا مجال لها عندهم إلاَّ لمن هم على شاكلتهم، فإذا أردتَ المساواةَ فلا بد أن تتبنَّى أفكارهم وتُطبِّق منهجهم. السِّمة الخامسة: استبعاد عالَم الغيب، وفرض النَّمط الغربي: الغيب عند الحداثيين (وَهْمٌ اخترعه الإنسان ولا بد من زواله مع تقدُّم العلم والعقل؛ لأنَّ استمراره يُشكِّل عائقاً أمام الحرية والعقلانية والإنسانية) [18] ؛ من أجل ذلك يصر الحداثيون على استبعاد عالم الغَيب عن الحياة الفكرية المعاصرة، والتركيز على الإنسان، وعالَم المادة، والعالَم الحِسي المُشاهد، بعيداً عن الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر، ومقصودُهم في ذلك نزع القيود الدِّينية كما يزعمون، وفتحُ الأبواب على مصاريعها أمام العقول؛ ليقول مَنْ شاء ما شاء، ويأخذ مِنَ الموروث الدِّيني ويرفض ما شاء، يتمنَّى المستغربون العرب أن تكون حياة المسلمين فوضى؛ كما هي الحياة الغربية، وأن تُسيطر الحداثة على الواقع العربي وتفرض هيمنتها عليه، ومن ثم يتم تطويع هذا الواقع وتسخيره للمركز الأوروبي الغربي والأمريكي، وبهذه النتيجة تكون الحداثة العربية استمراراً للاستعمار القديم لفرض النمط الغربي على الدول العربية، تابعةً له ثقافيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، فتتحصل أهدافه من خلال (السيطرات الثلاث التي يقوم عليها نظام "العولمة"... أولاً: في كون سيطرته الاقتصادية تحصره في نطاق المنفعة المادية، وثانياً: في كون سيطرته التقنية تحصره في نطاق الفعل الإجرائي، وثالثاً: في كون سيطرته الاتصالية تحصره في نطاق المعلومات البعيدة، ولا تخرج بها إلى رحاب فضاء المعروفات القريبة) [19] . فتعالت الصيحات وارتفعت الأصوات المُنكِرة لعالَم الغيب من جهة، وضرورة التعامل مع الواقع والمعطيات المادية البحتة دون غيرها؛ فكان إنكارهم عذاب القبر، ويأجوج ومأجوج، وعالم الجن، ثم عالم الملائكة، وهناك مَنْ تجاوز الحدَّ، فنفى وجود الله سبحانه وتعالى. ومن جهة ثانية ظهرت الدعوة إلى ضرورة متابعة الغرب في كل ما لديه حتى نلحق بهم ونسير في ركابهم، وكان أول مَنْ نادى بذلك "د. طه حسين" في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر". وهكذا يكون النموذج الغربي هو المثل الأعلى المُحتذى، الذي لا بد من متابعته، فتطمس هويتنا، وتتلاشى ثقافتنا، وتنتهي فكرتنا، وتتهدم معتقداتنا، وتصبح مسخاً واستنساخاً للنموذج الغربي. وقد دعمت الحداثة الغربية هذا الاتجاه من خلال استبدال (كثير من مراكز الدراسات الغربية المَعْنيَّة بدراسات الشرق الأوسط بالباحث الغربي؛ حامل القومية والجنسية الغربية الأوروبية، باحثاً من ذات الشرق؛ ليقوم بهذه الدراسات وإعدادها، مما جعل ممارسة الفِكر الحداثي على الساحة العربية مادةً للكسب، فأصبح هدف بعض الحداثيين العرب من جرَّاء أبحاثهم الكسب المادي، وهذا ما أطلق عليه "إدوارد سعيد" مفهوم "الاستشراق الجديد"، وقد انعكس هذا البُعد التجاري الاستثماري على دراسات هؤلاء "المستشرقين الجدد" فكثير من دراساتهم يعوزها الحِياد، ويطغى عليها الجانب النفعي، فأراد أصحابُها الوصول إلى الكسب المالي، فانعكس سلباً على دراساتهم والتزامهم الحِياد العلمي، وعلى صلاحية فِكرهم ليكون مشروعاً لنهضة الأمة) [20] . السِّمة السادسة: الخداع والمراوغة والتلاعب بالألفاظ: يتَّخذ دعاة الحداثة أساليب شتَّى؛ لتسويق بضاعتهم الحَدَاثية المزجاة، فتارةً يتلاعبون بالألفاظ، وأُخرى يراوغون ويختبئون وراء العبارات المُوهمة، وأحياناً يعمدون إلى الخداع والأفكار المُلتبسة، وأحياناً يتناقضون في الأمر نفسه؛ فتجد أحدَهم يبني ويهدم، ويرفع ويخفض، ويُثبِت ويَنفي، مما أوقعهم في التناقض والالتباس. وقد برع الحداثيون العرب في وضع مصطلحات ومفاهيم خاصة بهم، بل وجدنا أنَّ كثيراً منهم وضع لنفسه قاموسَه الخاص ومصطلحاته الخاصة، فإذا به يُخالف ما وُضَعَتْ له اللفظة من معنىً وما استُقِرَّ من مفهوم المصطلح، ويُطالبك ألاَّ تُحاكمه على أساس ما استُقِرَّ عليه، وإنما على مفهوم اللفظة والمصطلح لديه. وهكذا يهرب من المسؤولية، ويزوغ ممَّا يمكن أن يُتَّهم به، فيكون الرد الحاضر باستمرار لديه أنه لم يقصد هذا المعنى، وأنك لم تفهم مقصده ومغراه. (فأحياناً يوهمك بأنه مُنتمٍ للتراث حريصٌ على الأصالة بانٍ للهوية، ومرة أخرى تجده داعياً للقطيعة، مُنتمٍ للغرب بكل مكوِّناته، فإذا كان خِطابه مُوَجَّهاً لبني فِكره من الحداثيين، أو بلغة الغرب وأبنائه؛ كثيراً ما يميل إلى الوضوح بإعلان انتماءاته، وأنه ابن الغرب فِكراً، ودعواته تكون أكثر جُرأةً وصراحة، أمَّا إذا خاطب بني قومه بلسان العرب ولغتهم؛ فإنه يميل إلى المراوغة، محاولاً إبعاد تُهمة "التغريب والاستعمار" من جهة، وأحكام "التكفير والتفسيق" عن نفسه من جهة ثانية، فهو أشبه ما يكون بمَنْ يُعاني انفصاماً في الشخصية، كمَنْ يرتكب جُرماً مَعِيباً يُحاول الالتواء والالتفاف لإخفائه، وإن اضطر لإظهاره يُحاول التخفيف من حِدَّته، ومن شِدَّة هذا الجُرم) [21] . ولعلَّ من أشهر مَنْ يُمارس هذا الفعل هو "د. حسن حنفي" ؛ إذ نجد أن مشروعه الفكري وعناوين كتبه كلها تنم عن انتمائه للتراث، ورغبته فيه، فإذا ما فتَّشت فيما كتبَ داخل كتبه، وما ارتضاه من فِكرٍ، وجدته راغباً عن التراث، يركنُ إلى الغرب. السِّمة السابعة: الاكتفاء بالنقد دون تقديم البديل: مِمَّا يُلاحظ ويُعاب على دعاة الحداثة العربية بأنهم يتحدَّثون فقط بدون إنتاج أو إبداع أو عمل، فجُلُّ فِعلهم هو نقد المشروع الإسلامي أيًّا كانت توجُّهات أتباعه، واتِّهامهم بأنهم سبب رئيس في تخلُّف الأمة العربية تِقنيًّا وحضارياً، وفي الوقت ذاته لا تجد لهؤلاء الحداثيين العرب مشروعاً عَمَلياً يتمثَّل في بناء حضارة أو إنتاج حِرف أو صناعة أو نحو ذلك من تقنيات العصر الحديث، وهو أمر مخالف ومُغايِر لِمَا عليه الحداثة الغربية التي أنتجت فِكراً تَبِعه تَّقدُّم صناعي وتِقَني؛ إلاَّ إذا كان الحداثيون العرب يعدُّون أنفسهم جزءًا من الحداثة الغربية وامتداداً لها؛ فهذا شأن آخر. فقد (اعتنى الحداثيون العرب بالكلام والنَّظر، مُتوهِّمين عوائق فكرية تقف أمام العقل العربي للإبداع واللحوق بالحضارة، فاصطنعوا خصماً فِكريًّا مُشكِّلاً حواجزَ ترسانية ضخمة أمام العقل مُتمثِّلاً بالمنهج الإسلامي، فأخذوا يُحاربونه بمعارك كلامية لا متناهية، غير مُلتفتين لميدان العمل) [22] . لقد اتَّخذ الحداثيون العرب التراثَ عدواً لهم، وراحوا يُحاربونه بكلِّ ما أُوتوا من قوة، وأخذوا يوجِّهون له سهام النقد، وتوقَّفوا بالزمن عند حدود الماضي ولم يتجاوزه، فوقعوا فيما عابوه على مَن اتَّهموهم بالسلفية (التي تعني – في نظرهم – كلَّ مَنْ يرتضي المشروع الإسلامي)؛ إذ كانت التُّهمة الكبرى الموجَّهة إلى السلفية هي وقوفهم عند حدود الماضي؛ فإذا بهم يَنْكَبُّون على الماضي هدماً ونقضاً ولا يزالون يهدمون وينقضون جيلاً بعد جيلٍ دونما إعطاء رؤية جديدة أو فكرة مستحدثة أو مشروع مبتكر تتمكَّن الأمة من تبنِّيه وتطبيقه وتنفيذه. ونحن لا نظن أنَّ السبب في ذلك راجع إلى أنهم يعتبرون أنفسهم جزءًا من الحداثة الغربية، وإنما السبب الحقيقي هو عجزهم عن تقديم مشروع مبتكر يُناسب أمتهم ويحقق تطلعات شعوبهم. كما نظن؛ بل نوقن بعجزهم عن فهم التراث فهماً حقيقيًّا؛ ذلك لأنهم لم يقرؤه ولم يتمكَّنوا من أدوات فهمه وآليات سبر غوره، حيث يجمع بينهم جميعاً سطحية المعرفة وإلمامهم بقشور العلم دون لبِّه، فتجد أحدَهم يؤلِّف سِفْراً كبيراً في نقد الحديث وأهله، فإذا ما ناظرته أو جادلته وجدتَ بضاعته مزجاة، وسلعته راكدة، وإنما هي قصاصات جَمَعَها من هنا وهناك، وآراء ألَّف بينها وجَمَعَها بدون وعيٍّ أو فهمٍ بحثاً عن المخالفة وسعياً وراء الشهرة. [1] الحكومة الثيوقراطية: لعل المقصود حكومة الكهنة. [2] التراث والحداثة دراسات ومناقشات، (ص 16). [3] انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 61). [4] انظر: نحن والتراث قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي، (ص 23). [5] تجديد الفكر العربي، د. زكي نجيب محمود (ص 266). [6] من فيصل التفرقة إلى فصل المقال.. أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، محمد أركون، ترجمة: هشام صالح (ص 24). [7] انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 62). [8] في الحداثة والخطاب الحداثي، (ص 45). [9] الديكاريني: نسبة إلى الفيلسوف الفرنسي "رينيه ديكارت" (1596م – 1650م)، ويعتبر من مؤسسي الفلسفة الحديثة، ومؤسس الرياضيات الحديثة، وأهم وأغزر العلماء نتاجاً في العصور الحديثة . [10] الأيديولوجيا: هي المعتقدات والقِيَم العُليا التي تُحرِّك السلوك والأفكار وتُوجِّهها. [11] انظر: العقد الفريد، (1/282). [12] العرب والحداثة دراسة في مقالات الحداثيين، (ص 27). [13] ما وراء تأسيس الأصول مساهمة في نزع أقنعة التقديس، د. علي مبروك (ص 240). [14] في الحداثة والخطاب الحداثي، (ص 52)؛ الحداثة وموقفها من السنة، (ص 67). [15] حصل ذلك في الحروب الأخيرة في "أفغانستان" و"العراق" وخاصة حرب الخليج الثانية عام (2003 م) التي أعلن فيها زعيمُ الحداثة السياسي آنذاك "الرئيس الأمريكي" بأنه يريد أنْ يفرض الحرية على أهل هذه المنطقة مُتجاهلاً رغبات هذه الشعوب وتاريخهم وثقافتهم ودِينهم. انظر: الحداثة وموقفها من السنة، (ص 67). [16] في نقد حوار المشرق والمغرب بين د. حنفي و د. الجابري، د. محمود إسماعيل (ص 52). [17] انظر: من هنا يبدأ التغيير، تركي الحمد (ص 131). [18] الحداثة والنص القرآني، (ص 52). [19] روح الحداثة المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية، (ص 84). وانظر: في الحداثة والخطاب الحداثي، (ص 28). [20] الحداثة وموقفها من السنة، (ص 69). وانظر: الاستشراق بين دعاته ومعارضيه، مكسيم ورودنسون، ترجمة: هاشم صالح (ص 72). [21] الحداثة وموقفها من السنة، (ص 70). [22] المصدر نفسه، (ص 71) بتصرف يسير. |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الاستغراب - نقد الاستغراب) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 29-06-2022 | 4,805 | https://www.alukah.net//culture/0/155845/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d9%86%d9%82%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a8/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستغراب - نقد الاستغراب) صدر كتاب متميز في طرحه عن الاستشراق، يقوم على حوار مباشر مع ثلة من المستشرقين، ومَن في حكمهم من التغريبيين العرب والمسلمين الذين أقاموا في الغرب وتبنَّوُا الفكر الاستشراقي حول الإسلام والمسلمين. كما أنهم يدافعون عن أطروحاتهم عن الشرق والإسلام، مما يعني أنهم يصدرون عن اقتناع، ويأنَفون من الرغبة في إقناعهم من محاوِرٍ مسلمٍ، رغم أنهم يحاولون التهرب من مصطلح الاستشراق الذي اكتسب مع الوقت سمعة غير حسنة، كما مر بيانه،وذلك في حوار ممتع مع عدد من المستشرقين، أمثال: جاك بيرك، ومكسيم رودنسون، وروجيه أرنالديز، وأندريسه ميكيل، وجان بول شارنيه، وهوجوز، وديجو، وغيرهم. واسم هذا الكتاب " من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق " لمؤلفه أحمد الشيخ، وصدر عن المركز العربي للدراسات الغربية، الذي أنشأه المؤلف بالقاهرة مع أخيه صلاح [1] . ومن هذا المنطلق يكون العرب قد بدؤوا يطرقون أبواب الاستغراب بعد دعوات عدة لدراسة الغرب في ثقافته وعاداته وتقاليده وآدابه، ومنها دعوة حسن حنفي في كتابه الضخم السابق ذكره، الذي سماه "مقدمة في علم الاستغراب" [2] . ولا بد من التفريق في المصطلح بين الاستغراب والتغريب؛ إذ إن الاستغراب يعني دراسات علمية وفكرية وثقافية للغرب، أما التغريب فإنما هو تقمص الفكر الغربي وآدابه على حساب الفكر الإسلامي، والثقافة الإسلامية والعربية وما نتج عنها من آداب وفنون واجتماع واقتصاد وسياسية من منطلقات تختلف عن منطلقات الاستشراق والتغريب،فمنطلقات العرب والمسلمين في دراسة الغرب ونقده تقوم على الطرح الموضوعي الذي يبين الإيجابيات، كما يظهر السلبيات، ولا يتعمد التعمية أو الجناية على الحضارة الغربية، فهذا منهج لا يجوز. ومن هذا المنطلق، فإن الاستغراب يدرس الدين السائد في الغرب كذلك، وهو هنا النصرانية أولًا، ثم اليهودية، ويأتي الإسلام ليطغى على اليهودية من حيث العدد، وقد يطغى على النصرانية في المستقبل غير البعيد، بحسب إحصائيات السكان التي توحي بأفول الغرب ديموغرافيًّا [3] ، واستمرار هجرة المسلمين إلى الغرب، واستمرار دخول الغربيين في الإسلام،وليس المسلمون بحاجة إلى الاستغراب في دراسة الإسلام! ولا تعني دراسة هذه الأديان، أو الدينين بتعبير أدق، أن نترك نظرتنا نحن المسلمين إليهما من خلال ما نراه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. على أن هناك أمورًا لها دلالاتٌ في الكتاب الكريم والسنة النبوية يمكن الانطلاق منها في الدراسات، وحيث إنها من حيث تفسيرها تدخل في جانب التحليل بعد اليقين بالكتاب والسنة، فإن هناك مجالًا رحبًا للدراسة. وحيث إننا قد مررنا بنهاية قرن ميلادي ودخول قرن جديد، هو بداية للقرن الحادي والعشرين الميلادي، فإنه من الممكن طرح سؤال حول توقيت ميلاد المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - على سبيل المثال الذي يظهر جليًّا من سرد قصته في القرآن الكريم أنه ولد قريبًا، بل في مكان تنبت فيه النخيل: ﴿ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ﴾ [مريم: 25]، وأنه - عليه السلام - قد ولد في موسم جني الرطب، وليس التمر، وهذا يعني أنه قد ولد في المدة التي يكون فيها طلع النخيل رطبًا قابلًا للجني أو الخراف، وهي غالبًا من نهاية أغسطس إلى نهاية أكتوبر، بحسب المواقع، مما يوحي بأن ولادته - عليه السلام - كانت في الصيف، أو في أواخر الصيف وأوائل الخريف، وليس في الشتاء، كما هو الحال الآن عند الاحتفال بعيد ميلاد المسيح، الذي يصادف عند غالبية الطوائف النصرانية 25/ 12 من كل سنة ميلادية؛ أي بعد دخول فصل الشتاء رسميًّا بثلاثة أيام،وهو عند بعض الطوائف الأخرى بعد ذلك بحوالي أسبوع. ومثل هذا الافتراض يحتاج إلى دراسة علمية معمقة سبق طرحها علميًّا، ولكنها لم تلقَ الرواج المطلوب؛ لأنها ستغير مفاهيم حول مولد المسيح عيسى ابن مريم - عليهما السلام - من حيث المكان والزمان، علمًا أن البابا يوحنا بولس الثاني قد اعترف في 8/ 7/ 1414هـ الموافق 22/ 12/ 1993م بأن هذا اليوم الذي يزعم فيه أن عيسى ابن مريم - عليهما السلام - قد ولد يصادف عيدًا وثنيًّا، كان الوثنيون يحتفلون فيه بعيد ميلاد الشمس، التي لا تقهر عندهم في ذلك اليوم! [4] . كما أن الفاتيكان قد أقر كتابًا في شعبان من سنة 1423هـ الموافق أكتوبر من سنة 2002م - كما تذكر زينب عبدالعزيز - عن الأكاذيب الواردة في الأناجيل، ومنها أن" يسوع (عليه الصلاة والسلام) لم يولد في 25 ديسمبر، وأنه كان (عليه السلام) قصير القامة" [5] ،وقد أكد ذلك صحفيان كاثوليكيان في كتاب طبع في إيطاليا، وقدم له الأسقف جيفانراكو رافازي عضو اللجنة البابوية للممتلكات الثقافية للكنيسة، وزير الثقافة في الفاتيكان [6] . ومثل هذا يمكن أن يقال عن المعتقد الذي قامت عليه الثقافة الغربية، مهما ظهرت فيها من نظرات تخلت عن العقيدة، ولكنها لم تتمكن من التنصل عن البُعد الديني، وكونه قد صبغ الحياة العامة والخاصة، ومنها الحياة السياسية، بصبغته الكنسية، مهما حاربته في الظاهر [7] ،ومثل هذه الموضوعات هي التي يمكن أن ينظر إليها على أنها موضوعات الاستغراب، مع توكيد قوي على الدراسة الموضوعية العلمية ذات الإمكانية في القبول في الوقت الراهن. [1] انظر: أحمد الشيخ ، من نقد الاستشراق إلى نقد الاستغراب: حوار الاستشراق - مرجع سابق - ص 240 . [2] انظر: حسن حنفي ، مقدمة في علم الاستغراب ، مرجع سابق - ص 910. [3] انظر: باتريك ج . وبكان ، موت الغرب: أثر شيخوخة السكان وموتهم وغزوات المهاجرين على الغرب/ نقله إلى العربية محمد محمود التوبة، راجعه: محمد بن حامد الأحمري - الرياض: مكتبة العبيكان، 1425هـ/ 2005م - ص 529. [4] انظر: زينب عبدالعزيز، حرب صليبية بكل المقاييس - مرجع سابق - ص 110. [5] انظر: زينب عبدالعزيز ، حرب صليبية بكل المقاييس - المرجع السابق - ص 112. [6] انظر: زينب عبدالعزيز ، حرب صليبية بكل المقاييس - المرجع السابق - ص 112. [7] انظر: يوسف الحسن ، البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي - الصهيوني: دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية - مرجع سابق - ص 222 ، وانظر أيضًا: محمد السماك ، الدين في القرار الأمريكي - بيروت: دار النفائس، 1424هـ/ 2003م - ص 110. |
صدر حديثا كتاب حكم تارك التوحيد لأيمن سعود العنقري | محمود ثروت أبو الفضل | 28-06-2022 | 3,225 | https://www.alukah.net//culture/0/155838/%d8%b5%d8%af%d8%b1-%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab%d8%a7-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%ad%d9%83%d9%85-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%83-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d9%84%d8%a3%d9%8a%d9%85%d9%86-%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%82%d8%b1%d9%8a/ | حكم تارك التوحيد لأيمن سعود العنقري صدر حديثًا كتاب "حكم تارك التوحيد ويليه: منشأ بدعة من يسمي المشرك مسلمًا"، تأليف: د. "أيمن سعود العنقري"، نشر: "دار الأوراق للنشر والتوزيع". وهو بحث علمي قام فيه المؤلف بتوضيح هذه المسألة العظيمة (أصل الدين)، مع ذكر الأدلة عليها وكلام المحققين بأسلوب سهل بسيط، مع بيان أن قول أهل السنة في (مسألة التوحيد) واحد لا خلاف بينهم في ذلك. ثم أورد الأقوال في بيان حكم تارك التوحيد، واتفاق أقوال الأئمة الأعلام في كفره وخروجه عن الملة، مع الرد على الجهمية في قولهم: أن مجرد التلفظ بكلمة التوحيد دون العلم بمعناها والعمل بمقتضاها كاف لإطلاق لفظ الإسلام والإيمان على قائلها. كما أورد في رسالته شيء من أقوال أئمة أهل السنة التي تبين الحكم على المعين (تارك التوحيد) بأنه مشرك كافر بعينه. ثم ذكر الكاتب في ردوده منشأ البدع المخالفة لقول أهل السنة في المسألة: • منشأ بدعة حصر الكفر في المعاند. • منشأ بدعة التلازم بين العذر بالجهل ونفي التكفير. • منشأ بدعة من خالف في نواقض الإسلام. مع بيان أصل كل مسألة، ومدى الخلط الحادث عند طلبة العلم في إعذار كل من تلبس ببدعة من هذه البدع وإدخاله في دائرة الإسلام! ومنه بيان حكم من يدعو غير الله كالأموات ويعظم المشايخ كما يحدث من عوام الصوفية والمبتدعة، وإيراد قول الأئمة الأعلام وعلى رأسهم ابن تيمية - رحمه الله - بأن هذا من الشرك الأكبر باتفاق المسلمين. وفي هذا رد على المرجئة والجهمية المعاصرون في دعواهم أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا يُسمِّي المشرك كافرًا في أحكام الدنيا. والمؤلف هو "أيمن بن سعود العنقري" أستاذ مساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، من مؤلفاته: • سلسلة شرح المتون العلمية في العقيدة - شرح رسالة نواقض الاسلام لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. • سلسلة شرح المتون العلمية في العقيدة - شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي. • المسائل المستجدة في نوازل الزكاة. |
تعريف الحداثة | د. محمود بن أحمد الدوسري | 28-06-2022 | 19,798 | https://www.alukah.net//culture/0/155788/%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d8%a7%d8%ab%d8%a9/ | تَعْرِيفُ الحَدَاثة إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد: تعريف "الحداثة" لغة: "الحداثة" مصدر للفعل حَدَثَ يَحْدُثُ حُدُوثًا وحَدَاثَةً، ومن أهم معانيه اللغوية: 1- الجديد، وهو ضد القديم. 2- الكلام والخبر. ولم يرد لفظ "الحداثة" في القرآن الكريم، وإنما ورد في السُّنة النبوية في مواضع قليلة، ومن أشهرها: 1- ما جاء عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَوْلاَ حَدَاثَةُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ؛ لَنَقَضْتُ الْبَيْتَ، ثُمَّ لَبَنَيْتُهُ عَلَى أَسَاسِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام، فَإِنَّ قُرَيْشًا اسْتَقْصَرَتْ بِنَاءَهُ، وَجَعَلْتُ لَهُ خَلْفًا [1] ) [2] . ونلحظ أنَّ لفظة "الحداثة" لفظةٌ أصِيلةٌ في معاجم اللغة العربية، وجاءت استعمالاتها في "الحديث النبوي" بمعنى عدم الخبرة في الحياة؛ بسبب صِغَرِ السِّن أو قُرب العهد، ولكنها انتقلت من المعنى اللغوي المعهود في خطاب العرب إلى معنًى اصطلاحي جديد مدلوله دخيلٌ على اللغة العربية [4] . تعريف "الحداثة" اصطلاحًا: مصطلح الحداثة من المصطلحات التي دار حولها خلاف كبير في تعريفها وتحديد مدلولها؛ لذا تعدَّدت تعريفاتها وكثرت بحيث نكاد نجزم أنه لا يكاد يتَّفق اثنان على تعريفٍ واحد لها، وإنما أخذ كلُّ متصدٍّ لتعريفها ومدَّعٍ لتبني مشروعها منها ما يلائم فنَّه أو علمه أو موقفه الشخصي وآرائه الذاتية، وهذا واضح في أنَّ كلَّ فنٍّ من الفنون وعلمٍ من العلوم الإنسانية (اللغة - الأدب - الأديان - الاجتماع - علم النفس - المنطق - الفلسفة - الإعلام ...) التي هي مجال فلسفة الحداثة - أصبح ينادي بالحداثة ويدعو إليها ويحثُّ عليها ويضع لها التعريفات والمفاهيم المناسبة. وعلى هذا، فإنَّ معظم هذه التعريفات هي مجرد توصيفٍ للحداثة وشرح لها. وما يعنينا هنا اتجاه بذاته من اتجاهات الحداثة، وهو هذا الاتجاه الذي نَصَّبَ نفسَه حاكمًا على التراث (بمفهومه ولفظه)، واتَّخذ منه عدوًّا؛ فأصبح يكيل له الاتهامات ويعمل على هدمه ونقضه، ومن أجْمَع التعريفات للحداثة من تلك الزاوية ما يلي: 1- (محاولة صياغة نموذج للفِكر والحياة، يتجاوز الموروث [5] ، ويتحرَّر من قيوده [6] ؛ لِيُحَقِّق تقدُّم الإنسان [7] ورُقِيَّه بعقله ومناهِجِه العَصْرية الغربية؛ لتطويع الكون لإرادته، واستخراج مُقدَّراته لخدمته) [8] . 2- (محاولة الإنسان المعاصر رفض النَّمطِ الحضاري القائم، والنظامِ المعرفي الموروث، واستبدال نمطٍ - جديد مُعَلْمَن - تصوغه حصيلةٌ [9] من المذاهب والفلسفات الأوروبية المادية الحديثة به على كافة الأصعدة؛ الفنية والأدبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والفكرية...) [10] . وقبل الخوض في غمار الحداثة والحداثيين العرب، وموقفهم من السنة النبوية الشريفة، لا بد من الإشارة إلى أنَّ الحداثة، وإن كانت من المصطلحات الجديدة التي لاقت رواجًا كبيرًا، وانتشارًا واسعًا، إلاَّ أنها ليست من نتاج هذا القرن، وإنما هي ضاربة بجذورها في القِدم، لا يكاد يخلو منها عصر من العصور، ولكن بأشكال مختلفة وأسماء أخرى، فعلى سبيل المثال لا الحصر، في مجال اللغة والأدب، في العصر العباسي دارت معارك طاحنة بين جيلين من الشعراء أو إن شئت فقل: بين اتجاهين من الشعر؛ اتجاه يميل إلى القديم وتقليده بقيَمه وتقاليده، واتجاه ينزع إلى الحديث والتجديد والثورة على القديم، وقد سمَّى النُّقاد هذه المعارك وعنونوا لها بالصراع بين القديم والحديث. كذلك فإن مصطلح الحداثة مصطلح يفتقر إلى عنصر البقاء، إذ لا يلبث أن يتحوَّل هذا التحديث إلى ماضٍ، وهذا الحديث إلى قديم، فكل قديم بالنسبة إلى ما قبله فهو حديث، وهذا يؤدِّي بنا إلى الدخول في دوامةٍ من الحديث المتجدِّد باستمرار، حتى لا تكاد تستطيع أن تُواكِبَ الحديث أو الجديد. وهذا بالفعل ما وقع على الحداثة؛ إذ إنها انتقلت إلى طور جديد هو (ما بعد الحداثة) وأصبح له من يؤطِّر له ويدعو إليه ويحث عليه، فأصبحت (الحداثة) بالنسبة إلى (ما بعد الحداثة) فكرة قديمة نسبيًا. وتبقى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن القديم والحديث لا يكتسب قيمته من مُجرَّد الاصطلاح عليه بالقِدم أو الحداثة، وإنما لا بد من وجود معايير وضوابط تضبط قيمة هذا القديم أو الحديث بصرف النظر عن عنصر الزمن، فربما سبق القديمُ الحديثَ في القِيمة؛ وفي الفكر وبُعد النظر. وهذه المعايير تحتاج إلى قدرٍ من الموضوعية والحيادية تجعل صاحبها على مسافة واحدة من القضايا المطروحة، بحيث يتخلَّص من الأحكام المسبقة أو القناعات الخاصة، ويترك البحث الموضوعي ليتحرك به إلى النتيجة، فلا يضع النتيجة قبل البحث، ولا يصوغ النهايات قبل البدايات. الخلاصة: نخلص مما سبق إلى: 1- أن الحداثة من الألفاظ التي تطوَّرت تطوُّرًا دلاليًّا، من الحدث الذي لا يملك الخبرة في الحياة، إلى الحديث الذي يعني الكلام، إلى الحديث الذي يعني الجديد الذي هو ضد القديم، إلى الحداثة كمصطلح مستقل له أُطُرُه وفلسفته. 2- الحداثة مصدر للفعل: حدث، يحدث، حدوثًا، وهذا الفعل يدل على التجدد والاستمرار، أي أن الحداثة متجددة باستمرار بمضامين ومفاهيم جديدة، ولا يمكن أن تستقر أو تثبت على حالةٍ واحدة أو فكرة واحدة أو فلسفة واحدة. 3- أن الحداثة لا يمكن حصرها في مفهوم مُحدَّدٍ واضح المعالم، وإنما هي مجموعة من المُتَتَابِعات الوصفية التي تُشكِّل في مجموعها فكر الحداثة. [1] (خَلْفًا): أي: بابًا. [2] رواه البخاري، (1/ 299)، (ح 1610). [3] رواه أحمد في (مسنده)، (6/ 274)، (ح 26348). وصحح إسناده الألباني في (إرواء الغليل)، (7/ 86). [4] انظر: الحداثة وموقفها من السنة، د. الحارث فخري عيسى (ص 29). [5] (الموروث): يُعرِّف الحداثيون العرب "التراثَ": بأنه كلُّ الموروث الثقافي؛ سواء ما كان بَشَرِيُّ المصدر، وما كان الوحيُ مصدرَه، فكلُّه - عند الحداثيين - موروثٌ ثقافي، وكثير من الحداثيين يتعاملون مع التراث "بِوَحْيِه وبَشَرِيَّتِه" على أنه "بَشَرِيُّ المصدر" ناتج عن تجربة بشرية محضة، وي الحداثيون - على سبيل المثال: بأنَّ الهالة للحديث إنما أضافها شعور الصحابة رضي الله عنهم بالمكانة العالية للنبي صلى الله عليه وسلم، لا لكون هذا الكلام وحيًا بذاته، بل صار كذلك بإنزال الناس له هذه المنزلة. انظر: التراث والحداثة دراسات ومناقشات، د. محمد عابد الجابري (ص 45)؛ بيان في النهضة والتنوير العربي، د. طيب تيزيني (ص 97)؛ الفكر الإسلامي نقد واجتهاد، محمد أركون، ترجمة: هشام صالح، (ص 101). [6] (القيود): هي أصول الإسلام وثوابته، والضوابط الشرعية. [7] المقصود (بالإنسان): هو الإنسان الحداثي الذي يسعى للدخول إلى عالم الحداثة باستعماله لأساليبها، أمَّا باقي البشر - في مفهوم الحداثيين - فهم لا يَعْدُون أنْ يكونوا جزءًا من مقدَّرات الطبيعة التي يسعى الحداثي؛ لتسخيرها وتطويعها لخدمَتِه، وتحقيقِ رُقيِّه. وقد بلغت الأنانية عند الحداثيين إلى درجة حرمان باقي البشر من حق امتلاك ذات الأدوات المتاحة لهم؛ لأنهم - في نظر الحداثيين - لا يستحقُّون الحياة، فهم بشر من درجات متدنية، ولا يملكون "العقل الحداثي" لضبط تصرفاتهم. انظر: التراث والحداثة دراسات ومناقشات، (ص 49)؛ الحداثة وموقفها من السنة، (ص 36). [8] الحداثة وموقفها من السنة، (ص 33). [9] أي: خليط. [10] الحداثة والنص القرآني، محمد رشيد ريان (ص 15). |
اللوامع القرآنية في شرح المقدمة الآجرومية لهاني مصطفى العدوي | محمود ثروت أبو الفضل | 28-06-2022 | 3,665 | https://www.alukah.net//culture/0/155786/%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%88%d8%a7%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ac%d8%b1%d9%88%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%87%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d9%88%d9%8a/ | اللوامع القرآنية في شرح المقدمة الآجرومية لهاني مصطفى العدوي صدر حديثًا كتاب "اللوامع القرآنية في شرح المقدمة الآجرومية"، تأليف: "هاني مصطفى العدوي"، نشر: "دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع"، مصر. ويتضمن هذا الكتاب شروح وتطبيقات ميسرة على المقدمة الآجرومية، وهو متن مشهور في النحو لأبي عبدالله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن آجروم؛ وقد تلقاها العلماء بالقبول، وقد جرت عادة العلماء في شتَّى البلاد على الاعتناء بها؛ شرحًا وحفظًا وتحفيظًا، وقد بدأت الآجرومية بالكلام عن أنواع الكلام وإعرابه. وقد عرض "ابن آجروم" كل ذلك بإيجاز دون أن يكون ذلك على حساب الإيضاح، مع ما امتازت به من حسن العبارة وقرب المعنى وجودة الترتيب والنظام، وارتضوها العلماء أوّل المتون النحوية للتلاميذ قبل أن يلجوا ألفية الإمام ابن مالك الذي توفي يوم ولد ابن آجروم، حتى غدت الآجرومية بالنسبة للألفية كالمقدمة الممهدة، والفاتحة الميسِّرة. ويعد هذا الكتاب "اللوامع القرآنية في شرح المقدمة الآجرومية" من باب تيسير وتبسيط علم النحو لجمهور طلبة العلم، إلى جانب ربط المباحث النحوية بالقرآن الكريم، حيث قام الكاتب بشرح كلام المصنف "ابن آجروم" والزيادة عليه، والوقوف معه في بعض النقاط، مع تدريب الطالب وتنمية ملكة الإعراب لديه من خلال وضع وجوه إعرابية للكلمة الواحدة في معظم الأبواب والأمثلة كلها من القرآن. ونجد أن الكاتب لم يتقيد بأمثلة المصنف؛ نظرًا لنقله معظم الأمثلة في كل قاعدة من القرآن، ونادرًا ما يجد المطالع مثالًا من خارج القرآن والسنة. كما وضع الكاتب مسائل فقهية وعقدية مرتبطة بالقواعد النحوية في الكثير من الأبواب وكلها مسائل من القرآن. كما بين الكاتب بعض الإشكالات والقواعد الشاذة التي يتحير فيها طالب العلم وكلها أيضًا أمثلة مستقاة من القرآن. يقول الكاتب: "كنت أتمنى أن أظل أكتب في هذا الكتاب حتى نهاية عمري؛ نظرًا لأنه ربطني بالقرآن وختمه أكثر من مرة، والنظر والبحث في التفاسير الموثوقة، وما هناك مسألة أو إشكال إلا ونقلتها من أكثر من كتاب وتفسير وحديث". وصاحب الآجرومية محمد بن محمد بن داود الصنهاجي، النحوي الفقيه، عرف بابن آجُرُّوم، وعلى القول بأن معنى آجروم الشريف أو الصوفي أو ذو البركة، (أگُرَّام)، فإنه أجروم، والبعض يجعلها بالمدّ (آجروم)، وكان جده داود أول من عُرف بهذا اللقب. وصفه شُرّاح مقدمته كالمكودي والراعي وغيرهما بالإمامة في النحو. ولد بفاس سنة 672 هـ، ودرس فيها، وقصد مكة حاجًا مرورًا بالقاهرة حيث لبث مدة ودرس على النحوي الأندلسي أبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي وحظي بإجازته. في مكة عاش زمنًا وألّف مقدمته الآجُرّومية، وعندما عاد إلى فاس لازم تعليم النحو والقرآن في جامع الحي الأندلسي إلى أن مات سنة (723هـ)، ودُفن داخل باب الحديد بمدينة فاس ببلاد المغرب. أخذ العلم عن الإمام محمّد بن يوسف أبو حيّان النّحوي الغرناطي صاحب البحر المحيط في التّفسير، والإمام أبي عبد الله محمّد بن القصّاب، ومحمّد بن عبد الرّحيم بن عبد الرّحمن بن الطيّب أبو القاسم القيسي الضّرير، وغيرهم، وعنه ابنه عبدالله بن محمّد أبو محمّد، وأحمد بن محمّد بن شعيب أبو العبّاس الجَزنائي الطّبيب، ومحمّد بن عليّ بن عمر بن يحيى بن العربي الغسّاني النّحوي، ومحمّد بن أحمد بن يعلى الحسني، وغيرهم. اشتهر ابن آجُرُّوم بالتقوى والصلاح ووصفه معاصروه بأنه كان فقيهًا أديبًا رياضيًا، إمامًا في النحو ومتبحرًا في علوم أخرى منها التجويد وقراءة القرآن الكريم. اشتهر بكتابه "المقدمة الآجُرُّومية في مبادئ علم العربية" أوجز فيه كتاب "الجّمَل في النحو" لأبي القاسم عبد الرحمن بن إسحق الزجّاجي في خمسة وأربعين ومئة باب تناولت أبواب النحو والصرف والأصوات والضرورات الشعرية، وهي مباحث سهلة الحفظ تتعلق بعلامات الإعراب وتصريف الأفعال وإعرابها وأنواع المعربات من الأسماء، فكانت أساس الدراسات النحوية في زمنه، وتأخذ بمبدأ الاختيار من المدرستين الكوفية والبصرية، مع أن ابن آجروم كان أقرب إلى مذهب الكوفيين على خلاف الزجّاجي الذي كان ميالًا إلى البصريين. طبعت المقدمة عدة طبعات في البلاد العربية وفي روما وباريس ولندن وميونيخ مع ترجمات إلى اللاتينية والفرنسية والإنكليزية والألمانية. كتب ابن آجُرُّوم عدة مصنفات كما ألّف جملة أراجيز في القراءات والتجوبد. منها شرح لمنظومة الشاطبي "حرز الأماني ووجه التهاني" التي اشتهرت بالشاطبية نسبة إلى صاحبها، وسمّى ابن آجُرُّوم أرجوزته هذه "فرائد المعاني في شرح حرز الأماني" وعرفت بشرح الشاطبية.. |
القول المهذب في مراحل تصنيف كتاب (المجموع في شرح المهذب) | عبدالله الحسيني | 28-06-2022 | 4,548 | https://www.alukah.net//culture/0/155785/%d8%a7%d9%84%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%b0%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b1%d8%a7%d8%ad%d9%84-%d8%aa%d8%b5%d9%86%d9%8a%d9%81-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%85%d9%88%d8%b9-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%87%d8%b0%d8%a8/ | القول المهذَّب في مراحل تصنيف كتاب (المجموع في شرح المهذَّب) [1] الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فإنَّ أجلَّ مصنَّفات شيخ الإسلام محيي الدِّين يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي الدِّمشقي الشَّافعي (631 هـ-676 هـ) -رحمه الله تعالى- التي لم يُتمَّها [2] هو: كتاب (المجموع في شَرْح المهذَّب) [3] ، الذي (شَرَحَ [فيه] رُبع "المهذَّب" في غاية الحُسن والجَودة) [4] ، بل (هو شَرْحٌ للمذهب كلِّه، بل لمذاهب العلماء كلِّهم، وللحديث، وجُمل من اللُّغة، والتَّاريخ، والأسماء، وهو أصلٌ عظيمٌ في معرفة صحيح الحديث وحَسنه وضعيفه، وبيان عِلله، والجمع بين الأحاديث المتعارضات، وتأويل الخفيَّات، واستنباط المهمَّات) [5] ، (وهو كتابٌ نفيسٌ، لم يُصنَّف في المذهب على مثل أُسلوبه، وليته أكمله، وانخرم باقي كُتبه، وبهذا الكتاب عُرِف قدره) [6] ، (سَلَكَ فيه طريقة وسطة حسنة مُهذَّبة سهلة، جامعة لأشتات الفضائل، وعيون المسائل، ومجامع الأوائل، ومذاهب العلماء، ومفردات الفقهاء، وتحرير الألفاظ، ومسالك الأئمَّة الحفَّاظ، وبيان صحَّة الحديث من سَقمه، ومشهوره من مُكتَّمه، وبالجُملة فهو كتابٌ ما رأيتُ على منواله لأحدٍ من المتقدِّمين، ولا حَذا على مثاله متأخِّر من المصنِّفين) [7] ، (أبدع فيه وأجاد وأفاد، وأَحسن الانتقاد، وحرَّر الفقه في المذهب وغيره، وحرَّر فيه الحديث على ما ينبغي، والغريب واللُّغة وأشياء مهمَّة لا توجد إلَّا فيه، وقد جَعَلَهُ نُخبةً على ما عَنَّ له، ولا أَعرفُ في كُتب الفقه أَحسن منه، ولو كمل لم يكن له نظيرٌ في بابه) [8] . وقد اجتهدتُ في بيان مراحل تصنيفه له، وذلك من خلال القرائن التي تيسَّرت بفضل الله عزَّ شأنه. وعلى الله الكريم توكُّلي واعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي، وله الحمد والنِّعمة، وبه التَّوفيق والعصمة. مراحل تصنيف كتاب (المجموع في شرح المهذَّب) صنَّف الإمامُ النَّوويُّ الكتابَ على مراحل ثلاث: المرحلة الأُولى: شَرَحَ الكتاب شرحًا مبسوطًا جدًّا في ثلاث مجلَّدات كبار، وصل فيه إلى آخر باب الحيض، ابتدأَهُ: آخر يوم الخميس 8 من شهر شعبان سنة 662 هـ، وعمره وقتها 31 عامًا. واعتنَى بإقرائه، حيث قرأه عليه تلميذه الشَّيخ الفقيه شرف الدِّين أبو إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن أُميَّة المصري الدِّمشقي الشَّافعي من أوَّله إلى أواخر باب الأحداث التي تنقض الوضوء في (15) مجلسًا، وقيَّد الإمام النَّوويُّ له بخطِّه طباق السَّماع عليه لكلِّ مجلس، وكان ابتداؤها: يوم الجمعة 29 من شهر صفر سنة 666 هـ واستمرَّت إلى: يوم الجمعة 17 من شهر رجب سنة 667 هـ بجامع دمشق، وقابل نُسخته مع الأصل الذي بيد المصنِّف. وقد عَلِمنا هذا من خلال جزئه الأوَّل الذي وفَّقنا الله تعالى للوقوف عليه في مكتبة آيا صوفيا (1295) [9] ، وهو من أوَّل الكتاب إلى آخر باب الأحداث التي تنقض الوضوء، ونُسخته الخطِّيَّة منقولة عن نسخة مقروءة عليه وعليها خطُّه بالتَّفاصيل المتقدِّمة . والذي يظهر أنَّه فرغ من هذا الشَّرح إلى آخر باب الحيض قبل يوم الاثنين 28 من شهر الله المحرَّم سنة 664 هـ؛ لأنَّه أحال عليه في (6) مواضع من كتابه (تلخيص شرح الألفاظ والمعاني ممَّا تضمَّنه صحيح الإمام أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاري) [10] (الجزء الخامس: [131/ ب]، [137/ أ]، [139/ ب]، [143/ ب]، [144/ ب]) الذي فرغ منه في التَّاريخ المذكور. (تلخيص شرح الألفاظ والمعاني) بخطِّ الإمام النَّووي قال الإمام النَّووي في (المجموع) (1/ 6): (وقد كنتُ جمعتُ هذا الشَّرح مبسوطًا جدًّا بحيث بلغ إلى آخر باب الحيض ثلاث مجلَّدات ضخمات) ا.هـ. وقال: (ابتدأتُ في هذا المجموع المبارك: آخر يوم الخميس الثَّامن من شعبان سنة اثنين وستّين وستمائة. والله المسؤول إتمامه على أحسن الوجوه سريعًا) ا.هـ . صفحة عنوان الجزء الأوَّل من المجموع في شرح المهذَّب (المبسوط) مكتبة آيا صوفيا، رقم (1295) [1/ أ] طبقة سماع لكتاب (المجموع المبسوط) [14/ ب] على المصنِّف في المجلس الأوَّل منقولة عن خطِّه طبقة سماع لكتاب (المجموع المبسوط) [306/ أ] على المصنِّف في المجلس (15) منقولة عن خطِّه المرحلة الثَّانية: شَرَحَ الكتاب شرحًا متوسِّطًا؛ خشية أن يؤدِّي استمراره في شرحه المبسوط إلى قلَّة الانتفاع به وصعوبة تحصيل نُسخه، فبدأه مجدَّدًا من أوَّله، وبدأ في باب الأذان: يوم الأربعاء 27 من المحرَّم سنة 671 هـ، وختم الجنائز: ضحوة يوم عاشوراء سنة 673 هـ، وفي ذلك اليوم بدأ في كتاب الزَّكاة، وختم باب الإحرام: يوم الاثنين تاسع شوَّال، وفي ذلك اليوم بدأ بباب صفة الحجّ، وختم رُبع العبادات: يوم الاثنين 24 من شهر ربيع الأوَّل سنة 674 هـ، وافتتح كتاب البيع ووصل إلى أثناء باب الرِّبا دون أن يحدِّد تاريخًا. قال الإمام النَّووي في (المجموع) (1/ 6): (وقد كنتُ جمعتُ هذا الشَّرح مبسوطًا جدًّا بحيث بلغ إلى آخر باب الحيض ثلاث مجلَّدات ضخمات، ثمَّ رأيتُ الاستمرار على هذا المنهاج يؤدي إلى سآمة مطالعه، ويكون سببًا لقلَّة الانتفاع به لكثرته، والعجز عن تحصيل نُسخة منه، فتركتُ ذلك المنهاج، فأسلك الآن طريقة متوسِّطة إن شاء الله تعالى، لا من المطوَّلات المملَّات، ولا من المختصرات المخلِّات) ا.هـ. وقال الإمام التَّاج السُّبكي في (ترشيح التَّوشيح وتوضيح التَّرجيح) (ص 637): (بدأ في "شرح المهذَّب" كما رأيتُ بخطِّه: يوم الخميس ثامن شعبان سنة اثنتين وستين وستمائة، إلَّا أنَّه يقطع عليه فيه العمل، فرأيتُ بخطِّه ابتدأ في باب الأذان يوم الأربعاء سابع عشري المحرَّم سنة إحدى وسبعين وستمائة، وختم الجنائز ضحوة يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين وستمائة، وفي ذلك اليوم بدأ في كتاب الزَّكاة، وختم باب الإحرام يوم الاثنين تاسع شوَّال من هذه السَّنة، وفي ذلك اليوم بدأ بباب صفة الحجّ، وختم رُبع العبادات يوم الاثنين رابع عشري ربيع الأوَّل سنة أربع وسبعين وستمائة، وافتتح البيع إلى أثناء الرِّبا، ومات، ولم يُعيِّن تاريخًا) ا.هـ. والذي يظهر أنَّ تاريخ البدء المذكور هو لـ (المجموع المبسوط) -كما تقدَّم-، وأمَّا (المجموع المتوسِّط) فيبدو -من خلال النَّظر في التَّواريخ السَّابقة، وعاداته في الإحالة على مصنَّفاته التي أرَّخ تصنيفها- أنَّه ابتدأه في الفترة ما بَين يوم الأحد 15 من شهر ربيع الأوَّل سنة 669 هـ، ويوم الاثنين 4 من شهر رمضان سنة 670 هـ، وذلك للقرائن التَّالية: 1- أنَّه أحال في (المجموع المتوسِّط) على كتابه (الأذكار) الذي فرغ من تصنيفه: في المحرَّم سنة 667هـ، ولم يذكره في (المجموع المبسوط). 2- أنَّه أحال في (المجموع المتوسِّط) على كتابه (الإيضاح في المناسك) الذي فرغ من تصنيفه: صبيحة الجمعة 10 من شهر رجب سنة 667هـ، ولم يذكره في (المجموع المبسوط). 3- أنَّه استمرَّ في إقراء كتابه (المجموع المبسوط)، وقابل تلامذته نُسخهم المقروءة عليه معه بأصله إلى يوم الجمعة 17 من شهر رجب سنة 667هـ. 4- أنَّه أحال في (المجموع المتوسِّط) على كتابه (الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام) الذي فرغ من تصنيفه: ليلة الخميس 29 من شهر جمادى الأولى 668 هـ، ولم يُحل عليه ككتاب مستقلٍّ في (المجموع المبسوط) [11] . 5- أنَّه أحال في مقدِّمة (المجموع المتوسِّط) على كتابه (روضة الطَّالبين) الذي اختصره من (شرح الوجيز)، وفرغ من تصنيفه: يوم الأحد 15 من شهر ربيع الأوَّل سنة 669 هـ، ولم يذكره في (المجموع المبسوط). 6- أنَّه لم يُحل إطلاقًا في (المجموع المتوسِّط) بدءًا من مقدِّمته إلى آخر باب مواقيت الصَّلاة على كتابه (رياض الصَّالحين) الذي فرغ من تصنيفه: يوم الاثنين 4 من شهر رمضان سنة 670 هـ، وبهذا يظهر أنَّه صنَّف كتابه الأخير بعد فراغه من الجزء المذكور من (المجموع المتوسِّط)؛ لأنَّ من عاداته المطَّردة أنَّه يحيل في أقرب مناسبة على مباحث مصنَّفاته المرجعيَّة في الباب، ومع ما يُلاحَظ من: التَّشابه الكبير بين بعض أبواب مقدِّمة (المجموع المتوسِّط) و(رياض الصَّالحين) -وفي الأخير من التَّحريرات والزِّيادات ما ليس في الأوَّل-، ثمَّ تراه لا يُحيل عليها إلَّا أن يُفسَّر بذلك، ولأنَّه لم يبدأ بالإحالة فيه على كتابه (رياض الصَّالحين) إلَّا من باب ستر العورة، ويقع بعد باب الأذان بقليل والذي ابتدأه: يوم الأربعاء 27 من المحرَّم سنة 671هـ، علمًا بأنَّ كتابه (الرِّياض) أصلٌّ في بابه، لا تكاد تجد فيه إحالة منه على مصنَّفاته الأخرى إلَّا على كتابَين: (الأذكار)، و(شرح صحيح مسلم)، وفي مواضع يسيرة جدًّا، إمَّا لبيان معنى أو الإشارة إلى أحاديث وأحكام أخرى لها صلة وثيقة بالكتاب. وأمَّا إحالاته التي وُجدت في مصنَّفاته الأخرى على كتابه (المجموع) قبل سنة 669هـ، فهذه بعضها على (المبسوط)، وبعضها على (المتوسِّط) التي أَلحقها فيها بعد ذلك. وقد صرَّح بالإلحاق في بعض كُتبه، فقال في آخر كتابه (الأذكار) (ص 664): (فرغتُ من جَمعه: في المحرَّم سنة سبع وستين وستمائة سِوى أَحرفٍ أَلحقتُها بعد ذلك) ا.هـ. وجميع ما فيه من إحالات على كتاب (المجموع) فهي على (المتوسِّط) قولًا واحدًا، أَلحقها فيه فيما بعدُ؛ لأنَّها إحالات على مباحث وَرَدَت بعد باب الأذان الذي ابتدأه سنة 671 هـ -كما تقدَّم-. وقال في (روضة الطَّالبين) (2/ 144) في آخر مسائل الدَّفن: (وقد أَلحقتُ في هذا الباب أشياء كثيرة، وبقِيتْ منها نفائس ومتمِّمات استقصيتُها في "شرح المهذَّب"، تركتُها؛ لكثرة الإطالة) ا.هـ. وذَكَر نبذًا عن المفتي والمستفتي من "شرحه للمهذَّب"، ثمَّ قال (11/ 118): (فهذا آخر النُّبذ التي يسَّر الله الكريم إلحاقها، وهي وإن كانت طويلة بالنِّسبة إلى هذا المختصر، فهي قصيرة بالنِّسبة إلى ما ذكرتُهُ في "شرح المهذَّب"، وموضع بسطها والزِّيادات والفروع هناك) ا.هـ. المرحلة الثَّالثة -وهي محتملة-: جرد في كتابه (التَّحقيق) -الذي هو من أواخر تصانيفه [12] - بشكلٍ مستقلٍّ مختصرٍ غالب ما في (المجموع المتوسِّط) من الأحكام، واعتمد فيه محقَّق المذهب وأرجحه وأقواه، وأحال فيه نصًّا على (المجموع) وعلى (روضة الطَّالبين) الذي أَلحق فيه زيادات منه، وذلك لمن يرغب بالمزيد من البحث والمراجعة والتَّحقيق والتَّدليل والتَّعليل والتَّوضيح والتَّفصيل. وقد أشار إلى هذه المرحلة عالمان جليلان لهما عناية خاصَّة بمصنَّفاته واطِّلاع يُنبؤ عن خبرة واسعة بها، وتبِعهما آخرون بعد ذلك. فقال الإمام الإسنوي في (المهمَّات) (1/ 97-98): (التَّحقيق: وصل فيه إلى أثناء صلاة المسافر، ذَكَرَ فيه غالب ما في "شرح المهذَّب" من الأحكام على سبيل الاختصار) ا.هـ. وقال الإمام ابن الملقِّن في (عمدة المحتاج) (1/ 233): (التَّحقيق في الفقه، وهو كتابٌ نفيسٌ، وَصَلَ فيه إلى أثناء صلاة المسافر، وكأنَّه مختصر "شرح المهذَّب") ا.هـ . ♦♦ ♦♦ ♦♦ وفي الإلمام بهذه المراحل عدَّة فوائد، منها: 1- معرفة الفترة الزَّمنية التَّقريبية لعدد من مصنَّفاته، وترتيبها من الأقدم إلى الأحدث، والمراحل التي مرَّت بها مع خصائص كلّ مرحلة. 2- رفع الإشكالات الواردة في بعض مصنَّفاته، كالإحالة في كتبه المتقدِّمة على المتأخِّرة. 3- القيام بتتبُّع ودراسة: مصنَّفاته التي ذكرها لنفسه في كتبه وأحال عليها، وإلحاقاته التي أضافها في كتبه من مصنَّفاته الأخرى. هذا والله أعلم بالصَّواب. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين. [1] عرضتُ البحث على فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد بن يوسف الجوراني، فأفادني برأيه السَّديد، جزاه الله خير الجزاء. [2] قال بنحوه الإمام الإسنوي في (المهمَّات) (1/ 97). [3] هكذا سمَّاه في عدَّة مواضع من كتابه (تلخيص شرح الألفاظ والمعاني ممَّا تضمَّنه صحيح الإمام أبي عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاري)، ويسمِّيه اختصارًا بـ (المجموع)، و(شرح المهذَّب)، كما تَرى ذلك بخطِّه، وسمَّاه في (تهذيب الأسماء واللغات) -ط كوشك- (2/ 739، 858): (المجموع من شرح المهذَّب). *** *** وقد طُبعت مقدِّمة (المجموع) بشكلٍ مستقلٍّ وجُهد موفَّق عن ستِّ نسخ خطِّيَّة بعناية وتحقيق: فضيلة الشَّيخ المحقِّق محمَّد بن علي بن عبد الرَّحمن المحيميد، وبشَّرني أن العناية بالكتاب من أهدافه التي يسعى إليها، وفقَّه الله وسدَّده وجزاه خير الجزاء. [4] قاله الإمام الذهبي في (سير أعلام النُّبلاء) -الجزء الملحق- (ص 342-343). [5] قاله الإمام النَّووي في مقدِّمة كتابه (المجموع) (1/ 6). [6] قاله الإمام ابن الملقن في (عمدة المحتاج) (1/ 233). [7] قاله الإمام ابن كثير في (طبقات الشَّافعيَّة) (ص 826)، وانظر: (ترجمة شيخ الإسلام -النَّووي-) بخطِّ السَّخاوي، المكتبة الخاصَّة للشَّيخ زهير الشَّاويش، رقم (169) [35]. [8] قاله أيضًا الإمام ابن كثير في (البداية والنِّهاية) (17/ 540). [9] وَقَفَ على المجلَّد الأوَّل منه أخي فضيلة الشَّيخ رعد بن منير الحريري، وأعلن عن عنايته به مع فضيلة الشَّيخ مهنَّد بن قاسم المسالمة، نسأل الله تعالى لهما التَّوفيق والسَّداد، وزوَّدني الشَّيخ رعد بنسخته الخطِّيَّة -جزاه الله خير الجزاء- فنشرتُ طباق سماعه في مقالة مستقلَّة. [10] وَقَفَ على هذا الكتاب النَّفيس بخطِّه الشَّريف واقتنى مصوَّراته وأذن بنشر نماذج منه: فضيلة الشَّيخ المحقِّق د. محمَّد بن يوسف الجوراني، جزاه الله خير الجزاء، وسيُطبع بإذن الله بتحقيقه وعنايته وشرَّفني أيضًا بذلك، نسأل الله تعالى التَّوفيق والسَّداد والإعانة والرَّشاد. [11] ذَكَرَ فيه [5/ ب] أنَّه جمع الأحاديث التي عليها مدار الإسلام في أوَّل شرحه لصحيح الإمام البخاري، وذكرتُ في مقالة منشورة بعنوان: (المنح السَّماويَّة في الأربعين حديثًا النَّواويَّة) أنَّ هذا الجمع كان في مرحلته الأُولى، ثم مرَّ بمراحل أخرى إلى أن وصل إلى مرحلة جمعها في كتابٍ مستقلٍّ، وفرغ منه في التَّاريخ المذكور أعلاه. [12] قال الإمام التَّاج السُّبكي في (ترشيح التَّوشيح وتوضيح التَّرجيح) (ص 638): (وأمَّا "تحقيق المذهب" للنَّووي، فأظنُّه من أواخر مصنَّفاته) ا.هـ، وسيُنشر قريبًا بإذن الله تعالى بدراسة وتحقيق: فضيلة الشَّيخ المحقِّق محمَّد بن علي بن عبد الرَّحمن المحيميد، بارك الله في جهوده. |
إسلام عمرو بن عبسة السلمي | د. محمد منير الجنباز | 27-06-2022 | 5,490 | https://www.alukah.net//culture/0/155770/%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%b3%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%8a/ | إسلام عمرو بن عَبَسة السلمي يذكر هنا لسابقته إلى الإسلام؛ ففي الصحيحين من حديث أبي أمامة عن عمرو بن عَبَسة رضي الله عنه، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة، وهو حينئذ مستخفٍ، فقلت: ما أنت؟ قال: ((أنا نبي))، فقلت: وما النبي؟ قال: ((رسول الله))، قلت: الله أرسلك؟ قال: ((نعم))، قلت: بمَ أرسلك؟ قال: ((بأن تعبد اللهَ وحده لا شريك له، وتكسر الأصنام، وتوصل الأرحام))، قلت: نِعم ما أرسلك به، فمن تبعك على هذا؟ قال: ((حر وعبد)) - يعني أبا بكر وبلالًا - فكان عمرو يقول: لقد رأيتني وأنا ربع الإسلام، قال: فأسلمت، قلت: فأتبعك يا رسول الله؟ قال: ((لا، ولكن الحَقْ بقومك، فإذا أُخبرتَ أني قد خرجت فاتبعني))، وهذه رواية عمرو نفسه، فعندما قال: ربع الإسلام فهذا بحسب علمه بأنه لم يسلم إلا بلال وأبو بكر، ومن المعلوم أن هناك عددًا من الصحابة قد أسلموا قبل بلال، ولكن السر في أن الدعوة كانت سرية، ولا يفصح في ذلك الوقت عن الأتباع، فقد كان أقرباؤهم لا يعلمون بإسلامهم فكيف بأهل البادية؟ |
فلسفة (التحريم) بين المذاهب الفكرية العلمانية والإسلام | د. علي حسن الروبي | 27-06-2022 | 2,579 | https://www.alukah.net//culture/0/155769/%d9%81%d9%84%d8%b3%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b0%d8%a7%d9%87%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/ | فلسفة (التحريم) بين المذاهب الفكرية العلمانية والإسلام ليس يخفى أن المنظومةَ الأخلاقية للمذاهب الفكرية العلمانية على ما بينها من تباينات منهجية = تكاد تتفق على أن التحريم والمنع أو ما من شأنه التقييد لحرية الإنسان ينبغي أن يكون منحصرًا فيما له إضرارٌ بالآخرين واعتداءٌ عليهم، ولعلك قد مرَّت أمامَ ناظريك في غير مناسبة هذه العبارةُ التي يردِّدها أبناء التيار العلماني: "القتل حرامٌ، السرقة حرام، الظلم حرام، لكن تصرفات الناس في أجسادهم هي مَحض حقٍّ لهم". ومرادُ أصحاب هذه العبارة بها في صياغاتها المختلفة أن ما يتعلق به التحريم والمنع والعقوبة القانونية - ينبغي أن يكون مقتصرًا على ما فيه إضرارٌ للآخرين أو اعتداءٌ عليهم من قتل وسرقة واغتصابٍ، ونحو ذلك، وأما ما سوى ذلك مما يتعلق بالتصرفات التي يحرمها الدين والأخلاق كالزنا وشرب الخمر والشذوذ والتعري، ونحو ذلك، فلا ينبغي أن يكون عليه معاقبةٌ أو توجيه منعٍ، لكون تلك الأمور المذكورة ليس فيها اعتداءٌ على الآخرين، بجانب أنها متعلقة بالحقوق الشخصية للإنسان وحريته الذاتية، فلا بد من أن تكون مباحة غير محرمةٍ. وسببُ هذا التفريق الواقع عند أصحاب ذلك الفكر في تحريمهم للقتل والسرقة والاغتصاب، وإباحتهم للزنا والشذوذ وشرب الخمر وما أشبه - هو ما تستبطنُه تلك المذاهب التي يعتنقونها من تقديسٍ للإنسان وتهميشٍ لربِّ الإنسان وخالقه. فإن تلك المذاهب - على اختلافاتها الجزئية - تنظر إلى الإنسان نظرة تقديسٍ وتأليهٍ؛ فتُضفي على تصرفاته وميوله واختياراته صفة القداسة والمشروعية، دون اعتبارٍ أو نظرٍ للموقف الديني والأخلاقي من تلك التصرفات، ولا ترتفع تلك القداسة والمشروعية عن ميول الإنسان وأهوائه مهما كانت، إلا إذا أدتْ تلك التصرفات والميول إلى إلحاق الضرر والأذى بإنسانٍ آخر، فها هنا ترتفع عنها تلك الهالةُ وذلكم التقديسُ، ويتوجَّه إليها المنعُ والعقوبة لِما ألحقتْه بالآخرين من إيذاءٍ وضررٍ، فلا جرم - والحال هذه - أن يكون القتل والسرقة والشتم والاغتصاب ونحو ذلك، أفعالًا محرَّمةً مجرَّمةً في تلك المذاهب، تستوجب العقوبة لفاعلها بعد أن ارتفعت عنها صفة الحق الشخصي والحرية الذاتية. بينما تبقى القداسة والمشروعية في الأفعال الرضائية مثل ممارسة الجنس خارج إطار الزواج والتعري والشذوذ، وما أشبه ذلك من تصرفاتٍ من جهة كونها حقوقًا إنسانيةً أصيلةً لا ينبغي أن يعاقب فاعلها، بل ينبغي النضال من أجل حماية ممارستها بقوة القانون! وأما حقُّ الله وشرعه ودينه، فإن تلك المذاهب إنْ لم تكن تتخذ من الإلحاد مرجعيةً لها، فهي في أحسن أحوالها تجعل مكانة الرب لا تتجاوز حدود خلقه للكون، وأما أن يكون للخالق أوامرُ ونواهٍ وقوانين تُفرض على المجتمع - فلا. وجهة تقديس الدين في تلك المذاهب من حيث كونه اختيارًا سلوكيًّا للإنسان فقط، فلا ينبغي مصادرته أو منع الناس من ممارسته ما دام في صورة طقوسٍ وعباداتٍ وعاداتٍ قاصرةٍ على صاحبها الذي يمارسها، لكن لا يجوز أن يكون مصدرًا تشريعيًّا تُطبق قوانينه على عموم الأفراد، أو أن تكون قوانينه هي المهيمنة على أنظمة الحياة في المجتمع. لذلك كله لم يكن للدين وشرائعه قداسةٌ في تلك المذاهب؛ لأنها لا تُقدِّس الرب على الحقيقة، ولا تستحضر ألوهيته وعظمته في منظوماتها الفكرية، بل تقدِّس الإنسان وتؤلِّهه وتجعله المركز والمرجع الذي ينبغي أن تكون حريته ورغباته موضع العناية والتقديس، فلا استغراب أن تجد المنظومة القِيَمِيَّة في تلك المذاهب تبيح الزنا بالتراضي والشذوذ بأشكاله المختلفة، وتحرِّم الاغتصاب والتحرش وتعاقب عليهما؛ لأن منظومة القيم لتلك المذاهب التي تُعظِّم الإنسان وتقدِّسه لا ترى في الزنا وغيره من العلاقات الرضائية ما يجعله محرمًا وممنوعًا، بل تَعُد ذلك من الحقوق الطبيعية للجسد، فينبغي أن يكون مباحًا؛ حيث لا اعتداء فيه على حقوق الآخرين ولا سلب لها، أما الاغتصاب والتحرش ونحوهما، فقد رأت المنظومة الأخلاقية القيمية لتلك المذاهب أن فيه اعتداءً على حق الآخر وسلبًا له بالقهر كما في السرقة والنهب والقتل، فقالتْ بمنع تلك الممارسات وتحريمها وتجريمها. وأما في الإسلام، فالأمر مختلفٌ كليًّا، فإن الإسلام وإنْ كان يقرِّر أن الإنسان هو سيد المخلوقات، وأن الله تعالى سخر ما في الكون جميعًا من أجله، إلا أنه يقرر كذلك أن الإنسان هو صنعة الله تعالى، وأن الله قد اصطفاه بحرية الإرادة، وأمره بعبادته، والخضوع لأوامره ونواهيه، واستخلفه في الأرض لإقامة شرعه، فالسيادة الحقيقية هي لله تعالى وحده، وله وحده الألوهية التي تستوجب التقديس المطلق، والإنسان وإنْ علت منزلته على غيره من المخلوقات، إلا أنه خلقٌ من مخلوقات من الله المملوكة له سبحانه ملكًا تامًّا، حتى إنه لا يجوز للإنسان أن يتصرف في جسده الخاص به إلا على الوجه الذي يبيحه الشرع، فلا يملِك حقَّ الإضرار بجسده كما لا يملِك الحرية في إنهاء حياته! وإذا كان كذلك، فالسيادة المطلقة في التشريعات والقوانين وجميع مناحيه - لا بد أن تكون على وَفق منهج الله تعالى دون خروج عن أوامره ونواهيه. ويكون ما أنزله الله من أحكامٍ تتعلق بتحريم الأشياء وإباحتها مقدمًا ومعظَّمًا على ما يُنتجه عقل الإنسان وضميره من منظومة أخلاقية أو قيميَّة، فإن المسلم يؤمن بأن لخالقه صفات الكمال من العلم والحكمة والرحمة والعدل وغيرها، ويعلم ما عليه العقل البشري من ضعفٍ وعجزٍ وقصورٍ. فمن ثَم فلا بد أن يكون حقُّ الله تعالى معتبرًا منظورًا إليه في التحليل والتحريم والمنع والإباحة، بل لا بد أن يكون مقدمًا على الحق الإنساني الفردي، وإن كان المسلم يعتقد جزمًا أن خالقه سبحانه وتعالى لا تنفعه طاعة الإنسان ولا تضرُّه معصيته، وقد أنبأه ربُّه بأن الشريعة التي أنزلها كلها موضوعة من أجل مصلحة الإنسان بالأصالة، لكن تلك المصلحة ليست منحصرة في حماية وصيانة الحق الإنساني المتعلق بالدنيا فقط، بل تشمل أيضًا حماية الحق الإنساني فيما يتعلق بالحياة الآخرة التي يؤمن بها المسلم إيمانًا جازمًا، تلك الحياة التي علق الله تعالى سعادة الإنسان فيها ونجاته بحفظه لحقوق ربه، وعدم إقدامه على انتهاكها. وإذا كان في حفظ المسلم لحقوق الله تعالى فوزُه ونجاته في الحياة الآخرة، وفي تضييعه لها هلاكُه وخسارته في تلك الحياة الأخرى، فيصبح حفظُ حقِّ الله تعالى - عائدُه ومآله ومنفعته - هو حفظَ حقِّ الإنسان؛ لكي ينجو ويسعد في الآخرة، فكانت مراعاة حق الله واعتباره بمثابة المراعاة لحق الإنسان واعتباره؛ لأن عائد ذلك يحمل المصلحة المحضة للإنسان على نحو ما ذكرنا. هذه وجهة نظر الإسلام حين لا يكتفي في التحريم والمنع بمراعاة الحق الفردي الإنساني، فلا يقتصر على تحريم ما فيه اعتداءٌ على حق الآخرين، بل يعتبر الإسلامُ ويراعي الحقَّ الإلهيَّ، ويجعله مقدمًا على الحق الإنساني، وذلك لِما في حفظ الحق الإلهي من المصلحة العظيمة العائدة على الإنسانِ نفسِه بما لا يقل عن المصلحة المتمثلة في حفظ الحق الإنساني. |
حساب المواريث بطريقة الكسور لحمزة مصطفى يعقوب | محمود ثروت أبو الفضل | 25-06-2022 | 6,656 | https://www.alukah.net//culture/0/155685/%d8%ad%d8%b3%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ab-%d8%a8%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b3%d9%88%d8%b1-%d9%84%d8%ad%d9%85%d8%b2%d8%a9-%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d9%8a%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8/ | حساب المواريث بطريقة الكسور لحمزة مصطفى يعقوب صدر حديثًا طبعة مزيدة ومنقحة من كتاب "حساب المواريث بطريقة الكسور"، إعداد "حمزة بن مصطفى يعقوب"، نشر: "دار طيبة الخضراء". ويهدف هذا الكتاب لتبسيط علم الفرائض وتسهيله لعموم المسلمين، وتطوير الطرق التقليدية لتتماشى مع المناهج الرياضية الحديثة. وهو من باب استثمار علوم الرياضيات في خدمة الفقه ومسائله. حيث أوردَ الكاتب طريقة مختصرة واضحة لحل مسائل الفرائض باستعمال الكسور، وذلك أن الله إنما قدَّرَ الفروض كسورًا، فكان التعامل معها مباشرة أيسر وأبين، حيث بالغ الكاتب في توضيح الخطوات، مع ذكر الأمثلة والتدريبات؛ لتحصن المكنة لمتولي القسمة بتوفيق الله. وأشهر طريقة لحل المسائل الفرضية في عصرنا هي التي تعتمد على النسب الأربع، والتأصيل، والتصحيح. وقد تلقت قبولًا واسعًا عند أهل العلم، حق صار جل الطلاب لا يعرفون غيرها. ومع شهرة وعموم انتشارها، إلا أن الكثير يستصعبها؛ لأنها تمزج العمل الرياضي والفرضي، فلا يتميز أحدهما عن الآخر، ثم تقدم للطلاب على صورة خطوات يحفظونها، دون فهم للأصول التي بنيت عليها. وقد ذكر الفرضيون في كتبهم طرقًا أخري لحساب المواريث، منها: الاعتياض عن النسب الأربع في تحصيل المضاعف المشترك الأصغر بالتحليل إلى عوامل أولية. وكان استعمال الأعداد الأولية في حساب المواريث شائعًا معروفًا عند الفرضيين المتقدمين، خلافًا لما يتوهمه البعض. وقد تصدى بعض المعاصرين لإحياء هذه الطريقة المنسية، وإخراجها من بطون الكتب، وإعادة صياغتها بما يناسب المصطلحات المعاصرة، منهم الدكتور مصطفى مسلم في كتابه "مباحث في علم المواريث"، واستعمال الأعداد الأولية بدل النسب أضبط، وأوضح، وأقرب إلى المنهجية العلمية الرياضية المعاصرة، لكن هذا التحويل بمفرده لا يغير العمل الفرضي من أصله. وقد ظهرت محاولات لتجديد الطرق الحسابية في الفرائض، ومن ذلك ما أورده المهندس مولود "مخلص الراوي" في رسالته للماجستير "الأساليب الحسابية في حل المسائل الإرثية"، حيث استعمل الأعداد العشرية في حل المسائل الفرضية، وقد اختصر بذلك العمل الحسابي، إلا أن تحويل الأنصباء إلى أعداد عشرية يؤدي - ولا بد - إلى الإخلال بدقة الحساب. ومن المعلوم أن حقوق الآدميين مبنية على المشاحة، وقد تصل الزيادة أو النقص إلى الآلاف والملايين. أما الاعتماد على الكسور في حساب المواريث، فقد ذكر ذلك عدد من الفرضيين منهم محمد السنوسى (ق ٩) في شرحه على مختصر الحوفي المسمى: "المقرب المستوفي"، وأحمد ابن عبد الغفار المالكي (ق ١٠) في كتابه: "نظم الدر المنثور في عمل المناسخات بالصحيح والكسور"، وتبع أولئك الأئمة بعض المعاصرين كمحمد اليعقوبي في كتابه "الرياضيات للفقيه"، إلا أنه لم يوفق في تأصيل الطريقة على أسس سليمة، حيث بنى الفرائض على فقه الشيعة، وهو مباين لنهج أهل السنة في قسمة المواريث. وتعتمد الطريقة المقترحة في هذا الكتاب على عدد من الميزات من أهمها: • الوضوح، وهو ناتج عن فصل العمل الرياضي عن العمل الفرضي، مع الاستعانة بحسن عرض الجداول. وهذا من أبرز مميزاتها؛ إذ الغموض من أعظم ما يشكل على الطريقة التقليدية، فلا يدري كثير من الدارسين لماذا تستعمل النسب الأربع في موضع، ثم نسبتان في موضع ثان... وكذا بالنسبة للعول والرد، لا يظهر لهم كيف كان تغيير أصل المسألة - ليناسب عدد السهام - سببًا في التأثير في نصيب كل وارث بالقسط، وإنما هي خطوات يحفظونها. • اختصار طريق أوله كسور - وهي الفروض التي ذكرها الله تعالى في كتابه -، وآخره كسور أيضًا، وهي ما يلجأ إليه الفرضي عند قسمة التركة، فينسب نصيب كل وارث إلى المسألة، ويعطيه من التركة بقدر تلك النسبة. وقد روي عن علي - رضي الله عنه - أنه قال في المسألة المنبرية: "صار ثُمن المرأة تسعًا"، فعبَّر عن جميع المسألة بالكسور فحسب. • إسقاط باقي التصحيح، وقسمة التركات، فيعطى كل وارث نصيبه مباشرة. • ترقية حساب الفرائض ليتناسب مع المناهج العلمية، والمصطلحات المعاصرة. • التركيز على الفهم بدل الحفظ للخطوات، خلافًا لما جري عليه العمل عند تدريس الطريقة التقليدية. وانطلاقًا من هذه الأصل، تجنبَ الكاتب التوسع في ذكر الاختصارات، وكثرة التقسيمات كما يُفعل في المناسخات؛ حتى يتيسر للقارئ فهم القواعد العامة، والتمكن منها. قُسِّمَ هذا المؤلف إلى مقدمة، وأربعة فصول، وخاتمة، وملحق. أما الفصل الأول، فقد أورد فيه بعض المبادئ الرياضية الني يحتاج إليها القارئ بصفة مبسطة. ثم تناول في الفصول التالية الطريقة المقترحة مبتدئًا بالمسائل البسيطة، ثم المركبة، ثم التوريث بالتقدير والاحتياط. وذكرَ جملةً من الأمثلة والتدريبات لكل مسألة، ملتزمًا الوضوح والاختصار غير المخل. ثم أتبع ذلك كله بملحق ضمنه البراهين الرياضية للخطوات المذكورة في الكتاب. والمؤلف هو حمزة بن مصطفى يعقوب حاصل على الماجستير في الفقه من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وماجستير في الرياضيات التطبيقية من جامعة أوتاوا بكندا، من مؤلفاته: • "الفرائض في ثوبها الجديد". • "فتح ذي المعارج بنظم وشرح مهمات المدارج (مدارج تفقه الحنبلي)". |
وفاة عمرو بن العاص رضي الله عنه | د. خالد النجار | 23-06-2022 | 27,516 | https://www.alukah.net//culture/0/155650/%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a9-%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%b5-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87/ | وفاة عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عن عبد الرحمن بن شماسة حدَّثه قال: لما حضَرت عمرو بن العاص الوفاة بكى، فقال له عبد الله: لِمَ تبكي؟ أجزعًا من الموت؟ قال: لا والله ولكن ما بعد، فقال له: فكنت على خيرٍ، فجعل يذكِّره صحبةَ النبي صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام، فقال عمرو بن العاص: تركتُ أفضل من ذلك كله شهادة أن لا إله إلا الله. روى مسلم من حديث ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ فَبَكَى طَوِيلًا وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ يَا أَبَتَاهُ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا قَالَ فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ فَقَالَ إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدْ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ فَقَتَلْتُهُ فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ قَالَ فَقَبَضْتُ يَدِي قَالَ مَا لَكَ يَا عَمْرُو قَالَ قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ بِمَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ لِأَنِّي لَمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ وَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَرَجَوْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ثُمَّ وَلِينَا أَشْيَاءَ مَا أَدْرِي مَا حَالِي فِيهَا فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ فَإِذَا دَفَنْتُمُونِي فَشُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ شَنًّا [أُهيلوا عليَّ التراب] ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَنْظُرَ مَاذَا أُرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّي. وفي رواية للإمام أحمد: فَلَمَّا بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً مِنْهُ فَمَا مَلَأْتُ عَيْنِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَاجَعْتُهُ فِيمَا أُرِيدُ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيَاءً مِنْهُ فَلَوْ مِتُّ يَوْمَئِذٍ قَالَ النَّاسُ هَنِيئًا لِعَمْرٍو أَسْلَمَ وَكَانَ عَلَى خَيْرٍ فَمَاتَ فَرُجِيَ لَهُ الْجَنَّةُ ثُمَّ تَلَبَّسْتُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالسُّلْطَانِ وَأَشْيَاءَ فَلَا أَدْرِي عَلَيَّ أَمْ لِي فَإِذَا مِتُّ فَلَا تَبْكِيَنَّ عَلَيَّ وَلَا تُتْبِعْنِي مَادِحًا وَلَا نَارًا وَشُدُّوا عَلَيَّ إِزَارِي فَإِنِّي مُخَاصِمٌ وَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا فَإِنَّ جَنْبِيَ الْأَيْمَنَ لَيْسَ بِأَحَقَّ بِالتُّرَابِ مِنْ جَنْبِي الْأَيْسَرِ وَلَا تَجْعَلَنَّ فِي قَبْرِي خَشَبَةً وَلَا حَجَرًا فَإِذَا وَارَيْتُمُونِي فَاقْعُدُوا عِنْدِي قَدْرَ نَحْرِ جَزُورٍ وَتَقْطِيعِهَا أَسْتَأْنِسْ بِكُمْ. روى أحمد عن أَبي نَوْفَلِ بْنُ أَبِي عَقْرَبٍ قَالَ جَزِعَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عِنْدَ الْمَوْتِ جَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَا هَذَا الْجَزَعُ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْنِيكَ وَيَسْتَعْمِلُكَ قَالَ أَيْ بُنَيَّ قَدْ كَانَ ذَلِكَ وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَحُبًّا ذَلِكَ كَانَ أَمْ تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي وَلَكِنِّي أَشْهَدُ عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُمَا ابْنُ سُمَيَّةَ وَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ فَلَمَّا حَدَّثَهُ وَضَعَ يَدَهُ مَوْضِعَ الْغِلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أَمَرْتَنَا فَتَرَكْنَا وَنَهَيْتَنَا فَرَكِبْنَا وَلَا يَسَعُنَا إِلَّا مَغْفِرَتُكَ وَكَانَتْ تِلْكَ هِجِّيرَاهُ حَتَّى مَاتَ. وعن ثابت البناني قال: كان عمرو على مصر، فثقل، فقال لصاحب شرطته: أدخل وجوه أصحابك [أي حرسه]، فلما دخلوا، نظر إليهم وقال: ها قد بلغت هذه الحال، ردوها عني، فقالوا: مثلك أيها الأمير يقول هذا؟ هذا أمر الله الذي لا مرد له، قال: قد عرفت، ولكن أحببت أن تتعظوا، لا إله إلا الله، فلم يزل يقولها حتى مات. عن الحسن قال: بلغني أن عمرو بن العاص لما كان عند الموت دعا حرسه، فقال: أي صاحب كنتُ لكم؟ قالوا: كنت لنا صاحب صدق تُكرمنا وتُعطينا وتفعل وتفعل، قال: فإني إنما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، وإن الموت ها هو ذا قد نزل بي، فأغنوه عني فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقالوا: والله ما كنا نَحسبك تكلم بالعوراء يا أبا عبد الله، قد علمت أنا لا نغني عنك من الموت شيئًا، فقال: أما والله لقد قلتها، وإني لأعلم أنكم لا تغنون عني من الموت شيئًا، ولكن والله لأن أكون لم أتخذ منكم رجلًا قط يمنعني من الموت أحبُّ إليَّ من كذا وكذا، فيا ويح ابن أبي طالب [أي سيدنا علي]؛ إذ يقول: «حرس أمراء أجله»، ثم قال عمرو: اللهم لا برئ فأعتذر ولا عزيز فأنتصر، وإلا تُدركني منك برحمة أكن من الهالكين. ورُوي أن عمرو بن العاص حين حضرته الوفاة ذرفت عيناه فبكى، فقال له ابنه عبد الله: والله يا أبي، ما كنت أخشى أن ينزل بك أمرٌ من الله تعالى إلا صبرت عليه، فقال: يا بني، إنه نزل بأبيك خصال ثلاث: أولهن: انقطاع عمله، وأما الثانية: فهو المطلع، وأما الثالثة: ففراق الأحبة، ثم قال: اللهم إنك أمرت فتوانيت، ونهيت فعصيت، اللهم ومن شيمتك [طبعك وصفتك] العفو والتجاوز. رُوي أنه لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال له ابنه: يا أبتاه، إنك كنت تقول: يا ليتني كنت ألقى رجلًا عاقلًا لبيبًا عند نزول الموت حتى يصف لي ما يجد، وأنت ذلك الرجل، فصف لي ما تجد؟ فقال: يا بني، والله كأن جنبي في تخت، وكأني أتنفس من سم إبرة، وكأن غصن شوك يجذب من قدمي إلى هامتي، ثم أنشأ يقول: ليتني كنت قبلُ ما قد بدا لي في تلال الجبالِ أرعى الوُعولا ولقد مرض رحمه الله مرض موته سنة 43 هجرية، قال معاوية بن خديج: أتيت عمرو بن العاص وقد ثقُل، فقلت: كيف تجدك؟ فقال: أذوب ولا أتوب، وأجد نجوى [ما يخرج من البطن من بول أو غائط] أكثر من رزئي [الطعام الذي يؤكل] فما بقاء الكبير على هذا؟! عن قتادة قال: لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال: كيلوا مالي فكالوه، فوجدوه اثنين وخمسين مدًّا، فقال: من يأخذه بما فيه يا ليته كان بعرًا، قال: وكان المد ستة عشر أوقية، الأوقية منه مكوكان، ومات عمرو بن العاص يوم الفطر وقد بلغ أربعًا وتسعين سنة، وصلى عليه ابنه عبد الله، ودُفن بالمقطم في سنة ثلاث وأربعين، ثم استعمل معاوية على مصر وأعمالها أخاه عتبة بن أبي سفيان. لما حضرت عمرو بن العاص الوفاة قال عبد الله له: يا أبتاه أوصِ في مالي ومالك ما بدا لك، قال: فدعا كاتبًا فقال: اكتُب، فجعل يكتب، قال: فلما أسرع في المال، قال: يا أبتاه، لا أحسبك إلا قد أتيت على مالي ومال إخوتي، فلو بعثت إلى إخوتي، فتحلل ذلك منهم، قال عمرو للكاتب: اقرأه فقرأه فقال عبد الله بن عمرو: بخ بخ، قال: فقال له عمرو: يا عبد الله، اشكر هذا، فوالله لامرأة من المهاجرات أقبلت ببعير تقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحمِله عليه في سبيل الله، خيرٌ من هذا كله، جاء ذاك من حيث جاء، وجاء هذا من حيث جاءنا عبد الله، والله لقد هلكنا إلا أنا معتصمون بلا إله إلا الله. عن عبد الله بن عمرو أنه حدث أن أباه أوصاه قال: يا بني، إذا مت فاغسلني غسلة بالماء، ثم جففني في ثوب، ثم اغسلني الثانية بماء قراح، ثم جفِّفني في ثوب، ثم اغسلني الثالثة بماء فيه شيء من كافور، ثم جففني في ثوب، ثم إذا ألبسني الثياب، فأزر عليَّ، فإني مخاصم، ثم إذا أنت حملتني على السرير، فامشِ بي مشيًا بين المشيتين، وكنْ خلف الجنازة، فإن مقدمها للملائكة وخلفها لبني آدم، فإذا أنت وضعتني في القبر، فسنَّ عليَّ التراب سنًّا، ثم قل: اللهم إنك أمرتنا فأضعنا ونهيتنا فركبنا، فلا بريء فأعتذر ولا عزيز فأنتصر، ولكن لا إله إلا أنت، ما زال يقولها حتى مات. وعن أبي فراس مولى عبد الله بن عمرو أن عمرو بن العاص توفِّي ليلة الفطر، فغدا به عبد الله بن عمرو حتى إذا أبرز به وضعه في الجبانة، حتى انقطعت الأزقة من الناس، ثم صلى عليه ودفَنه، ثم صلى بالناس صلاة العيد، قال: أحسَب أن لم يبقَ أحد شهد العيد إلا صلى عليه. |
الأحاديث العوالي والمسلسلة من أسانيد الضياء المقدسي | محمود ثروت أبو الفضل | 22-06-2022 | 2,452 | https://www.alukah.net//culture/0/155626/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%8a-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%af%d8%b3%d9%8a/ | الأحاديث العوالي والمسلسلة من أسانيد الضياء المقدسي تحقيق نادر عمر بلطه جي صدر حديثًا كتاب "الأحاديث العوالي والمسلسلة من أسانيد الحافظ ضياء الدين المقدسي"، تقديم: الشيخ "محمد مطيع الحافظ"، تحقيق: "نادر عمر بلطه جي"، نشر: "دار المقتبس للنشر والتوزيع". وهذا الكتاب "الأحاديث العوالي والمسلسلة" من أسانيد الحافظ "ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي" - رحمه الله - احتوى على ما تفرق من أجزاء مخطوطة فيها أحاديث عوالي وموافقات ومسلسلات، وهي من محفوظات المكتبة الظاهرية ومن نوادر المخطوطات النفيسة وبعضها بخط الحافظ ضياء الدين نفسه. ويضم هذا التحقيق ستة أجزاء حديثية للحافظ ضياء الدين المقدسي: • الجزء الأول من الأحاديث المسلسلات. • جزء فيه عوالي الإسناد. • جزء فيه أحاديث عوال وحكايات وأشعار. • الموافقات العوالي تخريج الحافظ الضياء من مسموعاته على شيوخه. • جزء فيه من أحاديث صحيحة مما رواه مسلم بن الحجاج النيسابوري بين المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وبينه تسعة نفر. • سداسيات أبي القاسم زاهر بن طاهر الشحامي. و تعد مصنفات الضياء من الجودة الحديثية بمكان، بها سمت منزلته وعلت مكانته، وقد اشتهر الضياء المقدسي بغزارة التصنيف فكثيرًا ما أثنى العلماء على مصنفاته، قال الإمام الذهبي في "العبر": "انتفع الناس بتصانيفه والمحدثون بكتبه" وفي "تاريخ الإسلام" ذكر عشرة من مصنفاته ثم قال: "وله تصانيف كثيرة في أجزاء عديدة لا يحضرني ذكرها وله مجامع ومنتخبات كثيرة" وقال ابن كثير: "ألف كتبًا مفيدة كثيرة الفوائد" وقد ذكرت المصادر أن مصنفاته "بلغت 123 مصنفًا، بلغ عدد المطبوع منها 16 مصنفًا، والمخطوط 57 مصنفًا، والمفقود 50 مصنفًا". وقد سار الضياء على طريقة المحدثين في التأليف، فروى الأحاديث في كتابه بأسانيدها، وهو ما يسمى بالإخراج، لأن رواية الحديث مسندًا يبين مخرج الحديث أي الطريق التي أتى منه هذا الحديث وروي به. وهو يعد من آخر من روى الحديث، وصنفه على هذه الصفة من المحدثين، متفردًا بأحاديث لم يصححها غيره. ولقد أولى الضياء الإسناد ما يستحقه من العناية بطرق الحديث الواحد، وبين اختلاف الرواة واتفاقهم، وضمنه الكثير من الفوائد الإسنادية، وقد تنوعت طرقه في عرض الأسانيد، وتعددت، وكان له في روايتها عدة طرق مختارة. واحتفى كثير من الأئمة بمصنفات الضياء المقدسي، وأخذوا بها، ونوهوا بفضلها ومنهم ابن تيمية حيث ذكر أن: "تَصْحِيح الْحَافِظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيَّ فِي "مُخْتَارِهِ" خَيْرٌ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَاكِمِ فَكِتَابُهُ فِي هَذَا الْبَابِ خَيْرٌ مِنْ كِتَابِ الْحَاكِمِ بِلَا رَيْبٍ عند من يعرف الحديث، وتحسين الترمذي أحيانًا يكون مثل تصحيحه أو أرجح". وقال الحافظ ابن كثير في ترجمته لضياء الدين المقدسي: "... وألف كتبًا مفيدة حسنة كثيرة الفوائد، من ذلك كتاب "الأحكام" ولم يتمه، وكتاب "المختارة" وفيه علوم حسنة حديثية، وهي أجود من "مستدرك" الحاكم لو كمل". وقال السخاوي في شرح ألفية العراقي: "وكذا من مضان الحديث الصحيح "المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما" للضياء المقدسي، وهي أحسن من "المستدرك"". والمصنِّف هو الضياء المقدسي محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور، الشيخ الإمام الحافظ القدوة المحقق المجود الحجة بقية السلف ضياء الدين أبو عبد الله السعدي المقدسي الجماعيلي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي صاحب التصانيف والرحلة الواسعة. ولد سنة تسع وستين وخمس مئة بالدير المبارك وهو أحد الأحياء العريقة في مدينة دمشق، وتقع من جهة جبل قاسيون. ونشأ منذ صغره على طلب الحديث، فقد سمع وهو ابن سبع من العديد من المحدثين كأبي المعالي ابن صابر وغيره من العلماء في دمشق لازم الضياء المقدسي الحافظ عبد الغني، ونهل من علمه، فكان يشجعه على الطلب والرحلة، فبرع في علم الحديث الشريف حتى صار عظيم الشأن في الحفظ، ومعرفة الرجال، فكان المشار إليه في التعديل والتجريح والتصحيح والتضعيف. كتب الحافظ عن أقرانه وعمن دونه، ويقال أن الحافظ كتب على ما يزيد عن خمسمائة شيخ، وإنما يدل ذلك على غزارة علمه وتنوعه، ذلك أن الحافظ لما وجد نفسه قد استنفذ علم علماء بلده دمشق، وما جاورها، ذهب لأخذ العلم عن الآخرين. روى عنه خلق كثير، منهم: ابن نقطة، وابن النجار، وسيف الدين ابن المجد، وابن الأزهر الصريفيني، وزكي الدين البرزالي، ومجد الدين ابن الحلوانية، وشرف الدين ابن النابلسي، وابنا أخويه الشيخ فخر الدين علي بن البخاري، والشيخ شمس الدين محمد بن الكمال عبد الرحيم.. وغيرهم. قَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ فِيمَا قَرَأْتُ بِخَطِّهِ: سَأَلتُ زَكِيَّ الدِّيْنِ البِرْزَالِيَّ عَنْ شَيْخِنَا الضِّيَاءِ، فَقَالَ: "حَافِظٌ ثِقَةٌ، جَبَلٌ دَيِّنٌ، خَيِّرٌ". وَقَرَأْتُ بِخَطِّ إِسْمَاعِيْلَ المُؤَدِّبِ: أَنَّهُ سَمِعَ الشَّيْخَ عِزَّ الدِّيْنِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ العِزِّ يَقُوْلُ: "مَا جَاءَ بَعْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِثْلُ شَيْخِنَا الضِّيَاءِ، أَوْ كَمَا قَالَ". وَقَالَ الحَافِظُ شَرَفُ الدِّيْنِ يُوْسُفُ بنُ بَدْرٍ: "رَحِمَ اللهُ شَيْخَنَا ابْنَ عَبْدِ الوَاحِدِ، كَانَ عَظِيْمَ الشَّأْنِ فِي الحِفْظِ وَمَعْرِفَةِ الرِّجَالِ، هُوَ كَانَ المُشَارَ إِلَيْهِ فِي عِلْمِ صَحِيْحِ الحَدِيْثِ وَسَقِيْمِهِ، مَا رَأَتْ عَيْنِي مِثْلَهُ". وَقَالَ عُمَرُ بنُ الحَاجِبِ: "شَيْخُنَا الضِّيَاءُ شَيْخُ وَقتِهِ، وَنَسِيجُ وَحْدِهِ عِلْماً وَحِفْظاً وَثِقَةً وَدِيْناً، مِنَ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَدلَّ عَلَيْهِ مِثْلِي". ولم يزل الضياء المقدسي واهبًا نفسه للعلم والرواية والتأليف إلى أن مات. وتوفي سنة 643 هـ بدمشق. له العديد من المؤلفات النافعة من أهمها: "الأحاديث المختارة" ولم يتمه، خرَّج به أحاديث من مسموعاته، التزم فيه الصحة سوى ما في الصحيحين، فذكر فيه أحاديث لم يُسبق إلى تصحيحها، ولم يُتعقَّب عليه منها سوى أحاديث يسيرة جدًا، و"سير المقادسة" وهو كتاب في التاريخ، ترجم فيه لبعض العلماء المقادسة، وسُمي هذا الكتاب أيضًا "سبب هجرة المقادسة إلى دمشق" و"فضائل الأعمال" و"فضائل بيت المقدس". ومن أهم أعماله وآثاره المدرسة الضيائية (دار الحديث الضيائية) بناها الضياء نحو سنة 603هـ في صالحية دمشق بالقرب من الجامع المظفري (جامع الحنابلة) على أرض ورثها من أبيه، أنزل فيها المشتغلين بالحديث والفقه، ووقف عليها الكثير من الكتب النافعة والنادرة، إضافة إلى ما وقفه عدد من كبار العلماء فيها. |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الاستغراب - السماحة) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 22-06-2022 | 4,398 | https://www.alukah.net//culture/0/155624/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%ad%d8%a9/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستغراب - السماحة) ظهر سنة 1412هـ/ 1992م كتاب عن التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر، وترجمه إبراهيم العريس [1] ،وهو خمس مقالات على النحو الآتي: ♦ التسامح في اللغة العربية لسمير الخليل. ♦ التسامح كمثال أخلاقي لبيتر ب.نيكولسون. ♦ التسامح والحق في الحرية لتوماس بالمدوين. ♦ التسامح والمسؤولية الفكرية لكارل بوير. ♦ منابع التسامح لألفريد ج.آيير. يأتي هذا الكتاب في مسيرة الاستغراب التي جرى الحديث عنها في الوقفة السابقة؛ إذ إنه صدر عن سلسلة الفكر الغربي الحديث، إلا أن مقالاته الخمس المذكورة أعلاه لم تركز على الفكر الغربي الحديث، حيث يتحدث المؤلفون عن الفكر الغربي القديم تمهيدًا للحديث. الذي يطلع على مثل هذه الأطروحات يستطيع الربط المقارن بين ثقافته وثقافة الآخر ؛ إذ الملاحظ أنَّ طرح التسامح من منطلق غربي جعل من موروث الماضي الغربي معوقًا لمفهوم التسامح، بل إنه انطلق من مفهوم "الإباحية" مفهومًا جديدًا أو دخيلًا للتسامح، رغم أن بعض المؤلفين يحذر من الانطلاق غير المسؤول باسم التسامح، ويشدد على بقاء قدر من الرقابة الدينية والاجتماعية، بل والسياسية والسيادية المتسامحة على بعض المفهومات التي تنعكس على السلوكيات العامة والخاصة باسم التسامح، ومن ذلك الحفاظ على ما تعارف عليه المسلمون من الضرورات الخمس، وهي حفظ الدين والنفس والمال والعقل والنسل. ويتضح أن لهجة المقالات الثلاث الأخيرة ركزت على الرغبة في بث روح التسامح من خلال الانفراط من عقد الدِّين الذي يدين به الكتَّاب الأربعة؛ لاتهامهم رجال الدين بالتأثير السلبي على مفهوم التسامح. ويغوص المؤلفون الأربعة - كل حسب أسلوبه وطريقته - في هذا المجال ليقدموا رؤية شخصية للتسامح، جديرة بالتوقف عندها؛ لمعرفة مدى محدودية عقل ابن آدم في النظر إلى القضايا الكبرى التي تحكم الوجود البشري في تعامله مع ذاته ومع خالقه، بما في ذلك محاولات فلتير وميل ولوك حول التسامح والحرية الطبيعية، ومدى الارتباط بين التسامح والحرية وحدود التسامح، بل ومفهوم التسامح بناءً على معطيات ثقافية [2] . وعليه، فإن هناك مصطلحات متشابهة أو مشتركة بين ثقافات عدة، لكنها تختلف باختلاف الثقافة نفسها عن غيرها،ومن ذلك مصطلحات التسامح والحرية والأصولية والإرهاب [3] ، التي لم يستقر على مفهوماتها، وإن كثر ترديدها،ومن ذلك أن مفهوم التسامح في الإسلام أكثر من مفهومه في الثقافات الأخرى [4] ، مما يعني أن استخدام المصطلح "التسامح" في الفكر العربي فيه إجحاف بالمفهوم الأعمق من مجرد التسامح إلى السماحة المتمثلة في حسن الخلق، كما يحقق الإمام أبو حامد الغزالي [5] ،ولن تتأتى معرفة الفروقات إلا بمعرفة ثقافة الآخر [6] ،ومن هنا يأتي مصطلح الاستغراب الذي يسعى إلى معرفة ما لدى الغرب والتعريف به. ولم ينل هذا المصطلح "الاستغراب" العناية التي يستحقها، وظل جانب معرفة الآخر قاصرًا لدى جمع من المثقفين الذين يرغبون في توسيع آفاقهم، وفتح مجالات للحوار بين الثقافات. [1] انظر: سمير الخليل، وآخرون ، التسامح بين شرق وغرب: دراسات في النقاش والقبول بالآخر/ ترجمة إبراهيم العريس - بيروت: دار الساقي، سنة 1992م/ 1412هـ - ص 128. [2] انظر: سمير الخليل، وآخرون ، التسامح بين شرق وغرب - المرجع السابق - ص 128. [3] انظر: أسامة خليل ، الإسلام والأصولية التاريخية: الأصولية بمعنى آخر - باريس: مركز الدراسات العربي الأوروبي، 2000م - ص 208. [4] انظر: علي بن إبراهيم النملة ، إشكالية المصطلح في الفكر العربي - الرياض: المؤلف، 1431هـ/ 2010 . [5] انظر: أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين - 3 مج - بيروت: دار المعرفة، 1402هـ/ 1982م - 3: 70. [6] انظر: ديفيد لانداو ، الأصولية اليهودية: العقيدة والقوة/ ترجمة: مجدي عبدالكريم - القاهرة: مكتبة مدبولي، 1414هـ/ 1994م - 416. |
تأثيرات الكوارث البيئية على الأمن الغذائي في إفريقيا: رؤية مستقبلية | شوقي صلاح أحمد إسماعيل | 21-06-2022 | 4,079 | https://www.alukah.net//culture/0/155607/%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%83%d9%88%d8%a7%d8%b1%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d8%a6%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b0%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d9%81%d8%b1%d9%8a%d9%82%d9%8a%d8%a7-%d8%b1%d8%a4%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84%d9%8a%d8%a9/ | تأثيرات الكوارث البيئية على الأمن الغذائي في إفريقيا، رؤية مستقبلية Shawgei Salah Ahmed مركز ركائز المعرفة للدراسات والبحوث – الخرطوم – السودان Abstract: Natural disasters in Africa have a great impact on sustainable development in general, on agriculture and food production in particular, through direct change in the quality and quantity of agricultural crops that have been cultivated in Africa, because of climate changes have threatened the pillars of agriculture in all African region, trees not produces fruits as before, and the soil has been affected by long droughts and floods seasons, which led to threat the food security to large numbers of people in Africa. This paper presents environmental disasters in Africa as a problem that threatens food security, showing the previous research that dealt with the problems, the new in this paper is to make an overview of the effects of environmental disasters on food security in Africa by analyzing the impact of natural disasters on food production affecting the human cadre. taking into account the ability of the soil to produce food, the impact of environmental disasters on the infrastructure of agriculture, such as dams and water resourses. The paper proposed many solutions to face the impacts of environmental disasters on food security by working on the use of modern technology in agriculture , changing the types and strains of crops to confront climate change. concerting efforts with the continental and global decision to combat the impact of natural disasters on food security, concluded with a summary and recommendations in order to gain knowledge that leads to action. Keyword :Fighting hunger, food security, Africa, environmental disasters, sustainable development, Agenda of Africa in 2063. المقدمة: إرساء دعائم التنمية المستدامة يحتاج إلى ركيزتين لا غِنى عنهما، يتمثلان في توفير الأمن الغذائي، ومكافحة الجوع، من حيث التوفير الكمي للغذاء، والنوعي؛ لتلافي سوء التغذية، ونقص المواد الأساسية لبقاء الإنسان على قيد الحياة، بالإضافة إلى تأمين إمكانية الوصول إليه من مناطق الإنتاج إلى جهات الاستهلاك، من خلال تيسير إمكانية الوصول إلى الغذاء بطرق آمنة ويسيرة، والعمل على استقرار الإمدادات الغذائية من حيث السعر والجودة والاستمرارية، بالإضافة إلى نشر التوعية بأهمية أخذ الغذاء المتوازن من غير إفراط أو تفريط، والجدير بالذكر أن العدد المطلق للجوعى والمصابين بسوء التغذية قد ازداد إلى قرابة 821 مليون شخص عام 2017، بعد أن بلغ حوالي 804 ملايين شخص عام 2016 ، وتشهد السِّمنة بين صفوف البالغين تزايدًا هي الأخرى ؛ ففي عام 2017، كان واحد من بين كل ثمانية بالغين - أو ما يزيد على 672 مليون شخص - يعاني من السمنة [1] . وكل يوم يمر تزداد المشكلة تعقيدًا، هناك 831 مليون شخص – واحد من بين كل تسعة أشخاص – ينامون كل ليلة وهم جائعون، وبعد ما يقرب من عَقْدٍ من التقدم، يتزايد عدد الجوعى زيادة بطيئة؛ بسبب الأزمتين المتلازمتين؛ وهما: النزاعات، وتغير المناخ، يعاني فرد من بين كل ثلاثة أشخاص من شكل من أشكال سوء التغذية، وفقًا لآخر تقرير لحالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم لعام 2019 [2] . مما سبق يتضح لنا أن المفهوم الشامل للأمن الغذائي يتطلب تضافر الجهود من أجل إيجاد رؤية متكاملة لتوفير الغذاء وضمان استعماله باتزان وإيجابية، مع العلم أن كل هذه العناصر جميعًا مهددة بشكل كبير جدًّا بسبب الكوارث الطبيعية التي تحُدُّ من إنتاج الغذاء، وذلك بتدمير مناطق الإنتاج والاستهلاك، تهدد كل العمليات المتعلقة بالأمن الغذائي للقارة الإفريقية، من حيث الإنتاج والتصدير، والحفاظ على جودة الغذاء، وجعله في متناول الجميع من حيث الأسعار، وقد رصدت الدراسات والبحوث في هذا المجال مقدارَ الخسائر المادية والبشرية للكوارث الطبيعية في الفترة ما بين 1998 و2017، أسفرت الكوارث المناخية والجيوفيزيائية عن مقتل 1.3 مليون شخص، مخلِّفة 4.4 مليار آخرين ما بين كونهم مصابين أو مشرَّدين، أو دون مأوى، أو بحاجة إلى مساعدات طارئة، وقُدِّرت الخسائر الاقتصادية المباشرة بنحو 3 تريليون دولار أمريكي، نتجت نسبة 33% منها عن الكوارث المناخية [3] . الكوارث الطبيعية في إفريقيا، الصورة الكاملة: من حيث النظرية، يمكن تعريف الكارثة حسب المنظمة الأمريكية لمهندسي السلامة: التحوُّل المفاجئ غير المتوقع في أسلوب الحياة العادية؛ بسبب ظواهر طبيعية، أو من فعل إنسان، تتسبب في العديد من الإصابات والوفيَاتِ، أو الخسائر المادية الكبيرة [4] ، وهذه الخسائر الكبيرة في الموارد المادية يمكن تعويضها بطريقة أو بأخرى، لكن الخسائر في الموراد البشرية لا يمكن تعويضها، وقُدرت الخسائر البشرية الناتجة عن الكوارث البيئية إلى ٣.٣ ملايين شخص حول العالم ما بين الفترة ١٩٧٠ و٢٠١٠، أما بالنسبة للخسائر الاقتصادية، فقد قدرت عام ٢٠١١ بـ ٣٧٠ بليون دولار، وهي من أعلى نسب الخسائر الاقتصادية حتى الآن [5] ، الجدول التالي يوضح حجم الخسائر في الموارد البشرية في القارة الإفريقية. جدول رقم 1: يوضح ترتيب الكوارث الطبيعية في إفريقيا حسب الوفيَات في الفترة (1970-2009). م نوع الكارثة السنة الدولة عدد الوفيات 1 جفاف 1983 إثيوبيا 300 000 2 جفاف 1984 السودان 150 000 3 جفاف 1975 إثيوبيا 100 000 4 جفاف 1983 موزمبيق 100 000 5 جفاف 1975 الصومال 19 000 المصدر: Reducing and Managing Risks of Disasters in a Changing Climate,on https:/ / public.wmo.int/ en/ bulletin/ reducing-and-managing-risks-disasters-changing-climate , retched in 17*9/ 2020. 3- تأثيرات الكوارث الطبيعية على الأمن الغذائي في إفريقيا: تعرف الكوارث بأنها: اضطراب خطير في وظائف المجتمع تنتج عنه خسائر اقتصادية، أو بيئية، أو بشرية، أو مادية، على نطاق يتجاوز قدرة المجتمع المتضرر على مواجهتها بالاعتماد على موارده الذاتية [6] ، من التعريف يتضح لنا مسارات التأثير على الأمن الغذائي من حيث تدمير البنية البشرية كمورد أساسي لا يمكن تعويضه، بالإضافة إلى التأثيرات المباشرة وغير المباشرة على الاقتصاد والبيئة المحيطة بالمجتمعات المحلية، التي تتأثر تأثيرًا مدمِّرًا؛ لهشاشة الوضع في الدول الأكثر فقرًا في القارة الإفريقية، وكل المؤشرات تدل على زيادة حدة الكوارث الطبيعية في الفترة المقبلة، وسيزيد تغير المناخ من حدة الكوارث المتصلة بالطقس التي تؤثر بالفعل تأثيرات مدمرة على الناس، وعلـى تمـتُّعهم بالحق في الحياة، لا سيما في العالم النامي، وعلى سبيل المثال تفيد التقديرات بأن ٢٦٢ مليون شخص تـأثروا بكـوارث المناخ سنويًّا، خلال الفترة ما بين عامي ٢٠٠٠، و٢٠٠٤، ويعيش أكثر من ٩٨ % في بلدان نامية [7] ، وفيما يلي أبرز التأثيرات المباشرة للكوارث الطبيعية على الأمن الغذائي في القارة الإفريقية:- 1.3.التأثير على إنتاج الغذاء:- أكبر تأثير وأخطره يتمثل في تهديد العمليات الزراعية، وخاصة الزراعة المرتبطة بإنتاج الغذاء والمحاصيل الأساسية في التغذية؛ من الأرز والقمح والذرة بأنواعها المختلفة، والجدير بالذكر أن قطاع الزراعة يتحمَّل 23 % من جميع الأضرار والخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وتزيد هذه النسبة إلى 80 % في حالة الجفاف، موضحة أنه بين الأعوام 2005 و2015 كانت خسائر الإنتاج الناجمة عن الكوارث في العديد من الدول الإفريقية، خاصة وسط وجنوب إفريقيا هائلة؛ إذ شكلت 12 % من إنتاج المحاصيل والمنتجات الحيوانية خلال السنوات التي وقعت فيها الكوارث [8] ، ويتضح ذلك في الجدول رقم 1 الذي يعرض الكوارث الخمسة الكبرى في القارة الإفريقية من حيث الفتك بالبشر؛ كانت نتيجة للجفاف، ونقص الماء للمزروعات والمواشي؛ مما فاقم تهديد الأمن الغذائي. 2.3.التأثير على قدرة التربة على إنتاج الغذاء: تتعرض حوالي %25 من إجمالي مساحة الأراضي في العالم للتصحر؛ أي: ما يعادل 3.6 مليار هكتار، فكل عام تفقد حوالي 12 مليون هكتار من الأراضي المنتِجة خصوبتَها، وتصبح غير صالحة للزراعة بسبب التصحر والجفاف، ويكلِّف التصحر المتأثِّر جراءه أكثر من مليار شخص - زهاء 42 مليار دولار كخسارة في المداخيل [9] ، ضياع التربة بعوامل التعرية أو عدم قدرتها على إنبات المحاصيل تعد مهددًا كبيرًا جدًّا للأمن الغذائي الإفريقي، على الرغم من أن المشكلة عالمية؛ فالجنس البشري الآن يشهد اليوم تدهورًا غير مسبوق في الأراضي، إذ يتم فقدان الأراضي الصالحة للزراعة بمعدل يتراوح بين 30 و35 ضعف المعدل التاريخي، كما أن الجفاف والتصحر آخذان في الازدياد كل عام، بما ينتج عنه خسارة 12 مليون هكتار، تؤثر بشكل كبير على المجتمعات الفقيرة على الصعيد العالمي، ومن بين 8300 سلالة حيوانية معروفة، انقرضت بالفعل 8 في المائة منها، بينما تواجه 22 في المائة منها كذلك خطر الانقراض [10] ، ولمعرفة مقدار الخطر المهدِّد للبشرية لنا أن نحلل الأرقام في الجدول رقم 2 لمعرفة مقدار الفقد في التربة لبعض الدول الإفريقية [11] . وهنالك عوامل أخرى تؤثر على إنتاجية التربة من المحاصيل بالإضافة إلى العوامل الطبيعية؛ متمثلة في ممارسات إدارة الأراضي التي تؤدي إلى تعرية التربة وتشبعها بالمياه، والتملُّح (تراكم الأملاح)، وفقدان التربة للمغذيات، والرعي الجائر، والإفراط في الري، واستخدام الأسمدة غير العضوية بكميات زائدة أو شحيحة، والحرث، وإصلاح التربة بالطرق الميكانيكية [12] ، فهي مسألة معقدة متداخلة بفعل العوامل الطبيعية، والممارسات الخاطئة من الإنسان. جدول رقم 2: يوضح تدهور التربة الناجم عن التعرية بسبب الرياح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (1000 هكتار):- م الدولة المساحة 1 الجزائر 12,000 2 مصر 1,400 3 ليبيا 24,000 4 المغرب 600 5 السودان 71,000 6 تونس 4,000 المجموع 113,000 المصدر: تقرير منظمة التعاون الإسلامي حول البيئة 2019، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، 2019، ص 30. 3.3.التأثيرات الاقتصادية في إنتاج الغذاء: هنالك تأثيرات متبادلة وعميقة بين العوامل الاقتصادية والبيئية على الزراعة، على الرغم من أن العديد من اقتصاديات العالم تعتمد بصفة رئيسية على قطاعات رهينة بالظروف المناخية، كالزارعة والصيد البحري واستغلال الغابات وباقي الموارد الطبيعية والسياحة، حتى إن موارد الطاقة - كالبترول وغيرها - التي تعتبر شِريانَ الاقتصاد معرَّضة وبشدة إلى التأثر بسبب التغيرات المناخية، وتؤثر التغيرات المناخية على حياة الإنسان، وقدرته على الاستمرار في الحياة [13] ، لكن بشكل عام، تعتبر التغيرات المناخية من أهم التهديدات للتنمية المستدامة على الدول الفقيرة، أكثر منه على الدول الغنية، بالرغم من كونها لا تساهم بنسبة كبيرة من إجمالي انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، ويعود ذلك إلى هشاشة اقتصاديات هذه الدول في مواجهة تداعيات التغيرات المناخية [14] . وعلى السياسات الاقتصادية أن تضع اعتبارًا للتأثيرات الزراعية على البيئة والإنسان، فهي تمتص الصدمات البيئية والاقتصادية، وتضمن أن يحصل الناس المتأثرون بالنزاع على الغذاء وسُبُل المعيشة، خلال وبعد الكوارث، وبناء الصمود مع مرور الوقت [15] . 4.3.التأثير على البنية التحتية لإنتاج الغذاء: تسهم المناطق المرويَّة بنسبة 40% من الزيادة العالمية في إنتاج الأغذية، وبحلول عام 2050، من المتوقع أن تتسع مساحة الأراضي المرويَّة بنسبة 6% عن مستويات عام 2009، ما يستدعي زيادة كميات المياه التي تُسحَب لأغراض الزراعة بنسبة 10% عن المستويات الحالية [16] ، والزراعة المروية تعتمد بشكل أساسي على البُنى التحتية الداعمة لنُظُمِ الريِّ من سدود وآليات ميكانيكية وطلمبات ضخٍّ، التي تتأثر بشكل مباشر بالكوارث الطبيعية، ما يؤدي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى نقص الكميات المزروعة، أو توقف الزراعة بشكل تام، خاصة في حالات الفيضانات والأعاصير. لذلك يجب الاحتياط لأهمية هذه البنى التحتية من خلال إجراءات ما قبل الكوارث وأثناءها وبعدها، وتشمل إجراءات الاستعداد الواجب اتخاذها قبل وقوع كارثة، من حيث تقييم المخاطر، تدابير التخفيف من أخطار محددة، والوقاية منها، أما الاستعدادات لحالات الطوارئ التي ينبغي اتخاذها قبل وقوع كارثة، فتشمل إجراءات مثل إنشاء فريق للطوارئ، وضع خطة وتحديد إجراءات الإجلاء، تركيب أنظمة إنذار مبكر، وضع خطط دورية للتدريب [17] . 4- الرؤية المستقبلية للحلول: أولى خطوات الحلول المستقبلية هو الإقرار من قِبل صُنَّاع القرار بحق الإنسان والمجتمعات المحلية في العيش بأمان من أي تهديد طبيعي أو مصطنع، وهذا ما تقره جميع الأديان، تُقرُّ جميـع هيئـات ومعاهدات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بالصفة الجوهرية بين البيئة وإعمال طائفة من حقوق الإنسان؛ مثل: الحق في الحياة، وفي الصحة، وفي الغذاء، وفي الماء، وفي السكن [18] ، على المستوى الأساسي، أما على مستوى الحكومات والمؤسسات، فيجب أن نضع محاورَ أخرى للحل؛ ووضع الحدِّ من مخاطر الكوارث في مقدمة جهودنا للحفاظ على توازن الطبيعة وحمايتها، وضمان التنمية والسلامة المستدامة للأجيال القادمة من خلال "دعم الحكومات المحلية والهيئات الفاعلة غير الخاصة بالدولة كخط أمامي لتنفيذ الحد من مخاطر الكوارث، واستمداد الإمكانيات غير المستغَلَّة للهيئات الفاعلة المحلية والبناء على دور المرأة كعامل للتغيير، وإشراك الأطفال والشباب في قرارات الحد من مخاطر الكوارث التي تؤثر على مستقبلهم كطريقة عملية لضمان العمل المحلي المؤثر، وإشراك القطاع الخاص بشكل كامل كقادة في بناء البنية التحتية المرنة، والتنمية المستدامة للمناطق الحضرية، وأمان الطاقة، وحماية الموارد الهامة" [19] ، بالإضافة إلى بعض الحلول الإضافية بشكل تركيزي؛ تتمثل في:- 1.4.تغيير أنواع المحاصيل لأنواع جديدة: نتيجة للكوارث الطبيعية المتكررة، والتغيير المتطرف للمناخ، فإن الغطاء النباتي في العالم وفي إفريقيا بشكل خاص - يحتاج إلى تغيير في أنماط زراعة المحاصيل، ومن المتوقع أن تختفي بعض المحاصيل الزراعية من جميع أنحاء العالم ما لم تستحدث أنواع جديدة منها، وقالت دراسة: إن درجة حرارة الأرض ترتفع بسرعة تفُوقُ قدرة المحاصيل الزراعية على التكيف معها، وتبين لباحثين في إفريقيا أن إيجاد نوع جديد من الذرة قد يستغرق ما بين عشر سنوات إلى 30 سنة [20] ، في الجزائر – مثلًا - لاحظنا الأمر على الكثير من الأشجار المثمرة، خاصة على أشجار الخوخ والكروم، بحيث أصبحت تزهر مبكرًا، ثم يحدث لها بعد ذلك ما يمكن أن نسميه إجهاضًا؛ حيث تتساقط هذه الأزهار ولا يكون هناك إثمار [21] . ولمواجهة المناخ المتغير، لا بد من التوسع في إكثار أصناف تقاوي المحاصيل الحقلية الجديدة، التي من شأنها تقليل استهلاك المياه المستخدمة في الري، وتعطي إنتاجية عالية، ومقاومة للأمراض، وتتأقلم مع الظروف المائية والمناخ المتغير المختلفة، كذلك قصيرة العمر في التربة، تحقق كفاءة عالية في استخدام مياه الري، وترشيدًا كبيرًا في الاستهلاك، مما يوفر كميات من المياه يمكن أن تستخدم في زراعة وإنتاج محاصيل أخرى، باعتبار تلك المحاصيل مبكرة النضج وعالية الإنتاجية، مما يساهم في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة، والأمن الغذائي [22] . 2.4.تغير طرق الزراعة على ضفاف الأنهار: لمواجهة تحديات زيادة السكان والتغير المناخي، وزيادة الكوارث الطبيعية التي تضرب القارة الإفريقية، ينبغي زيادة الإنتاج الزراعي للمحاصيل، والإنتاج الحيواني، ومصايد الأسماك، وتربية الأحياء المائية بنسبة قدرها 60 % تقريبًا بحلول عام 2050 من أجل إطعام سكان العالم المتزايدين، وبالتوازي مع ذلك، فمن المتوقع أن يؤدي تغير المناخ إلى تخفيض غلات المحاصيل الغذائية الأساسية، وما لم تُتَّخذ إجراءات عاجلة ومتضافرة للتصدي لتغير المناخ، تشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2100 قد تنخفض غلات الذرة بنسبة 45-20 %، وغلات القمح بنسبة 50-5%، وغلات الأرز بنسبة 30-20%، وغلات فول الصويا بنسبة 60-30 % [23] ، وأهم التغييرات المطلوبة هي اتباع طرق جديدة في الإنتاج الزراعي والحيواني؛ مثل:- 1.2.4.المزارع المتكاملة للإنتاج الزراعي والحيواني: الفكرة الأساسية للمزارع المتكاملة هي الدمج بين إنتاج الزراعة الحيواني لتحقيق أكبر قدر ممكن من تنوع المواد الغذائية المنتجة من أجل تحقيق المفهوم الشامل للأمن الغذائي، وتفادي قضية سوء التغذية بالاعتماد على نوع واحد من المنتجات الزراعية أو الحيوانية، فعلى سبيل المثال، المزارع المتكاملة المنتجة للتمور والأعلاف، والإنتاج الحيواني على حد سواء، وتطبيق مثل هذه الممارسات يحقق الوصول للاكتفاء الذاتي؛ ما يعود إيجابًا على أصحاب المزارع في العمل الدائم من أجل المحافظة على معدل الاكتفاء الذاتي أو زيادته، كما ينتج عن ذلك بيئة صحية لكل من التربة الزراعية والثروة الحيوانية، بتغذية الحيوانات وعلفها من فائض الإنتاج الزراعي، واستخدام الروث في تسميد الأرض بشكل مجاني [24] . إن تطبيق فكرة المزارع المتكاملة يسهم في المحافظة على الموارد الطبيعية، وخاصة المياه، وتحقيق الاستدامة البيئية، واستغلال المزرعة كنموذج متكامل في الأنشطة الزراعية النباتية والحيوانية، وتحقيق قدرة تنافسية للمنتج الوطني في الأسواق، إلى جانب الإسهام في الأمن الغذائي، والهدف من وراء هذه الفكرة تشجيع أصحاب المزارع على استغلال الزراعة استغلالًا كاملًا، بدلًا من الإنتاج النباتي، وتنمية الثروة الحيوانية، مرورًا بتدوير المخلفات النباتية والحيوانية، وإنتاج الأسمدة العضوية [25] ، ويمثل حلًّا عمليًّا خاصة للدول التي تعاني من ندرة في الموارد المائية، وتقل عندها المساحات المزروعة، ويمكن للقارة الإفريقية تطوير المزارع التقليدية إلى مزارع متكاملة، تنتج المحاصيل الزراعية والمنتجات الحيوانية، وتكون المحصلة النهائية وفرة في المنتج، وإزالة للفقر بتشغيل أعداد كبيرة من الشباب، وتحقيق الهدف الكبير في الوصول إلى صفر جوعي في القارة الإفريقية. 2.2.4.المزارع الذكية: المزارع الذكية مفهوم مختلف عن المزارع المتكاملة، فالمزارع الذكية نعني بها إدخال الوسائل التقنية الحديثة لإنتاج أكبر قدر من المحاصيل، وتقليل التكلفة إلى أدنى مستوى ممكن، وتهدف الزراعة الذكية مناخيًّا إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية؛ هي: زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل، والتكيف مع تغير المناخ وبناء القدرة على الصمود، والحد من/ أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، كلما كان ذلك ممكنًا [26] . على سبيل المثال: يمكن استخدام الطائرات المسيرة في عمليات الزراعية المختلفة، فمن المتوقع أن يصل سوق الطائرات بدون طيار في الزراعة إلى 480 مليون دولار بحلول عام 2027، فإن استخدامها توسَّع بشكل كبير في الأعوام المنصرمة؛ إذ يمكن استخدامها للمراقبة ورشِّ المبيدات وتلقيح الأشجار [27] ، ويمكن أيضًا استخدام الزراعة الرأسية التي تعرف بأنها ممارسة زراعة المنتجات مكدَّسة، واحدة فوق الأخرى في بيئة مغلقة، وغالبًا يرتبط هذا النوع من النمو بالزراعة في المدن والحضر؛ نظرًا لقدرته على الازدهار في مساحة محدودة، وهي فريدة من نوعها؛ حيث إن النباتات لا تتطلب تربة، فمعظمها من النباتات المائية؛ حيث يتم رشُّ جذورِ النباتات بانتظام بالماء والمواد الغذائية [28] ، ويدخل في مفهوم الزراعة الذكية أيضًا زراعةُ المحاصيل المكثفة، التي تشير إلى ميكنة الإنتاج للمحاصيل ، طرق زراعة المحاصيل المكثفة تتضمن إدخال الآلات الزراعية ، طرق الزراعة، تقنيات الهندسة الحيوية ، تقنيات لأجل تحقيق اقتصاد الحجم في الإنتاج، صنع أسواق جديدة للاستهلاك، حماية براءات الاختراع للمعلومات الجنينة، والتجارة العالمية [29] . 3.4.عمل مستوعبات مائية في مناطق جديدة قابلة للزراعة: تعتمد فكرة إنشاء المستوعبات المائية بطريقة أساسية على إعادة توطين المجتمعات المحلية المتضررة بشكل متكرر من الكوارث الطبيعية، نسبة لوجودهم في مجاري الفيضانات والسيول، ونقلهم إلى الأراضي الأخرى التي يجري استصلاحها زراعيًّا، عبر شق الترع والقنوات المائية، أو البحيرات الصناعية من أجل دمجهم مرة أخرى في العملية الإنتاجية، هذه الشريحة تضمن أعدادًا كبيرة من البشر، فقد يتـشرد ١٥٠ مليـون نـسمة بحلـول عام 2050 م بسبب الظواهر المتعلقة بتغير المناخ؛ مثل: التصحر، وزيادة ندرة المياه، والفيضانات والعواصف، ويتوقع أن يتم التشريد الناجم عن تغير المناخ أساسًا داخل البُلدان، وأن يؤثر في المقام الأول في أفقر المناطق والبلدان [30] . 4.4.إدخال مزيد من السكان في الأنشطة المتعلقة بالزراعة: القطاع الزراعي يعتبر من القطاعات الكبرى التي تشغل القوة العاملة، لذلك تؤثر الكوارث الطبيعية بشكل واسع على هؤلاء الناس، ويؤدي أي مؤثر على القطاع الزراعي إلى هِزَّات اقتصادية كبيرة جدًّا، وأي معوق للزراعة يعد مشكلة عالمية، خاصة في مناطق الأراضي الجافة التي يُخصص ربعها للزراعة، أضف إلى ذلك أن الأراضي الجافة تكفل أكثر من 30% من سكان العالم [31] ، وتفيـد تقديرات بأن ٦٠٠ مليون شخص إضافي سيواجهون سوء التغذية بسبب تغير المناخ الذي سيكون له تـأثير سـلبي خاص على بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، فالفقراء الذين يعيشون في بلدان نامية معرَّضون بصفة خاصة للتأثر بحكم اعتمادهم المفرط في غذائهم وأرزاقهم على مواردَ تتأثر بالمناخ [32] . لذلك يكمن الحل في التنمية الزراعية، فهي أقوى الأدوات لإنهاء الفقر المدقِع، وتعزيز الرخاء المشترك، وإطعام سكان العالم المتوقع أن يبلغ عددهم 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050 م، وتزيد فاعلية النمو في القطاع الزراعي بواقع مرتين إلى أربع مرات عن القطاعات الأخرى من حيث زيادة مستوى الدخل فيما بين الفئات الأشدِّ فقرًا [33] ، بالإضافة لعمل كل السياسات اللازمة من أجل إدخال شريحة الشباب في الجهود التقنية لدعم الأنشطة الزراعية، من خلال وضع إطار إستراتيجي يتمركز على أربعة محاور رئيسية؛ وهي الإلهام، والتواصل، والتنوع البيولوجي، وريادة الأعمال، لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات المتعلقة بالأمن الغذائي، والبيئات الهامشية، وذلك من خلال تعاون الشباب مع أصحاب المصلحة المعنيِّين، ومنهم المزارعون ورجال الأعمال وصُنَّاع السياسات [34] . 5.4.تكامل الأدوار مع جهود الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي: هذا التكامل يتطلب ربط الجهود الوطنية والمحلية مع جهود المنظمات العالمية في هذا الصدد؛ مثل: الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث؛ فهي استراتيجية عالمية بتفويض من الأمم المتحدة لإشراك نطاق كبير من الجهات الفاعلة في جهد منسَّق؛ للحد من مخاطر الكوارث، ولبناء "ثقافة وقاية" في المجتمع، كجزء من التنمية المستديمة، تقوم UNISDR بدور جهة الاتصال في منظومة الأمم المتحدة لتنسيق الحد من الكوارث، علاوة على ضمان أن يصبح الحد من مخاطر الكوارث جزءًا متكاملًا من التنمية السليمة والعادلة، والحماية البيئية، والعمل الإنساني [35] ، بالإضافة إلى جهود المنظمة في الأغذية والزراعة التي تدعمها منظمة الأغذية والزراعة؛ لتنفيذ المتسق لإطار سنداي للحد من مخاطر الكوارث 2015، واتفاق باريس، وخطة التنمية المستدامة لعام 2030، من بين الجهود ذات الصلة بسياسات الحد من مخاطر الكوارث وحوكمتها، وتعميم سياسات الحد من مخاطر الكوارث في خطط التنمية الزراعية، وتعزيز إمكانات رصد أثر الكوارث في الزراعة، وتعزيز الاتساق بين الحد من مخاطر الكوارث وعمليات التكيف مع تغير المناخ [36] . بالإضافة إلى تضافر جهود من آليات تعاونية، تشمل في المقام الأول المنتدى العالمي للحد من مخاطر الكوارث الذي يُقام كل سنتين، والذي من خلاله تتفاعل الحكومات، والمنظمات الدولية الحكومية، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات المالية الدولية، والمؤسسات والشبكات الفنية، ومنظمات المجتمع المدني، وتتبادل المعلومات وتتعاون على تنفيذ برامج الحد من المخاطر وأنشطته [37] . 6.4.العمل على وقف الحروب والنزاعات: تعتبر الحروب والنزاعات من أكبر المهدِّدات للأمن الغذائي في العالم وإفريقيا، ففي 2017 عانى 74 مليون شخص في 18 بلدًا أو منطقة متأثرة بالنزاعات من انعدام الأمن الغذائي، منها 15 بلدًا في إفريقيا والمنطقة العربية؛ حيث بلغ إجمالي من يعانون من انعدام الأمن الغذائي فيها 64 مليون شخص، وفي الوقت الحالي، فإن خمسًا من الدول التي تعاني من أعلى معدلات انعدام الأمن الغذائي الحاد تقع في إفريقيا والمنطقة العربية [38] ؛ نتيجة لاستمرار النزاعات المسلحة، فيتعذر الاستقرار للمجتمعات العاملة في القطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، ففي كثير من الصراعات في القارة الإفريقية يتم تدمير وسرقة المحاصيل الزراعية وقطعان الماشية، وفي بعض الأحيان قتل المزارعين والتدمير المتعمد للمزارع كجزء من الإستراتيجية القتالية للمتصارعين، مما ينتج عنه في المحصلة النهائية خسارة كبيرة لكل الأطراف المتنازعة على المدى الطويل، يتمثل في عدم توفر الأمن الغذائي للغالب والمغلوب، لذلك إسكات صوت البنادق يعتبر الخطوة الأولى نحو الأمن الغذائي بشكل أساسي وضروري. 5- الخلاصة: من خلال النقاط التي طرحتها الورقة يتضح لنا الأهمية دراسة التأثيرات المتداخلة للكوارث الطبيعية على الأمن الغذائي في إفريقيا، من حيث كمية ونوعية الغذاء المنتج، والآليات الكفيلة لاستقرار الإمدادات من حيث الكمية والسعر المناسب مع السكان، ومن خلال الحيثيات السابقة توصل الباحث إلى التوصيات التالية: 1.5. التوصية الأولى: التأكيد على أهمية تبنِّي الحلول المطروحة في الورقة من أجل التخفيف من وطأة تأثير الكوارث الطبيعية على الأمن الغذائي، والعمل على تبني سياسات وقائية واستباقية عبر وضع خطط بديلة في حال وقوع الكوارث في المناطق التي يُعتمَد عليها في إنتاج الغذاء لبعض الدول الإفريقية بشكل أساسي. 2.5.التوصية الثانية: تدريب وتأهيل صناع القرار وقيادات العمل الطوعي، وقيادات المجتمع المدني، والقيادات المجتمعية المحلية، على جميع مستويات الحكم في مجالات الإنتاج الزراعي المستدام؛ من أجل تحقيق بقية أهداف التنمية المستدامة، وتبصيرهم بالعلاقات المتشابكة بين الكوارث الطبيعية، وتعطيل الإنتاج الزراعي والحيواني في مجتمعاتهم المحلية، وكيفية الاستجابة المبكرة للكارثة، والتعافي المبكر من آثارها. 3.5. التوصية الثالثة: إنشاء آليات حكومية للتدخل السريع يكون ذات طابع مدني وعسكري، تتكون من كفاءات في المجالات ذات الصلة بالكوارث الطبيعية ذات الطبيعة المدمرة المؤثرة بشكل مباشر على إنتاج الغذاء من أجل المساعدة في تخفيف آثار الكارثة، ومساعدة صغار المنتجين للعودة إلى دائرة الإنتاج، والعمل على جاهزية هذه القوة، خاصة في الدول ذات الطبيعة المتكررة للكوارث. [1] الزراعة والأمن الغذائي، على موقع البنك الدولي، https:/ / www.albankaldawli.org/ ar ، تاريخ الوصول 18/ 9/ 2020م. [2] بعض الحقائق والأرقام عن عمل برنامج الأغذية العالمي، على موقع https:/ / ar.wfp.org ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م. [3] بوابة دعم السياسات والحوكمة، الحد من مخاطر الكوارث، على موقع منظمة الزراعة العالمية http:/ / www.fao.org ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م [4] كارثة طبيعية، على موقع الوكبيديا، https:/ / ar.wikipedia.org ، تاريخ الوصول 25/ 8/ 2020 م. [5] The World Bank. 2014. Natural disasters in the Middle East and North Africa: A regional overview. The International Bank for reconstruction and development. http:/ / documents.worldbank.org/ curated/ en/ 211811468106752534/ pdf/ 816580WP0REPLA0140same0box00PUBLIC0.pdf [6] UNISDR. 2002. Terminology of Disaster Risk Reduction. Geneva, United Nations International Strategy for Disaster Reduction.http:/ / www.unisdr.org/ eng/ library/ lib-terminology-eng%20home.htm. [7] United Nations Development Programme (UNDP), Human Development Report 2007/ 2008, Fighting climate change: Human solidarity in a divided world , p. 8. [8] دراسة: الزراعة تتحمل 23% من أضرار الكوارث الطبيعية ... و80% في حالة الجفاف، متولي سالم، على موقع، https:/ / www.almasryalyoum.com ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م. [9] تقرير منظمة التعاون الإسلامي حول البيئة 2019، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، 2019، ص 26. [10] الهدف الخامس عشر، الحياة في البر، على الموقع https:/ / www.arabstates.undp.org ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020م. [11] تقرير منظمة التعاون الإسلامي حول البيئة 2019، مركز الأبحاث الإحصائية والاقتصادية والاجتماعية والتدريب للدول الإسلامية، 2019، ص 30. [12] إنتاج مستدام للغذاء ... حقائق وأرقام، زارين بهروشا ، https:/ / www.scidev.net ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020. [13] دراسة اقتصادية للتغيرات المناخية وآثارها على التنمية المستدامة في مصر، الدكتور: محمود محمد فواز، الدكتور: سرحان أحمد عبد اللطيف سليمان، المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي، عدد يونيو 2015 م. [14] دراسة اقتصادية للتغيرات المناخية وآثارها على التنمية المستدامة في مصر، الدكتور: محمود محمد فواز، الدكتور: سرحان أحمد عبد اللطيف سليمان، المجلة المصرية للاقتصاد الزراعي، عدد يونيو 2015 م. [15] دراسة: الزراعة تتحمل 23% من أضرار الكوارث الطبيعية ... و80% في حالة الجفاف، متولي سالم، على موقع، https:/ / www.almasryalyoum.com ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م. [16] إنتاج مستدام للغذاء، حقائق وأرقام، على الموقع https:/ / www.scidev.net ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020م. [17] إدارة مخاطـــر الكـــوارث للتــــراث العالمــــي دليـــل موارد التـــراث العالمـــي، منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، اليونسكو، 2018، ص 13. [18] تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة العاشرة، 2009، ص 7. [19] استثمر اليوم من أجل غد أكثر أمنًا زيادة الاستثمار في العمل المحلي، المنتدى العالمي الثالث للحد من مخاطر الكوارث والمؤتمر العالمي لإعادة الإعمار، سويسرا، 2011 م. [20] أنواع جديدة من المحاصيل لا تتكيف مع الاحتباس الحراري، على موقع https:/ / www.bbc.com/ arabic ، تاريخ الوصول 20/ 9/ 2020م. [21] زراعة جديدة تقاوم تغير المناخ ... كيف نفهم الآلية التي تتحكم في إزهار الأشجار والنباتات؟ هشام بومجوط، على موقع، https:/ / www.aljazeera.net ، تاريخ الوصول 18/ 9/ 2020م. [22] الزراعة: استنباط أصناف أكثر تحملًا وموفرة للمياه لمواجهة تغير المناخ، عز النوبي، على الموقع، https:/ / www.youm7.com ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020م. [23] المناخ يتغير، الأغذية والزراعة أيضًا، يوم الأغذية العالمي، www.fao.org/ world-food-day ، منظمة الاغذية والزراعة الأمم المتحدة، 2016 م، ص 11. [24] تشتمل على زراعة النخيل والخضراوات والأعلاف (خدمات المزارعين) ينفذ فكرة المزارع النموذجية المتكاملة في الغربية، هالة الخياط، على الموقع https:/ / www.abudhabienv.ae تاريخ الوصول 19/ 9/ 2020م. [25] استخدام التقنية في الزراعة في تجربة المزارع المتكاملة، إبراهيم المشعل، على موقع https:/ / www.alyaum.com ، تاريخ الوصول 18/ 9/ 2020م. [26] المناخ يتغير، الأغذية والزراعة أيضًا، يوم الأغذية العالمي، www.fao.org/ world-food-day ، منظمة الأغذية والزراعة الأمم المتحدة، 2016 م، ص 11. [27] دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تطوير الزراعة، طه الراوي، على موقع https:/ / www.noonpost.com ، تاريخ الوصول 20/ 9/ 2020 م [28] [28] دور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في تطوير الزراعة، طه الراوي، على موقع https:/ / www.noonpost.com ، تاريخ الوصول 20/ 9/ 2020 م [29] زراعة محاصيل مكثفة، على موقع https:/ / ar.wikipedia.org ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م [30] تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة العاشرة، 2009، ص 17. [31] إنتاج مستدام للغذاء، حقائق وأرقام، على الموقع https:/ / www.scidev.net ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020م. [32] تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن العلاقة بين تغير المناخ وحقوق الإنسان، مجلس حقوق الإنسان، الدورة العاشرة، 2009، ص 9. [33] الزراعة والأمن الغذائي، على موقع البنك الدولي، https:/ / www.albankaldawli.org/ ar ، تاريخ الوصول 18/ 9/ 2020م. [34] التكنولوجيا الحديثة تعيد الشباب إلى العمل الزراعي، الزراعة بين كل القطاعات تملك أكبر الإمكانات لخفض الفقر والبطالة، على موقع https:/ / alarab.co.uk ، تاريخ الوصول 19/ 9/ 2020 م. [35] استثمر اليوم من أجل غد أكثر أمنًا زيادة الاستثمار في العمل المحلي، المنتدى العالمي الثالث للحد من مخاطر الكوارث والمؤتمر العالمي لإعادة الإعمار، سويسرا، 2011 م. [36] بوابة دعم السياسات والحوكمة، الحد من مخاطر الكوارث، على موقع منظمة الزراعة العالمية http:/ / www.fao.or g ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م. [37] استثمر اليوم من أجل غد أكثر أمنًا زيادة الاستثمار في العمل المحلي، المنتدى العالمي الثالث للحد من مخاطر الكوارث والمؤتمر العالمي لإعادة الإعمار، سويسرا، 2011 م. [38] دراسة: الزراعة تتحمل 23% من أضرار الكوارث الطبيعية ... و80% في حالة الجفاف، متولي سالم، على موقع، https:/ / www.almasryalyoum.com ، تاريخ الوصول 17/ 9/ 2020 م. |
حاشية البنجويني على رسالة آداب البحث والمناظرة للكلنبوي | محمود ثروت أبو الفضل | 21-06-2022 | 4,673 | https://www.alukah.net//culture/0/155604/%d8%ad%d8%a7%d8%b4%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%86%d8%ac%d9%88%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a2%d8%af%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%ab-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b8%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%83%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a/ | حاشية البنجويني على رسالة آداب البحث والمناظرة للكلنبوي صدر حديثًا " حاشية البنجويني على رسالة آداب البحث والمناظرة للكلنبوي "، مع تعليقات مجموعة من الأفاضل، تأليف : "عبد الرحمن البنجويني" (ت 1319 هـ)، حققه وعلق عليه: أ.د. "محمد ذنون يونس الفتحي"، نشر " دار الرياحين " بالتعاون مع " مشروع النبراس العلمي- دولة الكويت ". و هي حاشية هامة وضعها العالم الكردي "عبدالرحمن البنجويني" على رسالة هامة في "آداب البحث والمناظرة" لإسماعيل بن مصطفى المعروف بشيخ زاده الكلنبوي (ت 1205 هـ). حيث كان فن البحث والمناظرة وما يقتضيه من آداب منهجية يعد من المباحث العلمية التي اهتم بها علماء الإسلام قديمًا وحديثًا، وتعمقوا فيها ومارسوها نظريًا وعلميًا، فلابد لطالب العلم أن يعرف آداب المناظرة وأصولها وضوابطها الشرعية، وأن يحذر من آفاتها ومنزلقاتها النفسية، لتكون ثمرة مناظرته تحقيق الإخلاص لله، والاستعانة به، والبعد عن حظ النفس وهواها، وكانت رسالة "الفاضل الكلنبوي" في الآداب بمثابة واسطة العقد في آداب فن المناظرة وآدابها، جامعة لأغلب مسائل هذا الفن، ولشهرتها كانت من المناهج الدراسية المقررة في بعض ربوع بلداننا العربية، وتتميز رسالته بوجازة ألفاظها مع كليات معانيها، جمع في رسالته غرر هذا الفن وقواعده، وحوى فرائد مسائله وفوائده، وقد كثرت تعليقات السادة العلماء على متنه، وإيراد الحواشي عليه، فممن علق عليه وشرح مراد عباراته: • العلامة حسن باشا زادة. • العلامة عبدالرحمن البنجويني. • العلامة عمر القره داغي. • العلامة مصطفى صبري. • العلامة محمد محيي الدين عبد الحميد. • العلامة عبد الرحمن حسن حبنكة. وقد تناول الإمام "الكلنبوي" في كتابه كل ما يتعلق بالأخلاقيات التي يجب أن يتخلق بها طالب العلم أثناء المناظرة، مع الاعتناء بالأمثلة الواقعية، والنماذج التطبيقية، والتنبيه على بعض طرق الجدل والمناظرة في بيان قوادح العلة، وأثرها في إبطال الدليل، مع حصر أغلب الآفات التي تعرض لطالب المناظرة وتحيد بها عن هدفها المرجوّ. والكلنبوي من العلماء الموسوعيين، يقول الأستاذ "محمد زاهد الكرثري" في ترجمته: "ممن جمع إلى علم الدين معارف عصره من الرياضيات والطبيعيات، في أوائل القرن الهجري المنصرم العلامة "إسماعيل الكلنبوي" صاحب المؤلفات الممتعة في المنطق وآداب المناظرة وعلم أصول الدين والجبر والحساب والهندسة ونحوها من العلوم. وقد لقيت مؤلفاته الشهرة البالغة والطيران الحثيث في الأقطار". والكلنبوي هو إسماعيل بن مصطفى بن محمود الكلنبوي (1730- 1790) فقيه وعالم رياضيات عثماني وأستاذ الهندسة في الكلية البحرية في إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية. ولد في عام 1730 م في بلدة جيلينبي بالقرب من مانيسا، ودرس في اسطنبول حيث ترقى من خلال نظام الامتحانات العثماني إلى رتبة "مدرس" وهي رتبة الأستاذية، في سن الثالثة والثلاثين. تم تعيينه كأستاذ في الرياضيات في الكلية البحرية الجديدة في قاسم باشا في منطقة "القرن الذهبي" في إسطنبول، بناء على طلب من الصدر الأعظم خليل حامد باشا (1782-1785)، ومن قائد الاسطول البحرية العثماني آنذاك حسن باشا جزايرلي (1717-1790)، حيث عمل مع مصلحين عثمانيين آخرين مثل المهندس العسكري الفرنسي الهنغاري والأرستقراطي "فرانسوا بارون دي توت". وقد حصل الكلنبوي على جائزة من السلطان سليم الثالث عن حساباته الباليستية الدقيقة للغاية. نشر الكلنبوي خمس وثلاثون مقالة علمية وله الفضل في إدخال اللوغاريتمات في تركيا. ومما يدل على براعته في العلوم الرياضية أن مهندسًا فرنسيًا حضر إلى العاصمة إسطنبول وقابل وزير الخارجية " رئيس الكتاب " متسائلًا عما إذا كان في عاصمة العثمانيين من يجيد العلوم الرياضية ويفهم هذا؛ مشيرًا إلى جدول قدمه في ) اللغاريتمة ( ، فأحال وزير الخارجية ذلك المهندس إلى الكلنبوي وبعثه إلى بيته، ولما رأى المهندس الفرنسي الشيخ وملابسه وحالة بيته اعتقد أنه لم يلق ما ينشده، ومع ذلك ترك الجدول عند الشيخ، وطلب منه أن يجاوبه ليوم عينه، ولما ذهب إليه في الميعاد المحدد وجد الشيخ ألف رسالة ممتعة في ) اللغاريتمة ( في مقالتين بغاية من الإجادة والتوسع، فتحير المهندس غاية التحير لكون إيجاد جداول ) اللغاريتمة ( في أوروبا قريب العهد إذ ذاك، وقال لوزير الخارجية : (لو كان هذا العالم في بلادنا لكانت قيمته بقدر وزنه ذهبًا ( ، ثم طلب من الوزير أن يسمح له في أخذ صورة الأستاذ الكلنبوي، فدعوه إلى الوزارة فلما رأوا ملابسه وجدوها غير صالحة فترعوها وألبسوه فروة من طراز ما كان يلبسه وزراء ذلك العهد، فرسم المهندس صورة الكلنبوي من غير أن يمكنوه من الامتناع، ثم نزع الفروة ونظر إلى الصورة قائلًا: ) الحمد ﷲ رأيت نفسي لابس فروة ( وكان ذلك سنة 1201 هـ. وفي عهد السلطان سليم الثالث استعرض الجيش في ) كاغدخانة ( في الآستانة تحت رعاية جلالة الملك، وأجري هناك تمرينات حربية، ثم أطلقت مدافع إلى هدف معين، لكن القنابل المرمية طاشت عن المرمى ولم تصب الهدف، فغضب جلالة الملك من الخطأ في حساب قوة المدفع، وبعد المرمى مع الغلط في توجيه المدفع، ولم تكن كيفية إطلاق المدافع إذ ذاك وصلت إلى ما وصلت إليه من التمام والكمال، فذكر أحد الأمناء عند جلالته مبلغ براعة الكلنبوي في الحسابات الدقيقة والأمور الميكانيكية، فأحضروه وأمره الملك أن يعدل وضع المدافع، فقام الكلنبوي بحساب قوة المدفع وثقل القنبلة وبعد الهدف، وأتم تعديل وضع المدفع على وفق ذلك، ثم أمر بإطلاقه إلى الهدف، فأصابت الطلقات كلها على التعاقب، تحت تصفيق ألوف من المشاهدين، فلقي عمله هذا الاستحسان العظيم عند جلالة الملك، فصدر الأمر الملكي الكريم بتخصيص اثني عشر رطلًا من الأرز تصرف كل يوم إلى الأستاذ وذريته مدى الدهر، ولم يزل أحفاده يتقاضون هذا المقدار من الأرز. قال الكوثري في ترجمته للكلنبوي: " وللكلنبوي من المؤلفات سوى رسالتيه في ) اللغاريتمة ( حاشيته الكبيرة على ) شرح العضدية ( للدواني في أصول الدين . وكان كتابه هذا في عداد كتب الدراسة يعتني بدرسه غاية الاعتناء وفيه من التحقيقات ما لا تغنى عنه كتب المتقدمين، و له أيضًا ) حاشية على كتاب أبي الفتح في تهذ يب المنطق ( و ) حاشية عظيمة على كتاب أبي الفتح أيضًا في الآداب ( ، ولهما المترلة العليا عند العلماء باعتبار أنهما تعلما طرق التصرف في العلوم وتدربا على وجوه الانتباه والتيقظ للأجوبة المرضية عند النقاد عن الأسئلة الدقيقة في الفنون، وهذان الكتابان يمثلان خير تمثيل - باستطرادا تهما في العلوم - ما كان عليه علماء تلك البلاد من الغوص في عبارات أهل العلم واستقاء المعاني الدقيقة من مطاوي تلك العبارات على طبق العلوم التي يدرب عليها الطلاب، فالطالب الذي أتم درس الفنون ثم تمرن على ما في الكتابين من طرق الفهم ووجوه الأخذ والرد في العلوم يكون على ثقة من النجاح الباهر في امتحان العالمية الكبرى، وهما مثالان متجسدان يفيدان طريق المناقشات في العلم في تلك البلاد . ومن مؤلفات الكلنبوي أيضًا ) تعليقه على الفوائد الضيائية للجامي ( و ) شرح الأثرية في المنطق )، و ) البرهان ( وهو كتاب مهذب بديع في المنطق الصوري، و ) مفتاح باب الموجهات ( المعروف برسالة الإمكان، وكان هذا في عداد كتب الدراسة كالبرهان هناك، و ) آداب المناظرة ) و ) رسائل الامتحان ) و ) تعيين القبلة ) و ) أضلاع المثلثات ) و ) حاشية كبرى على شرح الهداية الأثيرية في الحكمة .( وتلك الكتب كلها مطبوعة . وله أيضًا ) العمل بالربع المجيب) و ) كسورات الحساب ( في الكسورات وسائر الأعمال المهمة في الحساب ومسائل الجبر، و ) الحاشية عبد الحكيم السيلكوتي على شرح السعد للعقائد النسفية ( والأخيران بدار الكتب العامة بميدان بايزيد في الآستانة، كما أن ) حاشيته على أبي الفتح في الآداب ( موجودة بها بخطه - رحمه اﷲ - ". أما صاحب الحاشية فهو العلامة عبدالرحمن البنجويني (ت 1318 هـ = 1900 م) من لواء السليمانية بالعراق ، طبع له بعد وفاته: • حاشيته على رسالة الآداب، القاهرة، 1353 هـ. • حاشية على كتاب البرهان (في المنطق). |
الوزير نظام الملك (408هـ - 485هـ) | علاء الدين صلاح الدين عبدالقادر الديب | 20-06-2022 | 4,795 | https://www.alukah.net//culture/0/155586/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b2%d9%8a%d8%b1-%d9%86%d8%b8%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d9%83-408%d9%87%d9%80-485%d9%87%d9%80/ | الوزير نِظامُ المُلْكِ (408 هـ - 485هـ ) الله تبارك وتعالى أوجد أُناسًا لديهم القدرة على تحريك الطاقات الكامنة في الأفراد والشعوب إلى طاقات إيجابية منتجة، وتاريخُنا الإسلامي بعد جيل الصحابة حافلٌ بالمئات من الرجال الذين صنعوا للإسلام حضارة سادت الأمم قرونًا، ومن هؤلاء الرجال الذين حاربوا البِدَع ونشروا السُّنَن، وحفظوا الدين وبثُّوا العدل نِظَامُ المُلْكِ الحَسَنُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْحَاقَ الطُّوْسِيُّ وزير دولة السَّلاجقة العظام. دولة السَّلاجقة العظام: أنشأها (طُغْرُلبك) حين استولى على إقليم خراسان سنة (429هـ)، وزالت دولة السلاجقة العظام سنة (552هـ) بمقتل السلطان سنجر. وَزَرَ نِظَامُ المُلْكِ لِلسُّلْطَانِ أَلب آرسلان وولده مَلِكْشَاه ثلاثين عامًا (455هـ -485هـ)، كان للوزير دورٌ كبير في علو هيمنة الدولة؛ ففي عهد أَلب آرسلان (455هـ -465هـ) (انتصر السلاجقة على الروم في معركة ملاذكرد 463هـ، وأُسِر إمبراطور الروم رومانوس، وكان لها أثرٌ بالغ؛ فقد انتشر السلاجقة في آسيا الصغرى، وضمُّوا إلى ديار الإسلام مساحةً تزيد عن 400 ألف كيلومتر، وتعدُّ هذه الموقعة أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية) . وفي عهد مَلِكْشَاه (465-485هـ) (اتسعت مملكته اتساعًا عظيمًا، وخطب له من حدود الصين إلى الداروم من أرض الشام، وأطاعه اليمن والحجاز، وملك سمرقند وجميع ما وراء النهر، وكان يأخذ الخراج من ملك القسطنطينية)؛ عيون الروضتين ج1، ص1، أبو شامة كما وضع نِظَامُ المُلْكِ حدًّا لنفوذ الباطنية وأمر بمطاردتهم في كل مكان. يقول عنه الذهبي: (الوَزِيْر الكَبِيْر، نِظَام المُلْك، قِوَامُ الدِّين، عَاقلٌ، سَائِسٌ، خَبِيرٌ، مُتَدَيِّنٌ، عَامِرُ المَجْلِس بِالقُرَّاء وَالفُقَهَاء، أَنشَأَ المدرسَة الكُبْرَى بِبَغْدَادَ، وَأُخْرَى بِنَيْسَابُوْرَ(مدينة في خراسان شمالي شرق إيران)، وَأُخْرَى بِطُوْسَ (من كبرى مدن خراسان القديمة)، وَرغَّب فِي العِلْمِ، وَبَعُدَ صيتُه، وَزَرَ لِلسُّلْطَانِ أَلب آرسلان، ثُمَّ لابْنِهِ مَلِكْشَاه، فَدبَّر مَمَالِكَه عَلَى أَتمِّ مَا يَنْبَغِي، وَخفَّف المظَالِمَ، وَرَفَقَ بِالرعَايَا، وَبَنَى الوُقُوْفَ، بَهَرَ العُقُوْلَ سيرَةُ النِّظَام جُوْدًا وَكَرَمًا وَعدلًا، وَإِحيَاءً لِمعَالِم الدِّين. مَوْلِدُهُ: فِي سَنَةِ 408هـ، وَقُتِلَ صَائِمًا فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 485هـ، بِقُرْبِ نُهَاوَنْدَ)؛ سير أعلام النبلاء، ج19، ص94. لقد عرف نِظَامُ المُلْكِ قيمة التربية، فبناءُ الإنسان هدفُ أيِّ قوةٍ إصلاحيةٍ في المجتمع؛ فأنشأ المدارس النظامية (459هـ) لتأهيل الرجال الذين يصلحون للقيام بالمهمات، وانتقى المربين ليجمع بين العلم و الوَرَع؛ فأسند إلى أبي حامد الغزالي التدريس بمدرسة بغداد، وإلى إمام الحرمين أبي المعالي الجويني التدريس بمدرسة نيسابور، ولقد عاشت مدارسه زمنًا طويلًا، وبالأخص نظامية بغداد التي طاولت الزمن زهاء أربعة قرون. (وقد حققت هذه المدارس نتائج باهرة، وفي مقدمتها تخريج جيل يعي حقيقة الصراع والأخطار المحيطة به من باطنية وصليبية، وهو مؤهلٌ بأن يحمل على عاتقه مهمة الدعوة للمذهب السُّنِّي والانتصار له والدفاع عنه، وقد استفاد نور الدين محمود من عدد كبير من العلماء الذين تخرَّجوا من النظاميات؛ ومنهم: القاضي كمال الدين الشهرزوري (492-572هـ ): والذي كان وزيرًا له، ولَّاه نور الدين القضاء، ثم استوزره . والعماد الأصفهاني (519-597هـ): الذي عمل مدرسًا في بعض مدارس دمشق إلى جانب قيامه برئاسة ديوان الإنشاء لنور الدين. والقطب النيسابوري (توفي 578هـ): الذي كان له دور في نشر السنة بحلب بالمدرسة النفرية النورية بها). مشروع عالم يُحْيي أمة الأمة بحاجة إلى عالم رباني مهمته: صناعة الأجيال وتربية الأبطال، وإبراز المواهب، وصقل النفوس بالإيمان، والعقول بالعلم، مع الفهم الصحيح لدين الله تعالى؛ ولذلك لا بد من إيجاد محضن تربوي علمي لصناعة الكوادر التي تقود الأمة الإسلامية في شتى ميادين الحياة؛ فنور الدين محمود وصلاح الدين الأيوبي كانا من صناعة العلماء الذين تخرجوا من المدارس النظامية. وليكن منهجنا الذي وضعه لنا سلفنا الصالح: قولَ ابْنِ مَسْعُودٍ: (عَلَيْكُمْ بِالْعِلْمِ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَطُّعَ وَالتَّعَمُّقَ، وَعَلَيْكُمْ بِالْعَتِيقِ)؛ شرح السنة للبغوي ج1، ص317 ، بَابُ قَبْضِ الْعِلْمِ. التنطع: التكلف والمغالاة . التعمق: المبالغة في الأمر والتشدُّد فيه. العتيق: القديم وما كان عليه الأوائل (السلف). • وانتقاء الصالح كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما النَّاسُ كالإِبِلِ المِائَةِ، لا تَكادُ تَجِدُ فيها راحِلَةً)) ؛ الراوي: عبدالله بن عمر- صحيح البخاري. والراحِلَةُ: الجَمَلُ النجيبُ الذي يَصلُحُ لسَيرِ الأسفارِ، ولحَملِ الأثقالِ، فالرَّاغِبُ في الآخرةِ قَليلٌ كقِلَّةِ الرَّاحِلةِ في الإبِلِ. • ثم استنهاض همَّته لحمل رسالة الإسلام، كُلٌّ في ميدان تخصُّصه ليعلو بإيمانه، ويقود البشرية إلى عدل الإسلام. ﴿ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] . |
النسويات والمعالجات الهادئة | رانية نصر | 20-06-2022 | 3,997 | https://www.alukah.net//culture/0/155582/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d9%88%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%af%d8%a6%d8%a9/ | النّسويّات والمعالجات الهادئة " النسوية " الموضوع الذي ما زال يشغل المجتمعات والجماعات والأفراد، والذي لم ينته الحديث عنه بعد، فالبحث فيه والوقوف على أسباب نشوئه وتناميه، وتشخيصه وتقديم المعالجات الصحيحة يحتاج إلى جهود مؤسساتية حقيقية، وتكاتُف الجميع للحدِّ من هذه الظاهرة التي تهدِّد أمن واستقرار الأُسَر المسلمة. وأناقش هنا بعضًا من تشخيصات هذه الظاهرة وسُبُل العلاج. هل النسوية فكرة أم مظهر وسلوك؟ ليست النّسوية- ابتداءً- مظهرًا أو سلوكًا تُطبِّقه المرأة على شكلها؛ إنما فكرةٌ متغلغلةٌ في عقلها، نشأت نتيجة ضغوط نفسيّة وتجارب سلبية في حياتها؛ دفعتها لاتخاذ الرجل نِدًّا وعدوًّا لها اعتقادًا منها أنه سبب تعاستها؛ إذ يريد قهرها وظلمها! وتشير الملاحظة إلى أنّ التيار النّسوي ليس محصورًا في مجتمع بذاته أو بيئة بعينها أو دين محدد، فالانفتاح التكنولوجي واكتساح التّقنيات كلَّ البيوت، جعل العالم قريةً صغيرةً، تطَّلع الثقافات والعقول من خلالها بعضها على بعض، فتأخذ من هذا وتترك ذاك بِناءً على عوامل كثيرة، أهمُّها: قوةُ الفكرة وقدرتها على النّفاذ إلى هذه الثقافة أو ذاك العقل! ومع مرور الوقت؛ تهجّنت الأفكار، وامتزجت العادات والتقاليد، وتماهت الهُوِيّات، فقد نجد فتاة مُلتزمة تحمل فكرًا نِسويًّا، وأخرى مُتبرجة سالمة من هذه الآفة، فالأمر غير متعلِّق بالهيئات والأشكال تحديدًا. وسواء أعلنت هذه الشريحة انتماءها لهذا التّيار أو لم تعلنه- تجنبًا للأذى الذي قد يلحقها- فهذا لا ينفي اعتقادها وإيمانها وتأثُّرها بهذا الفكر؛ فتظل بذور هذه الأفكار مزروعةً في تربة عقلها، مُتناميةً شيئًا فشيئًا في مكنونات وجدانها، حتى تغدو شجرة خبيثة تُغذِّي سلوكها ليلَ نهارَ، فلا تستطيع الخلاص منها إلا باجتثاث مؤلم يعادل في حجمه عمق تجذُّر هذه البذرة فيها. وبالرغم من أن الدّافع الأول للاصطفاف مع هذا التيار هو استعداء الرجل؛ إلا أننا قد نجد هؤلاء النسويات كثيرًا ما يتشبَّهْنَ بالرّجال شكلًا ومضمونًا؛ لكرههن لأنوثتهن وضعفهن اللذين هما سبب اضطهاد الرجل لهن من وجهة نظرهن! هل النسويات اللواتي ظُلِمْنَ معذورات بانتمائهن؟ قد يكون قد مُورِسَ الاضطهادُ والظلمُ على هذه المرأة بالفعل؛ خاصة في بعض البيئات الريفية التقليدية التي تتخذ العادات والتقاليد منهجًا مقدسًا يُحظَر نقدُه أو نقضُه أو تقييمُه أو تقويمه بضوابط سواء كانت شرعية أو عقلية ومنطقية، إلا أنهن غير معذورات بهذا السبب في انتمائهن واعتقادهن، فالطرق لنيل الحقوق لا تُعدَم؛ خاصة أن الشرع وقف بجانب المرأة ومنحها كامل حقوقها، والنصوص الصريحة تشير إلى هذا إشارة واضحة: ﴿ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [النساء: 19] و ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ ﴾ [البقرة: 228] و((استوصوا بالنساء خيرًا)) و((رفقًا بالقوارير)) و((النساء شقائق الرجال)) وغيرها الكثير من النصوص الدالة على ذلك. وعلى صعيد آخر تأتي النسويات الإسلاميات- مع التّحفُّظ على المصطلح - أو مؤسسات تمكين المرأة- التي يقودها في الغالب نسويات أيضًا - تريد تمكين المرأة على حساب الأسرة ككل؛ فتقوم بمعالجات مضطربة ومجتزأة أو من زاوية واحدة مفتقرة للمعالجات الشمولية والقواعد المتّزنة؛ حيث لا تنظر إلا لمصلحة المرأة فتَغْرَق وتُغْرِق المرأةَ معها أكثر فأكثر، وتغرق الأُسَر والمجتمع ككل ! أصناف الرجال في التعامل مع النسويات: أما على صعيد الرجل فنحن أمام ثلاثة أصناف من الرجال: فريق يستعدي المرأة التي شذّت فكريًّا وسلوكيًّا؛ فتزداد شراسته في معالجة هذا السلوك أيضًا بطريقة غير موضوعية؛ ومن ثَمَّ تزداد المرأة عنفًا ويدخلان في حروب اصطفافية حادة الاستقطابات؛ ومِنْ ثَمَّ تتفاقم المشكلات وتتعقد أكثر فأكثر. وفريق آخر يخشى ذَمَّ الناس له واتهامهه بالذكوريّة ومعاداة حقوق المرأة؛ فيخضع أكثر من اللازم تجاه سطوة هذا الفكر والتيار؛ رغبةً في أن يَظهر بمظهر الرجل المتحضِّر والواعي اللطيف الحامي والمحامي عن قضايا المرأة، وقد يكون له بهذا التّوجُّه "مآرب أخرى"! فهذا أيضًا يؤخِّر تقدُّم المعالجات الصحيحة لسرطان هذا الفكر؛ حيث سيعجز في النهاية عن كبح جماح وجنوح هذا التيار، وربما جَرفَه معه وسحقَه تحت قدميه ! أما الفريق الثالث- وهم القلة- هي الفئة الحكيمة الفاعلة والأكثر إنتاجية وإيجابية؛ حيث تسعى للبحث عن معالجات حقيقية هادئة حكيمة غير مندفعة وغير متولدة من ردود أفعال متشنِّجة، فتضع يدها على مواطن الخلل سواء على مستوى الحالات الفردية أو الجماعية، فتدرُس حيثيات المشكلة بتفصيلاتها الدقيقة، وتُشخِّص الحالات ودوافعها، وتضع الحلول المناسبة، وتقوم بتجربة الأدوات كافة واستبدالها وقت الحاجة للوصول إلى نتائج إيجابية، فالنسوية مرض عام تختلف علاجاته باختلاف أسبابه ودوافعه. المعالجات الهادئة: ويجب على الفئة الأولى أن تتجرَّد من دوافعها النفسية قدر المستطاع كلما حاول هوى النفس أن يَشتَطَّها، محاوِلةً ضبطَ السلوك للحدِّ من المعالجات الاندفاعية التي لا تزيد الأمر إلا سوءًا وتعقيدًا، فالحفاظُ على الأسرة مقصدٌ سامٍ في الإسلام، بل قد يكون من أعظم مقاصد الدين. أما الفئة الثانية؛ فعليها أن تعيَ أن مجاراة هذا التيار ليس هو العلاج الصحيح، بل به قد تتفاقم المشكلة أكثر فأكثر! أما الفئة الأخيرة؛ وهي الأكثر انضباطًا واتزانًا وموضوعية- والمعوَّل عليها في العلاج- هي التي تنظر إلى مصلحة المجتمع ككل أكثر من نظرها إلى مَن الظالم ومَن المظلوم، فقد تقف في صف الظالم (ظلمًا يسيرًا)- في بعض الأحيان- سواء كان المظلوم رجلًا أو امرأة لتحقيق مصلحة ومقصد أعظم وأسمى من مصلحة نصرة المظلوم، وأكرر (ظلمًا يسيرًا) يحتمل التّغاضي عنه، فالبيوت مبنية على الإحسان لا على العدل، وكما تقول القاعدة الفقهية: "دَرْءُ المفاسد مُقدَّمٌ على جلب المصالح"، و"الضرورات تبيح المحظورات"، وفي نهاية المطاف ستعُمُّ هذه المصلحة الجميعَ بالخير. دور مؤسسات المجتمع: لا يغفل أحد عن أهمية دور مؤسسات المجتمع المدني في تقدم المجتمع واستقراره وازدهاره، وعلى هذه المؤسسات تقديم يد المساعدة لكل من يسعى لخدمة هذا المشروع الإصلاحي، للحدِّ من استشراء هذا التيار في مجتمعاتنا الإسلامية، وهو واجب إنساني وإسلامي ومجتمعي، غير معذور من استطاع المساعدة وامتنع! فإن عمَّ الخير فسيعود على الجميع بمثيله والعكس بالعكس. إن النِّسويّة مرض يجب أن يُواجَه بطاقاتٍ جبَّارة مؤتمنة هدفُها المرأة والرجل والمجتمع كمنظومة متكاملة، وهنا أؤكد على أن الرجل كذلك قد يحتاج إلى تأهيل نفسي في كيفية التعامل مع هذه الحالات واستيعابها حتى نصل لنتائج مثمرة، فهذا المرض المنتشر في مجتمعنا لن يعالجَ بين ليلة وضُحاها؛ إنما يحتاج لنَفَسٍ عميق وطول مصابرة؛ حيث إن التّحدِّيات والمُعيقات والتعقيدات كثيرة جدًّا. وأهم شرط في هذه المعالجة أن تكون معالجات هادئة مُشفقة تنظر بعين الرحمة للمرأة المخدوعة بأن النسوية فيها خلاصها، وفي الواقع هي السقوط الحقيقي لها والجحيم بعينه . فالمرأة تستطيع تغيير العالم بلمسةٍ حانيةٍ منها، والرجلُ قادرٌ على كسب قلب المرأة بكلمة حب صغيرة منه . |
إسلام عمر بن الخطاب | د. محمد منير الجنباز | 20-06-2022 | 8,291 | https://www.alukah.net//culture/0/155577/%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d8%a7%d8%a8/ | إسلام عمر بن الخطاب عمر بن الخطاب الرجل الجريء الممتلئ حيوية وحماسة، ذو العقل الراجح المتفكر والمتدبر، هو من آل عدي، لم يكن في بداية انطلاقة الدعوة الإسلامية من المتحمسين لها، بل لم يكن يريد أن يعيرها اهتمامه وتفكيره؛ من حيث التعرف عليها والالتقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم، والسماع منه أو الإصغاء إلى قول الحق، وإنما كان مع قومه في نبذها والتعرض لأفرادها الضعفاء بالإيذاء، لقد زعم كفار قريش أنها دعوة باطلة، وصاحبها ساحرٌ أو شاعر أو كذاب، فأخذ هذا منهم على غير اطلاع ودراية بالأمر، بل لم يكلف نفسه عناء الالتقاء مع مَن سبقه في الإسلام ليقف على ما تدعو إليه هذه الدعوة، لقد صورت أم عبدالله بنت أبي خيثمة زوج عامر بن ربيعة شدة عمر قبل إسلامه، فقالت: إنا لنرحل إلى أرض الحبشة وقد ذهب عامر لبعض حاجته، إذ أقبل عمر بن الخطاب وهو على شِركه حتى وقف عليَّ، وكنا نلقى منه البلاء أذى وشدةً، فقال: أتنطلقون يا أم عبدالله؟ قالت: نعم، والله لنخرجنَّ في أرض الله، فقد آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجًا، فقال: صحبكم الله، قالت: ورأيت له رقة وحزنًا، فلما عاد عامر أخبرته وقلت له: لو رأيت عمر ورقته وحزنه علينا، قال: أطمعتَ في إسلامه؟ قلت: نعم، فقال: لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب لِما كان يرى من غلظته وشدته على المسلمين، ولكن إرادة الله في هدايته وسَوْقه للتعرف على الدعوة، كانت أقوى من نفثات شياطينه وإغواءات قومه، فصاحب العقل المفكر والمتدبر لا ينبغي له الإصغاء إلى الأقاويل، وما يشاع عن هذا الأمر من هنا وهناك، وإنما عليه أخذ الخبر من منبعه، وبالتالي محاكمته بعقله وإصدار الحكم عليه، هذا الذي كان ينقص عمر، وقد ساقه الله إلى قدره الذي فيه عزه في الدنيا والآخرة، وكان سبب إسلامه أن أخته فاطمة بنت الخطاب كانت زوج سعيد بن زيد، وقد أسلمت هي وزوجها سعيد، وكانا يخفيان إسلامهما من عمر، وكان خباب بن الأرت يأتي إلى سعيد وزوجه يقرئهما القُرْآن، وفي أحد الأيام خرج عمر متوشحًا سيفه وهو في هياج وغضب، فلقيه نعيم بن النحام - وهو من قوم عمر - فقال: إلى أين تريد يا عمر؟ قال: أريد محمدًا الذي فرق أمر قريش وعاب دينها، فأقتله - وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم مع مَن أسلم في دار الأرقم قرب الصفا - فقال له نعيم: والله لقد غرَّتك نفسك، أترى بني عبدمناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدًا؟ أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم؟ قال: وأي أهلي؟ قال: خَتَنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة، فقد والله أسلما، فرجع عمر إليهما وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما القُرْآن، فلما سمعوا حس عمر تغيب خبَّاب، وأخذت فاطمة الصحيفة فألقتها تحت فخذها - وقد سمع عمر شيئًا من قراءة خباب - فلما دخل، قال: ما هذه الهينمة؟ قالا: ما سمعت شيئًا، قال: بلى، قد أخبرت أنكما تابعتما محمدًا، وبطش بختنه سعيد بن زيد، فقامت أخته لتكفه عنه فضربها فشجَّها، فلما فعل ذلك قالت له أخته: قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله، فاصنع ما بدا لك، ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم وقال لها: أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرؤون فيها الآن حتى أنظر ما جاء به محمد، قالت: إنا نخشاك عليها، فحلف أنه يعيدها، قالت له - وقد طمعت في إسلامه -: إنك نجس على شركك، ولا يمسها إلا المطهرون، فقام فاغتسل، فأعطته الصحيفة وقرأها - وكان كاتبًا - وفيها طه، فلما قرأ بعضها قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، فلما سمع خباب خرج إليه وقال: يا عمر، إني والله لأرجو أن يكون الله قد خصَّك بدعوة نبيِّه، فإني سمعته أمس وهو يقول: اللهم أيِّد الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي الحكم بن هشام، فالله الله يا عمر! فقال عمر: فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأُسلم، فدله خباب، فأخذ سيفه وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في دار الأرقم بين أصحابه، فضرب عليهم الباب، فقام رجل فنظر من شق الباب، فرآه متوشحًا سيفه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال حمزة: ائذن له، فإن كان جاء يريد خيرًا بذلناه له، وإن أراد شرًّا قتلناه بسيفه. فأذِن له، فنهض إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بمجامع ردائه، ثم جذبه جذبة شديدة، وقال: ما جاء بك؟ ما أراك تنتهي حتى ينزل الله عليك قارعة، فقال عمر: يا رسول الله، جئت لأومن بالله ورسوله، فكبَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرَف مَن في البيت أن عمرَ أسلَمَ، فلما أسلم قال: أيُّ قريشٍ أنقل للحديث؟ قيل: جميل بن معمر، فجاءه فأخبره بإسلامه، فمشى إلى المسجد وعمر وراءه وصرخ: يا معشر قريش، ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، فيقول عمر مِن خلفه: كذب، ولكني أسلمت، فقاموا، فلم يزل يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس وأعيا، فقعد وهم على رأسه، فقال: افعلوا ما بدا لكم، فلو كنا ثلاثمائة نفر تركناها لكم، أو تركتموها لنا، يعني مكة، فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ عليه حلة، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، قال: فمه، رجل اختار لنفسه أمرًا، فماذا تريدون؟ أترون بني عدي يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلُّوا عن الرجل، وكان الرجل العاص بن وائل السهمي، ورُوي أنه لما أسلم عمر نزل جبريل، فقال: يا محمد، استبشَر أهل السماء بإسلام عمر. قال عمر: لما أسلمت أتيت أبا جهل فضربت عليه بابه، فخرج إليَّ وقال: مرحبًا بابن أخي، ما جاء بك؟ قلت: جئت لأخبرك أني أسلمت وآمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم وصدقت ما جاء به، قال: فضرب الباب في وجهي، وقال: قبحك الله وقبح ما جئت به. |
جامع بيان العلم وفضله تحقيق نشأت كمال المصري | محمود ثروت أبو الفضل | 18-06-2022 | 5,769 | https://www.alukah.net//culture/0/155530/%d8%ac%d8%a7%d9%85%d8%b9-%d8%a8%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d9%81%d8%b6%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d9%86%d8%b4%d8%a3%d8%aa-%d9%83%d9%85%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b1%d9%8a/ | جامع بيان العلم وفضله تحقيق نشأت كمال المصري صدر حديثًا كتاب "جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله"، تصنيف: الإمام الحافظ أبي عمر بن يوسف بن عبد البر الأندلسي المالكي (ت 463 هـ)، حققه وعلق عليه: "أبو يعقوب نشأت كمال المصري"، نشر: "دار روائع الكتب للطباعة والنشر والتوزيع"، إسطنبول- تركيا. وهذا الكتاب من أهم مؤلفات الحافظ ابن عبد البر (368-463 هـ)، وموضوع الكتاب يدل عليه عنوانه، فقد ضمنه الحافظ ابن عبد البر بحوثًا عن معنى العلم وفضل طلبه، وحمد السعي فيه والعناية به، ويبين فساد القول في دين الله بغير علم، وتحريم الحكم بغير حجة أو دليل، وآداب العالم والمتعلم، وما يلزم العالم والمتعلم التخلق به والمواظبة عليه، وما يلزم الناظر في اختلاف العلماء من الإحاطة بمذاهب علماء الأمصار، ويبين فيه كذلك المراحل التي يمر بها طالب العلم، والعلوم الأساسية التي يجب أن يلم بها من فهمٍ لكتاب الله، ومعرفة بالسنة النبوية واللغة، موردًا الكثير من الأحاديث النبوية والآثار في هذا الموضوع. ورسم الحافظ ابن عبد البر منهجًا تعليميًا لمن أراد أن يكون مجتهدًا، فأرشده إلى التوسع في الحفظ للسنن والإحاطة بأصول المذاهب الإسلامية المختلفة، والأدلة التي قامت عليها ليتسنى له النظر فيها والترجيح بينها. وبذلك يعد هذا السفر منهجًا تربويًا متكاملًا لتكوين الطالب والعالم. وقد قسم ابن عبد البر الكتاب إلى أبواب كثيرة، وجعل لكل باب عنوانًا يحمل إشارة مختصرة لمضمون أحاديث الباب، ولم يقتصر المصنف على ذكر المرفوعات فحسب بل ذكر كذلك الموقوف والمقطوع، فضلًا عن جملة كبيرة من الأشعار المستجادة المتعلقة بموضوع الكتاب، وهو في كل هذا يسوق النصوص بأسانيده، ولكنه يقف في بعض المواضع ناقدًا ومحللًا ومستخلصًا للقواعد العامة من النصوص. والكتاب على عادة الحافظ ابن عبد البر يعد موسوعة تاريخية إلى جانب تميزه في الآداب الشرعية فهو يشتمل في تضاعيفه على ما يناهز 300 ترجمة لبعض الشعراء والأدباء والفقهاء. وهذا التحقيق للأستاذ "نشأت كمال" يستدرك فيها أخطاء الطبعات السابقة، مستفيدًا من مجموعة من النسخ الخطية العديدة التي توفرت لمتن الكتاب، حيث قابل بينها وولف بينها، معلقًا تعليقات مفيدة على كلام الحافظ ابن عبد البر، مبينًا مواطن التخريج للأحاديث والآثار والأعلام الخاصة بالكتاب. وقام المحقق بشرح الألفاظ الغريبة معتمدًا على كتب اللغة وغريب الحديث، وقدم للكتاب بمقدمات مفيدة في التعريف بالكتاب، ومؤلفه، ومنهجه في وضع الكتاب. والمصنف هو أبو عمر يوسف بن عبد الله النمري المعروف بابن عبد البر (368 هـ - 463 هـ) إمام وفقيه مالكي ومحدث ومؤرخ أندلسي، ولد في قرطبة، لأسرة من بني النمر بن قاسط في 25 ربيع الآخر 368 هـ. كان أبوه عبد الله فقيهًا، ومن أهل العلم في قرطبة. ونشأ ابن عبد البر بقرطبة، وتعلّم الفقه والحديث واللغة والتاريخ من شيوخها، فدرس على يد "أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أسد الجهني"، و"أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور"، و"أبي عمر أحمد بن عبد الله الباجي"، و"أبي الوليد بن الفرضي" الذي أخذ عنه الكثير من علم الحديث، وقرأ عليه مسند مالك وأبي عمر الطلمنكي المقرئ، ولزم ابن عبد البر "أبي عمر أحمد بن عبد الملك بن هاشم" الفقيه الإشبيلي وطلب عنده الفقه، وسمع من "أبي محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن" سنن أبي داود و"الناسخ والمنسوخ" لأبي داود ومسند أحمد، وقرأ على "محمد بن عبد الملك بن ضيفون" تفسير محمد بن سنجر، وقرأ على "أبي القاسم عبد الوارث بن سفيان" "الموطأ الصغير" لابن وهب بروايته عن قاسم بن أصبغ عن ابن وضاح عن سحنون وغيره عن ابن وهب، وسمع من "سعيد بن نصر" موطأ مالك و"المشكل" لابن قتيبة ومسند الحميدي، وسمع من "الحافظ أبي القاسم خلف بن القاسم بن سهل" تصنيف عبد الله بن عبد الحكم، وسمع من "الحسين بن يعقوب البجاني"، وقرأ على "عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد الوهراني" "موطأ ابن القاسم"، وسمع من "يحيى بن عبد الرحمن بن وجه الجنة" و"محمد بن رشيق المكتب" و"أحمد بن القاسم التاهرتي" و"أبي حفص عمر بن حسين بن نابل" و"محمد بن خليفة الإمام" و"أبي زكريا الأشعري" و"أحمد بن فتح بن الرسّان" و"أبي المطرف القُنازعي" والقاضي "يونس بن عبد الله" و"أبي عمر أحمد بن عبد الملك بن المكوي" و"أبي عبد الله محمد بن عمروس القرطبي". وبرع ابن عبد البر في في علوم الحديث والرجال والقراءات والخلاف في الفقه، وكان ابن عبد البر في بدايته ظاهريًا، ثم تحول إلى المالكية مع ميل إلى فقه الشافعي في مسائل. وألف الكثير من التصانيف والكتب في مختلف العلوم ومنها "التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد" الذي قال عنه ابن حزم: "وهو كتاب لا أعلم في الكلام على فقه الحديث مثله، فكيف أحسن منه؟"، و"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" الذي قال عنه الضبي في كتابه "بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس": "هو كتاب في أسماء المذكورين في الروايات والسير والمصنفات من الصحابة رضي الله عنهم والتعريف بهم وتلخيص أحوالهم ومنازلهم وعيون أخبارهم على حروف المعجم في أربعة أسفار، وهو كتاب حسن كثير الفائدة، رأيت أهل المشرق يستحسنونه جدًا ويُقدّمونه على ما ألف في بابه"، و"الدرر في اختصار المغازي والسير"، و"الشواهد في إثبات خبر الواحد"، و"التقصي لما في الموطأ من حديث رسول الله"، و"أخبار أئمة الأمصار"، و"البيان في تلاوة القرآن"، و"التجويد والمدخل إلى علم القرآن بالتجويد"، و"الاكتفاء في قراءة نافع وأبي عمرو بن العلا بتوجيه ما اختلفا فيه"، و"الكافي في الفقه على مذهب أهل المدينة"، و"اختلاف أصحاب مالك بن أنس واختلاف رواياتهم عنه"، و"العقل والعقلاء وما جاء في أوصافهم عن الحكماء والعلماء"، و"بهجة المجالس وأنس المجالس بما يجري في المذكرات من غرر الأبيات ونوادر الحكايات" الذي اختصره ابن ليون التجيبي وسماه "بغية المؤانس من بهجة المجالس"، و"الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار"، و"القصد والأمم في التعريف بأصول أنساب العرب والعجم"، و"الإنباه على قبائل الرواة"، و"الانتقاء لمذاهب الثلاثة العلماء مالك وأبي حنيفة والشافعي"، و"الأجوبة الموعبة في الأسئلة المستغربة"، و"الكنى"، و"الإنصاف فيما في بسم الله من الخلاف"، و"الفرائض"، و"شرح زهديات أبي العتاهية"، و"تجريد التمهيد في الموطأ من المعاني والأسانيد"، و"الانصاف فيما بين العلماء من الاختلاف"، و"نزهة المستمتعين وروضة الخائفين"، و"ذكر التعريف بجماعة من الفقهاء أصحاب مالك". وقد كاتب ابن عبد البر علماء من أهل المشرق، فأجاز له "أبو القاسم السقطي المكي" و"عبد الغني بن سعيد الحافظ" و"أبو ذر الهروي" و"أبو محمد بن النحاس المصري" و"أبو الفتح بن سيبخت" و"أحمد بن نصر الداودي". وقد حدّث عن ابن عبد البر الكثيرون منهم: "أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري"، و"أبو بحر سفيان بن العاصي"، و"ابن أبي تليد"، و"أبو علي الغساني"، و"أبو محمد عبد الرحمن بن عبد العزيز بن ثابت"، و"أبو داود سليمان بن نجاح"، و"أبو محمد بن حزم"، و"أبو العباس بن دلهاث الدلائي"، و"أبو محمد بن أبي قحافة"، و"الحافظ أبو عبد الله الحميدي"، وآخر من روى عنه بالإجازة "علي بن عبد الله بن موهب الجذامي". وقد علا قدر ابن عبد البر عند علماء الحديث، فعدّه الذهبي حافظ المغرب، وقال عنه أبو علي الغساني: "لم يكن أحد ببلدنا في الحديث مثل قاسم بن محمد وأحمد بن خالد الجباب. ولم يكن ابن عبد البر بدونهما، ولا متخلفًا عنهما". قال عنه أبو الوليد الباجي: "لم يكن بالأندلس مثل أبو عمر بن عبد البر في الحديث" وقال أيضًا: "أبو عمر أحفظ أهل المغرب". وقال أبو عبد الله بن أبي الفتح: "كان أبو عمر أعلم من بالأندلس في السنن والآثار واختلاف علماء الأمصار". وقال عنه الذهبي: "وكان في أصول الديانة على مذهب السلف، لم يدخل في علم الكلام، بل قفا آثار مشايخه رحمهم الله". جال ابن عبد البر في شرق الأندلس وغربها، فزار دانية وبلنسية وشاطبة، وتولى قضاء الأشبونة وشنترين في عهد "المظفر بن الأفطس" صاحب بطليوس. وتوفي ابن عبد البر في آخر ربيع الآخر 463 هـ بشاطبة، وصلى عليه "أبو الحسن طاهر بن مفوز المعافري". والمحقق أبو يعقوب "نشأت كمال" المصري باحث ومحقق شرعي من مصر، له العديد من التحقيقات والتخريجات لكتب التراث منها: • "القواعد النورانية الفقهية" لشيخ الاسلام ابن تيمية، تعليقات: الشيخ محمد حامد الفقي، خرج أحاديثه وعلق عليه: نشأت كمال المصري، راجعه وقدم له: مصطفى العدوي. • "العقود" لشيخ الاسلام ابن تيمية، قدم له وراجعه: مصطفى العدوي، ضبطه وخرج أحاديثه وعلق عليه: نشأت كمال المصري. • "الصفات" أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني، حققهما و ضبطهما وعلق عليهما: نشأت كمال المصري. • "إتحاف السالك برواة الموطأ عن الامام مالك" تأليف: شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر، المعروف بابن ناصر الدين، حققه وضبطه وعلق عليه: أبو يعقوب نشأت كمال المصري. • "سيرة الإمام أحمد" تصنيف: أبي الفضل صالح ابن الإمام أحمد، حققه وضبطه وعلق عليه: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري. • "در السحابة في مناقب القرابة والصحابة" تأليف: محمد بن علي الشوكاني، تحقيق وتعليق: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري. • "بيوت يحبها الله ورسوله وتدخلها الملائكة"، تأليف: أبي يعقوب نشأت بن كمال المصري. • "الدرة الثمينة في اخبار المدينة" لأبي عبدالله محمد بن محمود بن النجار، حققه ووثق نصوصه وخرج أخباره: نشأت بن كمال المصري. • "رسالة في الكلام على آية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: تشتمل على ثلاث وخمسين مسألة" تأليف: نجم الدين الغزي العامري، حققها وضبطها وعلق عليها: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري. • "كرامات الأولياء" لأبي القاسم هبة الله بن الحسن الطبري اللالكائي، حققه وعلق عليه: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري. • "المحرر في فقه الإمام الشافعي" (طبعة محققة على خمس مخطوطات)، تأليف: عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل القزويني، تحقيق: أبو يعقوب نشات بن كمال المصري. • "شرح الشمائل المحمدية" تأليف: ميرك شاه الشيرازي، تأليف: نشأت بن كمال المصري. |
من منطلقات العلاقات الشرق والغرب (الاستغراب - المفهوم) | أ. د. علي بن إبراهيم النملة | 15-06-2022 | 4,740 | https://www.alukah.net//culture/0/155483/%d9%85%d9%86-%d9%85%d9%86%d8%b7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%82%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%87%d9%88%d9%85/ | من منطلقات العلاقات الشرق والغرب ( الاستغراب - المفهوم) الاستغراب محدد آخر من محددات العلاقة بين الشرق والغرب،والذي يظهر أن العلاقة بين الشرق والغرب قد انطلقت بقوة واضحة مع بعثة سيدنا رسول الله محمد بن عبدالله (حينما أرسل الوفود إلى الملوك والأباطرة والحكام يدعوهم إلى الإسلام، فكان حوار بين الوفود وهرقل إمبراطور الروم، ثم انطلقت العلاقة بين أخذ ورد، كان فيها نقاش وحِجَاج وجدال وحوار ما يزال قائمًا إلى يومنا هذا،وأخذ الحوار أشكالًا متعددة، منها العلمي والسياسي والحربي والبعثات العلمية والنقل والترجمة [1] . وظهرت الحروب الصليبية شكلًا من أشكال الحوار دام حوالي مائتي سنة، ثم تبعتها حوارات أخرى، كان الاستشراق شكلًا آخرَ من أشكالها، إبان الاحتلال وقبله وبعده، والتنصير كذلك. حَدَا هذا كلُّه ببعض المفكرين العرب المعاصرين إلى أن يدعو إلى قيام علم الاستغراب، فانبرى الدكتور حسن حنفي ونشر كتابًا ضخمًا في مجلد واحد سنة 1412هـ/ 1992م بعنوان: مقدمة في علم الاستغراب، وجاء الكتاب في تسعمائة وعشر (910) صفحات، ليأتي هذا العلم مواجهًا للتغريب "الذي امتد أثره، ليس فقط إلى الحياة الثقافية وتصوراتها للعالم، وهدد استقلالنا الحضاري، بل امتد إلى أساليب الحياة اليومية، ونقاء اللغة، ومظاهر الحياة العامة وفن العمارة" [2] . ونبعت الدعوة إلى وجود مثل هذا العلم من الشعور بأن الساحة العربية الفكرية تكاد تخلو من معرفة الآخر،وهذا زعم جاء نتيجة للتقصير في تتبع النتاج الفكري العربي الإسلامي، الذي لم يخلُ في زمن من أزمان ازدهاره من الحوار الفكري مع الآخر، لكن هذا لم يسمَّ علمًا أو استغرابًا أو نحو ذلك، ولكنه أخذ طابعَ الحوارات والردود على الآخر، وتبيان الحق في الديانات الثلاث: اليهودية والنصرانية والإسلام، بما في ذلك التعرض إلى طبيعة عيسى ابن مريم - عليهما السلام - من أنه لم يكن إلا عبدًا عن عباد الله، أرسله الله مبشرًا ونذيرًا، فكان - عليه السلام - مبشرًا اصطفاه الله تعالى بالرسالة، ومعجزات مؤيدات لرسالته. وقد يقال: إن هذا جانبٌ واحد من جوانب الحوار، وهو الاستغراب، مركز على البعد الديني، لا سيما الجانب العقدي منه، وهذا صحيح؛ إذ إن الاستشراق في منطلقاته الأولى كان على هذه الشاكلة من التركيز على الأبعاد الدينية للإسلام، معرِّجًا على القرآن الكريم والرسول - عليه الصلاة والسلام - والرسالة والسنة والصحابة والفتح الإسلامي [3] . والجوانب الأخرى للاستغراب، إذا سمح المصطلح، تمثلت في نقل الحضارات الأخرى وعلمها وفكرها المتماشيين مع الإسلام عن طريق النقل والترجمة عن اللغات الأخرى، بما في ذلك ترجمة أعمال دواوين الخلافة عندما تبين أن الإجراءات الإدارية، بما فيها اللغة، قد نقلت من ذوي التجارِب السابقة. وليس النقل والترجمة شكلًا من أشكال الاستغراب الواضح، ولكنها تسهم، من دون شك، في تلقي الأفكار، ثم معرفتها، من خلال ما يقبل من نتاج القوم العلمي والأدبي والفني. وليس الاستغراب أو غربلوجيا هو التعامل مع الآخر بالمنطلق نفسه الذي تعامل فيه الآخر مع المسلمين؛ ذلك أن منطلقات المسلمين نفسها تمنع من ذلك، يقال هذا ردًّا على من قال هذا؛ إذ إننا مطالبون بالعدل مع الآخر، حتى أولئك الذين بيننا وبينهم عداوة وشنآن. ومهما كان التوجه نحو الاستغراب، فإن المطلوب دائمًا تجنب الإثارة، واللجوء إلى الطرح الإعلامي السريع في قضايا عميقة جدًّا تحتاج إلى بحث علمي جاد، بعيد تمامًا عن القفز إلى النتائج، ناهيك عن وضع النتائج قبل المقدمات؛ذلك أننا مطالَبون بالقسط والعدل مع جميع من نتعامل معهم، والعدل أقرب إلى التقوى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8]. ولا يلغي هذا الاستمرار في إيجاد مثل هذا العلم الذي يكشف الآخر كشفًا موضوعيًّا مبنيًّا على التحليل العلمي والثقافي والاجتماعي والأنثروبولوجي والإثنوجرافي والسياسي والاقتصادي، وذلك للوصول إلى رؤية واضحة نحو التعامل مع هذا الآخر. ويمكن قَبول الاستغراب من هذا المنطلق؛ سعيًا إلى فهم الآخر فهمًا مباشرًا من أجل التعامل معه تعاملًا يعود نفعه علينا نحن مباشرة بالدرجة الأولى، ثم يعود نفعه عليه بالدرجة الثانية إذا كان لهذا الأمر درجات! وهذا ما يسعى إليه المسلمون في سبيل التعامل مع ما حولهم ومع مَن حولهم، فلم يعودوا في معزل عن العالم، ولم يَعُدِ العالم في معزل عنهم [4] . وعليه يمكن أن ينظر إلى الاستغراب على أنه: "الوجه الآخر والمقابل، بل والنقيض من "الاستشراق"، فإذا كان الاستشراق هو رؤية الأنا (الشرق) من خلال الآخر (الغرب)، يهدف "علم الاستغراب" إذًا إلى فك العقدة التاريخية المزدوجة بين الأنا والآخر،والجدل بين مركب النقص عند الأنا ومركب العظمة عند الآخر" [5] ،ويحتاج هذا إلى ما يحتاجه من ترجمته على الواقع العلمي والفكري. [1] انظر: محمد عبدالحميد الحمد ، حوار الأمم: تاريخ الترجمة والإبداع عند العرب والسريان - دمشق: دار المدى، 2001م - ص 531. [2] انظر: حسن حنفي ، مقدمة في علم الاستغراب - مرجع سابق - ص 18 - 19. [3] انظر: علي بن إبراهيم النملة ، نقد الفكر الاستشراقي: الإسلام - القرآن الكريم - الرسالة - مرجع سابق - ص 280. [4] انظر: مازن مطبقاني ، الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية - أبها: نادي أبها الأدبي، 1418هـ/ 1997م - ص 115. [5] انظر: حسن حنفي ، مقدمة في علم الاستغراب - مرجع سابق - ص 23. |