article_title
stringlengths
1
185
author_name
stringlengths
2
70
date_added
stringlengths
10
10
read_count
int64
24
10.8M
article_link
stringlengths
45
1k
text
stringlengths
6
254k
الإمام الحافظ محمد ابن إسحاق بن خزيمة
د. محمد مصطفى الأعظمي
03-11-2020
18,289
https://www.alukah.net//culture/0/142875/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a5%d8%b3%d8%ad%d8%a7%d9%82-%d8%a8%d9%86-%d8%ae%d8%b2%d9%8a%d9%85%d8%a9/
الإمام الحافظ محمد ابن إسحاق بن خزيمة بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ابن خزيمَة وصَحِيحُه: يُعد القرنان الثالث والرابع الهجريان من أنضج قرون الثقافة الإسلامية إنتاجًا، وما غرس في القرن الأول على يد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وسقي على أيدي التابعين وأتباع التابعين في القرن الثاني بدأ يؤتي أكله ناضجًا شهيًا في القرنين الثالث والرابع. في هذا العصر الذهبي ولد إمام الأئمة فقيه الآفاق المجتهد المطلق، أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري مولى مجشر بن مزاحم، في شهر صفر سنة ثلاث وعشرين ومائتين بنيسابور [1] . عني بالحديث منذ حداثته، وسمع من إسحاق بن راهويه المتوفى سنة 238 هـ، ومحمد بن حميد المتوفى سنة 230هـ "ولم يحدث عنهما لكونه كتب عنهما في صغره وقبل فهمه وتبصره" [2] . رحلاته لطلب العلم: وعلى سنة الزمان أراد أن يرتحل لسماع الحديث النبوي، وكان يرغب في الذهاب إلى قتيبة، فاستأذن أباه، فأجابه: "اقرأ القرآن أولاً حتى آذن لك". يقول ابن خزيمة: "فاستظهرت القرآن، فقال لي: امكث حتى تصلي بالختمة، ففعلت، فلما عيدنا أذن لي، فخرجت إلى مرو وسمعت بمرو الروذ من محمد بن هشام -يعني صاحب هشيم- فنعى إلينا قتيبة" [3] . وكانت وفاة قتيبة في سنة أربعين ومائتين [4] . فعلى هذا بدأ ابن خزيمة رحلاته العلمية وهو في السابعة عشرة من عمره، وقد اتسعت رحلاته حتى شملت الشرق الإسلامي حينذاك، فسمع: بنيسابور... ابن راهويه وغيره. وبمرو... علي بن محمد وغيره. وبالري... محمد بن مهران وغيره. وبالشام... موسى بن سهل الرملي وغيره. وبالجزيرة... عبد الجبار بن العلاه وغيره. وبمصر... يونس بن عبد الأعلى وغيره. وبواسط... محمد بن حرب وغيره. وببغداد... محمد بن إسحاق الصاغاني وغيره. وبالبصرة... نصر بن علي الأزدي الجهضمي وغيره. وبالكوفة... أبا كريب محمد بن العلاء الهمداني وغيره [5] . كما سمع من البخاري ومسلم بن الحجاج القشيري والذهلي وخلق. روى عنه جماعة من مشايخه منهم البخاري ومسلم خارج الصحيحين. ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم شيخه، ويحيى بن محمد بن صاعد، وأبو علي النيسابوري وخلائق [6] ، وآخر من روى عنه بنيسابور حفيده أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة [7] . شجاعته الأدبية: كان ابن خزيمة جريئًا لا يخاف الأمراء والولاة ولا يهابهم، قال أبو بكر بن بالويه: "سمعت ابن خزيمة يقول: كنت عند الأمير إسماعيل بن أحمد فحدَّث عن أبيه بحديث وهم في إسناده فرددته عليه، فلما خرجت من عنده قال أبو ذر القاضي: قد كنا نعرف أن هذا الحديث خطأ منذ عشرين سنة فلم يقدر واحد منا أن يرده عليه، فقلت له: لا يحل لي أن أسمع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه خطأ أو تحريف فلا أرده" [8] . كرمه وسخاؤه: كان ابن خزيمة رضي الله عنه سخيًا جوادًا كريمًا، كان يتصدق حتى بملابسه، ويبدو أنه لم يكن يلبس القميص الواحد مرتين [9] . قال محمد بن الفضل: كان جدي أبو بكر لا يدخر شيئًا جهده، بل ينفقه على أهل العلم، ولا يعرف صنجة الوزن ولا يميز بين العشرة والعشرين [10] "ربما أخذنا منه العشرة فيتوهم أنها خمسة" [11] . وقال الحاكم: إن ابن خزيمة عمل دعوة عظيمة ببستان جمع فيها الفقراء والأغنياء ونقل كل ما في البلد من الأكل والشواء والحلوى، وكان يوماً مشهودًا بكثرة الخلائق، ولا يتهيأ مثله إلا لسلطان كبير [12] وكان ذلك في جمادى الأولى سنة تسع وثلاثمائة [13] . ثناء الأئمة عليه: قال ابن حبان: "ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها، الصحاح وزياداتها حتى كأن السنن كلها بين عينيه، إلا محمد بن إسحاق فقط" [14] . وقال الدارقطني: كان ابن خزيمة ثبتًا معدوم النظير [15] . وقال ابن أبي حاتم وقد سئل عن ابن خزيمة: ويحكم، هو يُسأل عنّا ولا نُسأل عنه، وهو إمام يقتدى به [16] . وقال أبو علي الحسين بن محمد الحافظ: "لم أرَ مثل محمد بن إسحاق، قال: وكان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ السورة" [17] . وقال ابن السريج: ابن خزيمة يخرج النكت من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمنقاش [18] . وفاته: توفي ابن خزيمة ليلة السبت الثاني من ذي القعدة سنة إحدى عشرة وثلائمائة وصلى عليه ابنه أبو النصر، ودفن في حجرة في داره، ثم صيرت تلك الحجرة مقبرة، رحمة الله عليه رحمة واسعة. قال بعض أهل العلم في رثائه [19] : يا ابن إسحاق قد مضيت حميدًا فسقى قبرك السحاب الهتون ما توليت، لا بل العلم وَلّى ما دفناك بل هو المدفون قال الحاكم: فضائل ابن خزيمة مجموعة عندي في أوراق كثيرة [20] ، ومصنفاته تزيد على مائة وأربعين كتابًا سوى المسائل، والمسائل المصنفة مائة جزء، وله فقه حديث بريرة في ثلاثة أجزاء. وقال السبكي: "من أراد الإحاطة بترجمته فعليه بها في تاريخ نيسابور للحاكم أبي عبد الله" ولكن هل بقي لنا التاريخ؟؟؟ مؤلفاته: يذكر أبو عبد الله الحاكم -كما رأينا- أن مؤلفات ابن خزيمة تزيد على مائة وأربعين، والمراجع المتوفرة في أيدينا لا تعطي آية فكرة عن مؤلفاته، بل تبخل علينا حتى بأسمائها. ولا نعلم في الوقت الحاضر إلا كتاب "التوحيد" الذي طبع من قبل، وهذا الجزء المتبقي من صحيحه. وكتاب آخر له باسم: "شأن الدعاء وتفسير الأدعية المأثورة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهو من محفوظات الظاهرية. ومن عادة ابن خزيمة أنه يحيل كثيرًا إلى مؤلفاته ويذكرها في ثنايا كتبه، كما هو واضح لكل دارس لكتابيه "التوحيد" و"صحيحه". وبدراسة هذين الكتابين دراسة إجمالية، أُقدم الآن قائمة لبعض كتبه التي ورد ذكرها في هذين الكتابين: 1) كتابة الأشربة [21] . 2) كتاب الإمامة [22] . 3) كتاب الأهوال [23] . 4) كتاب الإيمان [24] . 5) كتاب الأيمان والنذور [25] . 6) كتاب البر والصلاة [26] . 7) كتاب البيوع [27] . 8) كتاب التفسير [28] . 9) كتاب التوبة [29] . 10) كتاب التوكل [30] . 11) كتاب الجنائز [31] . 12) كتاب الجهاد [32] . 13) كتاب الدعاء [33] . 14) كتاب الدعوات [34] . 15) كتاب ذكر نعيم الجنة [35] . 16) كتاب ذكر نعيم الآخرة [36] . 17) كتاب الصدقات [37] . 18) كتاب الصدقات من كتابه الكبير [38] . 19) كتاب صفة نزول القرآن [39] . 20) كتاب المختصر من كتاب الصلاة [40] . 21) كتاب الصلاة الكبير [41] . 22) كتاب الصلاة [42] . 23) كتاب الصيام [43] . 24) كتاب الطب والرقى [44] . 25) كتاب الظهار [45] . 26) كتاب الفتن [46] . 27) فضل علي بن أبي طالب [47] . 28) كتاب القدر [48] . 29) كتاب الكبير [49] . 30) كتاب اللباس [50] . 31) كتاب معاني القرآن [51] . 32) كتاب المناسك [52] . 33) كتاب الورع [53] . 34) كتاب الوصايا [54] . 35) كتاب القراءة خلف الإمام [55] . وبعد تقصّي أسماء هذه الكتب من كتابي ابن خزيمة يعترضني تساؤل: ترى هل ألّف ابن خزيمة هذه الكتب وسماها بهذه الأسماء وكل منها كتاب مستقل قائم بذاته؟ أم أنها في الواقع أسماء لأجزاء صغيرة تكوِّن -مجتمعة- كتابًا واحداً كبيراً؟ أم البعض منها كتب كبيرة والبعض الآخر أجزاء من كتاب كبير؟. ولعل الاحتمال الأخير هو الأرجح، والذي دفعنا لهذا أننا نرى أسلوب المحدثين في كتبهم على هذه الشاكلة، كل كتاب منها يشتمل على عديد من الكتب. فمثلاً كتاب " صحيح البخاري " يشتمل على: 1 - كتاب الإيمان. 2 - كتاب العلم. 3 - كتاب الوضوء. 4 - كتاب الغسل. 5 - كتاب الحيض. 6 - كتاب التيمم. 7 - كتاب الصلاة... وهلمّ جرّا. وابن خزيمة لا بد أنه سلك هذا الطريق، ويتقوى هذا الظن بمقارنة كتاباته بعضها ببعض، فمثلاً: 1 - يقول ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" ص 42: ".. عن سعيد بن يسار أبي الحباب أنه سمع أبا هريرة بهذا الحديث موقوفاً... خرّجت هذا الباب في كتاب الصدقات أول باب من أبواب صدقة التطوع". والحديث المذكور أعلاه نجده في الورقة (246 - ب رقم (2425) من "صحيح ابن خزيمة"، جماع أبواب صدقة التطوع، باب في فضل الصدقة. 2 - ذكر ابن خزيمة في كتاب "التوحيد" ص 78. شهود الملائكة صلاة العصر وصلاة الفجر، فقال: "خرّجت هذا الباب بتمامه في كتاب الصلاة وكتاب الإمامة". والحديث المشار إليه موجود بتمامه في كتاب الصلاة من "صحيح ابن خزيمة"، الحديث رقم (321، 322)، وأشار إلى هذا الحديث في كتاب الإمامة، فقال: "أمليت في أول كتاب الصلاة". 3 - وفي كتاب "التوحيد"، ص 9، ذكر حديثاً في فضائل الصيام، وقال: "قد أمليت أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم-.. بعضه في كتاب الصيام وبعضه في كتاب الجهاد" ونجد الحديث ذاته موجودًا في "صحيح ابن خزيمة" ورقة (217 - ب). إذن من المحتمل أن بعض هذه الكتب التي أوردت أسماءها في قائمة مؤلفات ابن خزيمة أجزاء من كتبه الكبيرة. صحيح ابن خزيمة، تسميته: لم يرد في قائمة مؤلفاته التي سبقت ذكر لـ "صحيح ابن خزيمة"، إذ لم يشر إليه ابن خزيمة في كتاب "التوحيد"، رغم مكانة هذا الكتاب بين مؤلفاته، فما هو السر؟ في الواقع إن ابن خزيمة لم يسم كتابه باسم "الصحيح" كما أن ابن حبان لم يسم كتاب "صحيح ابن حبان"، بل إن البخاري نفسه لم يسم كتابه بـ "صحيح البخاري"، بل سماه "الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسننه وأيامه" [56] . وسمى ابن حبان كتابه بـ "المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع"، كذلك سمى ابن خزيمة كتابه بـ "مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي". لكن هذه الكتب اشتهرت مؤخرًا باسم "الصحيح". ولم أجد أحدًا من المتقدمين سمى كتاب ابن خزيمة باسم "الصحيح". قال الخليلي (ت سنة 446هـ) في الإرشاد: "وآخر من روى عنه (أي عن ابن خزيمة) بنيسابور سبطه محمد بن الفضل، روى عنه "مختصر المختصر" وغيره [57] . وقال البيهقي (المتوفى سنة 458هـ) في "السنن الكبرى" (1: 434): "... رواه محمد بن خزيمة في "مختصر المختصر"... ". وبهذا الاسم ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء"، (11: 239 ب)، فقال: "وقد سمعنا "مختصر المختصر" له عاليًا.... ". أما الخطيب البغدادي (ت سنة 463هـ) فلم يسم لنا اسم الكتاب، ولكنه ذكر في معرض ما حقه التقديم في السماع، فقال: ".. أحقها بالتقديم كتاب الجامع والمسند الصحيحين لمحمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج النيسابوري... وكتاب محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الذي يشترط فيه على نفسه إخراج ما اتصل سنده بنقل العدل عن العدل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-... " [58] . وذكر ابن الصلاح (ت سنة 643هـ) هذا الكتاب فيمن اشترط جمع الصحيح في كتبه، وقال: "ككتاب ابن خزيمة" [59] . ولكنه في وقت متأخر نسبيًا بدأ يشتهر الكتاب باسم "صحيح ابن خزيمة" ويستعمل المنذري (المتوفى سنة 656هـ) في كتابه "الترغيب والترهيب" (1: 43) اسم الصحيح، فيقول: "ورواه ابن خزيمة في "صحيحه"، نحو هذا وكذلك في أماكن أخرى من هذا الكتاب". ويقول الدمياطي (ت سنة 705هـ): "إن كتاب "صحيح ابن خزيمة" لم يقع له منه إلا ربعه الأول" [60] .. وقال التركماني (المتوفى سنة 745هـ): ولهذا أخرج أبو بكر بن خزيمة في "صحيحه". انظر تعليقه على "السنن الكبرى" (1: 101). ويسميه الزيلعي (ت سنة 762هـ) في "نصب الراية" باسم "صحيح ابن خزيمة" وبهذا الاسم ذكره ابن حجر والسيوطي وابن فهد والآخرون. لكن الكتاب الذي اشتهر على ألسنة العلماء والمحدثين باسم "صحيح ابن خزيمة" يبدو أن مؤلفه سماه "مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- " [61] . كيف ألّف ابن خزيمة "الصحيح" أو "مختصر المسند"؟: يذكر ابن خزيمة في بداية كل كتاب: "المختصر من المختصر من المسند"، فمثلاً يقول في الصفحة 45: كاب الوضوء، "مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-"، وفي الصفحة 186: كتاب الصلاة، "المختصر من المختصر من المسند الصحيح". وفي الورقة (228 - أ) الصفحة 1070: كتاب الزكاة، "المختصر من المختصر من المسند.. " وفي الورقة (253 - أ) الصفحة 1199: كتاب المناسك، "المختصر من المختصر من المسند". ومن هذا يتضح جليًا أن هذا الكتاب ما هو إلا مختصر لكتابه "الكبير". وأشار ابن خزيمة إلى كتابه "الكبير" مرة بعد مرة، كما أشار إلى "المختصر" أيضًا وفرَّق بينهما. فقال في كتاب "التوحيد" ص 227: "قد أمليت طرق هذا الخبر في كتاب "المختصر" من كتاب الصلاة".. وأشار إلى كتابه "الكبير" في كتاب "التوحيد" ص 104، فقال: "خرّجته بطوله في كتاب الصدقات من "كتاب الكبير" كما ذكر هذا الكتاب مرة بعد مرة في "الصحيح" ذاته، فقال في الصفحة 278: "قد خرّجت طرق هذا الخبر وألفاظها في كتاب الصلاة "كتاب الكبير""، وقال مرة أخرى في الصفحة 315، 316: "خرّجته في "كتاب الكبير". وقال بعد ذلك في الصفحة 336: "قد خرّجت هذا الباب بتمامه في كتاب الصلاة "كتاب الكبير""، ثم ذكره في الصفحة 364 قائلاً: "خبر أيوب عن أبي قلابة خرّجته في "كتاب الكبير"". المسند الكبير لابن خزيمة: رأينا أن ابن خزيمة أشار إلى كتابه "الكبير" في كتاب التوحيد وكذلك ذكره مراراً في هذا المختصر أيضاً. وهنا ينشأ سؤال آخر، هل ألّف ابن خزيمة، "المسند الكبير" أولاً ثم اختصر منه هذا "الصحيح"، أو كان "المسند الكبير" في شكل المسودات؟ كان يزيد فيه أشياء ويحذف منه، ثم اختصر منه هذا المختصر؟ يستعمل ابن خزيمة عادة صيغة الماضي، فيقول: قد خرّجت، وخرَّجته، وما شاكل ذلك من الكلمات، وهي تشير إلى أنه قد أكمل "المسند الكبير"، لكنا نجده أحياناً قد غير أسلوبه، فيقول في المختصر الصفحة 260: "قد خرّجت باب المشي إلى المساجد في كتاب الإمامة"، ثم يقول في الصفحة 290: "وسأخرِّج هذه الأخبار أو بعضها في كتاب الإمامة لكنه يعود فيقول بعد قليل في الصفحة 291: "قد خرَّجت طرق هذا الخبر في كتاب الإمامة". ويذكر بعد ذلك في الصفحة 303 فيقول: "قد بيَّنت في كتاب الإمامة... ". علماً بأن كتاب الإمامة متقدم مئات الصفحات على هذه الأبواب التي وردت فيها الإشارة إلى كتاب الإمامة، بالرغم من هذا يقول مرة: قد خرجت، ويذكر مرة ثانية فيقول: سأخرّج هذه الأخبار... والآن، يمكننا أن نلخص فنقول: 1 - إن هذا الكتاب -على الأغلب- مختصر من "مسنده الكبير". 2 - إن "المسند الكبير"، لم يكن قد تمَّ تأليفه، بل كان يضيف إليه الأشياء حسبما يتراءى له، وربما أضاف أشياء إلى المختصر لم يضفها إلى المسند الكبير. منهجه في التأليف: يبدو من كتاباته أنه كان يستعمل منهج الإملاء في تأليف كتبه للأحاديث النبوية، إذ تتكرر كلمة الإملاء في كتاباته، فمثلًا يقول في كتاب "التوحيد"، الصفحة 38: "قد أمليته في كتاب الإيمان". ويقول في الصفحة 232: "فقد أمليت هذا الباب من كتاب الأيمان والنذور". ويقول في الصفحة 97: "قد أمليت خبر ابن عباس بتمامه في كتاب التوكل". ويقول في الصفحة 80: "قد أمليته في كتاب الدعاء". ويقول في الصفحة 71: "قد أمليت هذا الباب في كتاب ذكر نعيم الجنة". ويقول في الصفحة 227: "قد أمليت طرق هذا الخبر في كتاب المختصر". ويقول في "الصحيح" (157 - أ) الصفحة 715: "أمليت في أول كتاب الصلاة". وهناك أمثلة كثيرة تركتها خوفًا من التطويل، يذكر فيها ابن خزَيمة إملاءه على الطلاب، ويمكننا أن نستنتج في ضوء هذه النصوص أنه كان يقوم بإملاء كتبه على طلابه. "صحيح ابن خزيمة" ومنزلته العلمية: قال أحمد شاكر: "صحيح ابن خزيمة" و"المسند الصحيح على التقاسيم والأنواع"، لابن حبان، و"المستدرك على الصحيحين" للحاكم: "هذه الكتب الثلاثة هي أهم الكتب التي ألفت في الصحيح المجرد بعد "الصحيحين" للبخاري ومسلم" [62] . وأضاف إليه قائلاً: "وقد رتب علماء هذا الفن ونقاده، هذه الكتب الثلاثة التي التزم مؤلفوها رواية الصحيح من الحديث وحده، أعني الصحيح المجرد بعد "الصحيحين": البخاري ومسلم، على الترتيب الآتي: "صحيح ابن حزيمة". "صحيح ابن حبان". "المستدرك للحاكم"، ترجيحًا منهم لكل كتاب منها على ما بعده في التزام الصحيح المجرد، وإن وافق هذا مصادفة ترتيبهم الزمني، عن غير قصد إليه [63] . وبيّن ابن الصلاح الكتب التي يستفيد منها طالب الحديث الزيادة في الصحيح على ما في "الصحيحين"، فقال: "ويكفي مجرد كونه موجودًا في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه ككتاب ابن خزيمة.. [64] . وقال الحافظ العراقي في "شرح الألفية في المصطلح": ويُؤخذ الصحيح أيضًا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط، كـ "صحيح أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة.. "" [65] . وقال السيوطي: "صحيح ابن خزيمة" أعلى مرتبة من "صحيح ابن حبان" لشدة تحريه، حتى إنه يتوقف في التصحيح لأدنى كلام في الإسناد فيقول: "إن صح الخبر" أو "إن ثبت كذا" ونحو ذلك [66] . ومن هنا يظهر خطأ ما فهمه واستنتجه محقق "نصب الراية" للزيلعي (1: 315) إذ قال: "إن "صحيح ابن خزيمة" ليس كالصحيحين" وأبي داود والنسائي، بل دأبه كدأب الترمذي والحاكم، يتكلم على كل حديث بما يناسبه، يصححه إن رأى ذلك، وإليه الإشارة في "فتح المغيث" ص 14، وكم في كتاب ابن خزيمة أيضاً من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن". ومن الواضح إننا لا نحتاج إلى إقامة برهان أو استنتاج منطقي لتفنيد هذا القول، إذ الكتاب خير دليل للرد عليه. ابن خزيمة وشدة تحريه في صحيحه: مر بنا آنفاً كلام السيوطي في شدة تحري ابن خزيمة، ونجد أمثلة واضحة في "صحيح ابن خزيمة" مصدقة لقول السيوطي. قال أبو بكر: "أنا استثنيت صحة هذا الخبر، لأني خائف أن يكون محمد بن إسحاق لم يسمع من محمد بن مسلم وإنما دلسه عنه" [67] . وقال: "ابن لهيعة ليس ممن أُخرج حديثه في هذا الكتاب، إذا تفرد برواية" [68] . وقال: "في القلب من هذه اللفظة التي ذكرها محمد بن جعفر... " [69] . وقال: "ولا أُحِل لأحد أن يروي عني بهذا الخبر إلا على هذه الصيغة، فإن هذا إسناد مقلوب.. " [70] . وقال: "كان في القلب من هذا الإسناد شيء" [71] . وقال الذهبي: "وقد كان هذا الإمام جهبذًا، بصيرًا بالرجال، فقال فيما رواه عنه أبو بكر محمد بن جعفر شيخ الحاكم: لست أحتج بشهر بن حوشب ولا بحريز بن عثمان لمذهبه ولا بعبد الله بن عمر ولا ببقية ولا بمقاتل بن حبان ولا بأشعث بن سوار ولا بعلي بن جدعان لسوء حفظه ولا بعاصم بن عبيد الله ولا بابن عقيل ولا بيزيد بن أبي زياد ولا مجالد ولا حجاج بن أرطأة ثم سمى خلقًا، دون هؤلاء في العدالة، فإن المذكورين احتج بهم غير واحد" [72] . مرت بنا نقول من كلام المحدثين تشعر بالحكم بصحة الحديث إذا أخرجه ابن خزيمة، أما العماد بن كثير فيقول: "قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة، وهما خير من "المستدرك" بكثير، وأنظف أسانيد ومتونًا، وعلى كل حال فلا بد من النظر للتمييز، وكم في كتاب ابن خزيمة أيضًا من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن" [73] . أقول: إن "صحيح ابن خزيمة" ليس كـ "الصحيحين"، بحيث يمكن القول إن كل ما فيه هو صحيح، بل فيه ما هو دون درجة الصحيح. وليس مشتملاً على الأحاديث الصحيحة والحسنة فحسب، بل يشتمل على أحاديث ضعيفة أيضاً إلا أن نسبتها ضئيلة جداً، إذا قورنت بالأحاديث الصحيحة والحسنة، وتكاد لا توجد الأحاديث الواهية أو التي فيها ضعف شديد إلا نادرًا كما يتبين بمراجعة التعليقات. المصدر: مقدمة تحقيق كتاب "صحيح ابن خزيمة"، ط المكتب الإسلامي، ط 3، 1424 هـ - 2003 م [1] مصادر ترجمة ابن خزيمة: الإرشاد للخليلي، مخطوط ق 172. البداية والنهاية لابن كثير 11: 149. تاريخ جرجان للسهمي 413. تاريخ نيسابور (المختصر) 51. تذكرة الحفاظ للذهبي 720 - 721. الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي 3/ 2: 96. سير أعلام النبلاء للذهبي، مخطوط، 9: 235 - 240. (المطبوع 14: 365 - 382). طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 3: 109 - 119. طبقات الفراء للجزري 2: 97. العبر للذهبي 2: 149. المنتظم لسبط ابن الجوزي 6: 186. الوافي بالوفيات للصفدي 2: 196. [2] سير أعلام النبلاء 9: 235 أ-ب. [3] تذكرة الحفاظ 722، سير أعلام النبلاء 236:9 ب. [4] قتيبة بن سعيد: ثقة ثبت، مات سنة 240هـ عن تسعين سنة، روى عنه البخاري ثلاثمائة وثمانية أحاديث، ومسلم ستمائة وثمانية وسنين حديثًا. تهذيب 8: 360 - 361. [5] انظر المنتظم لسبط ابن الجوزي 6: 184. [6] طبقات الشافعية الكبرى 3: 110. [7] الإرشاد للخليلي ق 172أ. [8] طبقات الشافعية للسبكي 3: 111. [9] طبقات الشافعية للسبكي 3: 111. [10] طبقات الشافعية للسبكي 3: 119. [11] سير أعلام النبلاء 9: 236 ب. [12] طبقات الشافعية 3: 119. [13] سير أعلام النبلاء 9: 238أ. [14] طبقات الشافعية 3: 118؛ تذكرة الحفاظ 723. [15] طبقات الشافعية 3: 118؛ تذكرة الحفاظ 728. [16] طبقات الحفاظ 729؛ طبقات الشافعية 3: 118. [17] تذكرة الحفاظ 728. [18] طبقات الشافعية 3: 112. [19] طبقات الشافعية 3: 112. [20] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء 9: 239 ب: "ولابن خزيمة ترجمة طويلة في تاريخ نيسابور تكون بضعًا وعشرين ورقة". [21] التوحيد ص 235. [22] التوحيد ص 78؛ الصحيح ص 260؛ 290، 303. [23] التوحيد ص 184. [24] التوحيد ص 38، 117، 224، 227، 249؛ الصحيح ص 62، 192. [25] التوحيد ص 232. [26] التوحيد ص 235. [27] الصحيح ص 140. [28] التوحيد ص 134؛ الصحيح ص 256. [29] التوحيد ص 51. [30] التوحيد ص 97. [31] التوحيد ص 12، 79، 242. [32] التوحيد ص 29، 153، 239؛ انظر أيضًا: تذكرة الحفاظ 724؛ سير أعلام النبلاء 9: 236 ب. [33] التوحيد ص 5، 10، 80، 107 وتوجد في الظاهرية مخطوطة لابن خزيمة باسم شأن الدعاء. [34] التوحيد ص 25. [35] التوحيد ص 71. [36] التوحيد ص 207، 208. [37] التوحيد ص 43. [38] التوحيد ص 104. [39] التوحيد ص 98. [40] التوحيد ص 227. [41] التوحيد ص 200، 249، 312. [42] التوحيد ص 25، 78، 245. [43] التوحيد ص 9. [44] التوحيد ص 109. [45] التوحيد ص 32، 82. [46] التوحيد ص 32، 115. [47] التوحيد ص 23. [48] التوحيد ص 4، 38، 39، 40، 55. [49] التوحيد ص 290، 342. [50] الصحيح ص 403. [51] التوحيد ص 185، 199، 238؛ الصحيح ص 278، 280. [52] التوحيد ص 154. [53] التوحيد ص 232. [54] التوحيد ص 13. [55] التوحيد ص البيهقي، السنن الكبرى 2: 170. [56] مقدمة ابن الصلاح 24، 25. [57] الإرشاد 172 ب. [58] الجامع للخطيب البغدادي 157أ-ب. [59] التقليد والإيضاح 16. [60] انظر مقدمة كتاب التوحيد لإدارة المطبعة المنيرية، ولا أدري هذا الكلام نقل حرفيًا أم فيه تصرف. [61] ولمزيد من التوضيح انظر الصفحة 29 - 30 من المقدمة. [62] مقدمة صحيح ابن حبان 6، 7. [63] مقدمة صحيح ابن حبان 11. [64] مقدمة ابن الصلاح 16. [65] نقلاً عن مقدمة ابن حبان لأحمد شاكر الصفحة 12؛ توضيح الأفكار 1: 64. [66] تدريب الراوي 54. [67] 1: 109. [68] 1: 113. [69] 1: 148. [70] 1: 258. [71] 1: 259. [72] سير أعلام النبلاء 9: 237أ. [73] أحمد شاكر في مقدمة صحيح ابن حبان 13 نقلاً عن فتح المغيث.
قصة هود عليه السلام
د. محمد منير الجنباز
02-11-2020
69,417
https://www.alukah.net//culture/0/142863/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%87%d9%88%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
قصة هود عليه السلام نبيٌّ أرسله الله إلى قبيلة عاد، وكانت تسكن في بلاد حضرموت، وهي أرض واسعة، ما بين البحر جنوبًا والجبال شمالًا، تسمى الأحقاف، وتتخلل الأرضَ أوديةٌ كثيرة، منها: وادي حضرموت، وبين هود ونوح أربعة أجداد، وقوم هود من العرب، وهم عاد الأولى؛ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 6 - 8]، وفُسرت العِماد بالعمد الكثير دليل سكنى الخيام، وبالقوة والشدة، وكانوا أهل أنعام كثيرة دليل بداوتهم، وأهل قرى دليل تحضرهم، فهم على هذا قسمان: بدو، وحضر؛ ﴿ وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ﴾ [الشعراء: 132 - 134]، فماذا فعل قوم عاد؟ قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ [فصلت: 15]، لقد اغتَرَّ القوم بقوتهم، ورأوا أن قوتهم لا تقهر، وبهذه القوة يمكنهم أن يتجبروا ويتكبروا، وأن يفعَلوا ما يحلو لهم، فلا يستطيع أحد أن يصدهم عما هم فيه، وسيحطمون كل من يقف في طريقهم، وهكذا رأى قوم عاد أنهم فوق كل البشر، ونفَث الشيطان فيهم نزعة الشر والكبر والغرور، كما اتخذوا الأصنام آلهة لهم يعبدونها من دون الله، وكانت ثلاثة، هي: صداء وصمود والهباء أو الهناء، وقد ركزت الآيات على صفة القوة التي امتازوا بها، ولكن لم يدركوا أنه ما من قوة بشرية إلا ولها حد تقف عنده بالغة ما بلغت؛ قال الله تعالى: ﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾ [الشعراء: 128 - 130]، مصانع بمعنى قصور، وقيل: خزانات مياه أرضية، وقال: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 69]، لكن هذه القوة التي فخروا بها وتكبروا بها على الضعفاء جرَّتْهم إلى عصيان الله والشرك به، لكن الله - سبحانه وتعالى - القائل: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ [الإسراء: 15]، اختار مِن بينهم هودًا نبيًّا، فبعثه إليهم هاديًا ومبشرًا ونذيرًا: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾ [الأعراف: 65 - 68]. هؤلاء القوم الذين اغتروا بقوتهم المادية والمعنوية، ورفعوا عرانينهم في صلَفٍ للسماء، مَن يستطيع أن يقنعهم بالرجوع عن غيِّهم وضلالهم؛ لهذا كان ردهم على نبيِّهم هود باستخفاف، وقد ورد أن قوم هود هم أول الأقوام التي ضلت وعبدت الأوثان بعد أن أرسى نوحٌ الإسلامَ، وساد المسلمون فترة طويلة بعد الطوفان، حيث اجتث الكفار من على وجه الأرض، فكان هؤلاء الذين ابتدعوا الضلال وشذوا عن الطريق المستقيم، لكن منهج الأنبياء هو الاستمرار بالدعوة وبذل الوسع في ذلك والتنويع بالطرح، وليس من منهجهم الكف بعد الصد، وإنما تكرار المحاولة وعدم اليأس من الأقوام أو الحكم على استجابتهم من خلال الطرح الأول بأن هؤلاء ميئوس منهم، وأعلمهم بأنه لا يطلب أجرًا منهم لهذه المهمة: ﴿ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ * وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 51، 52]. وقد ركز هود على أمرين لهما أهمية كبيرة عند قوم هود، هما: القَطْر المدرار، وبلاد الأحقاف بحاجة ماسة إليه، والقوة التي يتفاخرون بها على الأمم الأخرى؛ فالمؤمن المستغفر يلقى المدد من ربه بلا شك، فيزداد بالإيمان قوة إلى قوته، مادية ومعنوية واقتصادية، وهذا أسلوب موفق من هود عليه السلام، فهل اقتنع قوم هود بقوله؟ لقد كان الرد ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [هود: 53]، رفضوا قوله جملة وتفصيلًا، بل طالبوه بالبينة على دعواه، فليس من السهل - كما يزعمون - أن يتخلَّوْا عن دينهم لمجرد أن يأتي فردٌ ليبطله، فما دليلك على صدق دعواك يا هود؟ لم يكن مع هود سوى الحجة والبرهان بعجز آلهتهم، وأنها حجارة لا تضر ولا تنفع، والتذكير بما كان عليه سلفهم نوح وأبناؤه الموحدون، وهم قريبو عهد بهم نسبيًّا، لكن هذا لم يُجِدِ نفعًا مع قومه، بل زادوا على أن اتهموه بالمس والجنون، ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾ [هود: 54]، فأعطَوا آلهتهم القدرة على الفعل، وهذا دليل عدم اقتناعهم بدعوة هود، وإصرارهم على التمسك بآلهتهم التي يجدون فيها القدرة على فعل الخير أو الشر، لكنَّ هودًا عليه السلام تبرأ مِن قولهم مباشرة؛ كيلا يظنوا أنه جاراهم في قولهم، وأن يعتقدوا للحظة ما أنه صدَّق ما يقولون، فانبرى بشدة للتبرؤ من عقيدتهم، فأشهد الله وأشهدهم على موقفه؛ كيلا يزوروا كلامه، وهذا تعليم لنا بألا نجاري أهل الأهواء في مثل هذه الأمور، ﴿ إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ ﴾ [هود: 54، 55]، ثم بعد تأكُّده مِن صدهم وعنادهم وأنهم صعدوا في التحدي وهددوا بالإيذاء، لم يبالِ بهم، بل تحداهم: ﴿ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 55، 56]. فلم يؤمِنْ مع هود - بعد هذا الجهد - إلا قليل من المتنورين، متحدين كبار القوم، وهنا وصل الحوار إلى طريق مسدودة، ﴿ قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ ﴾ [الشعراء: 136]، فالملأ مِن قوم عاد متمسكون بصلَفهم ووثنيتهم، ﴿ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأحقاف: 22]، وهكذا أسفَر وجه الطغاة عن صدٍّ وعناد وتحدٍّ لا يخشى العاقبة، ربما ساعد على هذا التحدي ما هم عليه من القوة والبطش، وظنوا أن التحدي مع هود وأتباعه الضعاف، ولم يدُرْ بخَلَدهم أنهم يعاندون الله، وكان بداية عقابهم أخذهم بالسنين، فمنع الله عنهم القطر، وبدأت ينابيعهم غيضًا، وبساتينهم يبسًا، وأنعامهم هزالًا، واستمروا على هذه الحال ثلاث سنين حتى أعيَوْا وأصبحوا ينتظرون المطر بفارغ الصبر، فاغبرت ديارهم، وكلحت وجوههم، ومع ذلك لم تَلِنْ قلوبهم، وورد في بعض الأخبار أنهم أرسلوا وفدًا للاستغاثة بمكة عند الكعبة، لكنهم لهَوْا شهرًا عند معاوية بن بكر يشربون الخمر وتُغنِّيهم الجرادتان - وهما جاريتان اشتهرتا بالغناء - ثم انتبهوا إلى قصدهم وأسرعوا إلى أرض الحرم يدعون ويستسقون، فظهرت لهم ثلاث سحائب سوداء وحمراء وبيضاء، فاختار داعيهم السوداء؛ لأنها أكثر السحاب ماءً، لكنه سمع صوتًا يقول له: اخترت رمادًا رمدًا، لا يبقي من عاد أحدًا، لا والدًا تترك ولا ولدًا، إلا جعلته همدًا. أقول: وهذا الخبر الذي لخصته هو من وضع الرواة، ولا يعاصر العهد الذي كان في زمن هود، وقد تكون هذه الحادثة في عهد عاد الثانية، وهي بعد هودٍ بمئات السنين. لقد كان العاديُّون متلهفين للمطر، تشرئبُّ أعناقهم كل يوم نحو السماء ينتظرون المطر بلا جدوى، حتى دب فيها اليأس، وأيقنوا بزوال مدينتهم التي بدأت تتآكل، ومع هذه الحال الصعبة والحرجة التي تلين لها القلوب، ويراجع فيها المعاند قيمه التي تمسَّك بها، ويوازن بينها وبين ما يدعوه إليه نبي الله ليكون على بينة أكثر، فإن العناد استمر، والتمسك بالقيم الزائفة ازداد، والتحدي برز على أشده: ﴿ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الأعراف: 70]، فكان جوابه: ﴿ قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ﴾ [الأعراف: 71]، رِجْس بمعنى: عذاب، فما هو هذا العذاب؟ لقد تعلقت قلوبهم بالمطر، واشرأبت أعناقهم نحو السماء، فأتاهم العذاب من السماء وكانوا ينتظرون منها الغيث: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ﴾ [الأحقاف: 24، 25]. وهكذا انصَبَّ عليهم العذاب صبًّا، ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ ﴾ [فصلت: 16]، وقال تعالى: ﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ * مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ [الذاريات: 41، 42]، وفي سورة "الحاقة" صورةٌ واضحة لِما حاق بقوم عاد من عذاب: ﴿ وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 6 - 8]، فعلى هذا فقد كان الغيم العارض الذي رأوه نذيرَ عاصفة عاتية شديدة البرودة، استمرت سبع ليالٍ أو ثمانية أيام حسومًا؛ أي: متتالية، وذلك إذا بدأنا العد ابتداءً باليوم فتليه الليلة وهكذا حتى ننتهي باليوم، فتكون المدة سبع ليال وثمانية أيام، فماذا كانت حالة القوم وهم يتعرضون لهذه الريح العاتية، وهل كانت ريحًا فقط لها عصف وعويل؟ فالعواصف القوية عادةً يرافقها قصف الرعود، وشرر الصواعق؛ لتزيد من الرهبة والخوف؛ ﴿ فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ [فصلت: 13]، لقد أحدثت عندهم صرعًا ودوارًا، وتغلغلت في أجسامهم حتى تركتها هزيلة خاوية كأنها أعجاز نخل خاوية. وقد ورد في الحديث الذي يرويه ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما فتح الله على عاد من الريح التي أهلكوا بها إلا مثل موضع الخاتم، فمرَّت بأهل البادية فحملتهم ومواشيهم وأموالهم بين السماء والأرض، فلما رأى ذلك أهل الحاضرة من عاد الريح وما فيها، ﴿ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ﴾ [الأحقاف: 24]، فألقت أهلَ البادية ومواشيهم على أهل الحاضرة))، وقيل: إن كل هذا التدمير كان يفتح طاقة للريح لم تزد عن فتحة الخاتم، ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، فما بالُك لو فتحت عليهم طاقة أكبر من هذا، لكانت اقتلعت الأرض بمن فيها، وقد ورد في التفاسير أن الريح كانت ترفع الشخص من قوم عاد إلى الأعلى في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه، فيبقى جثة بلا رأس، وهذا تفسير قوله: ﴿ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ﴾ [الحاقة: 7]، وفي سورة القمر: ﴿ تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ﴾ [القمر: 20]؛ أي: منقطع أو منقلع، و﴿ تَنْزِعُ ﴾ فيها الشدة والقهر، فهي تقتلعهم من أماكنهم بشدة، وترمي بهم على أم رؤوسهم، فيصبح شكلها كجذوع النخل المنقلعة من الأرض والمرمية بشكلها المتهالك، التي تظهر أن كارثة ما قد اجتاحتها، وورد: أن الله لما أهلكهم أرسل عليهم طيورًا سودًا، فنقلتهم إلى البحر وألقتهم فيه، ﴿ فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ﴾ [الأحقاف: 25]. ♦ ورد في الآية الكريمة: ﴿ أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ ﴾ [الشعراء: 133]؛ فالأنعام بالمقصد الخاص تعني الإبل، ﴿ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا ﴾ [الأنعام: 138]، وبالمعنى العام تعني الإبل والبقر والغنم والماعز؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ [المائدة: 1]، ومِن هذا المعنى العام فإن قوم عاد ملكوا الأنعام التي شملت الأصناف الأربعة. ♦ ﴿ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ ﴾ [الفجر: 7]، ذكر أنها اسم قبيلة عاد الأولى التي تنسب إلى الجد إرم؛ لأن عادًا هو ابن عوص بن إرم بن سام، ووصفت هذه القبيلة بالقوة أو بكثرة الأعمدة، وهذا دليل على كثرة البيوت والسكان، ﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾ [الفجر: 8]، قيل: مثل قبيلة إرم، حيث القوة والشدة وطول القامات، وقيل: مثل مدينة إرم ذات الأعمدة الكثيرة، حتى جاوز الخيال بعضهم، فقال: هي مدينة مبنية بالذهب والفضة، وحصباؤها من اللؤلؤ، وترابها من المسك، وزعم عبدالله بن قلابة - زمن معاوية - أنه رآها ودخلها، ثم وصفها لمعاوية، ولو دخلها فعلًا لكان من أغنى الأغنياء على ما رأى فيها من الذهب والفضة واللؤلؤ، وقال: هي في أرض عدن، فما الذي جعل معاوية لا يقصدها بعد أن أخبره خبرها؟ ليستفيد من كنوزها في بناء دولته، فهذا زعم باطل، إن هو إلا اختلاق. ♦ هل أتى هود قومه بمعجزة؟ لم يذكر القُرْآن أن هودًا كان معه معجزة ليبرهن على صدق دعواه، وهم قالوا له: ﴿ قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ ﴾ [هود: 53]، ولعل سبب ذلك قربُ عهدهم بنوح، وأن سفينة نوح ما زالت شاهدًا على نجاة المؤمنين وهلاك الكافرين، ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 15]، ولو قيل: إن سفينة نوح استقرت على الجودي، وهو جبل في العراق، نقول: إن سيطرة قوم عاد امتدت في فترة من التاريخ إلى ما هو أبعد من الجودي زمن شداد وشديد ابنا عاد. ♦ ﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 123]، ﴿ وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ ﴾ [هود: 59]، من هم رسل عاد؟ لم يذكر القُرْآن سوى هود، فكذبوه، وهذا على اعتبار أن من يكذب رسولًا فكأنما كذب كل الرسل، السابق منهم واللاحق، ومَن آمن برسول فكأنما آمن بكل الرسل، السابق منهم واللاحق، فأمة محمد صلى الله عليه وسلم آمنت بمحمد، فهي مؤمنة تبعًا لذلك بكل الرسل السابقين له؛ ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285]. ♦ قيل: إن يوم النحس الذي عنته الآية: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ ﴾ [القمر: 19]، هو يوم الأربعاء، وقد رد هذا بعض المفسرين بأن إبادتهم كانت في سبع ليال وثمانية أيام؛ ﴿ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا ﴾ [الحاقة: 7]؛ أي: تشمل كافة أيام الأسبوع، لكن هذا لا يمنع أن العذاب بدأ يوم الأربعاء وانتهى يوم الأربعاء، وقد ورد في أحاديث ليست بالقوية عن جابر بن عبد الله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يوم الأربعاء يوم نحس مستمر))، وورد عن أنس مرفوعًا: ((أغرق الله فيه فرعون وقومه، وأهلك فيه عادًا وثمود)).
الوعد الأخروي شروطه وموانعه لعيسى بن عبدالله السعدي
محمود ثروت أبو الفضل
02-11-2020
4,699
https://www.alukah.net//culture/0/142856/%d8%a7%d9%84%d9%88%d8%b9%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%88%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%b7%d9%87-%d9%88%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%87-%d9%84%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d9%89-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d8%af%d9%8a/
الوعد الأخروي شروطه وموانعه لعيسى بن عبدالله السعدي صدر حديثًا كتاب "الوعد الأخروي شروطه وموانعه"، تأليف: د. "عيسى بن عبدالله السعدي"، نشر "دار الأوراق للنشر والتوزيع". وأصل هذه الرسالة أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه بقسم العقيدة من كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى، تحت إشراف د. " أحمد بن ناصر الحمد "، وذلك سنة 1416هـ، 1996م. تدرس هذه الرسالة وعد الله سبحانه وتعالى من حيث متعلقاته بالقرآن والسنة، ومن حيث ما يشترط في تحقيقه وجودًا وعدمًا، وذلك من خلال بابين رئيسين: الباب الأول : الوعد في القرآن والسنة، ويتكون من ثلاثة فصول: الفصل الأول: معنى الوعد. والفصل الثاني: أنواعه، وتحته مبحثان: الأول: وعد الدنيا، والثاني: وعد الآخرة. أما الفصل الثالث فتناول فيه مبحث الوعد والوعيد، ونظرًا لقوة الارتباط بين الوعد والوعيد مادةً، ودلالةً، وأنواعًا، واقترانًا، عنى العلماء بذكر الفرق بين الوعد والوعيد من سبعة جهات بينها الكاتب. وقد ركزت الرسالة على جانب الوعد في الآخرة خاصة. فجاء الباب الثاني: بأصول تحقق الوعد في الآخرة، ويتكون من مقدمة وأربعة فصول، وقد بين في المقدمة المراد بالأصل وأن المراد هنا هو معناه اللغوي، وهو أساس الشيء الذي يبنى عليه ويتفرع منه، ويستند في تحققه عليه. أما الأصول التي يستند عليها تحقق الوعد في الآخرة فهي أربعة؛ وهي موضوعات الفصول التالية: الفصل الأول: التوحيد (من حيث كونه صفة لازمة لإنجاز الوعد لا من حيث كونه عملًا قائمًا بالموحد) لأن الواعد لابد أن يكون متصفًا بالصفات المصححة؛ لإنجاز وعده: كالعلم والقدرة والحكمة. الفصل الثاني: المعاد لأن الموعود به لابد أن يكون ثابتًا ثبوتًا حقيقيًا، ويكون إنجازه مؤقتًا بزمن معين لا يتأخر عنه. الفصل الثالث: الإيمان لأن الموعود لابد أن يقوم به مقتضى الوعد اعتقادًا وقولًا وعملًا. الفصل الرابع: ثبوت الاستحقاق؛ لأن مقتضى الوعد لابد أن يكون سالمًا عن المعارض المقاوم اعتقادًا وشكًا ونطقًا وفعلًا. وقد خرج الكاتب بمجموعة من النتائج في ختام دراسته منها: 1- أن لفظ الوعد وُضِعَ للخير والشر، وغلب استعماله في الخير، وهو المقصود منه اصطلاحًا، وحقيقته إطماع وترجية بالمنافع قبل حصولها. 2- متعلقات الوعد الدنيوي كثيرة، وأكثرها يتفرع عن الوعد ببقاء الإسلام حتى قيام الساعة، والوعد بإظهار الإسلام وتمكينه في الأرض والوعد بالحياة الطيبة. 3- أن الوعد الأخروي هو الغالب على نصوص الوعد، جريًا على سنة الإسلام في التربية على مبدأ إيثار الآخرة. 4- أن متعلقاته كثيرة؛ وهي ترجع إلى وعد البرزخ، ووعد القيامة، ووعد الجنة. 5- سنة الشريعة ذكر الوعد مقرونًا بالوعيد؛ تحقيقًا لحكمة التربية، والغالب تقديم الوعد؛ لأنه ناشئ عن الفضل والرحمة، ورحمة الله تسبق غضبه، وقد يقدم الوعيد؛ مبالغة في الزجر، أو لغير ذلك من الحكم. 6- الوعد المقيد بذكر الموعود يستعمل لغةً في الخير والشر، والوعيد لا يستعمل إلا في الشر. 7- الوعد ناشئ عن فضل الله ورحمته، والوعيد ناشئ عن عدل الله وغضبه. 8- أن إطلاقات الوعد إخبارات عن استحقاق الثواب دون إيقاعه؛ لأن القواطع دلت على اشتراط القول والعمل في تحقق الوعد، وعلى ثبوت الوعيد على الكبائر، وعلى حصول الكفر مع وجود القول؛ ولهذا يجب أن تكون إطلاقات الوعد مشروطة بأربعة أمور: أ- تحقيق القيود المعتبرة في كل وعد بخصوصه. ب- تحقيق الإيمان قولًا وعملًا. جـ- السلامة من المكفرات اعتقادًا وشكًا ونطقًا وفعلًا. د- اجتناب الكبائر، وهو شرط غير مطرد؛ لأنه قد يتخلف في بعض الحالات، وذلك إذا كان مقتضى الثواب أقوى من مانعه؛ كما في حديث البطاقة ونظائره. 9- الوعد بالجنة أعظم أنواع الوعد على الإطلاق، وهو شامل لنعيم الروح والبدن وأعلى نعيم الجنة رؤية الرب عيانًا. 10- الإيمان المشترط في تحقيق الوعد قول وعمل، ويزيد وينقص، فمن أتى بأصله فله مطلق الوعد، ومن أتى بكماله فله الوعد المطلق وهو دخول الجنة بلا عذاب. والمؤلف هو د. عيسى بن عبد الله السعدي أستاذ العقيدة بجامعة الطائف، من مؤلفاته: • "خلاصات في مباحث النبوات". • "دلالة الأسماء الحسنى على التنزيه". • "مقدمة في عقيدة السلف".
الزلازل مدخل قرآني وعلمي
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
01-11-2020
11,951
https://www.alukah.net//culture/0/142838/%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%84%d8%a7%d8%b2%d9%84-%d9%85%d8%af%d8%ae%d9%84-%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86%d9%8a-%d9%88%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a/
الزلازل مدخل قرآني وعلمي 1- مقدمة: الإلف حجاب، بمعنى أن الإنسان قد لا يتوقف متأملا الأشياء التي ألفها حتى يحدث انقلابًا في معهود الأشياء، حينئذ يشعر الإنسان بحقيقة نعم الله. لنأخذ الزلازل على سبيل التوضيح، حيث نجد أن الناس لا يحسون بنعمة قرار الأرض إلا حينما تميد الأرض من تحتهم. هنا يشعر الجميع بضعفهم الشديد أمام قوة الله التي لا يحدها حدود، فيعلمون أن قرارهم على الأرض مرهون بعناية الله لهم، فيتأكدون أن القوة لله جميعًا. أمام ضربات الزلازل، تعجز قوة البشر مهم تعاظمت، حيث تأتى الضربات بياتا أو نهارًا. تأتى الزلازل بغتة فلا يفيد التنبؤ في الفرار منها، وكم من مرة تنبأ فيها العلماء بوقوع الزلازل ولم تقع. والزلزلة والزلزال كلمتان توحيان بالرهبة الشديدة، والانقلاب الحاد في معهود الأشياء من فُجآة الموت ودمار الممتلكات. والناس بعد زلازل الدنيا، يسرعون لإنقاذ من تضرروا من آثاركارثة الزلزال، وربما ينجحون في إنقاذ أنفسًا قد قاربت على الهلاك. يهرعون طالبين النجدة من بعضهم البعض، فمن يعينهم يوم القيامة حينما تتقطع بهم الأسباب. ولا تضرب زلازل الدنيا الأرض كلها في وقت واحد، أما زلزال الآخرة فيضرب الأرض ضربة تُرج بها رجا، وتخرج الأرض بها أثقالها، وأثقال الأرض حديد ونيكل مصهوران، صهارة وحميم. وإذا كان الناس يمشون على سطح الأرض بعد حدوث الزلازل، فكيف يكون حالهم عند حدوث زلزال الآخرة، في وقت تكون أثقال الأرض قد خرجت من جوفها وما يصاحبها من حرارة شديدة. وعقب زلزال الدنيا يقف الناس ليصلحوا ما أفسده الزلزال، أما بعد زلزال الساعة فتوضع الموازين القسط، والوزن حينئذ بمثقال الذرة. يقول تعالي: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1-8]. فيا أيها الناس زلزال الدنيا بمثابة رسالة تحذير من ربكم، والساعة سوف تأتيكم بغتة وانتم لا تشعرون.. ومهما تعاظمت زلازل الدنيا، فإن قارئ القرآن يعلم أن الأدهى والأمر هو زلزال الساعة. زلزلة تنسي الوالدة رضيعها، زلزلة ترى الناس سكارى دون أن يتعاطوا خمرًا، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1- 2]. و(الزلزلة) و(الزلزال) ابتلاء للمؤمنين ونذير للكافرين. والزلازل جند من جنود الله يهلك به من يشاء ويصرفه عمن يشاء. العجيب في مسمى الزلزال بلغة العرب أنه تأتى من زل، فيقال: زل الرجل أي: انحرف عن جادة الطريق، وزلت قدماه أي: تحركت حركة غير عادية. وفى الزلزال لابد أن يحدث زلل أي صدع فتكسر الصخور. 2 - مصطلحات علم الزلازل في القرآن : ترد في القرآن الكريم في معرض الحديث عن الزلازل مصطلحات غاية في الدقة. ونتناول هنا كلمات وآيات القرآن الكريم حول الزلازل: أ- الكلمات : الزلزلة: زلزال الأرض، الرجفة، الراجفة، الرادفة، الصيحة، الخسف، الصدع. ب- الآيات : يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1- 2]، ويقول أيضا: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 1-8]، وقد وردت مفردات علم الزلازل في العديد من آيات القرآن الكريم. زلزال تركيا، 1999م 1- الرجفة: يقول تعالى: ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَّهِيلًا ﴾ [المزمل: 14]، ﴿ يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ [النازعات: 5 – 6]، ﴿ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْبًا كَانُواْ هُمُ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 91 – 92]، ﴿ وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا َأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ ﴾ [الأعراف: 155]، {﴿ وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [العنكبوت: 36، 37]. 2- الصيحة: يقول تعالى: ﴿ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ ﴾ [هود: 67 – 68]، ﴿ وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ * وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 80 - 83]. ويقول أيضا: ﴿ وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ ﴾ [هود: 94]. وكما أهلك الله ثمود وقوم شعيب بالرحفة، فقد أهلكهم أيضا بالصيحة، وفي هذا إفادة على أن الرجفة صاحبها صيحة، وهذا ما توصل اليه علم الزلازل. ومن عجيب كمال القرآن أن تجمع صنوف الهلاك في شطر من آية، حيث يقول تعالى: ﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]. 3- الخسف: يقول تعالى: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81]، ﴿ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ ﴾ [سبأ: 9]، ﴿ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ ﴾ [العنكبوت: 40]، ﴿ أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [النحل: 45]، ﴿ أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ ﴾ [الإسراء: 68]، ﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك: 16]. 4- الصدع : يقول تعالى: ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [الطارق: 12]. تمثل العناصر السابق ذكرها اهم مفردات علم الزلازل الحديث: وتلك العناصر هي الزلزلة والرجفة والصيحة والخسف والصدع. وقبل تبيان أوجه الإعجاز العلمي نشير إلى معاني العناصر السابقة في ضوء القرآن وعلم الزلازل: ثانيا من أ قوا ال المفسرين: أولا: زلزلة الساعة: الزلزلة شدة الحركة، وأصل الكلمة من زل عن الموضع؛ أي زال عنه وتحرك. وهذه اللفظة تستعمل في تهويل الشيء، والزلزلة المعروفة من أشراط الساعة. وزلزلة الساعة كائنة في عمر آخر الدنيا وأول أحوال الساعة. و﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴾ ؛ أي: تحركت من أسفلها، كما قال ابن عباس: حركت من أصلها. و﴿ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴾ أي: كنوزها كما ذكر في الحديث: تلقي الأرض أفلاذ كبدها، أمثال الأسطوان من الذهب والفضة..". ثانيًا الرجفة: ترجف الأرض أي تتحرك وتضطرب بمن عليها، وقيل تزلزل. وأضاف المفسرون إلى الحركة الصوت، فأصبحت الرجفة حركة مصحوبة بالصوت. والرجفة التي أخذت قوم شعيب فسرت بالزلزلة، وقيل الصيحة، أصابهم عذاب يوم الظلة، وهي سحابة أظلتهم، فيها شر من نار ولهب ووهج عظيم، ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم. والرجفة التي أخذت السبعين رجلاً من قوم موسى فُسِرت على أنها الزلزلة الشديدة وقيل الصاعقة، والرجفة بمعنى الزلزلة الشديدة أيضا مع الصيحة الشديدة كانت وراء هلاك ثمود. ثالثًا: الصيحة: قال ابن عباس: ما أهلك الله أمتين بعذاب واحد إلا قوم صالح وقوم شعيب، أهلكهم الله بالصيحة؛ غير أن قوم صالح أخذتهم الصيحة من تحتهم، وقوم شعيب أخذتهم الصيحة من فوقهم. وفي الأعراف أتت الرجفة قوم شعيب، وفي الخسف: خَسَفَ المكانُ: ذهب به في الأرض، وخسف الله به الأرض أي غاب به فيها. ثبت في الصحيح عند البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل ممن كان قبلكم خرج في بردين أخضرين يختال فيهما أمر الله الأرض فأخذته فإنه ليتجلجل فيها إلى يوم القيامة". والخسف النقصان. 3 - المعالجة العلمية ووجوه الاعجاز العلمي : في البداية نطرح عدة أسئلة: 1) هل درج علم الزلازل مع حداثته على استعمال المصطلحات التي إستخدمها القرآن الكريم في معرض الحديث عن الزلازل؟ 2) هل توجد مقاييس لشدة الزلازل تعتمد على تأثير الزلازل على المنشآت والبشر؟ 3) هل الزلازل تأتي فجأة؟ وما هي مصداقية التنبؤ بها؟ 4) هل يصاحب الرجفة صيحة؟ 5) هل توجد علاقة مباشرة بين الخسف وصدع الأرض من ناحية وأحزمة الزلازل من ناحية أخرى؟ 6) هل البراكين الكبيرة تسبقها زلازل؟ 7) هل الزلازل عقاب للكافرين أم ابتلاء للمؤمنين أم هما معا. 8) كيف نتقي أو نقلل من كوارث الزلازل؟ والآن نحاول الإجابة عن الأسئلة السابقة لعلنا نكشف عن وجوه الإعجاز العلمي في الزلازل في القرآن الكريم. تطالعنا في علم الزلازل مسمى العلم ذاته وهو "سيزمولوجيا" ( Seismology ) أو علم الزلزلة، وزلزال الأرض ( Earthquake )، والرجفة ( Main Shock ) التي تنقسم إلى الرجفات القبلية ( Foreshocks ) والرجفات ذاتها ( Quakes ) والرجفات البعدية ( Aftershocks )، و المسببان هما الراجفة والرادفة. واللفتة الاعجازية الثانية تتعلق بعلاقة الزلازل بصدع الأرض. وصدع الأرض قد يقصد به صدع واحد يشق الأرض، أو صدع واحد ينتظمه نظام صدعي أو صدوع عديدة تعد من البنى الأساسية للأرض، أو قد يقصد به مجموعة الصدوع التي تمزق قشرة الأرض وغلافها الصخري. وكلا ت الوجهان صحيحان من الناحية العلمية. والزلازل لا تحدث إلا إذا سبقها تصدع للأرض. ويعرف الزلزال على أنه الرجفة أو الضربة الفجائية التي تحدث انطلاقاً للطاقة الحبيسة التي تجمعت ببطء في صخور الأرض. ويلزم حدوث تكسر أو تصدع في قشرة الأرض تهرب عبره الطاقة المختزنة في هيئة موجات زلزالية. وبؤرة الزلزال ( Focus ) تمثل نقطة في باطن الأرض تتحرك عندها مادة الصخر عند الصدع وتقابل البؤرة على السطح نقطة فوق مركز الزلزال ( Epicenter ). وغالبا ما تحدث زلازل ضحلة عند حيد وسط المحيط نتيجة لتصدع وتشقق قشرة المحيط، حيث تتميز قشرة المحيط إلى قطعتين متباعدتين. والعلاقة مباشرة بين الصدوع الانزلاقية في الأرض وكثرة الزلازل على الوضع الذي سيرد عند الحديث عن قارعة تصيب ساحل أمريكا الغربي، والعلاقة قوية بين خسف الأرض والزلازل. وتتركز أحزمة الزلازل في العالم عند حدود ألواح الغلاف الصخري كما هو الحال في زلازل إيران وتركيا اللتان تقعان على حواف القطعة العربية. وأيضا في الأماكن التي تُمَد الأرض من عند منتصف قيعان البحار كما هو الحال في زلالزل الحر الأحمر وزلازل عرف(حيد) وسط المحيط الأطلسي، أومن عند مناطق الخسف القاري كما هو الحال في مناطق خسف شرق أفريقيا، وتكثر الزلازل في الأماكن التي تنقص فيها الأرض من أطرافها، حيث تركب قطع الغلاف الصخري بعضها فوق بعض عند نطاقات الانضواء ( أو الإمتطاء ). أهم أحزمة الزلازل في العالم: ونذكر من أهم أحزمة الزلازل في العالم (شكل1-44 ): شكل ( 1-44 ): خريطة يوضح توزيع أحزمة الزلازل في العالم. 1- حزام النار حول المحيط الهادي ( Circum –Pacific Belt ): حيث يوجد 80 % من الزلازل الضحلة، 90 % من الزلال المتوسط، 100% من الزلازل العميقة. وتحدث الزلازل الضحلة عند أعماق تصل إلى 70 كيلو متر، بينما يتراوح عمق الزلازل المتوسطة ما بين 70- 300 كيلو متر، والزلازل العميقة يتراوح عمقها من 300 إلى 670 كيلو متر. 2- حزام الألب الهيمالايا ( Mediterranean – Himalayan Belt ): يمتد من الصين شرقا مارًا بجبال الهيمالايا، ثم ينحرف إلى الشمال الغربي ماراً بجبال زاجروس ثم القوقاز إلى تركيا وشمال إيطاليا. 3- عبر قمة حيد وسط محيطات العالم حيث توجد أعظم منظومة صدوع إنزلاقية في العالم. الإشارة العلمية الثالثة : تتعلق بسبق القرآن في الكشف عن العلاقة بين الرجفة والصيحة. فكما تبين لنا من اقوال المفسرين أن هناك أقواما أهلكوا بالرجفة في نفس الوقت الذي أخذتهم الصيحة من تحتهم والظلة من فوقهم. وقد اكتشف العلم أن طاقة الأرض الحبيسة تنطلق أثناء الزلزال على هيئة الموجات الداخلية والموجات الثانوية والموجات السطحية. وعند وصول الموجات الأولى المعروفة بالموجات الابتدائية أو الموجات بى ( P ) من عمق الأرض إلى سطحها، يتحول جزء منها إلى موجات صوتية في الهواء يمكن للإنسان سماعها عند ذبذبات معينة. وحيث أن ثمود أهلكوا بالرجفة والصيحة معا، فلا بد أن تكون الرجفة قوية والصيحة عاتية. وللأسف فإن دعاة الحروب في عصرنا اليوم يفكرون في إنتاج أسلحة دمار شامل تهلك الأشخاص بالصيحة دون أن تضر بالأماكن التي يسكنونها. والجدير بالذكر أن الموجات الزلزالية التي تنتشر في الأرض بسرعة تبلغ عشرة أضعاف الصوت حيث أن سرعتها تبلغ حوالي 8 كم في الثانية بينما سرعة الصوت 34و. كم في الثانية، وتفوق سرعتها أيضا خمسة أضعاف سرعة الطائرة النفاثة. وتمر تلك الموجات في جميع أوساط المادة الثلاثة وهناك نوع ثان من الموجات الزلزالية تسمى الموجات الثانوية أو موجات القص تعرف بالموجة إس ( S –wave )، وهي موجات أبطأ من سابقتها تنتشر في قشرة الأرض بسرعة 3-4 كم في الثانية، وتنتشر في أوساط المادة الصلبة فقط. اما النوع الثالث والخطير من موجات الزلازل فهي الموجات السطحية، وعلى الرغم من أن سرعتها أبطأ من الموجتين السابقتين إلا أنها تتكون من نوعين: موجات تعلو وتهبط في حركتها وتؤثر على أساسات المنشآت المدنية، وموجات تشبه موجات البحر الدائرية تعمل على تحريك الأشياء في المستويين الأفقي والرأسي في اتجاه عمودي على اتجاه الموجة. والإشارة العلمية الرابعة: تتعلق بقياس شدة الزلازل بتأثيرها على المنشآت والكائنات. ويذكر القرآن أن المهلكين حينما أخذتهم الصيحة وكذلك الرجفة جثموا في ديارهم لا يستطيعون الوقوف أو الحركة، وأيضا جعلت أعالي الأرض أسفلها. وقبل التوصل الى مقياس رخت كان العلماء يقيسون شدة الزلازل بمقياس " مركالي" استناد على احساس الناس بالزلازل ومد تأثيرها المادي. ويتكون هذا المقياس من 12 رتبة، تحمل الأرقام من بالواحد وتنتهي بالرقم 12، والسابع منها على سبيل المثال يصف زلزالا يسبب صعوبة الوقوف، وبقية درجات المقياس حتى الأخيرة منها تصف صور الدمار من سقوط القلاع والمآذن إلى ذعر عام وتحطيم البناء إلى الدمار الشامل وحركة الكتل الكبيرة. والإشارة العلمية الخامسة : تشير إلى العلاقة بين الزلازل والبراكين. ويقرر القرآن أن الأرض تخرج أثقالها بعد حدوث زلزالها. وقد ثبت علميا أن البراكين الكبيرة تسبقها دائما زلازل كثيرة في عددها. وفي جزيرة هاواي أمكن في سنة 1955 استقراء زلازل على عمق 55 كم من سطح الجزيرة، وفي خلال عدة شهور أصبحت الزلازل ضحلة وعديدة. وحينما اندفع الصهير لأعلى في أواخر نوفمبر من نفس السنة، سُجل ألف زلزال صغير يوميا قبل ثورة البركان. وشوهدت نفس الظاهرة في بركان سانت هيلنز في ربيع 1680، الذي أطلق ما مقداره كيلو متر مكعبا من الصخور والحمم والرماد وسبب حرائق في الغابات المحيطة. وتصاعدت سحب الرماد من بركان سانت هيلنز في السماء لدرجة أن سائقي المركبات قد اضطروا لإضاءة أنوار مصابيح السيارات على بعد 150 كم من البركان وذلك في وضح النهار لتعذر الرؤية. ومع هذا لا يقارن هذا البركان في خطورته ببركان مونت تامبورا ( Mount Tamboura ) الذي ثار في أندونيسيا عام 1815م، وأطلق ما مقداره مائة كيلو متر مكعب من المقذوفات البركانية، وأودى بحياة 12.000فردا من البشر. أما بركان مونت بيلي ( Mont Pelee ) الذي ثار في أمريكا سنة 1902 فقد أطلق ضخورًا حجمها بألفين وخمسمائة كيلو متر مكعب. 4 - هل يمكن التنبؤ بالزلازل: تتعلق اللفتة السادسة بالتنبؤ بالزلا زل : الإخبار الحق بالشيء يأتي من الله، والتنبؤ العلمي يأتي من الناس، وإخبار الله واقع لا محالة، وتنبؤات البشر تخيب دائما إلا في حالات نادرة، وتنبؤات البشر ينقصها دائما وأبدا الجزم المطلق. ولننظر في مسألة التنبوء بالزلازل، حينما عقرت ثمود ناقة الله أخبرهم الله على لسان صالح عليه السلام بعذاب بعد ثلاثة أيام، والإخبار من جانب الله واقع لا محالة، يقول تعالى: ﴿ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ * فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ * وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ ﴾ [هود: 65 - 68]. فليحذر الذين يخالفون من أمر الله، فهؤلاء ثمود قوم صالح خالفوا أمر الله فأهلكوا بالرجفة والصيحة والصاعقة. ومدين قوم شعيب خالفوا أمر ربهم فأهلكوا بالرجفة والصيحة وعذاب يوم الظلة، ولربما أتت الحرارة الشديدة في يوم الظلة من حرائق هائلة أحدثتها الزلازل، ولربما أتت من السماء. وتظل العلاقة بين الرجفة والصيحة والصاعقة وشدة الحر موضوع بحث علمي على علماء الزلازل أن يعالجوه. وفي تاريخ التنبؤ بوقوع الزلازل لم تصدق إلا حالة واحدة ساهم في رصدها الحيوانات. حيث خرجت الثعابين بكثرة من جحورها، ورفضت الدجاج الدخول في حظائرها، وانطلقت الأبقار من عقالها ورفضت الكلاب المدربة الأوامر الصادرة لها وأصابها القلق الشديد. وبجانب حدوث الزلازل الصغيرة، فقد ازداد تركيز غاز الرادون المشع كما زاد انحدار الأرض. كان ذلك في هايشنج في شمال شرق الصين. وبناء على الإشارات السابق ذكرها صدر تحذير حكومي، وأمر بإخلاء البيوت من سكانها وترحيلهم في العراء. وفي الساعة التاسعة والنصف من أحد أيام شهر فبراير ضرب زلزال كبير المنطقة، ونجا الناس من هلاك محقق. 5- قارعة أو انتظار الحدث الأكبر : يقول تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]. وعن تلك القارعة، يقول المفسرون: أي لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة من صاعقة أو من قتل أو من أسر أو من جدب، أو غير ذلك من العذاب أو البلاء، ولا تزال القوارع تنزل بساحتهم أو بالقرب منهم حتى يوم القيامة. وتمثل كارثة صدع سان آندرياس مثالا لعجز الإنسان عن دفع الضرر مع علمه بحتمية وقوعه. وعبر هذا الصدع سيحل بالأرض قارعة من المتوقع أن تضرب الأرض اليوم أو غدا أو بعد شهر أو بعد سنة أو بعد مائة سنة أو بعد ألف سنة، وبصفة عامة في أي لحظة. ويمتد الصدع لمسافة 1300كم خلال ولاية كاليفورنيا بمحازاة ساحل الولاية من المكسيك شمالا حتى خليج الولاية جنوبا. وتتواجد منظومة الصدع في حزام يبلغ عرضه 100كم، وقد شقت فيه الأنهار مجار لها (شكل1-30]. ومن عجيب القرآن أن يأتي ذكر القارعة في الآية السابقة مقترنا بتقطيع الأرض وسير الجبال، ثم يكون مسرح الكارثة المتوقعة عبر ذلك الصدع الذ يمثل حافة انزلاق ناتجة من تقطيع الأرض، حيث تلتقى قطعة المحيط الهادي ( Pacific Plate ) وقطعة كوكس ( Cocs Plate ) وقطعة جوان دي فوكا (Juan de Fuca Plate ) وتمثل مناطق الصدع نطاقا حيويا للولايات المتحدة الأمريكية، يقطنه عشرة بالمائة من السكان، ويتركز فيه 40% من أوجه النشاط الاقتصادي. وفى هذا النطاق تهاجر مدينة لوس أنجلوس 2سم كل سنة نتيجة لحركة الأرض عبر هذا الصدع. وتتولد الزلازل نتيجة الحركة الفجائية عبر الصدع. وقد سجل عشرة آلاف زلزال في سنة 1984 فقط في مناطق ذلك الصدع. وتضرب الزلازل الأرض في تلك المناطق بصورة دورية، ففي سنة 1906 ضرب الأرض زلزال كبير أدى الى إزاحة القاعدة الصخرية ما بين 5و4 إلى 6سم. ترى متى تقع الكارثة الكبرى عبر صدع سان آندرياس؟ الله أعلم، وما على الأمريكان إلا انتظار أن تصيبهم قارعة الصدع الذى سيأتى بزلازل مهلكة في مناطقق الساحل الغربى أو قريبا منه في المحيط الهادي. ولا عاصم اليوم من الزلازل أو الخسف أو الغرق إلا من رحم الله.
نكت النبيه على أحكام التنبيه للنشائي الشافعي
محمود ثروت أبو الفضل
01-11-2020
7,082
https://www.alukah.net//culture/0/142831/%d9%86%d9%83%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a%d9%87-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d8%a8%d9%8a%d9%87-%d9%84%d9%84%d9%86%d8%b4%d8%a7%d8%a6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d9%81%d8%b9%d9%8a/
نكت النبيه على أحكام التنبيه للنشائي الشافعي صدر حديثًا كتاب " نكت النبيه على أحكام التنبيه "، للإمام العلامة الفقيه المحرر " كمال الدين أبي العباس أحمد بن عمر بن أحمد النشائي الشافعي " (691 - 757 هـ)، تحقيق: " عبدالرحمن فهمي محمد الزواوي "، نشر " دار المنهاج للنشر والتوزيع ". وهذا الكتاب يطبع وينشر لأول مرة، وهو في الفقه الشافعي، وقد اهتم العلماء بكتاب "التنبيه" لأبي إسحاق الشيرازي، أحد الكتب المعتمدة في المذهب عند المتقدمين، وهو من أجود المختصرات في المذهب، لذلك فقد عكف عليه العلماء بالشرح والبيان، والتنكيت والتصحيح، والنظم والاختصار، وحفظه جماعة لا يُحصون كثرة، فخط لنا الإمام النووي - رحمه الله - كتابيه: "التحرير" و"تصحيح التنبيه"، ثم جاء الإمام كمال الدين أحمد بن عمر النشائي - رحمه الله -، فأتحفنا بهذا الكتاب المبارك. فوسم كتابه بـ " نكت النبيه على أحكام التنبيه " فأفاد وأجاد، وخدم الفقه والفقهاء، وترك كنزًا وإرثًا للعلماء. وقد امتاز هذا الكتاب باستيعابه للمسائل الفقهية لكتاب " التنبيه "، بخلاف ما فعله الإمام النووي رحمه الله تعالى؛ حيث إنه لم يصحح فيه من المسائل إلا القليل. وأكثر النشائي فيه من النقول الفقهية، وحدَّد له مصطلحًا أشار له في مقدمته فقال: (فإن اتفقا؛ أي: الشيخان الرافعي والنووي.. أطلقتُ، وإلا.. عزوتُ، وما صححه في "الكفاية".. فإنه في الاستيعاب غاية...) . فصحَّحَ المسائل، وتعرض لما أغفله الإمام النووي، وجعل عمدته في التصحيح كتاب ابن الرفعة " كفاية النبيه "، ومال النشائي إلى الإيجاز؛ حتى غدت عبارته كالألغاز. وساق ضمن كتابه كثيرًا من المصطلحات الفقهية؛ كالنص والمنصوص، والمنقول والقديم والجديد والوجوه والمذهب والأظهر والمشهور والطرق والتخريج... إلى غير ذلك. وقد سلك النشائي في تأليف كتابه مسلك الفقهاء، فقد رتبه على أبواب الفقه، وسار في ترتيبه للكتاب والأبواب على نسق "التنبيه" للشيرازي وهذا من حيث العرض والتبويب. ونجد أنه يعتمد في تصحيح كتابه ومنقولاته على ما يأتي: أ- تصحيح الرافعي الكبير "الشرح الكبير". ب- تصحيح ابن الرفعة في "الكفاية". جـ- يعتمد تصحيح الشيرازي إذا وافق الرافعي. د- يعتمد تصحيح النووي فيما لم يخطئ فيه. ونجد أن هذا الكتاب يتميز بكثرة الإحالات على كتب الشافعية مثل " المجموع "، و" الشرح الكبير "، و" الكفاية "، و" مغني المحتاج "، و" البحر ".. وغيرها. كما يتميز الكتاب بكثرة أقوال الفقهاء في هذا الكتاب، حيث ينقل كثيرًا عن كبار علماء الشافعية، أمثال النووي، والرافعي الكبير، وابن الرفعة، وأبي حامد، والقاضي أبي الطيب، والروياني.. وغيرهم. كما أنه عند بداية كل مسألة منقولة من التنبيه يقول: ( قوله ) وهذا أعان على ترقيم المسائل في الأبواب. ونجد أن النشائي يميل إلى الإيجاز في هذا الكتاب وسائر مؤلفاته، لشكل يجعل كلامه يشبه الألغاز، ويدلل النسائي على عبارة المتن، ولا يلتزم بترتيب "التنبيه" للمسائل في الباب، وإنما يقدم ويؤخر، وقد يذكر المسألة في باب آخر. ومن الكتب التي استفادت من النشائي في كتابه "النكت": 1- "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" للشيخ شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني. 2- "الأشباه والنظائر" للشيخ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي. والنشائي ترجم له "السبكي" في "طبقات الشافعية الكبرى" (9/ 19) فقال: "أَحْمد بن عمر بن أَحْمد بن أَحْمد بن النشائي الشَّيْخ كَمَال الدّين، هُوَ ولد الشَّيْخ الْفَقِيه الزَّاهِد عز الدّين من أهل نشا بالنُّون والشين الْمُعْجَمَة من الديار المصرية، سمع الحَدِيث من الْحَافِظ شرف الدّين الدمياطي وَولد سنة إِحْدَى وَتِسْعين وسِتمِائَة وَأعَاد بِالْمَدْرَسَةِ الكهارية عِنْد الْوَالِد رَحمَه الله وبرع فِي الْفِقْه، وَكَانَ كثير الاستحضار حسن الِاخْتِصَار. صنف " جَامع المختصرات "، و" مختصر الْجَوَامِع " وَهُوَ مُخْتَصر حافل جدًا فِي الْفِقْه وَشَرحه، وَله أَيْضًا كتاب " النكت على التَّنْبِيه "، وَكتاب "الإبريز فِي الْجمع بَين الْحَاوِي وَالْوَجِيز"، وَكتاب " كشف غطاء الْحَاوِي الصَّغِير "، وَكتاب " الْمُنْتَقى فِي الْفِقْه " جمع فِيهِ فأوعى وَاخْتصرَ، وكتاب " سلَاح الْمُؤمن فِي الْأَدْعِيَة المأثورة "، وكل كتبه وجيزة الْعبارَة جدا تشبه الألغاز، كثير الْجمع. توفّي فِي حادي عشر صفر سنة ثَمَان وَخمسين وَسَبْعمائة بِالْقَاهِرَة".
قانون التأسيس العقدي لسلطان بن عبد الرحمن العميري
محمود ثروت أبو الفضل
28-10-2020
18,676
https://www.alukah.net//culture/0/142778/%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d8%b3%d9%8a%d8%b3-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%82%d8%af%d9%8a-%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%86-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%8a%d8%b1%d9%8a/
قانون التأسيس العقدي لسلطان بن عبد الرحمن العميري صدر حديثًا كتاب "قانون التأسيس العقدي"، تأليف: د. "سلطان بن عبد الرحمن العميري"، نشر "مركز تكوين للدراسات والأبحاث". تحاول هذه الدراسة استيعاب المباحث الأساسية التي لابد من توافرها في التعريف بعلم العقيدة من منظور عصري، وكثير مما ذُكِرَ فيها لم يحقق القول فيه من قبل بشكل يساعد على ارتقاء الطالب في درجات العلم واعتلاء معارج هذا العلم الشريف. ويتضمن هذا الكتاب مقدمة منهجية ومداخل تأصيلية لدراسة علم العقيدة. وفي هذا الكتاب تجاوز لتلك المشكلات، وقصد إلى التمحور حول علم العقيدة ذاته وليس حول مسائله، وسعي بقدر الاستطاعة إلى جمع أصول المباحث التي تساعد على التعريف بعلم العقيدة، وتكشف عن أهم ما يحتاج الدارس له إلى معرفته عنه. والمباحث التي قام عليها هيكل الكتاب ليس خاصةً بعلم العقيدة، وإنما يمكن أن تكون للعلوم الشرعية الأخرى؛ لأنها أشبه بالقواعد الأساسية التي يرتكز عليها التعريف المناسب بالعلوم، بحيث يكون تعريفًا مساعدًا على حسن التصور للعلوم ودقته، فمن أهم ما يقوم عليه التعريف النافع بالعلوم المؤدي إلى الارتقاء في معارجها: المباحث التي قام عليها هذا البحث. وانقسم الكتاب إلى مقدمة، وتمهيد وأحد عشر مبحثًا، بيَّنَ الكاتب في مقدمته أن هذا البحث يرمي إلى التعريف بعلم العقيدة، ويُعد كمدخل لهذا العلم، وفرَّقَ المؤلف في أوله بين مفهوم (علم العقيدة) وبين مفهوم (العقيدة). ثم بيَّنَ في التمهيد مفهوم العقيدة، والتعريف المختار للعقيدة، والموقف من استعمال مصطلح العقيدة، والموقف من تقسيم الدين إلى عقيدة وشريعة. أما المبحث الأول فتناول فيه تعريف مفهوم علم العقيدة، والتعريف المقترح الرامي إلى حصر كليات علم العقيدة. أما المبحث الثاني: فتناول منزلة علم العقيدة. أما المبحث الثالث: ففيه بيان حكم علم العقيدة وفائدته. وتناول المبحث الرابع: علاقة علم العقيدة بغيره من العلوم الشرعية. وبين الكاتب أنماط التداخل بين العلوم: النمط الأول: التداخل الاستمدادي. النمط الثاني: التداخل التحصيلي. النمط الثالث: التداخل الموضوعي. النمط الرابع: التداخل التأثيري. أما المبحث الخامس فتناول أسماء علم العقيدة وألقابه، حيث بين أسماء علم العقيدة عند أهل السنة: كعلم العقيدة، والفقه الأكبر، وعلم السنة، وعلم أصول الدين، وعلم الإيمان، وعلم التوحيد، وعلم الشريعة ودلالة كل اسم، ووجه تسميته بهذا الاسم. كما وضع مبحثًا فرعيًا حول الموقف من تقسيم الدين إلى أصول وفروع. ووضع حصرًا بأسماء علم العقيدة عند المدرسة الكلامية: كعلم العقيدة والفقه الأكبر وعلم التوحيد وعلم أصول الدين وعلم الكلام. أما المبحث السادس فعرض فيه مدارس علم العقيدة، وخرائطها، ومن أبرزها المدرسة السنية (أهل السنة والجماعة)، حيث عرجَ إلى أهم ألقاب مدرسة أهل السنة والجماعة، ووجه ارتباطها بعلم العقيدة، كأهل الأثر وأهل الحديث والطائفة المنصورة. ثم بين موقف أهل السنة والجماعة من بقية الطوائف الضالة والتي كان ضلالها عقديًا: كالمشبهة والجبرية والحشوية والنابتة والشكاك. ثم تناول المدرسة الكلامية، وأصول فرق المدرسة الكلامية: كالجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية والكرامية والسالمية. ثم تناول المدرسة الفلسفية، وأنماطها، والفرق بين المدرسة الكلامية والفلسفية. ثم تناول المدرسة الكشفية، وأنماط المدرسة الكشفية. أما المبحث السابع: فتناول موضوع علم العقيدة وأصوله، ومسارات علم العقيدة، وخارطة مسائل علم العقيدة. أما المبحث الثامن: فتناول المصنفات في علم العقيدة، وبين الأمور الواجب معرفتها عن المصنفات العقدية لمن يرغب في دراسة العقيدة، مثل: أسماء المصنفات العقدية وضبطها، وتحقيق حال المؤلف. أما المبحث التاسع: فبين فيه أحكام مسائل العقيدة وجزئياتها. ثم تحدث في المبحث العاشر عن: قوانين التحرير العقدي أي الأصول التي تساعد على ضبط التصورات الصحيحة لمسائل العقيدة. وختم المبحث الحادي عشر بأركان البناء العلمي لطالب العقيدة. والمؤلف د. "سلطان بن عبد الرحمن العميري" أستاذ مساعد بقسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين- جامعة أم القرى، من مؤلفاته: • "ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث". • "إشكالية الإعذار بالجهل في البحث العقدي". • "صناعة التفكير العقدي". • "فضاءات الحرية: بحث في مفهوم الحرية في الإسلام وفلسفتها وأبعادها وحدودها". • "الطريق إلى الترقي في تحصيل العلوم الشرعية". • "التقريرات المفيدة في التعريف بعلم العقيدة". • "التفسير السياسي للقضايا العقدية في الفكر العربي". • "العقود الذهبية على مقاصد العقيدة الواسطية". • "تدعيم الفكر الإسلامي".
العبث بالشأن النسائي
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
28-10-2020
5,195
https://www.alukah.net//culture/0/142775/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%8a/
العبث بالشأن النسائي طرحَت الدكتورة نورة بنت خالد السعد ، الكاتبة والأكاديمية السعودية المعروفة، في الساحة الإعلامية، بكتاباتها الرزينة العاقلة المتعلقِّة ( ربيع الحرف ) - فكرةً مهمَّة حول أسلوب عمل المرأة، من منطلق انتمائي، وليس عمل المرأة فحسب، وركَّزت في وقفتها تلك على التنبيه إلى عدم استغلال المرأة لأنوثتها، أو بسبب أنوثتها، وإخراجها من سَمْتها وحيائها وحشمتها بحجَّة العمل، وكان طرحها واقعيًّا، منتميًا لما تنتمي إليه الدكتورة نورة السعد، وجميع صويحباتها العاملات في مجالات شتَّى، وانبرى من يتَّهمها بأنها ستُعيد المرأة المعاصرة إلى حال المرأة في عصر المماليك [1] . نحن - هنا - بحاجة إلى شخص متخصِّص في التاريخ الاجتماعي، أو الاجتماع التاريخي، ليبيِّن لنا ما كانت عليه المرأة في عصر المماليك، هل هي كما صوَّرها مؤرِّخون غير منصفين؟ أم أنَّها - كما رسَمها مستشرقون - قابعة في سكن الحريم، مهيَّأة للرجال، متى ما عادوا إلى لهوهم، وهي جزء من لهوهم، على اعتبار أنَّ الحياة عند هؤلاء، في نظر بعض المستشرقين من المؤرِّخين، كانت لهوًا وعبثًا؟ [2] . كثيرًا ما نظلم المماليك في حياتهم السياسية والاجتماعية، والثقافية والفكرية، بل وصوَّرهم الإعلام الاستشراقي الغربي، والإعلام القومي العربي، على أنَّهم كتلٌ من الغباء المركَّب، والشهوات الجامحة؛ ولعلَّ هذا كان من إيحاءات استشراء المدِّ القومي في بدايات القرن الهجري الرابع عشر، القرن العشرين الميلادي، وبهذا ننسى الجهودَ التي قام بها المماليك لصدِّ الغزو الفكري والعسكري على المجتمع المسلم، ومنه المجتمع الغربي؛ هذه واحدة [3] . والأخرى: أنَّ الدكتورة نورة السعد كانت تنطلق - في وقفتها تلك - إلى الرغبة في إيجاد بيئة عمَل للمرأة، تُعفيها من التعرُّض لما تتعرَّض له المرأة العاملة في مجتمعاتٍ لم تهتمَّ بإيجاد هذه البيئة، واعتبرَتها رجوعًا إلى عصر المماليك، وبالتالي انغلاقًا وتحجيمًا لإمكانيات عمل المرأة، وتوسيع فرص إسهامها في سوق العمل. وإسهام المرأة في سوق العمل لا يُراد له أنْ يكون على حساب المبادئ والمثُل والقيم، التي صاغت هذا المجتمع [4] . المؤكَّد أنَّ هذا ليس قصد أولئك الذين اتَّهموا الدكتورة نورة السعد بتلك الاتِّهامات، ولكن ذلك يعود كله - ربَّما - إلى النظرة العاطفيَّة للمرأة، في مجال خروجها للعمل، وليس أولى من المرأة إلَّا المرأة نفسها، حين تتحدَّث عن مجال خروجها للعمل؛ فهي التي ترقب صويحباتها العاملات، ومدى الموضوعيَّة والواقعية في إسناد بعض الأعمال لهن. لا بُدَّ من التوكيد على الوضوح - من منطلَق منهج الوسط - في الطَّرح حول إيجاد بيئة عملٍ للمرأة، تسهم فيه في تنمية المجتمع، ويكون وسيلةً تسترزق من ورائه، ولا بُدَّ من الابتعاد عن كلِّ أساليب الحوم حول الحِمى، دون الوقوع فيه؛ ذلك أنَّ المشكلة التي تعاني منها المرأة، ويعاني منها الرجل كذلك، هي المراد من عمل المرأة، أو المراد من المرأة في عملها [5] . الذين يسافرون في رحلات عمل أو سياحة يجدون هذا السؤال قائمًا، وأكاد أقول: إنَّ المرأة قد أُحيلَت، في كثير من الحالات، إلى أداة أكثر من كونها امرأةً عاملة، هذه الأداة هي جعلُها كما أراد أنْ يعبِّر عنه بعض الذين ردُّوا على الدكتورة نورة بنت خالد السعد ، ويبدو أنَّها أحيلَت إلى أداة لمجرَّد متعة النظر، وإشباع رغبات ذاتية، وبالتالي، طُلب منها أن تتزيَّن للعمل، وأنْ تلبس أحسن الثياب، وأقلَّها ما أمكن، فلم يعد التبرُّج قاصرًا على أهل الفنِّ والمواخير الليلية، بل أضحى مرئيًّا في الشارع، والمتجر والمكتب والمشغل. المؤمَّل من الجميع تأمُّل هذا الطَّرح، والنظر إليه مرَّة أخرى بموضوعيةٍ وواقعيةٍ، وقليلٍ جدًّا من العاطفة، التي تشطح بالموضوع، وتبعده عن الخروج بنتيجة [6] . أهم العوامل التي تراعى في إيجاد بيئة عمَل للمرأة - وليس هو العامل الوحيد - هو الابتعاد عن المخالطة، الذي ولَّد ما ولَّد من مشكلات اجتماعية، لها أوَّل، وليس لها آخر، ثم تأتي العوامل الأخرى في هذه البيئة، تراعى فيها طبيعة المرأة، وحاجتها إلى أمور مهمَّة في حياتها اليومية، تجدها أمامها في العمل [7] ، وهذا الذي سعَت إليه منظمة العمل الدولية، حينما كان مِن تركيزها في مؤتمرها العامِّ الذي عقد عام 1422هـ/ 2002م، مسألة الأمومة لدى العاملات، وإيجاد البيئة للرعاية والمتابعة، منذ الحمل، فالولادة، فالرضاعة والحضانة، مع إيجاد أماكن مخصَّصة لراحتها، وراحة رضيعها، وكان هناك نِقاش طويل حول مدَّة الرضاعة أو الحضانة، كان موضعَ جدل بين فريق العمل وفريق أصحاب العمل، ولم ينتهِ النِّقاش إلى رؤية محدَّدة في تحديد المدَّة التي يمكن للمرأة العاملة فيها أنْ تحضن رضيعها [8] ؛ من هذا المنطلق، تفرض قوانين ( أنظمة ) العمل إيجاد هذه البيئة للمرأة لتحضن رضيعها، في أوقات تحدِّدها اللوائح، المنبثقة عن هذه القوانين ( الأنظمة ). نقاش هذا الموضوع - بيئة عمل المرأة - لا يقتصر على الجانب المحلِّي فحسب، ولكنْ كلٌّ ينظر إليه من منطلقاته الثقافية، وانتماءاته وعاداته وتقاليده، ولا بُدَّ من التوكيد - مرَّة أخرى - أنَّ الذين انبروا للردِّ على الدكتورة نورة السعد في طرحها المتعقِّل ليسوا منطلقين من منطلقاتٍ تغريبيَّة، فيها تقليد للآخر، ورغبة في الخروج من السمت والاحتشام، الذي عُرف عن المرأة المسلمة عمومًا، والعربية خصوصًا، والخليجية على وجه أخص، إلَّا أنَّه - مع هذا - لا يخلو من تأثُّر بأفكار غير انتمائية، هي إلى العبث أقرب منها إلى النظرة الجادَّة للشأن النسائي. عدم الموافقة على الطريقة التي تقدَّم بها الأفكار نابعٌ من الفهم أنها صيغَت بمفهومات غريبة عن المجتمع المسلم، وتريد فَرض هذه الأفكار، على حِساب المفهوم الإسلامي النظري والتطبيقي للمرأة، على اعتبار أنهم يزعمون أنَّ الإسلام يميِّز بين الرجل والمرأة [9] ، فأصبح الموقف موقفَ المدافع، عندما يُبين موقف الإسلام من المرأة، بأسلوب يُرغب فيه في إقناع الآخر بهذا الموقف، بعبارات عامَّة، يبدو أنَّها صادرة عن ردِّ فعل. لا ينبغي اللجوء إلى موقف الدِّفاع، في الشأن النسائي وفي غيره، بقَدر ما ينبغي إثبات حقائق، جاء بها القرآن الكريم وسنَّة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومورِسَت في حياة المسلمين، وقبلَت بها المرأة المسلمة، إيمانًا منها، واعتقادًا بها، ولم تُملَ عليها [10] ، هذا مع التوكيد على مرجعيَّة هذا الموقف، دون الخلط بين المرجعية الشرعية والمأثورات الاجتماعية، التي لم تكن إيجابيةً في موقفها من المرأة. إذا كانت المرأة تعاني في بعض المجتمعات من التفرقة، وسوء المعاملة؛ فإن هذا لا يعني - بالضرورة - مطابقة هذا على المرأة المسلمة، في الأسرة المسلمة الملتزمة بالإسلام، كما أنَّ ممارسات بعض المجتمعات المسلمة تجاه المرأة - تقليدًا اجتماعيًّا موروثًا - لا يعني تماشي هذه الممارسات مع الدين، ولا تؤخذ حجَّةً على الإسلام [11] . [1] انظر: شوقي أبو خليل: تحرير المرأة ممَّن؟ وفيمَ حرِّيتها؟ - ط 3 - بيروت: دار الفكر المعاصر، 1426هـ/ 2005م - 79 ص. [2] انظر: عقيلة حسين : المرأة في الفكر الاستشراقي - بيروت: دار ابن حزم، 1425هـ/ 2004م - 290 ص. [3] انظر: إرفن جميل شِك: الاستشراق جنسيًّا ، ترجمة: عدنان حسن، تقديم: ممدوح عدوان - بيروت: قدمس للنشر والتوزيع، 2003م - 358 ص. [4] انظر: في الدعوة إلى تخطِّي القيم والمثُل والمبادئ: المناظرة بين كلِّ من أميمة أبو بكر وشيرين شكري : المرأة والجندر ؛ إلغاء التمييز الثقافي والاجتماعي بين الجنسين - دمشق: دار الفكر، 1423هـ/ 2002م - 255 ص؛ سلسلة حوارات لقرن جديد. [5] انظر في مسألة حقِّ المرأة في العمل: جمال الدين محمَّد محمود: المرأة المسلمة في عصر العولمة - القاهرة: دار الكتاب المصري، 1421هـ/ 2001م - 222 ص. [6] انظر في مسألة تحرير المرأة: العمل الموسوعي الذي تولَّاه عبدالحليم محمَّد أبو شقَّة: تحرير المرأة في عصر الرسالة: دراسة عن المرأة جامعة لنصوص القرآن الكريم وصحيحي البخاري ومسلم - 6 ج - ط 6 - الكويت: دار القلم، 1422هـ/ 2001م. [7] انظر: إبراهيم بن مبارك الجوير: عمل المرأة في المنزل وخارجه - الرياض: مكتبة العبيكان، 1416هـ/ 1995م - 120 ص. [8] انظر: منظمة العمل الدولي: التقرير الرابع: حماية الأمومة في العمل: مراجعة اتفاقية حماية الأمومة مراجعة 1952 رقم 103 والتوصية، 1952 رقم 95 - جنيف: مكتبة العمل الدولي، 1999م - 129 ص. [9] انظر: عبدالمجيد الزنداني: المرأة وحقوقها السياسية في الإسلام - الكويت: مكتبة المزار الإسلامية، 1421هـ/ 2000م - 180 ص. [10] انظر في موضوع المرأة بين الدين والأخلاق : المناظرة بين كلٍّ من نوال السعداوي وهبة رؤوف عزَّت: المرأة والدين والأخلاق - دمشق: دار الفكر، 1424هـ/ 2004م - 328 ص؛ سلسلة حوارات لقرن جديد. [11] انظر: سهيلة زين العابدين حمَّاد: المرأة المسلمة ومواجهة تحدِّيات العولمة - الرياض: مكتبة العبيكان، 1424هـ/ 2003م - 215 ص.
التعامل الأسري في سيرة المصطفى لعبد الله بن ناصر السدحان
محمود ثروت أبو الفضل
27-10-2020
4,510
https://www.alukah.net//culture/0/142751/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%81%d9%89-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%af%d8%ad%d8%a7%d9%86/
التعامل الأسري في سيرة المصطفى لعبد الله بن ناصر السدحان صدر حديثًا كتاب "التعامل الأسري في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم"، تأليف: د. "عبدالله بن ناصر بن عبد الله السدحان"، نشر: "مركز تثمير للاستشارات بالتعاون مع وحدة التوعية الأسرية في جمعية أسرة". ويتناول الكتاب تبيان لتعامل خير البرية - صلى الله عليه وسلم - مع: الزوجة، والأبناء، والأقارب، وذوي الأرحام، والمسنين، والأيتام والتعرف على حقوقهم كما جاءت في الوحيين ، لتكون منارًا يهتدي به كل مسلم، وكل راغب في نشر السعادة في بيته، وبسط روح الطمأنينة في حياته الخاصة والعامة، كما تحاول هذه الدراسة إيراد الشواهد العديدة من الممارسات الأخلاقية في حياته صلى الله عليه وسلم. يقول الكاتب: "إن في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم نبراسًا لكل مُقتدٍ، ولكل من يرنو لبلوغ مناه في تتبع سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم في يسر وسهولة ووضوح، منهجًا في هذه الحياة الدنيا، فضلًا عن الثواب المرتجى لمن يحتسب في عمله الاقتداء بسيرة المصطفى، فالأب، والأم، والمربي يجدون في سيرة المصطفى عليه الصلاة والسلام دروسًا نبوية في التربية، والتعامل مع الآخرين، وكسب قلوب الناس، من خلال حسن الخلُقُ، وفنون التعامل مع الآخرين، ومما يزيد هذه الدروس روعة أن البعد التنفيذي فيها والجانب العملي هو الطاغي في العملية التربوية النبوية، فهي ليس مجرد توجيهات عامة، بل وصولًا إلى أدق التفاصيل، ونزولًا لأدنى مستويات التعامل مع المستوى العمري، فالرسول صلى الله عليه وسلم داعب صغار الأطفال حتى من خارج بيته الشريف، ففي الحديث الذي يرويه البخاري: أن محَموُد بنَ الرَّبيِعِ قاَلَ: "عَقَلتُ مِنْ النَّبِيِ صَلَّى الله علَيَهِ وَسَلَّمَ مَجَّة مَجَّهَا فيِ وَجْهِي وَأَناَ ابنُ خَمْسِ سِنيِنَ مِنْ دَلوٍ". إن هذه الممارسات النبوية التي وصلت إلينا تتعلم منها الأمة بمختلف مستوياتها العمرية، والعلمية، والاجتماعية الآداب الرفيعة، والأخلاق الحميدة، والعبادة الصحيحة، لذا لا عجب أن يقول بعض السلف: "كنا نعلَم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما السورة من القرآن". وكم نحن بحاجة في هذا العصر إلى تعلم سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وعدم الوقوف عند مجرد القراءة فحسب، بل انتقال للتطبيق، وعزم قوي على الممارسة، فالمجتمعات الإسلامية عطشى في وقتنا الحاضر إلى نبراس يقُتدى وطريق يسلك لتحقيق الترابط الأسري المنشود، من خلال التعامل الحسن بين أفراد الأسرة الواحدة ابتداءً، واختتامًا بالمجتمع الكبير، ومرورًا بمحيط الأسرة الأوسع من الأقارب وذوي الأرحام". وجاء الكتاب في مقدمة وثلاثة فصول على النحو التالي: الفصل الأول: الأخلاق: أصولها وتمثلها في الرسول صلى الله عليه وسلم، وتندرج تحته عدة مباحث موضوعية على النحو التالي: • صفة المصطفى صلى الله عليه وسلم الخُلقية. • هل يمكن تغيير الأخلاق إلى الأفضل؟ • العوامل التي تساعد على اكتساب الأخلاق الحميدة. الفصل الثاني: الحقوق والواجبات كما جاءت في الكتاب والسنة وتطبيقاتها في حياة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويندرج تحتها عدة مباحث موضوعية على النحو التالي: • الأسس التي تقوم عليها الأخلاق في الإسلام: 1) حقوق الوالدين من الكتاب والسنة وكيف تعامل صلى الله عليه وسلم معها. 2) حقوق الزوجة من الكتاب والسنة وتعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته. 3) تعامله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته في المشكلات الزوجية. 4) حقوق الأبناء من الكتاب والسنة وتعامله صلى الله عليه وسلم معهم. 5) حقوق الأيتام من الكتاب والسنة وتعامله صلى الله عليه وسلم معهم. 6) حقوق الأقارب وذوي الأرحام من الكتاب والسنة وتعامله صلى الله عليه وسلم معهم. 7) حقوق المسنين من الكتاب والسنة وتعامله صلى الله عليه وسلم معهم. الفصل الثالث: أثر الالتزام بالحقوق والواجبات في أمن المجتمع وسعادته. والكاتب هو د. " عبدالله بن ناصر بن عبد الله السدحا ن " المشرف على " مركز تثمير للاستشارات " مركز متخصص للاستشارات التنموية والاجتماعية والوقفيّة، ووكيل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية سابقًا، له من المؤلفات: • "الأوقاف على الحرمين الشريفين خارج المملكة العربية السعودية". • "دليل الإرشاد الأسري الإلكتروني". • "الجمعيات النسائية في المملكة العربية السعودي: نشأتها، واقعها، أدوارها". • "الأوقاف والمجتمع". • "كيف تؤثر الأوقاف في المجتمع".
قصة نوح عليه السلام (2)
د. محمد منير الجنباز
26-10-2020
8,642
https://www.alukah.net//culture/0/142743/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%86%d9%88%d8%ad-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-2/
قصة نوح عليه السلام (2) مرحلة صُنع السفينة وانتظار ساعة الصفر قال ابن إسحاق: حتى إذا تمادوا في المعصية، وعظُمت في الأرض منهم الخطيئة، وتطاول عليه وعليهم الشأن، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر النجل بعد النجل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى إن كان منهم ليقول: قد كان هذا مع آبائنا ومع أجدادنا هكذا مجنونًا، لا يقبلون منه شيئًا، حتى شكا ذلك من أمرهم نوح إلى الله عز وجل، حتى قال: ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [نوح: 26، 27]، فأوحى اللهُ إلى نوح أن: ﴿ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [المؤمنون: 27]، فأقبل نوح على عمل الفلك، وانشغل عن قومه، فما عاد يكلمهم في شأن الدعوة كما كان شأنه من قبل، ألم يأتِه اليقين من ربه بأنه لن يؤمن إلا من قد آمن معك؛ لذلك تركهم وشأنهم، وأقبل على العمل بجد ونشاط، فأحضر من المواد كل ما يمكن أن يساعد في صنع السفينة، وجعل قومه يمرون به - وهو منهمك في العمل - فيسخرون منه ويستهزئون به، وقالوا في استهزاء: لقد غيَّر نوح عمله، وأصبح بعد النبوة نجارًا، ثم زادوا من السخريَّة بأن اتهموه بالجنون؛ لأنه يصنع السفينة في مكان بعيد عن البحر، فكان يقول لهم: ﴿ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ ﴾ [هود: 38، 39]. ولما أنجز نوح صنع السفينة بوحي الله، وكما علمه الله، وأصبحت جاهزة للإبحار، وقد حدد الله لنوح من قبلُ ساعةَ البدء في شحن السفينة، ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ [هود: 40]، وقصد بالتنُّور تنُّور أهل نوح الذي يخبز فيه، إذا فار بالماء فهو آية البدء في تحميل السفينة بالحيوانات من كل نوع ذكر وأنثى، إضافة إلى من آمن معه من أهله وغيرهم، وقد اختلف أهل العلم في عدد الناس الذين كانوا معه، فقال بعضهم: سبعة، نوح وثلاثة من ولده وزوجاتهم، وقال آخرون: إضافة إلى ما ذكر كان معهم ستة نفر من المؤمنين، وورد عن ابن عباس أنهم كانوا ثمانين نفسًا، وفي رواية ابن سعد عن ابن عباس قال: حمل نوح في السفينة بنيه سام وحام ويافث، وكنائنه - نساء بنيه - وثلاثة وسبعين من بني شيث ممن آمن به، فكانوا ثمانين في السفينة، وكانت السفينة ثلاث طبقات، طبقة للحيوانات، وأخرى للطيور، وثالثة للناس، وتخلف عن نوح أحد أبنائه، فلما بدأ المطر بالهطول والينابيع بالانبجاس والماء بالارتفاع، شعَر الناس بالطوفان، ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [القمر: 11، 12]. فلجأ ابنُ نوح - يام، وقيل وفق رواية أهل الكتاب: كنعان - العاق، الذي كان يخفي الكفر إلى الجبال، ورآه والده فناداه، فكان الجواب الذي فيه المفارقة وعدم الرغبة في أن يكون تحت مظلة والده: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43]، وقد سجَّل القُرْآن هذه المحاورة التي فيها بيان لهفة الوالد على ولده عند اشتداد الموقف ودهم الخطر، ﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [هود: 41 - 43]، لكنَّ نوحًا تذكر وعد الله له وهو في غمرة الهلع وهياج الطوفان وتلاطم الأمواج في إنجاء أهله من الهلاك، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 45، 46]. وقد ورد في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لو رحم الله أحدًا من قوم نوح، لرحم أمَّ الصبي))، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان نوح مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا يدعوهم إلى الله عز وجل حتى كان آخر زمانه غرس شجرة - وقيل: شجرًا - فعظمت وذهبت كل مذهب ثم قطعها ثم جعل يعمل سفينة فيمرون فيسألونه فيقول: أعملها سفينة فيسخرون منه، ويقولون: تعمل سفينة في البر فكيف تجري؟! فيقول: سوف تعلمون، فلما فرغ منها وفار التنور وكثر الماء في السكك خشيت أم الصبي عليه - وكانت تحبه حبًّا شديدًا - فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه، فلما بلغها الماء خرجت حتى بلغت ثلثي الجبل، فلما بلغها الماء خرجت حتى استوت أعلى الجبل، فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيدها حتى ذهب به الماء، فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم أم الصبي))، وهكذا أتى الطوفان على كل شيء حتى غمر الأرض وما عليها، وسفينة نوح طافية صامدة: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ ﴾ [هود: 42]، لقد صُنعت بإحكام من خشب الساج، وربطت بالمسامير، وطليت بالقار: ﴿ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ * وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 13 - 15]، دُسُر: مسامير، وكان طولها ألفًا ومائتي ذراعًا، وعرضها ستمائة ذراع، وقيل: طولها ثمانون، وعرضها خمسون ذراعًا، واتفقوا على ارتفاعها فقالوا: ثلاثون ذراعًا، لكن قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً ﴾ [القمر: 15] يدل على أنها عجيبة من العجائب حجمًا وشكلًا وصنعة، ألم يصنعها نوح بوحي من الله وتوجيهه؟ (وُجدت آثارها الواضحة على جبل الجُوديِّ في تركيا). واستمرَّ هطول المطر مع انبثاق الينابيع من الأرض أربعين يومًا أشد ما يكون ﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا ﴾ [القمر: 11، 12]، وقد غمَر الطوفان الأرض جميعها، حتى غمر رؤوس أعلى الجبال، وزاد على ذلك، وطافت السفينة الأرض ستة أشهر ونيفًا، وفي هذه المدة قضي على الكفار قضاءً مبرمًا؛ استجابة لدعوة نوح: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، ثم ساق الله السفينة إلى جبل الجودي، وتوقفت عنده: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44]، وبدأ الماء في التناقص، فاستردت الأرض ما دفعته، وكذلك السماء بالتبخُّر، وقد رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((في أول يوم من ركوب نوح السفينة فصام هو وجميع من معه، وجرت بهم السفينة ستة أشهر، فانتهى إلى المحرم، فأرست السفينة على الجودي يوم عاشوراء، فصام نوح وأمر جميع من معه من الوحش والدواب، فصاموا شكرًا لله عز وجل)). وجاء أمر الله: ﴿ قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [هود: 48]، وهذا تذكير لنوح ومن معه بما سيمارسونه على الأرض هم ومن يأتي من نسلهم بأن من يحافظ على عقيدته، ويبتعد عن الإصغاء إلى وساوس الشيطان بأنه سيفوز برضوان الله، ومن يتبع هواه وشيطانه فسيصيبه عذابٌ أليم، فهذا مشابه لما قيل لآدم من قبل، كما ورد أنها استقرت على الجودي شهرًا، كما روي أن نوحًا عليه السلام أرسل الغراب ليكتشف انحسار الماء فخرج فرأى جيفة فوقع عليها يأكل منها فأبطأ عليه، فأرسل الحمامة فعادت وفي منقارها غصن الزيتون وفي أقدامها أثر الطين فعرف ظهور اليابسة، وأمر بالنزول من السفينة إلى الأرض، وعند سفح الجبل بنى نوح مدينة سماها ثمانين؛ لأن لكل واحد من المؤمنين الثمانين بيتًا، وهي أول تجمع سكاني على الأرض بعد الطوفان، ومنها سينتشر البشر فوق الأرض، وفي صحيح ابن حبان عن أبي أمامة: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أنبي كان آدم؟ قال: ((نعم))، قال: فكم كان بينه وبين نوح؟ قال: ((عشَرة قرون))، وذكر أنه عاش بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة. على هامش قصة نوح: • البشر بعد نوح ينتسبون إليه: ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ﴾ [الصافات: 77]. • زوجة نوح ومصيرها. ذُكرت في سورة التحريم: ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴾ [التحريم: 10]، قيل: اسمها: واهلة، كانت تقول لقومه: إنه مجنون، فهذه هي الخيانة، وقد ورد: ما بغَتِ امرأة نبي قط، وعلى هذا، فالخيانة في قولها: مجنون، وإخبار امرأة لوط قومَها عن أضيافه وزوَّاره، ولم يرد أن نوحًا قد حملها معه في السفينة، وقد غرقت مع الكافرين، ويشملها قول الله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ﴾ [هود: 40] بالهلاك. ولأهمية قصة نوح في أخذ العظة والعبرة، فقد ذُكِرت في عدد من الآيات، تارة بالإشارة السريعة، وأخرى بذكر جانب مما عانى منه مع قومه، ومرة بإجمال لمعظم محاور القصة، كما في سورة المؤمنون، ومن خلال الشرح السابق فإن ذكر هذه الآيات يُجمِل القصة بأسلوب مختصر جامع: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ * قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ * فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 23 - 29]. كنعان ولد نوح والعتاب: كان كنعانُ أصغرَ ولد نوح، ولم يكن نوح يدري أنه كان على دين قومه، ولعله تأثر بوالدته التي كانت تمالئ قوم نوح ضد زوجها، وفي العادة فإن أصغر الأولاد يميل مع أمه، وعندما ركب نوح في السفينة وافتقد ابنه وبحث عنه، فرآه، طلب منه أن يأتي معه ويركب في السفينة، فرفض وعاند والده، وقال: ﴿ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ﴾ [هود: 43]، وظن الأمر يومًا ممطرًا، أو عدة أيام ويعود الصحو وينتهي الأمر، لكن والده أفهمه أن هذا الطوفان هو مفاصلة بين الإيمان والكفر، ﴿ وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42]، ولما رأى نوح ابنه كنعان يصارع الموج وهو لا شك مُغرَق لم يستطِعْ تحمل هذا المنظر، ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ﴾ [هود: 45، 46]، واستغفر نوح ربَّه وأناب إليه، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 47]. هل غرق كل من في الأرض؟ منطوق الآيات الكريمة ووصف السماء التي جادت بالمطر والأرض التي نبعت بالماء ووصف الموج بأنه كالجبال وبقاء السفينة فترة طويلة فوق الماء فلا ترى اليابسة، ثم رسوها على جبل الجودي بعد انحسار المياه عن القمم العالية أولًا، ثم عن بقية المناطق فيما بعد - يدلُّ على أن المياه غمرت الدنيا كلها، وكانت الأرض المسكونة في زمن نوح لا تعدو منطقة العراق وبلاد الشام ومصر، وهي أرض النبوات، حيث الإنسان كان لا يزال حديثَ عهد بالأرض، وذكر الجيولوجيون حديثًا أنهم وجدوا مستحاثات بحرية فوق قمم الجبال، ويوجد لها نظير في أعماق البحار، وهذا يرد على من قال: إن الطوفان محلي.
الاعتذار في القرآن الكريم دراسة موضوعية لأريج الخميس
محمود ثروت أبو الفضل
26-10-2020
27,868
https://www.alukah.net//culture/0/142728/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b9%d8%aa%d8%b0%d8%a7%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d8%af%d8%b1%d8%a7%d8%b3%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b6%d9%88%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a3%d8%b1%d9%8a%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%85%d9%8a%d8%b3/
الاعتذار في القرآن الكريم دراسة موضوعية لأريج الخميس صدر حديثًا كتاب "الاعتذار في القرآن الكريم دراسة موضوعية"، تأليف: "أريج بنت إبراهيم الخميس"، نشر "دار الذخائر للنشر والتوزيع". وأصل هذه الدراسة أطروحة علمية تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الماجستير في قسم القرآن وعلومه، من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة القصيم، تحت إشراف أ.د. " علي بن عمر بن محمد السحيباني "، وذلك عام 1436 هـ-2014م. ويبحث هذا الكتاب في أدب الاعتذار، وأهم معالمه وضوابطه، وذلك لقلة الدراسات التي أبرزت معالم هذا الخلق السامي، ووجوبه لكل مسلم جادٍّ في بناء أخلاقه. إلى جانب أن القرآن الكريم يولي هذا الخلق اهتمامًا يظهر ذلك في كثرة الآيات التي تتناوله بمختلف الأساليب؛ مما يجعل له الجدارة في التأمل والتدبر والدراسة، وكذا اهتمام السنة المطهرة بهذا الخلق، يلفت الانتباه ويستدعي الوقوف عليه. وتتضح أهمية الاعتذار كونه من الأمور التي يحتاج إليها المؤمن في سائر علاقاته، سواء أكانت مع ربه أم مع بني جنسه. وترى الكاتبة أن ظاهرة التفرق والخلافات الاجتماعية، لابد لها من علاج وتقوم رشيد، وفي اعتقادها أن خلق الاعتذار جزء لا يستهان به في معالجة الوضع وتقويم الظاهرة. تتلخص مشكلة البحث في محاولة الإجابة عن الأسئلة التالية: أولًا: ما مفهوم الاعتذار؟ ثانيًا: ما أنواع الاعتذار في القرآن؟ ثالثًا: ما الأسباب الداعية لقبول الاعتذار؟ رابعًا: ما الأثر الذي يتركه الاعتذار؟ خامسًا: ما دلالات الاعتذار في القرآن الكريم؟ كما يهدف هذا البحث إلى تحقيق أهداف عدة منها: 1) توضيح معنى الاعتذار في القرآن توضيحًا جليًا. 2) تصنيف الآيات المتعلقة بالاعتذار. 3) التعرف على الأثر الذي يتركه الاعتذار على المعتذِر والمعتذَر منه. 4) الكشف عن الدلالات التي برزت من حديث القرآن عن الاعتذار. وقد اشتمل هذا البحث على مقدمة، وتمهيد، وبابين، وخاتمة، وفهارس: المقدمة: وفيها أهمية الموضوع، وأهدافه، ومشكلة البحث، والدراسات السابقة، وبيان منهج البحث، وإجراءات البحث، مع بيان خطة البحث. التمهيد: قيمة الاعتذار وأهميته. الباب الأول: الاعتذار في القرآن الكريم: استعمالاته، وأنواعه، وأبوابه، وأثره، وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: الاعتذار واستعمالاته في القرآن الكريم، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: تعريف الاعتذار لغة واصطلاحًا. المبحث الثاني: الاستعمال القرآني للفظ الاعتذار. المبحث الثالث: مرادفات الاعتذار في القرآن الكريم. الفصل الثاني: أنوع الاعتذار في القرآن الكريم، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: أنوع الاعتذار من حيث الوقوع، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: الاعتذار ابتداء. المطلب الثاني: الاعتذار بعد ظهور الأمر وبيان الحق. المطلب الثالث: الاعتذار لبيان الحال. المبحث الثاني: أنوع الاعتذار من حيث النوع والسبب، وفيه خمسة مطالب: المطلب الأول: الاعتذار من فعل. المطلب الثاني: الاعتذار من مقولة. المطلب الثالث: الاعتذار من طلب ما لا يليق. المطلب الرابع: الاعتذار للجهل بالحال. المطلب الخامس: الاعتذار من المؤاخذة بالنسيان. المبحث الثالث: أنوع الاعتذار من حيث القبول والرد، وفيه مطلبان: المطلب الأول: الاعتذار المقبول. المطلب الثاني: الاعتذار المردود. الفصل الثالث: أسباب قبول الاعتذار، وفيه أربعة مباحث: المبحث الأول: الاعتراف بالذنب والخطأ. المبحث الثاني: تقديم الأسباب الصادقة. المبحث الثالث: انتقاء الألفاظ المناسبة. المبحث الرابع: تقديم الاعتذار في الوقت المناسب. الفصل الرابع: أثر الاعتذار، وبه مبحثان: المبحث الأول: أثر الاعتذار على المعتذر. المبحث الثاني: أثر الاعتذار على المعتذر منه. الباب الثاني: المعتذرون في القرآن الكريم، وبه خمسة فصول: الفصل الأول: اعتذار الأنبياء لله عز وجل وبه سبعة مباحث: المبحث الأول: اعتذار آدم لله عز وجل. المبحث الثاني: اعتذار نوح لله عز وجل. المبحث الثالث: اعتذار يونس لله عز وجل. المبحث الرابع: اعتذار موسى لله عز وجل؛ وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اعتذار موسى لله عز وجل حينما طلب رؤيته. المطلب الثاني: اعتذار موسى لله عز وجل عن قومه. المطلب الثالث: اعتذار موسى لله عز وجل حينما قتل نفسًا بغير حق. المبحث الخامس: اعتذار داود لله عز وجل؟ المبحث السادس: اعتذار سليمان لله عز وجل. الفصل الثاني: اعتذار سائر الخلق لله، وبه ستة مباحث: المبحث الأول: اعتذار صاحب القرية في سورة البقرة. المبحث الثاني: اعتذار صاحب الجنتين في سورة الكهف. المبحث الثالث: اعتذار أصحاب الجنة في سورة القلم. المبحث الرابع: اعتذار قوم موسى عليه السلام. المبحث الخامس: اعتذار بلقيس في قصة سليمان عليه السلام. المبحث السادس: اعتذار فرعون. الفصل الثالث: الاعتذار للأنبياء، وفيه سبعة مباحث: المبحث الأول: اعتذار إخوة يوسف عليه السلام، وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: اعتذار إخوة يوسف ليعقوب عليهما السلام حينما زعموا أنه أكله الذئب. المطلب الثاني: اعتذار إخوة يوسف ليوسف عليه السلام. المطلب الثالث: اعتذار إخوة يوسف عليه السلام لأبيهم حينما ظهر أمرهم. المبحث الثاني: اعتذار امرأة العزيز. المبحث الثالث: اعتذار هارون لموسى عليهما السلام. المبحث الرابع: اعتذار الهدهد لسليمان عليه السلام. المبحث الخامس: اعتذار المستهزئين بالنبي صلى الله عليه وسلم. المبحث السادس: اعتذار أغنياء المنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم. المبحث السابع: اعتذار المعذِّرين من الأعراب للنبي صلى الله عليه وسلم. الفصل الرابع: الاعتذار لغير الأنبياء، وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: اعتذار موسى عليه السلام للخضر. المبحث الثاني: اعتذار إخوة يوسف عليه السلام لأصحاب العير. المبحث الثالث: اعتذار المنافقين للمؤمنين. الفصل الخامس: الاعتذار في الحياة الآخرة، وبه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: اعتذار الظالمين والمفرطين حين تتوفاهم الملائكة. المبحث الثاني: اعتذار المشركين والظالمين والمفرطين يوم القيامة، وبه مطلبان: المطلب الأول: اعتذارهم في عرصات يوم القيامة. المطلب الثاني: اعتذارهم في النار. المبحث الثالث: اعتذار إبليس. الخاتمة: وفيها أهم النتائج. وترى الكاتبة أن الاعتذار خلق سام، وأدب فاضل، يجعل سعادة الفرد في قمتها، تجاه نفسه وتجاه المجتمع، تميز به العقلاء بالعودة للصواب، وارتقى به النبلاء في محو أثر الزلل، من شأنه أن يرفع من قدر صاحبه ولا ينقصه، ويجلب التواضع، وينفي عن النفس الكبر، به تمسح آثار الحقد والكراهية من القلوب، وتفتح به الأبواب أمام التسامح والتواصل، وهو حصانة قوية للابتعاد عن الخطأ، وعدم المبالاة بمشاعر الأخرس؛ لذلك فهو مطلب ملح لالتئام الصف، ودوام الوحدة وصلاح المجتمعات والأمر. ومجتمعات اليوم بحاجة إلى أن يكون الاعتذار جزءًا من علاقاته الاجتماعية، ورمزًا من رموز ثقافته الإسلامية، فهو السبيل لصهر الخلافات، ولأم الجراحات المتفشية في أوساطنا، حتى يكون خلقًا يُحتذى من غير إجبار ولا تكلف.
حقائق خلق الجبال في القرآن الكريم
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
25-10-2020
21,198
https://www.alukah.net//culture/0/142722/%d8%ad%d9%82%d8%a7%d8%a6%d9%82-%d8%ae%d9%84%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a8%d8%a7%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85/
حقائق خلق الجبال في القرآن الكريم 1- حقائق مدهشة: ليس بوسع أي عالم منصف من علماء الجيولوجيا أو الجغرافيا، إلا أن يشهد أن القرآن الذي هو دستور المسلمين حق، حينما يتدبر إشارات القرآن عن خلق الجبال. ففي القرآن الكريم نجد أدق وصف للجبال، ونجد أيضا الكثير من الحقائق عن الجبال التي لم يكتشفها العلماء إلا في القرن العشرين. وحديث القرآن عن الجبال يشير إلى أقدم الجبال، وأطوار نشأتها، وينتهي بالإخبار بمآل الجبال بين يدي الساعة. فتلك أقدم الجبال جعلها الله رواسي للأرض من فوقها لتثبيت الأرض وحفظها من الاضطراب. والجبال بصفة عامة تعمل على إتزان الأرض، ومن ثم كانت الجبال أوتادا تثبت الأرض. حقا الجبال خلق عظيم، ولعظم شأنها حث القرآن على التفكر فيها، حيث يقول عز وجل: ﴿ أ َفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَت * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20]. والجبال تقرن في آيات القرآن مع السماء والأرض، يقول تعالى : ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا ﴾ [مريم: 90: 91]. والجبال كالكائن الحي تنفعل وتخر هدًّا من هول جريمة ادعاء الولد إلى الله، بل إنها أشفقت من حمل الأمانة؛ يقول تعالى: ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾ [الأحزاب: 72]. الجبال الشم الرواسي تشارك المخلوقات في سجودها وتسبيحها للخالق عز وجل ومع ذلك يستنكف الكثير من الناس أن يشاركونها في سجودها لله؛ يقول تبارك تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء ﴾ [الحج: 18]. وتسبيح الجبال شيء لا يدركه العقل البشري. وقد تفضل الله على عبده داود فجعل الجبال تسبح معه، يقول تعالى: ﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ ﴾ [ص: 17 – 18]. ويقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ ﴾ [سبأ: 10]. وفي الوقت الذي كان فيه داود شاكرًا لأنعم ربه، جحدت عاد نعمة ربهم الذي سخر لهم الجبال ينحتون منها البيوت بحذق ومهارة؛ يقول تعالى: ﴿ وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ ﴾ [الحجر: 82 – 83]. جبال تخشع وجبال تسبح وجبال تسجد للخاق، وفى الآخرة تنسف، وتكون هباء منثورا وعهنا منفوشا وتبس بسا . والجبال منظومة كونية يرد ذكرها في القرآن بصيغة الجمع، فإذا ما وردت الكلمة بصيغة المفرد " جبل " فإنها تحمل إيحاءً مخصوصا، فهي جبال شهدت مع ابراهيم عليه السلام كيف يحي الله الموتى، أو جبل دُك في الأرض حينما تجلى الله له، أو جبل يخشع ويتصدع من حمل الأمانة، أو جبل ينتق فوق بني اسرائيل ليأخذوا ما آتاهم الله بقوة، أو جبل يعتقد ابن نوح جهلًا منه أنه يعصمه من الغرق. [ البقرة: 260، الأعراف: 143، 171، هود: 43، الحشر: 21]. وفي القرآن إشارة علمية شغلت العلماء قديما وحديثا حول وظيفة الجبال وما معنى أنها رواسي، وعلى أي شيء ترسو، وحقيقة الجبال الأوتاد، وما هي العلاقة بين شموخ الجبال وتصريف الرياح وإنزال المطر وطبيعة العلاقة بين مد الأرض وانقاصها من الأطراف والرواسي، وهل الجبال تتحرك في الدنيا. ولسوف نوضح تلك الاشارات ليتبين لنا سبق القرآن في كشف ظواهر الجبال ونشير إلى مآل الجبال في الآخرة. ولسوف نفصل الحديث في النقاط التالية: 2 - الإشارات العلمية: وفيما يلي بيان العطاءات العلمية لآيات الجبال في القرآن الكريم: 1- كلمات تهدي وآيات تكشف: أ- الكلمات الهاديات : رواسي، رواسي شامخات، الجبال أوتاد. ألقى فيها رواسي، جعل فيها رواسي، نَصْب الجبال، مد الأرض، تميد الأرض، الجبال أكنان، جُدَد بيض وحمر مختلف ألوانها، غرابيب سود، تسيير الجبال. دك الجبال، نسف الجبال، قاع صفصف، تسيير الجبال. الجبال كالعهن، الجبال كالعهن المنفوش، الجبال كثيب مهيل. ب- الآيات الكاشفات: 1- الرواسي الأصيلة: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [ فصلت: 10]. 2- الرواسي بين الجعل والإلقاء: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ [الأنبياء: 31]. {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [النحل: 15]. 3- مرور الجبال: يقول تعالى : ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]. 4- وتدية الجبال: يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا ﴾ [النبأ: 7] . أقدم الجبال : يقول تعالى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ ﴾ [ فصلت: 10]. كانت الأرض في مهد نشأتها مضطربة غير مستقرة، فجعل الله فيها جبالا ثوابت لئلا تميد. وللعلم أن أكثر الأقاليم استقرارًا هي الرواسخ (الكريتونات ( Cratons ). وتمثل الدروع ( Shields ) وهي أقدم صخور الأرض أنوية القارات، فالدرع العربي على سبيل المثال يمثل ركيزة شبه الجزيرة العربية، والدرع الأفريقي يمثل أساس القارة الأفريقية، وهكذا تمثل الدروع القاعدة التي تستند عليها عجائب العالم: ( Basement Foundation ). والجدير بالذكر أن الرواسي الأصيلة في الأرض جعلت فيها من مادة الأرض من خلال نشاط داخلها صيَّرها رواسي، ولهذا لا يفهم " مِن فَوْقِهَا " على أنها أنزلت من السماء. 3 - نصب الجبال: يقول تعالى في وصف أمواج الطوفان في عهد نبي الله نوح: ﴿ وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ ﴾ [هود: 42]. وحقًّا توجد الجبال المنثنية التي مظهرها أمواج شكل (1-33). (شكل 1-33): جبال كالموج، جبال منثنية ﴿ أفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ ﴾ [الغاشية: 17 – 20]. ويلزم الإحاطة من فروع علوم الأرض لكي نفهم كيف تنصب الجبال. إنها عملية غاية في التعقيد تتطلب معرفة أنواع صخور الجبال وبٌنْياتها، ومكونات الصهارة ( المجما ) التي تصعد من جوف الأرض، والعوامل التي تؤثر على الأرض سواء من داخلها أو على سطحها. وأخيرا معرفة تفسر الآلية التي تبرز فيها الجبال في ضوء نظرية ألواح الغلاف الصخري. وكلما نمت المعارف الجيولوجية كلما بدأنا نفهم توجيه قوله تعالى " وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ " . وكلما إرتفعت سلاسل الجبال كلما كانت الجبال أحدث عمرا ، فجبال الهيمالايا التي تحوي على أعلى قمة في العالم اليوم بدأ نصبها منذ 45 مليون سنة، بينما توقف رفع جبال الأبلاش منذ 250 مليون سنة. ولا تبرز فجأة، بل يستغرق تكوين الجبال ونصبها ملاليين السنين عبر رحلة شاقة ضاربة في أعماق الزمان. وفى أثناء تلك الفترات تتراكم الرواسب ثم يعتريها التشوه والتصدع ثم ترفع الجبال. وقد تنصب الجبال بأن تصطدم قارة بقارة أخرى. وإليك على سبيل المثال قصة نصب سلاسل جبال الهيمالايا (شكل 1-34)، فالهند كانت تقع على الحافة الجنوبية لبحر قديم لا وجود له اليوم اسمه بحر التيثى ( Tethyan Ocean ) بينما كانت تقع التبت عند الحافة الشمالية لذلك البحر العظيم، كان ذلك منذ قرابة المائة مليون سنة. وقطعت الهند مسافة حوالي 1500 كم في أثناء زحزحتها باتجاه آسيا. إلى أن أتى وقت اختفى البحر وابتلعه جوف الأرض، وجاءت لحظة التصادم المحتومة وعند نطاق التصادم دكت الهند دكا، وسحقت التبت سحقا، ركبت الأخيرة فوق الهند، وحينئذ نصبت جبال الهيمالايا. حقا إنها أشبه بقيامة صغرى تعلو فيها قارة فوق قارة. والأعجب أن تبرز الجبال من رحم المحيط، وجبال عمان الشمالية خير مثال على ذلك (شكل:14)، فحول العاصمة مسقط يمكن أن ترى قاع بحر قديم قد ألقى على اليابسة، نتيجة تصادم قاع ذلك البحر بيابسة العربية، وامتطى قاع البحر سطح الأرض. وأثناء التصادم ذلك التصادم المريع نقلت جبال من أماكنها بالكامل لمئات الكيلو مترات (شكل 1-34). وتنشأ جبال وتنصب تنصب من جراء تصادم قارة بقارة مجاورة، أو قارة وفاع بحر، أو قاع بحر ينطبق من منتصفه، وأيضا من رحم البحر المشقوق من منتصفه، أو القارة المنشطرة، وما أوتينا من العلم إلا قليلا. وتبقى كلمات القرآن حافزًا للعقل البشري ليبحث في قوله تعالى: " وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ ". ويثبت العلم الحديث أن الجبال تنشأ بفعل حركة قطع الأرض المتجاورات، حيث تتصادم القطع المتجاورة أو تتباعد، ومن تصادمها وتباعدها تبرز سلاسل الجبال، يقول تعالى: " ﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاءُ اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ﴾ [الرعد: 31]. هذا وقد أشرنا من قبل إلى تقطيع الأرض ومرور الجبال. (شكل 1-34): نصب جبال الهيمالايا 13 (شكل1-35): نشأة جبال عمان 4- الْجِبَالَ أَوْتَاد: يقول تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ [النبأ: 6-7]. يبدو للعيان أن الجبال ظاهريًّا تشبه الوتد، ولكن ما اكتشف حديثًا يجزم بأن الجبال أوتاد. فلنأخذ جبال الهيمالايا على سبيل المثال حيث تعلو قمتها ثمانية كيلو مترات وبضع مئات الأمتار عن سطح البحر. والمدهش أن المسح الجيولوجي أثبت أن قاعدة الهيمالايا تضرب لمسافة 65 كيلو مترًا تقريبا في جوف الأرض حيث تطفو الجبال في وشاح الأرض اللدن وبصفة عامة فإن الجزء المختفي من الجبال تحت السطح يعادل على الأقل ثمانية أضعاف الجزء البارزفوق سطح الأرض. حقيقة وتدية الجبال لم يعرفها بشر عند نزول القرآن، ولا حتى بعد نزوله، بقرابة ألف عام. حقا إنه الوحي الذي أخبر محمد بذلك في قرآن يتلى إلى يوم القيامة. وقد أجمع المفسرون على أن ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ﴾ بمعنى جعل للأرض أوتادًا، أرساها وثبتها وقررها، لتسكن ولا تميد بأهلها (شكل1-36). والجبال من الناحية الشكلية أشبه بأوتاد الخيمة التي تُشد إليها. ويرى الدكتور محمد أحمد الغمراوي (رحمه الله) أن الجبال نساند عمل الجاذبية الأرضية للاحتفاظ بهواء الأرض. والحقيقة أن الجبال في الأقاليم المتزنة تؤدي إلى نمطية الجاذبية. ويطرح الدكتور الغمراوي سؤالين يتطلبان بحثا علميًّا وهو: أكانت جاذبية الأرض كافية للاحتفاظ بهواء الأرض لو أن كتلتها نقصت بقدر كتلة الجبال؟ وهل لارتفاع الجبال دخل في احتفاظ الأرض بجوها؟ ويمكن صياغة السؤال الثاني: هل لو أصبح سطح الأرض قاعا صفصفا مستويا مع احتفاظ الأرض بكتلتها غير منقوصة تكفي جاذبيتها عندئذ للاحتفاظ بالهواء؟. ويؤكد علم الجيوفيزياء أن تضاريس الأرض بما فيها الجبال تؤثر على توزيعات الجاذبية الأرضية. والجزء البارز من الجبال له وظيفةتساعد في الإمساك بما فوقه؛ وبينما االجزء المغمور في الأرض له وظيفة تعمل على تثبيت الأرض. ومن روعة النص القرآني أن ( أوتادًا ) تشير إلى وظيفة الأوتاد، وأيضا اختلاف ماهية الأوتاد سواء في الأبعاد أو المكونات أو العمق وفقا لاختلاف أنواع الجبال. شكل (1- 36): الجبال أوتاد: جذور سلاسل الجبال أضعاف أضعاف ارتفاع جبالها. 5- الجبال بين الإلقاء والجعل: يستخدم الفعل "جعل" في خمس آيات قرآنية، وفي أربعة آيات أخرى ستعمل الفعل "ألقى"، وذلك عند الحديث عن رواسي الأرض (جدول1-1). ومن اللافت للنظر أن الكلمة ترد دائما بدون ألف ولام " رواسي "، وذلك لحكمة، فالرواسي يختلف عددها من زمن إلى زمن. وتشكل الجبال العمود الفقري لقارات العالم قديما وحديثا لتحفظحفظ الأرض لئلا تميد. وتوجد علالقة قوية بين مد الأرض وإلقاء وجعل الرواسي. والقرآن وهو يتحدث عن جعل الرواسي في الأرض يذكر في موضع واحد أن هناك رواسي من فوقها. وفي جميع الآيات الخمس يذكر الرواسي في الأرض إلا في موضع واحد، يذكر فيه أن الرواسي للأرض " وجعل لها رواسي ". وتلك هي مواضع ذكر جعل وإلقاء: الرواسي: وتعلو الجبال عما حولها، فالجبل يعلو فوق الأرض بما لا يقل عن 300 متر فوق مستوى سطح البحر. وبحسب مادة الجبل، هناك جبال يتكون أصل صخورها من صهير ( مجما ) يصعد من جوف الأرض ، وفي أثناء صعوده يبرد ويتبلور. وإذا ما تكونت الصخور على أعماق من سطح الأرض سميت بالصخور الجوفية لأنها تتكون على أعماق كبيرة تحت السطح، أما إذا شق الصهير طريقه للسطح فعند برودته يتجمد ليكون الصخور البركانية وتنشأ منه الجبال البركانية وغيرها من الأشكال. والمختفي تحت السطح يبرز على السطح نتيجة حركات ترفعه أو عوامل تزيل ما علاه من مادة الأرض والصخور، فالجبال التي بمكة المكرمة مثلا من ذلك النوع، وقيل أن أقدم موضع في الأرض هو الكعبة المشرفة بيت الله الحرام، ثم دُحيَت الأرض من تحته، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. جدول 1-1: العلاقة بين مد الأرض والواسى شكل-16: التلازم بين مد الأرض والرواسي في آيات القرآن الكريم. وبروز الجبال فوق سطح الأرض عملية معقدة كما أشرنا من قبل. وأقدم الجبال هي الرواسي وهذا ما نفهمه من قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا ﴾ ولما كانت تلك الرواسي من فوق الأرض وهي في نفس الوقت فيها، فإن نشأتها ونموها يعد موضوعًا محيرًا لدارسي معالم الزمان الباكر، المعروف بزمان ما قبل الكمبري. وفي البداية غطى بحر النار (الصهارة) سطح الأرض، ولما بردت الصهارة تكونت قشرة المحيط. أما كيف نشأت الرواسي؟ ويبدو أن الجبال جاءت نتيجة عمليات معقدة أدت إلى تكوين الرواسي في الأرض فوق سطحها. وبرزت الجبال الأصيلة الأولية، وتعرضت خلال أماد طويلة من الزمن لعوامل الهدم، ونقلت مكوناتها لتلقي في المناطق المنخفضة، ثم تُزال تلك الجبال لتنشأ جبال أخرى نتيجة إلقاء مكونات الجبال السابقة (شكل 1-37). وهنا يتضح عطاء القرآن في الحديث عن جعل الرواسي في الأرض تارة وعن إلقاء الرواسي فيها تارة أخرى. وعلى علماء العربية أن يبحثوا في عطاء نظم القرآن في قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ ﴾ وقوله أيضا: ﴿ وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ . شكل ( 1-37 ) توزيع سلاسل الجبال فى العالم. الجبال واتزان الأرض: توازن مدهش أبدعه الخالق في الأرض، حيث جعل الغلاف الصخري للأرض يطفو فوق غلافه اللدن المسمى بالغلاف الطيع ( الأثينوسفير )، لأن كثافة الغلاف الأول أقل من كثافة الغلاف الثاني، لهذا تطفو القارات وقيعان البحار على وشاح الأرض كما يطفو جبل الجليد فوق الماء، و تضرب القارات جذورها في وشاح الأرض (شكل:1- 38). ويلاحظ أن الجذور أسفل سلاسل الجبال أكثر عمقا من الجذور تحت المناطق المستوية. هذا ما اكتشفه العلم، ولكن القرآن الكريم سجل ذلك قبل العلم بأكثر من ألف سنة حيث يقول الحق " وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا " وبالتأكيد لفظ الوتد لا يعدله في الدقة اللفظ العلمي الجذر، وكلام الله لا يستطيع البشر الإتيان بمثله. وتشير كلمة "رواسى" في حد ذاتها إلى أن الأرض تطفو على نطاق تحتها توجد به الصخر في حالة سائلة ( Mobile ). ويتأكد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا ﴾ وتلك إشارة علمية قرآنية أثبتها العلم الحديث. فالغلاف الصخري ( Lithospher ) الذي يشمل القشرة وآخر جزء من الوشاح، والذي يبلغ سمكه 100 كم يرتكز على الغلاف الطيّع أو غلاف المور. والغلاف الطيع يمتد من قاعدة الغلاف الصخري عند عمق 100 كم، حتى عمق 350 كم بسمك قدره 250 كم، ويشبه في مظهره أسفلت الطريق في يوم صائف. وهذا الغلاف الأخير رقيق تحت المحيطات وسميك تحت القارات وتقوم الجبال بضبط اتزان الأرض، فتبرز الجبال حينما يخف الثقل على سطح الأرض، فعلى سبيل المثال أدى تكوين الغطاء الجليدي إلى هبوط الإقليم الإسكندنافي ببطء أثناء العصر الجليدي، ثم بدأ الإقليم يرتفع بعد ذوبان هذا الغطاء الجليدي منذ 10.000 سنة، وما يزال الإقليم يحاول الوصول إلى حالة التوازن حيث ترتفع الأرض بمعدل 1 سم في السنة. وأيضا تمر الجبال بدورة طويلة من التآكل، وتنقل مكوناتها فتترسب في الأماكن المجاورة، فتضغط على قشرة الأرض حتى تعيد التوازن مرة أخرى. ويؤدي الضغط إلى سريان مادة الوشاح اللينة باتجاه قاعدة ( وتد ) الجبال فترفعها. ويستمر تآكل الجبال من قمتها ورفعها من قاعدتها حتى ينكشف الجزء الذي كان مختفيا ويتآكل وتصبح الجبال قاعا صفصفا. والأرض متزنة اتزانا عجيبا، وتتوزع الجبال على الأرض بنظام عجيب يجعل الأرض لا تميد بأهلها. شكل ( 1-388 ): الرواسى واتزان الأرض: تحفظ الرواسى الأرض من أن تميد. 7- جدد الجبال: يقول تعالى: ﴿ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ [فاطر: 27]. شكل1-39: جدد الجبال. شكل1-40: جدد الجبال في الصخور الرسوبية المتطبقة. وتفسر الآية على أن الله خلق الجبال كذلك مختلفة الألوان كما هو الشاهد أيضا من بيض وحمر، وفي بعضها طرائق وهي الجدد جمع جُده مختلفة الألوان (شكل 1-39، 1-41). ولكي نفهم العطاء العلمي لتلك الآية لا بد من أن نعرف أن مادة الصهير التي هي مادة حجارة الأرض تتكون في غرف في باطن الأرض تسمى غرف الصهارة ( Magma Chamber) توجد على أعماق من باطن الأرض. وأثناء صعود الصهارة تخترق الصخور وتتداخل على أعماق بعيدة أو قريبة من سطح الأرض. وتأخذ تلك المتداخلات النارية أشكالا عدة، منها ما يأخذ شكل طرائق على هيئة ألواح تتوازي أو تتقاطع مع الطبقات التي تخترقها. وفي حالة توازيها تسمى السدود Sills )، وفي حالة عدم توازيها تسمى القواطع ( Dikes ). كما أن الجدد تشمل طبقات الصخور الرسوبية (شكل1-40) وليس هناك أدق من التعبير القرآني " جٌدَْد " لوصف هذه المتداخلات النارية. والجٌدد لا توجد في كل جبال العالم، بل توجد في بعضها. وبهذا تتضح دقة نظم القرآن في قوله " ومن الجبال " حيث من تفيد التبعيض. ولم يكن الناس عند نزول القرآن ولا بعد نزوله بأكثر من ألف عام تدارسوا جميع جبال العالم حتى يتاكدوا أنه ليس كل جبال تقطعها جدد. أما قوله: " وَغَرَابِيبُ سُودٌ " فتشير إلى ظاهرة شديد السواد، فالعرب يصفون شديد السواد بأنه غربيب، ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية من المقدم والمؤخر بمعنى أن " وَغَرَابِيبُ سُودٌ " هي " سود غرابيب " وفيها نظر، وإذا قلت سود غرابيب تجعل السود بدلا من غرابيب لأن توكيد الأوان لا يتقدم، ومن ثم فنحن أمام ظاهرة في الجبال اسمها غرابيب ولونها أسود. والغامق في الصخور النارية هي الصخور فوق القاعدية أو المافية ( Mafic ) مثل الجابرو والبازلت، فإن عادت غرابيب سود على جدد " فهذا يعني جدد من صخور غامقة اللون من الجابرو أو البازلت أو غيرهما من الصخور القاعدية وفوق القاعدية، وإذا عطفناها على " ومن الجبال " أصبحنا أمام ظاهرة اسمها " غرابيب" ولونها أسود، قد تكون صورة من صور المتداخلات النارية التي يعرفها الجيولوجيون مثل اللاكوليت أو اللابوليث، أو قد تكون طفوحا من البازلت، أو قد تكون شيئا آخر سيصل العلم إلى تعريفه في المستقبل والله أعلم. شكل 1-41: الجدد ممثلة بالسدود والقواطع . أما اللفتة العلمية المبهرة في الآية السابقة أيضا، فهي الإشارة إلى ألوان الجدد وألوان الجبال بصفة عامة. فإذا قيل أن الألوان تعود على الجدد، فهذا يمثل عطاءً علميا يعكس التركيب الكيميائي والمعدن لصهارة الأرض التي تمثل مصدر الجدد (شكل1-42). فمنها الصهارة الحامضية التي تعطي الصخور الفاتحة اللون كالجرانيت ومجموعته، ومنها الصهارة المتوسطة التركيب التي تعطي صخورا ألوانها بين اللونين الأبيض والأحمر من جهة، والألوان الداكنة من جهة أخرى، والتي يغلب عليها اللون الرمادي، وتضم عائلة الديواريث، وتقع تحت وصف " مختلف ألوانها " ( د. زغول النجار – 2002). ومنها الصهارة القاعدية ( Basic ) والتي ينتج عنها صخور غامقة اللون حتى السواد ومنها الصخور الغامقة ( Mafic ) أو القاعدية وفوق القاعدة التي تضم عائلتي الجابرو والبريدوتيت. وأما إذا عادت الألوان على الجبال، فألوان الجبال مهما تعددت أصولها رسوبية كانت أو نارية أو متحولة، فلا تزيد عن بيض وحمر وسود بدرجاتها المختلفة. وسبحان من أعطى وصفا دقيقا يشير إشارة جامعة إلى التركيب الكيميائي والمعدني لجبال الأرض مع وصف ظاهرة الجدد والغرابيب وذلك في آية واحدة من آي القرآن الكريم. شكل1-42: العلاقة بين ألوان الجبال وتركيب الصهارة التي تتكون منها الصخور. 9 - مرور جبال الدنيا: يقول تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88]. هذه الآية فهما المفسرون على أنها من علامات الساعة، باعتبار أن سير الجبال علامة من العلامات التي تسبق الساعة. وأيضا لأن تلك الآية تقع بين آيتين تتحدثان عن مشهد من مشاهد يوم القيامة (النمل: 87 –89). والحقيقة أن القرآن الكريم حينما تحدث كما سنرى فيما بعد عن مآل الجبال يوم القيامة ستخدم ألفاظ صريحة لا تحتمل التأويل حيث ذكر أن الجبال في الآخرة تسير سيرا، وتنسف نسفا، وتدك دكا، إلخ. أما هذه الآية هنا فتشير إلى مرور الجبال، وتتحدث عن جبال يحسبها المرء جامدة، بينما جبال الآخرة ليست جامدة بل كثيب مهيل وعهن منفوش.. إلخ (شكل1-43). شكل (1-43): مرور الجبال
غرائب التفسير وعجائب التأويل لمحمود بن حمزة الكرماني
محمود ثروت أبو الفضل
25-10-2020
12,649
https://www.alukah.net//culture/0/142719/%d8%ba%d8%b1%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d9%88%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%a6%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a3%d9%88%d9%8a%d9%84-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d9%85%d8%b2%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a/
غرائب التفسير وعجائب التأويل لمحمود بن حمزة الكرماني صدر حديثًا كتاب "غرائب التفسير وعجائب التأويل"، تأليف: تاج القُراء "أبي القاسم محمود بن حمزة بن نصر الكرماني"، تحقيق: "كمال السيد بن علي السالم"، في ثلاثة مجلدات، نشر "دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع". وهو تفسير للقرآن الكريم اعتنى فيه " الكرماني " بجمع الغرائب والعجائب من التفاسير، وكان الدافع في تأليفه تلبية رغبة العلماء والمتعلمين في جمع تفسير يعتني بجمع الغرائب. وقد بين الكرماني الدافع له على تأليفه في مقدمة كتابه فقال: "فإن أكثر العلماء والمتعلمين في زماننا يرغبون في غرائب تفسير القرآن وعجائب تأويله، ويميلون إلى المشكلات المعضلات في أقاويله، فجمعت لهم في كتابي هذا منها ما أقدر أن فيه مقنعًا لرغبتهم ومكتفىً لطلبهم، بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه، فإن الله يحب أن تعرب آي القرآن) ". وهو نوع من علوم القرآن في غرائب التفسير، يتتبع إعراب القرآن ومعانيه والغريب فيه، بل يكاد يكون أوسع منها لإضافته ما اختاره من المؤلفات السابقة، وقد تأثر به " الفيروز آبادي " في كتابه " بصائر ذوي التمييز "، واستشهد ببعض أقواله " السيوطي " في " الإتقان "، ونقل كثيرًا من غرائبه "الرازي" في " عرائس المحصل من نفائس المفصل "، ومن المحتمل أن يكون الشيخ " الطبرسي " صاحب " مجمع البيان في تفسير القرآن " قد تأثر بالشيخ الكرماني لكثرة تردده عليه. ورغم ذلك لم يخل الكتاب من منكرات وأقوال هي عجائب عند العوام وغرائب تكاد تدخل في باب التهويمات، وإن كان ذلك يورده من له عناية بالتحرير وينبه عليه في موضعه، وغرائب وعجائب الكرماني هيمن مصادر ما يسمى بمشكل القرآن أو بمشكل التفسير. قال الزركلي: "وثمة ترهات أخری حكاها في تفسيره، نقل " السيوطي " بعضها، ونقل " طاشكبري " بعضًا آخر، واستنكر إيراده لها". ونجد أن الكرماني يعتذر في مقدمته بأنه "كل ما وصفته بالعجيب، ففيه أدنى خلل ونظر". وقد استنكر الشيخ الكرماني بعض الوجوه التي نقلها عن "أبي بكر الوراق" فقال: "وهذه وأمثالها يجب الاستغفار منها" أما روايته فمن باب حصر كل ما قيل في القرآن من عجائب وغرائب التفسير والتأويل. وقد نقل الكرماني في تفسيره عن كبار الصحابة ومفسريهم: فنقل عن ابن عباس في أكثر من 160 موضعًا في القراءة واللغة والتفسير والقصص، وكذلك عن عبدالله بن مسعود، وأم المؤمنين عائشة وأم سلمة، وعبد الله بن عمر، وأبي بن كعب، وعن مفسري التابعين: كالحسن البصري في أكثر من 125 موضعًا، وسعيد بن جبير، والسدي، والضحاك، وعكرمة، وقتادة، ومجاهد. وعن كبار المفسرين المتقدمين: كالفراء، والزجاج، والطبري، وابن بحر الأصفهاني، وعلي بن عيسى الرماني، والكلبي، والثعلبي، وأبي الليث السمرقندي، والماوردي، والنقاش، والقفال، والنحاس.. وغيرهم كثير. وكان من مصادره: كتاب "الحجة" لأبي علي الفارسي، و"الغاية في القراءات العشر" لابن مهران، و"الإغفال" لأبي علي الفارسي، و"معاني الفراء"، و"معاني الزجاج"، و"مجاز أبي عبيدة"، و"مشكل ابن قتيبة"، وغيرها من المصادر المتعددة التي انتشرت في ثنايا كتابه هذا. فهو مؤلف ضم علمًا غزيرًا في علوم القرآن المختلفة. وللكتاب عدة نسخ خطية بمكتبات العالم: نسخة مكتبة " بني جامع " في مكتبة السليمانية باستانبول، وهي نسخة غير كاملة، مؤرخة في سنة 535 هـ، ونسخة دار الكتب المصرية ومؤرخة سنة 761 هـ، ونسخة مكتبة مجلس الشورى الإيراني مؤرخة في سنة 928 هـ، ونسخة نور عثمانية مؤرخة سنة 988 هـ، ونسخة مكتبة أحمد الثالث باستانبول، وهي نسخة مختصرة كما جاء في آخرها ومؤرخة في سنة 1043 هـ، ونسخة مكتبة عارف حكمت، وهي نسخة مختصرة، ومؤرخة في سنة 1090 هـ. ونجد أن اسم الكتاب يتردد بين "الغرائب والعجائب" وبين "غرائب التفسير وعجائب التأويل"، وبين "غرائب التنزيل وعجائب التأويل"، والاسم الأكثر ترددًا هو "غرائب التفسير وعجائب التأويل". ونجد أن الكرماني من خلال تأليفه في التفسير وعلوم القرآن الأخرى، قد ألف كتابه هذا بعد كتابه "لباب التفاسير"، و"البرهان في متشابه القرآن"، و"النهاية في شرح الغاية"، وذلك من خلال ما أشار إليه ونص عليه في تلك المؤلفات. والمؤلف هو محمود بن حمزة بن نصر الكرماني، برهان الدين، أبو القاسم ويعرف بتاج القراء. ولد في كرمان ونشأ بها. أصبح من العلماء الفقهاء الشافعية وهو صاحب التصانيف وعالم بالقراءات ونحوي ومفسر، ومن أعلام القرن الخامس الهجري. ويبدو أن ملازمته لوطنه كرمان وعدم رحلته في طلب العلم لم يدع له شهرة بين مؤلفي الطبقات حتى جُهِلتْ سنة ميلاده ووفاته، وكل ما عرف عن حياته أنه كان في حدود الخمسمائة وتوفي بعدها 500 هـ / 1107 م. وأرخ الزركلي تاريخ وفاته نحو 505 هـ/ 1110 م. والمؤكد أنه كان يعيش في آخر القرن الخامس الهجري وأول القرن السادس الهجري، وتحديدًا في النصف الثاني من القرن السادس الهجري. والظاهر أنه كان عصاميًا في العلم وتتلمذ على ما وصله من الكتب، واعتمد على ذكائه الذي وصفه ياقوت بأنه "كان عجبًا". ومن مؤلفاته: • "العنوان في النحو". • "خط المصاحف". • "شرح اللمع لابن جني". • "اختصار اللمع لابن جني". • "الإيجاز، مختصر الإيضاح للفارسي". • "لباب التأويل". • "البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة والبيان"، طبع تحت عنوان "أسرار التكرار في القرآن". • "غرائب التفسير وعجائب التأويل"، وهو المعروف بـ "العجائب والغرائب".
الآثار الحسنة للوسطية
د. محمود بن أحمد الدوسري
25-10-2020
12,748
https://www.alukah.net//culture/0/142710/%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ab%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b3%d9%86%d8%a9-%d9%84%d9%84%d9%88%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d8%a9/
الآثار الحسنة للوسطية الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده: الوسطيةُ أو الوسطُ كلمةٌ جليلةٌ جميلة وُصِفت به الأُمَّة المُحمَّدية، وهي متضمِّنةٌ للخيرية، والاعتدالِ في كلِّ شيء، قال الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً ﴾ [البقرة: 143]، فقد أخبر سبحانه (أنه جَعَلَهُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا، فَهُمْ خَيْرُ الأُمَمِ وَأَعْدَلُهَا؛ في أَقْوَالِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ على أُمَمِهِمْ يوم الْقِيَامَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ عليهم فَهُمْ شُهَدَاؤُهُ، وَلِهَذَا نَوَّهَ بِهِمْ، وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ، وَأَثْنَى عليهم) [1] . قال الطبري رحمه الله: (إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدِّين؛ فلا هم أهلَ غلوٍّ فيه غلوَّ النصارى الذين غلوا بالترهُّب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهلَ تقصيرٍ فيه تقصيرَ اليهود الذين بدَّلوا كتابَ الله وقتلوا أنبياءهم وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك؛ إذْ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها) [2] . وقال ابن كثير رحمه الله: (ولَمَّا جعل اللهُ هذه الأُمَّة وَسَطًا خصَّها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب؛ كما قال تعالى: ﴿ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ﴾ [الحج: 78]) [3] . فتبين أنَّ الوسطية والتوسط في الدِّين هي: كلُّ حقٍّ بين باطلين؛ من الاعتقادات، والأعمال، والأخلاق. فمَنْ سلَّم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وعمل بما ورد في القرآن وصحَّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقائد والشرائع فهو من أهل هذه الوسطية والاعتدال والخير، وكلُّ مَنْ تعدَّى حدود الشرع، أو قصَّر عن القيام بها، فقد خرج عن دائرة الوسطية بحسب عدوانه أو تقصيره [4] . عن الحسن البصري رحمه الله قال: (السُّنة والذي لا إله إلا هو بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله؛ فإنَّ أهل السنة كانوا أقلَّ الناس فيما مضى، وهم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الترف في ترفهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سُنَّتهم حتى لقوا ربَّهم، فكذلك إنْ شاء الله فكونوا) [5] . وحول هذا المعنى يقول ابن القيم رحمه الله: (فدِين الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وخير الناس النَّمط الأوسط؛ الذين ارتفعوا عن تقصير المُفرِّطين، ولم يلحقوا بِغُلُوِّ المعتدين، وقد جعل الله سبحانه هذه الأمة وسطًا وهي الخيار العدل؛ لتوسُّطها بين الطرفين المذمومين، والعدل هو الوسط بين طرفي الجور، والتفريط، والآفات إنما تتطرق إلى الأطراف، والأوساط محمية بأطرافها؛ فخيار الأمور أوساطها) [6] . وقال أيضًا: (الإسلام قَصْدٌ بين الملل، والسُّنة قَصْد بين البدع، ودينُ الله بين الغالي فيه والجافي عنه، وكذلك الاجتهاد: هو بذل الجهد في موافقة الأمر، والغلو: مجاوزته وتعديه، وما أمر الله بأمر إلاَّ وللشيطان فيه نزغتان: فإما: إلى غلو ومجاوزة، وإما: إلى تفريط وتقصير؛ وهما آفتان لا يَخْلُص منهما في الاعتقاد والقصد والعمل إلاَّ مَنْ مشى خَلْف رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وتَرَكَ أقوالَ الناس وآراءَهم لما جاء به، لا مَنْ ترك ما جاء به لأقوالهم وآرائهم، وهذان المَرَضان الخَطِران قد استوليا على أكثر بني آدم، ولهذا حذر السلف منهما أشد التحذير، وخوَّفوا مَنْ بُلِي بأحدهما بالهلاك، وقد يجتمعان في الشخص الواحد؛ كما هو الحال؛ أكثر الخلق يكون مُقصِّرًا مُفرِّطًا في بعض دينه، غاليًا مُتجاوزًا في بعضه؛ والمهدي مَنْ هداه الله) [7] . وقد أشكِل على كثيرٍ من الناس، المُتعلِّمين منهم والمُثقَّفين مفهومُ الوسطية، فظنُّوها المواءمةَ والتَّوفيقَ والتَّلفيقَ بين الآراء، فيأخذ من هذا ويأخذ من هذا؛ لِيُرضِيَهما معًا وفقًا للخلاف، وتحقيقًا للإجماع، وإرضاءً للطرفين. وهذا مفهومٌ خاطئٌ عن الوسطية؛ إذْ أنَّ الوسطيةَ هي الحقُّ المطلق بين باطلين، يريد كلٌّ منهما جذبَه نحوه، وتأبى الوسطيةُ إلاَّ الاعتدال، والوقوفَ شامخةً في مكانها. وهذا هو مفهوم الوسطية، فلا دخلَ فيها للهوى، ولا مجالَ فيها لإرضاءِ طرفٍ على حساب طرفٍ آخر، أو الجمعِ بين الأطراف. وإنما هي الحقُّ؛ المدعوم والمؤيَّد بالدليل الناصح، والرهان الساطع؛ لذا استحقَّت الأُمَّة المحمَّدية هذا الوصفَ؛ لكونها تتَّبع هذا الحقَّ، وتقف به شامخةً معتدلةً في وقوفها غير عابئةٍ بمخالفيها، وهذا الحقُّ هو الذي مكَّنها وهيَّأها؛ لتكون شاهدةً على الأمم الأخرى يوم القيامة، والشهادةُ تقتضي العدول، والعدولُ يقتضي الحق، والحقُّ يقتضي العلم، والعلمُ يُحصَّل من مظانِّه، وهي القرآن والسنة، وهما حِكْرٌ على الأُمَّة المحمدية، فمَنْ شاء انضمَّ إليها ونال وسطيَّتها، ومَنْ شاء أبى فوقف موقفَ الباطل، وهو مسؤولٌ عن اختياره، ولا يلومنَّ إلاَّ نفسه. الآثار الحسنة للوسطية: بما أنَّ الوسطية منهجًا ربَّانيًا، فلا ريب في تكامله واتِّزانه وشموله لجميع النواحي؛ العقائدية، والعبادية، والأخلاقية في حياة الفرد المسلم، وسيكون له آثاره الحميدة والحسنة، والتي تعود على المسلم بنفع عظيم في الدنيا والآخرة، ومن أهم هذه الآثار [8] : 1- السلامة من الوقوع في الزيغ والانحراف والتطرف، في الاعتقاد، وكذا البراءة من الشرك والنفاق والتكفير؛ لأن الوسطية تدعو إلى التزام العقيدة الصحيحة، البعيدة عن إفراط النصارى وتفريط اليهود، والبعيدة أيضًا عن غلو بعض الفرق المنتسبة إلى الإسلام - وهو منها براء - فانحرفت عن جادة الصواب؛ سواء كان ذلك في باب القدر، أو الأسماء والصفات؛ بين تعطيل وتمثيل، أو في الصحابة؛ حيث فضَّلوا بعضَهم، وكفَّروا آخرين، أو في ترك العمل اعتمادًا على التوكل. 2- مَنْ التزم منهج الوسطية في عقيدته وعبادته وسلوكه؛ فقد ذاق طعمَ الإيمان، وذاق حلاوتَه؛ ومما جاء في ذلك: أ- عن الْعَبَّاسِ بنِ عبدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه؛ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا» [9] . قال النووي رحمه الله: (فمعنى الحديث: لم يطلب غيرَ اللهِ تعالى، ولم يَسْعَ في غير طريق الإسلام، ولم يسلك إلاَّ ما يُوافق شريعةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ولا شكَّ في أنَّ من كانت هذه صفته فقد خَلُصَت حلاوةُ الإيمان إلى قلبه، وذاق طعمَه. وقال القاضي عياض رحمه الله: معنى الحديث: صَحَّ إيمانه، واطمأنت به نفسُه، وخامر باطنَه؛ لأنَّ رضاه بالمذكورات دليلٌ لثبوت معرفته، ونفاذ بصيرته، ومخالطة بشاشته قلبه، لأنَّ مَنْ رضي أمرًا سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبَه الإيمانُ سهل عليه طاعاتُ الله تعالى، ولَذَّت له، والله أعلم) [10] . ب- عن أَنَسٍ رضي الله عنه؛ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ» [11] . قال النووي رحمه الله: (هذا حديثٌ عظيم، أصلٌ من أصول الإسلام، قال العلماء - رحمهم الله: معنى حلاوة الإيمان، استلذاذُ الطاعات، وتحمُّل المشقَّات في رِضَا اللهِ عز وجل ورسولِه صلى الله عليه وسلم، وإيثارُ ذلك على عَرَض الدنيا، ومحبةُ العبدِ ربَّه سبحانه وتعالى بفعل طاعته، وتركُ مخالفته، وكذلك محبةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال القاضي رحمه الله: هذا الحديث بمعنى الحديثِ المُتقدِّم: «ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ: مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا... ») [12] . 3- من آثار الوسطية البعد عن اليأس والقنوط؛ لأنَّ دين الله تعالى وسط بين الإفراط والتفريط في هذا الجانب؛ فالإفراط يتمثَّل في اليأس والقنوط، والتفريط يتمثَّل في الأمن من مكر الله تعالى والإعجاب بالنفس والكِبْر، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وخير الأمور أوسطها، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك المُتطرِّف؛ كما جاء عن فَضَالَّةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه؛ عن رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ثَلاَثَةٌ لاَ تَسْأَلْ عَنْهُمْ: رَجُلٌ نَازَعَ اللَّهَ عز وجل رِدَاءَهُ؛ فإنَّ رِدَاءَهُ الْكِبْرِيَاءُ، وَإِزَارَهُ الْعِزَّةُ، وَرَجُلٌ شَكَّ في أَمْرِ اللَّهِ، وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ» [13] . 4- من ثمار الوسطية التزام الكتاب والسُّنة؛ منهجًا وسلوكًا، سواء كان ذلك في العقيدة أو العبادة أو المعاملة، وعدم الخروج عنهما؛ لأنه ضلال وبدعة مُحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ» [14] ؛ لأنَّ (الدِّين المستقيم وسطٌ بين انحرافين، وكذلك السُّنة وسطٌ بين بدعتين) [15] . قال النووي رحمه الله: (قال أهل العربية: الرَّدُّ هنا: بمعنى المَردود، ومعناه: فهو باطلٌ غيرُ مُعْتَدٍّ به، وهذا الحديث قاعدةٌ عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كَلِمِه صلى الله عليه وسلم؛ فإنه صريح في ردِّ كلِّ البدع والمُخترَعات) [16] . ولا ريب أنَّ البعد عن منهج الوسطية يُعتبر إحداثًا عظيمًا في الدِّين؛ إما إلى ذات اليمين وإما إلى ذات الشمال، وهو عين ما حذَّرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا يُقبل العمل إلاَّ إذا كان خالصًا صوابًا. 5- مَن التزم منهج الوسطية في عقيدته وعبادته وسلوكه؛ يفهم فهمًا صحيحًا معنى التَّشدُّد والتيسير، وتنضبط لديه قواعدهما؛ لأنَّ هناك مَنْ يدَّعي: أنَّ التَّمسُّك بالقيم والمبادئ، والتزام الشرع ظاهرًا وباطنًا؛ هو التَّشدد، الذي يجب تركه، وعلى النقيض تمامًا؛ فترى مَنْ يدَّعي: أنَّ التَّيسير في الدِّين، والاعتدال في تطبيقه، والأخذ بالرُّخص الشرعية، والتَّمتُّع بالمباحات يعني التَّمييع وترك الدِّين، و(الدِّين المستقيم وسطٌ بين انحرافين) [17] . 6- من آثار الوسطية على الفرد المداومة والاستمرار على الطاعات والواجبات دون كلل ولا ملل؛ لانعدام المشقَّة والحرج، التي تحمل على التهاون في أداء العبادات، أو تركها، وهذا من بركات التزام منهج النبي صلى الله عليه وسلم المتمثل في الوسطية والبعد عن الغلو والإفراط والتفريط؛ حيث نهى أصحابه الكرام رضي الله عنهم عن الإطالة في الصلاة المكتوبة، ونهاهم عن الوصال، ورخَّص لهم في مسائل الحج الكثير؛ ولا سيما الضعفاء والنساء والأطفال؛ كي لا يكون هناك مشقة أو ملل وانقطاع عن العبادة؛ ومن وصاياه المباركة في ذلك، قوله صلى الله عليه وسلم: «يا أَيُّهَا النَّاسُ! خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ مَا دَامَ، وَإِنْ قَلَّ» [18] . قال ابن بطال رحمه الله: (فَكَرِه صلى الله عليه وسلم الإفراطَ في العبادة؛ لئلاَّ ينقطع عنها المرء، فيكون كأنه رجوعٌ فيما بَذَلَه من نَفْسِه لله تعالى، وتطوَّعَ به... وإنَّما صارت هذه الطريقةُ أحبَّ إلى الله؛ من أجل الأخذ بالرِّفق على النفوس، التي يُخشى منها السَّآمة والمَلَل، الذي هو سببٌ إلى ترك العبادة، واللهُ يُحِبُّ أنْ يُدِيمَ فضلَه، ويُواليَ إحسانَه أبدًا، ومعنى قولِه: «فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا»: يعني: أنَّ اللهَ تعالى لا يقطعُ المُجازاةَ على العبادة حتى تقطعوا العملَ، فأخرجَ لفظ المُجازاة بلفظ الفِعل؛ لأنَّ المللَ غيرُ جائزٍ على الله تعالى، ولا هو من صفاته... وإنما أخبر بالمَلَل عنه تعالى؛ للمساواة بين قِسْمَي الكلام؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 45]) [19] . وقال ابن عبد البر رحمه الله: (ومعلومٌ أنَّ الله عز وجل لا يملُّ سواءً مَلَّ الناسُ أو لم يَمَلُّوا، ولا يدخله مَلالٌ في شيءٍ من الأشياء جلَّ وتعالى عُلوًّا كبيرًا، وإنما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب؛ بأنهم كانوا إذا وضَعوا لفظًا بإزاء لفظٍ، وقُبالتُه جوابًا له وجزاءً ذَكَروه بمِثلِ لفظِه، وإنْ كان مُخالِفًا له في معناه) [20] . وقال ابن رجب رحمه الله: (المَلَل والسَّآمة للعمل يوجب قطعَه وترْكَه، فإذا سأم العبد من العمل ومَلَّه قطَعَه وترَكَه، فقَطَعَ اللهُ عنه ثوابَ ذلك العمل؛ فإنَّ العبد إنما يُجازَى بعمله، فمَنْ تَرَكَ عملَه انقطع عنه ثوابُه وأجْرُه إذا كان قطَعَه لغير عُذرٍ؛ من مرضٍ أو سفرٍ أو هرم) [21] . 7- من الآثار الحسنة للوسطية على الفرد الاستقرار النفسي والعاطفي، والتوازن في التعامل مع قضاء الله تعالى وقدره؛ فيكون الصبرُ عند الشدائد، والشكرُ عن النعم، وبدون هذا التوازن ربما جَنَحَ البعد إلى الغلو والإفراط الذي يجرُّ أمراضًا نفسية؛ كالحقد والحسد وإلحاق الأذى بالغير، وجحود نعمة الله، وربما الاعتراض على أقضية الله تعالى عياذا بالله من هذه الحال، وهذا مما يجلب الأوزار، ويُفوت الأجور العظيمة، والتي يكون منشأها الوسطية المُستقاة من الكتاب والسنة. قال أبو حامدٍ الغزالي رحمه الله: (فمَنْ مال غضبُه إلى الفتور حتى أحسَّ من نفسِه بضعفِ الغَيرة وخِسَّةِ النَّفْس في احتمال الذُّل والضَّيم في غير محلِّه، فينبغي أنْ يُعالج نفسَه حتى يقوى غضبُه، ومَنْ مال غضبه إلى الإفراط حتى جرَّه إلى التَّهور واقتحام الفواحش، فينبغي أنْ يُعالج نفسَه لِيُنْقِصَ من سَورة الغضب، ويقف على الوسط الحق بين الطرفين، فهو الصراط المستقيم، وهو أرقُّ من الشعرة، وأحد من السيف، فإنْ عجز عنه فليطلب القُرب منه... فليس كلُّ مَنْ عجز عن الإتيان بالخير كلِّه ينبغي أنْ يأتي بالشَّر كلِّه، ولكنْ بعضُ الشرِّ أهونُ من بعضٍ، وبعضُ الخيرِ أرفَعُ من بعضٍ) [22] . 8- من بركات الوسطية قلَّة الخطأ، وكثرة الصواب، سواء كان ذلك في أمور الدنيا أو الدِّين، ومُجاهدة النفس، والارتقاء بها إلى المعالي، ودوام المحاسبة لها والتوبة، وهذا يكبح جوانب سلبية كثيرة في النفس البشرية، تدور بين الإفراط والتفريط؛ كالكِبر، والغرور، والرياء، الذي قد يوصل إلى الغلو، والتنطع الممقوت، ويُبعد عن التوسط والاعتدال. 9- من فضائل الوسطية نبذ التعصب للرأي، أو المذهب، واحترام الآراء المخالفة المعتبرة شرعًا وعقلًا، والتحاور العلمي والأدبي الهادف، والمقرون بالعلم والحِلم، والمنضبط بالمنهج الوسطي المتوازن. [1] أعلام الموقعين، (4 /133). [2] تفسير الطبري، (2 /6). [3] تفسير ابن كثير، (1 /191). [4] انظر: هذه هي الوسطية، د. علي بن عبد الله الصياح، مجلة البيان، (عدد:202)، (جمادى الآخرة 1425هـ)، (ص8). [5] رواه الدارمي في (سننه)، (1 /83)، (رقم216)؛ والمروزي في (تعظيم قدر الصلاة)، (2 /678). وأورده ابن القيم في (إغاثة اللهفان)، (1 /70)؛ وابن أبي العز الحنفي في (شرح العقيدة الطحاوية)، (ص308). [6] إغاثة اللهفان، (1 /182). [7] الروح، (ص257). [8] انظر: الوسطية في السنة النبوية، د. عقيلة حسين (ص241-248). [9] رواه مسلم، (1 /62)، (ح34). [10] شرح النووي على صحيح مسلم، (2/2). [11] رواه البخاري، (1 /14)؛ (16)؛ ومسلم، (1 /66)، (ح43). [12] شرح النووي على صحيح مسلم، (2 /13). [13] رواه أحمد في (المسند)، (6 /19)، (ح23988)؛ والطبراني في (الكبير)، (18 /306)، (ح789). وصححه الألباني في (صحيح الجامع)، (1 /587)، (ح3059). [14] رواه البخاري، (2 /959)، (ح2550)؛ ومسلم، (3 /1343)، (ح1718). [15] روضة المحبين، لابن القيم (ص220). [16] شرح النووي على صحيح مسلم، (12 /16). [17] روضة المحبين، (ص220). [18] رواه البخاري، واللفظ له، (5 /2201)، (ح5523)؛ ومسلم، (1 /540)، (ح782). [19] شرح صحيح البخاري، لابن بطال (3 /122، 123). [20] التمهيد، (1 /195). [21] فتح الباري في شرح صحيح البخاري، لابن رجب (1 /151). [22] إحياء علوم الدين، (3 /169).
الحياة الاجتماعية في بريدة لوفاء عبد اللطيف محمد المشيقح
خاص شبكة الألوكة
24-10-2020
4,070
https://www.alukah.net//culture/0/142692/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d8%af%d8%a9-%d9%84%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a1-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%b7%d9%8a%d9%81-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b4%d9%8a%d9%82%d8%ad/
الحياة الاجتماعية في بريدة لوفاء عبد اللطيف محمد المشيقح صدر حديثًا كتاب "الحياة الاجتماعية في بريدة القرن الثالث عشر الهجري/ التاسع عشر الميلادي "، تأليف: " وفاء عبد اللطيف محمد المشيقح "، مكتبة الدراسات التاريخية، نشر " دار ملامح للنشر والتوزيع ". وأصل هذه الدراسة أطروحة علمية تقدمت بها الباحثة لنيل درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، من كلية اللغة العربية والدراسات الاجتماعية - جامعة القصيم، تحت إشراف أ.د. " محمد بن علي السكاكر "، وذلك عام 1438 هـ-2016م. ويبحث هذا الكتاب في التاريخ الاجتماعي لمدينة بريدة، فبريدة تعد من أبرز مناطق نجد خاصةً، والجزيرة العربية عامةً فهي ملتقى لعدة طرق تجارية تقع على طرق الحج إلى الحجاز، وبخاصة قوافل الحج القادمة من العراق أو الخليج العربي، وهذا ما جعلها محط أنظار القوى السياسية ومحكًا للتنازع والتنافس من أجل السيطرة عليها. ويستمد هذا الموضوع أهميته نظرًا لقلة الكتابات والدراسات للحياة الاجتماعية في بريدة في تلك الحقبة الزمنية بشيء من الخصوصية. وتعد مدينة بريدة من المدن النجدية المهمة في تلك الفترة والتي لها خصائصها الجغرافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما يؤهلها لتكون موضوعًا لدرسة مستقلة، إلى جانب أن النهضة الحضارية الني شهدتها مدينة "بريدة" في تلك الفترة، مقارنة بالفترة السابقة، وما نتج عنها من زيادة في المساحة والسكان، وما تعرضت له مدينة بريدة من فتن داخلية وغزوات خارجية كان لها تأثير واضح على الأوضاع الاجتماعية فيها. ونجد توفر عدد كبير من الوثائق العائلية الني تتناول تفصيلات مهمة لم يستفد منها بما يتناسب مع أهميتها، لذا كانت هذه الدراسة في بحث الحياة الاجتماعية في بريدة بشكل مفصل. وانقسم البحث إلى: تمهيد وخمسة فصول  وخاتمة. وقد تضمن التمهيد أصل تسمية بريدة ومدلولاتها، والتعريف بموقعها الجغرافي وخصائصها الطبيعية، ثم ختم التمهيد بلمحة عن تاريخ بريدة منذ بداية تدوين تاريخها في مطلع النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري / الثامن عشر الميلادي حتى معركة " المليداء " عام ١٣٠٨هـ/ ١٨٩١م. أما الفصل الأول : فقد جاء بعنوان: "فئاتهم الاجتماعية"، وتناولت فيه الكاتبة تصنيف الفئات الاجتماعية ببريدة وفقًا للمكانة الاجتماعية، والدور التي تقوم به في سبيل خدمة المدينة والفئات الأخرى. وفي الفصل الثاني : تحدثت الكاتبة عن "مساكنهم و طعامهم" وقسمته إلى ثلاثة مباحث: المبحث الأول: " أماكنهم " تحدثت فيه عن بناء المساكن في تلك الفترة باختلاف أحجامها وأشكالها وأهم المواد المستخدمة في بنائها. أما المبحث الثاني فكان عن " طعامهم وشرابهم " تناول أنواع الطعام، وأهم المواد والأواني المستخدمة في إعداده، وعن شراب أهل بريدة وطريقة إعداده وآنيته والآداب الإسلامية التي حضت الشريعة الإسلامية عليها في تناول الطعام والشراب. وفي المبحث الثالث تناولت الكاتبة "إكرامهم للضيف " وتطرقت إلى التقاليد المتبعة في إكرام الضيف مع إيراد بعض القصص والنماذج حول هذا الموضوع. أما الفصل الثالث : فكان بعنوان "ع اداتهم وتقاليدهم" وقسم إلى أربعة مباحث، تناول في المبحث الأول "الزواج" من خلال الطريقة المتبعة في اختيار الزوجة والخطبة والمهر وغيرها من العادات المتبعة لإتمام النكاح، وتناول المبحث الثاني " الملابس " وتحدثت فيه الكاتبة عن الأزياء التقليدية للرجال وللنساء والأطفال، وعن الأدوات والخامات المستخدمة في صناعتها مشكلة عنصر جماليًا وفنيًا يتناسب مع قيم وأعراف المجتمع في بريدة، أما المبحث الثالث فتناول "الحلي وأدوات الزينة" حيث تناولت الكاتبة الزينة وأدواتها الني استخدمت في ذلك الوقت، وفي المبحث الرابع تحدثت الكاتبة عن "الألعاب الشعبية " التي حظيت بشعبية كبيرة بين الصبيان والفتيات في ذلك الوقت، لتلبية حاجاتهم الاجتماعية إلى اللعب والتسلية في أجواء يسودها الألفة والمحبة والوئام، وقد تتبعت الكاتبة طريقة كل منها بشيء من التفصيل. وأما الفصل الرابع : فهو بعنوان "التكافل الاجتماعي والأعمال الخيرية "، وقد تناولت فيه الكاتبة أبرز الأعمال الخيرية الموجودة في تلك الفترة، والدور الخيري الذي قام به الأهالي في مساعدة من يحتاج إلى مساعدة من فقراء ومساكين وأيتام وغيرهم، والذي اتضحت جوانبه من خلال الوثائق العائلية المتوفرة لدى الباحثة. أما الفصل الخامس والأخير : فكان عن "أثر الحملات الخارجية والفتن الداخلية والكوارث الطبيعية على الأوضاع الاجتماعية في بريدة" وتحدث بشكل مختصر عن حملات الأحساء والعراق والحملات المصرية العثمانية على الجزيرة العربية، والفتن والثورات الداخلية والكوارث الطبيعية ذات الأصل المناخي، وما نتج عنها من آثار ومستجدات على الأوضاع الاجتماعية في تلك القترة. أما الخاتمة فقد رصدت أهم النتائج الني توصلت إليها الكاتبة من خلال هذه الدراسة. ونجد أن الكرم طبع أصيل أولاه الأهالي في بريدة اهتمامًا كبيرًا بوصفه ممثلًا لشخصية الفرد، تنافس عليه الجميع بدافع الأجر وكسب السمعة الطيبة بين الناس. ونجد أنه تنوعت فئات الناس ومراتبهم في بريدة، والدور الذي تقوم به كل فئة في سبيل خدمة المدينة والفئات الأخرى، وما امتازت به من تعايش سلمى فيما بينها قائم على أساس أخوة الدين والمصالح المشتركة بين أفراده من تجار وحرفيين وعمال وغيرهم شعارها التعاون والاحترام المتبادل فيما بينهم. أما عن المساكن فقد فرضت البيئة على السكان في بريدة إيجاد نمط معماري معين في تصميم منازلهم مستخدمين في ذلك ما وفرته لهم بيئتهم من مواد، فضلًا عن ما فرضته عليهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية والدينية من تعاليم وتوجيهات، كما فرضت البيئة على السكان نمط غذائهم فقد اعتمدوا على ما تحويه حقولهم من مزن السماء أو مياه الآبار وتغذية أسمدة حيواناتهم وتنبته أرضهم من خضار وفواكه وبقول، وعلى لحوم الحيوانات وألبانها والتي تمثل عنصرًا أساسيًا من عناصر غذائهم اليومي. أما العادات والتقاليد فقد ارتبطت بشكل ملحوظ بتعاليم الدين الإسلامي، وتعددت مظاهر التكافل الاجتماعي والأعمال الخيرية في بريدة حتى أنها شملت مناحي حياتهم الاجتماعية جميعها، ولم يقتصر تحقيق التكافل على مصالح الجيل الحاضر بل يتعدى ذلك إلى مصالح الأجيال القادمة، وهو ما من شأنه أن يسهم في حل كثير من الأزمات، ويضمن للناس في كل زمان ومكان الرفاهية والأخوة والأمان.
أسباب الغزو الثقافي في تاريخنا
أ. د. عبدالحليم عويس
21-10-2020
10,500
https://www.alukah.net//culture/0/142650/%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b2%d9%88-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%82%d8%a7%d9%81%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%86%d8%a7/
أسباب الغزو الثقافي في تاريخنا كثيرة هي الغارات التي شنت - ولا تزال - على تاريخنا الإسلامي، وقديمة - أيضًا - هي هذه الغارات، وموصولة تتدافع حلقاتها في سلسلة يأخذ بعضها في خناق بعض... وتعود هذه الغارات قديمها وحديثها لأخطاء أساسية. وأخطاء تتصل بسيطرة (المذهب) على (المنهج) و (الولاء المسبق) على (الحقيقة الموضوعية) . وأخطاء تتصل (بمخططات موصولة) تهدف إلى القضاء على عظَمة تاريخ هذا الدين وعظمة حضارته. وأخطاء تتصل (بأحقاد موروثة) نشأت منذ ظهر الإسلام على هذه الأرض واستطاع ببساطته وملاءمته للفطرة ووضوح حقائقه العقدية والتشريعية والأخروية أن يغير مجرى التاريخ، وأن يعيد رسم خريطة العالم، وأن يتسنم ذووه ذروة الحضارة، ولقد قام تاريخ هذا الإسلام وقامت حضارته فوق الساحة نفسها التي كانت لعقائد أخرى - بطبيعة الحال - فكان هذا مبعث أحقاد لدى أصحاب هذه العقائد. وأخطاء تتصل بأسباب أخرى كثيرة لكنها - في معظمها - تلتقي عند نقطة (الصراع الحضاري) الذي يعني (تشويه) تاريخ هذه الأمة والانتقاص من قدر تجربتها في التاريخ ودورها في الحضارة، ويعني - أيضًا - طمس (العوامل) التي جعلت هذه الأمة تثب هذه الوثبة العظمى في التاريخ ... حتى أصبحت مكتبة الحَكَم المستنصر بالله بن عبد الرحمن الناصر تضم أربعمائة ألف مجلدٍ بينما كانت أكبر كنيسة في أوربا - أو مكتبة عامة - لا يزيد ما تمتلكه من الكتب عن (192) كتابًا. فكيف حدث هذا القفز الحضاري الهائل؟ وكيف استطاع جيل الصحابة الذي نشأ في صحراء العرب الوثنية بصفة عامة أن يصنع هذا التحول الحضاري الخطير الذي لم يتكرر في التاريخ!!. لقد كانت أحداث المائة الأولى من عصور الإسلام من معجزات التاريخ، والعمل الذي عمله أهل المائة الأولى من ماضينا السعيد لم تعمل مثله أمة الرومان ولا أمة اليونان قبلها ولا أمة من الأمم بعدها.. أما جيل الصحابة - فإنهم جميعًا كانوا شموسًا طلعت في سماء الإنسانية مرة ولا تطمع الإنسانية بأن تطلع في سمائها شموس من طرازهم مرة أخرى ( [1] ) .. ولكنهم شموس بشرية من عواطف وعقول وليسوا ملائكة ولا أنبياء. إن تلك المعجزة التي صنعها (القرآن) و (التربية المحمدية) الجديرة - في نظر أعداء الإسلام - بحرب دائمة لمحو إشعاعاتها، ولصرف المسلمين عن التعلق بها والدوران في فلكها، وعن الاعتقاد بأن آخرهم لن يصلح إلا بما صلح به أولهم. إن نماذج أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد والزبير وطلحة وأبي عبيدة وعمرو بن العاص - وهلم جرًّا - يجب أن تفسر مواقفها تفسيرًا يجعل وراء ظاهرها باطنًا سيئًا يجردها من عنصر (الإخلاص) ويجب أن تكون فترة (السيرة) كلها بدءًا من صاحب الرسالة العظمى صلى الله عليه وسلم هدفًا رئيسيًا للشبهات والطعنات والتماس التبريرات المغلوطة لكل مواقف اجتهادية. وبعد الراشدين يأتي الأمويون الذين تلقفوا الراية، وساحوا بها في الأرض، فاتجهوا غربًا حيث أتموا فتح المغرب (86ه) الذي كان قد توقف بعد معركة ذات الصواري (35ه) وفتحوا الأندلس (92ه) واتجهوا شرقًا ففتحوا ما وراء النهر بقيادة المهلب بن أبي صفرة ومحمد بن القاسم الثقفي ومسلمة بن عبد الملك ... وكما لم تنج السيرة والعصر الراشـدي من ترصد هؤلاء، وكما لم ينــج الأمويون - مـن باب أولى - فقد نالت سهام هؤلاء العباسيين، وكانت السهام الموجهة إليهم أكثر...؛ لأن عمرهم قد امتد، وخلفاءهم كانوا كثرًا.. وبالتالي فإمكانية التصيد والتشويه تمتد إلى أطول مساحة ممكنة!!. وهكذا تتوالى الحلقات، بحيث يراد لأمتنا أن تنتهي إلى الاقتناع بأن تاريخها وحضارتها لا يستحقان منها كل هذا الولاء، وبأن الانتماء إلى غيرهما لن يؤدي إلى خسارة كبيرة، بل ربما يؤدي إلى بعض المكاسب (الحداثة) و (المعاصرة) !!. [1] العواصم من القواصم المقدمة، بقلم العلامة محب الدين الخطيب.
التراث الخطي في دار الكتب الظاهرية بدمشق وأثره في إغناء تراجم الأعلام من خلال السماعات
د. محمد مطيع الحافظ
20-10-2020
3,204
https://www.alukah.net//culture/0/142644/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%b7%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%af%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%aa%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d8%a7%d9%87%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%a8%d8%af%d9%85%d8%b4%d9%82-%d9%88%d8%a3%d8%ab%d8%b1%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a5%d8%ba%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%85%d9%86-%d8%ae%d9%84%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b9%d8%a7%d8%aa/
التراث الخطي في دار الكتب الظاهرية بدمشق وأثره في إغناء تراجم الأعلام من خلال السماعات التراث الخطي في دار الكتب الظاهرية بدمشق وأثره في إغناء تراجم الأعلام من خلال السماعات كان للقرن التاسع عشـر الميلادي في دمشق أثره البارز من الناحية الثقافية والعلمية، شهد وجود علماء متميزين برعوا في جوانب تخصصية عُرِفوا بها، كما أولوا الكتاب أهمية بالغة وخدموه، لشعورهم بقيمته في ازدهار الحضارة. وقد عَدَّ رئيسُ مجمع اللغة العربية محمد كرد علي هذا القرن بداية نهضة بلاد الشام عمومًا ودمشق خصوصًا [1] ، وقد شهد هذا القرن قيام دار الكتب الظاهرية التي سعى لإنشائها هؤلاء العلماء الذين أشرنا إليهم، لذا يمكن أن نقول إن هذا القرن وضع دمشق على عتبة نهوض شهدته في أيامها المقبلة بعد، ولو أن الأوضاع السياسية كانت مضطربة، وكان الجو العام في المدينة في اتجاه، والتطور العلمي والثقافي كان في اتجاه آخر. وتأتي أهمية هذا البحث في بيان قيمة المكتبة الظاهرية وملابسات قيامها، والكشف عن قيمة السماعات في مخطوطاتها، والاستفادة منها في طريقة جديدة لكتابة التراجم تعطي ألقًا جديدًا فيها لم يكن من قبل. تزخر دار الكتب الظاهرية بمخطوطات فريدة قيّمة جُمِعت من أماكن عديدة في دمشقمما نجا من الإهمال والسرقات، وبفضل جهود علماء مخلصين على رأسهم الشيخ طاهر الجزائري، وأعضاء الجمعية الخيرية من أمثال الشيخ علاء الدين عابدين والشيخ محمود حمزاوي والشيخ سليم البخاري [2] ، وهم الذين بينوا للوالي مدحت باشا وفرة ما تحتويه مرافق الوقف من خطيات تتعرض للاندثار، واقترحوا عليه أن يأمر بتخصيص مكان لحفظها من الضياع، فكتب إلى السلطان عبد الحميد يقول: لما كانت الكتب الموقوفة والمشروطة لاستفادة العموم قد حُصِـرت بأيدي المتولين، وحُرِم الناسُ من مطالعتها، فكان من اللازم جمعها وجعلها في مكان مخصوص ليكون الانتفاع بها عامًّا. وبذلك استطاع الوالي الحصول على قرار بجمعها في تربة الملك الظاهر في شباط (1295) شرقية نظرًا لمناسبتها لتلك الغاية [3] ، وحين عُزِل مدحت باشا عن الولاية وخَلَفه حمدي باشا حوَّل الجمعية الخيرية إلى مجلس معارف برئاسة مفتي الشام العلامة محمود حمزة، فاشترك مع الشيخ علاء الدين عابدين والشيخ سليم العطار والشيخ محمد المنيني في إثارة موضوع الكتب الوقفية، وأفهموه ضرورة جمعها في تربة الملك الظاهر بخزانة مخصوصة تحت متناول القراء والباحثين، فوافق الوالي، وأصدر أمره بما طلبوا، على أن تكون تحت إشراف أهل العلم المعنيين، وذلك في 15 / شباط / 1295 شرقية [4] . لم يكن جمع هذه الخطيات بالأمر الهيّن، إذ وقف في وجه العلماء مُتَوَلُّو الأوقاف ومَن استحل سرقتها، حتى إنهم هددوا الشيخ طاهر بالقتل وآذوه، فما ثناه ذلك عن مقصده. لم يكن جمعُ المخطوطاتِ عملًا هينًا، وإنما دل على أن أهل العلم على بصيرة بما كانت تتضمن المرافق الوقفية، ولولا هذه الجهود لخسرت دمشق تلك البقية المهمة من الخطيات، فكانت بداية الجمع من عشر مكتبات على النحو الآتي: 1- كتب المدرسة العمرية التي أسسها في صالحية دمشق أبو عمر المقدسي محمد ابن أحمد بن قدامة -607هـ، وكانت أشهر الخزائن من قبل تلاعب أيدي المختلسين [5] ، وتمتاز خطياتها بتضمنها خطوط مؤلفيها، وعليها سماعاتهم، وهي نادرة لا مثيل لها، وكثير منها مخطوطات وحيدة، فنُقِلَ منها إلى الظاهرية (660) مخطوطة [6] . 2- خزانة مدرسة عبد الله باشا العظم في مدخل سوق البزوريين، وقفها سنة (1190هـ )، ونقل منها (461) مخطوط [7] . 3- مكتبة مدرسة اسماعيل باشا وكان فيها كتب وقفها ابنه الوالي أسعد باشا العظم بعد سنة (1165هـ)، أخلي منها إلى الظاهرية (375) خطية، بعد أن رفض الناظر تسليمها، ورفع منها أنفس المخطوطات [8] . 4- خطيات المدرسة السليمانية، وقفها فيها الملا عثمان الكردي، وجد فيها (312) مخطوطة. 5- مخطوطات المدرسة السليمانية الجوانية في جادة السليمانية [9] ، كان فيها كثير من المخطوطات بقي ما لا يزيد عن (130) مخطوطة كان وقفها سليمان باشا العظم (1196هـ). 6- مخطوطات المدرسة المرادية في حارة الورد المؤدية إلى سوق ساروجة، وكان أنشأها الشيخ مراد بن علي الحنفي النقشبندي سنة (1108هـ) عرفت من قبل باسم أزهر دمشق، وقد سُرِق أكثر موجوداتها، ولم يبق منها سوى (260) مخطوطة [10] . 7- خطيات الخانقاه السمسياطية [11] ، وعثر فيها على (81) مخطوطة. 8- خزانة كتب بيت الخطابة بالجامع الأموي وحوت على (73) مخطوطة. 9- مكتبة الأوقاف عثر فيها على مخطوطات آلت إليها من خزائن متفرقة وضمت (64) مخطوطة [12] . 10- موجودات جامع السياغوشية لم يكن فيها سوى (11) مخطوطة [13] . هذا وقد قُدِّمَ للظاهرية عدد من مخطوطات أخرى ضمت إلى ما ذكر حتى بلغت ما آل إليها سنة (1880م-1298هـ) (2400) مخطوطة غير الكتب المطبوعة [14] ، ووضع للظاهرية نظام، وعين لها مشرفون، وموظفَين اثنين حتى افتتحت رسميًا للقراء والباحثين سنة (1878م-1296هـ) [15] . ومن أقدم خطيات الظاهرية: • مسائل الإمام أحمد بن حنبل تأليف ابن حنبل كُتِب سنة (266هـ). • سنن النسائي للإمام أحمد بن سعيد النسائي كُتِب سنة (355هـ). • معاني الشعر لسعيد بن هارون كتب قبل سنة (410هـ). • الملاحن لابن دريد الأزدي كتب سنة (410هـ). • أسماء الضعفاء من رواة الحديث لمحمد بن عمر العقيلي كتب سنة (444هـ). • المطر والسحاب لابن دريد الأزدي كتب سنة (445هـ). • رفع اليدين في الصلاة للإمام البخاري كتب سنة (445هـ). • المؤتلف والمختلف لعبد الغني بن سعيد الأزدي كتب سنة (485هـ). • غريب الحديث للقاسم بن ثابت السرقسطي كتب سنة (499هـ). كما تضم مخطوطاتها أشعارًا بخطوط مؤلفيها، كبعض أعمال ابن عساكر وأسرته، والضياء المقدسي وأسرته، وابن تيمية، وابن حجر، والذهبي، ويوسف ابن عبد الهادي، والسبكي، والنابلسي، وغيرهم كثير. أقول: تمثل الظاهرية من غير شك اهتمام علماء دمشق زمن تأسيسها بالكتاب الذي يعرفون قيمته وأهميته، وخوفهم على ضياع ما بقي من خطيات بدمشق. ومن مزيا هذه الخطيات تنوعها في العلوم والموضوعات، واتصافها بالضبط والإتقان، ذلك لأنها قرئت على الشيوخ وأثبتت عليها سماعات كثيرة على العلماء ممهمورة بخطوطهم، وخصوصًا المجاميع، وفيها ما لا يقل عن مئتي مجموع من النوادر، في المجموع الواحد رسائل عديدة، وكلها من الفرائد. وأقول أيضًا: وانطلاقًا من تميز المخطوطات في الظاهرية بسماعاتها نقف عندها لمعرفة البواعث إليها. ظهرت السماعات مع نشأة المدارس في بغداد ودمشق، ولعل أول مدرسة منها قامت في نيسابور معتمدة على أوقاف كثيرة تشجيعًا للأساتذة والطلبة. وكانت غاية السماع إثبات قراءة طالب معين في ذيل الكتاب الذي قرأه على شيخه المذكور اسمه ممعا يعطي الكتاب قيمته العلمية وصحة ما فيه، إضافة إلى أن السماع إنما هو إجازة من الشيخ الذي يثبت عليه خطه. ثم تطور الأمر وأطلق على السماع اسم الطباق، أي إن القراءة أتت على المخطوطة من طبقة إثر طبقة، حيث يثبت سماع إثره سماع آخر أو سماعات... وتلك عملية توثيق للكتاب ولمؤلفه وللطالب، ولا بد في السماع أن يتضمن المعلومات الآتية: 1- اسم الشيخ المسموع عليه الكتاب وكنيته ولقبه ونسبته. 2- عنوان الكتاب ومؤلفه. 3- اسم القارئ وكنيته.. (وقد يكون الشيخ هو القارئ). 4- أسماء السامعين للكتاب.. وتحديد أعمارهم إن كانوا صغارًا. (والجدير بالذكر فإن العادة أن تذكر أسماء الأطفال الحاضرين قراءة الكتاب إن كانوا فوق سن الرابعة، فيطلق على الواحد منهم اسم السامع، فإن كانوا دون ذلك يقال لأحدهم: حاضر.. فيكتب المقيد بعد ذكر اسمه وقد حضـر فلان في الأولى أو الثانية أو الثالثة.. أي من عمره). 5- عدد المجالس التي قرئ فيها الكتاب إن كانت في أكثر من جلسة. 6- اسم المكان: ويراد به البلدة أو القرية، وقد يذكر ما يتعلق بالمكان دون ذلك كبيت الشيخ أو المسجد الفلاني أو غيره. 7- التاريخ: ويثبت بالشهر واليوم وبالسنة ولا يذكر أنها بالهجرية للعرف. 8- وإن لك يكن الشيخ المسمع هو المؤلف ذكر سنده إليه. 9- يختم السماع بحمد الله، والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم، واسم الكاتب. 10- يوثق الشيخ السماع أخيرًا إن لم يكن هو كاتب السماع بعبارة «صح ذلك وثبت» ثم يذكر التاريخ. وبناء على كل ما تقدم يمكن للباحث المهتم بالتراجم والرجال أن يجمع هذه السماعات ويفرزها على أسماء الشيوخ، وأسماء الكتب، وعلى كل عنصر من عناصر السماع.. ليخرج بترجمة موثقة نادرة، وهي طريقة جديدة. ويقوم الباحث من أجل ترجمة عالم ما بتنسيق السماعات الخاصة به بعد دراستها ليصل إلى: • معرفة شيوخه. • أسماء الكتب التي قرأها أو سمعها على الشيوخ. • أسانيده إلى مؤلفي الكتب. • أسماء رفاقه في طلب العلم سواء في بلده أم في رحلاته. • تاريخ رحلاته وخط سيره فيها. • أسماء المدن والقرى التي دخلها وتلقى فيها عن شيوخها. • عناوين الكتب المتداولة في زمنه. • تاريخ قراءة كل كتاب باليوم والشهر والسنة. • مراحل حياته. كان النموذج الذي يقدم على هذه الطريقة ما صنعته شخصيًا في ترجمة الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (643هـ) وسميت العمل «التنويه والتبيين في سيرة الحافظ ضياء الدين» واتبعت هذه الطريقة كذلك في كثير من مؤلفاتي عن المدرسة النورية وغيرها.. وخرجت فيها بجديد مفيد فيما أزعم. [1] «خطط الشام» لمحمد كرد علي. [2] انظر تراجمهم في كتاب «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري. [3] انظر تراجمهم في كتاب «تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع عشر الهجري». [4] «المدرسة الظاهرية» لأسماء الحمصي. [5] سرق منها أحد النجديين خمسة أحمال من الكتب وفر بها. «منادمة الأطلال» (244) لأن بها كتب الحنابلة مذهب أهل نجد، هذا غير الإهمال وبيع المخطوطات من قبل المتولين. [6] كان كثير منها مواد لرسائل الدراسات العليا. وانظر كتاب «المدرسة العمرية» لمحمد مطيع الحافظ. [7] مدرسة عبد الله باشا العظم انظر «منادمة الأطلال» (270). [8] مدرسة إسماعيا باشا من المدارس العثمانية، وقفها المذكور سنة (1141هـ) في سوق الخياطين، «خطط الشام» (269). [9] المدرسة السليمانية الجوانية غرب خان الجمرك. «خطط الشام» (270). [10] «خطط الشام» (267). [11] السمسياطية: أشهر خوانق دمشق، بناها علي بن محمد السمسياطي سنة (453هـ) بجوار باب جامع دمشق الغربي، ووقفها على فقراء الصوفية. «خطط الشام» (398). [12] «المدرسة الظاهرية» لأسماء الحمصي. [13] جامع السياغوشية نسبة إلى سياغوش باشا الذي أمر ببنائه داخل باب الجابية عام (995هـ). «خطط الشام» (361). [14] «المدرسة الظاهرية» لأسماء الحمصي. [15] المصدر السابق.
العبث بالمرضى
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
20-10-2020
5,046
https://www.alukah.net//culture/0/142633/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%b6%d9%89/
العبث بالمرضى لعلَّ من أنبَل المهن التي يتصدَّى لها الإنسان هي تلك التي تتعلَّق بصحَّة الإنسان من طبٍّ وتمريض، والطبُّ - منذ عرفه التاريخ - يَحظى بالاحترام والتقدير من قِبل العامَّة، والطَّبيب شخص يَنظر له الآخرون على أنَّه يملك فكرًا وذهنًا ويدًا فوق العادة؛ لما امتهن من طريقة مثاليَّة في خدمة المجتمع، ونحن نعلم أنَّ هذا الفكر والذِّهن وهذه اليد إنَّما هي أسباب لجلب الشِّفاء للمريض أو المتوعِّك. كان الأطبَّاء - ولا يزالون - يشعرون بسعادة تصِل بهم إلى تحقيق الذات، وهم ينظرن إلى مرضاهم يتماثلون للشِّفاء، فينظر إليهم مرضاهم نظرات تُغني عن التعبير بالكلمات، تلك النظرات التي تحجب الرؤية عنها غزارةُ دموع الشكر والعرفان بالجميل؛ وهذه من أنبل الإنجازات التي يمكن أنْ يرصدها الطبيب في حسابه الخاص، لا سيَّما إذا صاحبَتها دعوات صادقة بمزيد من التوفيق، فترى الطبيب يسير من حسَن إلى أحسن، لا لشيء أكثر من أنَّه خدم مهنته، وخدم من خلالها الناس. النظرة المثاليَّة للطبيب - أيِّ طبيب - تعكِّرها أحيانًا بعضُ التصرُّفات الفردية التي لا تكوِّن ظاهرة، ولا تشكِّل خطرًا، خلاصة هذه التصرُّفات أنْ يعمد الطبيب إلى استخدام فكرِه وذهنه ويده على وجهٍ يخالف ويناقض ما أريد لها أنْ تصرف فيه، ولأنَّ التوقُّعات من الطبيب هي في درجة المثالية الواقعية، تجد أنَّ التصرُّفات المضادَّة تَلقى شيئًا من الاستهجان والاستغراب والازدراء لشخص الطبيب، لا للمهنة ذاتها، والمتابع للصحافة السيارة يطَّلع على نماذج من ذلك. علينا أن ندرك - هنا - مجموعة من المسلَّمات التي لا بُدَّ من أن يعيها الناس جميعًا، ومنها: 1 - أنَّ الطبيب بشَر قبل كلِّ شيء. 2 - أنَّ البشر محدودو المعرفة، ولا يؤتون من العلم إلا قليلًا؛ ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85]. 3 - أنَّ الأطبَّاء بعامَّة مخلصون لمهنتهم، ومخلصون للمجتمع الذي يعملون فيه. 4 - أنَّ الطبيب - لكونه بشرًا - يعتريه ما يعتري البشر من أمور جسمية ونفسية واجتماعية، قد لا يدرِكها البعض، فلا يسلِّمون بها في الطبيب، وإنْ سلَّموا بها في غيره من الناس، على اعتبار أنَّ هذا الطَّبيب قد وصَل بعلمه إلى درجة المثاليَّة الإنسانية، التي تحميه من نوائب الدهر. 5 - أنَّ الطبيب يواجه تحدِّيات إجرائية وإدارية في كل مجتمع، فقد لا يستطيع تهيئة الجوِّ المناسب جدًّا لأداء عمله في بعض المجتمعات، وربَّما كان هناك النَّقص في الأجهزة، والنَّقص في العاملين المساعدين، والنقص في الدواء، والنقص في المعلومات الطبية المطلوبة، وهو لا يملِك قوَّةً خارقة تعينه على التغلُّب على هذه التحدِّيات أو العقبات. 6 - أنَّ ما اكتُشف، علاجًا للأمراض - تشخيصًا ودواء - لا يصِل إلى واحد من الألف (001. %) ممَّا هو مطلوب، وما العالم الحديث بحاجة إليه. 7 - أنَّ مهنة الطبِّ تعتمد - فيما تعتمد عليه - على التشخيص، والتشخيص لا يقتصر على الكشف، بعيدًا عن الحوار التشخيصي مع المريض؛ ولذا يصعب الوصول إلى نتيجةٍ قريبة من الحتمية، إذا لم يتعاون المريض مع طبيبه في مسألة التشخيص، وقد يضلِّل المريضُ طبيبَه، عندما يعمد إلى تعمية الحقائق؛ جهلًا بتأثيرها على التشخيص. 8 - أنَّ الطبيب بحاجة إلى ثِقة المريض به، وهذا له دخل لا بأس به في عملية العلاج والشفاء، وكم من حالة عرضَت على طبيب لم يقتنِع به المريض، فوصف الطبيب العلاجَ المناسب، فأهمله المريض، أو وضع في ذهنه أنَّ هذا الطبيب لم ينفع، فلم ينفع. 9 - أنَّ كثيرًا من الناس يريدون أنْ يدخلوا على الطبيب مَرضى فيخرجون منه معافين، دون اللجوء إلى برنامج علاجي قد يَطول؛ وتلك مصيبة المريض، لا يتحمَّل منها الطبيب شيئًا البتة، إلا إذا قصَّر في محاولة إفهام المريض المطلوب. 10 - أنَّ الطبيب لا يقِف وحده هنا، ولكنَّ هناك مجموعةً من المساعدين، الذين يقفون إلى جانبه، ومن هؤلاء الصيادلة؛ وهم على درجات من حيث العلم، فيحدث أنْ يُخطئ الصيدلي في صرف الدواء وقوَّته، فيُتَّهم في هذا الطبيب، والطبيب منه براء؛ ولذا يعمد كثيرٌ من الأطبَّاء إلى النَّظر إلى الدواء المصروف بعد صرفه للتأكُّد من دقَّته. 11 - أنَّ تناول الدواء يخضع لنظام يحتاج فيه المريض إلى القراءة - أوَّلًا - ثم اتِّباع الإرشادات، من حيث الجرعاتُ والمدَّة والأعراض الجانبية؛ ومثل ذلك، وقليلٌ من الناس مَن يقرأ النشرة المرفقة بالدواء، ويكتفي بما يَكتبه الصيدلي على الدواء مثل (1×3)، وهي سلبيَّة غير مرغوب فيها من الصيدلي، كما هي من المريض. هكذا نجد أنَّ هناك مجموعةً من العوامل التي تؤثِّر في أداء الطبيب لمهنته الإنسانية، ومن ثمَّ تؤثِّر في تأخير الشِّفاء، أو انتفائه، إنْ لم تؤدِّ إلى مضاعفات أخرى، يكون للطَّبيب فيها إسهامٌ محدودٌ جدًّا، ولكنَّ الناسَ يلقون باللائمة عليه - مباشرة - قبل أنْ يتحرَّوا الدقَّةَ في مثل هذا الاتِّهام. إذا روعيَت هذه المجموعة من العوامل ووعاها الناس - المتعالـِجون منهم - وجدنا أن الأصل في الطبيب أنْ يوفَّق - بتوفيق الله تعالى - في التَّشخيص، وفي صرف الدواء، وتكون النتيجة الشِّفاءَ، ما أرد الله سبحانه وتعالى ذلك. خلاف الأصل أنْ يعمد الطبيب إلى المغالطة في كل ما مرَّ؛ فيتعمَّد الضرر بالمريض، لأغراض غير إنسانيَّة، نتيجة لمرض في الطبيب نفسه، وتلك حالات تمرُّ، فيُعلن عنها، ويُعاقب عليها فاعلوها ويُحاكمون، وقد يُمنعون من الاستمرار في مزاولة هذه المهنة؛ لأنَّهم أثبتوا أنَّهم دون مستواها؛ مثلهم في هذا مثل كل من يُسيء إلى مهنته، من هنا تأتي الفحوص والاختبارات الدولية للأطباء، وذوي المهن الحسَّاسة، ذات العلاقة المباشرة بحياة البشر؛ كالممرِّضين والطيَّارين، ورجال الأمن والدِّفاع المدني، ونحوهم، يُفحصون جسميًّا ونفسيًّا؛ خوفًا من الانزلاق في تصرُّفات تكون لها جملة من المضاعفات. إنَّه لَمن المحزِن أنْ يقرأ المرء - أحيانًا - وفي بلدان غربية وشرقية تدَّعي التقدُّم، عن مؤامرة طبيب في القضاء على مريضه، أو ممرِّضة تعتني بالمواليد الصغار، فتقضي عليهم، أو ممرِّض يدخل على المرضى في أوقات يختارها، فيستعمل علمه فيما يضادُّ ما تعلَّمه من أجله؛ وتلك تصرُّفات تؤكِّد على أنَّ البشر، مهما وصلوا إلى العلم الدقيق، هم بحاجة إلى مقوِّمات أخرى أساسية في حياتهم تدفعهم إلى تسخير هذا العلم فيما ينفع. هنالك مجموعة من المقوِّمات التي يستطيعها البشر مرسومة لهم، يأتي على رأسها مخافةُ الله تعالى، وجعله رقيبًا أوَّلَ وأقوى من رقابة البشر، لا سيَّما في المجتمع المؤمن الذي يدرك هذه المعاني ويعيشها؛ ولذا نجد مثل هذا الحوادث الشاذَّة عالميًّا شبه معدومة في المجتمعات المؤمنة، التي تؤكِّد على المعاني السامية لمهنة الإنسان في هذه الأرض، فيدرك الطبيب أثره على المجتمع، فلا يخذُلُ الأطباءُ مرضاهم.
مختصر دعوة التقريب بين الأديان لأحمد بن عبدالرحمن القاضي
محمود ثروت أبو الفضل
20-10-2020
8,963
https://www.alukah.net//culture/0/142628/%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%b1-%d8%af%d8%b9%d9%88%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a8-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%af%d9%8a%d8%a7%d9%86-%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%b6%d9%8a/
مختصر دعوة التقريب بين الأديان لأحمد بن عبدالرحمن القاضي صدر حديثًا " مختصر دعوة التقريب بين الأديان " دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية ""، تأليف: أ.د. "أحمد بن عبدالرحمن القاضي "، نشر " آفاق المعرفة ". وهذا الكتاب مختصر لكتاب " دعوة التقريب بين الأديان.. دراسة نقدية في ضوء العقيدة الإسلامية " والذي هو في الأصل أطروحة المؤلف العلمية لنيل درجة الدكتوراه، وطُبعَت في أربعة مجلدات، فكانت بذلك أشبه بالموسوعة الجامعة لدراسة ونقد تلك الفكرة التي عادت من جديد على الساحة الفكرية؛ مما حدا بالكاتب لإعادة اختصارها وطبعها من جديد لبيان الموقف الشرعي من دعوى التقارب بين الأديان، وأبعادها الفكرية والسياسية والاجتماعية. تكمن أهمية هذا الكتاب - أصلًا ومختصرًا - في تغطيته للجذور التاريخية لهذه الدعوة الخطيرة، وتداعياتها في العصر الحديث حتى مطلع الألفية الميلادية الثالثة، مع دراسة ونقد لأصول هذه الدعوة وأفكارها. وتشتد الحاجة إلى ذلك النقد إذا ما استحضرنا وقوع طائفة من المنتسبين إلى الإسلام في مهاوٍ عقدية خطيرة بتبني هذه الدعوة، فكانت الحاجة ماسَّةً إلى دراسةٍ نقدية تسعى في الحفاظ على محكمات الإسلام، وإحياءِ المنهج الشرعي في مخاطبة أهل الكتاب ودعوتهم ومجادلتهم. وانقسم الكتاب إلى مقدمة وتمهيد وثلاثة أبواب، والخاتمة أجمل فيها نتائج البحث، كما ألحق الكاتب التوصيات وبعض الملاحق بالكتاب في بعض الفتاوى في حكم دعوى التقارب، ومسرد بالمؤتمرات المعقودة للتقريب بين الأديان مرتبة حسب وقوعها الزمني. وبدأ البحث بتمهيد حول تعريف عام بدين الإسلام وأديان أهل الكتاب، وحكم الإسلام في أهل الكتاب، وموقف أهل الكتاب من الإسلام، مع لمحة تاريخية ببليوغرافية عن العلاقات بين المسلمين وأهل الكتاب. أما الباب الأول : تناول ( حقيقة التقريب بين الأديان وأصوله وبواعثه )، حيث ركز على الأصول التاريخية لدعوة التقريب بين الأديان، والفرق الداعية لها مثل الماسونية عند اليهود، وغلاة الصوفية والفرق الباطنية عند المسلمين ( إخوان الصفا- البهائية ) وطلائع العصرانيين، والفرق النصرانية، وأساليبهم في مواجهة الإسلام: كأسلوب التشويه والتضليل، وأسلوب المجادلة العقلية وإثارة الشبهات، وأسلوب التبشير، وأسلوب التقارب والحوار). كما وضح الكاتب التطبيقات العملية في معاملة أهل الكتاب عند الإسلاميين العصرانيين: كالمناداة بالرابطة الوطنية والحرية الدينية، والغلو في تمجيد الحوار، وتضخيم أهمية ( معرفة الآخر )، والتنصل من أحكام أهل الذمة والاعتذار عنها، ومفهوم "التقريب" ومنهجيته عند الإسلاميين العصرانيين. والباب الثاني : تناول ( محاولات التقريب بين الأديان في العصر الحديث ونقدها ): حيث تناول المحاولات الفردية كمحاولات المفكر الفرنسي المسلم " روجيه جارودي "، ومحاولات الأب الأسباني " إيميليو غاليندو آغيلار "، ومحاولات المليونير الكوري " صن مون "، ومحاولات الشيخ " أحمد كفتارو ". أما المحاولات الجماعية فتناول الرحلات البابوية لآباء الفاتيكان للدول الإسلامية ( محاولات الكنيسة الكاثوليكية الرسمية )، ومحاولات مجلس الكنائس العالمي، ومحاولات التقريب في أوروبا الغربية والشرقية والاتحاد السوفيتي، وفي آسيا وأمريكا والعالم العربي، وأهم دعواتها وما نادت به. والباب الثالث : وهو خلاصة الكتاب فتناول ( نقد دعوة التقريب بين الأديان وتقويمها ) حيث بيَّنَ الموقف الشرعي من دعوة التقريب بين الأديان، ودلالة الشرع على بطلان دعوة التقريب بين الأديان وذلك لعدة أسباب: أولًا: أنها رغبة عن ملة إبراهيم عليه السلام وحيدة عن الصراط المستقيم. ثانيًا: أنها ابتغاء لدين غير الإسلام الذي بعث به محمد، صلى الله عليه وسلم. ثالثًا: أنها طعن في رسالة نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم. رابعًا: أنها طعن في القرآن العظيم وهيمنته على الكتب السابقة. خامسًا: أنها اتباع لغير سبيل المؤمنين، ومخالفة لإجماع المسلمين. سادسًا: أنها موالاة لأعداء الدين. سابعًا: أنها فتنة عن بعض ما أنزل الله. ثامنًا: أنها تسوية لأهل الإيمان بأهل الشرك وعباد الأوثان. تاسعًا: أنها مداهنة في دين الله. عاشرًا: أنها لبس للحق بالباطل وصد عن سبيل الله. كما بين الكاتب دلالة الواقع على بطلان دعوة التقريب بين الأديان. كما أجمل الكاتب شبهات دعاة التقريب بين الأديان، وكشفها، والرد عليها. وأن المنهج الشرعي في مخاطبة أهل الكتاب يتناول معاني الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وبيان الوسائل النبوية في دعوة أهل الكتاب، وعمل الأمة الإسلامية، وسبيل المؤمنين في كيفية التعامل مع أهل الكتاب. ويرى الكاتب أن تاريخ العلاقات الإسلامية- الكتابية، وخاصة مع النصارى، لكون الملك في أيديهم بالعداء، والجهاد المستمر، الذي كان فتحًا مبينًا في القرون الفاضلة الأولى، وسجالًا في العصور الوسيطة، وانحسارًا في العصور الحديثة، مع بعض الشذوذات التي لا تلغي القاعدة، وكان النصر والتمكين متناسب تناسبًا طرديًا مع التزام المسلمين بدينهم، وأخذهم بأسباب القوة المعنوية والمادية عبر مراحل تاريخية متمايزة، دون أن تشهد على الإطلاق أي لون من " الوفاق الديني" أو " التقارب العقدي "، إن هي إلا المفاوضات والعهود والصلح المؤقت، وستظل هذه السمة باقية، والجهاد ماض إلى قيام الساعة كما نطقت بذلك النصوص الصحيحة. وقد خرجت دعوة التقريب بين الأديان من حيز الكمون إلى الاستعلان، ومن نطاق الفكرة إلى التنفيذ في الربع الأخير من القرن الرابع عشر الهجري. أما مصطلح " الحوار " قد يراد به ( حوار التقريب ) بين الأديان، وقد يراد به ( حوار التعايش ) بين أتباع الأديان، لتحقيق مصالح مشتركة من أمور المعاش، فهو بالمعنى الأول مذموم مطلقًا، وبالمعنى الثاني يخضع للسياسة الشرعية للأمة. كما أن الدعوة إلى " وحدة الأديان " إن صدرت من مسلم فهي تعتبر ردة صريحة عن دين الإسلام، لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله - عز وجل - وتبطل صدق القرآن، ونسخه لجميع ما قبله من الكتب، وتبطل نسخ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناء على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا، بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع. وتأسيسًا على ما تقدم: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها وتسليكها بين المسلمين، فضلًا عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
قصة نوح عليه السلام
د. محمد منير الجنباز
19-10-2020
10,847
https://www.alukah.net//culture/0/142616/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%86%d9%88%d8%ad-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85/
قصة نوح عليه السلام عناصر الموضوع: ♦ قوم نوح من الإيمان إلى الشرك ♦ تكليف نبي الله نوح بالرسالة ♦ التنويع في أسلوب الدعوة ♦ دعوة نوح لقومة ♦ الجهل والعمى سيطر على قوم نوح ♦ بداية الطوفان ♦ صبر نوح على دعوتة ذكَر القُرْآن الكريم نبي الله نوحًا عليه السلام في سور عديدة، أسهب في ذكره في بعضها، كسورة هود والشعراء والصافات ونوح، وأطنب جدًّا في بعضها الآخر؛ كسورة يونس والنجم والقمر والتحريم، وذكر ذكرًا عابرًا في سور مثل النساء والأعراف والتوبة وغافر، ومن خلال ربط الآيات بعضها ببعض سيتكون عندنا قصة واضحة عن الفترة التي بُعث فيها نوح عليه السلام لدعوة الناس إلى التوحيد بعد أن مالوا عن طريق الصواب، وأن الناسَ في عهد نوح قد ابتعدوا عن المسيرة الإيمانية التي جاء بها الأنبياء قبل نوح؛ مثل: شيث، وإدريس، وقد نشأ مِن هذا البُعد أنِ اختلطت الأمور على الناس، والتبس الحق بالباطل. فوجد الناس أنفسهم ينحدرون إلى الشرك من باب حبِّ الخير وأهل الخير، فانقلَب هذا الأمر عند تقادم العهد إلى تعزيز الشرك وتأصيله، حتى غدَا هو السائدَ، وما سواه دخيل وشاذ مخالف لِما عليه الأغلبية، لا يُعتَرَف به، فكان التوحيد غريبًا ينبغي محاربته، ومخالفًا لِما وُجد عليه الآباء: ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ [نوح: 23]، وقد ورَد أن هذه الأسماء هي لأناس صالحين، أراد أقوامهم تخليد ذكراهم والاقتداء بهم والسير على نهجهم، فانقلبت هذه المحبة - مع تقادم العهد - إلى عبادة وتقديس بما ألقاه إليهم الشيطان - العدو المتربص بالمؤمنين - من أوهام تجاههم، فزيَّن لهم عبادتهم بما أضفاه عليهم من قداسة وخوارق، وأن هؤلاء الآلهة مصدر كل خير، فأضحى الشر سائدًا وهو الأساس، وكل دعوة مخالفة لهذا الذي اعتقده ينبغي محاربتها بضراوة، وفي كل مجتمع يقوم على مثل هذا الاعتقاد لا بد من وجود منتفعين يجنُون الأرباح والجاه، يقفون ضد التغيير المصادم لمصالحهم، ويحرِّضون العامة والغوغاء ضد النبي المصلح الذي بُعث لهدايتهم وإنقاذهم من العمى والضلال، والأخذ بأيديهم إلى طريق الهدى الموصل إلى رضوان الله وجناته، وكان هذا ما واجه نوحًا عليه السلام، فقد بعثه الله إلى قوم ضلوا الطريق، واحتاجوا إلى مرشدٍ يسلك بهم الطريق الصواب، فكان قدر نوح أن يكون هو النبي المرسل إليهم ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [نوح: 1]. وهكذا تلقَّى نوح التكليف بالرسالة، وتوجه إلى قومه يدعوهم إلى توحيد الله باذلًا جهده في إقناعهم، لا يريد منهم أجرًا على جهده، وإنما يسرُّه كلَّ السرور أن يقبل الجميع دعوته، وأن يسارعوا إلى نبذ الشرك، والاعتصام بحبل الله المتين: ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون ﴾ [نوح: 2 - 4]، وبذَل الحجة والمنطق في الإقناع، وبرهن لهم حقيقة الأصنام، وأن موجِد هذا الكون هو الله الواحد الأحد، الذي يُحيي ويميت، ويهَب ويمنع، وهو الغفور لمن أناب وتاب، لكن ماذا رد قوم نوح؟ فاسمَعْ لنوحٍ وهو يصفهم باختصار: ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ﴾ [نوح: 5، 6]، يا إلهي! كم عانى نوحٌ مِن قومه ومن صدِّهم واستكبارهم؟ لكنه بالتأكيد صبر عليهم، وهذا من صفات الأنبياء؛ الصبر ثم الصبر ثم الصبر، برغم استفزازهم له وسخريَّتهم به، ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ [نوح: 7]، عنادٌ ما بعده عناد؛ أن يسدُّوا الآذان عن سماع الحق، ويتقنَّعوا بالثياب، وقد عطلوا حاستي السمع والبصر، فلا يريدون أن يسمعوا أو يروا، وقد نوَّع نوح في أساليب دعوته لهم؛ لعله يصل إلى القبول عندهم، فيصيخوا إليه بسمعهم، ﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 9، 10]. ومِن التنويع في أسلوب الدعوة: تحسين الأحوال في الدنيا، والتبشير بعيش رغد وحياة فضلى؛ حيث يفيض الماء، ويكثُرُ الولد: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، ثم وجَّههم إلى ما خلق الله لهم على الأرض، وما سخَّر لهم في هذا الكون لفائدتهم: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ [نوح: 15، 16]، وبرَغْم هذه الدلائل الظاهرة والحجج الباهرة، أحجَم قوم نوح عن اتباع الحق، والسير في طريق الهدى، واتبعوا كبراءهم، غيرَ عابئين بسخط الله وغضبه، وهذا منتهى الجحود والنكران لإنعام المنعِم؛ ﴿ قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴾ [نوح: 21]. استمرَّتْ دعوةُ نوح لقومه زمنًا ليس باليسير؛ فقد تطاولت به المدة حتى أعذر بشأنهم، وشهدت فترة دعوته أجيالًا وقرونًا، وكأن الكبار كانوا يوصون الصغار والناشئة بعدم قبول دعوة نوح، فكان الجيل الجديد أشد إنكارًا وعتوًّا وتفلُّتًا من آبائهم، وقد شعر نوح بأنه أصبح بينهم غريبًا متهمًا بالجنون والتخريف، وهم الأوفر شبابًا والأكثر فهمًا بأمور الدنيا ومتطلبات العيش، فلماذا العودة إلى الوراء؟! وعرَف نوح ما يدور في أذهانهم تجاهه، وكيدهم له، ومكرهم به؛ للخلاص منه؛ ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ ﴾ [يونس: 71]، ولكن لا بد لجُهد نوح في الدعوة من ثمرة؛ فآمن معه عدد قليل من قومه، والتزموا بتعاليمه، إلا أن قوتهم لا تزال ضعيفة أمام قوى الشر الطاغية، وبهذا تعالى عليه المتكبرون، وأنِفوا من الدخول في دينه؛ ﴿ فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [هود: 27]، وصعَّد القوم لهجتهم ضد نوح وأتباعه، وعدُّوهم من السفهاء الخارجين على المجتمع، وأنهم كاذبون في دعواهم؛ ﴿ وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ﴾ [القمر: 9]، وربما قاطَعوهم اجتماعيًّا، وتكتَّلوا ضدهم لعزلهم، ومَنْع رافد جديد لهم من قومهم. قال ابن إسحاق: "إن قوم نوح كانوا يبطشون به فيخنقونه حتى يغشى عليه، فإذا أفاق قال: "اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون"، ومع كل هذه الضغوط من الصادين فإن نوحًا لم يَيْئَس مِن جدالهم بالتي هي أحسن، ﴿ قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ ﴾ [هود: 28]؛ أي: فلم تهتدوا لهذه الرحمة بسبب صدكم، ﴿ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ ﴾ [هود: 28]، فلن تدركوا هذه الرحمة وأنتم تحملون الكراهية لها، وأنا لن ألزمكم بها، ولن تنتفعوا بها إلا بقبولها راضين بها عن حب وقناعة، فأما المتكبرون الذين غلَّف الران قلوبهم، فلن ينالوها، ولن يحظَوْا برضا الله لهذا الخُلق الذميم؛ فالدعوة مفتوحة للناس جميعًا، بلا تفريق بين عظيم وصغير، كل الناس أمام الله سواء، والإيمان يوحد القلوب، ويؤاخي بين المؤمنين، ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 29]. ما زال الجهلُ والعمى مسيطرًا عليكم، وما زلتم لا تدركون معنى الأخوة في الدين، فاصحُوا مما أنتم فيه من العَماية والضلال، لكن كل هذه النصائح لم تجِدْ سبيلًا إلى قلوبهم، وجعلوا من الضعفاء المؤمنين مشكلتهم، وأصبحت كأنها هي العقبة التي تمنعهم من قبول دعوة نوح عليه السلام، وأضحى إيمانهم مرتبطًا بطرد المؤمنين الضعفاء، ﴿ قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ * قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ * وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ * إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الشعراء: 111 - 115]، فكانت إجابةُ نوح أنه نبي يبلغ الرسالة، والأمر لله في القَبول وعدمِه، ﴿ وَيَاقَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 30]، أتظنون الأمر سهلًا، وتقيسونه بمقاييسكم الدنيوية؛ حيث تصنِّفون الناس وفق الغنى والفقر، وتجعلون الناس طبقات، هذا منطقكم، فهذا عملٌ ضال لا يقبله الله منكم؛ لأنه قال: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، فعليكم أن تتذكروا هذا القانون، وإياكم وتجاوُزَ هذا الحد، وإن دخلتم في الإيمان فلتعلموا أن هذا لصالحكم ولإنقاذكم من النار، ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ ﴾ [هود: 31]، فلا تظنُّوا أن عندي الأموال، فأمنحكم منها ما تشاؤون، فأنا عبد، والأمر كله لله؛ فهو الذي يعطي ويمنع، ويرزق ويغدق، أو يمنع ويقتر، ﴿ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 31]. كما لا أقول لمن آمن من الفقراء والضعفاء بأنهم سيستمرون على ما هم عليه من الفقر والضعف إلى أن يتوفاهم الله، فهذا الأمر أيضًا ليس لي، إنْ أنا إلا عبد مأمور مكلف بالرسالة لأبلغكم إياها، فهذه مهمتي، وأما تغيُّر الحال من غنى إلى فقر أو من فقر إلى غنى ومن صحة إلى مرض أو من مرض إلى صحة - فكلُّ أحوال الناس وتقلباتها بيد الله، أما اعتراضهم على دخول الفقراء في الدين، فلم يكن إلا نوعًا من الجدال العقيم والحجج الواهية التي يتذرعون بها للمماطلة والتعويق، فهم أصلًا لا يريدون الإيمان، ولا يرغبون فيه، ﴿ قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [هود: 32]. ولم يكُنْ بعدُ قد أعد للطوفان عدته، وإنما كان التخويف بشكل عام من غضب الله، وأخذهم بالسنين، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، وهذا استنتاج من سورة نوح، ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، فوعدُهم بهذه الخيرات إن استغفروا ربهم دليل فقدانها عندهم، وحاجتهم لها، وبعد الصدِّ ضاق بهم نوح، وشكا حاله إلى ربه بعد صبر طويل، وتحمل للأذى قولًا وفعلًا؛ ﴿ قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ * قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 116 - 118]، فالأمر أخَذ طابع المواجهة؛ لأن نوحًا مكلَّف بالتبليغ، وأنى له أن ينتهي واللهُ قد كلفه بالتبليغ؟ فلا بد من الصبر والمعاناة، وطالت المعاناة مع أولئك المعاندين الأشقياء، ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 14]. وهل هناك مدة أطول من هذه المدة في الدعوة، فما أصبرك أيها النبي الكريم! لقد فسحت المجال لسماع الدعوة لأجيال وأجيال لكي يتفيؤوا ظلالها، ولكن هيهات لمن غلَّف الران قلبه، وتمكن الشيطان من إساره فأضحى شمسًا لا يقبل الهدى ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [هود: 36]، لقد صبر نوح عليهم كثيرًا، وجرب دعوته في عدة أجيال منهم، فما كان منهم سوى الصد والعناد واتهامه بالجنون، وهنا حقَّ على المعاندين العذاب والاستئصال، واستوجبوا عقاب الله، ﴿ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ﴾ [هود: 37]، لقد قضى الله فيهم قضاء لا مردَّ له، وكتب عليهم الهلاك غرقًا. يتبع،،
ديوان رؤبة بن العجاج بشرح محمد بن حبيب
محمود ثروت أبو الفضل
19-10-2020
12,698
https://www.alukah.net//culture/0/142614/%d8%af%d9%8a%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%b1%d8%a4%d8%a8%d8%a9-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%ac-%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%ad%d8%a8%d9%8a%d8%a8/
ديوان رؤبة بن العجاج بشرح محمد بن حبيب صدر حديثًا "ديوان رؤبة بن العجاج بشرح محمد بن حبيب"، قرأه وشرحه: "عبد الرحمن عبد الله الجميعان"، في أربعة مجلدات، نشر "دار الرياحين". هذه الرسالة عبارة عن تحقيق شرح ديوان رؤبة بن العجاج، وهو راجز إسلامي، كان رأسًا في اللغة، من شعراء الدولة الأموية وأدرك الدولة العباسية. مات بالبصرة سنة خمس وأربعين ومائة. لمحمد بن حبيب، وهو لغوي بغدادي عالم بالأنساب والأخبار واللغة والشعر، ولد بالبصرة، ومات بسامراء سنة خمس وأربعين ومائتين. تهدف هذه الدراسة إلى تقديم شرح ديوان رؤبة بن العجاج بتحقيق علمي يساعد الباحثين في التراث العربي في فهم أراجيز رؤبة، الذي اشتهر باستخدامه لغريب اللغة وحوشيها، ومقدرته على نظمها ووضعها مع مترادفاتها واشتقاقاتها والرجوع بها إلى جذورها. وديوان رؤبة المنشور بتحقيق المستشرق الألماني " وليم ألورد " (1903م) انتزعت أراجيزه من شروحها فجاءت غير مألوفة للقارئ والباحث في شعر رؤبة بن العجاج، لذا يعد هذا الشرح من الشروح المعتبرة في تفسير رجز رؤبة وشعره المعاصر لأحداث عصره. وللديوان عدة مخطوطات منها ثلاث نسخ خطية بمكتبة دار الكتب المصرية، ومكتبة جامعة برلين، ومكتبة جامعة ييل. وقد تم اختيار نسخة دار الكتب المصرية لتكون النسخة الأم، ثم قوبلت مع نسخة ييل وبرلين، وأُثبتت الفروقات في الهامش، ثم خرجت الشواهد القرآنية من المصحف الشريف، والأحاديث النبوية من كتب الحديث، وأما الشواهد الشعرية فخرجها المحقق من دواوين الشعراء وكتب الأدب ومعاجم اللغة. و"رؤبة": هو أبو الجحاف بن العجاج عبد الله بن رؤبة بن لبيد بن صخر، من بني مالك بن سعد بن زيد مناة بن تميم، هو وأبوه شاعران، كل منهما له ديوان رجز، وهما مجيدان فيه عارفان باللغة وحشيها وغريبها. وهو أكثر شعرًا من أبيه وأفصح منه. روي أنه قال لأبيه: أنا أشعر منك لأني شاعر وابن شاعر، وأنت شاعر فقط. وقيل ليونس النحوي: من أشعر الناس؟ قال: العجاج ورؤبة. فقيل له: لم نعن الرجاز. قال: هما أشعر أهل القصيد، وإنما الشعر كلام فأجوده أشعره. قال ابن عون: ما شبهت لهجة الحسن البصري إلا بلهجة رؤبة. حكى المدائني قال: قدم البصرة راجز من رجاز العرب فجلس إلى حلقة فيها الشعراء، وجعل يقول: أنا أرجز العرب، أنا الذي أقول: " الرجز " مروان يعطي وسعيد يمنع *** مروان نبع وسعيد خروع والله أنا أرجز من العجاج، فليت البصرة جمعت بيني وبينه - ورؤبة والعجاج حاضر المجلس - فقال رؤبة لأبيه: قد أنصفك الرجل فقم إليه. فأقبل عليه وقال: هأنا العجاج وزحف إليه. قال أي العجاجين أنت! قال: ما خلتك تعني غيري، أنا عبد الله الطويل، وكان يعرف بذلك. فقال: ما عنيتُك وما قصدتك، قال: كيف وقد هتفت باسمي وتمنيت أن تلقاني؟! قال: أو ما في الدنيا عجاج سواك؟ قال: فهذا ابني رؤبة. قال: اللهم غفرًا، إنما مرادي غيركما. فضحك الناس وكفا عنه. قال ابن قتيبة في كتابه " الشعر والشعراء ": قال أبو عبيدة: دخلت على رؤبة وهو يجيل جرذانًا في النار، فقلت: أتأكلها؟ قال: نعم إنها خير من دجاجكم التي تأكل العذرة، إنها تأكل البر والتمر. وكان رؤبة مقيمًا بالبصرة ولحق الدولة العباسية كبيرًا، ومدح المنصور وأبا مسلم. ولما ظهر بها إبراهيم بن الحسن بن علي رضي الله عنه وخرج على المنصور خاف على نفسه الفتنة، فخرج إلى البادية فمات بها في سنة خمس وأربعين ومائة. كذا قيل، وهذا يخالف ما روي عن يعقوب قال: لقيت الخليل بن أحمد يومًا بالبصرة فقال لي: يا أبا عبد الله دفنا الشعر واللغة والفصاحة اليوم. فقلت له وكيف ذاك؟ فقال: هذا حين انصرفنا من دفن رؤبة بن العجاج. تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَمائَةٍ. وَرُؤْبَةُ - بِالهَمْزِ -: قِطعَةٌ مِنْ خَشَبٍ، يُشَعَّبُ بِهَا الإِنَاءُ، جَمعُهَا: رِئَابٌ. وَالرُّوْبَةُ - بِوَاوٍ -: خَمِيْرَةُ اللَّبَنِ. وَالرُّوْبَةُ أَيْضًا: قِطعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ. ومما قيل إن شعر رؤبة الراجز يحوى ثلث اللغة؛ حيث حوى شعر رؤبة كثيرًا من اللغة ومفردات وهو شعر يحتاجه اللُغوي والفقيه والمفسر أو المعتني بالعلوم الشرعية أكثر من غيرهم. ومن أشهر قصائد رؤبة قوله: وقاتِم الأَعْماقِ خاوِي المُخْتَرَقْ مُشْتَبِه الأَعْلامِ لَمّاعِ الخَفَقْ يَكِلُّ وَفْدُ الرِيحِ مِنْ حَيْثُ انْخَرَقْ شَأْزٍ بِمَنْ عَوَّهَ جَدْبِ المُنْطَلَقْ ناءٍ مِنَ التَصْبِيحِ نَائِي المُغْتَبَقْ تَبْدُو لَنَا أَعْلامُهُ بَعْد الغَرَقْ فِي قِطَعِ الآلِ وَهَبْوَاتِ الدُقَقْ خارِجَة أَعْناقُهَا مِنْ مُعْتَنَقْ تَنَشَّطَتْهُ كُلُّ مِغْلاةِ الوَهَقْ مَضْبُورَةٍ قَرْواءَ هِرْجابٍ فُنُقْ مائِرَةِ العَضْدَيْنِ مِصْلاتِ العُنُقْ مُسْوَدَّة الأَعْطافِ مِنْ وَشْمِ العَرَقْ إِذَا الدَلِيل اسْتافَ أَخْلاقَ الطُرُقْ كَأَنَّها حَقْباءُ بَلْقاءُ الزَلَقْ أَوْ جادِرُ اللِّيتَيْنِ مَطْوِيُّ الحَنَقْ مُحَمْلَجٌ أُدْرِجَ إِدْراجَ الطَلَقْ لَوَّحَ مِنْهُ بَعْدَ بُدْنٍ وَسَنَقْ مِنْ طُولِ تَعْداءِ الرَبِيعِ فِي الأَنَقْ تَلْوِيحَكَ الضامِرَ يُطْوَى لِلسَبَقْ قُودٌ ثَمانٍ مِثْل أَمْراس الأَبَقْ فِيها خُطُوطٌ مِنْ سَوادٍ وَبَلَقْ كَأَنَّهَا فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ يُحْسَبْنَ شاماً أَوْ رِقاعاً مِنْ بِنَقْ فَوْقَ الكُلَى مِنْ دائِراتِ المُنْتَطَقْ مَقْذُوذَةُ الآذانِ صَدْقاتُ الحَدَقْ قَد أَحْصَنَتْ مِثْلَ دَعَامِيص الرَّنَقْ أَجِنَّةً في مُسْتَكِنّاتِ الحَلَقْ فَعَفَّ عَن أَسْرارِها بَعْد العَسَقْ أما شارح الديوان فهو: أبو جعفر محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو الهاشمي البغدادي (المتوفى سنة 245 هـ / 859 م)، من موالي بني العباس: علامة بالأنساب والأخبار واللغة والشعر. مولده ببغداد ووفاته بسامراء. كان مؤدبًا. قال ابن النديم: كتبه صحيحة ومنها: • كتاب من نسب إلى أمه من الشعراء. • كتاب المغتالين من الأشراف في الجاهلية والإسلام. • مختلف القبائل ومؤتلفها. • المُحَبَّر. • المنمق في أخبار قريش. • أمهات النبي. • المُوَشَّح. • المُوَشَّى. • المُقتنى. • المُشَجَّر. • المُفَوَّف. • أخبار الشعراء وطبقاتهم. • الشعراء وأنسابهم. • نقائض جرير وعمر بن لجأ. • نقائض جرير والفرزدق.
الفن.. واليهود
ميسون سامي أحمد
19-10-2020
2,630
https://www.alukah.net//culture/0/142607/%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%86..-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af/
الفن.. واليهود ظاهرة الإغراء والخلاعة في الأفلام من الظواهر التي أثَّرت كثيرًا في قيم المجتمعات الإسلامية، وكان لها دورٌ كبير في تمييع المفاهيم والقيم الحقيقية الثابتة لأي مجتمع سوي وطبيعي، وكان لليهود والفنانين - بوسائل الإغراء والتقدم في هذه الصناعة - دورٌ في تمرُّد وإخراج أجيال كثيرة من الشباب عن الطريق السوي والمستقيم الذي خطَّه الله عز وجل ورسمه لعباده، فتحملوا إثم وخطيئة الكثير من البنات والأولاد الذين صدَّقوا ما يُعرض عليهم، وما تقوم به الممثلات والممثلون، فخسِروا الشرف والسمعة الحسنة، وفي حالات كثيرة الحياةَ. عندما نفكِّر في هؤلاء الفنانين أين ذهبوا الآن، ونبحث عنهم تَصدمنا نهاياتهم، فمنهم من مات وقد لازمتْه فضيحةٌ أخلاقية، ومنهم مَن مات مدمنًا، ومنهم مَن خسر أمواله التي جمعها بالحرام، ومنهنَّ مَن خسرت جمالها، ومن أصابها السرطان، فسبحان الله العظيم وصدق في قوله الكريم: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]. كان هؤلاء الفنانون ألعوبة في يد اليهود الذين برعوا في صناعة السينما والفن، فاستخدموا هؤلاء الفنانين والفنانات الجميلات أداةً للقضاء على الدين الإسلامي، ولكن هذا الفن الرخيص كان ظاهرة ككل الظواهر التي لها مدة محددة وتنتهي، وخسر هؤلاء الفنانون مع مرور الزمن البريق والشهرة، فأصبحوا لا شيء إلا أنهم تحملوا وزرَ مَن أضلُّوا.
صدع الأرض إعجاز علمي للقرآن الكريم
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
18-10-2020
15,107
https://www.alukah.net//culture/0/142596/%d8%b5%d8%af%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d8%a5%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85/
قطع الأرض المتجاورات وظواهرها (4) صدع الأرض إعجاز علمي للقرآن الكريم يقول تعالى:﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْع ﴾ (الطارق: 12)، والصدع لغة الشق. وفي القرآن الكريم ذٌكرت كلمة الصدع معرفة بالألف واللام مرة واحدة، كما اقترنت حالة خشية الجبل بالتصدع إجلالًا لمكانة القرآن في قوله تعالى : ﴿ لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّه ﴾ِ (الحشر: 21).. والمتأمل في المواضع التي ذكر فيها الشق والصدع في آيات القرآن، يجد أن الشق أعم من الصدع، فالشق ذكر متعلقًا بشيء محدد كما في قوله تعالى : ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا * فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا ﴾ متعلق بالإنبات ( عبس: 26 - 27 )، وقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ ﴾ متعلق بالحشر ( ق: 44 )، وقوله تعالى: ﴿ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء ﴾ " متعلق بإخراج الماء ( البقرة: 74 )، وقوله تعالى : ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ﴾ ( مريم: 90 ) إلخ. وكذلك ورد الانشقاق في حق القمر : ﴿ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ ﴾ (القمر: 1). والانشقاق ورد متعلقا بما يصيب السماء من خلل في الآخرة. ونخلص من ذلك إلى أن الشق يختلف عن الصدع، مع أن كليهما يمثل حالة من الضعف الأرضى، وهنا يجب مراعاة الدقة والحذر في استخدام المصطلح العلمي القرآنى. والشق في علم الجيولوجيا، يعني الخدش أو الفاصل أو الصدع.. وعلميا يعرف الصدع بأنه شق، لا بد أن يصحبه إزاحة للصخر على جانبي الشق. ومن ثم نجد كلمة الصدع كما يفهمها الجيولوجيون؛ لابد أن تكون هي عين الصدع الواردة في كتاب الله. والسؤال هنا على أي شيء أقسم الله في قوله تعالى: ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ ؟ ونبادر بالقول بأن الله يقسم بما يشاء على ما يشاء، وعظمة المقسَم عليه تأتي من عظمة الله. وهنا يتجلى دقة المصطلح العلمي القرآني ((الصدع )) ويتجلى وجه من وجوه الإعجاز العلمي للقرآن الكريم. فمن حيث دقة اللفظ فقد يُراد الصدع كجنس – أي جنس الصدوع، وقد يراد به صدع بعينه (شكل1-29، 1-30). والحقيقة أن الصدع يمثل بنية أساسية في غلاف الأرض الصخري. وقشرة الأرض ممزقة بشبكة هائلة من الصدوع. ولا تكاد تخلو منطقة من الأرض حتى المسطحة المستوية منها من وجود صدوع على سطح الأرض، أو تحت الأرض. وفي المناطق الجيولوجية، تتعدد إتجاهات وأبعاد وأنواع الصدوع. والصدوع من المعالم الرئيسية التي جعلت الأرض مهاداً وفراشاً وسبلا. ولولا الصدوع ما تكونت أغلب السبل الفجاج في الجبال، كما أن الكثير من الأنهار شقت مجاريها عبر صدوع الأرض، والكثير من ثروات الأرض تكونت وتركزت عبر الصدوع. ولذا فإن الصدع شيء عظيم جداً أقسم الله به. ولسوف نزداد عجبا لو علمنا أن وجود أعظم منظومة للصدوع، و التى اكتشفها العلماء منذ قرابة أربعين سنة فقط توجد عبر أطول سلاسل جبال الأرض، المعروفة بحيد وسط المحيط الذي أشرنا إليه من قبل. وذلك الصدع يقطع تلك السلسلة الجبلية إلى أجزاء عديدة. وتلك المنظومة من الصدوع تمتد بمحاذاة أواسط محيطات العالم قاطعة المحيط الهادي والمحيط الأطلسي والمحيط الهندي والبحر الأحمر. وتسمى تلك المنظومة بمنظومة صدوع الإنزلاق أو صدوع المضرب المنزلقة ( Transform or Strike –Slip Faults ) يا له من قسم لقرآني عظيم ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ شكل1-30:قارعة منتظرة (The Big One) : صدع سانآندرياس الذى قد ينتج عنه زلازل تضرب ساحل أمريكا الغربى دون انتظار، وقد يؤدى تقطيع الأرض إلى انفصال باجا عن كاليفورنيا. مرور الجبال نتيجة تقطيع الأرض: أصبح مرور الجبال وحركتها الذاتية أمرًا مسلمًا به في ضوء تقطيع الغلاف الصخري للأرض (شكل1-32). نعم هناك فرق بين سرعة سير الجبال في الآخرة ومرور الجبال في الدنيا. وعجيب ذلك القرآن الذى يشير إلى ذلك الكشف العلمي الذى لم يكتشف إلا في مطلع سبعينات القرن العشرين. ولسوف نشير إلى تلك الظاهرة في حديثنا عن الجبال. يقول تعالى:﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ النمل88
حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية لأحمد بن محمد الضبيب
محمود ثروت أبو الفضل
18-10-2020
4,595
https://www.alukah.net//culture/0/142593/%d8%ad%d8%b1%d9%83%d8%a9-%d8%a5%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%ab-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%85%d9%84%d9%83%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b6%d8%a8%d9%8a%d8%a8/
حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية لأحمد بن محمد الضبيب صدر حديثًا "حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية: دراسة تاريخية تحليلية نقدية"، تأليف: د. "أحمد بن محمد الضبيب"، نشر "دار العبيكان". يهدف هذا الكتاب إلى دراسة حركة إحياء التراث في المملكة العربية السعودية دراسة علمية، تؤرخ لهذه الحركة منذ دخلت المطبعة أرض هذه البلاد سنة 1300هـ/ 1883م، حتى قبيل صدور هذا الكتاب. وهي (أي الحركة) ملحمة فكرية وعلمية، وثقافية مضيئة، "خاضتها بلادنا، وبخاصة بعد توحيدها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، طيب الله ثراه، ثم نمت بعد ذلك، وتطورت بتعدد الجهات التي رعت هذه الحركة، من مؤسسات رسمية، وجامعات، ومراكز علمية، ومنافذ نشر متنوعة. وكان لها أثرها الكبير في إخراج الجم الغفير من كنوز التراث العربي إلى النور". وقد ضم الكتاب وقفات تأريخية لإسهامات معظم هذه الجهات، ودراسة لأثر كل منها في مسيرة نشر التراث وتعضيده. كما يهدف الكتاب أيضًا إلى وضع هذه الحركة في مساقها التاريخي والموضوعي بين حركات الإحياء في البلاد العربية المختلفة، التي تعد المملكة من أكثرها نشاطًا في هذا المجال. لقد وقفت هذه الدراسة عند معالم حركة الإحياء، وواكبت نشر كتب التراث تاريخيًّا منذ البدايات المبكرة، واحتفت بالريادات الأولى، سواء من حيث دور الأفراد أو المؤسسات الرسمية والخاصة، وكذلك من حيث الموضوعات المتنوعة، والكتب المهمة، التي دار حولها النشاط، كما أبانت الدوافع والمحركات التي أسهمت في تنشيط هذه الحركة في أثناء مسيرتها الطويلة. والكتاب لا يقتصر على الجانب التاريخي من الموضوع، وإنما يعمد أيضًا إلى التحليل والنقد في بعض الفصول، لتبيين أبعاد بعض القضايا المطروقة في الكتاب. وانقسم الكتاب إلى مقدمة وتمهيد في تطور الحركة الأدبية بالمملكة العربية السعودية، ثم قسمين على النحو التالي: القسم الأول: حركة نشر التراث والإحياء قبل توحيد المملكة العربية السعودية، والغرض منه إعطاء خلفية تاريخية عن موضوع هذا الكتاب في ذلك العصر: الباب الأول: طباعة التراث خارج الجزيرة العربية. الباب الثاني: طباعة التراث داخل الجزيرة العربية. القسم الثاني: حركة نشر التراث والإحياء بعد توحيد المملكة العربية السعودية، في عهد الملك عبد العزيز حين دخل مكة سنة 1343 هـ/1924 م. ومن الواضح أن كل حقبة منهما تختلف عن الأخرى من حيث الظروف السياسية والثقافية والاقتصادية وغيرها. وتناولت الدراسة في الحقبة السعودية مرحلتين متمايزتين: الأولى هي مرحلة الريادة، وقد أعطيت مساحة أكبر من الدراسة التفصيلية، وذلك للتعرف على جهود المحققين الرواد، والأساليب التي اتخذوها في نشر الكتب، وهي أساليب تختلف بين كل رائد والآخر، ويمكن القول بأن هذه المرحلة هي مرحلة اجتهادية من قبل المحققين والناشرين قد لا تتفق وأصول المنهج المتبع الآن عند المحققين، إلا من اطلع من أولئك الرواد على أعمال المستشرقين، واحتذى حذوهم في نشر الكتب وهم قلة. أما المرحلة الثانية فهي التي أطلقنا عليها اسم المرحلة المنهجية أو الأكاديمية، فهي مرحلة نتاج أساتذة الجامعات، وطلاب الدراسات العليا، ومن حذا حذوهم من غيرهم، وفيها استقر المنهج العلمي في التحقيق على صور متقاربة ومتماثلة، متحدة غالبًا في الأسس التي قامت عليها، وقد اهتمت الدراسة في هذه المرحلة بذكر الريادات الأولى والتتبع للنتاج البارز، والوصف الموجز لبعض الأعمال مع التعليق على بعضها بما يراه المؤلف، مع التعليق على بعضها بما يراه المؤلف، دون الدخول في تفاصيل كثيرة، ويرجع ذلك إلى كثرة المؤلفات المنشورة وإلى ما ذكره الكاتب من تطابق المحققين في منهج التحقيق والنشر. وقد ضمت حركة الإحياء أنماطًا أخرى من التأليف لا تدخل ضمن التحقيق لكنها لصيقة بحركة الإحياء، وتعد امتدادًا لها في موضوعات كثيرة، وهذه الأنماط هي تفاسير القرآن الكريم التي ألفها سعوديون معاصرون، وكتب التجويد التي ألفوها، وشروح الكتب القديمة التي أعادوا إحيائها، والمختصرات التي وضعوها لها، والردود التي تمثل نتاجًا متعلقًا ببعض القضايا التراثية في العقيدة والفقه وغير ذلك. وقد ضم الكاتب ما رصده من تلك المؤلفات والمصنفات بتفصيل مسهب، حتى تتضح صورة هذه الحركة بجميع أبعادها. أما المؤلف : فهو أحمد بن محمد الضبيب عضو مجلس الشورى السعودي سابقًا، ومدير جامعة الملك سعود سابقًا في الفترة (1410 هـ / 1990 - 1416 هـ / 1996). ولد الدكتور أحمد بن محمد بن حسن الضبيب بمكة المكرمة سنة 1354 هـ الموافق 1935، ونشأ في المدينة المنورة، وبها أكمل تعليمه الابتدائي والثانوي. ثم رحل إلى مصر لاستكمال دراسته فحصل على البكالوريوس من قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1380 هـ الموافق 1960، ثم ابتعث إلى إنجلترا وحصل على الدكتوراه من قسم اللغات السامية بجامعة ليدز سنة 1386 هـ الموافق 1966. عمل الضبيب كأستاذ جامعي، وهو باحث في اللغة العربية والتراث، وكاتب ومؤلف لعدة كتب عن اللغة العربية والأدب، عين رئيسَ تحريرٍ في مجلة العرب، وتولى عدة مناصب في جامعة الملك سعود، فكان رئيس قسم اللغة العربية في الفترة (1972 - 1974)، وعميد شؤون المكتبات في الفترة (1974 - 1980)، وكان عضو في مجمع اللغة العربية في القاهرة، وعضو في اجتماعات أكاديمية المملكة المغربية في الرباط، وعضو في مجلس الشورى السعودي في الفترة (1998 - 2010)، إضافةً إلى عضوية عدة مجالس عليا وعلمية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي. تولى الضبيب منصب نائب مدير جامعة الملك سعود في الفترة (1986 - 1990) ومدير جامعة الملك سعود في الفترة (1410 هـ / 1990 - 1416 هـ / 1996)، وخلال فترة إدارته للجامعة قام الضبيب بفك التداخل بين كليتي الآداب والعلوم من جهة، وكلية التربية من جهة أخرى، وقام بإنشاء كلية اللغات. قام الضبيب بتأليف وتحقيق عدد من الكتب: • كتاب الأمثال لأبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي، دراسة وتحقيق. • دراسات في لهجات شرقي الجزيرة العربية، ترجمة مع تقديم وتعليق لكتاب د. ت. م. جونستون. • الأعمش الظريف. • آثار الشيخ محمد بن عبد الوهاب. • على مرافئ التراث، أبحاث ودراسات نقدية. • بواكير الطباعة والمطبوعات في بلاد الحرمين الشريفين. • أوراق رياضية ( نسبة إلى الرياض ) - مقالات. • اللغة العربية في عصر العولمة.
63 فائدة من كتاب: رفع الملام عن الأئمة الأعلام لشيخ الإسلام رحمه الله
سالم محمد أحمد
18-10-2020
15,761
https://www.alukah.net//culture/0/142577/63-%d9%81%d8%a7%d8%a6%d8%af%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%b1%d9%81%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a6%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
63 فائدة من كتاب (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) لشيخ الإسلام رحمه الله الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحابته أجمعين، أمَّا بعد: فهذه فوائد منتقاة من رسالة مهمة لشيخ الإسلام ابن تيمية عنوانها ( رفع الملام عن الأئمة الأعلام )، تبين أسباب وقوع الاختلاف بين علماء السلف ومن بعدهم وذلك حتى لا يشنِّع عليهم مشنع ( فمتى عُرِف السبب بطل العجب )، وهي رسالة نافعة لعامة الناس فضلا عن طلبة العلم وذلك لكثرة التطاول على العلماء وانتشار رمي بعض العلماء بالتبديع والتفسيق ظلمًا وعدوانًا لمجرد الاختلاف وعدم فقه سبب مخالفتهم التي يكونون فيها معذورون. وهذه المقتطفات لا تغني عن الأصل وما فيه من تفصيل واستطرادات كثيرة، ورد على بعض الأقوال وتوسع أكثر وذكر الأمثلة والنصوص من الكتاب والسنة، إذن فهي دليل إليها ولا تغني عنها (وما لا يدرك كُله، لا يترك جُلّه). 1- يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ -بَعْدَ مُوَالَاةِ اللَّهِ تعالى وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُوَالَاةُ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ. خُصُوصًا الْعُلَمَاءُ، الَّذِينَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللَّهُ بِمَنْزِلَةِ النُّجُومِ، يُهْتَدَى بِهِمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هِدَايَتِهِمْ وَدِرَايَتِهِمْ. 2- (عُلُمَاءُ الْمُسْلِمِينَ) خُلَفَاءُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ، والـمُحْيون لِمَا مَاتَ مِنْ سُنَّتِهِ. بِهِمْ قَامَ الْكِتَابُ، وَبِهِ قَامُوا، وَبِهِمْ نَطَقَ الْكِتَابُ وَبِهِ نَطَقُوا. 3- وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ -الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا- يَتَعَمَّدُ مُخَالَفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ وَلَا جَلِيلٍ. فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَعَلَى أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ، إلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. 4- (الْأَئِمَّةِ الْمَقْبُولِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ قَبُولًا عَامًّا) إذَا وُجِدَ لِوَاحِدِ مِنْهُمْ قَوْلٌ قَدْ جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِخِلَافِهِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ. وَجَمِيعُ الْأَعْذَارِ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ: ‌أ. أَحَدُهَا: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ. ‌ب. وَالثَّانِي: عَدَمُ اعْتِقَادِهِ إرَادَةَ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ بِذَلِكَ الْقَوْلِ. ‌ج. وَالثَّالِثُ: اعْتِقَادُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ. 5- (قد يكون السَّبَبُ في وجود أَقْوَالِ للسَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ) أَن لا يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمُوجَبِهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَهُ -وَقَدْ قَالَ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ بِمُوجَبِ ظَاهِرِ آيَةٍ أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ؛ أَوْ بِمُوجَبِ قِيَاسٍ؛ أَوْ مُوجَبِ اسْتِصْحَابٍ- فَقَدْ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ تَارَةً، وَيُخَالِفُهُ أُخْرَى. 6- وَهَذَا السَّبَبُ (عدم بلوغ الحديث للعالِم): هُوَ الْغَالِبُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يُوجَدُ مِنْ أَقْوَالِ السَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ. 7- الْإِحَاطَةَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ لِأَحَدِ مِنْ الْأُمَّةِ. وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ؛ أَوْ يُفْتِي؛ أَوْ يَقْضِي؛ أَوْ يَفْعَلُ الشَّيْءَ؛ فَيَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ مَنْ يَكُونُ حَاضِرًا، وَيُبَلِّغُهُ أُولَئِكَ -أَوْ بَعْضُهُمْ- لِمَنْ يُبَلِّغُونَهُ، فَيَنْتَهِي عِلْمُ ذَلِكَ إلَى مَنْ شَاءُ اللَّهُ تعالى مِنْ الْعُلَمَاءِ، مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ... فَيَكُونُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ، وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ مَا لَيْسَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ. 8- إِنَّمَا يَتَفَاضَلُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ أَوْ جَوْدَتِهِ. وَأَمَّا إحَاطَةُ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَذَا لَا يُمْكِنُ ادِّعَاؤُهُ قَطُّ. 9- الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ -رضي الله عنهم- الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُنَّتِهِ وَأَحْوَالِهِ، خُصُوصًا الصِّدِّيقُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الَّذِي لَمْ يَكُنْ يُفَارِقُ رسول الله صلى الله عليه وسلم حَضَرًا وَلَا سَفَرًا ... وَكَذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَإِنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا كان يَقُولُ: (دَخَلْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَ (خَرَجْت أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) . 10- فَهَؤُلَاءِ (الخلفاء الراشدون وبقية الصحابة) كَانُوا أَعْلَمَ الْأُمَّةِ وَأَفْقَهَهَا، وَأَتْقَاهَا وَأَفْضَلَهَا، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنْقَصُ؛ فَخَفَاءُ بَعْضِ السُّنَّةِ عَلَيْهِم أَوْلَى فَلَا يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ. 11- مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ حَدِيثٍ صَحِيحٍ قَدْ بَلَغَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، أَوْ إمَامًا مُعَيَّنًا فَهُوَ مُخْطِئٌ خَطًَا فَاحِشًا قَبِيحًا. 12- لَيْسَ كُلُّ مَا فِي الْكُتُبِ يَعْلَمُهُ الْعَالِمُ، وَلَا يَكَادُ ذَلِكَ يَحْصُلُ لِأَحَدِ، بَلْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ الدَّوَاوِينُ الْكَثِيرَةُ وَهُوَ لَا يُحِيطُ بِمَا فِيهَا. 13- السَّبَبُ الثَّانِي (لوجود أَقْوَالِ للسَّلَفِ مُخَالِفًا لِبَعْضِ الْأَحَادِيثِ): أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ قَدْ بَلَغَهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ. إمَّا لِأَنَّ مُحَدِّثَهُ، أَوْ مُحَدِّثَ مُحَدِّثِهِ، أَوْ غَيْرَهُ مِنْ رِجَالِ الْإِسْنَادِ مَجْهُولٌ عِنْدَهُ أَوْ مُتَّهَمٌ أَوْ سَيِّئُ الْحِفْظِ.... 14- الْأَحَادِيثَ كَانَتْ قَدْ انْتَشَـرَتْ وَاشْتَهَرَتْ، لَكِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ، وَقَدْ بَلَغَتْ غَيْرَهُمْ مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ غَيْرِ تِلْكَ الطُّرُقِ، فَتَكُونُ حُجَّةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ مَنْ خَالَفَهَا مِنَ الْوَجْهِ الآخر. وَلِهَذَا وُجِدَ فِي كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ تَعْلِيقُ الْقَوْلِ بِمُوجِبِ الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّتِهِ، فَيَقُولُ: "قَوْلِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَقَدْ رُوِيَ فِيهَا حَدِيثٌ بِكَذَا؛ فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ قَوْلِي". 15- وَلِلْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَالِاخْتِلَافِ، مِثْلُ مَا لِغَيْرِهِمْ مِنْ سَائِر أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عُلُومِهِمْ. 16- فَمَتَى كَانَ الْإِسْنَادُ جَيِّدًا كَانَ الْحَدِيثُ حُجَّةً،. 17- وَتَارَةً (يكون سبب الاختلاف) لِكَوْنِ اللَّفْظِ مُشْتَرِكًا، أَوْ مُجْمَلًا؛ أَوْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ حَقِيقَةٍ وَمَجَازٍ؛ فَيَحْمِلُهُ عَلَى الْأَقْرَبِ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْآخَرَ.كَمَا حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ "الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ" عَلَى الْحَبْلِ .وَكَمَا حَمَلَ آخَرُونَ قَوْلَهُ: "فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ" عَلَى الْيَدِ إلَى الْإِبِطِ . 18- جِهَاتِ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ مُتَّسِعَةٌ جِدًّا يَتَفَاوَتُ النَّاسُ فِي إدْرَاكِهَا، وَفَهْمِ وُجُوهِ الْكَلَامِ بِحَسَبِ مِنَحِ الْحَقِّ سُبْحَانَهُ وَمَوَاهِبِهِ،، ثُمَّ قَدْ يَعْرِفُهَا الرَّجُلُ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومُ، وَلَا يَتَفَطَّنُ لِكَوْنِ هَذَا الْمَعْنَى دَاخِلًا فِي ذَلِكَ الْعَامِّ. ثُمَّ قَدْ يَتَفَطَّنُ لَهُ تَارَةً ثُمَّ يَنْسَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ جِدًّا لَا يُحِيطُ بِهِ إلَّا اللَّهُ. 19- قَدْ يَغْلَطُ الرَّجُلُ، فَيَفْهَمُ مِنْ الْكَلَامِ مَا لَا تَحْتَمِلُهُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ الَّتِي بُعِثَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا. 20- (قَدْ يُخَالِفُ العَالم لِـ) اعْتِقَادُهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّلَالَةَ (فِي الْحَدِيثِ) قَدْ عَارَضَهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً. مِثْلَ مُعَارَضَةِ الْعَامِّ بِخَاصِّ، أَوْ الْمُطْلَقِ بِمُقَيَّدِ، أَوْ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ بِمَا يَنْفِي الْوُجُوبَ، أَوْ الْحَقِيقَةَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَجَازِ. إلَى أَنْوَاعِ الْمُعَارَضَاتِ. وَهُوَ بَابٌ وَاسِعٌ أَيْضًا. 21- تَعَارُضَ دَلَالَاتِ الْأَقْوَالِ وَتَرْجِيحَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بَحْرٌ خِضَمٌّ. 22- (قَدْ يُخَالِفُ العَالم لِـ) اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ؛ أَوْ نَسْخِهِ؛ أَوْ تَأْوِيلِهِ إنْ كَانَ قَابِلًا لِلتَّأْوِيلِ، بِمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارَضًا بِالِاتِّفَاقِ مِثْلَ آيَةٍ، أَوْ حَدِيثٍ آخَرَ، أَوْ مِثْلَ إجْمَاعٍ. 23- الْإِجْمَاعُ الْمُدَّعى فِي الْغَالِبِ إنَّمَا هُوَ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ. 24- قَدْ وَجَدْنَا مِنْ أَعْيَانِ الْعُلَمَاءِ مَنْ صَارُوا إلَى الْقَوْلِ بِأَشْيَاءَ مُتَمَسَّكُهُمْ فِيهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُخَالِفِ، مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَدِلَّةِ عِنْدَهُمْ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ. 25- لَا يُمْكِنُ الْعَالِمُ أَنْ يَبْتَدِئَ قَوْلًا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ قَائِلًا؛ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا خِلَافَهُ، حَتَّى إنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُعَلِّقُ الْقَوْلَ فَيَقُولُ: "إنْ كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ إجْمَاعٌ فَهُوَ أَحَقُّ مَا يَتْبَعُ، وَإِلَّا فَالْقَوْلُ عِنْدِي كَذَا وَكَذَا". 26- غَايَةَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَعْلَمَ قَوْلَ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ أَدْرَكَهُمْ فِي بِلَادِهِ ولا يعلم أَقْوَالَ جَمَاعَاتٍ غَيْرِهِمْ، كَمَا تَجِدُ كَثِيرًا مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ الْمَدَنِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، وَكَثِيرًا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يَعْلَمُ إلَّا قَوْلَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمَتْبُوعِينَ وَمَا خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عِنْدَهُ يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بِهِ قَائِلًا، وَمَا زَالَ يَقْرَعُ سَمْعَهُ خِلَافُهُ. 27- الْإِجْمَاعُ أَعْظَمُ الْحُجَجِ. 28- وَلِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ مِنْ الْعُمُومِ وَنَحْوُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى نَصِّ الْحَدِيثِ) كَلَامٌ مَعْرُوفٌ، وَلِأَحْمَدَ فِيهَا رِسَالَتُهُ الْمَشْهُورَةُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ الِاسْتِغْنَاءَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ عَنْ تَفْسِيرِه بسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلقَدْ أَوْرَدَ فِيهَا مِنْ الدَّلَائِلِ مَا يَضِيقُ هَذَا الْمَوْضِعُ عَنْ ذِكْرِهِ. 29- وَفِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَالِمِ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ لَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَيْهَا؛ فَإِنَّ مَدَارِكَ الْعِلْمِ وَاسِعَةٌ، وَلَمْ نَطَّلِعْ نَحْنُ عَلَى جَمِيعِ مَا فِي بَوَاطِنِ الْعُلَمَاءِ. 30- وَالْعَالِمُ قَدْ يُبْدِي حُجَّتَهُ وَقَدْ لَا يُبْدِيهَا، وَإِذَا أَبْدَاهَا فَقَدْ تَبْلُغُنَا وَقَدْ لَا تَبْلُغُنا، وَإِذَا بَلَغَتْنَا فَقَدْ نُدْرِكُ مَوْضِعَ احْتِجَاجِهِ، وَقَدْ لَا نُدْرِكُهُ، سَوَاءٌ كَانَتْ الْحُجَّةُ صَوَابًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، أَمْ لَا. 31- لَا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَعْدِلَ عَنْ قَوْلٍ ظَهَرَتْ حُجَّتُهُ بِحَدِيثِ صَحِيحٍ وَافَقَهُ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ إلَى قَوْلٍ آخَرَ قَالَهُ عَالِمٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَا يَدْفَعُ بِهِ هَذِهِ الْحُجَّةَ وَإِنْ كَانَ أَعْلَم. 32- الْأَدِلَّةَ الشّـَرْعِيَّةَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى جَمِيعِ عِبَادِهِ، بِخِلَافِ رَأْيِ الْعَالِمِ. وَالدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ خَطًَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ دَلِيلٌ آخَرُ، وَرَأْيُ الْعَالِمِ لَيْسَ كَذَلِكَ. 33- وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يُعَارِضَ الْحَدِيثَ الصحيحَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- لِرَجُلِ سَأَلَهُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَهُ فِيهَا بِحَدِيثٍ، فَقَالَ لَهُ: "قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ" فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "يُوشِكُ أَنْ تَنْزِلَ عَلَيْكُمْ حِجَارَةٌ مِنْ السَّمَاءِ أَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَقُولُونَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ؟!" . 34- .فَإِذَا جَاءَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِيهِ تَحْلِيلٌ أَوْ تَحْرِيمٌ أَوْ حُكْمٌ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ التَّارِكَ لَهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ وَصَفْنَا أَسْبَابَ تَرْكِهِمْ يُعَاقَبُ؛ لِكَوْنِهِ حَلَّلَ الْحَرَامَ، أَوْ حَرَّمَ الْحَلَالَ؛ أَوْ حَكَمَ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ. وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ عَلَى فِعْلٍ: مِنْ لَعْنَةٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عَذَابٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ ذَلِكَ الْعَالِمَ الَّذِي أَبَاحَ هَذَا، أَوْ فَعَلَهُ، دَاخِلٌ فِي هَذَا الْوَعِيدِ. وَهَذَا مِمَّا لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْأُمَّةِ فِيهِ خِلَافًا، إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ بَعْضِ مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ، مِثْلَ المريس وَأَضْرَابِهِ: أَنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ الْمُخْطِئَ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ يُعَاقَبُ عَلَى خَطَئِهِ،. 35- لُحُوقَ الْوَعِيدِ لِمَنْ فَعَلَ الْمُحَرَّمَ مَشْرُوطٌ بِعِلْمِهِ بِالتَّحْرِيمِ؛ أَوْ بِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ؛ فَإِنَّ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ أَوْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهَا، لَمْ يَأْثَمْ، وَلَمْ يُحَدَّ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَنِدْ فِي اسْتِحْلَالِهِ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. 36- مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ الْمُحَرِّمُ، وَاسْتَنَدَ فِي الْإِبَاحَةِ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا (ممَّنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ أَوْ كَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ، وَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْرِيمِهَا،). 37- وَلِهَذَا كَانَ هَذَا (المجتهد) مَأْجُورًا مَحْمُودًا لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [الأنبياء: 78، 79]، فَاخْتَصَّ سُلَيْمَانَ بِالْفَهْمِ؛ وَأَثْنَى عَلَيْهِمَا بِالْحُكْمِ وَالْعِلْمِ. 38- الْمُجْتَهِدَ مَعَ خَطَئِهِ لَهُ أَجْرٌ؛ وَذَلِكَ لِأَجْلِ اجْتِهَادِهِ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ؛ لِأَنَّ دَرْكَ الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ أَعْيَانِ الْأَحْكَامِ، إمَّا مُتَعَذَّرٌ أَوْ مُتَعَسِّرٌ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]. 39- فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ عَامَ الْخَنْدَقِ: "لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"، فَأَدْرَكَتْهُمْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُصَلِّي إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يُرَدْ مِنَّا هَذَا؛ فَصَلُّوا فِي الطَّرِيقِ. فَلَمْ يَعِبْ وَاحِدَةً مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ. فَالْأَوَّلُونَ تَمَسَّكُوا بِعُمُومِ الْخِطَابِ، فَجَعَلُوا صُورَةَ الْفَوَاتِ دَاخِلَةً فِي الْعُمُومِ، وَالْآخَرُونَ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ الدَّلِيلِ مَا يُوجِبُ خُرُوجَ هَذِهِ الصُّورَةِ عَنْ الْعُمُومِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْمُبَادَرَةُ إلَى الذين حاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم ... فَاَلَّذِينَ صَلَّوْا فِي الطَّرِيقِ كَانُوا أَصْوَبَ فعلًا. 40- بِلَالٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَمَّا بَاعَ الصَّاعَيْنِ بِالصَّاعِ، أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَدِّهِ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى ذَلِكَ حُكْمَ آكِلِ الرِّبَا مِنْ التَّفْسِيقِ وَاللَّعْنِ وَالتَّغْلِيظِ، لِعَدَمِ عِلْمِهِ بمكانه بِالتَّحْرِيمِ. 41- فَأَشَارَ (الرَّسُولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إلَى عَدَمِ فِقْهِهِ (عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم) لِمَعْنَى الْكَلَامِ، (في مسألة الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ و الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ) وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ ذَمَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبَائِرِ. بِخِلَافِ الَّذِينَ أَفْتَوْا الْمَشْجُوجَ فِي الْبَرْدِ بِوُجُوبِ الْغَسْلِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: "قَتَلُوهُ، قَتَلَهُمْ اللَّهُ، هَلَّا سَأَلُوا إذَا لَمْ يَعْلَمُوا؟ إنَّمَا شِفَاءُ الْعَيِّ السُّؤَالُ" فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَخْطَئُوا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ؛ إذْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. 42- مَوَانِعُ لُحُوقِ الْوَعِيدِ مُتَعَدِّدَةٌ: مِنْهَا: التَّوْبَةُ، وَمِنْهَا: الِاسْتِغْفَارُ، وَمِنْهَا: الْحَسَنَاتُ الْمَاحِيَةُ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمِنْهَا: بَلَاءُ الدُّنْيَا وَمَصَائِبُهَا، وَمِنْهَا: شَفَاعَةُ شَفِيعٍ مُطَاعٍ، وَمِنْهَا: رَحْمَةُ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ. فَإِذَا عُدِمَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ كُلُّهَا، وَلَنْ تُعْدَمَ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ عَتَا وَتَمَرَّدَ وَشَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ الْبَعِيرِ عَلَى أَهْلِهِ، فَهُنَالِكَ يَلْحَقُ الْوَعِيدُ بِهِ. 43- حَقِيقَةَ الْوَعِيدِ: بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْعَمَلَ سَبَبٌ فِي هَذَا الْعَذَابِ، فَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ تَحْرِيمُ الْفِعْلِ وَقُبْحُهُ. أَمَّا أَنَّ كَلَّ شَخْصٍ قَامَ بِهِ ذَلِكَ السَّبَبُ، يَجِبُ وُقُوعُ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ بِهِ، فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا؛ لِتَوَقُّفِ ذَلِكَ الْمُسَبَّبِ عَلَى وُجُودِ الشَّرْطِ، وَزَوَالِ جَمِيعِ الْمَوَانِعِ. 44- لُحُوقَ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ بِصَاحِبِهِ إنَّمَا تُنَالُ لِمَنْ لَمْ يَتُبْ، وَقَدْ يَمْحُوهَا الِاسْتِغْفَارُ وَالْإِحْسَانُ وَالْبَلَاءُ وَالشَّفَاعَةُ وَالرَّحْمَةُ. 45- فَإِنَّا لَا نَعْتَقِدُ فِي الْقَوْمِ (الْعُلَمَاءِ الْمَحْمُودِينَ عِنْدَ الْأُمَّةِ) الْعِصْمَةَ، بَلْ نُجَوِّزُ عَلَيْهِمْ الذُّنُوبُ، وَنَرْجُو لَهُمْ -مَعَ ذَلِكَ- أَعْلَى الدَّرَجَاتِ؛ لِمَا اخْتَصَّهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَحْوَالِ السَّنِيَّةِ، وَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مُصِرِّينَ عَلَى ذَنْبٍ، وَلَيْسُوا بِأَعْلَى دَرَجَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ-. 46- عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ الْجَهَابِذَةُ فِيهِ الْمُتَبَحِّرُونَ فِي مَعْرِفَتِهِ -رحمهم الله- قَدْ يَحْصُلُ لَهُمْ الْيَقِينُ التَّامُّ بِأَخْبَارِ؛ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ قَدْ لَا يَظُنُّ صِدْقَهَا، فَضْلًا عَنْ الْعِلْمِ بِصِدْقِهَا. 47- الْخَبَرَ الْمُفِيدَ لِلْعِلْمِ يُفِيدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْمُخْبِرِينَ تَارَةً، وَمِنْ صِفَاتِ الْمُخْبِرِينَ أُخْرَى، وَمِنْ نَفْسِ الْإِخْبَارِ بِهِ أُخْرَى، وَمِنْ نَفْسِ إدْرَاكِ الْمُخْبِرِ لَهُ أُخْرَى، وَمِنْ الْأَمْرِ الْمُخْبَرِ بِهِ أُخْرَى. 48- كُلُّ مَنْ كَانَ بِالْأَخْبَارِ أَعْلَمَ، قَدْ يَقْطَعُ بِصِدْقِ أَخْبَارٍ لَا يَقْطَعُ بِصِدْقِهَا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ. 49- فَقَدْ يَقْطَعُ قَوْمٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِدَلَالَةِ أَحَادِيثَ لَا يَقْطَعُ بِهَا غَيْرُهُمْ، إمَّا لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَحْتَمِلُ إلَّا ذَلِكَ الْمَعْنَى، أَوْ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّ الْمَعْنَى الْآخَرَ يَمْنَعُ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ. 50- ذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ -وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ- إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ (أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ) حُجَّةٌ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْوَعِيدِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مَا زَالُوا يُثْبِتُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَعِيدَ، كَمَا يُثْبِتُونَ بِهَا الْعَمَلَ، وَيُصَرِّحُونَ بِلُحُوقِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِيهَا لِلْفَاعِلِ فِي الْجُمْلَةِ. وَهَذَا مُنْتَشِرٌ عَنْهُمْ فِي أَحَادِيثِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ. 51- فَثَبَتَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُتَضَمِّنَةَ لِلْوَعِيدِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا فِي مُقْتَضَاهَا: بِاعْتِقَادِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ الْفِعْلِ مُتَوَعَّدٌ بِذَلِكَ الْوَعِيدِ، لَكِنَّ لُحُوقَ الْوَعِيدِ بِهِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى شُرُوطٍ؛ وَلَهُ مَوَانِعُ. 52- قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ وَالْفُقَهَاءِ-: أَنَّ حُكْمَ اللَّهِ وَاحِدٌ وَأَنَّ مَنْ خَالَفَهُ بِاجْتِهَادِ سَائِغٍ، مُخْطِئٌ مَعْذُورٌ مَأْجُورٌ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ الَّذِي فَعَلَهُ الْمُتَأَوِّلُ بِعَيْنِهِ حَرَامًا، لَكِنْ لَا يَتَرَتَّبُ أَثَرُ التَّحْرِيمِ عَلَيْهِ، لِعَفْوِ اللَّهِ عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُكَلِّفُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا. 53- اللَّفْظُ الْعَامُّ إنْ أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَلَا بُدَّ مِنْ نَصْبِ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ، إمَّا مُقْتَرِنٍ بِالْخِطَابِ عِنْدَ مَنْ لَا يُجَوِّزُ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ، وَإِمَّا مُوَسِّعٍ فِي تَأْخِيرِهِ إلَى حِينِ الْحَاجَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. 54- وَلِهَذَا قِيلَ: احْذَرُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ، فَإِنَّهُ إذَا زَلَّ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:وَيْلٌ لِلْعَالِمِ مِنْ الْأَتْبَاعِ. 55- زِيَارَةُ النِّسَاءِ (للْقُبُورِ) رَخَّصَ فِيهَا بَعْضُهُمْ، وَكَرِهَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا. 56- أَحَادِيثَ الْوَعِيدِ إنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهَا بَيَانُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ سَبَبٌ لِتِلْكَ اللَّعْنَةِ. فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَذَا الْفِعْلُ سَبَبُ اللَّعْنِ. 57- بَيَانَ الْحُكْمِ سَبَبٌ لِزَوَالِ الشُّبْهَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ لُحُوقِ الْعِقَابِ؛ فَإِنَّ الْعُذْرَ الْحَاصِلَ بِالِاعْتِقَادِ لَيْسَ الْمَقْصُودُ بَقَاءَهُ، بَلْ الْمَطْلُوبُ زَوَالُهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلَوْلَا هَذَا لَمَا وَجَبَ بَيَانُ الْعِلْمِ، وَلَكَانَ تَرْكُ النَّاسِ عَلَى جَهْلِهِمْ خَيْرًا لَهُمْ، وَلَكَانَ تَرْكُ أَدِلَّة الْمَسَائِلِ الْمُشْتَبِهَةِ خَيْرًا مِنْ بَيَانِهَا. 58- الْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى تَحْرِيمِ لَعْنَةِ مُعَيَّنٍ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ ... (و) لَعْنَ الْمَوْصُوفِ لَا تَسْتَلْزِمُ إصَابَةَ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ، إلَّا إذَا وُجِدَتْ الشُّرُوطُ، وَارْتَفَعَتْ الْمَوَانِعُ. 59- الْعُلَمَاءَ مُتَّفِقُونَ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ فِيمَا اقْتَضَتْهُ مِنْ التَّحْرِيمِ. 60- مَا زَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْفُقَهَاءِ بَعْدَهُمْ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- أَجْمَعِينَ فِي خِطَاباتهِمْ وَكُتبِهِمْ، يَحْتَجُّونَ بِهَا (أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ) فِي مَوَارِدِ الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ. بَلْ إذَا كَانَ فِي الْحَدِيثِ وَعِيدٌ، كَانَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي اقْتِضَاءِ التَّحْرِيمِ عَلَى مَا تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ. 61- مَنْ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ -عليهم الصلاة والسلام- يَجُوزُ عَلَيْهِمْ الصَّغَائِرُ وَالْكَبَائِرُ، مَعَ إمْكَانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ صِدِّيقًا أَوْ شَهِيدًا أَوْ صَالِحًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مُوجَبَ الذَّنْبِ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بِتَوْبَةِ أَوْ اسْتِغْفَارٍ أَوْ حَسَنَاتٍ مَاحِيَةٍ أَوْ مَصَائِبَ مُكَفِّرَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ أَوْ لِمَحْضِ مَشِيئَة الله وَرَحْمَتِهِ. 62- الْقَوْلُ بِلُحُوقِ الْوَعِيد لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْأَفْرَادِ بِعَيْنِهِ. وَدَعْوَى أَنَّ هَذَا عَمَلٌ بِمُوجَبِ النُّصُوصِ. وَهَذَا أَقْبَحُ مِنْ قَوْلِ الْخَوَارِجِ الْمُكَفِّرِينَ بِالذُّنُوبِ، وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَفَسَادُهُ مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ من دين الإسلام، وَأَدِلَّتُهُ مَعْلُومَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. 63- لَا بُدَّ أَنْ نُؤْمِنَ بِالْكِتَابِ كلِّه، وَنَتَّبِعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا جَمِيعِهِ. وَلَا نُؤْمِنَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَنَكْفُرَ بِبَعْضِ. ولا تَلِينَ قُلُوبُنَا لِاتِّبَاعِ بَعْضِ السُّنَّةِ، وَتَنْفِرَ عَنْ قَبُولِ بَعْضِهَا بِحَسَبِ الْعَادَاتِ وَالْأَهْوَاءِ، فَإِنَّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، إلَى صِرَاطِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
علاج رباني لأخطر مرض
أ. د. علي فؤاد مخيمر
15-10-2020
10,885
https://www.alukah.net//culture/0/142552/%d8%b9%d9%84%d8%a7%d8%ac-%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b7%d8%b1-%d9%85%d8%b1%d8%b6/
علاج رباني لأخطر مرض عناصر الموضوع ♦ الحكمة الطبية من وراء إسدال العذبة : ♦ موضوعات متنوعة : ♦ جنود الله للدفاع عن جسم الإنسان: ♦ حركات لا إرادية ولا شعورية بداخلك: ♦ هل تعلم ما هي منطقة الكذب والصدق في جسدك؟ ♦ معجزة البصمة: ♦ هل تعلم أن بجسدك 360 مفصلًا؟ ♦ لماذا خَلَقَنا الله تعالى على هذه الهيئة؟ ♦ لماذا خَلَق الله تعالى الخصية في كيس خارج الجسم؟ ♦ النهي عن الشُّرب والأكل واقفًا: ♦ الوضوء وقاية مِن الميكروبات والجراثيم: ♦ الإعجاز النبوي في تخليل الأصابع: ♦ الصلاة تلك المصحَّة الربانية: ♦ مِن فوائد الصلاة البدَنيَّة: ♦ مِن فوائد السجود سَحْب الشحنات الكهربائية الضارة من الجسم: ♦ هل تعلم مكونات جسم الإنسان المادي؟ ♦ عُجْب الذنَب أصل الإنسان الذي لا يبلى: ♦ الزائدة الدودية تشهد على وجود الله: ♦ أكبر عضو في جسم الإنسان: ♦ الحكمة الإلهية مِن وُجود الأظافر: قال تعالى عن أصحاب الكهف وهم نيام: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]، قد لا ننتبه إلى أن هذه الكلمات القليلة تُمثِّل إعجازًا علميًّا يفوق حدَّ الخيال؛ فإنَّ مِن الأمراض الخطيرة التي يعاني منها المرضى في المشافي (قرحة الفراش )، فالمرضى الذين تضطرهم أمراضُهم إلى البقاء طويلًا على السرير ككسر في الحوض، أو العمود الفقري، أو شلل، أو في حالات النوم الطويل، هذه الحالاتُ المرضية تستوجب أن يبقى المريضُ مستلقيًا على ظهره أيامًا طويلة بل شهورًا! فالإنسانُ له وزن كليٌّ، لكن إذا استلقى على السرير فإن وزن هيكله العظمي مع ما فوقه من عضلات وأنسجة يضغط على الجزء الذي تحت الهيكل العظمي، وإذا ضغطت العضلات والنسيج، فالأوعيةُ الدموية التي في هذه العضلات والنسيج تَضيق؛ فيقلّ وصولُ الدم إلى هذه الأماكن، وينشأ حولها تقرُّحات مُزعجة جدًّا. فلو نظرنا إلى الإنسان وهو نائمٌ يتقلَّب في الليلة الواحدة ما يزيد على أربعين مرة، وهو لا يدري ذلك؛ لأن الجسم إذا ضغط على جهة معينة ضاقت الشرايين فيَضْعُف وصول الدم، ومن ثَم ينتقل هذا الإحساسُ بالضغط إلى المخ والإنسان نائم، والمخ يصدر أمرًا بالحركة، ومن الإعجاز العلمي في قوله تعالى: ﴿ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ﴾ [الكهف: 18]، لو قلَّبَهم في جهة واحدة لوقعوا من المكان الذي ينامون عليه، ولكن التقلُّب ذات اليمين وذات الشمال لكي يبقوا في إطار المكان. فالمرضى الذين لا بد مِن أن يبقوا على السرير مدةً طويلةً تزيد على بضعة أشهر، لا بد من تقليبهم باليد، وإلا تقرَّحتْ أجسامهم وتسلَّختْ، وقد يُشفى المريض من المرض الذي أقعده، ويموت بسبب هذا المرض اللعين (قرحة الفراش)، ومِن هنا قدَّم التقدم العلمي بعض الأسِرَّة التي تهتزُّ بشكل دائم بفعل مُحرِّك كهربائي مِن أجل أن تقي المريض قرحةَ السرير، فلولا أن الله قلَّب أهل الكهف ذات اليمين وذات الشمال، لما بقَوا في كهفهم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعًا، دون أن يُصابوا بهذه التقرُّحات. إنَّ أكثرَ الأجزاء مِن الجسد إصابةً بهذا المرض الخطير: المنطقة العضدية والأليتان، ولوحا الكتفين، وكعبا القدمين، هذه الأماكن فيها عظام فيضغط وينعدم وصول الدم [إليها] فيموت النسيج، ويسود ويتقرَّح الجلد عفنًا، عافاكم الله. الحكمة الطبية من وراء إسدال العذبة: أثبت الأطباءُ الحكمة مِن وراء فِعْل النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتمَّ أسدل طرفي العمامة بين منكبيه، وكما هي هيئة رجال الجمعية الشرعية لأَخْذِهم مِن هدي النبي صلى الله عليه وسلم. فإسدالُ العذبة على منطقة جذع المخ يُؤدي إلى حماية مراكز تحكُّم وتنظيم درجة حرارة الجسم الموجودة في جذع المخ؛ فإسدال العذبة حمايةٌ لهذه المنطقة، ومظلة لها مِن ضربة الشمس. وقد وَرَد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذيُّ وحسَّنه ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُسدل عمامته بين كتفيه، وروى مسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي عن جابرٍ رضي الله عنه قال: دَخَل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يوم فَتْح مكة، وعليه عمامة سوداء، زاد النسائي: قد أرخى طرف العذبة بين كتفيه، ورُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « عليكم بالعمائم؛ فإنها سيماء الملائكة، وأرخوها خلْفَ ظهوركم »؛ رواه الطبراني عن طريق عيسى بن يونس عن ابن عمر رضي الله عنهما. وروى أبو يعلى والبزار - برجال ثقات - وابن أبي الدنيا والطبراني والبيهقي في الزُّهد، وحَسَّن إسناده أبو الحسن الهيثمي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهَّز لسرية يَبْعَثُها، فأصبح عبدالرحمن وقد اعتمَّ بعمامة كرابيس سوداء، فنقضها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وعمَّمه، وأرخى له أربع أصابع، أو قريبًا مِن شبرٍ، ثم قال: « هكذا فاعتم يا بن عوف؛ فإنه أعرب وأحسن ». موضوعات متنوعة : لو أَطْلَقْنا لأنفسنا العنان في تدبُّر عظمة الخالق في خَلْق الإنسان، فلن ننتهي مِن الحديث عنه أبدًا. ويطول بنا المقامُ لو تتبَّعنا عمل الأجهزة المختلفة في جسم الإنسان، وما فيها مِن خوارق ومعجزاتٍ، وإنما نضرب الأمثلةَ لبعض هذه المعجزات التي يحتويها جسمُ الإنسان، وما ذاك إلا قطرة مِن هذا البحر الزاخر من الإعجاز الرباني والإبداع الإلهي في خلق الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]،وقال:﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]. لقد أجهد العلماء في البحث عن إبراز هذه الحقائق الثابتة في الخلق، وما زال البحثُ مستمرًّا للكشف عما تحتويه كلماتُ القرآن الكريم. جنود الله للدفاع عن جسم الإنسان: مِن المعلوم أن جهاز المناعة في جسم الإنسان هو المسؤول عن حمايته مِن الجراثيم والميكروبات، فهو أشبه بجيشٍ يمتلك أعظمَ الأسلحة الحديثة لمواجهة الأعداء، فالجهاز المناعي لا يترك ثغرةً يتسلَّل منها عدوٌّ لمهاجمة الجسم، وهناك أربعة خطوط للدفاع عن الجسم: الأول: يتمثَّل في الجلد وإفرازاته التي تُقاوم الفطريات والميكروبات، ودموع العين التي تحتوي على أملاح مقاومة لبعض الميكروبات. الثاني: يتمثَّل في الخلايا الليمفاوية التي تعمل على مدار 24 ساعة بيقظةٍ ونشاطٍ. الثالث: يتمثَّل في نوعٍ مِن الخلايا المقاتلة، تتمُّ صناعتها بسرعة بعد الحصول على معلوماتٍ دقيقةٍ عن نوع العدو الذي عجزتْ خطوط الدفاع الأخرى عن مواجهتها؛ لكي تتمكَّن وتُصبح قادرةً على هزيمتها. الرابع: كرات الدم البيضاء، وعددها 5000 - 11 ألفًا، تزداد في حالة هجوم ميكروبي للجسم، وتقلُّ إذا حدَث خلل في الجهاز المناعي، وهذا يُؤدي إلى تعرُّض الجسم إلى أقل وأضعف ميكروب؛ ولهذا فإن مدافع وصواريخ جهاز المناعة تُصاب أحيانًا بخللٍ يُفقدها الاتجاه الصحيح؛ فتنطلق بعضُ قذائفها ضد أحد أعضاء الجسم بدلًا مِن تصويبها نحو العدو، فعند إصابة هذا الجهاز بالمرض أو العَجْز، تتسلَّل إلى الجسم الميكروبات بلا حاجزٍ أو رادعٍ بسبب عجزه عن مواجهتها، ولعل مرض الإيدز خيرُ مثالٍ على هذا، فلا يمكن محاسبة جهاز المناعة عن هجوم فيروس الإيدز عليه؛ لأنه يكون في حالة عجزٍ عن مواجهة الميكروبات، وهناك جدلٌ بين العلماء والأبحاث العلمية حول عَجْز المناعة عن التمييز بين العدو والصديق أو القريب، فإذا حدث خللٌ في الجهاز توهَّم أنَّ أحد أجزاء الجسم دخيلٌ عليه أو عدوٌّ فيُعلن التعبئة العامة، ويحشد جيوشه لتبدأ أغرب مأساة داخل الجسم الواحد، فيُهاجم جهازُ المناعة جزءًا مِن كيانه بسبب اضطرابٍ في التمييز بين العدوِّ والصديق، أو بين جزء من الجسم أو مِن خارجه؛ لذلك ظهرتْ مجموعة أمراض سُميتْ أمراض المناعة الذاتية وهي كثيرةٌ، ومِن أشهر أمراض المناعة المعروفة لدى الجميع (الروماتويد)؛ حيث تهاجم أسلحة جهاز المناعة المفاصل والغضاريف مما يُسفر عن آلامٍ صعبة، وغالبًا ما يتركَّز في الأطراف مثل مفاصل اليد وأصابعها. فالأبحاثُ العلمية الحديثة أشارتْ إلى اتهام جهاز المناعة بمسؤوليته عن الإصابة بمرض السكر، فهو الذي يهاجم الخلايا الحيوية في البنكرياس المسؤولة عن إفراز هرمون الأنسولين، واقترحتْ بعض الدراسات إعطاء بعض العقاقير منذ الصغر حتى يتمَّ وقف الهجوم ضد خلايا البنكرياس! حركات لا إرادية ولا شعورية بداخلك: وهذه الحركاتُ كثيرة داخل الإنسان؛ حيث إنها تبدأ مع السطور الأولى للحياة منذ أن كان المرء طفلًا، ففي أقل من ربع ثانية يحدث تنسيقٌ دقيق لثلاث عمليات أثناء بلع الطعام هي: 1- ينفتح المدخل التنفُّسي للقصبة الهوائية بواسطة لسان المزمار. 2- ينفتح مدخل المريء. 3- يتوقَّف الجهاز التنفُّسي لفترة قصيرة جدًّا. وهذه الحركاتُ اللاإرادية واللاشعورية تحدث في اليوم الواحد آلاف المرات، ولا يشعر بها الإنسانُ. وإذا أردتَ أن تحسَّ بذلك، فاصرفْ حسَّك وشعورك وركِّزهما عند حركات فمك الداخلية عند بَلْع الريق، مُركزًا الانتباه لما يحدث عند قاع الفم، وستشعر أن هناك مجرًى قد انفتح وآخر قد انغلق، وأنك لا يمكنك أن تُخرج أو تُدخل النفَس في تلك اللحظة، وتتكرر العملية نفسها حركيًّا وديناميكيًّا أثناء المعاشرة الجنسية عند قذف السائل المنوي، في تلك اللحظة يكون الجهاز التناسلي كلُّه محتقنًا، وإفرازات البروستاتا جاهزة، وعندما تتوتَّر العضلات ويأذن لها المؤثِّر الخارجي بالإفراغ، يُعطيها العصب السمبثاوي الإشارة؛ فيقوم صمام المثانة مباشرةً بغلق ممرِّ البول، وفتح ممرِّ البروستاتا والسائل المنوي مِن الخصية، فتحدث عمليتان في لحظة خروج السائل هما: 1- غلق ممر ماء البول. 2- فتح قناة البروستاتا؛ حتى لا يختلطَ البول بالسائل المنوي. وللتأكُّد مِن ذلك: يُلاحظ الرجلُ أنه بعد الممارسة الجنسية، وبعد عملية القذف مباشرةً، لو حاول التبوُّل لوَجَد شبه احتباس بولي مؤقَّت، ويحتاج إلى شيء من الضغط حتى ينزل البول؛ لأن الصمام البولي للمثانة ما زال تحت تأثير الإشارات العصبية القوية. هل تعلم ما هي منطقة الكذب والصدق في جسدك؟ إنها الناصية التي ذُكِرَتْ في القرآن الكريم منذ ما يزيد عن 1400 سنة في قوله تعالى: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16]، والناصيةُ: هي مُقدمة الرأس، وقد أُجريت العديد مِن الأبحاث والتجارب، وتم الْتِقاط العديد مِن الصور لجميع أجزاء الدماغ، فوَجَد العلماء أن الإنسان عندما يكذب، فإنَّ هناك نشاطًا كثيرًا تُظهره الصورُ المغناطيسية في منطقةٍ محددةٍ في المخ، وهي أعلى مُقدمة الرأس، وعندما يكون الإنسان صادقًا تكون هذه المنطقة مِن الدماغ في حالة نشاط أيضًا؛ فأمكن للعلماء استنتاج أن منطقة الناصية هي المسؤولة عن الصدق والكذب، ولقد أثبتت التجارب الجديدة على المخ بطريقة التصوير بالرنين المغناطيسي أن الإنسان عندما يكذب فإن دماغه يعمل أكثر، ومن ثَم يتطلَّب طاقةً أكبرَ، وهذا يعني: أن الصدق يُوفِّر طاقةً للمخ. واستطاع العلماءُ الكَشْف عن الكذب عند المجرمين الذين يخدعون أجهزة الكشف عن الكذب باستخدام تقنية مسح المخ؛ حيث إن الإنسان لا يستطيع التحكُّم في المنطقة الأمامية في دماغه التي تكون أكثر نشاطًا عندما يكذب، وذلك برصد حركة الدم وسرعة تدفُّق الدم، وبالطبع فإن المنطقة ذات التدفُّق الأكبر تكون هي الأنشط، وكما هو معروف فإن الجزء الأمامي من الدماغ هو أهم جزء في الدماغ؛ حيث يتمُّ فيه توجيه الإنسان والحيوان، ويتمُّ فيه اتخاذ القرارات المهمة والتخطيط للخير والشر؛ فبهذه الأبحاث أُكِّدتْ هذه الحقائق منذ سنواتٍ قليلة، مع أن القرآن الكريم أول كتاب تحدَّث عن هذه المنطقة؛ يقول ربُّ العزة: ﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [هود: 56] ، وقال سبحانه: ﴿ كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ* نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴾ [العلق: 15، 16]،هكذا ينسب القرآن الكذب والخطأ إلى الناصية منذ أكثر مِن أربعة عشر قرنًا، وفي الحديث الشريف قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمَتِك، ناصيتي بيدِك))؛(أخرجه أحمد والطبراني)، فمن هنا يُفهم أيضًا أن الناصية مركز القيادة، ولحكمةٍ يعلمها الله شرَع الله أن تسجدَ هذه الناصية لله تعالى. معجزة البصمة: لقد توصَّل العلم إلى البصمة في القرن التاسع عشر، وبيَّن أن البصمةَ تتكوَّن من خطوط بارزة في بشرة الجلد، تجاورها منخفضات، ويوجد بها فتحات المسام العَرَقية، وتتلوَّى هذه الخطوط، وتتفرَّع فروعًا لتأخذ في النهاية وفي كل شخص شكلًا مميزًا. وقد ثبت أنه لا يمكن للبصمة أن تتطابق وتتماثَل في شخصينِ في العالم، حتى في التوائم المتماثلة التي أصلها مِن بويضةٍ واحدة، وإن تشابهتْ في ( DNA )؛ حيث تتكوَّن البصمة في الجنين في الشهر الرابع، وتظلُّ ثابتةً ومميزةً له طوال حياته؛ ولذلك تعدُّ البصمة دليلًا قاطعًا ومميزًا لشخصية الإنسان، معمولًا بها في أنحاء العالم للكشف عن المجرمين واللصوص. ويلفت القرآنُ الكريم الانتباه إلى أطراف الإنسان بصفة خاصةٍ في قوله تعالى: ﴿ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ﴾ [القيامة: 4]؛ ليبين للإنسان ولو بعد قرون مِن نزول القرآن أنَّ الله قادر على أن يُعيد بناء ما يميِّزه عن باقي بني البشر مِن سيدنا آدم إلى قيام الساعة، وهذا بيانٌ كافٍ لأن يؤمن الإنسانُ بأن البعث حقٌّ، كما أن الموت حقٌّ. هل تعلم أن بجسدك 360 مفصلًا؟ روى الإمام مسلم عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنه خُلِقَ كلُّ إنسان مِن بني آدم على ستين وثلاثمائة مَفْصلٍ؛ فمَنْ كبَّر الله، وحمد الله، وسبَّح الله، واستغفر الله، وعزَلَ حجرًا عن طريق الناس أو شوكةً أو عظمًا عن طريق الناس، وأَمَر بمعروفٍ، ونهى عن منكرٍ، عَدَدَ تلك الستين والثلاثمائة السُّلامى، فإنه يمشي يومئذٍ وقد زَحْزَحَ نفسه عن النار)). فالمفاصلُ هي التقاءُ العظام بعضها مع بعض، وأغلبها مُتحرِّك، ولكن بعضها ثابت كمفاصل جمجمة الرأس. والأمرُ المُعجِز في هذا الحديث: أن يُحدِّد المصطفى صلى الله عليه وسلم عددَ مفاصل جسم الإنسان هذا التحديد الدقيق في زمنٍ لا يعرف الإنسانُ فيه أدنى علم عن تشريح الإنسان! وقد أثبت العلمُ الحديث هذه الحقيقة في أواخر القرن العشرين، وبيَّن أن منها 147 مفصلًا بالعمود الفقري، و24 مفصلًا بالصدر، و86 مفصلًا بالنصف العلوي مِن الجسم، و88 مفصلًا بنصفه السفلي، و15 مفصلًا بالحوض. فإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة العلمية إعجازٌ رباني؛ لأن الله سبحانه وتعالى يعلم أن الإنسانَ سيصل في يوم من الأيام إلى إدراك هذه الحقيقة التشريحية لجسم الإنسان، فتكون معجزةً له صلى الله عليه وسلم دالةً على صِدْق النبوة واتصاله بوحي السماء. والمعجزةُ الإلهية أنه مِن البدهي أن أية مادة تحتكُّ وتتحرَّك بالنسبة لمادة أخرى، لا بد أن تبلى، طال الزمانُ أو قَصُر، وإنْ توافر لها عواملُ التزييت والتشحيم، أما مفاصل الإنسان فقد امتلكت الحيوية والكفاءة الربانية التي تمدها (بزيتها) العمر كله، وهو زيتٌ يختلف كل الاختلاف عن زيوتنا وشحوماتنا؛ لأن زيت الحياة سائلٌ مائي أشبه ما يكون ببلازما الدم، وهذا السائلُ يخرج مِن نهاية المفاصل، ونهاية المفاصل بدورها محاطة بطبقة مِن النسيج الغضروفي المرن، ويحيط به غشاء صُلْب نسبيًّا يُعرف باسم: الغشاء المزلقي، وللعلم فإنَّ سُمك السائل الفاصل بين المفاصل يقع في حدود جزءٍ مِن عشرة ملايين جزء مِن المليمتر، وهذه دقة في الصنع ما بعدها دقة! فتبارك الله أحسن الخالقين. لما كان الإنسانُ كثيرَ النسيان، فقد أمره الله سبحانه وتعالى بالتأمُّل في ذاته؛ ليرى العجائبَ والمعجزات الكثيرة التي لا تُعدُّ ولا تُحصى، ويرى كيف ركب في هذا البناء الدقيق الذي يحتوي بداخله على أسرار وألغازٍ يُظهرها البحث العلمي بين الحين والحين. والسؤالُ الذي يَطْرَح نفسه الآن: لماذا خَلَقَنا الله تعالى على هذه الهيئة؟ حين نُجيب عن ذلك: نجد أن هيئة الإنسان بها صناديق متعددة لتحويَ بداخلها أعضاء مهمة وخطيرة؛ فالقلبُ والرئتان داخل قفص عظميٍّ يتكون من العمود الفقري وضلوع الصدر لحمايتهما مِن أي مؤثرات خارجية، فتخيَّل لو أن القلبَ في متناول الصدمات والكدمات لحدثتْ مشكلات كثيرة تضرُّ بالإنسان! وكذلك نجد الأعضاء الرقيقة - كالمخ والنخاع - تحتويها صناديقُ عظمية، مُبطَّنة بأغشية ومواد سائلة لَزِجة لحمايتها مِن الصدمات. نجد المثانة والرحم والمبايض في صندوقٍ عظميٍّ فيما يُسمَّى بعظم الحوض لحمايتها مِن العبَث بها. وإذا دقَّقْنا النظر في عِلْم التشريح نجد أن الأعضاء الزوجية تقع على بُعدٍ متساوٍ تمامًا، سواء أكانتْ هذه الأعضاءُ ظاهرةً أم باطنةً، فإذا مُدَّ خط وهمي رأسي مِن منتصف الرأس ليقسم الإنسان إلى قسمين، نرى أن كل عين على مسافة متساوية مِن هذا الخط مع العين الأخرى، وكذلك الأنف والأذن والكليتان والمبايض والخصيتان والثديان والرجلان واليدان وغير ذلك، فإن وَضْع أعضاء الجسم في هذا النظام الرباني يُحقِّق أحسنَ تقويم للإنسان، وصدَق رب العزة إذ يقول: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين:4]. أخي الكريم، انظرْ إلى أي عضو في جسمك، وركِّز النظرَ لتجد آيةً مِن آيات الله تنطق بحال لسان هذا العضو على عظَمة الخالق سبحانه، فمثلًا الأوعية الدموية التي تجعل الدم يسير في اتجاهٍ واحدٍ مهما تغيَّرتْ أوضاع الإنسان. ولو نظرتَ إلى قدرة الله التي جعلت القصبة الهوائية مفتوحةً على الدوام بأنْ خَلَقَها على هيئة حلقات غضروفية مفتوحة باستمرار مِن حيث إنَّ حاجة الجسم إلى الهواء مستمرة. وانظر إلى العين تجد بها جفنًا يحميها مِن الأذى، وكذلك للجفن شعر يعكس الشمس عنها كمظلة إلهية لهذا العضو الحساس، وكذلك تجد للعين ماءً تفرزه غُددٌ، يجعلها لا تجفُّ ويحميها مِن الإصابة بالأمراض والميكروبات؛ حيث أثبت العلم الحديث أن ماء العين به مواد كيميائية تحمي العين مِن غَزْو الميكروبات. وتجد في الأنف شعيرات تحجز الأتربة، وتدفئ الهواء ليدخل التجويف، وهو متلائم مع درجة الحرارة الداخلية. وانظرْ كيف تخرج إفرازات الأذن مِن الداخل إلى الخارج بواسطة الأهداب التي لا تُرى بالعين المجرَّدة، كما أنه توجد أهداب تُساعد على دخول أشياء مثل أهداب قناة فالوب التي تلتقم البويضة مِن المبيض، ثم تُدخلها إلى القناة، ثم إلى تجويف الرحم. لماذا خَلَق الله تعالى الخصية في كيس خارج الجسم؟ فلو نَظَرْنا إلى عظَمة خلق الخصية، وهي العضوُ الوحيد الذي يقوم بوظائفه المتعددة في درجة حرارة أقل مِن درجة حرارة الجسم، وهي لذلك جعلها رب العزة خارج الجسم، وبداخل كيس الصفن الذي يحتوي على خلايا مُنظِّمة لدرجة الحرارة (تكييف رباني) لإنتاج الحيوانات المنوية، فإذا بقيت الخصيةُ داخل جسم الإنسان (الخصية المعلقة)؛ أي: التي لم تنزل في الكيس - فإن الخصية تتعرَّض للتلف الأبدي، فتفقد المقدرة على تكوين النُّطَف المنوية؛ ومن ثَم قد يُصاب هذا الذكَرُ بالعقم، وسبب تلف الخصية المستوقفة أنها وُضعتْ في مكانٍ لا يتلاءم مع الحرارة المطلوبة لتكوين الحيوانات المنوية؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2]. كلُّ هذه الظواهر وغيرها تُشير إلى أن وراءها خالقًا حكيمًا سبحانه، جَعَل هذه الأجهزة تتناغم مع بعضها بعضًا، كلُّ عضو بل كل خلية تقوم بدورها على أحسن وجهٍ، حتى وقت نوم الإنسان وذهاب الوعي لا تتوقف عن العمل، فالتنفُّس يعمل، والدورة الدموية لا تنام، والقلب يَقِظ للعمل بانتظام. النهي عن الشُّرب والأكل واقفًا: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الشُّرب قائمًا؛ (رواه مسلم)، وهناك أحاديثُ كثيرة في هذا الشأن، ولكن حسبي هنا أن أبرز البحث العلمي، وما توصَّل إليه العلماءُ في ذلك؛ فالشُّربُ وتناول الطعام جالسًا أصحُّ وأسلمُ وأهنأُ؛ حيث ينزل الماء والأكل على جدران المعدة بتُؤَدة ولطفٍ، وأما الشرب واقفًا فيؤدي إلى تساقُط السائل بعنف إلى قعر المعدة، ويصدمها صدمًا، وإن تَكرار هذه العملية يؤدي إلى استرخاء المعدة، وعُسر الهضم، وقرحة المعدة! ويرى الأطباء أن الإنسان في حالة الوقوف يكون متوترًا، ويكون الجهاز العصبي نشطًا للسيطرة على عضلات الجسم؛ لكي تتمَّ عملية التوازن والوقوف منتصبًا. وأثبت العلمُ أن الطعام والشراب قد يؤدي تناولهما في حالة الوقوف إلى إحداث انعكاساتٍ عصبيةٍ شديدةٍ، تقوم بها نهايات العصب المبهم المنتشرة ببطانة المعدة، هذا العصب مربوط بالمعدة والقلب؛ فالتنبيه العنيف لهذا العصب بالماء البارد مثلًا يؤدي إلى انعكاساتٍ خطيرة، وإطلاق شرارة النهي العصبي الخطيرة ربما نبَّه القلب فأوقفه عن العمل، وهناك حالات موت مفاجئ كثيرة بسبب التنبيه الشديد جدًّا لهذا العصب المبهم! وأثبت أطباء الأشعة أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون عرضةً لصدمات اللقم وجرعات الأشربة بنسبة تبلغ 95% مِن حالات الإصابة بالقرحة. كما أثبت الطب الحديث أن عملية التوازن أثناء الوقوف تُرافقها تشنُّجات عضَلية في المريء تُعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة. ومِن هنا ننصح في حالات الحر الشديد، وفي الجهد العالي - أن يشرب الماء القليل وعلى فترات، وهذا ما أرشدنا إليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم في حديثه عن أنس بن مالك، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنفَّس في الشراب ثلاثًا، ويقول: ((إنه أَمْرَأُ وأَرْوَى))؛ (رواه مسلم)؛ أي: إنه يشرب على ثلاث دفعات. الوضوء وقاية مِن الميكروبات والجراثيم: أثبت العلم الحديث أنَّ الإنسان الذي يتوضَّأ في اليوم خمس مرات، يُنظف أنفه وفمه مِن الجراثيم والأتربة والمتعلقات. ولقد أُجري العديد مِن الفحوصات على عددٍ مِن الذين يتوضَّؤون باستمرار، وظَهَر عندهم الأنفُ والفم نظيفينِ خاليينِ مِن الميكروبات، أمَّا الذين لا يتوضَّؤون فقد وُجِدَتْ عندهم كميات كبيرة مِن الميكروبات العنقودية الشديدة العدوى والكروية السبحية السريعة الانتشار وغير ذلك، وأثبت العلماء أن التسمُّم الذاتي يحدث نتيجة نمو وتكاثُر الميكروبات الضارة في تجويفي الأنف والفم، ومنهما إلى داخل المعدة والأمعاء، وتؤدي إلى الالتهابات المتعددة؛ لذلك شرع الاستنشاق بصورة متكررة ثلاث مرات في كل وضوء. أما المضمضة فقد ثبت علميًّا أنها تحفظ الفم والبلعوم مِن الالتهابات وتقيُّح اللثة، وتقي الأسنان مِن التسوس، وإضافة إلى ذلك فإن المضمضة تُنمِّي وتقوِّي بعض عضلات الوجه، أمَّا غسل الوجه واليدين إلى المرفقين والقدمين - فيزيل الغبار وما يحتوي عليه من الجراثيم، فضلًا عن تنظيف البشرة مِن المواد الدهنية التي تُفرزها الغُدد الجلدية، بالإضافة إلى إزالة العرق، فإذا أهمل الإنسانُ في نظافة جلده فترةً طويلةً بدون غسلٍ، فإن إفرازات الجلد المختلفة مِن دهون وعرق تتراكم على سطح الجلد مُحدثةً حكَّةً شديدةً. وهناك فائدة أخرى للوضوء، وهي تنشيط الدورة الدموية في الأطراف العلوية مِن اليدين والساعدين، والأطراف السفلية مِن القدمين والساقين، فإن تدليكها يُنشِّط الأطراف، ويزيد مِن نشاطها وفعاليتها. كما توصَّل أحدُ العلماء إلى أنَّ سقوط أشعة الضوء على الماء أثناء الوضوء يُؤدي إلى انطلاق أيونات سالبة، ويُقلِّل الأيونات الموجبة؛ مما يُؤدي إلى استرخاء الأعصاب والعضلات، ويتخلَّص الجسم مِن ارتفاع ضغط الدم والآلام العضليَّة، وحالات القلق والأرق؛ إذًا فالوضوء هو أفضل وسيلة للاسترخاء وإزالة التوتر، ومِن هنا يتجلَّى الإعجاز العلمي في شرعية الوضوء في الإسلام لمصلحة جسم الإنسان. الإعجاز النبوي في تخليل الأصابع: لقد ثبَت طبيًّا أن أمراض الحساسية في الجلد يكون سببها ناشئًا مِن بين أصابع الرجلين؛ خاصة لأنَّ أصابع الرجلين محبوسة طوال اليوم، وبخاصة في فترة العمل تكون داخل الحذاء؛ مما يؤدي إلى أمراض والتهابات وتكوين فطريات. أما بالنسبة لليدين: فالأصابع فيهما عرضةٌ للتلوث؛ لأنهما أداة العمل، والأخذ والعطاء، وعادة تتراكم القاذورات والأوساخ بين الأصابع؛ لذلك اعتنت السنة المطهَّرة بتخليل الأصابع؛ صيانةً للجسد من الأذى، ومعلوم أن صحة الأبدان لها أثرها الفعَّال في أداء العبادات، والقدرة على أداء مهام حياة الإنسان، وهناك فوائدُ كثيرة، وإنما هذا غيضٌ من فيض، وقليلٌ مِن كثير. الصلاة تلك المصحَّة الربانية: الصلاة هي الدواء الناجع، والشفاء الرباني لكل أمراض الدنيا البدنية والعضوية والنفسية والعصبية؛ ففي عملية الصلاة تتحرَّك كلُّ عضلة مِن عضلات الجسم، صغرتْ أم كبرتْ، وفي هذا صيانةٌ لها، وتدريبٌ لتقويتها. فجِسْمُ الإنسان يتكوَّن مِن عظامٍ ومفاصل وعضلات وشرايين وأوردة وأعصاب وأجهزة، ولكنها تحتاج إلى تزييتٍ وتشحيمٍ كلَّ يومٍ بالحركة المنتظمة، فالنومُ والراحة التامة يصيبانها بالكسل والملل والتيبُّس، ولعل وجَع الظهر أو جلطة الساقين الوريدية تأتي للأفراد الذين يُؤْثِرون الراحة التامة. مِن فوائد الصلاة البدَنيَّة: تحسينُ عمَل القلب، وتوسيعُ الشرايين والأوردة، وإنعاش الخلايا، وتنشيط الجهاز الهضمي، ومكافحة الإمساك، وإزالة العصبية والأرق، وزيادة المناعة، وتقوية العضلات، وزيادة مُرونة المفاصل، وإزالة التيبُّس، وتقوية الأوتار والأربطة، وزيادة مرونتها، وإصلاح العيوب الجسمية، وتشوُّهات القوام والوقاية منها. وقد ثبَت علميًّا أنه يندر بين المصلين ضيق الصدر الذي هو بسبب تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون في الرئتين؛ فأداءُ الصلاة خمس مرات كلَّ يومٍ - خيرُ وسيلة لجني فوائد التمرينات الرياضية، فأوقاتها أنسب الأوقات التي يُوصى فيها بأداء التمارين، فقبل الشروق حيث الجو النقي، وحيث الجسم ما زال متأثرًا بالنوم، وفي الظهيرة حيث حلَّ بالجسم تعبُ العمل، وفي العصر حيث قارب يوم العمل أن ينتهي، وفي الغروب حيث يبدأ الإنسان استعداده لراحة الليل، وفي العشاء حيث يختم الإنسانُ يومه؛ يقول بعض علماء الطب: لعلَّ الصلاة هي أعظم طاقة مولِّدة للنشاط عُرفتْ إلى يومنا هذا! وكم من أمراضٍ فشلت العقاقير في علاجها، فلما رفع الطب يديه عجزًا وتسليمًا دخلت الصلاة، فبرأتهم مِن عِلَلِهم! ومِن هنا نجد ما يؤكِّد لنا هذا في السنة النبوية وهو حديثُ النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول: ((يا بلال، أرحنا بالصلاة)). مِن فوائد السجود سَحْب الشحنات الكهربائية الضارة من الجسم: جِسْمُ الإنسان يستقبل قدرًا كبيرًا مِن الأشعة الكهرومغناطيسية يوميًّا مِن الأجهزة الكهربائية التي يستخدمها الإنسانُ والآلات المتعددة التي لا يُستغنى عنها، ويعتبر جسم الإنسان جهاز استقبال كميات كبيرة مِن الأشعة الكهرومغناطيسية، ويعني ذلك أنك مشحون بالكهرباء وأنت لا تشعر، ومن هنا قدَّم باحثٌ غربيٌّ غير مسلم بحثًا علميًّا مفاده: إن أفضل طريقة لتخلُّص جسم الإنسان مِن الشحنات الكهربائية الموجبة التي تؤذي الجسم - أن يضع جبهته على الأرض أكثر مِن مرة في اتجاه مركز الأرض وهو الكعبة؛ ذلك لأن الأرض سالبة، فهي تسحب الشحنات الموجبة؛ لذا فإنَّ السجودَ في الصلاة هو الحالة الأمثل لتفريغ تلك الشحنات الضارة. وكذلك فإنَّ السجود مِن شأنه أن يرويَ الدماغ بالدم، خاصة في حالات التيه، وخرف الشيخوخة، الذي مِن بعض أسبابه نَقْص في وصول الدم إلى المخ؛ لذلك فإن السجود يجعل الدم ينصبُّ على أوعية الرأس، وبحكم فِعل الجاذبية أيضًا. وكذلك يُعالج السجود نظافة الجيوب الأنفية، بسَحْب إفرازاتها أولًا بأول، وبقية الجيوب الأنفية التي بالرأس يزداد تدفُّق الدم إلى المخ والجيوب؛ مما يمدُّه بالأكسجين والمواد الغذائية؛ فيؤدي وظيفته على أحسن وجه. والسجود أيضًا يساعد على تخفيف الاحتقان بمنطقة الحوض؛ ومن ثَم يساعد على الوقاية من الإصابة بالبواسير وحدوث الجلطات. والسجود يعالج انقلاب الرحم عند الإناث، وعلاجُه تمرينات تُشبه تمامًا حركات الصلاة. وكما هو معلوم فإن الإنسان هو قبضة مِن طين، ونفخة من روح، وقد خلقه الله تعالى بصورةٍ تُناسب مهام الاستخلاف في الأرض، فهو صاحب العقل، ميَّزه الله تعالى به عن باقي المخلوقات كي يفكِّر، وجعل الله له عينين ولسانًا وشفتين، وكل الأعضاء الخارجية والداخلية، فلو نقص عضوٌ أو زاد لكان المنظر قبيحًا، ولا يمكن أن يكون في خلق الله نقصٌ ولا زيادةٌ ولا عبثٌ؛ فكل شيء عنده بمقدار، يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ [القمر: 49]، فهذه آيات محكمات دالة على جليل صُنع الخالق؛ لذا سوف نتوقَّف عند قوله تعالى: ﴿ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الذاريات: 21]؛ لكي نتعرَّف على بعض الأسرار: فإن هذه الآية التي بها كلمات معدودات تحمل بين طياتها أحلى المعاني، وأدقَّ التعبيرات، ففيها يلفت الله سبحانه وتعالى أنظارنا إلى ما تحتوي عليه أجسامنا مِن الآيات والمعجزات التي تدلُّ على عظمة الخالق وجمال الخَلْق؛ ففي هذه الأجسام البشرية نلمس دقة التكوين، وتماسُك البناء، وحُسن المظهر، وهو ما لا نستطيع إدراكه بالعقل المجرد؛ فالجسمُ البشري بناءٌ ضخمٌ، دقيقُ التركيب إلى درجة تدعو إلى الدهشة والإعجاب، فلم يتوصَّل العلم الحديث إلى بعض أسراره إلا بعد دراسات شاقَّة، وبحوث وتجاربَ كثيرةٍ، قام بها عددٌ كبيرٌ مِن العلماء في مختلف العلوم؛ فنِعَمُ الله علينا كثيرةٌ لا تُعدُّ ولا تُحصى، فمنها: أن في رأس الإنسان أربعة سوائل: مالح في عينيه يمنعها من اليبس، وعذب في فمه يسوغ به طعامه وشرابه، ومر في أذنه يحميه من الحشرات، ولزج في أنفه يمنع الغبار مِن الدخول إلى رئتيه! ولو نظرنا إلى تركيب جسم الإنسان لَوَجَدْنا أن الوحدة الأساسية فيه هي الخلية، وتعتبر الخلية المصنع العملاق الذي لا يُرى بالعين المجردة، ويحتوي جسم كل واحد منا على ما يقرب من بليون خلية (ألف مليون خلية)، وتؤدي تلك الخلايا وظائفها الحيوية وفق نظام دقيق جدًّا وضَعه لها الخالق عز وجل، وتوجد هذه الخلايا البشرية في طبقات متزامنة، على أحسن ما يكون البناء، فلو جمعنا مليون خلية مِن هذه الخلايا في مكانٍ واحدٍ، لأصبح حجمُها بقدر رأس الإبرة تقريبًا. فخلايا جسم الإنسان ليستْ كلها على نمطٍ واحد، مِن حيث الشكل أو الحجم أو الوظيفة؛ بل إنها تختلف فيما بينها اختلافات تُثير الدهشة والإعجاب. فالخليةُ بإيجاز شديد تُغلَّف مِن الخارج بغشاء رقيق، كما توجد في وسطها نواة، وتسيطر النواة على كل نشاطات الخلية، فهي بمثابة القلب من الجسد، فإذا نُزعتْ من الخلية سرعان ما تموت، وتحيط النواة محتويات أخرى، منها: جهاز جولجي، والجسم المركزي، والسيتوبلازم، وغيرها، فالخلية الواحدة لا تستطيع أن تقوم بوظائفها إلا بالتعاون والتنظيم مع الخلايا المختلفة؛ ليؤدي الإنسان الاحتياجات اليومية، فهذا التنظيم المتجانس يُطلق عليه علماء الأحياء اسم النسيج، ويتركَّب النسيج من ملايين عدة من الخلايا التي تندمج مع بعضها بعضًا، ثم تندمج الأنسجة في تنظيمات أكبر لتكون أعضاءً، ثم تندمج الأعضاء التي تؤدي إلى تكون الجهاز، وهو أكبر التنظيمات الجسدية، وأكثرها تعقيدًا على الإطلاق، فإنَّ الأجهزة الموجودة في جسم الإنسان، هي: الجلد، والجهاز الهضمي، والتنفُّسي، والدوري، والعصبي، والحسي والهيكلي، والعضلي، وجهاز الإفراز الداخلي (الغدد الصماء). فمجموع هذه الأجهزة التي تختلف في سلوكها ووظائفها وصفتها التشريحية - يتركَّب جسم كل واحد منها مِن الخلايا، الأنسجة، الأعضاء. هل تعلم مكونات جسم الإنسان المادي؟ أثبتت المعامل والأبحاث أن جسم الإنسان العادي يحتوي على مائة وأربعين رطلًا مِن الماء ومن الدهون، ما يكفي لصنع سبع قطع مِن الصابون، ومن الرصاص ما يكفي لصناعة ستة آلاف قلم رصاص، ومن الملح ما يملأ ملعقة صغيرة، ومن الفسفور ما يكفي لصناعة ألفي عود ثقاب مِن الكبريت، ومن الماغنسيوم ما يكفي لجرعة مِن الأملاح الملينة، ومن الحديد ما يكفي لصنع مسمار طويل، ومن البوتاسيوم ما يكفي لقدح زناد مدفع من مدافع الأطفال، ومن السكر ما يملأ زجاجة عادية. هذا هو الإنسان الذي خُلق مِن تراب، فإذا مات عاد إلى الأرض وتحلَّل جسمُه إلى هذه العناصر، ودخَل في تركيب أجسام أخرى حيوانية ونباتية، وصدق الله العظيم: ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ [طه: 55]. عُجْب الذنَب أصل الإنسان الذي لا يبلى: وهو آخر عظمة في العمود الفقري ويُسمَّى: العصعص، وقد جاء ذكرُه في الأحاديث النبوية على أنه هو أصل الإنسان، والبذرة التي يُبعث منها يوم القيامة، وأن هذا الجزء لا يبلى، ولا تأكله الأرض! قال صلى الله عليه وسلم: ((ثم ينزل من السماء ماء، فيَنبتون كما يَنبت البقل، وليس في الإنسان شيء إلا يبلى، إلا عظمًا واحدًا، وهو عَجْبُ الذَّنَب))؛ (أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما). الزائدة الدودية تشهد على وجود الله: يظن الناس خطأً أن الزائدة الدودية عضو زائد في جسم الإنسان لا فائدة لها، وقد اكتشفت الأبحاث العلمية الحديثة الدور الحقيقي للزائدة الدودية ومنافعها الهائلة للإنسان، فقد ثبت أنها مسؤولة عن إنتاج وحفظ مجموعة متنوعة مِن البكتيريا والجراثيم التي تلعب دورًا مفيدًا للمعدة. فإنَّ عدد الجراثيم والبكتيريا التي يحويها جسم الإنسان تفوق عددَ خلاياه، لكن السواد الأعظم من هذه الكائنات الدقيقة يمارس دورًا إيجابيًّا داخل الجسم، ويساعد على هضم الأطعمة. وتُشير الدراسة إلى أن أمراضًا معينة مثل الكوليرا أو الإسهال الشديد قد تُؤدي إلى إفراغ الأمعاء مِن هذه البكتيريا والجراثيم المفيدة، وهنا يبدأ دور الزائدة التي تقوم في هذه الحالة بالعمل على إعادة إنتاج وحِفْظ تلك الجراثيم. أكبر عضو في جسم الإنسان: يعتبر الجلد أكبر عضو في جسم الإنسان؛ إذ تبلُغ مساحته 2 م 2 ! تنمو خلايا الجلد وتموت وتستبدل نفسها باستمرار، ويعتبر الجلد الكاميرا المخفية في جسم الإنسان، فهو ستار محكم للأعضاء؛ حيث لا يسمح للجراثيم بالدخول إلى الجسم، فضلًا عن أنه قادر على تحطيم هذه الجراثيم بمساعدة المواد التي تفرزها غددُه، وكذلك لا يسمح بدخول الماء والغازات، فهو يسمح بخروج الماء ولا يسمح له بالدخول، رغم مسامه التي تساعد على الإخراج. ومِن أهم وظائف الجلد حِفْظ الجسم عند درجة حرارة ثابتة؛ إذ إنَّ أعصاب الأوعية الدموية في الجلد تنشطها عندما يشتد حرُّ الجو كي تشعَّ منه الحرارة، وتفرز غدد العرَق ما يزيد على لتر مِن الماء، فتخفض درجة حرارة الجو الملاصق للجلد، أما إذا اشتدَّ برد الجو، انقبضت الأوعية الدموية؛ فتحتفظ بحرارتها، ويقل العرَق. ومِن عِظَم قدرة الخالق في هذا العضو أن انتشار الأعصاب تحت الجلد شيء لا يكاد يُصدَّق؛ حيث تنتهي الألياف العصبية بجسيمات خاصة يختصُّ كل نوع منها بنقل حس معين، فهناك جسيمات تنقل البرد، وأخرى تنقل الحرَّ واللمس والألم... إلخ، وهكذا تتنوَّع الإحساسات وتتباين، فعندما يُصاب المرء بحروق شديدة، فإن بعض وظائف الجلد تتوقَّف أو تتعطَّل، وقد يكون توقُّفُها أخطرَ مِن فَقْد الجلد نفسه؛ لأنه يتعطَّل نقل الإحساس، ولا سبيل لإعادته إلا بتجديد الجلد وتبديل التالف؛ يقول رب العزة: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾ [النساء: 56]؛ إذًا فالقرآن قد تكلم عن هذه الحقيقة العلمية قبل أن تصبح حقيقة مستقرة ثابتة. الحكمة الإلهية مِن وُجود الأظافر: مِن البدهي أن الإنسان إذا سألته عن فوائد الأظافر لقال لك: إنها للتجميل والتزيُّن والحماية مِن الاحتكاك وتآكل الأصابع... إلخ، ولكن هناك حكمة إلهية أثبَتَها العلمُ الحديث؛ حيث إن الأظافر تغطي شبكة من الشعيرات الدموية التي تعمل بدورها على توازن درجة حرارة الجسم، وهذه الشعيراتُ تعتبر نهاية الدورة الدموية في جسم الإنسان.
دواؤك فيك
منة شرع
14-10-2020
9,995
https://www.alukah.net//culture/0/142532/%d8%af%d9%88%d8%a7%d8%a4%d9%83-%d9%81%d9%8a%d9%83/
دواؤك فيك يحدث كثيرًا أن يذهب أحدهم - عافاك الله - للطبيب، لمرضٍ ما قد آلم بجسده ولا يعلم له سببًا، يظن أن به مرضًا ويتساءل عن المشكلة التي أصابته؛ فيقرر أن يذهب لمشفى أو عيادة لعله يحظى بما يطمئن نفسه ويُهدّئ شكوكه. وعندما يسأله الطبيب عدة أسئلة ليُجري فحوصاته وتحليلاته للأعراض الظاهرة عليه، يكون الرد عليها بالإنكار؛ فتذهب عن الطبيب شكوكه في بعض الأمراض المحتملة لتلك الأعراض، وفي النهاية يصل الطبيب لنهاية واحدة لا يستطيع أن يرد عليها المريض إلا بالإيجاب، ويقول: هل تقوم بمجهود كبير يؤدي بك للإجهاد الشديد؟ هل لديك أيَّة مشاكل نفسية كالتوتر والضغط والاكتئاب؟ هنا يتوقّف قليلًا.. ويستفتِ نفسه، وإذا به بنظرةٍ فاترة يجيب: ربّما.. الكثير والكثير من الأعراض المرضية لا يكون السبب فيها إلا هذه المشكلات التي تتحكّم أنت فيها، وتنسَى أن تنتشل نفسك منها حتى تظهر عليك أعراض إعراضك عن حماية ذاتك. أحيانا لا تكون الظروف متيسرة بشكل كافٍ لتمتنع عما قد يؤذيك نفسيًّا وبدنيًّا، لكن أولًا وأخيرًا أنت المتحكم! وبإمكانك أن تنقذها دون الالتفات للعواقب التي ربّما لا تسرك بعد أن تقرر أن تحافظ على نفسك وأن تقف ضد أي شيء يمنعك من ذلك. ولعلك تمنيت يومًا.. ألا تُوضَع في هذا الاختيار أبدًا، وقلت: ماذا لو أن باستطاعتي أن أُكمِل حياتي بشكلٍ طبيعي حتى لو تطلّبت مني ظروفي في بعض الأحيان أن أبذل مجهودًا بدنيًّا وعقليًّا ونفسيًّا أكثر من المعتاد؟ ولكنها الحكمة الإلهية، والطبيعة التي خُلِقت عليها تطلَّبت ذلك.. فكانَ الذي نحنُ عليه. إنَّ أجسادنا وأجهزتنا العصبية صُنع الخالق - عزّ وجل -، الذي أحسن خلق كل شيء، وما من شيء على هذه الأرض إلا وتتجلّى فيه عظمة الخالق وحكمته الواسعة، فإنَّ هذا الألم المُصاحَب بالإرهاق الجسدي والنفسي الشديد لهو والله عين الرحمة! هو بمثابة إشارة وتنبيه لك لتتوقف عن الاقتراب من كل ما يؤذيك، لتراجع حساباتك مع نفسك فتمتنع عن مطالبتها بما لا تتحمله، وتصالحها وتصلح ما أهمَلته فيها. دائمًا ما ستجد أنه لا يمكنك التعدي على حقوق نفسك دون أن تدفع ضريبة هذا التعدي. قال تعالى: ﴿ إنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴾ [الحجر:٨٦]. تأمَّل الآية قليلًا.. نعم لم تُخلَق عبثًا! بل إبداع الخالق وعلمه بطبيعتك البشرية التي قد تودي بك للهلاك يتمثّلان فيك، ورحمته بك وَسِعت كل خلاياك الجسدية والعصبية التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بين ما تمر به، وما تشعر به؛ لتذكّرك بحق نفسك عليك، فتعزّها وتكرمها، وتتعلم أن تهتم بها أكثر، وتحبها أكثر، وتدرك أن كثيرًا ما سيكون الدواء فيك ولكنَّك قد لا تشعر! دَوَاؤكَ فِيكَ ومَا تُبصِر ودَاؤك مِنك ومَا تَشعُر وتَحسَبُ أنّك جِرمٌ صَغِيرٌ وفِيكَ انطَوَى العَالَمُ الأكبَر.
العبث بالغياب
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
14-10-2020
4,763
https://www.alukah.net//culture/0/142522/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%ba%d9%8a%d8%a7%d8%a8/
العبث بالغياب العالم يعيش اليوم حالةً من التنظيم الدولي والإقليمي، والملحوظ للجميع أنَّ هناك منظَّمات دولية وإقليمية يُراد منها أنْ ترعى مصالحَ الناس، وما يخدم الإنسان - في هذه الدنيا على الأقل - ومراعاة المصالح تقوم على أساس من نظام ( قانون )، أو أنظمة ( قوانين ) يُطلب من الدول الأعضاء - في أيِّ تنظيم - المصادقة عليها، والتوقيع عليها، وتنفيذها على مجتمعها، بموجب موادَّ وفقرات، تُحاسب على الإخلال بها أيُّ دولة، بطريقة من المحاسبة يضعها النِّظام ( القانون ) وموادُّه، والذين يضعون هذه الأنظمة (القوانين) مجموعة من المتخصِّصين والخبراء في القانون الدولي، وهؤلاء يعودون إلى ثقافات مختلفة، ليست بالضرورة ملائمة لجميع ثقافات الشعوب. من هذا المنطلق نجد أنَّ كثيرًا من المهتمِّين يجد حرجًا كبيرًا في قبول هذه الأنظمة ( القوانين )، التي تُصاغ على شكل اتِّفاقيات؛ ذلك أنَّه يوجد في صياغتها عبارات لا تتَّفق - بالضرورة - مع نظرة الإسلام للموضوع، الذي وضِع له النِّظام ( القانون )، والحرج يكثر - أيضًا - إذا ما جاءت الصِّياغة من منظَّمة دوليَّة، لم يبدُ عليها احترامها أو تقديرها للمجتمع المسلم في المعاناة التي يمرُّ بها - الآن - في أكثر مِن مكان، مما يوحي بفَقد المصداقيَّة في هذا الجانب على الأقل، وقد يقود هذا إلى فقدان المصداقيَّة في الجوانب الأخرى التي ترعاها هذه المنظَّمات الدولية، بغضِّ النظر عن مجالات اهتمامها. يمكن التغلُّب على هذا الحرج الكبير بمشروع طويل المدى، وفيه صعوبة آنية، ولكنه متحقِّق بإذن الله؛ وذلك بالانخراط القويِّ في هذه التنظيمات الدولية. يتحقَّق الانخراط القوي من خلال الخبرات ذات الخلفيَّة الإسلامية، وليس في التمثيل والاشتراك في المنتديات والمحافِل والمؤتمرات الدوليَّة فحسب؛ بحيث يقتصر الأمر على خِطاب أو بيان أو اعتراضات، بل إنَّ الخبرة مَطلوبة لاقتحام هذه المؤسَّسات الدولية بالخبرة والعقول، التي تسهِم في صياغة النظم، وتقدِّم البدائلَ التي لا تفرض - بالضرورة - التوجُّه الإسلامي على أنَّه توجُّه إسلامي، ولكنْ على أنَّه بديل يلقى القبولَ لدى معظم الأعضاء، إنْ لم يكن كلهم؛ لأنه يُفترض في الصياغة البديلة أنها منطلقة من مفهوم قابل للتطبيق على الجميع، ويقصد عدم التركيز على التصنيف الأيديولوجي التخلُّص من الحذر الذي يَستقبله الآخرُ به؛ لعوامل عدَّة، لا مجال للخوض فيها، قد يكون مِن أبرزها عامل الجهل بالبديل، وقيام هذه المنظَّمات على نبذ الخلفيات الأيديولوجية - ظاهرًا - وعدم إقحامها في سَنِّ النظم والاتِّفاقيات، أيْ: عدم أدلجة النظم ( القوانين ) الدولية. لا يجدي انتظار الصِّياغات الأخرى، ثم نقدها والتحفُّظ عليها جميعًا؛ بسبب ورود ما يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلاميَّة؛ إذ المطلوب الإيجابيَّة في هذا المجال بالاشتراك في وضع النظم ( القوانين ) والاتِّفاقيات الدوليَّة، والاشتراك سوف يريح الدولَ الإسلامية عمومًا، عندما تَنظر إلى هذه النظم ( القوانين ) والاتِّفاقيات للمصادقة عليها، ثم التوقيع عليها، فتطبيقها على مجتمعها. بالاشتراك في هذه المجالات فوائد أخرى غير هذه، يمكن أن يكون منها تقديم الإسلام بالصُّورة العمليَّة التي ينبغي أنْ يقدم بها.
حيرة القانونيين
معاذ بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن المبرد
13-10-2020
3,048
https://www.alukah.net//culture/0/142514/%d8%ad%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%8a%d9%86/
حيرة القانونيين قد فطَر الله الخلق على الإقرار بأنه الخالقُ المدبِّر لهذا الكون، ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [العنكبوت: 61]. وقد فطَر الله الناس على أنه هو الحكَم، فكفار قريش كانوا يُحرمون ما رزقهم الله افتراءً على الله، والقانونيون يُقرون بوجود قواعد للعدالة أبدية، صالحة لكل مكان وزمان، ليست من وضعهم، ولا تدبيرهم، وهي ما يسمونه بالقانون الطبيعي، وبعضهم يعتقد أن مصدر هذه القواعد هو الطبيعة، وبعضهم يعتقد أن مصدرها هو الله [1] ، يقول د. توفيق حسن فرج في تعريف القانون الطبيعي: "أما القانون الطبيعي، فهو مجموعة قواعد عامة أبدية، أودعها [2] في الكون، ويكشف عنها الإنسان بعقله" [3] ، وقال بعضهم عنه: "هو المعبر عن إرادة الله، تفسره السنة الطبيعية، محفور في قلوب المخلوقات" [4] ، ومما صرح به بعضهم: "هذا القانون منبثق من واقع حكم العناية الإلهية للعالم كله، يتداركه العقل البشري، كما يجعل الجنس البشري أقرب ما يكون إلى الله، وهذا الدستور واحد في كل زمان ومكان يلزم الناس بأحكامه، وكل تشريع يخالف أحكام هذا الدستور لا يستحق أن يكون قانونًا" [5] . وقد حملهم على الإقرار بوجود هذه القواعد الأبدية: التفكر في ملكوت السماوات والأرض؛ يقول توفيق حسن فرج: "وجدت فكرة القانون الطبيعي لدى فلاسفة اليونان، فقد استرعى نظرهم وجود نظام ثابت تسير عليه أمور الكون، سواء في ذلك الظواهر الطبيعة أو المخلوقات؛ إذ رأوا أن هنالك قواعد تحكم الظواهر الطبيعية من فلك وماء وهواء، كما أن الناس يولدون ويكبرون ويموتون على نحو ثابت، بل إن الناس في معاملاتهم يسيرون على نمط واحد، وقواعد ثابتة لا تتغير، فظهرت بذلك فكرة قانون أعلى يحتوي على القواعد التي تُهيمن على نظام الكون" [6] . فالفرق بينهم وبين المسلمين حول هذا القواعد الأبدية، يتجلى في أنهم يزعمون أنها تدرك بالعقل، أما المسلمون فيعتقدون أنها تُدرك بالوحي وتشهد لها العقول، جاء في كتاب " المدخل " للريس والرويس: "غير أن محتوى القانون الطبيعي، باعتباره مبادئ مثالية أبدية تنزع إلى إقرار الحقوق والخير وينتهي إليها الإنسان بإعمال العقل والتفكير والتأمل، لا يشكل جسمًا واضح المعالم منضبط الحدود، إلا أنه على أية حال، يلتقي كثيرًا مع فكرة العدالة والإنصاف التي هي الأخرى تتحلل إلى أفكار هي أقرب إلى الشعور منها إلى مقاييس ومعايير دقيقة منضبطة يمكن إعمالها" [7] . إن كانت تدرك بالعقول كما يزعمون، فكيف لا يعرفونها بشكل محدد وهي منذ الأزل؟! بل هم عاجزون عن إدراكها بعقولهم، ومما يثبت ذلك أنهم يجعلونها في آخر مصادر القاعدة القانونية كما سيأتي توثيقه [8] ! إلا أن إقرارهم بوجود هذه القواعد الأبدية مع قصورهم عن الوصول إليها، يدل على أن الله خلق الخير في قلوب البشر، وهذا مصداق قول مَن قال مِن أهل العلم أن الفطرة هي الإسلام، فالنفوس ليست مهيئة للخير فحسب، بل الخير مزروع فيها زرعًا، لا تستقر النفوس إلا بنباته واشتداد سوقه، وقد يأتي ما يمنع ذلك كالوالدينِ الكافرينِ وغيرهم من عوارض الفطرة، وقد يترك فيظهر، فعن أبي هريرة أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه وينصِّرانه ويمجسِّانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاءَ، هل تحسون فيها من جدعاء؟»، ثم يقول: أبو هريرة واقرؤوا إن شئتم: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 30]. ولتقف على شدة حيرتهم وتناقضهم، فتضيء لهم فطرهم فيمشون، وتخرجهم طواغيتهم إلى الظلمات فيقفون، لتعرف ذلك قارن بين إقرارهم بوجود قواعد أبدية صالحة لكل زمان ومكان، وبين مفهوم الحق عندهم، فالله هو الحق وهو يقضي بالحق، هذا المعنى الذي يدركه عوام المسلمين، يجهله القانونيون، ويتخبطون فيه تخبط العميان؛ يقول د. محمد حسن: "قد يبدو للوهلة الأولى أن تعريف الحق لا يثير أي نوع من الخلافات، وذلك لأن كلمة " الحق " تتردد كثيرًا في لغة العامة، وفي مناحي الحياة المختلفة، ولا يجد الشخص العادي صعوبة في الإحساس بمدلولها وإدراك مفادها، فيقال مثلًا: إن شخصًا ما له حق إبداء رأيه، أو له حق في مبلغ من المال، أو أن له حقًّا في ملكية منزل، فيقصد بذلك أنه يأتي عملًا معينًا، أو أن قيمة معينة تدخل في ملكه، دون حاجة إلى مزيد من التحديد، لكن الأمر بالنسبة للفقه مختلف؛ حيث يقع عليه عبء تعريف الحق تعريفًا يقوم على تحديد دقيق لمفهومه. والواقع أن وضع تعريف للحق يحدِّد مفهومه ويبيِّن جوهره ليس بالأمر اليسير، بل إن صعوبة وضع تعريف للحق كانت من بين الحجج التي استند إليها بعض كبار الفقهاء، وعلى رأسهم الفقيه الفرنسي “ Leon Dugnit ” لإنكار فكرة الحق" [9] ، ويعرض مزيدًا من حيرتهم: "كان الفقيه الفرنسي ديجي من أشد المنكرين لفكرة الحق، فهو يرى أن الحق مجرد فكرة ليس لها وجود في عالم القانون" [10] ، فالقانونيون حيارى لا يعلمون هل الحق سبق قانونهم، أم قانونهم سبق الحق، أم الحق تبعًا لأهوائهم؛ يقول عبدالمنعم البدراوي: "ويختلف الفقهاء والمفكرون بعد ذلك فيما إذا كان القانون هو المؤسس على الحق، أو أن الحق هو الذي يقوم على أساس القانون ويستند إليه، ويرجع هذا الخلاف إلى اختلافهم في اعتناق المذهب الفردي أو المذهب الاشتراكي. فأنصار المذهب الفردي يرون - كما رأينا - أن الفرد هو الغاية والهدف من كل تنظيم قانوني، وأن الفرد يولد متمتعًا بحقوق طبيعة بصفته إنسانًا، وأنه يتمتع بهذه الحقوق قبل وجود القانون، وقبل وجود الجماعات المنظمة، فوظيفة القانون إذًا ليست إنشاء الحقوق الفردية، بل إن وظيفته هي حماية هذه الحقوق والمحافظة عليها، وتمكين الأفراد من التمتع بها. أما أنصار المذهب الاشتراكي، فهم يرون على العكس أن الجماعة ذاتها هي هدف كل تنظيم قانوني وغايته، ولا يجوز في نظرهم أن يتمسك الفرد بحقوق طبيعية مزعومة في مواجهة الجماعة، فليس للفرد من حقوق إلا تلك التي تعطيها الجماعة، ولا يتمتع بحقوق إلا تلك التي يمنحها له القانون، وكذا يكون القانون - في نظر أنصار المذهب الاشتراكي - هو الذي ينشئ الحقوق ويمنحها، ولا تقتصر وظيفته فقط على مجرد حمايتها والمحافظة عليها، فالقانون عندهم هو أساس الحقوق وليس العكس" [11] . وفي ظل هذا التخبُّط والضلال، يَعمِد كتاب "المدخل لدراسة العلوم القانونية" للريس والرويس المقرر المعتمد لبعض كليات القانون [12] في بلاد الإسلام، إلى ملحد يُدعى دابان البلجيكي، فيرجِّح تعريفه للحق؛ يقول: "ولهذا فإن التعريف الذي نفضِّله سيكون ذلك المعرف للحق بأنه "استئثار وتسلُّط بقيم أو بأشياء يُقرها القانون ويحميها" [13] ، فهو أناط الحقَّ وحصره فيما أقره القانون وحماه، والقانون عندهم مستمد من غير شرع الله، كما سيأتي توثيقه [14] . والحق في اللغة هو الثابت [15] ، فكيف يتغير ويتبدل الحق بمجرد تغير القانون عندهم؟! إلا أنه كما قال الله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [غافر: 20]؛ يقول ابن جرير الطبري - رحمه الله -: (والأوثان والآلهة التي يعبدها هؤلاء المشركون بالله من قومك من دونه لا يقضون بشيء؛ لأنها لا تعلم شيئًا، ولا تقدِر على شيء، يقول جلَّ ثناؤه لهم: فاعبدوا الذي يقدر على كل شيء، ولا يخفى عليه شيء من أعمالكم، فيجزي مُحسنكم بالإحسان، والمسيء بالإساءة، لا ما لا يقدر على شيء ولا يعلم شيئًا، فيعرف المحسن من المسيء، فيثيب المحسن، ويعاقب المسيء) [16] ، فهذه الآلهة التي يصدر منها القانون، فتكون الحقوق بحسب ما أقرَّته قوانينها، تلك الآلهة لا تعلم شيئًا، ولا تقدر على شيء، كيف ترون أن الحق ما أقرَّته قوانين تلك الآلهة، وقوانين تلك الآلهة قد تقر الفواحش، فيصبح أكل الربا حقًّا، وممارسة الفاحشة حقًّا، بحماية وإقرار القوانين لهذه الفواحش؟! وإذا كان الحق لا يعرف إلا بعد أن يُقرَّه القانون ويحميَه، فكيف يعرف من أصدر القانون الحق من الباطل؟! أم الحق تبعٌ لأهواء من يصدر القانون؟! يقول الله تعالى: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 71]. قال ابن جرير الطبري - رحمه الله -: "ولو عمل الربُّ تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون، وأجرى التدبير على مشيئتهم وإرادتهم، وترك الحق الذي هم له كارهون، لفسدت السماوات والأرض ومن فيهنَّ، وذلك أنهم لا يعرفون عواقب الأمور والصحيح من التدبير والفاسد، فلو كانت الأمور جارية على مشيئتهم وأهوائهم، مع إيثار أكثرهم الباطلَ على الحق، لم تقرَّ السموات والأرض ومن فيهنَّ من خلق الله" [17] . وبمعرفتك مفهوم الحق عند القانونيين، تفهم سرَّ الحرية المزعومة التي يتشدق بها أتباعهم العلمانيون، وهي أنهم عاجزون عن إدراك الحق، فليس لهم إلا الحرية جبرًا لا اختيارًا، فهم إما أن يعرفوا الحق، فيحملوا الناس عليه، وإلا خانوا أنفسهم ورعاياهم، وإما أنهم لا يعرفون الحق، فليس لهم إلا الحرية المزعومة شاؤوا أم أبَوْا، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم، وهي في حقيقتها ليست حرية وإنما عبودية الشهوات، وأهل الأهواء يخرجون من سعة الآخرة إلى ضيق الدنيا؛ يقول تعالى: ﴿ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾ [البقرة: 147]؛ قال الطبري - رحمه الله: يقول تعالى ذكرُه: اعلم يا محمد أن الحق ما أعلَمك ربُّك وأتاك من عنده، لا ما يقول لكَ اليهود والنصارى. قوله تعالى: ﴿ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ﴾؛ أي: فلا تكونن من الشاكِّين [18] . وقال تعالى: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ﴾ [الأنعام: 57]. قال ابن كثير - رحمه الله -: (وهو خيرُ مَن فصل القضايا، وخير الفاتحين الحاكمين بين عباده) [19] . فإذا عرَفتَ أن القانونيين يُقرون أن هذا الكون محكوم بقواعد عدلية أبدية، وهو ما يسمونه بالقانون الطبيعي، وعرَفتَ مفهوم الحق عندهم، فالحق عندهم غيرُ مرتبط بهذه القواعد الأبدية، فهو تَبَعٌ لأهوائهم، يتغيَّر بتغيُّرِ القانون، إذا عرفت ذلك، ظهر لك شدة تناقض القانونيين، وتخبُّطهم في الظلام مع أنهم يرون النور، لكنهم لا يستطيعون الوصول إليه، ﴿ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ ﴾ [الرعد: 14]، فهم عطشى ويرون الماء ويبسطون أيديهم إليه، لكنه بعيدٌ عنهم، فليس في أيديهم مشاعل تضيء لتكشف لهم هذه القواعد العدلية الأبدية، فهم في ظلماتهم يعمهون، وهنا تتجلى حيرة القانونيين ومعاندتهم لرب العالمين وخروجهم من النور إلى الظلمات: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 257]. [1] انظر: المدخل لدراسة القانون لمنير محمود الوتري 18. [2] كذا في الكتاب. [3] المدخل للعلوم القانونية 95. [4] نظرية القانون الطبيعي في الفكر السياسي د/ فضل الله د/ سعيد محمد ص 21، وقد نقل هذا التعريف عن مصدر أجنبي. [5] تاريخ الفكر السياسي إبراهيم دسوقي وعبدالعزيز الغنام، ص 81. [6] المدخل للعلوم القانونية 95. [7] المدخل لدراسة العلوم القانونية للريس والرويس، ص 134، وانظر المدخل إلى القانون حسن كيرة، ص 117. [8] انظر مبحث: تقديم قوانين السلطة على شرع الله. [9] المدخل لدراسة القانون 11. [10] المرجع السابق 13. [11] مبادئ القانون 260. [12] انظر: توصيف المقررات كلية الحقوق جامعة الملك سعود على هذا الرابط: https://clps.ksu.edu.sa/sites/clps.ksu.edu.sa/files/imce_images/123.pdf [13] المدخل للريس والرويس، ص 205، وانظر: المدخل للعلوم القانونية؛ د توفيق حسن فرج، ص 450، وإلى مبائ القانون، لعبدالمنعم البدراوي، ص 265. [14] انظر مبحث: تقديم قوانين السلطة على شرع الله. [15] انظر: تاج العروس 25/ 167. [16] تفسير الطبري 21/ 370. [17] تفسير الطبري 19/ 57. [18] تفسير الطبري 3/ 190. [19] تفسير ابن كثير 3/ 264.
خرافة التطور الدارويني على لسان علماء الغرب
حسام كمال النجار
12-10-2020
4,598
https://www.alukah.net//culture/0/142486/%d8%ae%d8%b1%d8%a7%d9%81%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d9%88%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%a7%d8%b1%d9%88%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%84%d8%b3%d8%a7%d9%86-%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d8%a8/
خرافة التطور الدارويني على لسان علماء الغرب في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين تم دمج نظرية داروين في التطور مع نظرية ماندل في الوراثة لإيجاد ما يعرف بـ" النظرية التركيبية " أو " الداروينية الحديثة "، وفي التسعينيات بدأ عالم الأحياء السكانية " فرانسيسكو أيالا " بانتقاد انحدار البشر من أبوين كآدم وحواء فقط. وبعد قيامها بعدد من الأبحاث تقول " آن جوجر " عالمة البيولوجيا الجزيئية والنمائية والباحثة بجامعة واشنطن وجامعة هارفارد في ردها على " فرانسيسكو " في كتاب " العلم وأصل الإنسان ": «إننا نفهم القليل فقط من طريقة تركيبتنا الوراثية لدرجة تجعل من المُبكر القيام بحسابات دقيقة حول ماضينا الوراثي البعيد، ومع هذا ما يزال هناك الكثير من الأشياء التي علينا اكتشافها والمقترحات التي علينا أخذها بعين الاعتبار». وتُكمل: «راجعت مقالات أبحاث علم النفس القديم وعلم النفس التطوري وعلم الوراثة السكاني، راجعت الكتب المشهورة وكتب المناهج الدراسية، طبقت منطقًا صارمًا على القصص المحتملة حول تطورنا من القردة العليا، وكنتيجة لكل هذه القراءة والتفكير بالرغم من تشككي دومًا في معقولية التطور الإنساني وفقًا لوسائل التطور الدارويني الحديث كان لي الحق لاستنكار قصة الأصل المشترك مع القردة أيضًا». و تؤكد في نهاية بحثها قائلة: «الشيء الواضح الآن؛ هو أن العلم لم ينفِ قصة آدم وحواء، وأن من يدَّعي ذلك يُحرِّف الدليل العلمي». ولو تتبعنا حتى أفكار الداروينية الحديثة الدَّاعية للإلحاد لذهب بنا مروجوها إلى أن الإنسان والفأر له نفس الأصل المشترك أو ربما ذهبوا بنا مع كائن وحيد الخلية في بركة من المياه الدافئة لنتقاسم معه الأصل المشترك كما يزعمون، ولو سألتهم من خلق هذا الكائن الوحيد الخلية؟! لقالوا لك أوجدته الطبيعة يعنون أن وجوده صدفة هكذا بكل بساطة وإلحاد، هؤلاء علماء الشيطان يجمعون الأموال والمناصب كما سيتضح من السطور الآتية ويُعلِّمون الناس الإلحاد ولكن بطريقة ديجيتال يتصورون أنها ستجيب عن تساؤلاتهم. ففي كتاب " العلم و أصل الإنسان " يتحدث "كيسي لَسْكين" العالم الجيولوجي أيضًا عن عالم الوراثة الشهير " فرانسز كولينز " - صاحب كتاب " لغة الإله " الأكثر مبيعًا عام ٢٠٠٦م في الولايات المتحدة قائلًا -: «كان كولينز الذي ترأس مشروع الجينوم البشري في السابق معروفًا بانتمائه للطائفة المسيحية الإنجيلية، وأنه يتقبل كلًا من نظرية التطور الدارويني والأبحاث المختصة بالخلايا الجذعية الجنينية، وفي عام ٢٠٠٨م حصل كولينز على ٢ مليون دولار كمنحة من مؤسسة جونتيمبلتون ساعدته في إقامة مؤسسة Biologos التي تهدف لإقناع الزعماء المسيحيين والعوام بنظرية التطور الداروينية، ثم تنحى كولينز عن إدارة تلك المؤسسة بعدما عينه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مديرًا للمعاهد القومية للصحة NIH ، لكن دفاعه المتشدد عن السلف المشترك بين الإنسان والقردة العليا ما زال ذا تأثير واسع في المجتمع الأمريكي». وبهذا الأسلوب يتم توجيه بعض النظريات العلمية ونشرها حول العالم فبعد أن يتم اصطفاء أسماء بعينها يمكن أن تتبنى نظريات من شأنها الترسيخ للإلحاد يُغدَق عليهم بالمال وتُفتتح لهم المؤسسات العلمية ومن ثم يُفسح لهم وحدهم دون غيرهم المجال لشغل المناصب الرفيعة والانتشار في وسائل الإعلام ليتم اعتماد هذه النظريات وقولبتها في قالب الحقيقة الغير قابلة للنقاش ليسهل مع كل هذا التحكم والسيطرة على عقول شعوب قد تكون بلغت من العلم مبلغًا كبيرًا غير أنها في المقابل تُلحد أو تشرك بالله.
نصوص من كتاب (حانوت عطار) لابن شهيد الأندلسي
محمود ثروت أبو الفضل
12-10-2020
5,262
https://www.alukah.net//culture/0/142485/%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b5-%d9%85%d9%86-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%ad%d8%a7%d9%86%d9%88%d8%aa-%d8%b9%d8%b7%d8%a7%d8%b1-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%b4%d9%87%d9%8a%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b3%d9%8a/
نصوص من كتاب (حانوت عطار) لابن شهيد الأندلسي صدر حديثًا "نصوص من كتاب (حانوت عطار)"، تأليف: "أبو عامر ابن شُهَيْد الأندلسي"، صاحب البحث: دراسة وجمع وتوثيق: "عبد الرحمن بن عايد بن أحمد المفضلي"، نشر "معهد المخطوطات العربية". يعني هذا البحث بجمع وتوثيق كتاب " حانوت عطار " لأبي عامر أحمد بن عبد الملك ابن شُهَيْد الأندلسي، وذلك من خلال جمع نصوص الكتاب المتفرقة والمبثوثة في الكتب التي نقلت بعض نصوص كتاب " حانوت عطار " الذي يهتم بالترجمة لشعراء الأندلس منذ الفتح وحتى عصر المؤلف، ويقدم مختارات شعرية لأولئك الشعراء، إضافة إلى أحكام نقدية عامة دالة على تمكن ابن شهيد من الأدوات النقدية. وتكمن أهمية الكتاب في أنه صورة للمجتمع الأندلسي في جانبه الأدبي، ولو لم يُفقَد لكان مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ والأدب. وقد قام الباحث بمحاولة جمع شذرات الكتاب، وترتيبها بشكل مناسب، وقدم لذلك بدراسة عن المؤلف والكتاب، حاول الإجابة عن بعض التساؤلات حول الكتاب، وزمن تأليفه، وحجمه، ومضمونه، ومصادر مؤلفه، لذا تعد هذه المحاولة من المحاولات الابتكارية لتجميع أوصال كتاب ممزق مثل هذا الكتاب الهام. ونجد أنه من الصعب في ظل فقدان الكتب معرفة حجمه، حيث أن المصادر التي ذكرته أو نقلت عنه لم تشر إلى مقدار حجمه، غير أننا نعتقد أنه قد يكون سفرًا متوسط الحجم، حيث يغطي الكتاب الفترة التي تمتد من أول الفتح للأندلس إلى عصر المؤلف، والشعراء في تلك الفترة من تاريخ الدولة الأموية متوافرون، وقد حرص أمراؤها وخلفاؤها على تقريب الشعراء من مجالسهم. أما مضمونه فيصفه العماد الأصفهاني بقوله: "أنه يشتمل على مُلح من أبكار الأفكار"، ونجد أنه يقدم مختارات شعرية لأولئك الشعراء الذين ذكرهم، إضافة إلى أحكام نقدية عامة دالة على تمكن ابن شهيد من الأدوات النقدية. وتكمن أهمية الكتاب في أنه صورة للمجتمع الأندلسي في جانبه الأدبي، لأن ابن شهيد ترجم فيه مستغلًا مقدرته النقدية لشعراء معاصرين، ولا تخلو نظراته في هذا الكتاب من بصر نافذ بالشعر، حسب مقاييسه النقدية. وقد كان ضياع هذا الكتاب مما فوت كثيرًا من أخبار الشعراء والأدباء الأندلسيين، ولو بقى لملأ لنا فراغًا كبيرًا في المكتبة الأندلسية، ولكان مصدرًا مهمًا من مصادر التاريخ والأدب. ولا نستبعد أن يكون منهج ابن شهيد في " حانوت عطار " قريبًا من المنهج الذي اتبعه الثعالبي (ت 429 هـ) في اليتيمة، وابن بسام (ت 542 هـ) في الذخيرة. أما عن كيفية ترتيب الروايات في الكتاب، فإننا نرجح أنه أقرب إلى ترتيب كتب التراجم، إذ لا يوحي منهجه في الكتابة أنه كان على شاكلة الحوليات التاريخية، ويبدو جليًا من خلال شذرات الكتاب أنه لا يركز على ذكر السنوات والتاريخ. ويعتقد أن ابن شهيد وضع كتابه في ما بعد 420 هـ، ونجد أن ابن شهيد خلال تلك الفترة من سنة 407 هـ إلى سنة 420 هـ كان في غمار الحياة السياسية والاجتماعية بقرطبة، ولا نعتقد أنه ألف كتابه أثناء ذلك، وربما ألفه فيما بين سنة 420 هـ وسنة 425 هـ، وذلك لأن وفاته كانت سنة 426 هـ. وقد اتبع المحقق في ترتيب شذرات الكتاب منهج الترتيب الألفبائي كما هو الحال في كتب التراجم، إذ أن كل الشذرات التي بقيت عبارة عن أجزاء من ترجمة أصحابها في كتاب " حانوت عطار "، ولأن هذه الشذرات قد أدخلها الناقلون عن كتاب " حانوت عطار " في أثناء تراجمهم لأصحابها في كتبهم. وقد أحال الكاتب على تراجم الأعلام الواردين بالمتن إلى مواضعها من كتب التراجم والطبقات التي ترجمت لهم. أما المؤلف فهو أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن شُهَيْد (382 هـ - 426 هـ) وزير وشاعر أندلسي. ولد في قرطبة، عام 382 هـ لأسرة قرطبية مرموقة كان أفرادها يتولون بعض المناصب الهامة في الدولة الأموية في الأندلس، فجده " شُهيد بن عيسى " كان أول الداخلين من أسرته إلى الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل، وجده "عيسى بن شهيد" كان حاجبًا للأمير عبد الرحمن بن الحكم، وجده " أحمد بن عبد الملك " كان من قادة الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله ومن وزرائه، وهو أول من تسمى بذي الوزارتين في الأندلس. كما كان أبوه " عبد الملك " من وزراء الخليفة هشام المؤيد بالله ومن ندماء الحاجب المنصور. "في هذا الجو المفعم بالمحبة، والمودة يظلله النعيم وكثرة المال، وتوفر الجاه والسلطة نشأ ابن شهيد الطفل الصغير، فرضع حبّ الترف والبذخ، والتعلق بالمال والحرص على إنفاقه". عُرف أبو عامر بن شهيد الشاعر ببلاغته وكرمه، وله شعر جيد يجدّ فيه ويهزل، وإن كان يغلب على شعره الهزل. إضافة إلى عدد من التصانيف منها « كشف الدك وإيضاح الشك » و« حانوت عطار » و« رسالة التوابع والزوابع » كما كان له من علم الطب نصيب وافر. كانت بينه وبين ابن حزم مكاتبات ومداعبات، كما أشاد ابن حزم ببلاغته. وروي عن أبي النصر بن خاقان يصف قدرته الإبداعية في التناول والعرض الكتابي: "توغل في شعاب البلاغة وطرقها وأخذ على متعاطيها ما بين مغربها ومشرقها، لا يقاومه عمرو بن بحر، ولا تراه يغرف إلا من بحر"، ويقصد بعمرو بن بحر " الجاحظ ". ويقول الدكتور حازم عبد الله خضر: "مارس أبو عامر الجانب الثاني من التعبير العربي، فكان له فيها الباع الطويل وآثار لا يستهان بها، دلت على مبلغ ثقافته وسعة اطلاعه في هذا الجانب الأدبي المهم. وقد طرق شتى الموضوعات مظهرًا قدرته كما حاول إظهارها في الشعر، ونحسب أنه قد وفق إلى حد كبير في النثر ربما فاق التوفيق الذي حالفه في الشعر". ويقول الدكتور شوقي ضيف: "على أن ما تميز به إنما هو جانب الأدب فقد كان شاعرًا كبيرًا كما كان كاتبًا كبيرًا أيضًا ويدل ما روي عنه من أثار أن نثره كان أكبر من شعره، وقد شهد له النقاد بمقدرته فيه وتفوقه". ومات أبو عامر بن شهيد بقرطبة في جمادى الأولى عام 426 هـ، دون أن يعقب.
حياة آدم على الأرض
د. محمد منير الجنباز
12-10-2020
7,230
https://www.alukah.net//culture/0/142479/%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%a2%d8%af%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b6/
حياة آدمَ على الأرض ما ذكرناه عن آدم من قبلُ كان في السماء، علمًا بأن طينته من الأرض، وهذا إعداد مسبق له من الخالق الخبير العليم، ولو قيل: كيف عاش الإنسان في السماء؟ نقول: عُرج بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم حتى وصل إلى سدرة المنتهى تحت عرش الرحمن، فهذا الأمر تكفل به الله، وهو القادر على كل شيء، وسنبين معيشة آدم منذ لامست قدماه تربة الأرض، وهذا ما سنستخرجه من الأحاديث الشريفة وروايات الصحابة والتابعين ومَن عنده علم من أهل الكتاب؛ فالقُرْآن الكريم لم يذكر تفاصيل معيشة آدم على الأرض، إنما أعطى القُرْآن تصورًا عامًّا عن الحياة في الدنيا؛ ﴿ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [الأعراف: 24]، وقال تعالى: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [البقرة: 38، 39]، ولكن أين هبط آدم وزوجه؟ تعددت الأقوال في هذا؛ فالمروي عن ابن عباس أنه قال: "أُهبِط آدم عليه السلام إلى أرض يقال لها: "دحنا"، بين مكة والطائف"، وقال الحسن: "أهبط آدم عليه السلام بالهند، وحواء بجدة، وإبليس بدست ميسان من البصرة على أميال، وأهبطت الحية بأصبهان" وروى هذا ابن أبي حاتم أيضًا، وقال السدي: أهبط آدم بالهند، وعن ابن عمر قال: أهبط آدم بالصفا، وحواء بالمروة"، كان ذلك يوم الجمعة؛ ففي الحديث الذي أخرجه مسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خيرُ يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلق آدم، وفيه أدخل الجنة، وفيه أُخرج منها))، وفي حديث آخر: ((وفيه تقوم الساعة))، وعلى أية حال فليس فيما قيل قولٌ مبني على خبر صحيح، وإنما أخبار اعتمدت على مصادرَ مِن كتب أهل الكتاب، واجتهادات على بعض الآثار، والأحداث كلها تدور في بلاد العرب أو الهند، ولو قيل: كيف نزل آدم في مكان قفر صحراوي؟ فالجواب: أن أرضَ العرب - كما ورد في الأحاديث - كانت مُروجًا وأنهارًا، وعليه فقد وصل آدم إلى الأرض، والتقى مع حواءَ بعد جهد وبحث طويل، والتأم الشمل، وبدأ العمل لتأمين الحياة، وكان جبريل معلِّمًا له ولزوجه، كلما احتاجا شيئًا علمهما إياه، فعلَّم حواء أن تنسج من القطن ثوبًا لها ولآدم على سبيل المثال، وقيل: كان أول لباس لآدم من شعر الضأن، فنسج آدم له جبة، ولحواء درعًا وخمارًا - فالخمار للصلاة، ولا أظنه للحجاب؛ لأن كل المواليد ذكورًا وإناثًا هم أبناؤها - وكان أول طعام له من القمح؛ فقد جاءه جبريل عليه السلام بسبع حبات من الحنطة، وكانت كبيرة الحجم تتناسب مع حجم آدم، فأخذها آدم وزرعها، وبعد النضج حصدها ودرسها ثم طحنها وعجنها وخبزها، فأكل من عمل يده، وكان هذا وفق تعليم جبريل له، ومصداقًا لقول الله تعالى له: ﴿ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى ﴾ [طه: 117]، وأصبَح كل شيء يريده يحتاج إلى العمل وبذل الجهد، وعلى الأرض أثمر زواجه بحواء، فكانت تلد في كل بطن توءَمين؛ صبيًّا وبنتًا، فوُلد قابيل وأخت له في بطن، ثم ولد هابيل وأخت له في بطن، ولما بلغ الأبناء الحُلُم، أمرهم آدم بزواج الولد من البطن الأولى بالبنت من البطن الثانية، وهكذا بدأت ذرية آدم بالزيادة، وهو نبي مرسل إلى أبنائه، إلى جانب أنه الأب والعامل لتأمين الرزق؛ فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: ((مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا))، قال: قلت: يا رسول الله، كم المرسَل من ذلك؟ قال: ((ثلاثمائة وثلاثة عشر جمًّا غفيرًا)) - يعني كثيرًا طيبًا - قال: قلت: يا رسول الله، من كان أولهم؟ قال: ((آدم))، قلت: يا رسول الله، وآدم نبي مرسَل؟ قال: ((نَعم، خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، ثم سواه قِبَلًا)) - أي: عيانًا". قابيل وهابيل: ترعرع أبناء آدم وشبُّوا في رعاية أبيهم، وبلغوا سن البلوغ، ولتحقيق مراد الله في الأرض وما قدره لها من سكنى البشر، فلا بد من عملية التزاوج بين هؤلاء الأبناء؛ ليستمر النسل بلا انقطاع، وما كان حلالًا للضرورة حرم بالتدريج مع زيادة النسل وتفرعه، ومع ذلك راعى المشرع في الزواج الأول البُعد ما أمكن، فقرر أن يتزوج غلام البطن الأولى من جارية البطن الثانية، وغلام البطن الثانية من جارية البطن الأولى، لكن هذه القاعدة لم تعجب قابيلَ الولد الأكبر، فإنه يريد الزواج من البنت التي كانت معه في بطن واحدة، وقد نصحه والده بالاستجابة لهذا الأمر، ولما عق وتمرد على الأمر، أمره والده حلًّا لهذا الإشكال أن يقرب كل منهما قربانًا، فامتثلا للأمر، فقرَّب قابيل حزمة من القمح، وكان صاحب زرع، وقرب هابيل كبشًا، فجاءت نار وأخذت الكبش؛ علامة قبول قربان هابيل، غير أن قابيل لم يرضَ بما حصل، فتوعَّد أخاه بالقتل: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، وترَكهما آدم على هذه الحالة، ولبَّى نداء ربه في زيارة بيت الله الحرام، واستوصى قابيل خيرًا بأخيه ريثما يعود، لكن قابيل خان العهد والأمانة، وترصَّد لأخيه، فأتاه وهو يرعى غنمه على غرة فشدخ رأسه بحجر، فأرداه قتيلًا: ﴿ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 30]، ثم احتمله على ظهره ولم يدرِ ما يفعل به سنةً، إلى أن شاهد غرابين يقتتلان، فقتل أحدهما الآخر، فحفر له حفرة ودفنه فيها، وهنا اكتشف قابيل كم عانى من حمل أخيه ميتًا، ثم دفنه: ﴿ فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ﴾ [المائدة: 31]، وقد ورَد أن هابيل كان أشد قوة من أخيه، لكنه تورَّع عن قتله، وأراده أن يحمل الوِزر على فعلته؛ فقال: ﴿ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ﴾ [المائدة: 28، 29]، وأصبح هابيلُ أولَ قتيل على ظهر الأرض من البشر؛ لهذا لم يعرِف قابيل عملية الدفن، وكيف تكون؟ فتعلَّمها مِن الغراب، وورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما مِن نفس تُقتل ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأولِ كِفْلٌ منها)). على مثل هذه القصة يمكننا أن نعد المرأة هي السبب، فتارة اتهموها بإغواء آدم بالأكل من الشجرة فأخرجته من الجنة، وهنا كان الجمال الآسِرُ هو السبب في قتل الأخِ أخاه، ولكن هناك مسار آخر لهذه القصة بعيدًا عن النساء، وهو الحسد على التقوى والتديُّن؛ فقد تسابق الأخوان في تقديم القربان إلى الله ليعرف كل منهما منزلته من الله، فقدم كل واحد منهما قربانًا، فهابيل تمتَّع بالكرم والسخاء، فقدَّم أفضل غنمه وأسمنها وأحسنها؛ كبشًا أقرن، وقابيل قدم حزمة من أردأ زرعه مستهينًا برمزية القربان، فتقبَّل الله قربان هابيل؛ حيث بعث الله نارًا أخذته، وبقي قربان قابيل كما هو دليلًا على عدم الرضا عنه: ﴿ لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ﴾ [الحج: 37]؛ فحسَد قابيل أخاه، كما حسد إبليس آدم، فتوعَّده بالقتل وقتَله. وقد حزن آدم لما عاد من الحجاز على مقتل ابنه، كما حزنت حواء، ولم يخفِّفْ ألمهما بعد خمس سنين سوى ولادة حواء لغلام نجيب سماه والده شيثًا؛ أي: هبة الله، فخلف هابيل، ورُوي أن جبريل قال له: هذا هبة الله بدل هابيل، وإليه أوصى آدم بالعلم، وروي عن ابن إسحاق: أن آدم لما حضرته الوفاة دعا ابنه شيثًا فعهد إليه عهده، وعلمه ساعات الليل والنهار، وأعلمه عبادةَ الخَلق لله في كل ساعة من الليل والنهار، وأخبره بأمور مغيَّبة ستحصل، منها الطوفان، فكان وصيَّ آدم وخليفته من بعده، وقد أنزل الله عليه خمسين صحيفة، وإليه ينتسب بنو آدم؛ فقد انقطع نسل قابيل وباد، وسائرُ نسل إخوته، كما قيل. مِن النص القُرْآني نستنبط أن هابيل وقابيل هما من بكور أبناء آدم، وأن من زعم أنهما من أحفاده أو من بني إسرائيل فقد جانَبَ الصواب؛ فالحديث صحيح صريح عندما حمل وزر القتل ظلمًا إلى ابن آدم الأول - وقد مر - وعليه فصراع الخير والشر والتمرد على التعاليم الشرعية قد ظهر منذ العصر الأول مع الإنسان، ولم يُستثنَ مِن هذا القدر ابنا آدم، بل خضعا للامتحان الذي يجري على كل البشر. وفاة أبي البشر آدم: وحضر أجلُ آدم، فتوفَّاه الله عند تمام الألف سنة كما ورد، وروي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خلق الله آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا له، فجلس فعطس، فقال: الحمد لله، فقال له ربه: يرحمك ربك، ائتِ أولئك الملأ من الملائكة، فقل لهم: السلام عليكم، فأتاهم فقال لهم: السلام عليكم، فقالوا له: وعليك السلام ورحمة الله، ثم رجع إلى ربه فقال له: هذه تحيتك وتحية ذريتك بينهم، ثم قبض له يديه، وقال له: خذ واختر، قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يديه يمين، ففتحها له، فإذا فيها صورة آدم وذريته كلهم، فإذا كل رجل مكتوب عنده أجله، وإذا آدم قد كتب له ألف سنة، وإذا قوم عليهم النور، فقال: يا رب، من هؤلاء الذين عليهم النور؟ فقال: هؤلاء الأنبياء والرسل الذين أرسلوا إلى عبادي، وإذا فيهم رجل هو أضوؤهم نورًا، ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة، فقال: يا رب، ما بال هذا من أضوئهم نورًا، ولم يكتب له من العمر إلا أربعون سنة؟ فقال: ذاك ما كتب له، فقال: يا رب، انقص له من عمري ستين سنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلما أسكنه الله الجنة ثم أهبط إلى الأرض كان يعد أيامه، فلما أتاه ملك الموت ليقبضه، قال له آدم: عجِلْتَ يا ملك الموت، فقال: ما فعلت، فقال: قد بقي من عمري ستون سنة، فقال له ملك الموت: ما بقى من عمرك شيء، قد سألت ربك أن يكتبه لابنك داود، فقال: ما فعلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنسي آدم فنسيَتْ ذريته، وجحد آدم فجحدَتْ ذريته، فيومئذ وضَع الله الكتاب، وأمر بالشهود))، وفي رواية: ((وأقام عليه الملائكة شهودًا، فأكمل لآدم ألف سنة، وأكمل لداود مائة سنة)). وقد ورَد في الأثر: أن آدمَ لما توفي غسَلَتْه الملائكة بالماء وِترًا، وألحدوا له، وقالت: ((هذه سنَّة آدم في ولده))، وورد أنه دفن بمكة في غار أبي قُبَيْسٍ، وهو غار يقال له: غار الكنز. وتُوفِّيت حواء بعد آدم بسنة، وروي أنها حملت عشرين بطنًا، وفي كل بطن ذكر وأنثى.
الإجزاء عند الأصوليين مفهومه وأحكامه لمحمود عبد الرحمن عبد المنعم
محمود ثروت أبو الفضل
11-10-2020
7,203
https://www.alukah.net//culture/0/142464/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%a1-%d8%b9%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%8a%d9%86-%d9%85%d9%81%d9%87%d9%88%d9%85%d9%87-%d9%88%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85%d9%87-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d9%88%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b9%d9%85/
الإجزاء عند الأصوليين مفهومه وأحكامه لمحمود عبد الرحمن عبد المنعم صدر حديثًا " الإجزاء عند الأصوليين مفهومه وأحكامه "دراسة أصولية تطبيقية" "، تأليف: أ.د. " محمود عبد الرحمن عبد المنعم "، رئيس قسم أصول الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، نشر " دار اليسر للنشر والتوزيع ". يتناول هذا الكتاب مسألة من المسائل الأصولية وهو مفهوم الإجزاء عند الأصوليين وأحكامه. ويقصد الكاتب بالإجزاء: وصف لفعل المكلف، لكن ليس وصفًا لمطلق فعل المكلف إنما لأفعال معينة. فهو معنى من المعاني الأصولية له صلة بالحكم الشرعي الوضعي، وعلاقاته بالصحة وثيقة بيد أنه يختلف عن الصحة من أوجه، وله مسائله الخاصة، وله صلة كذلك بالأسباب، والشروط، والموانع، فـ" الإجزاء " جزء من علم الأصول، ومن الحكم الشرعي الوضعي، وداخل في الصحة، ولكن اختص الإجزاء ببعض المسائل، فالفعل يحكم عليه أنه مجزئ إذا أدي مستوفي ً ا شروطه مع انتفاء الموانع. وله صلة كذلك بالأوامر، والنواهي، وبالنصوص الشرعية، فالعقل لا يستقل بإدراك الإجزاء، إنما يدركه من النصوص، مع مراعاة دلالات الألفاظ، وكذا يدركه مما قام الدليل على اعتباره سبيلًا من سبل إدراكه. وكذا له علاقة، ونسبة باصطلاحات أصولية عديدة، كالقبول، والانعقاد، والنفوذ، والاعتداد، والجواز، فكان من المهم النظر، والبحث؛ لتحديد مفاهيم هذه المصطلحات، وبيان نسبتها من " الإجزاء " حتى يعطي كل معنى مفهومه، فكان هذا البحث تجلية معناه، وعلاقته بما يشبهه من المعاني، ومحاولة الوصول إلى القواعد، والضوابط اللازمة؛ لفك إشكالات عدة في هذه المسألة عند التطبيق. وقد قام الباحث بالتطبيق في مسائل الإجزاء على طائفة من النصوص الشرعية للتدريب والتعليم. وقد انقسم البحث إلى مقدمة بين فيها الكاتب أهمية بحث "الإجزاء" وموقعه في علم أصول الفقه، وخطة البحث التي سار عليها، ثم تلاها خمسة مباحث رئيسة: المبحث الأول: الحكم، وأقسامه، وموقع الإجزاء فيها، وهو يشتمل على أربعة مطالب: المطلب الأول: تعريف الحكم، وبيان أقسامه. المطلب الثاني: تعريف الحكم الشرعي، وبيان أقسامه. المطلب الثالث: أقسام متعلقات الحكم التكليفي. المطلب الرابع: أقسام متعلقات الحكم الوضعي. المبحث الثاني: مفهوم "الإجزاء" والفرق بينه وبين ما يشبهه، وهو ينقسم إلى مطلبين: المطلب الأول: مفهوم الإجزاء. بدأ الكاتب بالتعريف اللغوي للإجزاء، وبين معناه عند أهل اللغة، واختلافهم في تليين همزته الأخيرة، مع تحرير أقولهم، وما يترتب على كل رأي، والراجح في ذلك ثم ثنى بالتعريف الاصطلاحي للإجزاء، تناول فيه تعريفات الإجزاء، مع نسبة كل قول إلى قائليه، وبيان وجهة كل، والراجح - مع بيان الأثر المترتب على كل قول - وبين هل يجوز تفسير الإجزاء بالأداء كما عند البيضاوي، أو لا كما وضحه الرازي وغيره، ووجهة كل طرف. المطلب الثاني: الفرق بين الإجزاء، وبين ما يشبهه من معان. وهذا المطلب ينقسم إلى ستة فروع: الفرع الأول: الفرق بين "الإجزاء" و"الصحة". الفرع الثاني: الفرق بين "الإجزاء" و"القبول". الفرع الثالث: الفرق بين "الإجزاء" و"النفوذ". الفرع الرابع: الفرق بين "الإجزاء" و"الجواز" في العقود. الفرع الخامس: الفرق بين "الإجزاء" و"الاعتداد". الفرع السادس: الفرق بين "الإجزاء" و"الانعقاد". المبحث الثالث: الأحكام المتعلقة بالإجزاء، وينقسم إلى أربعة مطالب: المطلب الأول: دلالة الإتيان بالمأمور به على الإجزاء. المطلب الثاني: صحة وقوع المسبب دون السبب المتوقف على شرط الإجزاء. المطلب الثالث: وصف العبادة مطلقًا بالإجزاء. المطلب الرابع: اقتضاء الحكم بالفساد عدم الإجزاء. وبين الكاتب أقوال العلماء في كل مسألة، منبهًا على القائلين به ذاكرًا أدلة كل قول. المبحث الرابع: سبل معرفة الإجزاء، وعدمه. وقد حصل بالبحث على سبعة سبل: السبيل الأول: النص الوارد من القرآن أو السنة. السبيل الثاني: ورود النهي أو الإنكار على الفعل المشعر بعدم الإجزاء. السبيل الثالث: الإجماع. السبيل الرابع: الاستنباط من النصوص التي ليس فيها تصريح، ولا ما في قوة التصريح بالإجزاء أو عدمه. السبيل الخامس: القياس. السبيل السادس: المفهوم المخالف. السبيل السابع: استصحاب العدم الأصلي. المبحث الخامس: تطبيقات على قواعد الإجزاء، وما يلحق به من معان. وقد قام الباحث بالتطبيق على أربعة قواعد: القاعدة الأولى: صفة الإجزاء أعم من صفة الكمال. القاعدة الثانية: القبول أخص من الصحة. القاعدة الثالثة: القبول غير الإجزاء، وغير الفعل الصحيح. القاعدة الرابعة: إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب خلاف الأصل. ثم ختم البحث بخلاصة سجل فيها أهم ما في البحث من نتائج. ومن نتائج البحث: أن " الإجزاء " يغاير " الصحة "، إذا بينهما عموم وخصوص مطلق، فكل صحيح مجزئ، ولا عكس، فـ" الإجزاء " مختص بالعبادات مطلقًا على المرجح، وقيل بالواجب منها فقط. كما أن " القبول " على الراجح أخص من " الصحة "، فإن كل مقبول صحيح، وليس كل صحيح مقبولًا، وما ورد مما نفي فيه القبول، ولم تنتف معه " الصحة " إن قارنت ذلك الفعل معصية، فـ"القبول" هو " الثواب ؛ لأن إثم المعصية أحبطه، وإن لم تقارنه معصية، فـ" انتفاء القبول " سببه " انتفاء الشرط " وهو " الطهارة " ونحوها، ويلزم من عدم الشرط عدم المشروط. كما أن السبب إذا كان متوقفَ التأثير على شرط الإجزاء، فلا يصح أن يقع المسبب بدونه. والحكم بالبطلان يقتضي عدم الإجزاء. ويعرف " الإجزاء " وعدمه بالإجماع، وبصريح نصوص الكتاب والسنة، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتقريره، وبالمفهوم الموافق والمخالف، وبالقياس بأنواعه، وباستصحاب العدم، وبالاستنباط من النصوص التي ليس فيها تصريح، ولا ما في قوة التصريح بالإجزاء أو عدمه. كما أن إجزاء ما ليس بواجب عن الواجب خلاف الأصل. وصفة " الإجزاء " أعم من صفة " الكمال ". و الإتيان بالمأمور به على الوجه الذي أمر به يكون مجزئًا على أن " الإجزاء " هو " الامتثال " وعلى أنه إسقاط القضاء، فكذلك على الراجح.
البحر المسجور إعجاز علمي للقرآن الكريم
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
11-10-2020
19,230
https://www.alukah.net//culture/0/142453/%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ad%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%ac%d9%88%d8%b1-%d8%a5%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%82%d8%b1%d8%a2%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%83%d8%b1%d9%8a%d9%85/
قطع الأرض المتجاورات وظواهرها (3) البحر المسجور إعجاز علمي للقرآن الكريم ونحن نعرف الإسلام بإشاراته العلمية نطرح سؤالين: أولهما- هل من سمات قيعان المحيطات أن تصعد من منصفاتها الحمم باستمرار طالما هي في اتساع مستمر؟ وثانيهما منذ متى عرف العلم أن قيعان البحار مسجرة بالحمم (بالنار)؟ إن جواب السؤال الأول بالطبع نعم، أما متى عرف العلماء ذلك: فإنه منذ أوائل ستينات القرن العشرين. والشيء المدهش هو إشارة القرآن إلى صفة ملازمة البحر وهى التسجير. والقرآن هو المرجع الوحيد الذي عرف المحيط منذ أكثر من 1400 سنة على أنه البحر المسجور بمعنى المستعد للاشتعال. وإذا كان القرآن قد وصف حال البحر في الآخرة بأنه سيتفجر ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾ [الانفطار: 3]، أنه سيتسجر ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ [التكوير: 6]، إلا أنه وصف البحر المحيط في الدنيا بأنه مسجور في قسم قرآني في قوله تعالى: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾. إنه حقا قسم قرآني عظيم عظيم. وإذا كان المفسرون قد اختلفوا في فهم الآية إلا أن المؤكد اليوم أنها خاصة بمحيطات العالم. والبحر الأبيض المتوسط ليس محيطا مقارنة بالبحر الأحمر الذى هو محيط، وأيضا المحيط الذى يولد ملازمًا لوادي خسف شرق أفريقيا. يقول تعالى : ﴿ وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُور ﴾ [الطور: 1 - 6]. وقد أثبت العلم منذ سنة 1962 أن قاع البحر يتسع من منتصفه، واتساع البحر صفة تلازم بحار العالم اليوم، وأحدث محيط وهو البحر الأحمر الذي يسمى المحيط الوليد ( Baby Ocean ) يتسع قاعه منذ نشأته باستمرار، ويبلغ معدل اتساعه السنوي حاليًا 4 - 6 سم. والمعروف بالمشاهدة أن الحمم تصعد، من تحت البحر، من عند الأماكن التي يتسع فيها البحر، وتبرد وتكون قاع البحار. أن البحر الأحمر لم يكن له وجود في الزمن الماضي وكانت أرض العرب وأرض أفريقية قطعة واحدة تشكل يابسة تسمى الأرض العربية النوبية، ثم خسفت الأرض عبر الخط الذي يمتد بمحاذاة منتصف البحر الأحمر الحالي. ومدت الأرض من هذا الموضع، وتصدعت وأخذ الخسف يكبر شيئا فشيئًا، وصاحبه هبوط الأرض، واتصل جوفها بسطحها، وصعدت الحمم من باطن الأرض، وبردت الحمم لتكون أول جزء من قاع البحر، وكانت تلك اللحظة شهادة ميلاد البحر. ومنذ تلك اللحظة والبحر يتسع باستمرار من منتصفه، ومنذ تلك اللحظة لا يتوقف صعود الحمم، ويظل البحر مسجورًا بالنار من منتصفه. ومن الجدير بالذكر أن القرآن سبق العلوم الحديثة في التفرقة بين البحار والمحيطات والذي ماء كل منهما مالح. فالمحيط يقينا هو البحر المسجور الممتد قاعه من عند منتصفه. وبناء عليه فالبحر الأحمر هو أحدث محيطان الأرض تكونا لأنه مسجور، بينما البحر الأبيض المتوسط على سبيل المثال ليس محيطًا لأنه ليس ممدودًا من منتصفه. وهكذا يفتح باستمرار في أثناء نمو قاع البحر باب يصل بين جوف الأرض وسطحها، وما الباب إلا شق في وسط البحر (شكل1-26). ومنذ نشأة المحيط والشق يتسع بقدر، ولن يغلق ذلك الباب إلا إذا تقاربت حافتا ذلك الشق. ولذا فقد سبق الإمام علي رضي الله عنه علماء اليوم حينما صدق على جواب اليهودي على: أن جهنم البحر حينما قال اليهودي البحر. ولن يتسع البحر إلا إذا كان مسجرًا من منتصفه.. وحال البحر هو ما وصفه بعض المفسرين بأنه موقد محمي بمنزلة التنور المسجور. وتركيب صخور قاع البحر أشبه في بنائها بكفي اليد المبسوطتين المتباعدتين باستمرار، والفرجة بين الكفين المتباعدين تمثل المنطقة التي يتسع قاع من عندها البحر باستمرار. ولقد بدأت اكتشاف مد الأرض من قيعان البحر المحيط من فرضية افترضها فين ماثويس سنة1963( Vine-Matthews Hypothesis، 1963 ) على أساس تكون قاع البحر من أشرطة ذات مغناطيسية قديمة متبادلة في القطبية ومتساوية في العمر على جانبي وسط المحيط، ثم ثار اتساع قاع البحر من منتصفه حقيقة مؤكدة. شكل1-26: فرضية فين ماثيوس سنة 1963 التى صارت حقيقة عن مد الأرض من منتصف المحيطات وتكون حيد وسط المحيط ولسوف تتضح تلك الإشارة العلمية للبحر المسجور في القسم القرآني بصدع الأرض. وقد أصاب مترجم معاني القرآن الكريم حينما ترجم " المسجور " بما يفيد االتمدد في قوله تعالى: ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ ( And by the Ocean filled with swell ). وبناء على ذلك، فإن أدق وصف للمحيط هو ما جاء بالقرآن أنه البحر المسجور. الحقيقة المؤكدة أن قاع البحر مسجور، والدليل على ذلك حيد وسط المحيط (شكل 1-28). وترجع قصة اكتشاف حيد أو حافة وسط المحيط إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تمكن دارسو المحيطات من قراءة خرائط تضاريس قاع البحر، وكم كانت دهشة العلماء وهم يكتشفون سلسلة جبال تمتد من شمال إلى جنوب المحيط الأطلسي بمحاذاة منتصف المحيط. وكان اكتشاف تلك السلسلة شيء غريب، فبينما كان من المتوقع أن يكون القاع أعمق ما يكون من عند منتصف قاع البحر، إذا بنا نجد القاع يحيد عن الانخفاض ويرتفع مكونا ما يشبه الدرع، وكان المثير حقًّا وجود تلك السلسلة الجبلية في جميع محيطات العالم، وأقرب تشبيه له أنه " مطب " يمتد عند منتصف مطب قيعان المحيطات، يحيط بالكرة الأرضية، ويزيد طول السلسلة تلك عن 80 ألف كيلو متر، وعرضه يزيد عن 1500 كم، ويعلو قاع المحيط بمترين أو ثلاثة أمتار، ويغطي حوالي 20 % من سطح الأرض في قيعان بحار اليوم (شكل1-29). لله در المفسرين، فها هو القرطبي في الجامع لعلوم القرآن ذلك الحيد وهو يفسر سورة ((ق)) يقول ما نصه: [واختلف المفسرون في معنى ((ق)) ما هو؟ فقال بن زيد وعكرمة والضحاك: هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء اخضرت السماء منه، وعليه طرفا السماء والسماء عليه مقبية، وما أصاب الناس من زمرد كان مما تساقط من ذلك الجبلز ورواه أبو الجوزاء عن عبدالله بن عباس]،. والحقيقة أن حيد وسط المحيط يحيط بالأرض إحاطة تامة وأنه يتكوم من صخور البازلت العميقة اللون التى يغلب على تكوينها معادن البيروكسين الخضراء اللون. شكل1-27: حيد وسط المحيط الأطلسى والأكثر عجبا أن تلك السلسلة يشطرها وادي خسيف عميق على شكل أخدود عمقه 1 -2 كم، وعرضه عدة كيلو مترات. ولوحظ وجود شقوق في قاع ذلك الوادي الخسيف يفيض منه البازلت ويملأ قاع الوادي ويمثل الوادي الخسيف حافة تباعد بين قطعتين (لوحين) من قطع الغلاف الصخري. وعند المنطقة الناتجة من تباعد القطعتين المتجاورتين يٌسجَر قاع البحر بالنار (الحمم). ولا يكون البحر بحرًا إلا إذا كانت حالته أنه مسجور. وسبحان من أقسم بالبحر واصفا إياه مُقسما ﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ ولم يٌكتشف أن قاع البحر مٌنشَطر من منتصفه بواسطة العلماء الفرنسيين والأمريكان إلا في سنة 1974م باستخدام غواصة أبحاث صغيرة تمكنوا من الغطس بها في وادي الخسف في المحيط الأطلسي. ولسوف تسجر البحار وتفجر كما أخبر القرآن عن البحار بين يدى الساعة ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ﴾ [التكوير: 6]، ﴿ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴾ [الانفطار: 3]. وحينئذ ستمد الأرض مدًا من منتصفات قيعان البحار، وتصعد الحمم من عندها فتملأ البحر نارًا وحينئذ تسجر البحار، وتمد البحار من منتصفاتها فتخرج أثقال الأرض، وحينئذ تفجر البحار ويكون قد تحقق قوله تعالى : ﴿ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّت ﴾ [الانشقاق: 3 - 5]. شكل-8: مد الأرض من منصفات قاع البحر شكل ( 1-28 ): مد الأرض باستمرار من منتصف قيعان البحار يكون البحر المسجور.
قواعد أصول الفقه التي يعلم منها حاله لابن المبرد
محمود ثروت أبو الفضل
10-10-2020
8,514
https://www.alukah.net//culture/0/142445/%d9%82%d9%88%d8%a7%d8%b9%d8%af-%d8%a3%d8%b5%d9%88%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a-%d9%8a%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%85%d9%86%d9%87%d8%a7-%d8%ad%d8%a7%d9%84%d9%87-%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%a8%d8%b1%d8%af/
قواعد أصول الفقه التي يعلم منها حاله لابن المبرد صدر حديثًا كتاب " قواعد أصول الفقه التي يعلم منها حاله "، المطبوع قديمًا باسم " مجمع الأصول "، تأليف: الإمام جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن حسن بن أحمد ابن عبد الهادي المقدسي الحنبلي الشهير بابن المبرد (ت 909 هـ)، تحقيق: " محمد بن مهدي العجمي "، عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة بجامعة الكويت، في مجلد لطيف، نشر "دار إحياء للنشر والتوزيع"- دولة الكويت. وهو من أخصر المؤلفات في أصول الفقه، والتي ألفها ابن المبرد، ضمن مؤلفاته الأصولية، وأصل هذا الكتاب مقدمة لأحد كتبه وهو كتاب "مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل"، وهي مقدمته الأصولية التي استخلصها في هذا الكتاب وسماها "قواعد أصول الفقه التي يعلم منها حاله"، وقد استخلصها الأستاذ " جمال الدين القاسمي " - من قبل - ضمن مجموع رسائل عثر عليها لابن المبرد، ونشرها قديمًا باسم "مجمع الأصول"، ولعل هذا الاسم استقاه من إحدى مؤلفات "ابن كنان الحنبلي"، والكتاب مختصر للغاية في بيان أصول الفقه وقواعده. وقد وقف المحقق على أربع نسخ خطية للكتاب قام عليها تحقيقه للكتاب، والمقابلة بينهم، وقد قام بالاعتناء بالكتاب، وتشكيله كاملًا، وعلق على ما يحتاج التعليق عليه من عبارات الكتاب، ثم ألحق بالكتاب المتن خالي من الهوامش على طريقة التعليم، بحيث يكون الكتاب كمذكرة دراسية، حيث يورد عبارات المتن في صورة نقاط، وأمامها صفحة فارغة للاستذكار والحفظ وكتابة التعليقات من جانب الطالب، وذلك في الدورات العلمية. وقد بين المحقق أن من أنفس نسخ الكتاب الخطية نسختان بالمكتبة الظاهرية عثر على وصفهما دون الأصول، لذا قام المحقق بالاكتفاء بهذه النسخ الأربع للكتاب وقام عليهم متن كتابه. أما المؤلف فهو العلاّمة يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد الصالحي الحنبلي، ولد سنة 840 هجري، مُحدّث، فقيه، نحوي، مؤرخ، صوفي، له مؤلفات كثيرة، درّس وأفتى، وحضر دروسًا وأخذ الحديث عن أصحاب ابن حجر، ابن العراقي، وغيرهم من أكابر علماء الشام. كان إمامًا، علامة، يغلب عليه علم الحديث والفقه والنحو والتصريف والتصوف والتفسير، وقد ألّف تلميذه شمس الدين ابن طولون مؤلفًا ضخمًا في ترجمته، وكتب في حياته ومصنفاته عدد من الباحثين. مصنفاته تصل إلى 400 مصنف، أبرزها في الحديث الشريف والتاريخ، وأشهرها ما ترك عن تاريخ دمشق العمراني، منها: كتابه الشهير "تاريخ الصالحية"، صالحية دمشق، والذي يعد أول كتاب يؤلَّف عن هذه المدينة التي أُسِّست عام 555 هـ، ولخّصه ابن كنان المتوفى 1153 هـ، وأسماه "ثمار المقاصد في ذكر المساجد". وكتاب " الدر النقي في شرح ألفاظ مختصر الخرقي في فروع الفقه الحنبلي "، و" التمهيد في الكلام على التوحيد "، و" إرشاد الحائر إلى علم الكبائر "، و" دخول الحمام وقوانينه "... وغيرها. و ترك رسائل صغيرة مواضيعها قد دلّت على سعة الأفق الفكري لديه، ومنها: " نزهة الرفاق في شرح حال الأسواق "، و" عدة الملمات في تعداد الحمامات "، و" غدق الأفكار في ذكر الأنهار "، وغيرها.. توفي في عام 909 هـ، ودُفن في سفح قاسيون.
شرح جمل الزجاجي لأبي إسحاق الغافقي
محمود ثروت أبو الفضل
08-10-2020
7,985
https://www.alukah.net//culture/0/142423/%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%ac%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d8%ac%d8%a7%d8%ac%d9%8a-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%a5%d8%b3%d8%ad%d8%a7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d9%81%d9%82%d9%8a/
شرح جمل الزجاجي لأبي إسحاق الغافقي صدر حديثًا "شرح جمل الزجاجي"، تأليف: "أبي إسحاق الغافقي الإشبيلي السبتي المالكي" (ت 716هـ)، دراسة وتحقيق: "إبراهيم بلفقيه اليوسفي"، نشر "دار اللباب". وهذا الكتاب يطبع أول مرة محققًا عن نسختين خطيتين، جيث حُقِّقَ هذا الكتاب من قبل كأطروحة علمية بجامعة أم القرى، ولكن على نسخة خطية وحيدة، هي التي تيسرت للباحث وقتذاك. وهو كتاب في شرح كتاب "الجمل في النحو والإعراب" للزجاجي الذي حظى بشهرة قلما حظى بها كتاب نحوي آخر، حيث كثرت عليه الشروحات والتعليقات، حتى وُضع له في المغرب مئة وعشرون شرحًا. ويرجع سبب الاهتمام به إلى كونه كتابًا مختصرًا يشمل أبواب النحو والصرف كافة خاليًا من التعليلات الفلسفية، ومرتب الأبواب، كذلك قيل عنه أنه كتاب مبارك فيه، لم يشتغل به أحد إلا انتفع به، كتبه الزجاجي عندما كان مجاورًا بمكة، وكان إذا فرغ من باب طاف أسبوعًا، ودعا الله أن يغفر له، وأن ينفع به قارئه. وهذا الشرح لأبي إسحاق الغافقي من أشهر كتب شروح الجمل، وذلك لقيمة مؤلفه، الذي كان إمامًا لأهل المغرب في اللغة والقراءات في عصره، وكان له في كتابه هذا طريقة متميزة حيث يعد كتابه من المختصرات التي تعتني بمهمات مسائل الجمل شرحًا وتعميقًا في حدود ما يحتمله المختصر مع قلة الاستدلال عليها على أنها مسلمة عند الطالب، كما يعتني فيها بتأصيل مبادئ العلم وحد أبوابه، كما تميز عن غيره من الشروح بشموله أكثر أبواب الجمل. إلى جانب أن هذا هو الكتاب الوحيد الذي وصلنا عن هذا الإمام، الذي كان علميًا من أسس تعليم النحو في قطره، حيث درس النحو وغيره من العلوم لأكثر من ثلاثين عامًا حتى قيل إنه ملحق الأبناء بالآباء. قال عنه النباهي: "أستاذ الطلبة وإمام الحلبة، وكان واحد عصره، وفريد قطره، وعمدة طلبته الموثوقين بما استفيد في مجلسه من فنون العلوم". وقال عنه تلميذه التجيبي: "وسمعت... على الشيخ المقرئ النحوي الحافظ عمدة المجودين، أبي إسحاق". وقد التزم أبو إسحاق الغافقي الكتاب المشروح فلم يخرج عن مواد الزجاجي إلا في النزر القليل، وسار على ترتيب أبواب الجمل من غير تقديم ولا تأخير، وإن كان حذف منها، وقد بلغت أبواب كتاب "الجمل" بضعًا وأربعين ومائة باب، ونجد أن الغافقي في بعض الأحيان يقدم بمقدمة يسيرة بين يدي الباب يمهد فيها لكلام الزجاجي كما فعل في باب التعجب وباب "ما". وقد تعددت طرق المؤلف في عرض الخلاف النحوي، فقد يشير إليه دون تفصيل عنه، وربما عرضَ الخلاف في بعض الأبواب ويختار أحد المذاهب، وقد يرد ما لا يراه صوابًا. ومن المصادر التي انتقى منها مادة شرحه: كتاب سيبويه، والبسيط في شرح الجمل لشيخه ابن أبي الربيع. وقد خالف الغافقيُّ الزجاجي في بعض المواضع والمسائل ومن ذلك مخالفته له عند قوله (والوجه الحادي عشر أجازه سيبويه وحده، وهو قولك: مررت برجل حسن وجهه)، فرد الغافقي هذا القول وصرح بذلك فقال: "ولم يجزه سيبويه إلا في الشعر وقال فيه مع ذلك: أنه ردي"، وقال الزجاجي في المسألة نفسها عن سيبويه (وخالفه جميع الناس) فلم يقبل الغافقي هذا القول ورده قائلًا: "لم يخالفه فيما حكي إلا المبرد". ونتيجة أن الغافقي كان في زمنه شيخ عهده في القراءات القرآنية، ومن ثم ظهر إجلاله للشاهد القرآني، وتقديمه على غيره، ولعل هذا يتضح أن شرحه المختصر هذا حوى مائة وبضع عشرة آية، وهو عدد تجاوز ضعف عدد شواهده من الأبيات الشعرية. أما شواهده من الحديث الشريف في الكتاب فكانت ثلاثة شواهد حديثية. والزَّجَّاجي (... - 337 هـ = ... - 949 م) هو أبو القاسم، عبد الرحمن بن إسحاق النهاوندي الزجاجي. • شيخ العربية في عصره. ولد في نهاوند، ونشأ في بغداد، وسكن دمشق وتوفي في طبرية (من بلاد الشام). • نسبته إلى أبي إسحاق الزجّاج [تتلمذ عليه فنسب إليه]. • قرأ أيضًا على أبي جعفر بن رستم الطبري، وعلى أبي الحسن بن كيسان، وأبي بكر بن السرّاج، وأبي الحسن علي بن سليمان الأخفش، وأبي بكر محمد بن القاسم الأنباري، وأبي موسى الحامض، ومحمد بن العباس اليزيدي، وابن دريد. • روى عنه: أحمد بن علي الحبال، وعبد الرحمن بن عمر بن نصر، والعفيف بن أبي نصر، وأحمد بن محمد بن شرام النحوي، والحسن بن علي السقلي. له: 1- الإيضاح في علل النحو، تحقيق الدكتور/ مازن المبارك، دار النفائس، بيروت طبعة ثانية 1416هـ 1996م. 2- الأمالي، تحقيق وشرح/ عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت 1407هـ 1987م. 3- كتاب حروف المعاني، حققه وقدَّم له الدكتور/ علي توفيق الحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت 1406هـ 1986م. 4- الجُمَل في النحو، تحقيق الدكتور/ علي الحمد، مؤسسة الرسالة 1983م. 5- اللامات، تحقيق الدكتور/ مازن المبارك، المجمع العلمي العربي بدمشق 1969م. 6- أخبار أبي القاسم الزجّاجي، تحقيق الدكتور/ عبد الحسين المبارك، دار الرشيد، بغداد 1980م. 7- شرحُ خُطبة أدب الكاتب، حققه وعلَّق عليه الدكتور/ عبد الفتاح سليم، معهد المخطوطات العربية، القاهرة 1993م. 8- مجالس العلماء، تحقيق/ عبد السلام هارون، طبعة وزارة الإرشاد والأنباء، الكويت 1962م. 9- كتاب الإبدال والمعاقبة والنظائر، تحقيق/ عز الدين التنوخي، نشر المجمع العلمي العربي بدمشق 1962م. أما صاحب الشرح فهو العلامة أبو إسحاق الغافقي، إبراهيم بن أحمد بن عيسى بن الغافقي الاشبيلي؛ يكنى أبا إسحاق، ويعرف أيضًا بنسبته إلى غافق؛ أستاذ الطلبة، وإمام الحلبة. خرج عن بلده إشبيلية، عند تغلب الروم عليها، وذلك سنة 646 هـ؛ فلازم الشيخ أبا الحسن بن أبي الربيع، وتصدر بعد وفاته للإقراء في مكانه، فأخذ عنه الكبير والصغير. ولي القضاء بسبتة نيابةً، ثم استقلالًا، وكان واحد عصره، وفريد قطره، وعمدة طلبته الموثوقين بما استفيد في مجلسه من فنون العلوم. أخذ علم العربية على صدر النحاة ابن أبي الربيع المذكور، والقرءات عن الأستاذ أبي الحسن بن الخضار؛ وروى عن المسند المسن أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن سليمان، والأديب الفرضي أبي الحكم مالك بن المرحل المالقي، والقاضي أبي عبد الله بن قاضي الجماعة أبي موسى عمران بن عمران، إلى أمم من أهل المشرق والمغرب والأندلس. ودوَّنَ في علم العربية وغيرها كتبًا نافعة. وتوفي قاضيًا رحمه الله آخر شهر ذي القعدة من عام 716 هـ. قال عنه الذهبي: "كان مقرئًا، نحويًا، ذا علوم وتصانيف وجلالة وتلامذة". وقال عنه ابن حجر العسقلاني: "ساد أهل المغرب في العربية". ولم يذكر له من مصنفات سوى "شرح الجمل" و"قراءة نافع".
المرأة والفقه
د. عطية حامد أبو النور
08-10-2020
7,842
https://www.alukah.net//culture/0/142414/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%a3%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87/
المــرأة والفقـــه المنزلة العلمية للمرأة: بلغت المرأة في الإسلام شأوًا عظيمًا في مجال الفقه والتعليم والفتوى؛ ومما يؤكد ذلك ما ورد عن الإمام مالك بن أنس (ت: 179ه)، حينما كان يُقرأ عليه الموطأ، فإن لحن القارئ في حرف أو زاد أو نقص، تدق ابنته الباب، فيقول أبوها للقارئ: "ارجع فالغلط معك، فيرجع القارئ فيجد الغلط" [1] . ومما يدل أيضًا على المنزلة العلمية للمرأة في الإسلام أنه قد تتلمذ على يديها أساطينُ العلم في مختلف العصور؛ كابن حزم وابن عساكر وابن حجر العسقلاني وغيرهم، يقول ابن حزم: "ولقد شاهدتُ النساء وعلمت من أسرارهن ما لا يكاد يعلمه غيري؛ لأني رُبيت في حجورهن، ونشأت بين أيديهن، ولم أعرف غيرهن، ولا جالست الرجال إلا وأنا في حَدِّ الشباب وحين تبقل وجهي، وهنَّ عَلَّمْنَنِي القرآن، وروينني كثيرًا من الأشعار، ودرَّبنني في الخط..." [2] . وقد أجاز لابن حجر العسقلاني العديد من أعلام النساء في القرن الثامن الهجري؛ كخديجة بنت العماد الخليلية، وشمس الملوك بنت ناصر الدين الدمشقية...، وقرأ الكتب الكثيرة على أم يوسف فاطمة بنت محمد بن عبدالهادي المقدسية الحنبلية، ومدحها بقوله: "ونعمت الشيخة كانت"، كما قرأ على أم عيسى مريم بنت أحمد بن أحمد بن شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي الكثير من مسموعاتها، وأشياء كثيرة بالإجازة، ومدحها بقوله: "ونعمت الشيخة كانت، ديانةً وصيانة ومحبَّةً في العلم"، ورَوى عن عائشة بنت محمد بن عبدالهادي الصالحية الحنبلية المذهب، وقرأ عليها كُتُبًا عديدة [3] . حِرْصُ المرأة على التَّفَقُّهِ في الدين: لقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على التفقه في الدين بقوله: ((من يُرِدِ الله به خيرًا يفقهه في الدين)) [4] ، ولم يخصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخير الرجال دون النساء، بل فتح الباب على مصراعيه لِيَلِجَ منه كل راغب في معرفة أمور دينه ودنياه؛ لذا سارع الرجال والنساء إلى التفقه في أمور دينهم، حتى إن النساء قلن لرسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يومًا كما جعلته للرجال، فجاء صلى الله عليه وسلم إلى النساء فوعظهن وعلَّمهن؛ فعن أبي سعيد: ((أن النساء قُلْنَ للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يومًا، فوعظهن)) [5] ، ولم تكتفِ المرأة بالتفقه في أمور دينها فحسب، بل أسهمت في التعليم والفُتْيَا أيضًا، وحفل التراث الفقهي النسائي بالعديد من النماذج النسائية التي عُرفت بالفقه والفتوى. مراتب النساء في الفتوى: وقد عدَّد ابن حزم الذين حُفظت عنهم الفتوى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا ما بين رجل وامرأة، وكانوا بين مُكْثِرٍ ومتوسط ومُقِلٍّ، فذكر من المكثرين في الفتيا: عائشة رضي الله عنها، ومن المتوسطين: أم سلمة رضي الله عنها، وذكر من المقلين: أم عطية، وصفية أم المؤمنين، وأسماء بنت أبي بكر، وأم الدرداء الكبرى، وميمونة أم المؤمنين، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاطمة بنت قيس، وزينب بنت أم سلمة [6] . المرأة الفقيهة في مختلف العصور: هذا ولم يخلُ عصر من العصور أو قرن من القرون من هؤلاء النسوة اللائي بَرَزْنَ في علم الفقه؛ سواء في المذهب الحنفي، أو المالكي، أو الشافعي، أو الحنبلي، وبلغت الحرية الفكرية ببعضهن أنهن لم يتقيَّدْنَ بالمذهب الفقهي لآبائهن أو أزواجهن. فمن فقيهات القرن الأول الهجري السيدة عائشة رضي الله عنها، ومن القرن الثاني أخت المزني صاحب الشافعي، ومن القرن الثالث خديجة بنت سحنون، وكانت تفتي على مذهب أبي حنيفة، ومن القرن الرابع أمة الواحد بنت المَحاملي، وكانت على مذهب الشافعي، ومن القرن الخامس ابنة فايز القرطبي، ومن القرن السادس فاطمة السمرقندية، ومن القرن السابع أم المؤيد الشَّعرية، ومن القرن الثامن أم زينب فاطمة بنت عباس، وكانت قد تفقهت على مذهب الإمام أحمد، ومن القرن التاسع بيرم الديروطية، وكانت فقيهة مالكية، ومن القرن العاشر خديجة بنت محمد، وكانت حنفية المذهب مع أن أباها وإخوتها شافعيون، ومن القرن الحادي عشر بنت على النشار العاملي، ومن القرن الثاني عشر خُنَاثة بنت بكار، ومن القرن الثالث عشر زينب الفقيهة. من النماذج الفقهية النسائية: السيدة عائشة رضي الله عنها: تُكْنى أم عبدالله الفقيهة، وهي أفقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب، ولها خطب ومواقف، وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبيها وعمر وغيرهم، وروى عنها خلق كثير. قال أبو بُردة بن أبي موسى عن أبيه: "ما أُشكل علينا - أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم - أمرُ قطُّ فسألنا عنه عائشة، إلا وجدنا عندها منه علمًا [7] . فاطمة السمرقندية: هي ابنة الإمام السمرقندي، صاحب كتاب (تحفة الفقهاء)، وزوجة الإمام الكاساني، عالمة فاضلة، وفقيهة محدثة، تفقهت على أبيها، وحفِظت مصنفه التحفة، وأخذت العلم عن جملة من الفقهاء، وأخذ عنها كثيرون، وتصدرت للتدريس، وألفت في الفقه والحديث. قال ابن العديم: "حكى والدي أنها كانت تنقل المذهب نقلًا جيدًا، وقال: كانت تُفتي، وكانت الفتوى أولًا تخرج عليها خطها وخط أبيها، فلما تزوجت الكاساني (ت: 587ه)، كانت الفتوى تخرج بخط الثلاثة... وقد توفيت(581ه)" [8] . ست الملوك الحنبلية: هي فاطمة بنت علي بن الحسين بن حمزة الملقبة بست الملوك، فقيهة حنبلية، روت الحديث وحدثت، وقُرئ عليها مسند الدارمي ومصنفات البغوي، وأجازت بعض معاصريها، أصلها من واسط، وتُوفيت ببغداد سنة (710ه) [9] . فاطمة بنت عباس البغدادية: هي الشيخة المفتية الفقيهة العالمة الزاهدة العابدة؛ أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح البغدادية الحنبلية، تفقهت عند المقادسة بالشيخ شمس الدين وغيره، وقلَّ مَنْ أنجب من النساء مثلها، انصلح بها نساء دمشق؛ بصدقها في تذكيرها وقناعتها باليسير، وكانت تدري الفقه جيدًا وتسأل، وكانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية، وتستفيد منه ومن غيره، وكان ابن تيمية يتعجب من حرصها وذكائها، حتى أثنى عليها، وكان يصفها بالفضيلة والعلم، ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرًا من (المغني) أو أكثره؛ ولذلك كان يستعدُّ لها من كثرة مسائلها، وحسن أسئلتها، وسرعة فهمها، تحولت بعد السبعمائة إلى مصر، وبَعُدَ صيتها، وانتفع بها نساء القاهرة، وتُوفيت ليلة عرفة سنة (714ه) عن نيف وثمانين سنة [10] . عائشة الباعونية: هي الشيخة الصالحة العالمة العاملة أم عبدالوهاب الدمشقية، أحد أفراد الدهر ونوادر الزمان فضلًا وعلمًا، وأدبًا وشعرًا، وديانة وصيانة، وقد حفظت القرآن الكريم ولها ثمانية أعوام. نزلت القاهرة، ونالت من العلوم حظًّا وافرًا، وأُجيزت بالإفتاء والتدريس، وألفت عدة مؤلفات منها: الفتح الحنفي، والملامح الشريفة والآثار المنيفة، ودرر الغائص في بحر المعجزات والخصائص، والإشارات الخفية في المنازل العلية... وتُوفيت سنة (922ه) [11] . وهذا كله يدل على مكانة المرأة المسلمة في العلم والفقه والفتوى، وفيه أبلغ ردٍّ على تلك الدعاوى المُغرضة التي تُطِلُّ برأسها بين الحين والآخر، مُدَّعِيَةً أن الإسلام ظلم المرأة أو أهدر حقوقها، وما هذا - في الحقيقة - إلا إفكٌ مُفترًى، تعاون عليه قوم مُغرِضون. [1] المدخل لابن الحاج (ج: 1، ص: 215)، دار التراث. [2] طوق الحمامة في الألفة والألاف لابن حزم، ص: 166، تحقيق الدكتور إحسان عباس، المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت، الثانية (1987م). [3] راجع: تاريخ الفقه الإسلامي لإلياس دردور (ج: 2، ص: 1232)، دار ابن حزم، الأولى، (1431هـ - 2010م). [4] أخرجه البخاري في كتاب العلم، باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، برقم: (71). [5] أخرجه البخاري في كتاب الجنائز، باب: فضل من مات له ولد فاحتسب ... برقم (1249). [6] راجع: الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (ج: 5، ص: 92 – 94)، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، قدم له الدكتور إحسان عباس، دار الآفاق الجديدة - بيروت. [7] راجع: الطبقات الكبير لابن سعد، (ج: 10، ص: 57 – 79)، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الأولى (1421ه - 2001م)، وتهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني (ج: 4، ص: 680، 681)، مؤسسة الرسالة، والأعلام للزركلي (ج: 3، ص: 240)، دار العلم للملايين، الخامسة عشرة (2002م)، وأعلام النساء في عالمي العرب والإسلام لعمر رضا كحالة (ج: 3، ص: 104 – 123)، مؤسسة الرسالة - بيروت، والدر المنثور في طبقات ربات الخدور لزينب فواز (ج: 4، ص: 473 – 477)، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة. [8] انظر: أعلام النساء (ج: 4، ص: 94، 95)، والدر المنثور (ج: 2، ص: 603)، والمؤلفات من النساء ومؤلفاتهن في التاريخ الإسلامي لمحمد خير رمضان يوسف (ص: 84 – 86)، دار ابن حزم - بيروت، الثانية (1421ه - 2000م). [9] الأعلام للزركلي (ج: 5، ص: 131). [10] سير أعلام النبلاء للذهبي (ج: 17، ص: 443)، مؤسسة الرسالة، وأعلام النساء (ج: 4، ص: 66، 67)، وتاريخ الفقه الإسلامي (ج: 2، ص: 1232). [11] شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (ج: 10، ص: 157 – 159)، دار ابن كثير، الأولى (1993م).
الإعجاز الرباني في تحريم لحم الخنزير
أ. د. علي فؤاد مخيمر
08-10-2020
9,305
https://www.alukah.net//culture/0/142412/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d9%85-%d9%84%d8%ad%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%86%d8%b2%d9%8a%d8%b1/
الإعجاز الرباني في تحريم لحم الخنزير في أنفسنا آياتٌ لا تنتهي، فلو أن الإنسان صرَف عمرَه كلَّه في التدقيق في أجهزتِه وأعضائه، وعضلاته، وأعصابه، لانْقَضَى العمر ولم تنقضِ هذه الآيات الدالةُ على عظمة الله تعالى، وصدق القائل: وفي كلِّ شيءٍ له آيةٌ *** تدلُّ على أنهُ الواحدُ فاللهُ سبحانه وتعالى خلَق الخلق، وهو أعلم بما يضرُّهم وما ينفعهم؛ فيذكر في القرآن الكريم توجيهات للإنسان في حياته إلى حين وفاته، فعندما يُحرم شيئًا في كتابه ويُكرِّر التحريم في أكثر مِن آية كما في تحريم لحم الخنزير؛ حيث ورَد التحريم في أكثر مِن موضعٍ في كتاب الله؛ فهذا يدل على إحاطته وعلمه بما كان، وما سيكون، وما لم يكن. وفي هذه الأيام يوجد فزَعٌ وخوف مِن أمراض الخنازير، فلم تكن هذه الأمراض غريبةً، لكن الطب الحديث ليؤكِّد ما ذكَر في القرآن الكريم منذ ما يزيد على 14 قرنًا من الزمان، وفي هذه السطور سوف نُعطي إن شاء الله نبذة عن هذا الحيوان المحرَّم. الإعجاز العلمي في تحريم لحم الخنزير: قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173]، ماذا نعرف عن الخنزير؟ الخنزيرُ حيوان ثديي، خبيثُ الطبع، تجتمع فيه الصفاتُ السبعية والبهيمية، فهو آكِل كل شيء، وهو نهم كانس؛ فيأكل القمامات والفضلات والنجاسات بشراهة ونَهَم، وهو مفترس يأكل الفئران وغيرها، كما يأكل الجيَف، حتى جيف أقرانه وحتى فضلاته، ولو رُبِّي في أنظف الحظائر! بل يتعمَّد ترك فرائسه الميتة عدة أيام حتى تتعفَّن قبل أن يلتهمَها. والخنزير سريع التوالد؛ إذ تلد أنثاه ما بين (10 - 20 خنوصًا)، وهو سريعُ النمو، وسببُ هذا النمو السريع هو الزيادة في هرمون النمو، والخنزير شرس الطبع، شديد الجماع، وتسود حياته الجنسية الفوضى. ولحم الخنزير يحرم أكله بنصِّ القرآن الكريم، وقد ذهب الجمهور إلى أن الخنزير كله مُحرم؛ لحمه، وشحمه، وعظمه، وكل أجزائه، ولا يجوز الانتفاع به بأيِّ وجه من الوجوه؛ لأن التحريم لذاته؛ أي: لعلة مستقرة فيه، وهو وصف لاصق به. أما اللحومُ الأخرى فهي مُحرَّمة لعلَّة عارضةٍ عليها، فالشاة مثلًا إذا ذكيتْ فلحمُها حلال طيب، ولا تحرم إلا إذا كانتْ ميتةً أو ذُبحتْ لغير الله، والمؤمنُ مُلتزمٌ حين يأتيه الأمر أو النهي مِن الله بالسمع والطاعة، حتى ولو لم يفهم علة الأمر والنهي. الأضرار الصحية لتناوُل لحم الخنزير: الفرق بين لحم الخنزير وغيره من اللحوم: أن لحم الخنزير يحتوي على كمية كبيرة من الدهون، تتخلَّل ضمن الخلايا العضلية في اللحم، علاوة على وجودها خارج الخلايا في الأنسجة الضامَّة بكثافة عالية، في حين أن لحوم الأنعام تكون الدهون فيها مفصولةً عن النسيج العضلي، ولا تكون ضمن الخلايا، وإنما خارج الخلايا وفي الأنسجة. وقد أثبتت الدراساتُ العلمية أن الإنسان عندما يتناول دهون الحيوانات آكلة العشب، فإنَّ دُهُونها تُستحلب في أمعائه، وتُمتصُّ وتتحوَّل في جسمه إلى دهون إنسانية، أما عندما يأكل دهون الحيوانات آكلة اللحوم ومنها الخنزير، فإن استحلابها عسيرٌ في أمعائه، وإن جزئيات ( الفليسريدات ) الثلاثية لدهن الخنزير تُمتصُّ كما هي دون أن تتحول، وتترسَّب في أنسجة الإنسان كدهون حيوانية أو خنزيرية. والكوليستيرول الناجم عن تحلُّل لحم الخنزير في البدن يظهر في الدم على شكل كوليستيرول جزئي كبير الذرة، يؤدي بدوره إلى ارتفاع في ضغط الدم، وتصلُّب الشرايين؛ مما يؤدي إلى احتشاء عضلة القلب. وقد ثَبَتَ عمليًّا أن لحم الخنزير يحتوي على نسبة عالية مِن هرمون النمو الذي يُؤدي إلى زيادة نمو البطن (الكرش)، وزيادة معدل النمو، وخاصة نمو الأنسجة المهيَّأة للنمو السرطاني. ويَحتوي لحم الخنزير أيضًا على مادة ( الهستامين ) التي تُؤدِّي إلى أمراض جلدية؛ مثل: الإكزيمة، والتهاب الجلد العصبي، وغيرهما. الأمراض التي ينقلها الخنزير: حرمت الشريعة الإسلامية لحم الخنزير، وطبق المسلمون الأمر طاعةً لله دون أن يناقشوا العلة من التحريم، ولكن العلماء أثبتوا نتائج مدهشة في الأبحاث التي تختصُّ بنقل الخنزير للأمراض؛ فأثبتوا أن لحم الخنزير مَرتعٌ خصب لأكثر من 450 مرضًا وبائيًّا، وهو يقوم بدور الوسيط لنقل 57 منها إلى الإنسان، مِن هذه الأمراض: 1- إنفلونزا الخنازير: وهو وباء أزعج وأفزع العالم كلَّه هذه الأيام، ينتشر هذا المرض على هيئة وباء يُصيب الملايين من الناس، ومِن مضاعفاته الخطيرة: التهاب المخ، وتضخُّم القلب، وغيرهما. 2- الحمرة الخنزيرية والدودة الشريطية، والحمَّى القلاعية والسالمونيلا...، وغيرها من الأمراض التي يطول بنا المقام لذِكْرِها، ومن الاكتشافات الحديثة التي أظهرتها الهندسة الوراثية أن هناك فيروساتٍ مرضيةً تندمج بالحامض النووي للخنزير، وتنتقل للإنسان فتُسبِّب له أمراضًا خطيرة، علمًا بأن هذه الفيروسات لا تموت بطرق الطبخ المعروفة.
العلوم الإنسانية: الأبعاد التاريخية والمعرفية
موسى علاوة
07-10-2020
4,183
https://www.alukah.net//culture/0/142396/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a8%d8%b9%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%b1%d9%81%d9%8a%d8%a9/
العلوم الإنسانية: الأبعاد التاريخية والمعرفية تقديم: بسم الله الرحمن الرحيم، خالق الإنسان مستخلفه في هذا المكان، رازقه مَلَكَةَ التبيين والبيان، بما فيه صلاحه في المعاش والمعاد، والصلاة والسلام على أمين الرشاد، الهادي العباد إلى صلاح الحال والمآل؛ أما بعد: تشهد الساحة الفكرية المعاصرة حَرَاكًا فكريًّا ومعرفيًّا كبيرًا؛ انطلاقًا من الأفكار والأسئلة التي أصبحت منتشرة، التي مفادها إشكالات جوهرية من شأنها أن تقدم النموَّ والازدهار الفكري والمعرفي للعلوم الاجتماعية والإنسانية في آن واحد، ولعل من أبرز هذه الأسئلة والإشكالات الجوهرية السياق التاريخي للعلوم الإنسانية: هل نشأت باستقلالية ذاتية أو أنها نشأت في ارتباط مع حقل معرفي آخر؟ كل هذا يُعَدُّ حقلًا خصًبا للدراسات الفكرية والمعرفية؛ إذ إنه يفتح أمام الباحثين مجالات عدة للبحث، والغوص في ثنايا وخبايا هذا الإشكال المعرفي. "فالعلوم الاجتماعية أو العلوم الإنسانية هي دراسات تستخدم المنهج العلمي في دراسة مظاهر الفعل الإنساني على مستوى الفرد، أو الجماعة، أو المجتمع، وهي تشتمل على علم الاجتماع، وعلم الإنسان، وعلم الاقتصاد، وعلم النفس" [1] . وعرَّفها علي عبدالمعطي بأنها "تلك التي تدرك العالم على أنه ينطوي على معانٍ، وتكوِّن معرفتنا بتلك المعاني، هذا يعني أن علوم الإنسان تحاول النفاذ إلى الأفكار والمشاعر، والمعاني والمقاصد التي تقف وراء الواقع أو التغيرات المختلفة، وإدراكها إدراكًا كيفيًّا" [2] . ومن جهة أخرى، نجد أن ( جون ستيورات ميل ) يعرِّفها بالأخلاق؛ من أجل التمييز بينها وبين العلوم الطبيعية، و"لقد نحت ( جون ستيورات ميل ) مصطلح العلوم الأخلاقية Moral science الذي يقابله مصطلح Geisteswissen schafien في اللغة الألمانية؛ لكي يدل على تلك العلوم التي نمت نموًّا كبيرًا في القرن التاسع عشر، وتمايزت عن باقي العلوم الطبيعية" [3] . إن الناظر في معاني هذا التعليم، المتبصر في دلالاته، يجد أن العلوم الإنسانية أو الاجتماعية هي العلوم التي تُعنَى بدراسة الإنسان من جميع الجوانب والمستويات، لا على مستوى الفرد، ولا على مستوى الجماعة، لكن الإشكال المطروح في ساحة التداول الفكري في تحرير المعنى الدلالي المعرفي لكلٍّ من العلوم الإنسانية والاجتماعية: هل لها نفس المعنى أو أن هناك اختلافًا منهجيًّا ومعرفيًّا بينهما؟ "وهو إشكال لا يستدعي المقامُ بسطَ ما تداول فيه، خصوصًا وأن الدراسات المعاصرة في مجال الإبستمولوجيا وتاريخ العلوم لم تَعُدْ تهتم كثيرًا بهذا الإشكال، وذلك على اعتبار أن ما هو إنساني هو اجتماعي بالأساس، كما أن ما هو اجتماعي هو اجتماعي، هو بالضرورة إنساني، ولا يمكن الفصل بين الصفتين إلا على مستوًى نظريٍّ محضٍ، أما على المستوى الواقعي، فهما متداخلان ومتكاملان معًا" [4] . غير أنه يوجد مَن يعْتَبِرُ هذا الطرح حول العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية يثير إشكالية تعريفها، والتخصصات العلمية التي تدخل ضمنها، واستشكال العلاقة بين العلوم الإنسانية والاجتماعية، وإن عَمَدَ البعض إلى الأخذ بالتطابق بينهما، فعندما نسأل ابن خلدون، وأوغست كونت، وكارل ماركس، وكدروف، وبياجي، وفوكو - عما هي العلوم الإنسانية، فإن الجواب لن يكون واحدًا، والمبدأ العام المفسِّر لهذا الاختلاف واضح؛ وهو أن التصنيفات التي قدمها هؤلاء المفكرون أو الرؤية التي اقترحوها للعلوم الإنسانية متعلقة من جهة أولى بالوضعية الإبستيمولوجية العامة لمجموع المعارف الإنسانية، عند تقديم كل مفكر لتصنيفه أو اقتراحه لرؤيته، كما أنها متعلقة من جهة ثانية بالموقف الإبستيمولوجي لكل مفكر من نسق المعارف المعاصر له. أنا أحسب أن العلوم الإنسانية والاجتماعية عبارة عن وحدة معرفية متكاملة، ولا يمكن الفصل بينها لا على مستوى التنظير، ولا على مستوى الواقع؛ إذ إن الحديث عن أحد هذه العلوم والتنظير له يستدعي الحديث عن العلم الآخر، ولو بغير قصد، وهذا ما يبين النظرة والوحدة التكاملية بينهما في دراسة الإنسان وتقلبات حياته فرديًّا وجماعيًّا، تفاعله الذاتي، وتفاعله مع محيطه الاجتماعي، وتفاعله مع الله مهما كانت ديانته وانتماؤه العرقي، وهذا ما يفتح لنا الباب لطرح إشكال معرفي؛ ألا وهو: أين تكمن وظيفة العلوم الإنسانية والاجتماعية في دراسة الإنسان، وعلاقته بواقعه المعيش؛ إذ إن هذه العلوم تسعى "جميعها إلى التوصل للمعرفة العلمية، وتحاول أن تستقيَ هذه المعرفة من الواقع، ويمثل الواقع السياق الذي تقع فيه الوقائع الطبيعية والظواهر الاجتماعية والإنسانية؛ فالواقع موجود قبل أي تصور له أو إدراك؛ فهو خارج أي معرفة، ولا يمكن لأي معرفة أن تَزْعُمَ أو تدَّعِيَ أنها هي الواقع" [5] . أي: إن هذه العلوم ليست هي الواقع، ولكن وظيفتها العلمية والمعرفية هي دراسة الواقع، والإحاطة ببعض جوانبه، ورصد ظواهره وتحولاته اقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا، ودينيًّا. هذا ما يوحي بعظم هذا الحقل المعرفي في دراسة الظواهر الإنسانية في أبعادها المختلفة، باحثًا عن العِلَلِ والسُّنَنِ التي تدير حركة التاريخ والإنسان، فهذا تخصص علمي له دراية كبرى بأبعاد الإنسان السيكولوجية والإبستمولوجية والديموغرافية، ويحدد العلاقات الترابطية بين هاته الأطراف، وهذا ما يعطي لهاته العلوم غنًى وتنوُّعًا. [1] الموسوعة العربية العالمية، مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، ط: 2، 1999م، (16/ 371). [2] علي عبدالمعطي، البحث في منهج العلوم الإنسانية، في كتاب: قضايا العلوم الإنسانية قضايا المنهج، إعداد: يوسف زيدان، وزارة الثقافة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة، ص: 16. [3] ريكمان، منهج جديد للدراسات الإنسانية: محاولة فلسفية، ترجمة وتقديم: عبدالمعطي محمد، محمد علي محمد، ط: 1، 1979، بيروت، مكتبة المسكاري، ص: 10. [4] مصطفى محسن، الخطاب السوسيولوجي: شروط التكوين وآليات إنتاج المعرفة، المركز الثقافي العربي، الرباط، المغرب، ط: 1، 2015م، ص: 107. [5] أزمة المنهج في العلوم الإنسانية، علا مصطفى أنور، قضايا منهجية في العلوم الإسلامية والاجتماعية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، رقم السلسلة: 12، ص: 183.
العلم والحضارة في العالم الإسلامي من الرقي إلى التخلف
ميسون سامي أحمد
06-10-2020
3,651
https://www.alukah.net//culture/0/142369/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%8a-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ae%d9%84%d9%81/
العلم والحضارة في العالم الإسلامي من الرُّقِيِّ إلى التخلف إن الإسلام دينٌ يدعو إلى العلم ويحترم العلماء؛ ومن الآيات التي تؤكد حبَّ العلم قوله تعالى: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11]، ويقول الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]. والإسلام دين العلم والحضارة، بل منه انبثق التقدم العلمي الهائل الذي تعلَّمت منه أوروبا في نهضتها الجديدة، عن طريق الأندلس، واختلاطهم بالمسلمين عن طريق الحروب الصليبية [1] . وعلى مدى قرون طويلة تقترب من ألف سنة، كان العلم على مستوى العالم ينطق بالعربية، درسًا وممارسةً وتطبيقًا، ولعلماء الحضارة الإسلامية تاريخٌ حافل بالإنجازات والابتكارات الأصلية التي أفادت منها الإنسانية جمعاء، وكان اهتمام الخلفاء والأمراء بالعلم ورعايتهم لأهله، وتشجيعهم من أوائل أسباب النهضة العلمية التي عاشها العالم الإسلامي [2] . إن أوروبا مَدِينَةٌ للعرب بحضارتها؛ فقد ترجم الغرب مؤلفاتِ علماء العرب، وكان يذهب النصارى إلى بلاد الأندلس العربية لطلب العلوم، وظلت ترجمات كتب العرب - ولا سيما الكتب العلمية - مصدرًا وحيدًا تقريبًا ولمدة خمسة أو ستة قرون للتدريس في جامعات أوروبا [3] ، وكانت الأندلس هي المعبر الذي انتقل خلاله العلم الإسلامي إليها [4] . وقد أقبل بعض علماء الغرب مع الحملات الصليبية على دراسة الإسلام، وكشف ما فيه من أسرار قوته، وقصد بعض الرهبان الفَرنسيين الأندلسَ في أَوْجِ عظمتها ومجدها، وتثقَّفوا في مدارسها، وترجموا القرآن الكريم والكتب العربية إلى لغاتهم، وتتلمذوا على يد علماء المسلمين في مختلف العلوم، وبخاصة في الفلسفة والطب والرياضيات، وبعد أن عاد هؤلاء الرهبان إلى بلادهم، نشروا ثقافة العرب ومؤلفات أشهر علمائهم، ثم أُسِّست المعاهد للدراسات العربية، وأخذت الأديرة تُدرِّس مؤلفات العرب... واستمر الأمر كذلك إلى أن جاء العصر الذي بدأ فيه الغرب باستعمار العالم الإسلامي والاستيلاء على ممتلكاته، وقد انتقلت أعداد هائلة من نوادر المخطوطات العربية إلى مكتبات أوروبا عن طريق الشراء، أو السرقة من المكتبات العامة، التي كانت في منتهى الفوضى آنذاك، وقد بلغت في أوائل القرن التاسع عشر 250,000 مجلد، وما زال هذا العدد يتزايد حتى اليوم [5] . ففضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية وعلى الفكر الغربي أمرٌ ثابت لا ينكره أبناء الغرب، ويذكره بالعرفان مؤرخوه وعلماؤه، وقد كانت مؤلفات علماء العرب خاصة في الطب تُعَدُّ المراجع الأولى في الطب لأساتذة بعض الجامعات الغربية إلى أوائل القرن السابع عشر؛ فقد احتل العرب المركز الأول في ميدان الطب لمدة تزيد عن خمسمائة عام ما بين 700م و1200م [6] ، بينما أعلنت النصرانية الحرب على العلم والعلماء [7] . وفي القرون الأخيرة عانى العالم الإسلامي من التخلف في مختلف المجالات، وقد اعتُبر الاستعمار بمختلف أشكاله مسؤولًا بصفة مباشرة عن عملية التخلف؛ إذ كانت كل السياسات الاستعمارية ترمي إلى القضاء على المقومات الحضارية الأساسية للعالم الإسلامي، بعدما قضت على بنيته التحتية [8] . واعتبرت ظاهرة هروب العقول العربية والإسلامية باتجاه الدول الغربية من أهم المشكلات التي تؤثر في قوة الأمة الإسلامية فكريًّا، وحضاريًّا، وعلميًّا، وقد استفحلت هذه الظاهرة في العقود الأخيرة لأسباب سياسية واقتصادية [9] . وكانت الدول الغربية قد تبنَّت سياساتٍ مُخطَّطة ومدروسة لجذب الكفاءات من الدول النامية؛ حيث تهيئ المحيط العلمي الذي يُحفِّز على مواصلة البحث والتطوير [10] ، إضافة إلى أن العقول المهاجرة تسبب فجوة فكرية وثقافية، ولسد هذه الفجوة تتحول المجتمعات الإسلامية تلقائيًّا إلى مجتمعات مستورِدة لأفكار الغرب وثقافاته [11] . وبذلك يتضح أن تخلف الأمة في مجالات العلم الواسعة قد أدى إلى توجه الشباب العربي والإسلامي نحو الغرب؛ بحثًا عن فرص تحقيق الذات، والبحث عن تقدير الإنجازات، وفرص العمل والثراء. المصادر: القرآن الكريم: 1- الإسلاموفوبيا في أوروبا: الخطاب والممارسة، مجموعة باحثين، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين - ألمانيا، الطبعة الأولى، 2019م. 2- أضواء على الثقافة الإسلامية، الدكتور أحمد فؤاد محمود، إشبيليا للنشر، الرياض - السعودية، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م. 3- بيزنطة والحروب الصليبية (1081 - 1204م)، الدكتور عبدالعزيز رمضان، دار الفكر العربي، القاهرة – مصر، 2008م. 4- العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبدالجليل إبراهيم حماد الفهداوي، دار ورد للنشر، عمان - الأردن، 2009م. 5- الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان - الأردن، الطبعة الأولى، 1430هـ - 2009م. 6- هجرة العقول الإسلامية... متى يتوقف النزيف؟ محمد مسعد ياقوت، شبكة الألوكة، تاريخ النشر: 16/ 12/ 1427ه - 6/ 1/ 2007م، على الموقع الإلكتروني: شبكة الألوكة . 7- هجرة العقول والكفاءات معادلة حضارية، الدكتور خالد حربي، موقع إسلام ويب، على الرابط: https://www.islamweb.net/ [1] العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبدالجليل إبراهيم حماد الفهداوي، دار ورد للنشر، عمان – الأردن، 2009م، ص: 143. [2] هجرة العقول والكفاءات معادلة حضارية، الدكتور خالد حربي، موقع إسلام ويب، على الرابط: https://www.islamweb.net/ [3] بيزنطة والحروب الصليبية (1081 - 1204م)، الدكتور عبدالعزيز رمضان، دار الفكر العربي، القاهرة – مصر، 2008م، ص: 587 - 589. [4] الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، دار المأمون للنشر والتوزيع، عمان – الأردن، الطبعة الأولى، 1430هـ - 2009م، ص: 65. [5] أضواء على الثقافة الإسلامية، الدكتور أحمد فؤاد محمود، إشبيليا للنشر، الرياض – السعودية، الطبعة الأولى، 1421هـ - 2000م، ص: 102 - 103. [6] الفكر الإسلامي في مواجهة الفكر الغربي، الدكتور فؤاد محسن الراوي، ص: 169، 171. [7] العقيدة الإسلامية في مواجهة التنصير، عبدالجليل إبراهيم حماد الفهداوي، ص: 143. [8] الإسلاموفوبيا في أوروبا: الخطاب والممارسة، مجموعة باحثين، المركز العربي الديمقراطي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، برلين – ألمانيا، الطبعة الأولى، 2019م، ص: 10. [9] هجرة العقول الإسلامية... متى يتوقف النزيف؟ محمد مسعد ياقوت، شبكة الألوكة ، تاريخ النشر: 16/ 12/ 1427ه - 6/ 1/ 2007م، على الموقع الإلكتروني: شبكة الألوكة . [10] هجرة العقول والكفاءات معادلة حضارية، الدكتور خالد حربي، موقع إسلام ويب. [11] هجرة العقول الإسلامية ... متى يتوقف النزيف؟ محمد مسعد ياقوت، شبكة الألوكة .
الخنساء شذوذ الأمومة
إبراهيم محمد حمزة
05-10-2020
6,120
https://www.alukah.net//culture/0/142346/%d8%a7%d9%84%d8%ae%d9%86%d8%b3%d8%a7%d8%a1-%d8%b4%d8%b0%d9%88%d8%b0-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%88%d9%85%d8%a9/
الخنساء شذوذ الأمومة على كثرة سِيَرِ الشاعرات العربيات على مدى تاريخ الأدب، لم نجد امرأة أعجبَ من تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد السلمي، الشهيرة بالخنساء، والخَنَسُ هو تأخر الأنف إلى الرأس وارتفاعه عن الشَّفَةِ، وقيل: هو قريب من الفَطَسِ؛ وهو لصوق القصبة بالوَجْنَةِ وضخم الأرنبة، أما مبعث العجب فكثير؛ فرغم وفاتها في أول عصر عثمان بن عفان عام 24 هجرية، بخلاف بين المؤرخين، فإنها فلم تَقُلْ شعرًا في إسلامها؛ فهي شاعرة جاهلية خالصة بتعبير بنت الشاطئ في كتابها ( الخنساء )، وقد أقرَّ ذلك ابن قتيبة قال: "وهي جاهلية، كانت تقول الشعر في زمن النابغة"؛ [الشعر والشعراء]، ولم نعثر على شعر قالته في إسلامها، إلا ثلاثة أبيات ذكرها الجاحظ في ( المحاسن والأضداد )، حين طلب منها الخليفة عمر أن تتوقف عن البكاء، ثم طلب أن تنشده ما قالته في صخر قديمًا فقالت: "أَمَا أني لا أنشدك ما قلت قبل اليوم، ولكني أنشدك ما قلتُه الساعة، فقالت: سقى جَدَثًا أعراقُ غَمْرَةَ دونه وبيشة ديماتُ الربيع ووابلُهُ وكنتُ أُعِير الدمعَ قبلك من بكَى فأنت على من مات قبلك شاغلُه وأرعيهم سمعي إذا ذكروا الأسى وفي الصدرِ مني زفرةٌ لا تزايلُه فقال عمر: دعوها؛ فإنها لا تزال حزينة أبدًا "، ولم تقل الخنساء شعرًا في زوجها، ولم تتألم لفراقه وزواجها من زوج آخر، على كثرة ما أودعته ديوانها الذي حوى نحو مائة قصيدة ومقطوعة. فجيعة بلا رثاء: وربما كان المدهش حقًّا أنها لم ترثِ أولادها، وقد شهِدوا القادسية في العام السادس عشر للهجرة فاستُشهد الأربعة، فلم تتحرك عاطفتها مطلقًا نحوهم؛ مما دفع باحثًا إلى الشك في الأمر كله، فقد ذكر الباحث طه عمرين بمنتدى الحوار بمجلة العربي العدد 549 شكَّه في رواية وفاة أولادها الأربعة، مؤكدًا أن الخنساء لها ولدٌ قد ارتد عن الإسلام المعروف بأبي شجرة، وعاش إلى ما بعد القادسية، ما استطاع أن يقرب من المدينة حتى توفي عمر، وكان يقول: "ما رأيت أحدًا أهيب من عمر"، وأن هناك خنساءَ أخرى هي التي فقدت أولادها؛ وذلك لأنه حسب الوصية الشهيرة أنها قالت لهم في وداعها: "والله إنكم لَبَنُو رجلٍ واحد"، وينهي الكاتب مقاله قائلًا: "لن أقول إنني أتحدى أحدًا ليُثبِتَ عكس ما ذكرته، لكنني أتمنى من أي أحد من القراء أو الكُتَّاب أن يكذِّبني، فيذكر مصدرًا قديمًا تحدث عن استشهاد أولادٍ أربعةٍ للخنساء السلمية". ولا شك أن دوافع الكاتب للشك كثيرةٌ؛ لأن هناك ثلاث شاعرات لُقِّبْنَ بالخنساء؛ منهن أخت زهير بن أبي سُلمى؛ كما ذكر ذلك الآمدي في ( المؤتلف والمختلف )، وهناك أربع صحابيات حملن نفس الاسم ذكرهن ابن حجر في ( الإصابة )، وربما اختلط الأمر على كُتَّابِ السِّيَرِ، وما نراه في الأغاني يظل مدهشًا، حين نجد سردًا لِما يدور في أعماق البيوت، ولا ندري من نقله لنا، ثم يتعجب البعض مما يراه العامة، فها هو دُرَيْدُ بن الصِّمَّةِ يراها ترعى بعيرًا لها وقد خففت ثيابها، فخَلبَتْهُ وشغلته، فذهب لأبيها خاطبًا، ويذكر ( صاحب الأغاني ) روايتين؛ أما الأولى: فمشهورة معروفة حين فضَّلت ابن عمها عليه، أما الثانية: "فقالت لأبيها: أنْظِرْني حتى أشاور نفسي، ثم بعثت خلف دريد وليدةً، فقالت لها: انظري دريدًا إذا بال، فإن وجدتِ بوله قد خرق الأرض، ففيه بقيَّة، وإن وجدته قد ساح على وجهها فلا فضلَ فيه، فاتَّبعته وليدتها، ثم عادت إليها، فقالت: وجدت بوله قد ساح على وجه الأرض، فأمسكت، وعاود دريد أباها فعاودها، فقالت له هذه المقالة المذكورة، ثم أنشأت تقول: أتخطبني هُبلتَ على دريدٍ وقد أطردت سيد آل بدرِ معاذ الله يَنْكِحُني [1] حَبَرْكَى يُقال أبوه من جُشَمَ بن بكرِ ويرد عليها دريد بشعرٍ قوي، فلا ترد ثانية، وتقول: لا أجمع عليه أن أردَّه وأهجوَه". بهذه الشخصية الحاضرة الخارجة عن أعراف مجتمعها وتقاليده، يأتي ذكر الخنساء، قادرة باهرة عالمة بأحوال المجتمع وطبائعه. أهجرها الشعر أم هجرته؟ لماذا قصرت الخنساء رثاءها على أخويها، ولم ترثِ أولادها؟ بل لماذا لم تنشد شعرها بعد إسلامها؟ ولماذا لم ترثِ زوجها وابنتها، بل لم ترثِ شهداءها الأربعة؟ أمر مدهش حقًّا، وقد حاول الكثيرون تبرير ذلك تبريراتٍ لا تُقْنِعُ عقلًا ولا تنفي أصلًا، فقيل: إن المرأة التي استُشهد أولادها هي الخنساء النخعية، وأورد صاحب (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، ص: 173) أن الشعبي قال: "كانت امرأة من النخع لها بنون أربعة شهدوا القادسية، فقالت لبنيها: إنكم أسلمتم فلم تبدِّلوا، وهاجرتم فلم تثوبوا، ولم تَنْبُ بكم البلاد، ولم تقحمكم السنة، ثم جئتم بأمكم عجوز كبيرة، فوضعتموها بين يدي أهل فارس، إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنتُ أباكم ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره، فأقْبَلوا يشتدُّون، فلما غابوا عنها، رفعت يديها إلى السماء وهي تقول: اللهم ادفع عن بَنِيَّ، فرجعوا إليها وقد أحسنوا القتال ما كُلِمَ منهم رجلٌ كَلْمًا، فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفين ألفين من العطاء، ثم يأتون أمهم فيلقونه في حجرها، فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يصلحهم ويرضيهم"؛ [ج: 2، ص: 414]، وهو يكاد يكون ما جاء في (الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء)؛ ألَّفه أبو الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي، وحققه د. محمد كمال الدين عز الدين علي، في أربعة أجزاء، صادرة عن عالم الكتب ببيروت؛ يقول: "وحضَّ المغيرة الناس، وقال: إن الكلام عند القتال فشل، فالزموا الصمت، ولا يزولن أحد منكم عن مركزه، فإذا حركت رايتي فاحملوا... فقالت امرأة من بني أسد لبنيها وهم أربعة: يا بَنِيَّ، والله ما نَبَتْ بكم دارٌ، ولا أفحمتكم سَنَةٌ، ولقد أسلمتم طائعين، وهاجرتم راغبين، وجئتم بأمكم عجوزًا كبيرة، فوضعتموها بين يدي أهل فارس، فقاتلوا عن دينكم وأمكم، فوالله إنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة، فاشهدوا أشدَّ القتال، فحملوا، فقالت: اللهم احفظ فيَّ بني"، وروى الشعبي أن هذه المرأة كانت من النخع، وذكر حديثها بنحو ما تقدم إلى قولها: "كما أنكم بنو امرأة واحدة"، وزاد ها هنا: "ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، انطلقوا فاشهدوا أول القتال وآخره، فأقبلوا يشتدون، فلما غابوا عنها رفعت يديها إلى السماء، وهي تقول: اللهم ادفع عن بَنِيَّ، فرجعوا إليها، وقد أحسنوا القتال، فما كُلِمَ رجل منهم كَلْمًا، قال الشعبي: فرأيتهم بعد ذلك يأخذون ألفين ألفين من العطاء، فيأتون أمهم، فيلقونه في حجرها، فترده عليهم وتقسمه فيهم على ما يصلحهم"، أما ما شك فيه الباحث طه عمرين، فقد أورده كثيرون، وذكر "البغدادي" في ( خزانة الأدب ) أنها "هي أم العَبَّاس بن مرداس وهي أم إخْوته الثَّلَاثَة، وكلهم شاعر، ولم تلد الخنساء إلا شَاعِرًا" (وحتى ابنتها أيضًا شاعرة)، وهناك تداخل شديد في نسبة أبناء الخنساء وعددهم، حتى يقطع الجاحظ في ( رسائله ) بنسبة العباس بن مرداس إلى أم زنجية، وهو ما فصَّله د. يحيى الجبوري محقق ديوان العباس بن مرداس، الصادر عن مؤسسة الرسالة، عام 1991م: "ومن ولدها أبو شجرة السلمي"، وتورد المصادر المتعددة قصة إسلامه ثم رِدَّته، ثم إسلامه، "حين أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يطلب إليه صدقة، فقال له عمر: ومن أنت؟ قال: أنا أبو شجرة السلمي، فقال له عمر: أي عُدَيَّ ( تصغير عَدُو ) نفسه، ألست القائل حين ارتددتَ: ورويتُ رمحي من كتيبة خالد وإني لأرجو بعدها أن أعمرا وعارضتها شهباء تخطر بالقنا ترى البيض في حافاتها والستورا ثم انحنى عليه عمر بالدرة، وهو يعدو أمامه حتى فاته هربًا، وهو يقول: قد ضنَّ عنا أبو حفص بنائله *** وكل مختبط يومًا له ورقُ [راجع الكامل (ص: 220، 221)، طبع أوروبا، وتاريخ الطبري (ص: 1905 – 1908) من القسم الأول، والشعر والشعراء]، وقد ذكر البغدادي القصة كاملة، أن الخنساء نصحت أولادها الأربعة قبل القادسية، وأنهم استُشهدوا جميعًا، فقالت حين بلغها موتهم: "قَالَت: الْحَمد لله الَّذِي شرفني بِقَتْلِهِم، وَأَرْجُو من رَبِّي أَن يجمعني بهم فِي مُسْتَقرِّ رحمته، فَكَانَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه يُعْطِيهَا أرزاق أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة لكل وَاحِد مِنْهُم مائَة دِرْهَم حَتَّى قُبِض"، وقد توفي البغدادي عام 1093ه، ولكن نفس القصة بتفاصيلها نجدها أيضًا في ( الاستيعاب )، وابن عبدالبر توفي عام 463ه، وقد وردت القصة في كثير من الكتب القديمة، وفي الغالب منسوبة للزُّبَيْر بن بكار، وهو كما يقول عنه صاحب ( سير أعلام النبلاء ): "العلَّامة الحافظ النسَّابة، قاضي مكة وعالمها، مولده في سنة اثنتين وسبعين ومائة"، ورواية ابن بكار واضحٌ فيها التَّزيُّد بلا شك، فقد أورد أشعارًا لكل واحد من أولادها، وهم يستعدون للقتال، كما قرأناه في ( الاستيعاب ) ونخلص من ذلك أن المصادر القديمة تذكر الواقعة بتفاصيلها في كتب متعددة؛ منها: الوافي بالوفيَات للصفي، والاستيعاب ج: 4، وخزانة الأدب ج: 1، وشرح مقامات الحريري للشريش، والإصابة ج: 8، ومعاهدة التنصيص ج: 1، وتؤكد أن العباس كان رابع أربعة رجال لها، وأن عمر بن الخطاب ظل يُعْطِيهَا أرزاق أَوْلَادهَا الْأَرْبَعَة، نرجع أخيرًا للشذوذ الغريب في هذه الأم التي ذاب قلبها على أخ لها من الأب، ولم يتحرك لأولادها ولزوجها، حتى في لحظة زواج ابنتها، نجد موقف غاية في الغرابة، وهو مثبت في كتب كثيرة منها (تاريخ دمشق لابن عساكر)، يقول: "عن علقمة بن جرير السلمي، قال: جئت معاوية بن أبي سفيان، فقال: يا علقمة، هل كانت عندكم طريفة خبر أو أعجوبة؟ قال: قلت: قد كان، أفأحدِّثك؟ قال: ذاك أردت، فقلت له: أقبلت قبل مخرجي إليك أسوق شارفًا لي أريد أن أنحرها عند الحي، فأدركني الليل بين أبيات بني الشريد، فإذا عمرة بنت مرداس بن أبي عامر عروسًا، وأمها الخنساء ابنة عمرو بن الشريد، فقلت لهم: انحروا هذا الجزور، فاستعينوا بها على بعض ما أنتم به، وجلست معهم، فلما هُيِّئت أذن له، فدخلنا عليها، فإذا جارية وضيئة على الأدمة، وإذا أمها الخنساء جالسة متلففة بكساء أحمر قد هرمت، وإذا هي تلحظ الجارية لحظًا شديدًا، فقال القوم: بالله يا عمرو، ألا تحرشت بها؟ فإنها الآن تعرف بعض ما أنت فيه، فقامت الجارية تريد شيئًا فوطئت على قدمها وطأة أوجعتها، فقالت وهي مغيظة: حس إليك يا حمقاء، والله كأنما تطئين أمة ورهاء تغني، فقالت الخنساء: أنا والله كنت أكرم منك عرسًا وأطيب ورسًا وذلك زماني، إذ كنت فتاة أعجب الفتيان، أشرب اللبن غضًّا قارصًا، ومحضًا خالصًا، لا أنهش اللحم، ولا أذيب الشحم، ولا أرعى البهم، كالمهرة الصنيع، لا مضاغة، ولا عند مضيع، عقيلة الجواري الحسان الحور، وذلك في شبيبتي قبل شيبي، وعليَّ درع من ثوب، فعجب معاوية من الحديث". البكَّاءة تودِّع الحياة: يقول صاحب الأغاني: "قال حسان بن ثابت: جئت نابغة بني ذبيان، فوجدت الخنساء بنت عمرو حين قامت من عنده، فأنشدته، فقال: إنك لشاعر، وإن أخت بني سليم لبكَّاءة"، هذه البكاءة لماذا لم تبكِ أولادها؟ إننا أمام شخصية قوية مسيطرة واثقة بذاتها، انظر لها حين يقول لها النابغة مشيرًا إلى حسان بن ثابت؛ كما روى ابن قتيبة في (الشعر والشعراء)، إذ قال للخنساء: "أنشديه، فأنشدته، فقال: والله ما رأيت ذات مثانة أشعر منكِ، فقالت له الخنساء: والله ولا ذا خصيين"، ولكنها ترفض زوجًا عظيمًا كدريد بن الصمة، وتتزوج من رجل مِتلاف، يُذهِب ماله، فتذهب لأخيها صخر فيشاطرها ماله، ويعطيها خيره، ويتكرر الأمر عدة مرات، لقد خُدعت في زوجها، فكرِهت عيشتها، وزهدت في تعلُّقها بأبنائها، وظلت بائسة يائسة في حياتها، لولا تدخل صخر بكرمٍ لا مثيل له، ثم يُقتَل صخر، فتبكيه كما لم تبكِ أحدًا قبله ولا بعده، لقد حزنت بلا شك لموت معاوية، لكن لوعتها في صخر لا تُقدَّر، ويموت زوجها، وترثيه ابنتها عمرة بنت مرداس: والفيض فينا شهاب يُستضاء به *** إنا كذلك فينا يوجد الشُّهُبُ كذلك رثى ابنها عباس أخاه سراقة: أعينُ ألا أبكي أبا الهيثمِ وأذري الدموع ولا تسأمي وأثني عليه بآلائه بقول امرئٍ موجع مؤلمِ يبدو أن الخنساء حين ودَّعت أخويها، ودعت معهما الحياة، لقد تساوت قيمتا الموت والحياة لديها، ولذلك لم يعد للشعر قيمته بعدما مات صخر، ولم يعد للشعر سبيلًا، وقد فقدت أجمل ما لاقته في حياتها، وانظر لها وهي تأتي لعائشة عليها السلام، وهي "حليقة الرأس تدُبُّ على عصًا"، لقد ظلت ترثي أخاها حتى عَمِيَتْ، وقصتها مع عائشة رضي الله عنها تشهد بذلك، فقد دخلت على عائشة، وعليها صدار من شعر، قالت لها عائشة رضي الله عنها: "يا خنساء، إن هذا لقبيح، قُبِضَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما لبست هذا، قالت: إن له قصة، قالت: فأخبريني، قالت: زوَّجني أبي رجلًا، وكان سيدًا مِعطاء، فذهب ماله، فقال لي: إلى من يا خنساء؟ قلت: إلى أخي صخر، فأتيناه، فقسم ماله شطرين، فأعطانا خيرهما، فجعل زوجي أيضًا يعطي ويحمل، حتى نفد ماله، فقال: إلى من؟ فقلت: إلى أخي صخر، فأتيناه، فقسم ماله شطرين، فأعطانا خيرهما، فقالت امرأته: أما ترضى أن تعطيَها النصف حتى تعطيَها أفضل النصيبين؟ فأنشأ يقول: والله لا أمنحها شرارها وهي حَصَان قد كفتني عارها ولو هلكتُ مزَّقت خِمارها وجعلت من شعر صِدارَها فذلك الذي دعاني إلى أن لبست هذا حين هلك"، وقد سبق وقالت بوضوح في رثاء معاوية: فآليت آسى على هالكٍ = وأسأل باكية ما لها؟ وفي صخر تقول: إنَّ نفْسِي بعد صخرٍ بالرَّدَى معترفه وبها من صَخْرٍ شيءٌ ليس يُحكَى بالصِّفَه وفيه أيضًا تقول: حلفت بالبيت وزوَّاره إذ يُعمِلون العيس نحو الجِمار لا أجزع الدهر على هالكٍ بعدك ما حنَّت هوادي العِشار هذه مشاعر امرأة باعت حياتها بأبنائها وأزواجها وشِعرِها وشَعرها؛ ولذا ظلت عمرها الطويل تبكي بلا انقطاع؛ ولذا فهذا الشذوذ أصله أن تقوم الأخوة مقامًا أعلى من البُنُوَّة. [1] الحبركي: الغليظ الطويل الظهر القصير الرجلين، والأنثى منه حبركاة، وقد ورد هذا البيت في (اللسان) هكذا: ولست بمرضع ثديي حبركى = قصير الشِّبْرِ من جُشَمَ بن بكرِ؛ [راجع الأغاني وتعليقات المحقق] .
ترجمة الحافظ عماد الدين ابن كثير رحمه الله
مبارك بن حمد الحامد الشريف
04-10-2020
21,319
https://www.alukah.net//culture/0/142322/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d9%81%d8%b8-%d8%b9%d9%85%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d9%83%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87/
ترجمة الحافظ ابن كثير رحمه الله عصره: عاش ابن كثير رحمه الله معظم القرن الثامن الهجري (701-774) في الفترة التي كان يحكم فيها المماليك البحرية [1] مصر والشام، وقد كانت هذه الفترة امتدادًا لأحداث عظيمة مرت على العالم الإسلامي، منها الحروب الصليبية ( 490-960هـ ) [2] ، ومنها سقوط بغداد سنة 656هـ [3] ، ومنها التنازع على السلطة بين الحكام المسلمين؛ مما سبَّب خلع الكثير منهم وقتله أو اعتقاله، وقد ذكر السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة" أن الملك علاء الدين كجك [4] بويع بعد عزل أخيه ونفيه ومعه إخوة له إلى قوص [5] ، ولقب الملك الأشرف وعمره دون ست سنين فأقام خمسة أشهر، ثم خلع واعتقل حتى مات وبعده تولَّى أخوه شهاب الدين أحمد، ولقب الملك الناصر وبقي أربعين يومًا، ثم خُلع سنة 743هـ، وقيل: من أول سنة 745هـ، وأقيم بعده أخوه عماد الدين إسماعيل، ولُقِّب الملك الصالح، فأقام إلى أن مات في رابع ربيع الآخر سنة ست وأربعين وسبعمائة وعمره نحو عشرين سنة [6] . وذكر صاحب خطط الشام أنه في سنة 742هـ جرى من تقلبات الملوك والنواب واضطرابهم ما لم يجر في مئات من السنين [7] ، ولعل ضَعف الدين والسرف والتبذير والنزعات المذهبية بين أهل السنة والرافضة سبب في هذا الاضطراب السياسي، فكان من الطبيعي أن يؤثر على الحياة الاجتماعية، فحصل كثير من المجاعات وانتشار الأمراض والأوبئة والوفيات بين الناس بسبب هذا [8] ، ولكن مع ذلك فقد ساد في هذه الفترة نهضة علمية كبيرة تمثلت في كثرة المدارس ودور التعليم [9] ، فانتشار العلم وكثرة التأليف في شتى العلوم، وتعدُّد المجتهدين والحفاظ الذين برزوا في كثير من العلوم؛ كابن تيمية [10] ، والحافظ الذهبي، والحافظ المزي والبرزالي، وابن القيم وابن كثير وغيرهم، ولعل أهم أسباب هذه النهضة العلمية والنشاط الفكري: 1- تنافس الأمراء المماليك في تشجيع العلوم وتقريبهم العلماء وإجزال العطاء لهم. 2- كثرة الأوقاف على المساجد والمدارس والأربطة من الحكام والأمراء والعامة. 3- يقظة الرأي العام الإسلامي بعد تلك المحن والأحداث المؤلمة التي مرت بالأمة الإسلامية. 4- وجود علماء أفذاذ وصلوا إلى مرتبة التجديد والاجتهاد في هذه الفترة، وهذا العصر أثَّر على حرية الفكر في البحث والمناظرة في المسائل العلمية والقضاء على التقليد المذهبي الذي هو جمود فكري وإضعاف للحرية الفكرية [11] . فهذا العصر الذي عاش فيه ابن كثير كان له أثر كبير على نشأته وتكوينه العلمي ومنهجه الفكري، وأثره الدعوي والإصلاحي، وما خلَّفه من آثار ومؤلفات في التفسير والحديث والتاريخ والفقه، وغير ذلك مما سنتعرض له في الفصول القادمة إن شاء الله. نسبه ومولده ونشأته [12] : هو الإمام العالم الحافظ المفسر المؤرخ أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن زرع القرشي البصري [13] ، ثم الدمشقي الفقيه الشافعي، وُلد بمجدل وهي قرية شرقي بُصرى من أعمال دمشق في سنة إحدى وسبعمائة؛ إذ كان أبوه خطيبًا بها، ثم انتقل إلى دمشق سنة سبع وسبعمائة مع أخيه كمال الدين عبدالوهاب بعد موت أبيه، ولندع الإمام ابن كثير نفسه يحدثنا عن نشأته وأسرته، وذلك حين ترجم لوالده في كتابه البداية والنهاية عند دخول سنة ثلاث وسبعمائة، فيقول: «وفيها توفي الوالد وهو الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير بن ضوء بن كثير بن ضوء بن درع القرشي من بني حصلة، وهم ينسبون إلى الشرف وبأيديهم نسب ووقف على بعضها شيخنا المزي، فأعجبه ذلك وابتهج به، فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك: القرشي - من قرية يقال لها الشركويين من غربي بُصرى بينها وبين أذرعات، وُلِد بها في حدود سنة أربعين وستمائة، واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى، فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة، وحفظ جمل الزجاجي [14] ، وعُنِيَ بالنحو والعربية واللغة، وحفظ أشعار العرب، حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي، وقليل من الهجاء، وقُرِّر في مدارس بصرى بمبرك [15] الناقة شمالي البلد. ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى وتمذهب للشافعي وأخذ عن النواوي [16] ، والشيخ تاج الدين الفزاري [17] ، وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني، فأقام بها نحوًا من اثنتي عشرة سنة، ثم تحول إلى خطابة مجدل القرية التي منها الوالدة، فأقام فيها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة، وكان يخطب جيدًا، وله قبول عند الناس، ولكلامه وقع، لديانته وفصاحته وحلاوته، وكان يؤثر الإقامة في البلادلما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله، وقد ولد له عدة أولاد من الوالدة، ومن أخرى قبلها، أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس، ثم من الوالدة عبدالوهاب وعبدالعزيز ومحمد وأخوات عدة، ثم أنا أصغرهم، وسُمِّيت باسم الأخ إسماعيل؛ لأنه كان قد قدم دمشق، فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده، وقرأ مقدمة في النحو وحفظ «التنبيه» و«وشرحه» على العلامة تاج الدين الفزاري، وحصل المنتخب في أصول الفقه قاله لي شيخنا ابن الزملكاني، ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية، فمكث أيامًا ومات، فوجد الوالد عليه وجدًا كثيرًا، ورثاه بأبيات كثيرة، فلما وُلدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه، فأكبر أولاده إسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل، فرَحِمَ الله من سلف وختَم بخير لمن بقِي، توفي والدي في شهر جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعمائة في قرية مجدل القرية، ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون، وكنت إذ ذاك صغيرًا من ثلاث سنين أو نحوها لا أدركه إلا كالحلم، ثم تحوَّلنا من بعده في سنة سبع وسبعمائة إلى دمشق صحبة الأخ كمال الدين عبدالوهاب، وقد كان لنا شقيقًا وبنا رفيقًا شفوقًا، وقد تأخَّرت وفاته إلى سنة خمسين وسبعمائة، فاشتغلت على يديه في العلم، فيسَّر الله تعالى ما يسر وسهل منه ما تعسر، والله أعلم » [18] . طلبه للعلم: نشأ ابن كثير منذ طفولته على طلب العلم، فبدأ على يد أخيه عبدالوهاب كما مر، ثم اتجه في تحصيله إلى كبار علماء عصره، فحفظ القرآن وختم حفظه سنة إحدى عشرة وسبعمائة [19] ، ثم قرأ شيئًا من القرآن على الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش اللباد المتوفى سنة 724هـ [20] ، فقد كان يقرئ الناس بالجامع نحوًا من أربعين سنة، وقرأت عليه شيئًا من القرآن [21] . وحفظ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي المتوفى سنة 476هـ [22] ، وعرضه في الثامنة عشرة من سنِّه [23] ، وحفظ مختصر ابن الحاجب المتوفى سنة 646هـ [24] ، وتفقَّه على الشيخين برهان الدين الفزاري المتوفى سنة 729هـ، وكمال الدين قاضي شهبة المتوفى سنة 726هـ، وصاهر الحافظ أبا الحجاج المزي، فتزوَّج ابنته ولازمه، وأخذ عنه علم الحديث ومعرفة الأسانيد والعلل والرجال، وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية، وكانت له به خصوصية ومناضلة عنه، واتباع له في كثير من آرائه، وكان يفتي برأيه في مسألة الطلاق، وامتحن بسبب ذلك وأُوذي [25] ، وهكذا ترقَّى ابن كثير في تحصيل العلوم الشرعية والعربية، حتى بلغ القمة وصار يشار إليه بالبنان، ولذلك قال عنه ابن تغري بردي [26] : «وبرع في الفقه والتفسير والحديث... وجمع وصنَّف ودرس، وحدَّث وألَّف» [27] . وقال الشوكاني: «برع في الفقه والتفسير والنحو وأمعن النظر في الرجال والعلل» [28] . فجهاد ابن كثير المتواصل، وحرصه الدائب على طلب العلم وتحصيله منذ نعومة أظفاره، جعلت منه محدثًا كبيرًا، وإمامًا عالِمًا ومفسرًا جليلًا، ومؤرخًا قديرًا وفقيهًا بارعًا، وأمر آخر له أثر كبير في تنوُّع علوم ابن كثير وتعدُّدها، ألا وهو مصاحبته لعلماء كبار في عصره، أمثال المزي والذهبي وابن الزملكاني والبرزالي، وابن تيمية خاصة. إضافة إلى ذلك، فقد كان المنهج الذي سلكه ابن كثير في العلاقة بالسلطة في وقته، هو أن علاقته ليست رسمية بقد ما هي مشاركات في نطاق النصح والإرشاد والمشورة والتعليم وحل المنازعات ونحو ذلك؛ مما كان يُدعى إليه من قِبَل الأمراء وغيرهم، والذين كانوا يحرصون على مشاركة ابن كثير في مثل هذه القضايا والأحداث، وهذا النمط من العلاقة أتاح لابن كثير الحرية الكافية في مؤلفاته وكتاباته، وعدم الخضوع بالتالي لإيحاءات السلطة وإغراءاتها، بل ربما امتحن وأُوذي بسبب صلابته في بعض مواقفه وآرائه، خصوصًا تلك التي تابع فيها شيخه ابن تيمية [29] ، لذا نجد في مؤلفاته العلم الغزير والثقافة الواسعة والمعارف المتنوعة، فهي مليئة – خاصة تفسيره وتاريخه – بالحديث عن أهل الكتاب وضلالاتهم، وما حصل من التحريف في كتبهم المنزلة ومحاورته لقساوستهم، ورجال الدين فيهم، وكذلك إلمامه بعقائد المذاهب والفرق الضالة، وبيانه لانحرافها وزَيغها؛ كالقدرية والجهمية والمعتزلة، وكذلك ما حصل من المنازعات والخصومات بين السنة والرافضة. ومعرفته للتتار وشريعتهم التي وضعها هولاكو في كتاب الياسق؛ ليكون دينًا لهم ومرجعًا يتحاكمون إليه، إضافة إلى معرفته بالعلوم الأخرى؛ كعلم الهيئة والفلك والجغرافيا والتاريخ، والأحداث السياسية والاجتماعية التي حدثت في زمانه، وغير ذلك مما يدل على سعة علمه وكثرة اطلاعه، وسنذكر بعض الأمثلة على ذلك بإيجاز، فمثلًا: • فيما يتعلق بعقائد أهل الكتاب والتحريف الذي حصل في كتبهم، فيذكر رحمة الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [المائدة: 12] ، «يعني عرفاءَ وعلى قبائلهم بالمبايعة»، وذكر قول ابن إسحاق [30] في أسماء العرفاء، ثم قال: «وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل، وأسماء مخالفة لما ذكره ابن إسحاق» [31] ، ويحكي قصة تبديل دين المسيح وتحريفه على يد قسطنطين [32] ، وأنه جمعهم في محفل كبير من مجامعهم.... ولم يجتمع على مقالة واحدة أكثر من ثلاثمائة وثمانية منهم اتفقوا على قول، وصمَّموا عليه، ومال إليهم الملك وكان فيلسوفًا، فقدَّمهم ونصَرهم وطرد مَن عداهم، فوضعوا الأمانة الكبيرة، بل هي الخيانة العظيمة ووضعوا له كتب القوانين، وشرعوا له أشياءَ، وابتدعوا بدعًا كثيرة، وحرَّفوا دين المسيح وغيَّروه، فابتنى لهم حينئذ الكنائس الكبار في مملكته كلها، بلاد الشام والجزيرة والروم، فكان مبلغ الكنائس في أيامه ما يقارب اثني عشر ألف كنيسة.... [33] . ومما يدل على تمكن ابن كثير من معرفة عقائد النصارى أن بعض النصارى يسأله ويستشيره في دينه النصرانية كما فعل البترك بشارة، حينما بايعه مطارنة الشام وجعلوه بتركًا بدمشق عوضًا عن البترك بأنطاكية، فذكر له ابن كثير أن هذا أمر مبتدع في دينهم، وبيَّن له السبب في ذلك، ثم قال ابن كثير: «وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة، وهم الملكية واليعقوبية – ومنهم الإفرنج والقبط - والنسطورية، فإذا هو يفهم بعض الشيء، ولكن حاصلة أنه حمار من أكفر الكفار» [34] . • وكذلك إلمامه ومعرفته بالجغرافيا والفلك يقول رحمه الله عند تفسير قوله تعالى: ﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ﴾ [الدخان: 25 - 27] : «كانت الجنان بحافتي هذا النهر من أوله إلى آخره في الشقين جميعًا ما بين أسوان إلى رشيد، وكان له سبع خَلُج، خليج الإسكندرية وخليج دمياط وخليج سردوس، وخليج مَنْف، وخليج الفيوم، وخليج المَنْهى، متصلة لا ينقطع منها شيء عن شيء، وزروع ما بين الجبلين كله من أول مصر إلى آخره ما يبلغه الماء، وكانت جميع أرض مصر تروى من ستة عشر ذراعًا لما قدروا ودبروا من قناطرها وجسورها وخلجها» [35] . ويقول عن أنوع الرياح عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [الجاثية: 5] : «أي جنوبًا وشامًا ودبورًا، وصبا بحرية وبرية ليلية ونهارية، ومنها ما هو للمطر ومنها ما هو للقاح، ومنها ما هو غذاء الأرواح ومنها ما هو عقيم» [36] . ويقول عن الكواكب التي في السماء: «وأن منها سيارات وهي المتحيرة في اصطلاح علماء التسيير، وهو غالبه صحيح بخلاف علم الأحكام، فإن غالبه باطل، ودعوى ما لا دليل عليه، هي سبعة القمر في سماء الدنيا وعطارد في الثانية والزهرة في الثالثة... وعندهم أن الأفلاك السبعة بل الثانية تدور بما فيها من الكواكب الثوابت والسيارات في اليوم والليلة، دورة كلية من الشرق إلى الغرب، وعندهم أن كل واحد من الكواكب السيارات يدور على خلاف فلكه من المغرب إلى المشرق، فالقمر يقطع لفلكه في شهر والشمس تقطع فلكها، وهو الرابع في سنة، فإذا كان السَّيْران ليس بينهما تفاوت وحركاتهما متقاربة، كان قدر السماء الرابعة بقدر السماء الدنيا اثنتي عشرة مرة، وزحل يقطع لفلكه وهو السابع في ثلاثين سنة، فعلى هذا يكون بقدر السماء الدنيا ثلاثمائة وستين مرة» [37] . وأخيرًا عندما تحدث عن الياسق وهو الكتاب الذي وضعه جنكيز خان ملك التتار؛ ليكون شرعًا متبعًا للتتار يقدمونه على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال عند تفسير قوله تعالى:﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [المائدة: 50] ، «ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال، بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم، وكما يحكم التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيز خان الذي وضع لهم «الياسق»، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام تَمَّ اقتباسها من شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعًا متبعًا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن فعل ذلك منهم، فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يُحكم سواه في قليل ولا كثير» [38] . شيوخه: تلقى الحافظ ابن كثير العلم على شيوخ كثيرين [39] لهم قدم راسخة في العلم ومكانة عظيمة عند العامة والخاصة، منهم: 1- إبراهيم بن عبدالرحمن بن إبراهيم بن ضياء بن سباع الفزاري المعروف ببرهان الدين ابن الفِرْكاح، شيخ المذهب وعلمه، ومفيد أهله شيخ الإسلام مفتي الفرق بقية السلف، سمع عليه ابن كثير صحيح مسلم وغيره، وقال: «وبالجملة فلم أر شافعيًّا من مشايخنا مثله» [40] ، توفى سنة 729هـ. 2- شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجازي المعروف بابن الشحنة، سمع ابن كثير عليه بدار الحديث الأشرفية في أيام الشتويات نحوًا من خمسمائة جزء بالإجازات والسماع [41] ، توفِّي سنة 730هـ. 3- الحافظ أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن بن يوسف بن عبدالملك جمال الدين ابن الزكي أبو محمد القضاعي الكلبي المشهور بالمزي المتوفى سنة 742هـ، وقد لازم ابنُ كثير المزي وسمع منه أكثر تصانيفه، واستفاد منه في الحديث والرجال، وتخرج على يديه، وصاهره فتزوَّج ابنته، وصار قريبًا منه في بيته، وترجم له ووصف يوم وفاته [42] . 4- الحافظ الذهبي محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز أبو عبدالله شمس الدين الدمشقي الحافظ للحديث المحقق مؤرخ الإسلام والمسلمين المتوفى سنة 748هـ، وتكرر وصف ابن كثير له بـ«شيخنا» وقال: «وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه» [43] . 5- كمال الدين أبو المعالي بن الشيخ علاء الدين على بن عبدالواحد بن خطيب زمكان عبدالكريم بن خلف من نبهان الأنصاري الشافعي ابن الزملكاني المتوفى سنة 727هـ، وصفه ابن كثير بشيخناالعلامة وقال: «انتهت إليه رياسة المذهب تدريسًا وإفتاءً ومناظرة» [44] . 6- الحافظ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي الشافعي المتوفى سنة 739هـ مؤرخ الشام، تكرَّر ذكر ابن كثير له بشيخنا، واعتبر كتابه البداية والنهاية ذيلًا لتاريخ البرزالي، وقال: «هذا آخر ما أرَّخه شيخنا الحافظ البرزالي في كتابه الذي ذيَّل به على تاريخ شهاب الدين أبي شامة، وقد ذيَّلت على تاريخه إلى زماننا هذا، وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من سنة 751هـ» [45] . 7- شيخ الإسلام أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام ابن تيمية الحراني الدمشقي الحنبلي المتوفى سنة 728هـ، صحبه ابن كثير وتعلَّم منه وتفقه عليه وأحبه [46] ، بل فُتن بحبه؛ كما قال ابن حجر: «وأخذ عن ابن تيمية ففُتن بحبه وامتُحن بسببه» [47] ، وقال ابن العماد [48] : «وصحب ابن تيمية – يعني ابن كثير – وكانت له خصوصية بابن تيمية ومناضلة عنه، وإتباع له في كثير من آرائه، وكان يُفتي برأيه في الطلاق، وامتُحن بسبب ذلك وأُوذي» [49] . ويظهر هذا الحب في عبارات ابن كثير المتكررة التي ملؤها الإطراء والثناء والإعجاب بشيخه، فمثلًا حينما ذكر وصف المجلس الذي حضره القضاة والعلماء عند نائب السلطة بالقصر لقراءة عقيدة الشيخ ابن تيمية «الواسطية »، وتكلم الشيخ صفي الدين الهندي [50] مع ابن تيمية كلامًا كثيرًا، فقال ابن كثير: «ولكن ساقيته لا طمت بحرًا» [51] . ولَما طلب السلطان العلماء لمناظرة ابن تيمية قال ابن كثير: «فاعتذروا بأعذار بعضهم بالمرض، وبعضهم بغيره لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوٍ عليه من العلوم والأدلة، وأن أحدًا من الحاضرين لا يطيقه» [52] ، وقد تكرر هذه العبارات كثيرًا عند ابن كثير [53] . وليس غريبًا أن يعجب ابن كثير بشيخه هذا الإعجاب، ويصل إلى حد الافتتان؛ كما قال ابن حجر [54] ، فليس هو وحده الذي بهره ابن تيمية وأعجبه، بل إن جهابذة العلماء وأكابرهم في ذلك العصر من شيوخ ابن تيمية وأقرانه وتلاميذه وممن يحبه ويعاديه، كل أولئك أعجبوا بابن تيمية، وأدهشتهم شخصيته، وهالَتهم غزارةُ علمه وتنوُّع معارفه، فمثلًا يقول الذهبي وهو من تلاميذ ابن تيمية: «وهو – أي ابن تميمة – أكبر من أن ينبه مثلي على نعوته، فلو حُلِّفتُ بين الركن المقام، لحلَفت ما رأيت بعيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه في العلم» [55] . وابن الزملكاني وهو ممن اختلف مع ابن تيمية في آخر حياته، وهمَّ بإيذائه ولكن عاجلته المنية [56] ، ومع ذلك فقد وجد ابن كثير بخط الزملكاني: «أنه - ابن تيمية - اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها، وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة، والترتيب والتقسيم والتبيين كما أن هذا الثناء جاء من شخص بينه وبين ابن تيمية مودة ومحبة منذ الصغر وسماع الحديث والطلب في نحو خمسين سنة» [57] ، وقال بعد مناظرة له: «لم ير من خمسمائة سنة.... أحفظ منه» [58] ، وكذلك ابن مخلوف [59] قاضي القضاء بمصر، وهو من ألد أعداء ابن يتيمة، وممن حرَّض السلطان على قتْله، لم يسعه إلا أن يعترف بفضل ابن تيمية، وأنه ما رأى مثله، فيقول: «ما رأينا مثل ابن تيمية حرَّضنا عليه، فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجَج عنا» [60] . وقال ابن دقيق العيد [61] : «لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا العلوم كلها بين يديه، يأخذ منها ما يريد ويدع ما يريد» [62] . هذا هو ابن تيمة في عيون محبِّيه وأصحابه وأعدائه، فلا عجب إذًا بعد إيراد مثل هذه النصوص وهي كثيرة [63] أن يُحب ابن كثيرشيخه، بل يفتن في ذلك ويمتحن ويؤذى بسببه [64] . ولا شك أن هذه الصحبة لابن تيمية أثرت في حياة ابن كثير تأثيرًا عميقًا، وأفادته في علمه ودينه وخلقه، وتكوين شخصية مستقلة له، فالتجديد الذي تميَّز به ابن كثير مع غزارة العلم وأصالة الفكر، كان فضله يعود بعد توفيق الله إلى علاقته بابن تيمية [65] . بل إن ابن كثير نفسه قد تفوَّق على شيخه في تطبيق المنهج النظري الذي صاغه ابن تيمية في تفسير القرآن، وأخذ هذه النظرية عنه تلميذه ابن كثير، نجد أنه يعد خير من طبَّقها، «ولا نغالي إذا قلنا أنه كان أكثر التزامًا بها من أستاذه الذي طالَما استطرد وضمَّن مباحث ومسائل وقضايا، كان الواجب ألا تندرج تحته» [66] . وهناك غيرهم ممن ذكرت صرَّح ابن كثير أنه تتلمذ عليهم واستفاد منهم، وذكرهم بقول: «شيخنا»، سأذكر بعضهم على سبيل الإجمال: ضياء الدين عبدالله الزربندي النحوي، قال ابن كثير: «كنتُ ممن اشتغل عليه في النحو توفي سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة [67] ، والشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد المعروف بابن البُصَيْص المتوفي سنة 716هـ؛ قال ابن كثير «شيخ صناعة الكتابة في زمانه لا سيما في المَزوَّج والمثلث وأنا ممن كتب عليه» [68] . وشمس الدين أبو عبدالله محمد بن شرف الدين بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 730هـ، قال ابن كثير: «عليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة» [69] . وشمس الدين أبو محمد بن عبد بن محمد بن يوسف بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي الحنبلي المتوفي سنة 737هـ، قال ابن كثير: «قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة كثيرًا من الأجزاء والفوائد» [70] . والقاضي محي الدين أبو زكريا يحيى بن إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي المتوفى سنة 724هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه الدارقطني وغيره» [71] ، والشيخ محمد بن جعفر فرعوش ويقال له: اللبَّاد المتوفى سنة 724هـ، قال ابن كثير: «قرأت عليه شيئًا من القراءات» [72] . والشيخ عفيف الدين محمد بن عمر بن عثمان بن عمر الصِّقلِّي المتوفى سنة 725هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه شيئًا من سنن البيهقي» [73] . والشيخ الصالح أبو الحسين علي بن محمد بن عبدالله الجُبُنِّي المتوفى سنة 717هـ، قال ابن كثير: «صححت عليه العمدة وغيرها» [74] . ونجم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالواحد المتوفى سنة 729هـ، قال ابن كثير: «سمعنا عليه الموطأ وغيره» [75] ، وجمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن نصر الله بن أسد بن حمسة التميمي المعروف بابن القلانسي المتوفى سنة 731هـ، قال ابن كثير: «وهو من أذن لي في الإفتاء، وخرَّج له، فخر الدين البعلبكي مشيخه سمعنا ها عليه» [76] . وممن ذكرهم بـ«شيخنا»: 1- ابن تيمية [77] المتوفى سنة 728هـ. 2- الحافظ الذهبي [78] المتوفى سنة 748هـ. 3- الحافظ المزي [79] المتوفى سنة 742هـ. 4- ابن الزملكاني [80] المتوفى سنة 727هـ. 5- البرزالي [81] المتوفى سنة 739هـ. 6- ابن حامد [82] البجلي المتوفى سنة 722هـ. 7- الدمياطي [83] المتوفى سنة 705هـ. 8- والزربندي [84] النحوي المتوفى سنة 723هـ. 9- برهان الدين الفزاري [85] المتوفى سنة 729هـ. 10- عفيف الدين الأزجي [86] الحنبلي المتوفى سنة 728 هـ. 11- أبو محمد عبدالله العفيف المقدسي الحنبلي [87] المتوفى سنة 737هـ. تلاميذه: ذكر ابن العماد الحنبلي أن تلاميذ ابن كثير عدد كبير [88] ، ويؤيد ذلك أن ابن كثير نفسه تولى التدريس في عدة مدارس مثل النجيبية [89] والفاضلية [90] ، كما تولَّى مشيخة الحديث بالمدارس ودور الحديث الكبرى؛ مثل المدرسة الصالحية [91] ، ودار القرآن والحديث التنكيزية [92] ، ودار الحديث الأشرفية الجوانية [93] ، وغيرها من المدارس. ومن أشهر تلاميذه: 1- شهاب الدين حجي بن أحمد بن حجي بن موسى بن أحمد شهاب الدين الشافعي [94] المتوفى سنة 816هـ، وقد استفاد ابن حجي من شيخه ابن كثير وأثنى عليه، وقال: «ما اجتمعت به قط إلا استفدت منه ولازمته ست سنين» [95] . 2- الزركشي محمد بن بهادر بن عبدالله بدر الدين الزركشي الشافعي [96] المتوفى سنة 794هـ، قال ابن حجر [97] : «رحل إلى دمشق فأخذ عن ابن كثير الحديث، وقرأ عليه مختصره في علوم الحديث ومدحه ببيتين» [98] . 3- ابن الجزري شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الشافعي [99] المتوفى سنة 833هـ، وقد صرح ابن الجزري نفسه بالسماع من ابن كثير؛ حيث قال: «وأما حديث أم زرع، فسمعت شيخنا الحجة عماد الدين إسماعيل ابن كثير يقول... » [100] . 4- سعد الدين سعد بن يوسف بن إسماعيل النووي [101] المتوفى 805هـ، قال النعيمي: «حمل عن ابن كثير، وقرأ عليه تأليفه اختصار علوم الحديث، وأذِن له ابن كثير في الفتوى» [102] ، وغيرهم كثير. صفات ابن كثير وفضائله: لقد حبى الله سبحانه وتعالى الإمام ابن كثير حافظة قوية ومتميزة وموهبة عالية ومتفوقة ونبوغًا مبكرًا، فحفظ القرآن كما مر معنا وهو في الحادية عشرة من عمره، وحفظ التنبيه في الفقه الشافعي وعرضه، وهو في السنة الثامنة عشرة من سِنِّه. فلذلك وصفه عدد من العلماء بحفظ المتون، فقال شيخه الذهبي: «ويحفظ جُملة صالحة من المتون والرجال وأحوالهم، وله حفظ ومعرفة» [103] ، وقال عنه تلميذه ابن حجي: «أحفظ من أدركناه لمتون الأحاديث ورجالها وأعرفهم بجرحها وصحيحها وسقيمها، وكـان أقرانه يعترفون له بذلك » [104] [105] . ثم إنه مع حفظه يتَّصف بكثرة الاستحضار، فيصفه ابن العماد، فيقول: «كان كثير الاستحضار قليل النسيان... وكان يستحضر التنبيه ويكرِّر عليه إلى آخر الوقت» [106] . وقال تلميذه ابن حجي: «وكان يستحضر كثيرًا من الفقه والتاريخ، قليل النسيان» [107] ، ثم إنه رحمه الله مع قوة حفظه واستحضاره، فهو جيد الفهم كما يقول تلميذه ابن حجي: «وكان فقيهًا جيد الفهم صحيح الذهن» [108] ، ويقول ابن حجر: «كان جيد الفهم» [109] ، ويقول ابن العماد عنه بأنه: «جيد الفهم» [110] . ثم إنه رحمه الله صاحب خلق وفضيلة، شعاره العدل والإنصاف، فإن العدل كما يقول رحمه الله: «واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال... والعدل به قامت السماوات والأرض» [111] ، ويتجلى ذلك في المواقف التي مرَّ بها والأحداث التي عايشها وهي كثيرة جدًّا، وسنتحدث عن ذلك بشكل أكثر في الفصول القادمة إن شاء الله. ثناء العلماء عليه: إن مكانة ابن كثير العلمية، ومنزلته الرفيعة، وصفاته الحميدة، وأخلاقه العالية، ومحبته للناس، وعدله وإنصافه في التعامل معهم، جعلت شيوخه ورجال عصره يثنون عليه ويعترفون بعلمه ويشيدون بفضله، ويُقرِّون بأمانته وحفظه، فهذا الإمام العيني [112] يقول فيما نقله عنه ابن تغري بردي: «كان قدوة العلماء والحفاظ، وعمدة أهل المعاني والألفاظ، سمع وجمع وصنَّف ودرَّس وحدَّث وألَّف، كان له اطلاع عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتَهر بالضبط والتحرير، انتهى إليه علم التاريخ والحديث والتفسير، وله مصنفات عديدة ومفيدة » [113] . وقال عنه شيخه الحافظ الذهبي: «الإمام المفتي المحدث البارع ثقة متفنن ومحدث متقن ومفسر نقَّاد» [114] ، وقال أيضًا عنه: «له عناية بالرجال والمتون والفقه، خرَّج وألَّف وناظر، وصنَّف وفسَّر وتقدَّم» [115] . وأما ابن حبيب [116] ، فيقول عن ابن كثير: «إمام ذوي التسبيح والتهليل، وزعيم أرباب التأويل، سمع وجمع وصنَّف، وأطرب الأسماع بالفتوى، وصنَّف وحدَّث وأفاد، وطارت فتاويه إلى البلاد، واشتهر بالضبط والتحرير، وانتهت إليه رياسة العلم في التاريخ والحديث والتفسير» [117] . وقال ابن ناصر الدين [118] الدمشقي: «الشيخ العلامة الحافظ عماد الدين ثقة المحدثين وعمدة المؤرخين وعلم المفسرين» [119] . وقال الداودي [120] : «كان قدوة العلماء والحفاظ وعمدة أهل المعاني والألفاظ» [121] . وغير ذلك من عبارات المدح والثناء والإعجاب والتي لو ذكرناها لطال بنا المقام. وفاته: اتَّفق المؤرخون على أن ابن كثير رحمه الله توفي بدمشق سنة 774هـ في شعبان يوم الخميس في خامس عشر شعبان [122] . وحدد الداودي وفاته، فقال: «مات في يوم الخميس السادس والعشرين من شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة» [123] ، وقال ابن تغري بردي: «توفي يوم الخميس سادس وعشرين شعبان سنة أربع وسبعين وسبعمائة بدمشق عن أربع وسبعين سنة» [124] . ودُفن رحمه الله بتربة شيخ الإسلام ابن تيمية بمقبرة الصوفية خارج باب الصغير من دمشق، وكانت جنازته مشهودة [125] . وقد رثاه أحد طلابه، فقال: لفقْدك طلاب العلوم تأسَّفوا وجادُوا بدمع لا يبيدُ كثير ولو مزَجوا ماءَ المدامع بالدما لكان قليلًا فيك يا بن كثير [126] رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيحَ جنانه، وجزاه على ما قدَّم للإسلام والمسلمين خيرًا. [1] المماليك البحرية: المماليك هم الذين اشتراهم الأيوبيون من بلاد متعددة لتقديمهم، والاستعانة بهم في الداخل والخارج، حتى أصبح لهم نفوذ وكلمة مسموعة، وتدخلوا في شؤون الحكم واستطاعوا تدبير مؤامرة لخلع الملك العادل الثاني الأيوبي، وإحلال الصالح نجم الدين أيوب محله في السلطنة، فأحس نجم الدين بفضل المماليك عليه وأهميتهم له في توطيد سلطانه، والاحتفاظ بملكه، فتوسع في شراء المماليك مع العناية بهم، واختار لهم جزيرة الروضة وسط نيل مصر؛ لتكون لهم مستقرًّا، فأطلق عليهم اسم «المماليك البحرية»، وكانوا من الأتراك والمغول والشراكسة والصقالبة والألبان؛ انظر تاريخ المماليك للدكتور عادل زيتون ص1، وما بعدها المطبعة الجديدة بدمشق 1401هـ، وانظر موجز التاريخ الإسلامي لأحمد معمور العسيري ص 224 -225، طبعة مطابع الابتكار بالدمام الطبعة الثالثة 1420هـ، وانظر ابن كثير الدمشقي للدكتور محمد الزحيلي ص 16-17، طبعة دار القلم بدمشق الطبعة الأولى 1415هـ. [2] انظر محمد علي كرد، خطط الشام 2/ 123، 124، نشر دار العلم للملايين، بيروت، الطبعة الثانية 1389هـ، وانظر الحافظ عماد الدين اسماعيل ابن كثير، البداية والنهاية 16/ 164 وما بعدها، بتحقيق د/ عبدالله بن عبدالمحسن التركي، طبعة دار هجر بالرياض ط1 1419هـ. [3] انظر يوسف تغري بردي، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة 7/ 50، مرجع سابق؟ [4] هو علاء الدين بن محمد بن قلاوون الملك الأشرف بن الملك الناصر من سلاطين الدولة القلاوونية بمصر والشام نصبه الأتابكي « قوصون»، بعد أن قتل أخاه المنصور أبا بكر وكان الأشرف طفلًا، فأجلسه قوصون على السرير بمصر، وتصرَّف هو في أمور المملكة، فاضطربت أحوالها، وثار الأمير أيدغمش، فظفر بقوصون وسجنه وخلع الأشرف، ولبث بضع سنين ومات سنة 746هـ، ومدة سلطته خمسة أشهر وأيام؛ الأعلام 5/ 220. [5] قوص: بالضم ثم السكون وصاد مهملة، وهي قبطية، وهي مدينة كبيرة واسعة، قصبة صعيد مصر، معجم البلدان، ياقوت الحموي 4/ 413، طبعة دار بيروت 1400هـ. [6] انظر جلال الدين السيوطي حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 2/ 116-117، طبع عيسى البابي الحلبي القاهرة 1387هـ. [7] انظر خطط الشام 2/ 146-147 مرجع سابق. [8] انظر البداية والنهاية 16/ 93. [9] ذكر النعيمي في كتابه الدارس في تاريخ المدارس أن مدارس الشافعية 60 مدرسة 1/ 129-472، ومدارس الحنفية حوالي 53 مدرسة 1/ 473-650، ومدارس المالكية أربع مدارس، ومدارس الحنابلة احدى وعشرين مدرسة 2/ 3 وما بعدها، الدارس في تاريخ المدارس عبدالقادر محمد النعيمي، مطبعة الترقي نشر المجمع العلمي العربي بدمشق 1367هـ، وانظر ابن كثير الدمشقي، د. محمد الزحيلي ص 22، طبعة دار القلم دمشق، ط1 1425هـ. [10] انظر ترجمته ص45. [11] انظر: سليمان بن إبراهيم اللاحم، منهج ابن كثير في التفسير، ص 15، طبعة دار المسلم للنشر والتوزيع، الرياض ط1، 1420هـ. [12] وكذلك ينظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1508، وذيل تذكرة الحفاظ للحسيني 57-59، المعجم المختص للذهبي 74-75، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 238، والرد الوافر لابن ناصر الدين 92-95، إنباء الغمر لابن حجر العسقلاني 1/ 45-47، والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة لابن تغري بردي 11/ 123-124، وطبقات الحفاظ للسيوطي 533-534، والدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 36-37، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 111-113، والدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر 1/ 399-400، والمنهل الصافي والمستوفى لابن تغري بردي 2/ 414-416، والإعلان بالتوبيخ لمن ذم أهل التاريخ للإمام السخاوي 676-679، وكشف الظنون للحاجي خليفة 1/ 10، 19، 228،439،471، 550،573،834، 2/ 1102،1105، 1162،1521، 1840، ومفتاح السعادة ومصباح السيادة طاش كبرى زاده 1/ 251-252، وشذرات الذهب في أخبار من ذهب لابن عماد الحنبلي 6/ 231-232، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع للشوكاني 1/ 153، وإيضاح المكنون للبغدادي 2/ 194، والبداية والنهاية للحافظ ابن كثير نفسه في حوادث سنة 703هـ، وتاريخ الأدب العربي لبركلمان 2/ 48-49، والأعلام للزركلي 1/ 320، ومعجم المؤلفين لعمر رضا كحالة 2/ 283-284. وكذلك ينظر في ترجمته عند محققي كتب ابن كثير في مقدمة التحقيق؛ مثل الباعث الحثيث باختصار علوم الحديث، ترجم له محمد عبدالرزاق حمزة 11-13، وعمدة التفسير لأحمد شاكر 1/ 22-27، ومقدمة مسند الفاروق لابن كثير؛ تحقيق عبدالمعطي قلعجي، ومقدمة جامع المسانيد والسنن الهادي أقوم السنن تحقيق عبدالمعطي قلعجي، ومقدمة الفصول في سيرة الرسول تحقيق محمد عيد الخطراوي، ومحيي الدين مستو، ومقدمة الاجتهاد في طلب الجهاد؛ تحقيق عبدالله عبدالمحسن عسيلان. [13] نسبة إلى بُصرى الشام. وقد ضبط بعضهم نسبتها «بُصْروي»؛ انظر ابن كثير الدمشقي للدكتور محمد الزحيلي ص 50، مرجع سابق. [14] هو عبدالرحمن بن إسحاق النهاوندي الزجاجي أبو القاسم، شيخ العربية في عصره، وُلد في نهاوند، ونشأ في بغداد وسكن دمشق، ونسبته إلى أبي إسحاق الزجاج له كتاب الجمل الكبرى، والإيضاح في علل النحو والزاهر وغيرها توفِّي في طبرية من بلاد الشام سنة 337هـ؛ الأعلام 3/ 299. [15] وهو المبرك المشهور عند الناس فيما يزعمون: مبرك ناقة صالح عليه السلام، انظر أحمد شاكر عمدة التفسير 1/ 23. [16] هو يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحوراني النووي الشافعي أبو زكريا محي الدين علامة بالفقه والحديث مولده ووفاته في نوا من قرى حوران بسوريا وإليها نسبته تعلم في دمشق وأقام بها زمنا طويلا من كتبه تهذيب الاسماء واللغات ومنهاج الطالبين والاذكار ورياض الصالحين وغيرها توفي سنة 676هـ. الاعلام 8/ 149. [17] هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع تاج الدين أبو محمد الفزاري الامام العلامة، شيخ الشافعية في زمانه، وقد كان ممن اجتمعت فيه متون كثيرة من العلوم النافعة والاخلاق اللطيفة وفصاحة المنطق وحسن التنصيف وعلو الهمة، له كتاب الاقليد واختصار الموضوعات لابن الجوزي توفي سنة 690هـ. البداية والنهاية 17/ 641. [18] البداية والنهاية 18/ 40-42. [19] انظر البداية والنهاية 18/ 326. [20] هو الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش ويقال له: اللباد، ويعرف بالمولَّة كان يقرئ الناس بالجامع نحوًا من أربعين سنة، وكان متقللًا من الدنيا لا يقتني شيئًا، وليس له بيت ولا خزانة، توفي وقد جاوز السبعين رحمه الله؛ البداية والنهاية 18/ 246. [21] انظر المرجع نفسه 18/ 246. [22] هو الشيخ أبو إسحاق الشيرازي: إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي شيخ الشافعية، ومدرس النظامية ببغداد، وُلد سنة ثلاث، وقيل: خمس، وقيل: ست وتسعين وثلاثمائة، وتفقَّه بفاس على أبي عبدالله البيضاوي، ثم قدم بغداد سنة خمس عشرة وأربعمائة، وكان زاهدًا عابدًا ورعًا كبير القدر، معظمًا إمامًا في الفقه والأصول والحديث، وفنون كثيرة له مصنفات كثيرة؛ كالمهذب والتنبيه واللمع، وغير ذلك توفي سنة 476هـ؛ البداية والنهاية 16/ 86-87؛ الأعلام 1/ 51. [23] انظر النعيمي، الدارس 1/ 37؛ مرجع سابق. [24] هو عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس الدويني، ثم المصري: العلامة أبو عمرو بن الحاجب شيخ المالكية، كان أبوه حاجبًا، واشتغل هو بالعلم فقرأ القراءات، وحرَّر النحو تحريرًا بليغًا، وتفقَّه وساد أهل عصره، ثم كان رأسًا في علوم كثيرة؛ منها الأصول والفروع والعربية والعروض والتعريف والتفسير وغير ذلك، له مختصر في الفقه من أحسن المختصرات، ومختصر في أصول الفقه، استوعب فيه عامة فوائد الأحكام لسيف الدين الآمدي، وله شرح المفصل والأمالي في العربية وغيرها، توفي سنة 646هـ؛ البداية والنهاية 17/ 300. [25] شذرات الذهب في اخبار من ذهب، عبدالحي بن عماد الحنبلي 6/ 231، 232، طبعة القدسي القاهرة 1350هـ، وطبقات المفسرين للحافظ شمس الدين محمد بن علي الداودي، نشر مكتبة وهبة ط1 1392هـ 1/ 110، الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 36، البداية والنهاية 18/ 316-317، 18/ 327-328. [26] هو يوسف بن تغري بردي بن عبدالله الظاهري الحنفي أبو المحاسن جمال الدين مؤرخ بحاثة من أهل القاهرة مولدًا ووفاةً، كان أبوه من مماليك الظاهر برقوق، ومن أمراء جيشه المقدمين، ومات أبوه بدمشق ونشأ في حجر قاضي القضاة البلقيني المتوفي سنة 824هـ، وتأدُّب وتفقُّه، وقرأ الحديث وأولع بالتاريخ، وصنَّف كتبًا نفيسة؛ منها: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة والمنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي وغيرها توفي سنة 874هـ؛ الأعلام 8/ 222. [27] المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي يوسف تغري بردي 2/ 415؛ تحقيق الدكتور محمد محمد أمين، والدكتور سعيد عبدالفتاح عاشور، نشر الهيئة المصرية العامة للكتاب 1984م. [28] البدر الطالع 1/ 153. [29] انظر: شمس الدين محمد صديق، منهج ابن كثير وموارده في المبتدأ والسيرة والراشدين من كتابه البداية والنهاية، ص 51 رسالة دكتوراه غير منشورة. [30] هو محمد بن اسحاق بن يسار المطلبي بالولاء المدني له السيرة النبوية، وكتاب الخلفاء وكتاب المبتدأ والخبر، وهو من حفاظ الحديث، زار الاسكندرية سنة 119هـ وسكن بغداد ومات فيها سنة 151هـ ودفن بمقبرة الخيزران ام الرشيد، قال ابن حبان لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن اسحاق في علمه أو يوازيه في جمعه وهو من أحسن الناس سياقا للأخبار. الأعلام 6/ 28. [31] تفسير القرآن العظيم للحافظ عماد الدين ابن كثير 2/ 53، طبعة دار عالم الكتب بالرياض، ط2 1418هـ. [32] هو قسطنطين الكبير واسمه فلايفيسو فاليريوس، وُلد في نايسا (نيس حاليًّا)، وأصبح والده إمبراطورًا للمقاطعات الغربية عام 305م، وعندما توفي عام 306 أعلن الجيش قسطنطين خلفًا لوالده، وهو أول امبراطور روماني يدخل النصرانية، استعاد النصارى خلال حكمه حرية التعبد، وأصبحت الكنيسة النصرانية شرعية، نقل قسطنطين نفوذ الإمبراطورية الرومانية إلى المقاطعات الشرقية، وبذلك أرسى أسس الإمبراطورية البيزنطية توفي سنة 337م؛ انظر الموسوعة العربية العالمية 18/ 171، الناشر مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع بالرياض 1416هـ. [33] المرجع نفسه 3/ 154، وانظر كذلك 3/ 524. [34] البداية والنهاية 18/ 716. [35] تفسير القرآن العظيم 4/ 168. [36] المرجع نفسه 4/ 175. [37] البداية والنهاية 1/ 76-77، ونظرًا لعدم نضوج بعض العلوم آنذاك في عصر ابن كثير كعلم الفلك والطب والكيمياء - يراد بها عند القدماء تحويل بعض المعادن إلى بعض، وعلم الكيمياء عندهم يعرف به طرق سلب الخواص من الجواهر المعدنية، وجلب خاصة جديدة لها، ولا سيما تحويلها إلى ذهب؛ المعجم الوسيط ص 808 - ونحوها من العلوم الطبيعية كما هي عليه الآن، فإنه يلتمس العذر لابن كثير فيما يقع فيه أحيانًا من الآراء والأحكام التي تظهر مخالفتها لما هو معلوم في الواقع الحالي، وذلك مثل قوله: «ومعلوم أن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من الملح لا من الحلو»، وذلك عند تفسير قوله تعالى: ﴿ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن: 22] (التفسير 2/ 231 )، وقد ثبت أن بعض الأنهار الحلوة الماء قد يستخرج منها اللؤلؤ كما نصت الآية، ففي القرن الحادي عشر الهجري، السابع عشر الميلادي، تم استخراج اللؤلؤ من بعض الأنهار الواقعة في النصف الشمالي من الكرة الأرضية؛ حيث يعيش بعض أنواع المحار في المياه العذبة، واستخرج اللؤلؤ النهري من أنهار أسكتلندا، وعُرف باللؤلؤ الإنجليزي، وقد بيع قسم منه إلى فرنسا والدول المجاورة الأخرى؛ (منتدى الساحات الإلكترونية www.arabsys.net )، وكذلك في سنة 1988م أنتجت اليابان 71.6 طن من اللؤلؤ من بينها 70 طنًّا من المياه المالحة، و1,7 طن من المياه العذبة، (موقع جامعة الملك عبدالعزيز صفحة الدكتور / سامي عبدالعزيز رحيم الدين www.kau.edu.sa ). وانظر: إسماعيل عبدالعال، ابن كثير ومنهجه في التفسير، ص343-347، مطبعة الملك فيصل الإسلامية، القاهرة، ط1 1984م. [38] تفسير القرآن العظيم 2/ 88. [39] بلغ مجموعهم أربعة وأربعين شيخًا، انظر الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته ومنهجه في كتابه التاريخ، د. مسعود عبدالرحمن الندوي، ص43 مطبعة دار ابن كثير بدمشق، ط1 1420هـ. [40] البداية والنهاية 18/ 316-317. [41] المرجع نفسه 18/ 327-328. [42] المرجع نفسه 18/ 427-428. [43] البداية والنهاية 18/ 500. [44] المرجع نفسه 18/ 286. [45] المرجع نفسه 18/ 408. [46] كانت صلة ابن كثير بابن تيمية ومحبته له مبكرة، يقول ابن كثير في حوادث سنة 709هـ؛ أي: لما كان عمره ثمان سنوات أو تسع: «وجلست يومًا إلى القاضي صدر الدين الحنفي بعد مجيئه من مصر، قال لي: أتحب ابن تيمية؟ قلت: نعم، فقال لي وهو يضحك: والله لقد أحببتَ مليحًا»؛ البداية والنهاية 18/ 96. [47] الدر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني 1/ 400، دار الكتب الحديثة، القاهرة، الطبعة الثانية، 1385هـ. [48] هو عبدالحي بن أحمد بن محمد بن العماد الحنبلي أبو الفلاح، مؤرخ، فقيه، عالم بالأدب، ولد في صالحية دمشق، وأقام في القاهرة مدة طويلة، ومات بمكة حاجًّا، له شذرات الذهب في أخبار من ذهب وشرح متن المنتهى في فقه الحنابلة وغيرها توفي سنة 1089هـ؛ الأعلام 2/ 290. [49] شذرات الذهب 6/ 231-232. [50] هو محمد بن عبدالرحيم بن محمد الأرموي أبو عبدالله، صفي الدين الهندي، فقيه أصولي، ولد بالهند وخرج من دهلي سنة 667هـ، فزار اليمن وحج ودخل مصر والروم، واستوطن دمشق، له مصنفات منها نهاية الوصول إلى علم الأصول، والفائق في أصول الدين والزبدة في علم الكلام، وغيرها توفي سنة 715هـ؛ الأعلام 6/ 200. [51] البداية والنهاية 18/ 53. [52] المرجع نفسه 18/ 74. [53] وقد تكررت مثل هذه العبارات عن ابن كثير حينما يذكر شيخه أو يتحدث عن مواقفه، انظر مثلًا البداية والنهاية 18/ 46، 18/ 50، 18/ 53، 18/ 55، 18/ 67، 18/ 84، 18/ 94، 18/ 107، 18/ 256، 18/ 258، 18/ 293، 18/ 298. [54] هو أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر، من أئمة العلم والتاريخ، أصله من عسقلان بفلسطين ومولده ووفاته بالقاهرة، ولع بالأدب والشعر، ثم أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة، فقصده الناس للأخذ عنه، وأصبح حافظ الإسلام في عصره من تصانيفه الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ولسان الميزان، والإصابة في تمييز الصحابة، وأبناء الغمر بأنباء العمر، وفتح الباري في شرح صحيح البخاري وغيرها، توفي سنة 852هـ؛ الأعلام 1/ 178. [55] البداية والنهاية 18/ 298. [56] المرجع نفسه 18/ 298. [57] المرجع نفسه 18/ 298-299. [58] الرد الوافر للإمام ابن ناصر الدين الدمشقي ص 103، طبعة المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى 1393هـ بيروت. [59] هو علي بن مخلوف قاضي القضاة زين الدين من ناهض بن مسلم بن خلف النويري المالكي، سمع الحديث واشتغل وحصَّل، وكان عزير المروءة والاحتمال والإحسان إلى الفقهاء، ومن يقصده، توفي سنة 718هـ ودُفن بسفح المقطم بمصر؛ البداية والنهاية 18/ 185-186. [60] البداية والنهاية 18/ 95. [61] هو محمد بن علي بن وهب بن مطيع أبو الفتح، تقي الدين القشيري، المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العيد، قاض من أكابر العلماء بالأصول، مجتهد، تعلَّم بدمشق والإسكندرية ثم بالقاهرة، ووَلِيَ قضاء الديار المصرية سنة 695هـ، له تصانيف؛ منها: إحكام الأحكام، والإلمام بأحاديث الأحكام، وكان مع غزارة علمه ظريفًا له أشعار ومُلح وأخبار، توفِّي سنة 702هـ؛ الأعلام 6/ 283. [62] العقود الدرية لابن عبدالهادي ص10 تحقيق محمد حامد الفقي دار الكتب العلمية بيروت لبنان، والشهادة الزكية في ثناء الأئمة على ابن تيميه تأليف مرعي بن يوسف الكرمي ص29؛ تحقيق وتعليق نجم عبدالرحيم خلف، دار الفرقان للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الثانية 1405هـ. [63] للاستزادة انظر مثلًا ما قاله: • أبو الفتح محمد بن محمد بن سعيد الناس اليعمري الشافعي المتوفى سنة 734هـ، قال: «.... برز في كل فن على أشياء جنسه، ولم تر عين من رأه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه... كان يتكلم في التفسير فيحضر مجلسه الجم الغفير... إلى أن دب إليه من أهل بلدة زاد الحسد»؛ الرد الوافر ص 57-58، والشهادة الزكية ص 26. • وقال المزي: «ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيت أحدًا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا اتباع لهما منه»؛ الرد الوافر ص 213-214، الشهادة الزكية ص 44-45. • وقال أحمد بن طرخان الملكاوي الشافعي المتوفى سنة 803هـ: «مع ذلك والله إن الشيخ تقي الدين ابن تيمية شيخ الإسلام لو دروا ما يقول لرجعوا إلى محبته وموالاته»، وقال: «كل صاحب بدعة ومن ينتصر له - لو ظهروا – لا بد من خمودهم وتلاشي أمرهم، وهذا الشيخ تقي الدين ابن تيمية كلما تقدمت أيامه تظهر كرامته ويكثر محبوه وأصحابه»؛ الرد الوافر ص 134، وغيرهم كثير انظر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها على الحركات الإسلامية تأليف صلاح الدين مقبول أحمد، ج2 ص629-638، طبعة دار ابن الأثير الكويت، ط2 1416هـ. [64] وليس كما يقول الإمام تقي الدين الحسيني رحمه الله أنه لا يؤخذ بقول ابن كثير وغيره من الذين جالسوا ابن تيمية وهم شباب، فافتتنوا بحبه وبمجالسته؛ يقول: «أن ابن كثير والشمس ابن عبدالهادي والصلاح الكتبي، لا يؤخذ بأقوالهم في ابن تيمية لافتتانهم بمجالسته وهم شباب»؛ الحسيني، ذيل تذكرة الحفاظ ص59. ولا أدري هل ابن دقيق العيد والمزي والذهبي وابن الزملكاني والبرزالي وغيرهم، كان غاية إعجابهم بابن تيمية وشدة مدحهم وإطرائهم له هو بسبب افتتانهم بمجالستهم له وهم شباب! [65] انظر الإمام ابن كثير سيرته ومؤلفاته، د. مسعود الندوي، ص49، مطبعة دار ابن كثير بدمشق، ط1 1420هـ. [66] ابن كثير منهجه في التفسير، د. إسماعيل عبدالعال، ص276. [67] البداية والنهاية 18/ 229-230. [68] المرجع نفسه 18/ 159. [69] المرجع نفسه 18/ 326. [70] المرجع نفسه 18/ 397. [71] المرجع نفسه 18/ 248. [72] المرجع نفسه 18/ 246. [73] المرجع نفسه 18/ 258. [74] البداية والنهاية 18/ 170. [75] المرجع نفسه 18/ 315. [76] المرجع نفسه 18/ 341-342. [77] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 389، والبداية والنهاية 8/ 549، 8/ 579، 8/ 587، 9/ 289، 12/ 287، 12/ 598، 15/ 112، 15/ 184، 15/ 278، 17/ 451، 17/ 483، 17/ 591، 17/ 592، 18/ 213، 18/ 237، 18/ 466، 18/ 486، 18/ 510. [78] انظر البداية والنهاية 4/ 211، 7/ 668، 7/ 677، 7/ 678، 7/ 681، 8/ 568، 9/ 291، 9/ 367، 9/ 604، 9/ 643، 9/ 644، 9/ 668، 9/ 669، 9/ 671، 10/ 30، 10/ 76، 10/ 109، 10/ 160، 10/ 170، 10/ 199، 10/ 202، 10/ 234، 10346، 10/ 400، 11/ 76، 11/ 80، 1183، 11/ 719، 12/ 169، 12/ 371، 12/ 420، 12/ 600، 12/ 659، 13/ 36، 13/ 203، =  13/ 434، 14/ 654، 14/ 684، 14/ 687، 15/ 112، 19/ 16، 17/ 212، 17/ 363، 18/ 432، 18/ 163، 18/ 165، 18/ 175، 18/ 183، 18/ 187، 18/ 200، 18/ 208، 18/ 210، 18/ 214، 18/ 216. [79] انظر البداية والنهاية 1/ 9، 1/ 318، 5/ 67، 14/ 552، 14/ 654، 14/ 684، 14/ 396، 18/ 40، 18/ 181، 18/ 235، 18/ 286، 18/ 289، 18/ 300، 18/ 305، 18/ 319، 18/ 423، 18/ 430، 18/ 505، 19/ 65، 19/ 152،19/ 307، 19/ 323، 19/ 437، 19/ 432، 19/ 469، 19/ 471. [80] انظر المرجع نفسه 9/ 310، 9/ 328، 9/ 334، 9/ 347، 9/ 348، 9/ 351، 9/ 352، 9/ 354، 9/ 355، 9/ 365، 9/ 390، 9/ 392، 9/ 395، 17/ 385، 18/ 41، 18/ 286. [81] انظر المرجع نفسه 17/ 245، 17/ 514، 18/ 42. [82] انظر المرجع نفسه 18/ 220. [83] تنظر المرجع نفسه 18/ 60. [84] انظر المرجع نفسه 18/ 230. [85] انظر المرجع نفسه 18/ 311، 18/ 239، 18/ 316. [86] انظر المرجع نفسه 18/ 306. [87] انظر المرجع نفسه 18/ 397. [88] انظر شذرات الذهب 6/ 231. [89] انظر الدارس في تاريخ المدارس للنعيمي 1/ 468-472، وانظر ص 635 من هذا البحث. [90] انظر أبناء الغمر بأنباء العمر لابن حجر 1/ 68؛ تحقيق الدكتور حسن حبش إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية القاهرة 1389هـ، وانظر ص 636 من هذا البحث. [91] انظر الدارس 1/ 36-326، وانظر ص 635 من هذا البحث. [92] انظر المرجع نفسه 1/ 123-127، وانظر صفحة 636 من هذا البحث. [93] انظر المرجع نفسه 1/ 19-47. [94] انظر شذرات الذهب 7/ 117، الدارس 1/ 138-143، والأعلام لخير الدين الزركلي 1/ 105، طبعة دار العلم للملايين، بيروت – لبنان ط 15، 2002م. [95] أنباء الغمر 1/ 39، الدارس 1/ 36. [96] شذرات الذهب 6/ 335، الدر الكامنة 3/ 397. [97] الدر الكامنة 3/ 397. [98] والبيتان هما: لفقدك طلاب العلوم تأسَّفوا وجادوا بدمع لا يبيد غزير ولو مزجوا ماء المدامع بالدما لكان قليلًا فيك يا بن كثير وذكرهما ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة 11/ 124. [99] مفتاح دار السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم، أحمد مصطفى طاش كبرى زاده 1/ 192 دار الكتب الحديثة، القاهرة 1968م، الأعلام 7/ 274. [100] المصعد لأحمد بن الجزري، وهو منشور في أول مسند الإمام أحمد؛ تحقيق أحمد شاكر 1/ 31. [101] شذرات الذهب لابن العماد 7/ 9. [102] الدارس في تاريخ المدارس 1/ 320. [103] معجم محدثي الذهبي المعجم المختص لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ص56، حقَّقه وعلق عليه الدكتورة روحية عبدالرحيم السويفي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1413هـ. [104] طبقات المفسرين للحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الداودي 1/ 111، نشر مكتبة وهبة، القاهرة ط1 1392هـ، والدارس للنعيمي 1/ 36. [105] ومع اعتراف أقران ابن كثير له بذلك وشهادة الجهابذة منهم له كالذهبي، إلا أن الحافظ ابن حجر رحمه الله قلل من شأن ابن كثير في معرفة علوم الحديث ورجاله؛ حيث قال في الدرر الكامنة: «ولم يكن على طريقة المحدثين في تحصيل العوالي، وتمييز العالي من النازل، ونحو ذلك من فنونهم، وإنما هو من محدثي الفقهاء» ( 1/ 374)، وهذا عجيب، فكيف يكون ذلك وابن كثير المعروف بسعة علمه في الحديث وعلومه، ومعرفة الأسانيد والعلل، فهو صاحب الموسوعة الضخمة في الحديث «جامع الأسانيد والسنن» الذي جمع فيه أحاديث الكتب الستة والمسانيد الأربعة (الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه ومسند الإمام أحمد والبزار، وأبي يعلي الموصلي ومعجم الطبراني)، وكتاب التكميل في معرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، وكتاب اختصار علوم الحديث اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح في المصطلح، إلى جانب أنه لازم شيخه الإمام الحافظ المزي، ولذلك لما نقل السيوطي في ذيل طبقات الحفاظ كلام ابن حجر في أنه «لم يكن على طريقة المحدثين..»، تعقَّبه بقوله: «العمدة في علم الحديث معرفة صحيح الحديث وسقيمه وعلله، واختلاف طرقه ورجاله جرحًا وتعديلًا، وأما العالي والنازل، فهو من الفضلات لا من الأصول المهمة» (ص362)، «وهذا حق»؛ كما يقوله الأستاذ أحمد شاكر في تعقيبه على كلام السيوطي (عمدة التفسير 1/ 27 ). [106] شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبدالحي بن العماد الحنبلي 1/ 23، طبعة القدسي القاهرة 1350هـ. [107] طبقات المفسرين 1/ 111. [108] المرجع نفسه 1/ 111، وطبقات الشافعية؛ لأبي بكر أحمد بن محمد بن عمر بن تقي الدين بن قاضي شهبة 2/ 238، نشر مؤسسة الندوة الجديدة 1407هـ. [109] إنباء الغمر بأنباء العمر للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق الدكتور حسن حبش 1/ 39، إصدار المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة 1389هـ. [110] شذرات الذهب 6/ 231، وانظر ابن كثير د. محمد الزحيلي ص 118-123، مطبعة دار القلم بدمشق 1415هـ. [111] انظر تفسير القرآن العظيم 2/ 10. [112] هو محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد أبو محمد بدر الدين العيني الحنفي، مؤرخ علامة من كبار المحدثين، أصله من حلب، وَلِيَ في القاهرة الحسبة وقضاء الحنفية، ونظر السجون وتقرَّب من الملك المؤيد حتى عد من أخصائه، ثم صُرف عن وظائفه، وعكف على التدريس والتصنيف إلى أن توفي بالقاهرة من كتبه عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري، وعقد الجمان في تاريخ أهل الزمان وغيرها، توفي بالقاهرة سنة 855هـ؛ (الأعلام 7/ 163). [113] النجوم الزاهرة 11/ 123. [114] الدر الكامنه 1/ 400، وطبقات المفسرين 1/ 111. [115] تذكرة الحفاظ للإمام أبي عبدالله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي طبعت دار التراث العربي بيروت 1958. [116] هو حسن بن عمر بن الحسن بن حبيب أبو محمد بدر الدين الحلبي مؤرخ، من الكتاب المترسلين، وُلِد في دمشق، ونُصب أبوه محتسبًا في حلب، فانتقل معه، فنشأ فيها ونُسب إليها، ثم رحل إلى مصر والحجاز وعاد، وتنقل في بلاد الشام واستقر في حلب، له نسيم الصبا، ودرة الأسلاك في دولة الأتراك، والمقتفى في فضائل المصطفى وغيرها، توفي سنة 779هـ؛ (الأعلام 2/ 208-209). [117] شذرات الذهب 6/ 231، ومفتاح دار السعادة 1/ 252. [118] هو محمد بن أبي بكر عبدالله بن محمد بن أحمد بن مجاهد القيس الدمشقي الشافعي شمس الدين الشهير بابن ناصر الدين، وُلد بدمشق سنة 777هـ، ونشأ بها وتفقَّه، وأتقن العلوم واغترف من المعارف، فنَبِهَ ذكره وعلا شأنه، وكان مؤرخًا ثقة حافظًا للحديث، وَلِي مشيخة دار الحديث الأشرفية سنة 837هـ، وارتحل إلى بعلبك وحلب والمدينة المنورة والديار المصرية في طلب العلم ونشره له من المؤلفات عقود الدرر في علوم الأثر والرد الوافر وغيرها، توفي مسمومًا سنة 842هـ، شذرات الذهب 7/ 243، والبدر الطالع 2/ 198. [119] الرد الوافر ص 92. [120] هو محمد بن علي بن أحمد شمس الدين الداودي المالكي، شيخ أهل الحديث في عصره، مصري من تلاميذ حلال الدين السيوطي، له كتب منها طبقات المفسرين، وذيل طبقات الشافعية للسبكي للحافظ السيوطي، توفي في القاهرة سنة 945هـ؛ (الأعلام 6/ 291). [121] طبقات المفسرين 1/ 110. [122] أبناء الغمر 1/ 400. [123] طبقات المفسرين 1/ 111. [124] المنهل الصافي 2/ 415. [125] النجوم الزاهرة 11/ 124. [126] المرجع نفسه 11/ 124، المنهل الصافي 2/ 415.
التيه الرقمي
عبدالله بن سعود آل معدي
04-10-2020
2,909
https://www.alukah.net//culture/0/142311/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%82%d9%85%d9%8a/
التِّيهُ الرَّقمي أنت وأنا نعلم أن هذه الأمة لا عزَّ لها إلا بكتاب الله، فمتى ما وقَّرته وعمِلت بما فيه، نهض بها بقدر ذلك التوقير والعمل، وما منَّا مع كتاب الله - تلاوة وإقامة - إلا متقدِّمٌ أو متأخر، ولا حالَ بين الحالين؛ لأن القرآن آتٍ يوم القيامة شاهدًا، إما لك أو عليك. ولقد أظلنا زمن (التيه الرقمي) ... زمن الولع التقني، والهوس الإخباري، المتأثر بذلك أربى من المؤثر، أمضينا في دهاليز برامجه وتطبيقاته الساعات الطوال خلال السنوات المنصرمة، والنتيجة تدسُّ وجهها في التراب من سوء الصنيع والأحدوثة، وقد قمت بعملية حسابية تقريبية لأخرج منها بنتيجة لعدد الساعات التي يمضيها أحدنا مع وسائل التواصل، فكانت نتيجة مؤلمة جدًّا؛ إذ لو افترضنا أن زيدًا من الناس يمضي 6 ساعات يوميًّا في جوَّاله، فإن النتيجة هي 2160 ساعة في العام الواحد، ولو افترضنا أن هذا صنيعه خلال ستِّ سنوات مضت، فإن النتيجة هي إمضاء 12960 ساعة؛ أي: 540 يومًا من حياته في تيه رقمي؛ أي: أمضى عامًا ونصف العام تقريبًا من حياته نتيجة ست سنوات فقط كانت رقمية تقنية! إن النفس الهائمة بالسراب الرقمي اليوم أحوجُ ما تكون لأن تُؤخَذ بخِطامها نحو اجتماع القلب على العبادة فتزمَّها زمًّا، لتنقذ بقية من جِدٍّ تراكمت عليها أطنان الهَزْلِ، وأعظم ما يزمُّها: تدبر كلام الله؛ إذ لو توقف العبد وهو يقلب الأحداث في جواله، ومصحفه مغلق بجانبه عند قوله تعالى: ﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ [نوح: 13] ، واستشعر أن الله يخاطبه على تلك الحال المعيبة في جنب الله - لاستبدل حاله فورًا حياء من الله. جاء في السير: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه غَزَوا غزوة، وأصابوا فيها سبيًا كانت فيه جارية لرجل، وكان غائبًا، فلما عاد لم يجدها، فحلف أن يصيب النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم أو أحدًا من صحابته، أو يخلص زوجته، فخرج يتبع أثر المسلمين وهم مع قائدهم صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بأحد الشعاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من رجلٌ يكلؤنا ليلتنا هذه؟ فقام عمار بن ياسر وعباد بن بشْرٍ رضي الله عنهما، فقالا: نحن يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكونا في فم الشِّعْب، فلما خرج الرجلان إلى فم الشعب، قال عبادٌ لعمارٍ: أي الليل أحب إليك أن أكْفيَكه: أوله أم آخره؟ فقال عمار: اكفني أوله، فاضطجع عمارٌ فنام، وقام عباد بن بشر رضي الله عنه يصلي، وأتى الرجل - زوج المرأة - فلما رأى سواد عبادٍ، عرف أنه ربيئةُ القوم، فرماه بسهم، فأصابه به، فانتزعه عباد، فرماه الرجل بسهم آخر فأصابه، فانتزعه عباد، فرماه الرجل بسهم ثالث فأصابه، فانتزعه عباد، ثم ركع وسجد، ثم أيقظ عمارًا، فقال: اجلس، فقد أتيت، فوثب، فلما رآهما الرجل - زوج المرأة - عرف أن قد نذروا به، فهرب، فقال عمارٌ لعبَّادٍ، وقد رأى ما به من الدماء: سبحان الله! أفلا أهْبَبْتَنِي أول ما رماك؟ فقال عباد رضي الله عنه: كنتُ في سورةٍ أقرؤها، فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها، فلما تابع عليَّ الرمي، ركعت فآذنْتُك، وأيم الله لولا أن أضيع ثغْرًا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفْظِهِ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها)) [1] . هذا الصحابي تنغرس في جسده سهام لاذعة، وهو قائم يقرأ في صلاة، ثم ينتزعها واحدًا تلو الآخر مع ألم النزع الشديد، ويواصل تلاوته، فألم قطع التلاوة عنده أشد من ألم الطعن، وحب القرآن جعله يغامر بروحه غير آبِهٍ بدنو حياته، بل يحلف أنه لولا أنه على ثغر من ثغور المسلمين، لبقي يتلو والدماء تهراق من جسده، فإما أن يُستشْهَدَ تاليًا، فتتوقف الحروف على حدِّ الأسنة، أو يتم السورة قبل ذلك! هذا مشهد من مشاهد الرعيل الأول. ومشهد يقابله من مشاهد هذا العصر حين يتناول أحدنا مصحفًا ليتلو أو يحفظ، وبمجرد نغمة في الجيب تتسلل اليد، فتفتح الرسالة، ولا يتوقف العبد بعدها إلا بعد انصرام الدقائق وربما الساعات في الماجريات السياسية أو الفكرية أو غير ذلك، والمصحف قد أُطْبِقَ جانبًا. بالله عليك، قارن بين المشهدين: ذاك على الجبهة الإسلامية في وضع سياسي فيه خوف، هو وصاحبه فقط، وفي ليلة حالكة السواد، يحمي من ورائه أعظم رجل مطلوب من المشركين حيًّا أو ميتًا، حاملًا كفَّه على روحه تعظيمًا لكتاب الله. والآخر: آمن في سِرْبِهِ، بين إخوته وأهله، لم توكله الأمة الإسلامية على ثغورها، ولم يُحامِ عن أحد، وبمجرد سماع نغمة - أو بدون ذلك - نحَّى كلام الله جانبًا. فما أعظم البون بينهما! إن منزلة حضور القلب ونفي الشواغل حال التعبد في ظل الانهماك العالمي مع سيرورة الأحداث - منزلةٌ تشيخ دونها الكثير من العزائم قبل بلوغها إلا على من وفقه الله وأعانه. وليس أحدٌ تاريخيًّا أكثرَ شغلًا بالأحداث من النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كان أكثر الناس تعبُّدًا وخَشْيَةً، ففي ذلك الظرف السياسي الحربي القاسي، في ليلة أولى المواجهات العسكرية الفاصلة، تراه تحت تلك الشجرة قائمًا يصلي والجميع نيام؛ فعن علي رضي الله عنه قال: ((ما كان فينا فارسٌ يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتُنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح)) [2] . أرأيت اجتماع قلب مع تجافٍ عن الماجريات - مع تأثيره فيها - مثلما كان للنبي صلى الله عليه وسلم؟ ما رأيت اليوم أشجع من رجل يخالف عادته التقنية من أجل ربه وعبادته إياه، فتراه قبل الصلاة يركن جواله في زاوية البيت ويخرج من إسَارِهِ، أو يحدد - بصرامة - وقتًا يخلو فيه مع كتاب الله مغلقًا إياه، أو يخفف من مواقع التواصل، ويطرحها عن كاهله الفكري والعقلي؛ خوفًا على انفراط إيمانه من بين يديه، ولكن كل ذلك لا يكون إلا بعون الله وتوفيقه، ومن سعى لذلك بصدق فأُوتِيَهُ، فقد أُوتيَ خيرًا كثيرًا. [1] . أخرج قصة عباد رضي اللَّه عنه: الإمام البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب: "من لم يَرَ الوضوء إِلَّا من المَخْرَجَيْن القُبُل والدبر" معلقًا، ووصله الإمام أحمد في مسنده، رقم الحديث (14704)، وابن حبان في صحيحه، رقم الحديث (1096)، والبيهقي في دلائله (2/ 378، 379)، وابن إسحاق في السيرة (3/ 230)، وهو حديث حسن. [2] - مسند الإمام أحمد (1023).
إتحاف الطالبين بثناء الأئمة على ابن العطار علاء الدين
عبدالله الحسيني
03-10-2020
5,133
https://www.alukah.net//culture/0/142300/%d8%a5%d8%aa%d8%ad%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a8%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%a6%d9%85%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b7%d8%a7%d8%b1-%d8%b9%d9%84%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86/
إتحاف الطَّالبين بثناء الأئمَّة على ابن العطَّار علاء الدِّين الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فإنَّ الإمام العلَّامة علاء الدِّين أبا الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن سُليمان بن سَلمان ابن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي (654 هـ - 724 هـ) -رحمه الله تعالى- من الشَّخصيات العلميَّة التي تتبوَّأ منزلة خاصَّة في نفسي، وازدادت بعد تشرُّفي بخدمة متواضعة لتراثه المبارك، حتَّى كدتُ لا أسمعُ عن مطبوعٍ له إلَّا وأتفحَّصُهُ، أو عن جديدٍ له إلَّا وأقتنيهِ، أو عن نسخةٍ خطِّيَّةٍ له إلَّا وأتطلَّبها، أو عن مقالاتٍ متعلِّقةٍ به إلَّا وأسبرها، أو عن نوادر متَّصلةٍ به إلَّا وأُسابق الخُطى في العناية بها وأنشرها. ومن النَّفائس المرتبطة به التي لاحظتُها في ثنايا طباق السَّماع المختلفة وبعض نُسخ مصنَّفاته الخطِّيَّة ما يلي: 1- شهاداتُ الثَّناء العطرة التي خطَّها له جماعة من الأئمَّة الأعلام الذين أدركوه، سواء من طبقة شيوخه أو أقرانه أو تلاميذه، ممَّا يعزُّ وجودها في مظانِّ التَّراجم، فتجد مثلًا شيخه الإمام النَّووي يلقِّبه بـ: (الفقيه، الفاضل، المحصِّل) ، ويصف قراءته لكتابه (الأربعين) بـ: (قراءة مجوَّدة مهذَّبة) ، وكان يبلغ وقتها 19 سنة تقريبًا، ويثني على قراءته المتقنة لكتابه (التَّقريب والتَّيسير) وأنَّها كانت (حِفظًا، سَرْدًا، مِن أوَّلهِ لآخرهِ، مُتقَنًا، مُهذَّبًا، مُجوَّدًا، على نهايةٍ من الاستعجالِ بلا تلعثُمٍ) ، وكان يبلغ وقتها 20 سنة تقريبًا، ويلقِّبه في سماعه لكتابه (الأذكار) بـ (الفقيه، الإمام، العالِم، الفاضل، الورع، المُتفَنِّن) ، وكان يبلغ وقتها 22 سنة تقريبًا، وتجد أقرانه وتلامذته يلقِّبونه بـ : (الإمام، العالِم، العلَّامة، المحقِّق، المتقن، الضَّابط، المدقِّق، المتفنِّن، العامل، الفاضل، الحافظ، المحدِّث، الفقيه، القدوة، العارف، الصَّالح، الزَّاهد، الورع، العابد، البارع، المفيد، شيخ المحدِّثين، مفتي المسلمين، بقيَّة السَّلف، وعمدة الخلف، محيي السُّنَّة، زين العلماء والمحدِّثين)، وكلُّ هذا يدلُّ على مكانته العلميَّة منذ صغره، وتميُّزه عن غيره. 2- الحضورُ العددي والنَّوعي الحافل في مجالسه العلميَّة والتي استمرَّت إلى آخر حياته. فاجتهدتُ في لَملَمة ما أستطيع منها في هذه المقالة المُفردة مع ترتيبها على الطَّبقات والسَّنوات؛ تعريفًا بمكانته، وإذاعةً لمناقبه، وإثراءً لترجمته، وحفظًا لتاريخه، وحريٌّ بنا أن نسلك مثل هذا المسلك مع سائر أئمَّة الإسلام، والله الموفِّق والمستعان. أوَّلًا: ثناءُ أجلّ شيوخه: 1- قال الإمام محيي الدِّين أبو زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَى الحِزامي النَّووي الدِّمشقي (636 هـ - 676 هـ): [مكتبة المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، رقم (62) (ف 95)، [35/ أ]، طبقة سماع الأربعين بخطِّ الشَّيخ الدُّقَيقِي نقلها من خطِّ الإمام النَّووي] (قَرأَ عَلَيَّ جميعَ هذا الجُزء [الأربعين في مباني الإسلام وقواعد الأحكام]، صاحبُهُ، كاتبُهُ: الفقيهُ، الفاضلُ، المُحصِّلُ: علاءُ الدِّين أبو الحَسن عليّ بن إبراهيم بن داود الدِّمشقي، المعروف بابن العطَّار الشَّافعي، وفَّقهُ الله لطاعتهِ، وتولَّاهُ بكرامتهِ، وزيَّنه بالتَّقوى، وجَمعَ لهُ خيراتِ الآخرةِ والدُّنيا ، قِراءةً مُجوَّدةً مُهذَّبةً ، وأَنا مُقابل بنُسختي معهُ، في مجلسٍ واحدٍ، يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من شهر رمضان سنة ثلاث وسبعين وستّمائة [1] بالمدرسة الرَّوَاحِيَّة بدمشق، حمَاهَا الله. وأَجزتُ لهُ رواية كُلّ ما يجوزُ لي تَسميعُهُ. كَتَبَهُ، مؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف بن مِرَا بن حَسن بن حُسين بن [محمَّد] بن حِزام النَّواوي، عفا الله عنه، في التَّاريخِ المذكورِ. والحمد لله ربِّ العالمين، اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ، وعلى آل محمَّدٍ، وسلِّم). ♦♦♦♦♦ [مكتبة دير الإسكوريال بأسبانيا، رقم (1726)، [100/ ب]، طبقة سماع التَّقريب نقلها الشَّيخ ابن جابر الوادي آشي من خطِّ الإمام النَّووي] قال الشَّيخ ابن جابر الوادي آشي في «برنامجه» (ص 256-257): («التَّقريب والتَّيسير لمعرفة سنن البشير النَّذير صلى الله عليه وسلم»: للإمام أبي زكريا يحيى النَّواوي المُختصَر من كتابه المسمَّى بكتاب: «الإرشاد»، المختصَر أيضًا من كتاب: «علوم الحديث» للإمام أبي عمرو ابن الصَّلاح. قَرَأتُ يسيرًا من أوَّله بدمشق على الشَّيخ علاء الدِّين علي بن العطَّار، وناوَلنيه بروايته له عن مؤلِّفه النَّواوي فيما رأيتُهُ له بخطِّهِ، قال: حِفظًا [2] ، سَرْدًا، مِن أوَّلهِ لآخرهِ، مُتقَنًا، مُهذَّبًا، مُجوَّدًا، على نهايةٍ من الاستعجالِ بلا تلعثُمٍ ، في أوقاتٍ، في أواخر ذي قعدة عام أربع وسبعين وستّمائة [3] ). ♦♦♦♦♦ [مكتبة تشستربيتي، رقم (3049)، [279/ أ]، طبقة سماع الأذكار بخطِّ الشَّيخ الميداني نقلها من خطِّ الإمام النَّووي] [مكتبة عاطف أفندي في تركيا، رقم (1524)، [ I / ب]، طبقة سماع الأذكار بخطِّ الشَّيخ داود ابن العطَّار نقلها من خطِّ الإمام النَّووي] (الحمدُ لله رَبِّ العالمينَ. سَمِعَ عَلَيَّ جميعَ هَذا الكتاب: «كتاب الأذكار»، صَاحبهُ، كاتبهُ: الفقيهُ، الإمامُ، العالِمُ، الفاضلُ، الورعُ، المُتفَنِّن، علاءُ الدِّين أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن داود الدِّمشقيّ الشَّافعيّ، أدامَ الله الكريمُ لهُ الخيراتِ المُتظاهراتِ، وتوَلَّاهُ بالحسناتِ المُتكاثراتِ، ولَطَفَ بهِ في جميع أمورهِ، وبَارَكَ لهُ في كلِّ أحوالهِ. وقابَلَ نُسختَهُ هذه مَعِي، وأنا مُمسِكٌ بأصلِي في جميع سَماعِهِ. وذلك في مجالس، آخرها: يوم الثُّلاثاء الثَّاني عشر من جمادى الأولى سنة ست وسبعين وستمائة [4] . وأَجَزتُ لَهُ كُلَّ ما يجُوزُ لي تَسميعُهُ. كَتَبَهُ، مؤلِّفُهُ: يحيى بن شَرَف النَّواوي، عفا الله عنه، آمين . الحمد لله ربِّ العالمين، اللَّهمَّ صلِّ على محمَّد، وعلى آل محمَّد، وسلِّم). ثانيًا: ثناءٌ من طبقة أقرانه: 2-قال الإمام جمال الدِّين أبو الحجَّاج يوسف بن عبد الرَّحمن بن يوسف الكلبي القُضاعي المِزِّي الدِّمشقي (654 هـ-742 هـ): [دار الكتب الظَّاهريَّة، رقم (3739-2) [80/ ب] طبقة سماع حديث المصافحة بخطِّ الإمام المِزِّي] (قرأتُ حديث المُصافحة هذا على: شيخنا، الإمام، الجليل، الأصيل، شهاب الدِّين أبي العبَّاس أحمد بن شيخنا الإمام العالم الحافظ جمال الدِّين أبي حامد محمَّد بن علي بن محمُود المحمُودي الصَّابوني بشرطهِ، بسماعهِ من السَّخاوي، فسمعَهُ: ابنُهُ أبو الفضل عبدُ المحسن، والإمام،ُ العالِمُ، الفاضلُ، علاء الدِّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار ، وصحَّ، ليلة الاثنين المسفر صَباحها عن تاسع عشر جمادى الآخرة سنة سبع وسبعين وستمائة [5] ، بدار السُّنَّة النُّوريَّة، داخل دمشق، حرسها الله. وكَتَبَ: يوسف بن الزَّكي عبد الرَّحمن بن يوسف المِزِّي، عفا الله عنه، والحمد لله). 3- قال المحدِّث بدر الدِّين محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن النَّجيب الشَّافعي (المتوفى 689 هـ): [دار الكتب الظَّاهريَّة، رقم (3739-2) [78/ ب] طبقة سماع لحديث في صحيح مسلم بخطِّ المحدِّث ابن النَّجيب] (سمعتُ هذا الحديث [جزء فيه حديث واحد من صحيح مُسلم] على مخرِّجه: الشَّيخ، الإمام، العالم، الحافظ، مسنِد الوقت، جمال الدِّين أبي حامد محمَّد بن علي بن محمود المحمُودي الصَّابوني، فسح الله في مدَّته، بقراءة كاتبه، ومالكه: الفقيه، الإمام، العالِم، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي ، ... وصحَّ ذلك، وثبت، بمنزل المُسمِع، بدار الحديث النُّوريِّة، بدمشق، يوم الأربعاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة تسع وسبعين وستمائة [6] . كتبه: محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن النَّجيب الشَّافعي، عفا الله عنه، حامدًا، مصلِّيًا، مسلِّمًا، مرضيًا، وحسبنا الله ونعم الوكيل). ثالثًا: ثناءٌ من طبقة تلاميذه: 4- قال الإمام كمال الدِّين أبو المعالي محمَّد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري ابن الزَّمَلْكَانِي الدِّمشقي (667 هـ - 727 هـ): [مكتبة تشستربيتي، رقم (4962)، [2/ أ]، بخطِّ الإمام ابن الزَّمَلْكَانِي] ( حدَّثنا الشَّيخُ، الإمامُ، العالِمُ، العاملُ، الحافظُ، علاء الدِّين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار ، قال: أخبرنا الشَّيخ،ُ الإمامُ، العالمُ، العاملُ، العلَّامة، الزَّاهد، الورع، محيي الدِّين يحيى بن شرف بن مِرَى بن حسن النَّواوي -رحمه الله تعالى-، بقراءتي عليه ..). [مكتبة تشستربيتي، رقم (4962)، [230/ أ]، طبقة سماع الأذكار بخطِّ الإمام ابن الزَّمَلْكَانِي] (سمع جميع هذا الكتاب، وهو: «كتاب حلية الأبرار وشعار الأخيار في تلخيص الدَّعوات والأذكار المستحبَّة في اللَّيل والنَّهار» للشَّيخ، الإمام، العلَّامة، الحافظ، محيي الدِّين، شيخ الإسلام والمسلمين، أبي زكريَّا يحيى بن شرف النَّواوي، من لفظ الشَّيخ، الإمام، العالِم، الحافظ، الزَّاهد، العابد، المفيد، علاء الدِّين ، مفتي المسلمين، أوحد العلماء العاملين، أبي الحسن علي بن الشَّيخ موفّق الدِّين إبراهيم بن داود الشَّافعي ابن العطَّار، أعاد الله بركته، ورفع درجته ، ... وكاتب الطَّبقة: محمَّد بن علي بن عبد الواحد الأنصاري ابن الزَّمَلْكَانِي، وذلك بسماع المُسمِع من مؤلِّفه -رحمه الله- منه نقلًا في مجالس آخرها يوم السَّبت الثَّاني والعشرين من صفر سنة خمس وتسعين وستمائة، بالرَّواق المبارك من دار مولانا الأمير، أبَّد الله رفعته، والحمد لله، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد، وآله، وصحبه). 5- قال الشَّيخ محمَّد بن يوسف بن ناجي بن إلياس ابن البابا الحنفي: [مكتبة عاطف أفندي في تركيا، رقم (1524)، [ I / ب]، طبقة سماع الأذكار بخطِّ الشَّيخ داود ابن العطَّار نقلها من خطِّ الشَّيخ ابن البابا] (وسمعه [الأذكار] على: الشَّيخ، الإمام، العالِم، العلَّامة، علاء الدِّين، مفتي المسلمين، أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدِّمشقي الشَّافعي، المعروف بابن العطَّار ، بسماعه له تراه أعلاه على مُصنِّفه، بقراءة الإمام شمس الدِّين أبي عبد الله محمَّد بن عبد الرَّحمن بن شامة بن كوكب الطائي: محب الدِّين أحمد بن يوسف بن أحمد الخلاطي، ومحمَّد بن يوسف بن ناجي بن إلياس الحنفي، عُرف بابن البابا، -وكتب السَّماع في الأصل، ومن خطِّه نَقلتُ-، وصحَّ في مجالس، آخرها: يوم السَّبت سادس عشر شوَّال سنة سبعمائة، بالمدرسة السَّيفيَّة من القاهرة المعزية، وأجاز المُسمِع جميع ما يجوز له وعنه روايته، والله أعلم). 6- قال الشَّيخ محمَّد بن محمَّد بن علي بن أحمد الأنصاري: [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (81)، [199/ ب]، طبقة سماع تحفة عيد الفطر بخطِّ الشَّيخ الأنصاري] ( سمعتُ بقراءتي جميع هذا الجزء، وهو: «تحفة عيد الفطر»، للحافظ أبو القاسم زاهر بن طاهر بن محمَّد بن محمَّد بن أحمد بن محمَّد بن يوسف بن محمَّد بن المرزبان الشَّحَّامي -رحمهم الله- على: الشَّيخ، الإمام، العالِم، العامل، الزَّاهد، الورع، المتقن، المتفنِّن، مفيد الطَّلبة، بقيَّة السَّلف الصَّالح، ولي الله، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان ابن العطَّار الشَّافعي الدِّمشقي، نفع الله به ، بسماعه من الشَّيخَين الجليلين: جمال الدِّين أبي حامد محمَّد بن علي بن محمود الصَّابوني، ومن الشَّيخ شرف الدِّين أبي عبد الله محمَّد بن أحمد بن عبد السَّخي العُمري، قالا: أنا أقضى القضاة، جمال الدِّين أبو القاسم عبد الصَّمد بن محمَّد بن أبي الفضل ابن الحَرَسْتَاني الأنصاري سماعًا، قال: أخبرنا المصنِّف إجازة، ح، وقال جمال الدِّين أبو حامد: أنا أبو روح عبد المعز بن محمَّد بن أبي الفضل إجازةً، قال: أنا المصنِّف سماعًا، فسمعهُ .. ، وصحَّ ذلك، وثبت، بجامع دمشق المعمورة بالحائط القبلي، يوم الجمعة، في مجلس واحد، الثَّالث والعشرون من شهر رمضان المبارك من سنة خمس وسبعمائة، أحسن خاتمتها، وأجازني المُسمِع، ولمن سمع معي، رواية كلّ ما يجوز له تسميعه، وتلفَّظ بذلك. وكتبه قارئه: محمَّد بن محمَّد بن علي بن أحمد الأنصاري، عفا الله عنهم، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد). 7- قال الشَّيخ العالم مجد الدِّين أبو محمَّد عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف بن أبي النَّجم الدُّقيقي الواسطي: [مكتبة المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، رقم (62) (ف 95)، [26/ أ]، طبقة سماع الإشارات بخطِّ الشَّيخ الدُّقَيقِي وبذيلها تصحيح الإمام ابن العطَّار] (قرأتُ جميع هذا الكتاب في المبهمات وما يتعلَّق بها، تأليف: الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، الأوحد، الأمجد، الأورع، محيي الدِّين أبي زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَا النَّواوي، رحمه الله، على: شيخنا، الإمام، العلَّامة، المحقِّق، المدقِّق، الأعبد، الأعلم، الأعمل، المتقن، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي الدِّمشقي، المعروف بابن العطَّار، أمتع المسلمين بطول حياته ، بحقِّ روايته قراءة على مؤلِّفه المذكور، وكانت قراءتي من هذه النُّسخة مقابلًا معه بنسخة سماعه، وهي بيده، وعليها خطُّ شيخه المؤلِّف، رحمه الله، مع ما عليها من الحواشي له، وصحَّ ذلك، وثبت، في مجالس آخرها يوم الخميس ثالث عشري شوَّال سنة ست وسبعمائة، بدار الحديث النَّبوي المعروفة بالنُّوريَّة، رحم الله واقفها، في محروسة دمشق، حرسها الله وسائر بلاد الإسلام. وكتب الفقير إلى رحمة ربِّه: عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقيقي الواسطي، عفا الله عنهم، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد، وآله، وسلَّم، وأجاز لي شيخي الإمام علاء الدِّين المذكور جميع ما يجوز له روايته، والحمد لله ربِّ العالمين). قال شيخه ابن العطَّار: (السَّماع والإجازة صحيحان، وكذلك المقابلة معي بأصلي، وأذنتُ للشَّيخ الفاضل النَّبيه المحقِّق مجد الدِّين أبي محمَّد كاتبه، نفع الله به، في رواية هذا الكتاب، ورواية ما يجوز لي تسميعه. وكتب: ابن العطَّار، عفا الله عنهما، حامدًا لله تعالى، ومصلِّيًا، ومسلِّمًا). ♦♦♦♦♦ [مكتبة المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، رقم (62) (ف 95)، [35/ أ]، طبقة سماع الأربعين بخطِّ الشَّيخ الدُّقَيقِي وبذيلها تصحيح الإمام ابن العطَّار] (قرأتُ جميع هذا الكتاب على شيخنا، الإمام، العلَّامة، المحقِّق، المدقِّق، الأفضل، الأكمل، علاء الدِّين المذكور أعلاه ، بحقِّ سماعه عن مؤلِّفه المذكور، رحمه الله، مُقابلًا بيده نسخة سماعه معي بهذه النُّسخة ... ، في مجلسٍ واحدٍ، يوم الأحد رابع عشر رمضان سنة ست وسبعمائة، وأملى عليَّ الشَّيخ المذكور حواشيه، وأجاز لي جميع ما يجوز له روايته. كَتَبَهُ قارئه، وكاتبه، ومالكه، الفقير إلى رحمة ربه: عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقِي الواسطي، عفا الله عنهم، وصلَّى الله على أشرف المرسلين محمَّد وآله وسلَّم، وكان السَّماع بدار السُّنَّة النُّوريَّة، بدمشق المحروسة). قال شيخه ابن العطَّار: (صحيحٌ ذلك، وكَتَبَ: علي بن إبراهيم بن داود بن سُليمان بن سلمان ابن العطَّار، وكانت قراءة الفقيه الفاضل النَّابه مجد الدِّين أبو محمَّد المسمَّى، نفعه الله تعالى .. مضبوطةً، مهذَّبة ..). ♦♦♦♦♦ [مكتبة المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، رقم (62) (ف 95)، [45/ ب]، طبقة سماع الإملاء بخطِّ الشَّيخ الدُّقَيقِي وبذيلها تصحيح الإمام ابن العطَّار] (الحمد لله ربِّ العالمين، قرأتُ جميع هذا الجزء [كتاب الإملاء في شرح حديث: إنَّما الأعمال بالنِّيَّات] من إملاء الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، محيي الدِّين أبي زكريَّا يحيى بن شرف النَّواوي، تغمَّده الله برحمته، وأسكنه بحبوبة جنَّته، على الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، المحقِّق، ذي الفضائل، أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي، المعروف بابن العطَّار الدِّمشقي، أمتع الله الإسلا م والمسلمين بطول حياته، آمين ، بحقِّ روايته بعضه من إملاء الشَّيخ المؤلِّف، رحمه الله، كما هو معلَّم فيه في أثناء ترجمة البخاري، وبعضه إجازة عنه، وصحَّ، وثبت، في مجالس، آخرها: يوم الاثنين سابع عشري شوَّال سنة ست وسبعمائة، بدمشق المحروسة، بمنزله دار الحديث النَّبوي النُّوريَّة، رحم الله واقفها. وكتب الفقير إلى الله تعالى: عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقَيقِي الواسطي، نفعه الله تعالى، وعفا عنه، وعن جميع المسلمين، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد النَّبي الأمِّي، وعلى آله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا). قال شيخه ابن العطَّار: (صحَّت القراءة المذكورة عليَّ بروايتي عن مؤلِّفه، تغمَّده الله برحمته، على ما ذكر، نفعه الله بها، وذلك وهو يقابل معي بأصلي حال قراءته، وأذنتُ له في روايته، ورواية ما يجوز لي إسماعه. كتبه: ابن العطَّار). ♦♦♦♦♦ [مكتبة المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس، رقم (62) (ف 95)، [80/ أ]، طبقة سماع التَّقريب بخطِّ الشَّيخ الدُّقَيقِي وبذيلها تصحيح الإمام ابن العطَّار] (قرأتُ جميع هذا الكتاب، وهو كتاب: «التَّقريب والتَّيسير»، تأليف: الإمام، العلَّامة، أوحد دهره، محيي الدِّين يحيى بن شَرَف النَّواوي -رحمه الله- على الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، الأفضل، الأكمل، الأعلم، الأعمل، جامع الفضائل، علا ء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الدِّمشقي، المعروف بابن العطَّار الدِّمشقي، أمتع الله بطول بقائه المسلمين ، وذلك بحقِّ سماعه من حفظه على مؤلِّفه الإمام محيي الدِّين المذكور غير مرَّة، مقابلًا بقراءتي من هذه النُّسخة نسخة سماعه، وخطُّ المؤلِّف له عليها، وهي بيده يقابل بها قراءتي عليه، وقرأتُ عليه مع الحواشي من إملائه، وصحَّ، وثبت، في مجالس، آخرها: يوم الثُّلاثاء رابع عشر شوَّال سنة ست وسبعمائة بدار الحديث النَّبوي النُّورية بدمشق المحروسة، وهي منزله. كَتَبَهُ الفقير إلى رحمه ربِّه: عبد الله بن إبراهيم بن عبد اللَّطيف الدُّقيقي الواسطي، حامدًا، ومصلِّيًّا، ومسلِّمًا، والحمد لله ربِّ العالمين). قال شيخه ابن العطَّار: (صحيحٌ [ما ذكره من] مقابلته معي بأصلي، وأذنتُ للشَّيخ العالم الفاضل النَّابه مجد الدِّين أبي محمَّد المذكور [روايته، وأجزتُهُ له، وفي] ما يجوز لي تسميعه، كتبهُ: ابن العطَّار، عفا الله [عنه]). ♦♦♦♦♦ 8- قال الشَّيخ شهاب الدِّين، أبو العبَّاس، أحمد بن الأمير زين الدِّين أبي يوسف قراجا بن عبد الله الميداني: [المكتبة الأزهريَّة بالقاهرة، رقم (4687) خصوصي، (69599) عمومي – حديث، [1/ أ]، المخطوط بخطِّ الشَّيخ الميداني وبذيل صفحة العنوان طبقة سماع بخطِّ الإمام ابن العطَّار] (الجزء فيه: تُساعيَّات الشَّيخ، الإمام، العالم، العلَّامة، الحافظ، المتقن، المحقِّق، العابد، الزَّاهد، الورع، علاء الدِّين، شيخ الطَّريقة، ومعدن الحقيقة، مفتي الفرق، أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي، رضي الله عنه). قال شيخه ابن العطَّار: (الحمد لله، قرأ عليَّ جميع هذه « الأربعين « ، تخريجي، مقابلًا معي بأصلي، صاحبها، كاتبُها: الولد المبارك، أبو العبَّاس أحمد بن الأمير الكبير زين الدِّين قراجا بن عبد الله الميداني، نفعه الله ورفعه، وزاده من فضله وجمعه، ومن حمده وشكره أزوعه، قراءة حسنة، بروايتي فيها عن مشايخي مع ما فيها من الجوابات والإنشادات، وذلك في مجلسين، آخرهما: يوم الثُّلاثاء الرَّابع من ذي الحجَّة سنة ست وسبعمائة، بدار السُّنَّة النُّوريَّة، بدمشق المحروسة، وأجزتُ له رواية ما يجوز لي تسميعه. وكتب: علي بن إبراهيم بن داود العطَّار، عفا الله عنهم، حامدًا لله تعالى، ومصلِّيًا على نبيِّه محمَّد، وآله، وصحبه، ومسلِّمًا). ♦♦♦♦♦ [المكتبة الأزهريَّة بالقاهرة، رقم (4687) خصوصي، (69599) عمومي – حديث، [1/ ب]، بخطِّ الشَّيخ الميداني] (قال الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، بقيَّة السَّلف، وعمدة الخلف، علاء الدِّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي، رضي الله عنه ..). ♦♦♦♦♦ [دار الكتب المصريَّة بالقاهرة، رقم (424 تاريخ)، [1/ ب]، جزء فيه فضائل أبي بكر الصدِّيق للعشاري بخطِّ الشَّيخ الميداني] ( أخبرنا الشَّيخ، الإمام، الحافظ، العلَّامة، الضَّابط، المتقن، بقيَّة السَّلف، وعمدة الخلف، علاء الدِّين أبو الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي، رضي الله عنه ، سماعًا في يوم الجمعة حادي وعشرين ذي الحجَّة سنة ست وسبعمائة، بدار الحديث النُّوريَّة، بدمشق المحروسة ..). ♦♦♦♦♦ 9- قال الشَّيخ العالم شمس الدِّين أبو عبد الله محمَّد بن علم الدِّين سليمان بن داود ابن الجَوهري الشَّافعي (المتوفى بعد 718 هـ): [المكتبة الوطنيَّة بمدينة أنقرة التركيَّة: ملّي كتبخانه – فخري بيلكه، رمز ( FB-145-1 )، رقم الحفظ (1795)، [1/ أ]، المخطوط وطبقة سماع بخطِّ الشَّيخ ابن الجوهري وبذيلها تصحيح الإمام ابن العطَّار] ( الجزءُ المُسَلْسَلُ بالأوَّلِيَّةِ والكَلَامُ عَلَيهِ، تخريج: شيخنا الشَّيخ، الإمام، العالم، العامل، الزَّاهد، العابد، الحافظ، المُتقن، بقيَّة السَّلف، قُدوة الخلف، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود العَطَّار الدِّمشقي، أعلى الله دَرجته، ونفعنا ببركته، آمين ، الحمد لله ربِّ العالمين. سَمِعَ هذا « الجزء « على مؤلِّفهِ: الشَّيخ، الإمام، الحافظ، المُتقن، علاء الدِّين أبو الحسن علي بن إبراهيم العطَّار- أثابهُ الله الجنَّة-: ...، كاتبُ الجزء: محمَّد بن سُليمان بن داود الجَوْهَرِي الشَّافعي، ... ، وذلك في مجلسٍ واحدٍ، بعد صلاة الجمعة، تاسع عشر شهر جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وسبع مائة). قال شيخه ابن العطَّار: (صحيحٌ ذلك، كَتَبَهُ، مُخرِّجهُ: ابن العَطَّار، عفا الله عنهما). ♦♦♦♦♦ [المكتبة الوطنيَّة بمدينة أنقرة التركيَّة: ملّي كتبخانه – فخري بيلكه، رمز ( FB-145-1 )، رقم الحفظ (1795)، [1/ ب]، بخطِّ الشَّيخ ابن الجوهري] ( قال شَيخُنَا، الشَّيخُ، الإمامُ، العالمُ، المفتي، الحافظُ، المحقِّقُ، الضَّابطُ، علاء الدِّين أبو الحسن عليُّ بن إبراهيم بن داود العَطَّار الدِّمشقي الشَّافعي -أثابهُ اللهُ الجنَّة- ، وأخبرنا به: يوم الأربعاء ثاني جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وسبع مائة، بدار السُّنَّة، وهو أوَّلُ حديثٍ سمعناهُ منهُ مُسنَدًا ..). 10- قال الإمام عَلَم الدِّين أبو محمَّد القاسم بن محمَّد بن يوسف ابن البِرْزَالي الإِشْبِيلِي الأصل الدِّمشقي (665 هـ - 739 هـ): [دار الكتب الظَّاهرية، رقم (7164)، [12/ ب]، طبقة سماع كتاب حكم صوم رجب وشعبان بخطِّ الإمام ابن البِرْزالي] (سمع جميع هذا «الجزء « [كتابُ حكم صَوْم رجب وشعبان، وما الصَّوابُ فيه عند أهل العلم والعِرفان، وما أُحدِث فيهما وما يترتَّب من البدع الَّتي يتعيَّن إزالتُها على أهل الإيمان] على مؤلِّفه: الشَّيخ، الإمام، العالم، الفاضل، البارع، القدوة، العارف، الزَّاهد، العابد، الورع، المحدِّث، الحافظ، علاء الدِّين، بقيَّة السَّلف، مُفتي المسلمين، أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي -نفع الله ببركته- ، الجماعة السَّادة: ...، وصحَّ ذلك في ثلاثة مجالس، آخرها: يوم الأحد سابع رجب سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، بدار الحديث النُّوريَّة، بدمشق، بقراءة: القاسم بن محمَّد بن يوسف ابن البِرْزَالي، عفا الله عنه، وهذا خَطُّهُ، والحمد لله ربِّ العالمين). 11- قال الشَّيخ أحمد بن إبراهيم الإسكندري: [دار الكتب الظَّاهريَّة، رقم (3739-2) [50/ ب] طبقة سماع جزء ابن ملاعب بخطِّ الشَّيخ الإسكندري] (قرأتُ جميع هذا الجزء، وهو: « جزء ابن ملاعب « ، على مالكه: الشَّيخ، الإمام، العالم، الحافظ، المحدِّث، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن الشَّيخ الأجل موفَّق الدِّين إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي، أعزَّه الله تعالى ، بسنده، فسمعه: ... ، وإبراهيم، وعلي ابنَي القارئ المذكور أعلاه كاتبه: أحمد بن إبراهيم الإسكندري، وصحَّ ذلك، وثبت، بدار الحديث القليجيَّة الحنفيَّة، وذلك خامس عشر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وسبعمائة للهجرة النَّبويَّة، والحمد لله وحده، وصلَّى الله على سيِّدنا محمَّد، وآله، وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا). 12- قال الشَّيخ عبد الله بن أحمد بن خليل البانياسي الشَّافعي: [دار الكتب الظَّاهرية، رقم (7164)، [12/ ب]، طبقة سماع كتاب حكم صوم رجب وشعبان بخطِّ الشَّيخ البانياسي] (قرأتُ جميع هذا «الجزء « [كتابُ حكم صَوْم رجب وشعبان، وما الصَّوابُ فيه عند أهل العلم والعِرفان، وما أُحدِث فيهما وما يترتَّب من البدع الَّتي يتعيَّن إزالتُها على أهل الإيمان] من نسختي مُقابلًا بهذا مع مؤلِّفه: الشَّيخ، الإمام، العالم، أبي الحسن علاء الدِّين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار، تولَّى الله حراسته ، فسمعه ولدي: أحمد، وذلك بمنزل المُسمِع، بدار السُّنَّة، بدمشق، وذلك في مجالس، آخرها: يوم الثُّلاثاء ثاني عشرين ذي القعدة من سنة خمس عشرة وسبعمائة، والحمد لله وحده. كتبه: عبد الله بن أحمد بن خليل البانياسي،عفا الله تعالى عنهم، آمين). ♦♦♦♦♦ [المكتبة الوطنيَّة بمدينة أنقرة: ملّي كتبخانه – فخري بيلكه، رمز ( FB-145-1 )، رقم الحفظ (1795)، [1/ ب]، طبقة سماع منقولة عن خطِّ الشَّيخ البانياسي وبذيلها تصحيح منقول عن خطِّ الإمام ابن العطَّار] (قرأتُ جميع هذا الكتاب، وهو: « رياض الصَّالحين « ، من أوَّله إلى آخره، على: شيخنا، وسيِّدنا، الشَّيخ، الإمام، العلَّامة، محيي السُّنَّة، زين العلماء والمحدِّثين، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار، فسح الله تعالى في مدَّة حياته، وتولَّاه في حركاته وسكناته ، بحقِّ سماعه من مصنِّفه: الشَّيخ، الإمام، العالم، أبي زكريَّا يحيى بن شرف بن مِرَا النَّووي، قدَّس الله روحه، وغفر له، في مدَّة، آخرها: يوم الاثنين من شهر المولد ربيع الأوَّل من سنة ست عشرة وسبعمائة، بمنزله بدار السُّنَّة النُّوريَّة، بدمشق المحروسة، عمَّرها الله وسائر بلاد المسلمين، ...، وقابلتُ هذه النُّسخة مع الشَّيخ المُسمِع حال السَّماع بأصله، وأجاز رضي الله عنه أن نروي عنه جميع ما يجوز له روايته فيه. وكتبه: عبد الله بن أحمد بن خليل البانياسي الشَّافعي، عفا الله عنهم، وعن جميع المسلمين، آمين). قال شيخه ابن العطَّار: (صحَّ لهم جميع ما ذُكر، والمقابلة معي بأصلي. كتبه: علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار، عفا الله عنهم). 13- قال أخوه لأبويه الإمام جمال الدِّين أبو سُلَيمان داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي (665 هـ - 752 هـ): [مكتبة جامعة توبنجن، رقم (18)، [1/ أ]، بخطِّ أخيه الإمام داود ابن العطَّار] («تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين»، قدَّس الله روحه، ونوَّر ضريحه، تأليف: الشَّيخ، الإمام، العالم، العامل، الزَّاهد، علاء الدِّين علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشافعي ، عفا الله عنهم) . 14-قال الإمام شهاب الدِّين أبو العبَّاس أحمد بن مظفَّر بن أبي محمَّد ابن النَّابُلُسِي الدِّمشقي (675 هـ - 758 هـ): [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (117)، [181/ ب]، طبقة سماع بخطِّ الإمام ابن النَّابلسي] (قرأتُ جميع هذا الجزء – وهو «أمالي ابن سمعون الواعظ»-، على مالكه: الشَّيخ، الفقيه، الإمام، العالم، العامل، الأوحد، البارع، الحافظ، المفتي، جمال العلماء، وفجر الفضلاء، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي، نفع الله به ، بسماعه فيه من شيخَيه بسندهما، فسمعه: .. ، وصحَّ ذلك، وثبت، في ستَّة مجالس آخرهن عشيَّة الأحد سادس صفر سنة سبع وتسعين وستمائة، بدار الحديث النُّوريَّة بدمشق. كَتَبَهُ: أحمد بن مظفَّر بن أبي محمَّد ابن النَّابُلُسِي، عفا الله عنه، والحمد لله، وصلَّى الله على محمَّد، وآله، وسلَّم تسليمًا). ♦♦♦♦♦ [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (117)، [203/ أ]، طبقة سماع بخطِّ الإمام ابن النَّابلسي] (قرأتُ جميع هذا الجزء، وهو الثَّاني من أمالي أبي الحسين محمَّد بن أحمد بن سمعون الواعظ، رضي الله عنه، على مالكه، وكاتبه: سيِّدنا، الشَّيخ، الفقيه، الإمام، العالم، العامل، البارع، الحافظ، الزَّاهد، الورع، المتقن، الأوحد، علاء الدِّين، مفتي المسلمين، ذي الفضائل، أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود الشَّافعي، فسح الله في مدَّته ، بسماعه من شيخَيه بسندهما فيه، فسمعه: .. ، وصحَّ ذلك، وثبت، في مجالس آخرها عشيَّة الأحد الرَّابع من شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وستمائة، بدار السُّنَّة النُّوريَّة بدمشق. كَتَبَهُ: أحمد بن مظفَّر بن أبي محمَّد ابن النَّابُلُسِي، عفا الله عنه). ♦♦♦♦♦ [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (81)، [200/ أ]، طبقة سماع بخطِّ الإمام ابن النَّابلسي] (قرأتُ هذا الجزء، وهو: «تحفة عيد الفطر»، تأليف: الإمام، أبي القاسم، زاهر بن طاهر الشَّحَّامي -رحمه الله- على مالكه: الشَّيخ، الإمام، العالم، العامل، الزَّاهد، الورع، شيخ المحدِّثين، مفتي المسلمين، بقيَّة السَّلف، قدوة الخلف، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي، أثابه الله الجنَّة ، بسماعه فيه من شيخَيه: جمال الدِّين أبي حامد محمَّد بن الشَّيخ علم الدِّين أبي الحسن علي بن محمود ابن الصَّابوني، وشرف الدِّين محمَّد بن أحمد بن عبد السَّخي العمري، بسماعهما من: القاضي جمال الدِّين أبي القاسم عبد الصَّمد بن محمَّد ابن الحَرَسْتَاني، وبإجازة ابن الصَّابوني أيضًا من أبي روح عبد المعز بن محمَّد الهروي بسماعه، وإجازة ابن الحَرَسْتَاني من مؤلِّفه، فسمع: ... ، وصحَّ ذلك، وثبت، في يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان المكرَّم سنة تسع عشرة وسبعمائة، بمشهد ابن عروة بجامع دمشق، وأجاز المُسمِع لمن سمعه أو شيئًا منه جميع ما تجوز له روايته. كَتَبَهُ: أحمد بن مظفَّر بن أبي محمَّد بن مظفَّر بن بدر بن الحسن ابن النَّابُلُسِي، عفا الله عنه، والحمد لله ربِّ العالمين). 15- قال المحدِّث ناصر الدِّين أبو المعالي محمَّد بن طغريل بن عبد الله ابن الصَّيرفي الدِّمشقي (693 هـ - 737 هـ): [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (117)، [181/ ب] [182]، طبقة سماع بخطِّ المحدِّث ابن الصَّيرفي] (سمع جميع هذا الجزء، والثَّاني بعده، وفيها عشرون مجلسًا من أمالي أبي الحسين بن سمعون الواعظ .. وشيخنا، الإمام، العلَّامة، العامل، القدوة، الزَّاهد، العابد، الورع، بقيَّة السَّلف الصَّالحين، عمدة الحفَّاظ والمحدِّثين، مفتي المسلمين، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان ابن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي ..) . ♦♦♦♦♦ [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (117)، [203/ أ-ب]، طبقة سماع بخطِّ المحدِّث ابن الصَّيرفي] (سمع جميع هذا الجزء والذي قبله، وفيها عشرون مجلسًا من أمالي أبي الحسين بن سمعون الواعظ رحمه الله، على: .. وشيخنا، الإمام، العلَّامة، الأوحد، العامل، القدوة، الزَّاهد، العابد، الورع، بقيَّة السَّلف الصَّالحين، عمدة الحفَّاظ والمحدِّثين، مفتي المسلمين ، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان ابن العطَّار الدِّمشقي الشَّافعي ..) . ♦♦♦♦♦ [دار الكتب الظَّاهرية، رقم (7164)، [1/ أ]، طبقة سماع كتاب حكم صوم رجب وشعبان بخطِّ المحدِّث ابن الصَّيرفي] ( سمع جميع هذا «الكتاب« [كتابُ حكم صَوْم رجب وشعبان، وما الصَّوابُ فيه عند أهل العلم والعِرفان، وما أُحدِث فيهما وما يترتَّب من البدع الَّتي يتعيَّن إزالتُها على أهل الإيمان] على مؤلِّفه: شيخنا، الإمام، العالم، العلَّامة، الحافظ، الأوحد، البارع، العمدة، الصَّالح، الزَّاهد، العابد، الورع، مفتي المسلمين، شيخ المحدِّثين، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن شيخنا موفَّق الدِّين أبي إسحاق إبراهيم بن داود بن سليمان ابن العطَّار الشَّافعي -أمد الله في عمره- ، بقراءة كاتب السَّماع: محمَّد بن طغريل بن عبد الله المعروف بابن الصَّيرفي -عفا الله عنه-: ...، صحَّ ذلك، وثبت، في يوم الأحد ثامن رجب سنة أربع وعشرين وسبعمائة [7] ، بدار الحديث النُّوريَّة، بدمشق، وأجاز لنا ما يجوز له روايته، [وتسميعه]). ♦♦♦♦♦ [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (81)، [200/ أ]، طبقة سماع تحفة عيد الفطر بخطِّ المحدِّث ابن الصَّيرفي] (وسمعه عليه، أبقاه الله تعالى، بهذا السَّند، بقراءة كاتب السَّماع: محمَّد بن طغريل بن عبد الله المعروف بابن الصَّيرفي، عفا الله عنه، الجماعة: ... ، وسمعوا كلهم عليه بالقراءة المذكورة جزءًا فيه خمس مجالس من إملاء أبي طاهر محمَّد بن محمَّد ين محمش الزيادي، بسماعه من الشَّيخ زين الدِّين ابن أبي الخير، بإجازته من الخشوعي، بسنده، وصحَّ ذلك، وثبت، في يوم الأحد ثالث شوَّال سنة أربع وعشرين وسبعمائة [8] ، بدار الحديث النُّوريَّة، بدمشق المحروسة، وأجاز لنا، الحمد لله ربِّ العالمين). 16- قال الشَّيخ أحمد بن محمَّد ابن الزَّاهدي: [دار الكتب الظَّاهرية، مجموع (81)، [192/ ب]، طبقة سماع تحفة عيد الفطر بخطِّ الشَّيخ ابن الزَّاهدي] (سمع جميع هذا الجزء على الشَّيخ، الإمام، العالم، الكامل، الزَّاهد، العابد، الورع، الحافظ، قدوة العلماء، جمال المحدِّثين، مفتي المسلمين، علاء الدِّين أبي الحسن علي بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الشَّافعي ، بقراءة الحافظ، محدِّث الشَّام، ومؤرِّخه، ومفيده، علم الدِّين القاسم بن محمَّد بن يوسف ابن البِرْزَالي، أدام الله النَّفع به، بسماع شيخِنا من ابن الصَّابوني، والعُمري ، أنا ابن الحرستاني، الجماعة: ... ، وكاتب الأسامي: أحمد بن محمَّد ابن الزَّاهدي، عفا الله تعالى عنه، في ثامن عشرين رمضان سنة أربع عشرين وسبعمائة [9] ، بدار الحديث النُّوريَّة، بدمشق، وأجاز لهم مرويَّاته). فائدة: [دار الكتب المصريَّة بالقاهرة، رقم (2595 تاريخ)، [102/ ب]، الدُّرر الكبير في مناقب الشَّافعيِّة بخطِّ مصنِّفه ابن المبرد] قال الشَّيخ العلَّامة يوسف بن حسن بن عبد الهادي ابن المبرد المقدسي الصَّالحي الحنبلي (المتوفى 909 هـ) في «الدُّرر الكبير في مناقب الشَّافعيَّة « [ق 102/ ب]: (علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن سلمان بن سالم بن سلامة المعروف بابن العطَّار، تلميذ النَّووي، وأنجب تلامذته. سمع، وحدَّث، وبرع. ذكره السُّبكي في «الصُّغرى« [10] ، وأهمله في «الوسطى«، وأنكر عليه ذلك ابن شُهبة، وذكره في «الحاشية« [11] ، توفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة. قلتُ: وهو ممَّن كتب في درج الشَّيخ تقي الدِّين ابن تيميَّة، وشَهِدَ له، ومَدَحَهُ، وذكرَ ابن كثير له مصنَّفات [12] ، ذكره ابن شُهبة في «الطَّبقات« [13] ). والحمد لله ربِّ العالمين. [1] كان ابن العطَّار يبلغ وقتها 19 سنة تقريبًا، ومنقطعًا فيها إلى التَّتلمذ عليه وحده والأخذ عنه، والتي عبَّر عنها في «تحفة الطَّالبين« (ص 53) فقال: «كانت مدَّة صُحبتي له مقتصرًا عليه دون غيره، من أوَّل سنة سبعين وستمائة وقبلها بيسير إلى حين وفاته» ا.هـ. [2] قال الشَّيخ الدُّقيقي: «بحقِّ سماعه من حفظه على مؤلِّفه الإمام محيي الدِّين المذكور غير مرَّة«. [3] كان ابن العطَّار يبلغ وقتها 20 سنة تقريبًا. [4] كتب الإمام النَّووي طبقة السَّماع هذه قبل وفاته بشهرين ونصف تقريبًا، وتلميذه ابن العطَّار قريب من 22 سنة. [5] كان ابن العطَّار وقتها قريبًا من 23 سنة. [6] كان ابن العطَّار وقتها قريبًا من 25 سنة. [7] هذا مجلس سماع على ابن العطَّار قبل وفاته بخمسة أشهر تقريبًا. [8] هذا مجلس سماع على ابن العطَّار قبل وفاته بأقل من شهرين، ويبلغ وقتها 70 سنة. [9] هذا مجلس سماع على ابن العطَّار قبل وفاته بشهرين. [10] «طبقات الشَّافعيَّة الصُّغرى« جامعة الملك سعود ، رقم (677) [ق 106/ أ]، وعليها خطُّه، وكذلك ذكره في «طبقات الشَّافعيَّة الكبرى« (10/ 130). [11] «الطَّبقات الوسطى« شستربيتي، رقم (4922)، [ق 227/ أ] بخطِّ ابن قاضي شهبة حيث قال في حاشيته عليها ما نصُّه: (أهمل المصنِّف هنا ترجمة ابن العطَّار تلميذ النَّووي، وقد توفي سنة أربع وعشرين وسبعمائة، وكان أنجب تلامذة النَّووي، رحمهما الله، كتبه: أبو بكر بن قاضي شهبة الأسدي، قلتُ: ثمَّ رأيتُهُ هنا في الطَّبقات الصُّغرى للمصنِّف). [12] «البداية والنهاية« (18/ 251-252). [13] «طبقات الشَّافعيَّة« (2/ 270-271).
الإعجاز الرباني في شجرة الزيتون
أ. د. علي فؤاد مخيمر
01-10-2020
13,266
https://www.alukah.net//culture/0/142273/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b9%d8%ac%d8%a7%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%ac%d8%b1%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d8%aa%d9%88%d9%86/
الإعجاز الرباني في شجرة الزيتون الزيتون مِن الأشجار المبارَكة التي وَرَد ذِكْرُها في القرآن الكريم سبع مرات، وأوصى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمَّته بأن يأكلوا مِن زيتها، ويدهنوا به، وقد ثبَت علميًّا فوائد أَكْل زيت الزيتون والدهان به. فعندما يذْكُر رب العزة في كتابه شيئًا من الطعام أو الشراب، فإن فيه شفاءً بإذن الله؛ لأنه هو الخالقُ والعالم بما ينفع ويضرُّ الإنسان؛ قال تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35]، وقال تعالى: ﴿ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ ﴾ [المؤمنون: 20]، وقال تعالى: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [التين: 1 - 3]. فأَقْسَم ربُّ العزة بها لعلمه الأزلي أنها مبارَكةٌ مفيدةٌ للإنسان، ولعل في النسبة بين ذِكْر التين مرة واحدة، وذِكْر الزيتون وزيته سبع مرات - حكمةً تحتاج منَّا إلى شيء من البحث والتحقيق. الزيتون في السنة النبوية المطهَّرة: لقد نبَّهتنا السنة النبوية المُطهَّرة القولية والفعلية على أهمية استعمال زيت الزيتون؛ سواء في الطعام أو في الدهان، وكان عليه الصلاة والسلام يأكُل زيت الزيتون ويدهن به، وأعْلَمَنا أن شجرةَ الزيتون شجرةٌ مباركةٌ؛ فعن أبي أُسَيْد رضي الله عنه، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا الزيتَ وادَّهِنُوا به؛ فإنه يخرُج مِن شجرة مباركة))؛ (رواه الترمذي وأحمد والحاكم)، والزيتُ هنا: هو زيت الزيتون، والشجرة المبارَكة: هي شجرة الزيتون، والدهن الذي يخرج مِن ثمره هو زيت الزيتون. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "في الزيتونة منافع منها: يُسرج بالزيت، وهو إدام ودهان ودباغ، ووقود يُوقَد بحطبه وتفلِه وليس فيه شيء إلا فيه منفعة، حتى الرماد يغسل به الإِبْريسَم، وهي أول شجرة نبتتْ في الدنيا، وأول شجرة نبتتْ بعد الطوفان، ونبتتْ في منازل الأنبياء والأرض المُقدَّسة، ودعا لها سبعون نبيًّا بالبركة؛ منهم: سيدنا إبراهيم عليه السلام، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه قال: ((اللهم بارك في الزيت والزيتون)) [1] . بماذا تمتاز أشجار الزيتون؟ تتميَّز بأنها أشجارٌ مُعمِّرةٌ؛ حيث يمكن للشجرة الواحدة أن تعيش لأكثر من ألفي سنة، دائمة الخضرة، تتحمَّل الجفاف بشكل كبير، وثمرتها من أهمِّ ثمار الزيوت النباتية؛ إذ يُشكِّل زيتُها ما بين 50% إلى 70% من وزن الثمرة في المتوسط. فالشجرة مبارَكة فعلًا؛ حيث إننا نستفيد من زيتونها وزيتها وخشبها وورقها، وتكون الثمرة في البداية خضراءَ داكنةً، ثم تتحوَّل إلى سمراء بعد نُضجها، ومن أخطر ما يُجرى هو صبغ الزيتون الأخضر ليظهر كزيتون أسود؛ لما في هذه الأصباغ مِن مضارَّ صعبةٍ، واحتمال احتوائها على موادَّ مسرطنةٍ! فالزيتون ممتاز للأكل بعد غسله وتخليله، وزيت الزيتون مِن أفضل الزيوت، ومع أنه زيت إلا أنه غير ضار، وهو يُفيد القلبَ كما سنرى لاحقًا. كما توجد في أوراق الزيتون مادةٌ دهنيةٌ غير مشبعة، مضادةٌ للجراثيم؛ حيث تمنع نمو البكتيريا والطفيليات عليها، ويمكن نَقْع الورق وشُرب السائل الناتج منه، أما خشب أشجار الزيتون فهو قاسٍ، وفيه عروقٌ جميلة مما يجعله خشبًا فخمًا للاستخدام في صناعة التُّحف وغيرها، كما أنه غنيٌّ بالمواد الحافظة التي تمنع تلَفه وتسويسه وإصابته بالحشرات أو الأَرَضة (النمل الأبيض) الذي يعتبر مِن ألدِّ أعداء المواد الخشبية. ويتكوَّن زيت الزيتون مِن عدد من المركَّبات الكيميائية المهمة التي منها: مركبات الجليسرين، والأحماض الدهنية، والأملاح، والفيتامينات وغيرها. وقد ثبت بالدراسة أن أفضل الزيوت النباتية على الإطلاق، هو زيت الزيتون؛ وذلك لما أعطاه الله تعالى من خاصية خَفْض ضغط الدم، وتقليل امتصاص الجسم للكوليستيرول بصفة عامة، هذا ما أثبَتَتْهُ الأبحاثُ العلمية الحديثة في العُقود المتأخِّرة مِن القرن العشرين، فتعتبر هذه الإشارات مِن المعجزات العلمية للقرآن الكريم، وللسنة المُطهَّرة. تاريخ زيت الزيتون: مَوطنُ شجرة الزيتون هو سوريا، وأكد الباحثون أن مملكة (إيبلا) شمال سوريا كانتْ مَهْدًا لزراعة الزيتون، ويعود تاريخ شجرة الزيتون في سوريا إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وقد وَرَدَ ذِكْرُ الزيتون في التوراة، عندما أطلق نوح الحمامة ليرى إذا كانت المياه قد جفَّتْ عن الأرض، فعادتْ إليه الحمامة، وفي فيها ورقةُ زيتونٍ خضراء. واكتُشف أن الفراعنة كانوا يستعملونه في التحنيط؛ فشجرةُ الزيتون تعيش لفتراتٍ طويلةٍ جدًّا، ومعدل نموها بطيء، وهناك أشجار في القدس يُقدَّر عمرها بـ 2000 عام؛ أي: من أيام المسيح عليه السلام، وأخرى في إيطاليا يُقدَّر عمرها بـ3000 عام. الزيتون في الطب القديم: أثنى الأطباءُ القدماء كثيرًا على الزيتون وزيته وورقه وأجزائه الأخرى، وقالوا: إن الزيتون يجود الشهوة للطعام، ويقوي المعدة، ويفتح السدد، ويُحسِّن الألوان، ويسمن، وهو هاضم، ويقوي الأعضاء. وورق الزيتون إذا مُضِغَ أذهب فساد اللثة والقُلاع وأورام الحلق، وإذا دُقَّ وضمد بمائه أو بعصارته منع الحمرة والنملة والقروح والأورام، حتى إنهم قالوا عن ورق الزيتون: إن دُقَّت الأوراقُ والأطراف الغضة، ووُضعتْ فوق العُرقوب بأربعة أصابع، جذب ما في عرق النَّسَا مِن التهابات وآلام وأبرأه. وإن طُبخ الورق سكَّن النقرس والمفاصل، وعصارته إذا حُقن بها أذهبتْ قروح الأمعاء والمعدة، حتى رماده قالوا قديمًا عنه: إذا مُزج بماء التمر والعسل يُذهب داء الثعلبة والحبة والسفعة. وصمغ شجرة الزيتون يلصق الجراح، ويُصلح الأسنان المتآكلة، ويقطع السعال المزمن، ولب النوى إذا ضمدتْ به الأظفار البرصة قطع برصها. والرطوبة السائلة من قضبانه - عند حرقه - حلٌّ جيد للدمعة والسيل ورخاوة الأجفان. وقالوا أيضًا: أي جزء منه هو نافع، إذا طُبخ وطُلي به نفع الصداع المزمن والدوار. أما عن زيته فقالوا: فيه خاصية الإرخاء والتلطيف، ويُستعمل في التهاب الرئة والمعدة، وفي مضادة الديدان، والإمساك التشنُّجي، ويُصلح الهضم، ويُغذِّي جميع أجهزة الجسم. الفوائد الطبية للزيتون في الطب الحديث: لزيت الزيتون فوائد طبية كثيرة؛ فقد وُصف الزيتونُ وزيته في الطب الحديث بأنه مُغذٍّ ومُليّن ومُدرٌّ للصفراء، ومُفتِّت للحصى، ومحاربٌ للإمساك، ومفيد لمرضى السكر، ويُستعمل في هذه الحالات بتناول ملعقة إلى ملعقتين من الزيت مرة في الصباح، ومرة قبل النوم، ويمكن إضافة عصير الليمون إليه. ويفيد الزيتون في حالات الدمامل، وفقر الدم والإكزيما، وحساسية الجلد، وتشقُّق الأيدي من البرد والقوباء والكساح، والسيلان الصديدي، وسقوط الشعر، والعناية بجلد الوجه والجسد؛ حيث تُوضع عليه كمادات مِن الزيتون الناضج المَهْروس، ولمعالجة فَقْر الدم والكساح في الأطفال يُفرك الجسمُ بزيت الزيتون. ولمعالجة الروماتيزم، والتهاب الأعصاب، والتواء المفاصل - يُصنع مرهم مِن رأس ثوم يُبشَر في 200 جرام مِن زيت الزيتون، وبعد نقعه يومين أو ثلاثة يُفرك به مكانُ الوجع مرات عدة، ويُستعمل لمنع سقوط الشعر؛ حيث تفرك جلدة الرأس بزيت الزيتون مساءً لمدة عشرة أيام، وتُغطى ليلًا، وتغسل في الصباح. كذلك مِن فوائده الجنسية أنه يزيد في الانتصاب عند الرجال، فيُهرس الثوم في زيت الزيتون على نار هادئة، ويُبرَّد ويدهن به العانة. ولعلاج الإمساك التشنُّجي تُصنع حقنة شرجية من 200 - 400 جرام مِن زيت الزيتون مع نصف لتر ماء. كما أن له دورًا في تقوية جهاز المناعة؛ ولهذا يُفيد في علاج الأمراض الفيروسية، ومرضى الذئبة، والالتهاب الكبدي، والإيدز، والصدفية، وعدوى المثانة، وعلاج البواسير، ومُدر خفيف للبول. وقد ثبَت علميًّا أن الأوراق بها مادة فعَّالة مضادة للأكسدة، تمنع وتُزيل تصلُّب الشرايين، وتُعيد للأنسجة حيويتَها؛ لوجود فيتامين E ، والزيتون به أيضًا ثلاثة مضادات أكسدة قوية، كما يوجد بالزيت نسبة عالية مِن الدهون غير المشبعة وفيتامين E ، K . ولأنَّ زيت الزيتون يحتوي على زيوت غير مشبعة، فإنه لا يتأكسد (يزنخ)؛ لأن هذه الزيوت مُكونة من حامض أوليك الذي يُقلِّل نسبة الكوليستيرول منخفض الكثافة الضار، ويزيد نسبة الكوليستيرول مرتفع الكثافة النافع، وهذه الدهونُ جعلت الشعوب التي تتناول زيت الزيتون بكثرة لا تُصاب بأمراض الأوعية الدموية والقلبية، كما يُقلِّل الإصابة بسرطان الثدي والأمعاء والجلد. وقد ثبَت علميًّا أن تناوُل زيت الزيتون باستمرار يُسهم في إبعاد شبح الشيخوخة عن الإنسان؛ فهو يحتوي على الكثير من الأحماض الضرورية لجسم الإنسان، الأمر الذي يساعد على مقاومة الشيخوخة، كذلك يُساعد على زيادة نسبة الذكاء لدى الأشخاص الذين يتناولونه باستمرار. ويعمل كذلك على إزالة المواد الدهنية مِن الجسم؛ سواء في الدم، أو في الألياف العضليَّة للإنسان؛ إذ إنَّ زيت الزيتون يعمل على طرد الكوليستيرول مِن جسم الإنسان، ويُسهم في مقاومة أمراض السرطان. ومِن هنا نستطيع أن نقول: يجب استبدال زيت طازج وهو زيت الزيتون بكل أنواع الدهون التي يتناولها الإنسان، وخاصةً بعد سن الأربعين، فهل بعد ذلك لا نأكل زيت الزيتون ولا ندهن به ولا نعتني بشجرة الزيتون تلك الشجرة المباركة، وصدق المعصوم صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((كلوا الزيتَ وادهنوا به؛ فإنه مِن شجرة مباركة))، فالشجرة مباركة، والزيتُ مُبارَك، ولكنْ كثير مِن الناس عنه غافلون، فزيت الزيتون هبة مِن الله تعالى للإنسان، فهنيئًا لمن نال مِن تلك البركات. [1] [هذا الحديث رواه الثعلبي في "الكشف والبيان" 3/ 84 من طريق يعلى الأشدق، عن عمه عبد الله بن جراد به. وفي سنده يعلى الأشدق قال عنه البخاري: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم: ليس بشيء، ضعيف في الحديث. وقال أبو زرعة: هو عندي لا يُصدّق، ليس بشيء. ترجمته في: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم 9/ 303، و"المغني في الضعفاء" للذهبي 2/ 760، و"لسان الميزان" لابن حجر 6/ 312. [تعليق إدارة التحرير].
العبث بالقانون الدولي
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
30-09-2020
1,754
https://www.alukah.net//culture/0/142257/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d9%86%d9%88%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a/
العبث بالقانون الدولي هناك خمسون دولة إسلاميَّة عضو في المنظَّمة الدولية - هيئة الأمم المتَّحدة - وهذا الرَّقم يمثِّل ثلثَ الأعضاء - تقريبًا - وفي وقفة سابقة جاءت الدَّعوة إلى الوجود الدولي في الاشتراك في وضع النُّظم والاتِّفاقيات؛ بحيث يدخل الحسُّ الإسلامي في الصِّياغة وفي الفحوى، وإنْ يكن بطريق غير مباشر، والابتعاد عن العزلة، وأنها نوع من العبَث في زمن العولمة. في مناقشة هذا الموضوع مع الزميل الدكتور/ عبدالرحمن بن أحمد الجعفري، عضو مجلس الشورى السابق، وكان يدير - سابقًا - مؤسَّسة خليجية إقليمية للاستشارات الاقتصاديَّة، طرح فكرةَ التعاون والتنسيق بين الدول الإسلامية عن طريق منظَّمة المؤتمر الإسلامي، أو عن طريق الوزارات والمصالح المعنية بهذا الجانب في الدول الإسلامية، بحيث تخرج - جميعًا - بصيغة تمكِّنُها من الإسهام في الاهتمام بمصالح الإنسان المعاصِر، من خلال التنظيمات الدولية. لدى العالم الإسلامي - اليوم - خبرات جيِّدة وكثيرة في مَجالات التشريع والنظم والقانون الدولي، وهناك خبراء ذوو خلفيَّة إسلامية، يعملون مع المنظَّمات الدولية، ويسهمون في أعمالها التنظيمية، ولكن الذي يظهر أنَّهم يمثِّلون أنفسهم، وقد يعمد بعضهم إلى عدم إقحام الخلفيَّة هذه خوفًا من الرَّفض أو لعوامل أخرى، لا تغيب عن فطنة القارئ. أحسب أنَّه متى ما أثير هذا الجانب وتكثَّف الوجود الإسلامي في المجالات العمليَّة لهذه المنظَّمات، فإنَّ الاستعداد والقابليَّة موجودان لدى هؤلاء الخبراء الذين يعملون الآن في المنظَّمات. الدخول غير المباشر مَقصود ومطلوب؛ ذلك أنَّ الخبراء الآخرين الذين كانت لهم اليد الطولى في الصياغة، وفي المضمون للنظم والاتِّفاقيات، لا يُظهرون أنَّهم ينتمون إلى خلفيَّات دينية وثقافية متميِّزة؛ بل إنهم يَظهرون بالمظهر الدولي العولمي الذي يعمد إلى الشموليَّة في وضع الأنظمة والاتِّفاقيات، بينما واقع الحال أنَّ الخلفية الأيديولوجية تطغى على الموادِّ والفقرات، وتعكس في الغالب النظرةَ الغربيَّة إلى الحياة والناس؛ ولذا تأتي مواد النظام (القانون) موضع تحفُّظ، أو عدم ارتياح من الدول الأخرى، التي لا تتَّفق وهذه النظرة في مشروع النِّظام (القانون)، ومن حقِّ الدول الأخرى التحفُّظ على أي مادَّة أو صيغة تؤثِّر على نظرتها هي للحياة والنَّاس؛ وهذا الحقُّ يؤثِّر على التطبيق في النِّهاية، بعدما كان له أثر في الفهم وفي التفسير. قد يوصلنا هذا إلى نتيجة أنَّ النَّظرة الغربية للأشياء - وهي المسيطرة على التنظيمات الدولية - قاصرةٌ في شموليَّتها، ولا أريد أنْ أذهب أبعد من هذا فأتَّهم هذه النظرة بتجاهُل النَّظرات الأخرى؛ لأنَّ الواقع أنَّها لا تتجاهلها عندما تضَع عبارات للاستثناء، ولتطويع الموادِّ والصياغات لتفسيرات النَّظرات الأخرى. على أيِّ حال، الوجود الإسلامي الدولي أصبح ضرورة حضاريَّة تعين - بعد عون الله تعالى - على فهمٍ صحيح لهذا الدِّين، وتسهم في تقديم الحلول التي تَقبل التطبيق على الجميع؛ ذلك أنَّ هذه الحلول ليست مقصورةً على إقليم دون آخر، أو أمَّة دون أخرى، وهي ليست ملكًا لأحد. لقد آنَ الأوان لهذه الخطوة أنْ تأخذ طريقَها إلى الواقع بتوفُّر مقوِّماتها، ولعلَّ منظَّمة المؤتمر الإسلامي تأخذ قصب السَّبق من خلال مؤسَّساتها التي تُعنى بهذا الجانب، فالناس - كل الناس - ينظرون إلى هذه المنظَّمة أنْ تكون هي المبادرة في هذه المجالات؛ نظرًا لما تتمتَّع به من مَكانة خاصَّة في القلوب، بل ربَّما أحجم الآخرون عن الإقدام على هذه الفِكرة؛ لأنَّهم لم يروا مبادرة من صاحبة المكانة الخاصَّة في القلوب، وعليه فإنَّ منظمة المؤتمر الإسلامي، إذا ما أقدمَت على هذه المشروعات؛ فإنه ينتظر من الآخرين معاضدتها ومساندتها، وتقوية مكانتها دوليًّا.
بذل المجهود في ترجمة الشيخ ابن العطار داود (665 هـ - 752 هـ)
عبدالله الحسيني
29-09-2020
4,481
https://www.alukah.net//culture/0/142236/%d8%a8%d8%b0%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%87%d9%88%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b7%d8%a7%d8%b1-%d8%af%d8%a7%d9%88%d8%af-665-%d9%87%d9%80-752-%d9%87%d9%80/
بذل المجهود في ترجمة الشَّيخ ابن العطَّار داود (665 هـ-752 هـ) بقلم: عبد الله بن محمَّد سعيد الحسيني الحمد لله، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى، وبعد: فهذه ترجمةٌ لعالمٍ جليلٍ من علماء أمَّتنا الإسلاميَّة في القرن الثَّامن الهجري، سلَّطتُ الضَّوء فيها على: اسمه، ونسبه، ولقبه، وكنيته، ومولده، ونشأته، وشيوخه، وتلامذته، والمناصب التي تولَّاها، وثناء أهل العلم عليه، وجودة خطِّه، والكتب المحفوظة بخطِّه، ووفاته، وذلك تعريفًا بمكانته، وإثراءً لسيرته، وسميتُها بـ: (بذل المجهود في ترجمة الشَّيخ ابن العطَّار داود) ، والله الموفِّق والمستعان. أوَّلًا: اسمه ونسبه ولقبه وكنيته: داود بن إبراهيم بن داود بن سُلَيمان بن سَلْمان بن سالم بن سلامة، جمال الدِّين، أبو سُلَيمان، ابن العطَّار، الدِّمشقي، الشَّافعي. ثانيًا: مولده، ونشأته: ♦ وُلد في ليلة 14 من شهر شوَّال سنة 665 هـ. ♦ قرأ القرآن الكريم، وتفقَّه، وسمع الكثير، واشتغل، وحدَّث بالكثير. ثالثًا: شيوخه: روى عن طائفة، منهم: 1) أحمد بن إسحاق بن أحمد الأَبَرْقُوهي: سمع منه يسيرًا مع الذَّهبي. 2) أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الحدَّاد: سمع منه بإفادة أخيه العلاء ابن العطَّار (الأحاديث التي رواها هشام بن عمَّار). 3) أحمد بن شَيبان بن تَغلِب الشَّيباني: سمع عليه بإفادة أخيه العلاء ابن العطَّار (جزء ابن عرفة). 4) أحمد بن هبة الله بن أحمد الكَهْفي: سمع منه بإفادة أخيه العلاء ابن العطَّار. 5) إسماعيل بن إسماعيل بن جوسَلين البَعْلَبَكي: سمع عليه (سنن ابن ماجه). 6) عبد الرَّحمن بن أبي عمر محمَّد بن أحمد ابن قدامة المقدسي: سمع عليه بإفادة أخيه العلاء ابن العطَّار (الكفاية) للخطيب البغدادي، و(رفع اليدين) للبخاري، و(الطّهور) لأبي عبيد من أوَّله إلى ذكر الآبار ونحوها من المياه، والثَّاني من (مشيخته). 7) عبد الرَّحيم بن عبد الملك بن عبد الملك المقدسي . 8) علي بن أحمد بن عبد الواحد ابن البُخاري: سمع عليه (جامع التِّرمذي). 9) علي بن إبراهيم، علاء الدِّين، ابن العطَّار: أخوه لأبوَيه، وانتقلَتْ أجزاؤه بعد وفاته إلى أخيه المترجَم له، سمع عليه الكثير من مرويَّاته ومصنَّفاته. فمن مرويَّاته عنه كما في النُّسخ الخطِّيَّة: (كتاب الأذكار) للنَّووي: سمعه عليه في مجالس، آخرها: يوم الثُّلاثاء 13 من شهر رجب سنة 712 هـ، بدار السُّنَّة النُّوريَّة بدمشق. (جزء فيه من حديث أبي الفضل أحمد بن ملاعب): سمعه عليه في 15 من شهر ربيع الآخر سنة 715 هـ، بدار الحديث القَلِيجيَّة الحنفيَّة. (سباعيات أبي البركات داود بن أحمد ابن ملاعب البغدادي): سمعها عليه يوم الاثنين 27 من شهر شوال سنة 720 هـ بالمدرسة القَلِيجيَّة الحنفيَّة بدمشق. ومن مصنَّفاته التي سمعها عليه: (الجزء المسلسل بالأوَّليَّة والكلام عليه): سمعه عليه بعد صلاة الجمعة في 19 من شهر جمادى الأولى سنة 712 هـ. (كتاب حكم صوم رجب وشعبان): سمعه عليه في ثلاثة مجالس، آخرها: يوم الأحد 7 من شهر رجب سنة 713 هـ، بدار الحديث النُّوريَّة بدمشق. 10) عمر بن محمد بن عبد الله ابن أبي عصرون التَّميمي: سمع عليه (جزء الأنصاري)، و(فوائد ابن ماسي). 11) عمر بن يحيى بن عمر الكَرَجِي: سمع عليه (صحيح البخاري) بقراءة أخيه العلاء ابن العطَّار. 12) محمَّد بن عبد الله بن محمَّد ابن النَّن العنسي: سمع عليه (حديث أبي السكين). 13) محمَّد بن علي بن محمود ابن الصَّابوني: سمع عليه (سباعيات ابن ملاعب)، و(جزء فيه حديث واحد من صحيح مسلم): يوم الأربعاء سلخ شهر ربيع الآخر سنة 679 هـ بدار الحديث النُّورية بدمشق. 14) محمَّد بن أبي بكر بن محمَّد العامري: سمع عليه (جزء الأنصاري)، و(فوائد ابن ماسي). 15) المُسلَّم بن محمَّد بن المُسلَّم ابن عَلَّان القيسي: سمع عليه (مسند أحمد بن حنبل) بكماله. 16) المقداد بن هبة الله بن علي القَيسي: سمع عليه (جزء الأنصاري)، و(فوائد ابن ماسي)، و(صفة المنافق) للفريابي. 17) مؤمَّل بن محمَّد بن علي البَالسي: سمع عليه (مجلس التباني). 18) ستّ العرب بنت يحيى بن قايماز الكِنْدية الدِّمشقيَّة. وأجاز له جماعة، منهم: 19) أحمد بن عبد الدَّائم بن نعمة المقدسي. 20) إسماعيل بن إبراهيم بن أبي اليُسر شاكر التَّنُوخِي. 21) عبد اللَّطيف بن عبد المنعم بن علي الحرَّاني. 22) محمَّد بن عبد الله بن محمَّد بن مالك الطَّائي. 23) يحيى بن شرف بن مِرَى النَّووي. رابعًا: تلامذته: روى عنه جماعة، منهم: 1-2) أحمد بن رجب بن الحسن الحنبلي، وولده عبد الرَّحمن: سمعا عليه آخر (صحيح البخاري)، و(سباعيات ابن ملاعب)، و(الأحاديث التي رواها هشام بن عمَّار)، و(الأحاديث التي رواها أحمد في مسنده عن الشَّافعي)، و(جزء الغطريف)، وغير ذلك. 3) أحمد بن علي بن محمَّد ابن عبد الحق الدِّمشقي: سمع عليه في الخامسة (كتاب الطّهور) لأبي عبيد من أوَّله إلى ذكر الآبار ونحوها من المياه. 4) أحمد بن عمر بن علي الجوهري: سمع عليه (سنن ابن ماجه) سنة 741 هـ. 5) إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد التَّنُوخي: سمع عليه (جزء الأنصاري)، و(فوائد ابن ماسي). 6) خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي. 7) سليمان بن أحمد بن عبد العزيز ابن السقا الهلالي المدني: سمع عليه (سنن ابن ماجه). 8) سليمان بن جعفر بن حسن: أجاز له. 9) عبد الوهَّاب بن علي بن عبد الكافي السُّبكي: سمع عليه (جامع التِّرمذي)، و(جزء الأنصاري)، و(فوائد ابن ماسي)، و(جزءًا فيه المجلس الثاني والسبعون من أمالي ابن السمرقندي). 10) محمَّد بن أحمد بن عثمان الذَّهبي: سمع منه بالرَّملة، وهو ابن أمِّه من الرَّضاعة. 11) محمَّد بن علي بن الحسن الحسيني. 12) محمَّد بن هجرس بن رافع السَّلامي. 13) يوسف بن إبراهيم بن أحمد المدني: سمع عليه (سنن ابن ماجه). 14) تتر بنت محمد بن أحمد التَّنوخيَّة: سمعت عليه في الرَّابعة من (سنن أبي داود) سنة 738 هـ. 15) سارة بنت علي بن عبد الكافي السُّبكي: أجاز لها سنة 738 هـ. 16) أم الخير رقيَّة بنت يحيى بن عبد السَّلام المدنيَّة: أجاز لها. خامسًا: المناصب التي تولَّاها: ولي بعد أخيه العلاء ابن العطَّار مشيخة الحديث في: دار الحديث القَلِيجيَّة، ودار الحديث الشّقيشقيَّة. سادسًا: ثناء أهل العلم عليه: قال الذَّهبي: (العالِم، الفقيه، سمع الكثير، ونسخ كتبًا كبارًا، وله أثباتٌ وأصولٌ، ولي مشيخة القَلِيجيَّة بعد أخيه، حدَّثنا عن ابن أبي الخير، وغيره، وله أجزاءٌ عاليةٌ، وفيه تعبُّدٌ وخيرٌ، هو أحد إخوتي من الرَّضاعة) ا.هـ. وقال ابن أيبك الدِّمياطي: (شيخٌ، فاضلٌ، حسنٌ) ا.هـ. وقال أبو المحاسن الحسيني: (شيخنا، المعمَّر، الثِّقة) ا.هـ. وقال ابن رافع السَّلامي: (المُكثر جمال الدِّين أبو سليمان داود بن إبراهيم بن داود ابن العطَّار الدِّمشقي) ا.هـ. وقال التَّاج السُّبكي: (رجلٌ جيِّدٌ، نسخ كثيرًا بخطِّه، واشتغل، وسمع الحديث بإفادة أخيه من أحمد الكهفي، ومن أصحاب ابن طبرزد) ا.هـ. وقال ابن رجب الحنبلي: (تفرَّد بأشياء) ا.هـ. يعني: بأجزاء عالية. وقال ابن قاضي شُهبة: (الفقيه، المسنِد، المعمَّر) ا.هـ. وقال السَّخاوي: (أخو العلاء تلميذ النَّووي، بل هو أيضًا تلميذه، كان شيخًا فاضلًا، حسن الخطِّ والذَّات) ا.ه ـ. سابعًا: جودة خطِّه: كَتبَ الكثير، ونَسخَ كُتبًا كبارًا، وأثنى غير واحد على جودة خطِّه وحُسنه. قال الذَّهبي، والحسيني: (وجَوَّد الخطَّ، ونَسخَ الكثير) ا.هـ. وقال ابن قاضي شهبة، وابن حجر العسقلاني: (وخطُّه حَسنٌ، وكَتبَ الكثير) ا.هـ. وقال السَّخاوي: (حسَن الخطِّ والذَّات) ا.هـ. ثامنًا: الكتب المحفوظة بخطِّه: 1-كتاب منهاج المحدِّثين وسبيل طالبيه المحقِّقين في شرح صحيح أبي الحسين مسلم بن الحجَّاج القُشيري: المجلَّد الثَّالث منه: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة آيا صوفيا، رقم (699)، وتقع في (260) ورقة، في بدايتها تمزق يسير وآثار رطوبة أثَّرت على بعض كلماتها، وتبدأ من كتاب الحج، وتنتهي بنهاية باب غزوة الأحزاب، فرغ منها يوم الأربعاء 28 من شهر رجب الفرد سنة 688 هـ، وعمره وقتها 22 عامًا تقريبًا، وقابلها وصحَّحها على نسخة بخطِّ المصنِّف الإمام النَّووي. المجلَّد الرَّابع منه: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة آيا صوفيا، رقم (700)، وتقع في (255) ورقة، وتبدأ من باب غزوة أحد، وتنتهي بنهاية الكتاب، فرغ منها يوم الأربعاء 15 من شهر ذي الحجة سنة 691 هـ بدمشق المحروسة، وعمره وقتها 26 عامًا، وقابلها وصحَّحها على نسخة بخطِّ المصنِّف الإمام النَّووي. وهما من النُّسخ التي اعتمد عليهما د. مازن بن محمد السرساوي في تحقيقه للكتاب، واعتبرهما من أصحّ -إن لم يكونا أصحّ- النُّسخ على الإطلاق. وقد زوَّدني بهما مشكورًا مأجورًا الشَّيخ الفاضل رعد بن منير الحريري، جزاه الله خير الجزاء. 2-كتاب الأذكار: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة عاطف أفندي، رقم (1524)، وتقع في (242) ورقة، فرغ منها يوم الخميس 5 من شهر ربيع الآخر سنة 712 هـ، وعمره وقتها 46 عامًا تقريبًا، وسمع جميعها بقراءة أبي إسحاق برهان الدِّين إبراهيم بن علي بن إبراهيم المناخلي على أخيه لأبويه العلاء ابن العطَّار في مجالس آخرها 13 من شهر رجب من السَّنة نفسها، وعارضها بأصله المسموع على المصنِّف الإمام النَّووي، وأجاز لهما روايته ورواية ما يجوز له تسميعه، وفيها إلحاقات، وتصحيحات، وتصويبات، وبلاغات، وحواشي منقولة عن خطِّ العلاء ابن العطَّار، وبآخرها سماعات، ولم تُعتمد في المطبوع. وقد زوَّدني بها مشكورًا مأجورًا الشَّيخ الفاضل الباذل عادل بن عبد الرَّحيم العوضي، جزاه الله خير الجزاء. 3-كتاب رياض الصَّالحين: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في مكتبة آيا صوفيا، رقم (1835)، وتقع في (261) ورقة، فرغ منها في مدَّة آخرها يوم السَّبت 4 من شهر جمادى الآخرة سنة 728 هـ بدمشق المحروسة، وعمره وقتها 62 عامًا تقريبًا، وقابلها وصحَّحها على أصل أخيه العلاء ابن العطَّار المسموع على المصنِّف الإمام النَّووي في مجالس آخرها 5 من شهر الله المحرَّم سنة 729 هـ، وفيها إلحاقات، وتصحيحات، وتصويبات، وبلاغات، وحواشي منقولة عن خطِّ العلاء ابن العطَّار، ولم تُعتمد في المطبوع. وقد زوَّدني بها مشكورًا مأجورًا الشَّيخ الفاضل المحقِّق د. محمَّد بن يوسف الجوراني، جزاه الله خير الجزاء. 4-كتاب تحفة الطَّالبين في ترجمة شيخنا الإمام النَّووي محيي الدِّين: نسخةٌ تامَّةٌ محفوظةٌ في المكتبة الملكيَّة في جامعة توبنجن الألمانيَّة، رقم (M. a. VI. 18)، وتقع في (47) ورقة، وبها آثار رطوبة يسيرة أثَّرت على بعض كلماتها، كتبها بالمداد الأسود، وجعل الفصول ورؤوس بعض الفقرات بالمداد الأحمر، وفرغ منها يوم الخميس 7 من شهر ربيع الآخر سنة 744 هـ، وعمره وقتها 78 عامًا تقريبًا، وقابلها وصحَّحها على أصلٍ بخطِّ أخيه المصنِّف العلاء ابن العطَّار، حيث جاء في آخرها [47/ أ] ما نصُّه: (بلغ معارضةً بأصل مؤلِّفه بخطِّه رحمه الله، كتبه: أحمد بن مظفَّر ابن النَّابُلسي)، وفيها إلحاقات، وتصحيحات، وتصويبات، وبيانات، وعليها مطالعات وتملُّكات كثيرة، منها مطالعة بخطِّ الشَّيخ تقي الدِّين أحمد بن علي بن عبد القادر المَقْرِيْزِي في ذي القعدة سنة 810 هـ. وهي النُّسخة التي اعتمد عليها فضيلة الشَّيخ المحقِّق مشهور بن حسن آل سلمان في تحقيقه للكتاب. 5-كتاب الإيضاح في مناسك الحج والعمرة للإمام النَّووي: نسخةٌ محفوظةٌ في المكتبة الأزهريَّة بالقاهرة، رقم (2624) خصوصي، (42304) عمومي، فقه شافعي، وتقع في (117) ورقة، وبها آثار أَرَضَة غير مؤثِّرة، سقطت منها بعض أوراقها، فاستُدركت بخطٍّ مغاير، وهي (1، 38 إلى 46، 99 إلى 101) إلَّا ورقة واحدة تُركت بياضًا ولم تُستدرك وهي (107)، كتبها بالمداد الأسود، وجعل الأبواب والفصول والفروع بالمداد الأحمر، فرغ منها في مدَّة آخرها صبيحة [الأحد أو الأربعاء] 3 من شهر شعبان سنة 744 هـ بدار الحديث الشقيشقية بدرب البانياسي من دمشق المحروسة، وعمره وقتها 78 عامًا تقريبًا، وقابلها وصحَّحها كما يظهر على أصل أخيه العلاء ابن العطَّار، وفيها إلحاقات، وتصحيحات، وبيانات، وبلاغات، وحواشي منقولة عن خطِّ العلاء ابن العطَّار، وعليها عدَّة تملُّكات، ولم تُعتمد في المطبوع. وقد زوَّدني بها مشكورًا مأجورًا الشَّيخ الفاضل الباذل عادل بن عبد الرَّحيم العوضي، جزاه الله خير الجزاء. تاسعًا: وفاته: توفِّي ليلة الخميس 3 من شهر جمادى الآخرة سنة 752 هـ، عن 87 عامًا تقريبًا، وصُلِّي عليه من الغد بالجامع الأموي، ودُفن بسفح قاسيون. رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً، وأجزل مثوبته، وأسكنه الفردوس الأعلى. عاشرًا: المراجع والمصادر: ♦ (معجم شيوخ الذهبي الكبير) (1/ 236-237). ♦ (المعجم المختص بالمحدثين) (ص 94). ♦ (تاريخ الإسلام) (15/ 125) للذهبي. ♦ (ذيل العبر) (4/ 158-159) للحسيني. ♦ (معجم شيوخ التاج السبكي) (ص 179-180). ♦ (طبقات الشافعية الكبرى) (1/ 25، 152، 245) للتاج السبكي. ♦ (الوفيات) (2/ 143-144) لابن رافع. ♦ (المنتقى من معجم شيوخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن رجب الحنبلي) (ص 106-107). ♦ (طرح التثريب) (1/ 124) للعراقي. ♦ (ذيل التقييد) (2/ 110-111، 131-132، 364-365، 379-380، 473)، (3/ 330-331) للفاسي. ♦ (الرد الوافر) (ص 106) لابن ناصر الدين الدمشقي. ♦ (تاريخ ابن قاضي شهبة) (3/ 23). ♦ (الدرر الكامنة) (2/ 95-96، 144، 321-322). ♦ (المجمع المؤسس) (1/ 79، 166، 182، 379، 383، 414-415، 559-561، 610-612). ♦ (المعجم المفهرس) (ص 35، 59، 153، 231، 234) لابن حجر العسقلاني. ♦ (نظم اللآلي بالمائة العوالي) (ص 69، 70). ♦ (لحظ الألحاظ) (ص 118-119) لمحمد بن فهد الهاشمي، وانظر: (التنبيه والإيقاظ) (ص 76-77) للطهطاوي. ♦ (الدر الكمين بذيل العقد الثمين) (ص 837، 1397) لعمر بن فهد الهاشمي. ♦ (الذيل التام) (1/ 121) للسخاوي. ♦ (الدارس في تاريخ المدارس) (1/ 330، 439) للنعيمي.
دروس من التاريخ
الشيخ أبو عمر المدرس
29-09-2020
7,842
https://www.alukah.net//culture/0/142241/%d8%af%d8%b1%d9%88%d8%b3-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae/
دروس من التاريخ كانت سنة عشر ومائة من أيمن السنين التي عرفتها الأندلس، فيها تولى الإمارة على هذا الفردوس الكريم، القائد التابعي العظيم عبد الرحمن الغافقي، الذي جعل نصب عينيه تدويخ فرنسة، واجتيازها إلى إيطالية فألمانية فالقسطنطينية، كيما يدخل هذه البلاد جميعا في دين تستضيء بنوره وتهتدي بهداه.. ولبث الأمير المحنّك سنتين بعد ولايته يعد العدة للغاية الكبرى التي وهبها حياته، وأول ما اهتم به من الإعداد لها هو تقوية البلاد داخليا، إذ كيف يستطيع بلد تعوزه الوحدة والتلاحم، والالتفاف حول قيادته، والاطمئنان إليها، أن ينهض بمثل المهمة الجبارة التي وقف الغافقي حياته عليها؟؟! ، لقد طاف بنفسه أرجاء البلاد، وتعرف مواطن الضعف في مجتمعه فقواها، وتقرأ مكامن الفساد في كيان دولته فاستأصلها، فكم من وال حاد عن الجادة، وتنكب طريق الواجب، قد عزله واستبدال به آخر يتقى الله في إمارته، ويعتقد أنها خدمة لهذا الإسلام، وغناء في سبيل هذه الأمة المسلمة؟! وتسامعت الأقطار الإسلامية أخبار هذا الأمير، وأدركت ما ينويه من حمل ( الهداية المسلحة ) إلى البقية الباقية من العالم المعروف، إذ ذاك التي كانت تحتويه ظلمات مطبقة من الجهالة والتيه والضلال، وانثال عليه هواة الموت في سبيل الله من جزيرة العرب والشام والمغرب، حتى اجتمع له أحمس جيش دفعت به الأندلس في بلاد الغال ( فرنسة ) عبر تاريخها الإسلامي كله. وما أن تم استعداد عبد الرحمن حتى كانت جحافله تتدفق من على سفوح البيرنية، وتنداح في جنوب فرنسة، كأنها السيول الجارفة، أو الأعاصير العاتية، لا تواجهها قوة إلاّ مزققتها، ولا ينهض لقتالها ناهض إلاّ سحقته، وها أن ( أود ) كبير حكام جنوب فرنسة يجمع كل قواه وينقض بها على المسلمين في وادي ( دور دفاون ) محاولا صد زحفهم، غير أن قواه التي جمعها لا تلبث أن تلاقي مصيرها المحتوم، وهو الفرار عن قتلاها الذين بلغ عددهم مبلغا جعل أحد المؤرخين يقول: "إن الله وحده يقدر على أن يحصيهم". ويتجه ( أود ) وغيره من الملوك والأمراء الذين فل حدهم الغافقي نحو شارل مارتل أكبر ملوك الإفرنج في عصره ويسألونه -على رغم ما بينهم جميعا من منافسات وخلافات- العمل المشترك على وقف هذا الإعصار الذي هب على بلادهم، فاحتاجها أيما اجتياح.. ويستجيب شارل مارتل، وما كان له إلا يستجيب لنداء هؤلاء، ويستصرخ المقاتلة من كل صوب وحدب باسم حماية الدين، وصيانة الأرض، والحفاظ على الحياة المهددة.. وتجتمع له جيوش كثيفة لا عهد له بمثلها.. وفي الوقت نفسه يردد على مسامع قومه كلمات تدل على الحنكة وبعد النظر، كان كثيرا ما يقول لهم: "الرأي عندي ألا تعترضوا العرب في خرجتهم هذه، فإنهم كالسيل يحمل من يصادفه، وهم في إقبال أمرهم، ولهم نيات تغني عن كثرة العدد، وقلوب تغني عن حصانة الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم من الغنائم ويتخذوا المساكن، ويتنافسوا في الرئاسة، ويستعين بعضهم على بعض، فحينئذ تتمكنون منهم بأيسر أمر". وفي هذه الأثناء كان المسلمون قد أوغلوا في البلاد حتى بلغوا مدينة ( تور ) وهناك وافتهم الأنباء الإفرنجية، ولكن أنى لهذه الجيوش أن ترهبهم، وقد ألفوا النصر عليها، واعتادوا قهرها بالغة ما بلغت من العدة والعديد؟!! فها أنهم يهاجمون مدينة ( تور ) ويفتحونها برأي ومسمع من مارتل وجنوده -كما يقول أحد المؤرخين العرب- ويستولون على ما فيها، ويضيفونها إلى ما كانوا يحملون من الغنائم الكثيرة والثقيلة. وهنا يقف القائد الكبير عبد الرحمن الغافقي ويفكر في ظروف المعركة المقبلة التي لابد ناشبة بينه وبين عدوه المتربص، فيرى بثاقب بصره، وموفور خبرته العسكرية، أن هذه الغنائم الثقال ربما أضاعت على المسلمين الذين يلهون بها، ويحرصون عليها معركة من أعظم معارك الفاصلة في التاريخ، وما كان ليغيب على ذهنه الذي تمرس بالحروب، وعرف أصولها، أن النصر في معارك الحياة الفاصلة واللهو بالغنائم لا يجتمعان البتة، وأمامه التاريخ العسكري الإسلامي كله يشهد لهذه الحقيقة التي كانت تقلقه وتزعجه، ولكن ماذا يفعل؟! أيأمر جنده بتركها وهو يرى شدة حرصهم عليها ومبلغ افتتانهم بها؟! إنه يخشى أن يأمرهم فلا يطيبوا عن تركها نفسا، وربما سبب ذلك ظهور أوضاع في الجيش ما كان الوقت يتسع لمعالجتها، وهنا يغض الغافقي في كثير من الألم والتسليم نظره عن أمرهم بتركها [1] ويبقى على ثقته بشجاعتهم. معركة بلاط الشهداء: وها هما الجيشان يرابط أحدهما تجاه الآخر ثمانية أيام من شهر تشرين الأول سنة 732م وقد أدرك كل منهما خطر المعركة، وقرر أن يرخص المهج في سبيل النصر على عدوه، ويبدأ المسلمون بإنشاب القتال، وتكون حرب قاسية طاحنة، وقد حاول المسلمون خرق صفوف الفرنجة ولكن دون جدوى، ويستمر القتال طول النهار حتى يحجز الظلام بين الفريقين، وفي اليوم التالي يتجدد القتال أعنف مما كان في يومه الأول، ويحمل العرب على أعدائهم حملات مستبسلة.. وهنا تلمع فكرة في رأس قادة الفرنجة مستوحاة من الكلمات التي كان يقولها لهم شارل مارتل، والتي ذكرناها آنفا، وهي مهاجمة غنائم المسلمين، ويسرحون فرقة بقيادة (أود) الذي سبق أن هزمه المسلمون حين لم تكن لديهم غنائم كثيرة يحرصون عليها.. وما إن رأى المسلمون غارة الفرنج على مخيمهم حتى طارت قلوبهم هلعا على الغنائم، وخوفا على المكاسب المادية الشخصية، وكم لهذه المكاسب من جنايات في حياتنا الخاصة والعامة في القديم والحديث!! ثم تركوا المصاف وانكفؤوا إلى المخيم ليحولوا دون استلاب الفرنجة ما فيه من المال والمتاع!! ويحاول عبد الرحمن رضي الله عنه رد المنكفئين، ولكن هيهات.. وفي هذه الأثناء يصيبه سهم من قبل الأعداء فيخر صريعا، ويسلم الروح إلى بارئها، بعد أن جاهد في سبيله حق الجهاد، ويدخل الاضطراب صفوف المسلمين وتضعف مقاومتهم أمام الفرنجة الذين لم يكن لديهم لحسن حظهم ولسوء حظنا غنائم يحرصون عليها!! ويخيم الظلام ويحول للمرة الثانية دون الاقتتال.. وتحت جنح الظلام ينسحب العرب وينحازون قاصدين معاقلهم في جبال البيرنية، وقد بلغ من سرعة انسحابهم أنهم تركوا خيامهم منصوبة، وغنائمهم التي جرت عليهم على أمتهم هذا المصير المؤسف مطروحة على الأرض.. وبعد هزيمة المنكرة يضري بهم العدو، ويشرئب إلى غزو بلادهم، ثم لا يلبث خلفاء شارل مارتل أن يجوسوا خلال الديار، ويدخلوا بعضهم في مملكاتهم، وهكذا تظهر سنة الله تعالى في أن النصر في هذه الدنيا -هو- لمن استعلى عليها، وهونها على نفسه، ورحم الله خالدا إذ يقول: "أطلب الموت توهب لك الحياة"، الحياة بمغانمها وأطايبيها جميعا!! ويبدو للمسلمين في تاريخهم كله لم يغلوا من قلة، وإنما غلبوا نتيجة تعلقهم لما تهوى الأنفس من مال أو جاه أو متاع.. وها أن التاريخ يطالعنا بدليل آخر على هذه الحقيقة يسوقه لنا في شكل فاجعة لا تقل هَوْلاً عن فاجعة بلاط الشهداء إن في معناها أو في أثارها.. يقول التاريخ إن الدولة العثمانية كانت حتى القرن الثامن عشر دولة ذات شأن كبير، وكانت جارتها روسيا حتى عهد بطرس الأكبر (1682-1725) دولة همجية متأخرة، لا شأن لها إزاء الدولة العثمانية، ولكن ملكها أو قيصرها بطرس الأكبر الذي يعتبر موطد أركان القيصرية الروسية ومرسي دعائمها الحقيقي، قد قفز بها قفزات هائلة، ورسم لها سياسة خارجية بارعة تهدف إلى إضعاف جاراتها القويات إذ ذاك: السويد، وبولونيا، والدولة العثمانية، والتوسع على حسابهن جميعا، وكنتيجة لهذه السياسة، وبتحريض من شارل الثاني عشر ملك السويد الذي هزمه بطرس الأكبر فالتجأ إلى مدينة ( بندر ) العثمانية المسلمة، نشبت حرب مصيرية بين روسية ودولة بني عثمان، وقد استطاعت الجحافل العثمانية المسلمة البالغ عددها مائتي ألف بقيادة الوزير ( بلطه جي محمد باشا) أن تحاصر الجيوش الروسية وعلى رأسها القيصر بطرس الأكبر وزوجته الداهية الجميلة الفتانة الإمبراطورة كاتريه الأولى التي كانت لا تفتأ ترافقه في الحروب، ولم يبق إلاّ أن تستسلم هذه الجيوش للعثمانيين ويقاد قيصرها وزوجته الإمبراطورة كاتريه إلى الأستانة، أسيرين صاغرين، وبذلك تزول روسية البطرسية كليا من العالم السياسي لتدخل ضمن حدود الدولة العثمانية المسلمة أو على الأقل تتأخر نهضتها، وتقيم على هجماتها أجيال عديدة!. وفي هذه اللحظات كان التاريخ الإسلامي بل التاريخ العام يمسك قلبه بيده، ويكاد يكتم أنفاسه ليصغى إلى ما يمليه عليه الوزير القائد (بلطه جي باشا )... أجل في هذه اللحظات تتقدم الإمبراطورة كاتريه الأولى من هذا الوزير وتلقي بين يديه بجميع ما كان لديها من حلي وجواهر، وربما ألقت بين يديه بشيء آخر مما يتيح لها أن تغلبه على قلبه وأخلاقه فيخون دولته المسلمة ويفوت عليها معركة من معارك التاريخ الفاصلة، ويصدر أمره بفك الحصار عن القيصر والإمبراطورة وجيشهما.. ومن هنا ومن هذا اليوم يبدأ ميزان القوي بين الدولتين بالتغيير لصالح روسية التي انطلقت في طريق التقدم والقوة بينما استمرت الدولة العثمانية في تأخرها وضعفها حتى لاقت الألاقي على يد روسية فيما بعد، وما تزال تركية الحالية تتوجس خيفة من أطماعها وبرامجها التوسعية... وكذلك بدأ من قبل ميزان القوي بالتغير بين الأندلس وبلاد الفرنجة بعد معركة بلاط الشهداء التي خسرناها بسبب الحرص ( الغنائم ) ، فجعلت الأولى تضعف وتتأخر، والثانية تقوى وتتقدم، حتى انتهت الأمور وعلى المدى الطويل بمأساة خروج العرب من الأندلس، وضياع ذلك الفردوس الإسلامي العظيم.. ويطالعنا التاريخ - وهو مصدر لا ينضب للمعرفة الاجتماعية والسياسية - بخبر آخر من المشرق من بلاد سجستان، يلتقي على حقيقة واحدة مع ما عرفناه من أخبار بلاط الشهداء، وأخبار ( بلطه جي محمد باشا) في محاربة الروس، وهذه الحقيقة هي أن النصر مازال يحالف هذه الأمة ما تحررت من سلطان الدنيا بما فيها من متاع زائل، ومغنم شخصي عابر حائل، حتى إذا عبدت نفوسها للدنيا، وملكت ضمائرها لمنافعها الشخصية ذهبت ريحها، وانتزعت مهابتها من نفوس أعدائها، الذين استبدلوا بالخوف منها الجرأة عليها. يروي البلاذري في فتوحه أن ( رتبيل ) ملك سجستان الذي خضع للفاتحين الأوائل المترفعين عن الدنيا ومغانمها، وأعطاهم الجزية عن يد صاغر، وعاد فالْتَوَى على الولاة والقواد الذين فتحوا للدنيا صدورا، وتعلقوا بالمغانم والمكاسب المادية.. فمنعهم الإتاوة وقال: "ما فعل قوم كانوا يأتوننا خماص البطون، سود الوجوه من الصلاة، نعالهم الخوص؟ قالوا: أولئك انقرضوا قال: أولئك أوفى منكم عهدا، وأشد بأسا، وإن كنتم أحسن منهم وجوها". ثم أقام على منع الإتاوة فلم يعطها من عمال بني أمية أو عمال أبي مسلم!! وأنا لا أريد بشيء مما قلته الإعراض عن الدنيا والانصراف عن إعمارها، كيف والدنيا - عندنا نحن المسلمين - مزرعة الآخرة، وقد جاء في الأثر: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا"، وفوق ذلك كله قول الله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77]، وقول رسوله صلى الله عليه وسلم: "نعم المال الصالح للرجل الصالح"، وإنما أريد أن تناولنا للدنيا يجب أن يكون في حدود " مصلحة الإسلام" فهي المعيار الأول والأخير لإقبالنا على ما نقبل عليه، وإعراضنا عما نعرض عنه من أمورها، وهي المقياس الوحيد الذي يجب ألا نحيد عنه في تحديد علاقاتنا بشؤون الحياة جميعاً. وعندي أنه لا بأس على المسلم أن يملك ما استطاع من هذه الدنيا شريطة أن يرعى تعاليم الدين ومصلحته في كسب ما يملكه، وفي ادخاره، وفي إنفاقه.. وأما خالف عن ذلك فإن دنياه تصبح مصدر ضرر يلم بالحياة الإسلامية شعر أو لم يشعر، أقر أو لم يقر.. وإن من واجب القادة قبل سواهم أن يأخذوا أنفسهم بالتزام المقياس المذكور لأنهم القدوة لمن سواهم، ولعل حقوق القادة في متع الحياة بالخوف من سوء اقتداء الدهماء. ألم يتجاف عمر رضي الله عنه عن الكثير من حقوقه خيفة أن يتمادى الآخرون في التمتع بحقوقهم ظنا منهم أنهم يقتدون به، فيجاوزها إلى ما ليس لهم بحق، وربما كان إلى ذلك يشير بقوله: "لو رتعت لرتعوا".. على أن القيادة في الإسلام - كما أفهمها - هي مثل صالح يحقق فيقتدى به، وجهاد متصل يكابد، وحرمان دنيوي يعاني، وهي إذا فهمت وطبقت على هذا النحو كانت خدمة للإسلام والمسلمين، إذا فهمت وطبقت على نحو معاكس كانت استخداما للإسلام والمسلمين. لا شك أن انكباب المسلم مسؤولا كان أو غير مسؤول على تحصيل المنافع والمغانم الشخصية دون تقيد بمقاييس الإسلام قد ينيله الكثير منها، ولكن إذا حاسبناه أو حاسب هو نفسه لألفى أن تحصيل هذه المنافع والمغانم إنما كان على حساب مصالح الإسلام والمسلمين، وأية قيمة تبقى لها بعد ذلك عند الله أو في مجتمع المؤمنين، بل أية قيمة كانت لغنائم المسلمين في بلاط الشهداء، ثم للحلي والجواهر التي أحرزها ( بلطه جي محمد باشا ) أو لأية غنائم ومنافع مماثلة حين ينطوي اكتسابها على تناسي المصالح الإسلامية أو إهمالها أو استغلالها؟!. إن الدروس القيمة التي يعلمنا التاريخ إياها - ولنعم المعلم التاريخ - صريحة في أن هذه المنافع والمغانم إن هي إلا معاول تهدم الكيان، وتأتي على مجد الإسلام، وتسلم وجودنا كله للضعف والهوان، وتجعلنا أشبه شيء بقصعة يتداعى إليها الأكلة، وليس ذلك من قلة ولكنه من تركنا مقاييسنا الإسلامية، واستسلام نفوسنا في معترك الأهواء وإيثار الدنيا على الدين، والعاجلة على الآجلة. وأنا لو سئلت عن أكبر جان على نفسه، وعلى الناس معا، لقلت بلا تردد: إنه الذي يشتري دنياه بدينه، ولو اعتبر نفسه من الرايحين أو من الدهاة العبقريين!! فاللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا، ونسألك الهداية لأحسن الأعمال والأقوال، فإنه لا يهدي لأحسنها إلاّ أنت. المصدر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، العدد 2 - 1423 هـ / 2002 م [1] وليته لم يفعل.
تاريخ الأسلاف منار الحاضر والمستقبل
زكريا المديني
29-09-2020
4,014
https://www.alukah.net//culture/0/142237/%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%81-%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b6%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d9%82%d8%a8%d9%84/
تاريخ الأسلاف منار الحاضر والمستقبل كثيرًا ما تُردِّد ألسنةُ الأدباء وأقلام الكتاب كلمتي: « الحضارة »، و« التقدم »، وقلَّ من يحضره معناهما ويتنبه لمحتواهما، يحسب بعض قليلي المدارك أن الحضارة: هي الجري وراء كل حاضر، والتقدم: هو السير مع التطور ولو على التخبط بغير هدًى. والواقع أن حضارة الأمم هي سير الناس مع تاريخ أمجادها وآثار أمتها الطيبة. نتلمس الماضي البعيد وحوله: ماء الحياة أعذب مورد، « التقدم »: هو اقتفاء التطور بخطى مترنة وثابتة بانتقاء الطيب النافع للأمة من علوم الناس - تاريخ الماضي رسول السلف إلى الخلف، ومدرسة الغافل، وميدان التجارب، ومحل العبر - وبالأخص تاريخ أمة الإسلام موسوعة الحسنات وصفحات المجد، قال الخليفة الرابع - كرم الله وجهه - ينصح ابنه: « أي بني، إني وإن لم أكن عُمِّرتُ عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وتبصرت في آثارهم حتى غدوت كأحدهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره ». " تاريخ الأسلاف " في الأمم منار الحاضر والمستقبل، ما غفلت أمة عن ماضيها إلا أدبرت أيامها وقفل إقبالها. " السيرة الحسنة في الأفراد " مشعل يستضىء بها المجتمع، وسوءُ التَّصرُّفِ واعوجاج الخلق معول الهدم في كيان الأمة. وليس بِعامرٍ بنيانُ قومٍ *** إذا أخلاقُهم صارتْ خرابَ الأمة التي تعيش في فراغ خُلقي هي كالسائمة بلا راعٍ والمواشي المفلوتة بلا راعٍ، إمَّا أن تفتك بها السباع أو تضيع هائمةً على وجهها في الفلوات والقِفار، أمَّا الأفراد المنحرفون عن مبادئ الأمة وقيمها المعنوية فهم كالجراثيم في جسمٍ صحيح. إذا كانت مقاومة الجسم قوية تضمحل هذه الجراثيم ويتلاشى أثرها، وإن كان الجسم ضعيف المقاومة تنهكها هذه الجراثيم وتزيدها وهَنًا على وهَنٍ وقد تقضي على مقاومته نهائيًّا. الأفراد كاللبنة في بناء المجتمع، إذا وجدت لبنات فاسدة قبيحة المنظر في عمارة شامخة حسنة المنظر وهن البناء وأضعف من بهائها وجمالها قال الشاعر: وإنَّنِي لأرَى مَنْ لا خُلقَ له *** ولا أمانةَ وسطَ القومِ عُريانَا من أرفع صفات المسلم الحياء والمروءة، فالشخص الوقح في مجتمع الإسلام كالدُّمَّل على الوجه الجميل، وكالبَرَصِ على الجسم الصحيح، وكالعاري في وسط أهل الحشمة والملابس الأنيقة، ومن صفات أهل الإيمان الصدق والأمانة ووفاء العهد، فالرجل الأمين يتأسَّى بصفة سيد المرسلين الذي وصفه الله بأنه: "رسول أمين"، قال عليه والصلاة والسلام: "من عامل الناس فلم يظلمهم، وحدَّثهم ولم يكذبهم، ووعدهم ولم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته"، وقال بعض البلغاء: "شرائط المروءة أن يتعفف عن الحرام، وينصف في الحكم، ولا يعين قويًّا على ضعيف، ولا يؤثر الدنيا على شريف، ولا يفعل ما يقبح الذكر والاسم". إنَّ المروءةَ ليس يدركُها امرؤ ورِثَ المكارمَ عن أبٍ فأضَاعَها أمرَتْه نفسٌ بالدناءةِ والخَنا ونهتْه عن سُبلِ العُلا فأطاعَها المصدر: « مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية »، العدد: 2 - السنة الأولى: رجب 1388هـ
المجموع الذهبي في منظومات السيرة لمحمد بن أحمد آل رحاب
محمود ثروت أبو الفضل
29-09-2020
7,221
https://www.alukah.net//culture/0/142230/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d9%85%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d9%86%d8%b8%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%8a%d8%b1%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a2%d9%84-%d8%b1%d8%ad%d8%a7%d8%a8/
المجموع الذهبي في منظومات السيرة لمحمد بن أحمد آل رحاب صدر حديثًا "المجموع الذهبي" ، عنِي بها: "محمد بن أحمد آل رحاب المدني "، تقريظ:مُسند البحرين العلامة " نظام يعقوب العبّاسي "، نشر " دار طيبة الخضراء ". يضم هذا المجموع أراجيز ومنظومات وقصائد قصار في سيرة الحبيب النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي كلها قصائد لجملة من الفقهاء، الذين راعوا في مديحهم النبي -صلى الله عليه وسلم- على عدم الشطط والغلو في وصف الشمائل النبوية؛ وهي: • « قصيدة دار الحبيب»، عبدالله البسكري (ت 713 هـ). • « الأرجوزة الميئية في ذكر حال أشرف البرية صلى الله عليه وسلم»، لأبي الوليد محمد بن الشحنة الحلبي (ت 815 هـ). • « منظومة بواعث الفكرة في حوادث الهجرة »، محمد بن أبي بكر بن ناصر الدين الدمشقي (ت 842 هـ). • « منظومة الاصطفا من أسماء المصطفى صلى الله عليه وسلم»، عبدالباسط بن محمد البلقيني (ت 713 هـ). • «أرجوزة التحفة اللطيفة في حادثات البعثة الشريفة»، وجيه الدين عبدالرحمن بن علي بن الديبع (ت 944 هـ). • «أرجوزة في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم»، بدر الدين محمد بن محمد الغزي (ت 984 هـ). • « أرجوزة الدرة الخطيرة في مهم السيرة »، عبدالسلام بن الطيب الفاسي (ت 1100 هـ). • « الأرجوزة الحلبية في السيرة النبوية »، إبراهيم بن مصطفى القسطنطيني (ت 1190 هـ). • « أرجوزة جهد المقل في شمائل ختام الرسل صلى الله عليه وسلم »، عبدالله السالم بن محمدو بن حنبل الحسني (ت 1353 هـ). • « أرجوزة مختصرة في حوادث سني الهجرة »، عبدالله بن سعيد اللحجي الحضرمي ثم المكي (ت 1410 هـ). وهذه هي المجموعة الثانية من سلسلة ( التراث المنظوم في شتى الفنون والعلوم) ، حيث اعتنى فيها محمد آل رحاب بتحقيق نص تلك المخطوطات وتشكيلها، وخدمتها بالشكل اللائق بها.
وصلة البداية لمقدمة النهاية في علم الرواية لأبي الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري
محمود ثروت أبو الفضل
14-03-2021
3,850
https://www.alukah.net//culture/0/145580/%d9%88%d8%b5%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d9%82%d8%af%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%88%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d9%88%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%b5%d8%a7%d8%b1%d9%8a/
وصلة البداية لمقدمة النهاية في علم الرواية لأبي الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري صدر حديثًا كتاب " وصلة البداية لمقدمة النهاية في علم الرواية "، لأبي الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري الخليلي (ت ٩٠٢ هـ)، تحقيق: د. " عصام أبو اليزيد محمد عبد الله "، نشر: " دار الكتب العلمية، بيروت "- منشورات محمد علي بيضون. وأصل هذا التحقيق أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في الحديث وعلومه، في قسم الحديث بكلية أصول الدين والدعوة بالمنوفية، بجامعة الأزهر الشريف، تحت إشراف أ.د. " توفيق أحمد سالمان "، وذلك عام 2017 م. وقد تناول البحث نظمًا حديثيًا وشرحه فأما النظم الحديثي فهو " نظم الهداية في علوم الرواية " للإمام شمس الدين محمد بن محمد بن محمد العمري الدمشقي المعروف بابن الجزري المتوفى سنة (833 هجرية)، وأما الشرح فهو " وصلة البداية لمقدمة النهاية في علم الرواية " للإمام شمس الدين أبي الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري المتوفي سنة (902 هجرية)، وقد قام الباحث بتحقيق النظم والشرح معًا تحقيقًا علميًا عن نسخة فريدة وفق المنهج الذي قَعَّده أئمة التحقيق. و" نظم الهداية في علوم الرواية " منظومة في الاصطلاح، ألفها الحافظ المقرئ الكبير الذي انتهت إليه رياسة علم القراءات في الممالك الإسلامية في زمنه: محمد بن محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الجزري (ت833). وتذكر منظومته هذه باسم ( الهداية ) أو ( الهداية إلى معالم الرواية )، وباسم ( الهداية إلى فنون الحديث ) أو نحو ذلك، والمسمى واحد قطعًا، خلافًا لمن توهم تعدده أو تردد ولم يجزم بوحدته، وهي منظومة في علم مصطلح الحديث، وقد وضعها سنة وفاته، وتبلغ سبعين وثلاثمائة بيت، وقد كان سبب تأليفها هو ما أشار عليه أحد مشايخه بالاتجاه عن علوم القراءات إلى علم الحديث لسعة فهم ابن الجزري وحسن تحصيله، فاجتهد في علم الحديث، وألف فيها هذه الأرجوزة، ونجد أن ابن الجزري نظم فيه كتاب " علوم الحديث " لابن الصلاح مع زيادات عليه في بعض المباحث، ومنها: غريب ألفاظ الحديث، مع بيان معانيها، وضبط هذه الألفاظ بالحروف، إلى جانب نظمه لتأريخ وفيات الرواة من الصحابة الفضلاء، ومن بعدهم من التابعين والمحدثين والفقهاء وغيرهم بحساب الجمل، وهو من الأمور التي ابتكرها ابن الجزري فلم يسبقه إلى ذلك أحد. وفي هذه المنظومة بيان لآداب طالب الحديث والحرص على سماع السند العالي وأنواع العلو والحث على سماع الكتب الستة، والترغيب في سماع المسانيد والمعاجم والأجزاء، وأحكام فقهية تتعلق بحكم تحمل الصغير والسن التي يصح فيها سماع الصغير، كما في المنظومة استحباب الرحلة لطلب الحديث، وكيفية كتابة الحديث وضبطه، وكتابة التسميع وشروطه، وطرق التحمل والأداء، وصفة رواية الحديث ومذاهب العلماء في ذلك، والرواية بالمعنى وشروطها، وأسباب الجرح والتعديل، وعدالة الراوي من حيث معرفتها، وبم تثبت، ومراتب الجرح والتعديل، وحكم رواية المبتدع، ومناهج المحدثين في تصنيف مؤلفاتهم، وبيان الحسن الصحيح والحسن والصالح والمضعف والضعيف والمسند والمرفوع والموقوف والمرسل والمزيد في متصل الأسانيد والمقطوع والمنقطع والمعضل والمعنعن والمؤنن والمعلق. كما بين الحديث المدلس وأقسامه وحكم كل قسم. وفي المنظومة بيان الحديث المسلسل والغريب والعزيز والمعلل والأفراد، وبيان الحديث الشاذ والمنكر والمضطرب والموضوع والمقلوب والمنقلب. وبيان الحديث المدمج، والحديث المصحف، والناسخ والمنسوخ ومختلف الحديث. ومعرفة الألقاب والأنساب ومعرفة الموالي من الرواة، واستحباب عقد مجلس الإملاء وشروطه وآدابه والحث على نشر العلم والسنة النبوية خاصة، إلى آخر موضوعات علم الحديث التي أسهب في نظمها الإمام ابن الجزري. أما كتاب " وصلة البداية لمقدمة النهاية في علم الرواية " فكشف به الإمام شمس الدين أبو الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري الخليلي عن غوامض نظم " الهداية " لابن الجزري، وشرحه شرحًا ليس بالطويل الممل، ولا بالقصير المخل، وحواه بالفوائد والفرائد مما أبان عن قيمة مخطوطه العلمية الكبيرة. وقد جاء شرحه بمثابة موسوعة علمية جمعت في طياتها فنونًا من اللغة والحديث والبيان، حيث يذكر البيت أو الأبيات التي يريد شرحها على جهة الاستقلال منفصلة عن الشرح وغير ممزوجة به، ثم يبدأ بإعراب الأبيات، حيث أن الإعراب فرع المعنى، ثم بيان الكلمات الغريبة الغامضة في النظم بأسلوبه، مع الاستدلال بأقوال أهل اللغة والغريب معتمدًا على كتب اللغة ذاكرًا إياها، مع توضيح الأوجه البلاغية التي احتوى عليها النظم، وبيان المعنى المراد من الأبيات وما فيها من مسائل وقضايا حديثية متعلقة بمصطلح الحديث. ويستشهد على شرحه بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية، مع تحرير مواضع الخلاف بين المحدثين في بعض المسائل، وترجيح القول الأصوب، مع ضبط الكلمات، والتنبيه على ضبط ألفاظ النظم، وإبرازه لموضوعات النظم وجعلها في مسائل أو فصول، وأتى بتعريفات خارجة عن موضوع الكتاب، وملأ كتابه بالرجوع إلى المصادر التي لم تقتصر على المصنفات الحديثية فقط، بل تعدت ذلك لتشمل علومًا كثيرة كالتفسير والفقه والتاريخ والأدب والنحو والصرف والبلاغة واللغة. وقد قام المحقق بتحقيق ذلك المتن النافع عن نسخة وحيدة محفوظة في دار الكتب المصرية تحت رقم (21649- ب غربي) وميكروفيلم رقم (48798) كتبت بخط فارسي هو خط التعليق وهي منسوخة بخط "محمود بن أبي الحسن بن شمس الدين بن نور الدين بن محمد بن محمد بن محمد بن علي المحلي الشافعي" فرغ من نسخها سنة 990 هـ، عن نسخة مكتوبة في حياة المؤلف. وقام بالتقدمة للشرح بمقدمات نافعة عن منهج التحقيق، وتمهيد في السنة النبوية: مكانتها وحجيتها وتعريف بعلم مصطلح الحديث وبيان أهميته ونشأته، والتعريف بالمنظومة وصاحبها ابن الجزري، ثم الشرح وصاحبه أبي الجود محمد بن إبراهيم الأنصاري الخليلي، ومكانة الكتاب العلمية، ثم مقارنة بينه وبين غيره من شروح المنظومة الجزرية، ثم تحقيق المتن حسب قواعد التحقيق العلمية، وختم كتابه بالفهارس اللازمة لخدمة الكتاب. وأبو الجود الانصاري (845 - 902 هـ = 1441 - 1496 م) محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم، أبو الجود، الانصاري الخليلي. عالم فاضل من أهل الخليل ( بفلسطين ) سكن القدس. وأفتى على مذهب الشافعية. ورحل في طلب العلم إلى مصر، وأخذ هناك عن قاضي القضاة الشرف المناوي، والعلامة كمال الدين ابن إمام الكاملية الشافعيان، وأخذ كذلك العلم عن التقي الشمني الحنفي، وأجيز بالإفتاء والتدريس من علماء عصره. قال السيد محمد الشلي اليمني " لقد فُضل وتميز وأجيز بالإفتاء والتدريس ". له كتب وشروح نحوية وحديثية نافعة، منها " معونة الطالبين في معرفة اصطلاح المعربين "، و" شرح الجزرية "، و" شرح مقدمة الهداية في علم الرواية " لابن الجزري، و" شرح الآجرومية " في النحو، و" شرح قطر الندى وبل الصدى " في النحو، وقطعة من " شرح تنقيح اللباب " للولي العراقي.
المستخرج على صحيح البخاري للبجيري تحقيق محمد علي الأزهري
محمود ثروت أبو الفضل
13-03-2021
4,723
https://www.alukah.net//culture/0/145562/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%ae%d8%b1%d8%ac-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%ae%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%a8%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a-%d8%aa%d8%ad%d9%82%d9%8a%d9%82-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b2%d9%87%d8%b1%d9%8a/
المستخرج على صحيح البخاري للبجيري تحقيق محمد علي الأزهري صدر حديثًا كتاب " المستخرج على صحيح البخاري والمسمى بالجامع المسند "، لأبي حفص عمر بن محمد بن بُجَيْر البُجَيري (ت 311 هـ) ، تحقيق: " محمد بن علي الأزهري "، في مجلدين، نشر " دار الفاروق الحديثة للنشر والتوزيع ". وهو أول مستخرج على صحيح البخاري - على ما اصطلح عليه أهل الحديث من إطلاق لفظ المستخرج - فقد شارك مصنفه الإمام البخاري في بعض شيوخه. قال الحافظ العراقي: "وموضوع المستخرج أن يأتي المصنف إلى صحيح أو كتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه. قال السخاوي: الاستخراج أن يعمد حافظ إلى صحيح البخاري مثلًا، فيورد حديثه حديثًا حديثًا بأسانيد لنفسه غير ملتزم فيها ثقة الرواة إلى أن يلتقي في شيخه". وتكمن أهمية مستخرج البجيري في أن مؤلفه قد استخرجه بأسانيد عالية، وأحيانًا يشارك البخاري في شيوخه، وانفرد برواية بعض الأبواب والأحاديث. ولهذا المتن النفيس نسخة خطية يتيمة بالمكتبة الظاهرية- دمشق: (1067) من المخطوطات الألفية، عليها تملك قديم جدًا، نصُّه: لأبي منصور أحمد بن عبيد بن يوسف السرخسي التاجر بحق الشرى بدلالة حجاج الوراق في شوال سنة تسع وثلانين وثلاثمئة متع الله به، وقيود سماع متعددة. والمخطوط عبارة عن قطعة صغيرة، مخرومة الأول والآخر، تبدأ في أثناء كتاب المغازي، ثم كتاب التفسير، وتنتهي بنهاية كتاب فضائل القرآن، وهو ما يوازي في المطبوع من صحيح البخاري، من الحديث رقم (4428) وحتى الحديث رقم (5062)، وعددها بالتحديد (635) حديثًا، وهو ما يساوي حوالي 8 % من الجامع الصحيح. وتم تحقيق هذا الجزء المتبق من " مستخرج البجيري " حيث تم تخريج جميع الأحاديث من مطبوعة صحيح البخاري، مع ربط الكتاب بصحيح البخاري عن طريق ذكر مواضع تخريج الحديث في الصحيح آخر كل حديث في المستخرج، والتقدمة له بمقدمات وافيات عن مكانة الكتاب العلمية وترجمة مؤلفه، وعمل الباحث في المخطوطة. وقد تم طبع جزء صغير من هذه النسخة الخطية، باسم " كتاب فضائل القرآن "، بتحقيق محمد بن بكر إبراهيم عابد، ونشر مكتبة العلوم والحكم بالمدينة، سنة 2009 م، وهذه القطعة المطبوعة توازي في المطبوع من صحيح البخاري، من الحديث رقم (4978) وحتى الحديث رقم (5062)، وعددها بالتحديد (85) حديثًا، أي ما يساوي حوالي 13% من حجم النسخة الخطية المتوفرة للكتاب. وتمت أيضًا محاولة تحقيقية علمية رصينة سابقة ضمن موسوعة صحيح الإمام البخاري رحمه الله الذي تضطلع بها "دار الكمال" وتشرف عليها "عطاءات العلم لرعاية المشاريع العلمية" وتمولها مؤسسة الشيخ سليمان الراجحي الخيرية، والتي عملت على المخطوطة وإخراجها لجمهور القارئين. والمصنِّف هو " أبو حفص عمر بن محمد بن بجير بن خازم بن راشد أبو حفص الهمَذاني البجيري السمرقندي " (223- 311 هـ). من أئمة الخرسانيين، له الرحلة الواسعة والمعرفة التامة، وهو من أبناء المحدثين، فإن أباه رحَّال كبير روى عن أبي الوليد وعارم وطبقتهما. رحل أبو حفص إلى خراسان والبصرة والكوفة والشام ومصر والحجاز، وجمع ما لم يجمعه غيره، حتى أنه قال: رحلت إلى "بندار" ثلاث مرار، وسمعت منه ستين ألف حديث أو أكثر. صنف المسند والتفسير والمستخرج على الصحيح، ذكره ابن ماكولا. روى عنه: "أ حمد بن عبد الواحد بن عبود "، و" أبو عامر موسى بن عامر المري "، و" هشام بن خالد "، و" محمد بن هاشم البعلبكي "، و" أيوب بن علي بن الهيصم الكنان ي"، و" محمد بن بشار بندار "... وآخرون. وروى عنه: ابنه " أبو الحسن محمد بن عمر "، و" ابن حبان " صاحب الصحيح، و" أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل الشاشي القفال " الإمام، و" أبو يحيى أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق بن خازم السمرقندي "، و" محمد بن حاتم الكشاني ".. وغيرهم. مناقبه: قال أبو بكر بن أبي عثمان: "لما خرجتُ إلى عمر بن محمد بن بُجير وكتبتُ عنه انصرفتُ فدخلتُ على أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: ما الذي أحوجك إلى الرحلة إلى ابن بُجير، وما الذي استفدت من حديثه؟ فذكرت له هذا الحديث - وذكر حديثًا - فقال: والله لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بجير لرحلت إليه في هذا الحديث". قال الخطيب: " كان أحد أهل المعرفة بالأثر... روى عنه عامة أهل بلده ". قال ابن ماكولا: "من أئمة الخراسانيِّين، سمع وحدّث، وصنّف كتبًا، وخرّج على صحيح البخاري". وتوفي سنة إحدى عشرة وثلاثمائة.
إمكانات اللغة العربية
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
10-03-2021
5,647
https://www.alukah.net//culture/0/145519/%d8%a5%d9%85%d9%83%d8%a7%d9%86%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%84%d8%ba%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a%d8%a9/
إمكانات اللغة العربية على أنه من المهم التوكيد على قدرة اللغة العربية على استيعاب المصطلحات، بما في ذلك قبول دخول مصطلحات وكلمات "أجنبية" إلى اللغة العربية منذ أقدم العصور، بخلاف من يريد أن ينتصر للغة العربية بصفتها لغة الإسلام ولغة القرآن الكريم والسنة النبوية والتراث العربي الإسلامي في مجمله، فيسعى إلى نبذ فكرة استعارتها ألفاظًا ومصطلحات "أجنبية"،ويمثل أهل الاختصاص بعدد من الكلمات التي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة؛ كالقرطاس والسندس والإستبرق والسلسبيل، مما يفسح المجال لهذا النوع من نقل المصطلحات. يستدعي هذا الدقة في صياغة المصطلحات التي إن لم تُصغ بعناية، أبهمت المعنى وأضاعت المفهوم، وربما قلبت المفهوم من السلبية إلى الإيجابية، من مثل التعبير عن مصطلح ( Colonization ) ذي الإيحاء المعبر عن الفعل باللغة الأجنبية، إلى مصطلح الاستعمار، بدلًا من الاستقرار على المصطلح العربي الموحي وهو "الاحتلال" الذي يؤدي المعنى تمامًا، ويتَّفق مع المفهوم - كما يبدو - باللغة الأجنبية، فالمحتلون لم يسموا هذا الفعل استعمارًا بلغتهم، بل سمَّوه احتلالًا،ومع هذا قد يُنتقد من يصرُّ على استخدام مصطلح الاحتلال عوضًا عن مصطلح الاستعمار،فما بالك بمن يُبالغ ويسميه بالاستدمار؟!ويصدق هذا في كثير من المجالات، وهو في مجال المصطلحات الشرعية والفكرية أكثر إلحاحًا. ذلك أنه قد طرأ عبث مقصود عند بعض المغرضين للمصطلح الشرعي والفكري؛ رغبة في الإيهام الذي قد يطال المفهوم الشرعي والفكري للمصطلح [1] ،ومن ذلك مفهوم الجهاد مثلًا، الذي تحول في الكتابات الأجنبية بصيغته العربية " جهاد Jihad " إلى مفهوم سلبي أو كاد، وتبعها بعض الكتَّاب العرب، كما جرى حصره وقصره على القتال الذي هو أحد مفهوماته الثلاثة عشر التي أوردها ابن القيم في كتابه زاد المعاد، فقسم الجهاد إلى أربع مراتب، هي: جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد الكفار وجهاد المنافقين، وداخل هذه المراتب الأربع مراتب فرعيةٌ تسع، هي: جهاد النفس على تعلُّم الهدى، وجهادها على العمل به بعد علمه، وجهادها على الدعوة إليه، وجهادها على الصبر على مشاقِّ الدعوة إلى الله، وجهاد الشيطان على دفع ما يُلقي إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، وجهاده على دفع ما يُلقي إليه من الإرادات الفاسدة والشهوات، وجهاد الكفار والمنافقين بالقلب واللسان والمال والنفس،"وجهاد الكفار أخَصُّ باليد، وجهاد المنافقين أخَصُّ باللسان" [2] . وليس في هذا محاولة للهروب من المفهوم القتالي للجهاد، كما هي حال فرقة في شبه الجزيرة الهندية سعت إلى نقض مفهوم القتال في الجهاد،كما أنه ليس فيها محاولة لحصر الجهاد على القتال، كما ذهبت إليه بعض الأحزاب التي غلَّبت القتال على المفهوم الأعمِّ،ولو علم الآخرون مفهوم الجهاد بمرتبته القتالية على حقيقته الشرعية وآدابه وأخلاقياته لكان مطلبًا بديلًا منها لِما يسمونه اليوم بالمقاومة، بدلًا من أن يكون الجهاد ذا مدلول سلبي [3] . يؤكد هذا ضرورة التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية "لإزالة الأوهام التي يتوسل بها الخصوم لإثارة كثير من الشبهات،فهم يتعمدون التعمية والتجهيل بالمعاني الدقيقة والمفاهيم الأصيلة للمصطلحات القرآنية؛ لكي يوهموا من لا يعلم بأن هناك تناقضات بين هذه المصطلحات" [4] ،ومن ذلك مصطلح الجهاد، يقول آرشي أوغستاين: "إن الغربيين وغيرهم من المنتقصين والمبغضين للإسلام يسعون إلى تقويض التعاليم القرآنية ذاتها، بجعلهم قضية الجهاد موضع جدل،وبدلًا من إزالة ووقف الأسباب المؤدية للسخط في العالم الإسلامي يسمح الغرب بل ويجاهر بسيناريو للنزاع مع الإسلام، ومن ثم يقوم بترسيخ المسلمين على ردة فعلهم ومقاومتهم لهذا التهديد" [5] . ويدخل في هذا مما له علاقة مباشرة بالجهاد مفهوم الاستشهاد من المنطلق الشرعي؛فقد جرى لغط كبير في المحيط الفكري الغربي والعربي حول الإقدام على عمليات يكون المقتول الأول فيها مَن يقوم بها،وقد تكون موجهة إلى المدنيين الذين يمكن أن يُقال عنهم: إنهم أبرياء، لا صلة لهم مباشرة بالصراع القائم في محيطهم،وأقل ما يمكن أن يقال عن هذه العمليات: إنها - في غالبها الأعمِّ - لا تراعي أخلاق الحروب وآدابها،والعراق وفلسطين وأفغانستان ميادين كبيرةٌ تزخر بهذه العمليات،فهل تعدُّ هذه العمليات استشهادية أم أنها انتحارية؟ أخذًا في الحسبان حكم الاستشهاد ومصير الشهيد في الإسلام في مقابل حكم الانتحار ومصير المنتحر. على أن طلب الشهادة بالمفهوم الإسلامي، مثل الجهاد، ليس مقصورًا على ميادين الحرب فقط، بل إن هناك حالات عديدة يموت فيها المرء شهيدًا - بإذن الله تعالى - وهو أو وهي لم يخُض حربًا قطُّ، وقد زادت عن سبع حالات، كما أنه ليس بالضرورة أن كل من يموت في ساحة القتال يُكتب عند الله تعالى شهيدًا، بل قد يكون عكس ذلك، بحسب نيته وبحسب الظروف التي تحيط بموته، كأن يقتل نفسه جزعًا أو استعجالًا للموت دون صبر على ما لحقه في الحرب من أذًى. ويبدو أن بعض الكتاب المسلمين قد تبع بعض المفكرين الغربيين في الحكم المسبق الذي يخلط بين الاستشهاد والانتحار، ويعُدُّ ذلك كله ضمن العمليات الانتحارية، دون التفريق بين تفجيرات الميادين الحربية، مثل طياري الكاميكازا اليابانيين، وتفجيرات المدارس والأسواق والمسارح وأماكن التجمعات المدنية التي شاعت في هذه الأيام - مع الأسف الشديد - بحيث ينتهي الأمر إلى كارثة إنسانية مريعة، يختتمها الفاعل أو الفاعلون بقتل أنفسهم، كما حصل في المدرسة الثانوية بكولومبيا [6] . وينقل طلال أسد عن أستاذ العلوم السياسية روبرت بيب، الذي عكف على جمع البيانات عن الأعمال الانتحارية منذ سنة 1400هـ/ 1980م إلى سنة 1422هـ/ 2001م، ليصل إلى أن البيانات تُظهر "أن ليس ثمة أي علاقة قوية بين الإرهاب الانتحاري والأصولية الإسلامية، أو أصولية أي دين آخر" [7] ،ويحمل العلمانية مغبة هذه الأفعال، أكثر من أن تحمل " الأصوليات " الدينية. لا ترقى هذه الوقفة إلى التصدي للأحكام الشرعية في هذا المجال، فلا تملِك العلم الشرعي الذي يمكنها من أن تحلل أو تحرم أو تطلق الأحكام أيًّا كانت، دون أن تُغفل القاعدة الأصولية التي تنص على أن مقاصد الأحكام مصالح الأنام. إنما المقصود هنا هو إثارة هذا الاضطراب في المصطلحات، مما أدى إلى إهانة مصطلحات شرعية لها قدسيتها، ومن ثم ابتذالها والتأثير في مدلولاتها بأقلام غربية وعربية بتحويلها من مدلولات حسنة وإيجابية إلى سيئة منبوذة، مهما انبرى من يدافع عنها من منطلقات فكرية لا تستند إلى قاعدة علمية شرعية ثابتة، بما في ذلك من خاض في هذه المفهومات من كُتَّاب غربيين [8] . ويقود هذا إلى القول: إن هناك مفهومًا قد يكون جديدًا حول المصطلح يسمِّيه هشام محيي الدين ناظر بإرهاب المصطلح، عندما تُفرض على الأمة مصطلحات غريبة عنها في مفهوماتها؛ لتحل محل مفهومات أصيلة وعملية وتحقق مفهوم المصطلح المجلوب وأكثر، مما قد يدخل في مفهوم احتلال ( أو استعمار ) المصطلح [9] ،ويمكن أن يمثل لذلك بالديموقراطية في مقابل الشورى،والمراد - على أي حال - أن يتكيف المصطلح مع المفهوم، لا أن يُكيف المفهوم للمصطلح. [1] انظر: صلاح سالم. إشكاليات الجهاد الإسلامي مع العقل الغربي في تجلياتها القديمة والحديثة - صحيفة الحياة - ع 17109 (22/ 2/ 1431هـ - 6/ 2/ 2010م) - ص 26. [2] انظر: ابن قيم الجوزية، الإمام المحدث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي. زاد المعاد في هدي خير العباد/ حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط - 5مج - بيروت: مؤسسة الرسالة، 1399هـ/ 1978م - 3: 9 - 11. [3] انظر: أحمد أبو الوفا. أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية: دراسة مقارنة مع القواعد الحالية للقانون الدولي الإنساني - القاهرة: دار النهضة المصرية، 1430هـ/ 2009م - 422ص. [4] انظر: محمد عمارة. شبهات حول القرآن الكريم - القاهرة: نهضة مصر، 2003م - ص 46 - (سلسلة في التنوير الإسلامي؛ 62). [5] انظر: آرشي أوغستاني. دفاعًا عن الجهاد، حقيقة الجهاد: وجهة نظر مسيحية/ ترجمة محمد الواكد، مراجعة منذر الحايك - دمشق: صفحات للدراسات والنشر، 2008م - ص 35. [6] انظر مثلًا: طلال أسد. عن التفجيرات الانتحارية/ ترجمة فاضل جكتر - بيروت: المركز الثقافي العربي، 2008 - ص 987 - 147. [7] انظر: طلال أسد. عن التفجيرات الانتحارية - المرجع السابق - ص 123. [8] انظر مثلًا: آرشي أوغستاني. تفجيرات انتحارية أم استشهاد؟: وجهة نظر مسيحية/ ترجمة محمد الواكد، مراجعة منذر الحايك - دمشق: دار صفحات للدراسات والنشر، 2008م - 111ص، وانظر أيضًا: شاؤول كمحي وصموئيل إيفن. استشهاديون أم انتحاريو إرهاب؟: وجهة نظر يهودية/ تقديم وترجمة منذر الحايك - دمشق: دار صفحات للدراسات والنشر، 2008م - 120ص - (سلسلة دراسات إسرائيلية معاصرة). [9] انظر: هشام محيي الدين ناظر. القوة من النوع الثالث: محاولة الغرب استعمار القرية العالمية/ ترجمة خالد باطرفي - جدة: مؤسسة المدينة للطباعة والصحافة والنشر، 1423هـ/ 2002م.
نصوص محققة في النحو لهادي أحمد الشجيري
محمود ثروت أبو الفضل
10-03-2021
3,704
https://www.alukah.net//culture/0/145512/%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b5-%d9%85%d8%ad%d9%82%d9%82%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%ad%d9%88-%d9%84%d9%87%d8%a7%d8%af%d9%8a-%d8%a3%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%8a/
نصوص محققة في النحو لهادي أحمد الشجيري صدر حديثًا كتاب "نصوص محققة في النحو" ، تحقيق: د. "هادي أحمد فرحان الشجيري" ، نشر: "مكتبة الرشد للنشر والتوزيع" . ويتناول هذا الكتاب مجموعة من النصوص التراثية النحوية تطبع وتنشر لأول مرة محققة على نسخها الخطية المعتمدة وهي: • "مسألتان في الإعراب والوقف" ، لمكي بن أبي طالب القيسي. وقد تسنم الإمام مكي مكانة رفيعة بين علماء عصره، وكانت له الدرجة الرفيعة في التفسير والقراءات حتى عُرفَ بصاحب التفسير: "وغلب عليه علم القرآن وكان من الراسخين فيه" كما ذُكرَ عنه في "طبقات المفسرين" ، ويصفه "الحميدي" بالإمامة في القراءات، وذكره "ابن جزي الكلبي" في مقدمة تفسيره بالمقرئ، ويقول "القاضي عياض" : "كان مع رسوخه في علم القراءات وتفننه فيه نحويًّا لغويًّا فقيها راوية... ومقرئًا أديبًا" ، وعدّه - مع "القاضي عياض" - "اليافعي" و "السيوطي" من رجال اللغة والنحو، ووصفه "ابن الأنباري" بالشهرة في النحو، وهو عند "الحموي" و "السيوطي" : نحوي لغوي مقرئ، ويراه "الذهبي" شيخ الأندلس ومقرئها وخطيبها ممن رحل إلى مصر وروى القراءات ودخل بها إلى الأندلس. قال "أحمد بن مهدي المقري": "كان من أهل التبحر في علوم القرآن والعربية وحسن الفهم والخلق، جيد الدين والعقل، كثير التأليف في علوم القرآن محسنًا مجودًا عالمًا بمعاني القراءات". ونجد أن تلك الرسالة هي جزء من تفسير "مكي" لكتاب الله، لا يجوز التغاضي عنه عند الحديث عن مكي وأثره في التفسير، كما لا يجوز إهمال مؤلفاته التفسيرية الأخرى الشهيرة. ويتبين لنا من رسائله المتفرقة الأخرى في علم الوقف والإعراب وغيرها من علوم القرآن أن هذا النوع من التفسير يعتبر فريدًا من نوعه، ونادرًا في بابه، ولعل مكيًّا لم يسبق إليه، إذ لم يتناول المفسرون الأوائل هذا الموضوع بمثل هذا التناول حيث قدم الأصول التي ترجع إليها هذه الكلمات، وبين مذاهب النحاة وأهل المعاني في ذلك، ثم نص على اختياره فيها، ثم استعرضها في كل القرآن شارحًا ومفسرًا ومبينًا جواز الوقف وعدمه واستحسانه، كل ذلك بالأدلة القوية التي تعتمد على حس دقيق في فهم كتاب الله، وذوق رفيع في النقد، وإحاطة بعلوم اللغة والقرآن. • "غاية الإحسان في علم اللسان" ، لأبي حيان النحوي. وهذا الكتاب هو تصنيف جليل في علمي النحو والصرف لأثير الدين محمد بن يوسف (أبو حيان الأندلسي) ، إمام النحو والتصريف في زمانه، سمَّاه (غاية الإحسان في علم اللسان) اختصر فيه هذين العلمين من لغة العرب، منتهجًا منهج البصريين ومذهبهم، وضمَّنه أكثر أصولهما بطريقة شديدة الإيجاز، تسهيلًا للحفظ والتداول. واعْتَمد في تَحقيقه لهذا المَتن على نُسخَتين خَطيّتين، واسْتأنَس بنسخةٍ ثالثةٍ مَطبوعةٍ ضِمْن شرحٍ للمؤلّف لهذا المتن. • "التذكرة في التسويغ للابتداء بالنكرة" ، لأبي العباس العنابي. وهي رّسالة صغيرة في حجمها مفيدة في بابها، جمع فيها المؤلف مسوّغات الابتداء بالنكرة، للعُنّابيّ أبي العباس أحمد بن محمد بن علي الأصبحيّ النحويّ الأندلسي المغربي الدمشقي المالكي الشافعي. ورغم صغر حجم الرسالة ولكنّ فيها ما يشير إلى أنّ العُنابيّ استقى معلوماته فيها من عددٍ كبير من المصادر اللغويةّ والأدبيّة، فقد ذكر فيها عددًا من الآراء لعلماء كبار كسيبويه وابن السراج وابن الطرَّاوة وابن مالك وابن النّحاس وابن عمرون، ولعل أشهر المصادر التي استعان بها العُنابيّ في رسالته هي: "كتاب سيبويه، والأصول لابن السراج، وشرح المقرب لابن النّحاس، والتّذييل والتّكميل، وارتشاف الضُرب، لأبي حيّان، وتسهيل الفوائد لابن مالك، وغيرها" . وقد استشهد المؤلف في هذه الرّسالة الصغيرة بالعديد من الآيات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة، والشّواهد الشّعريةّ، والأمثال والأقوال العربيّة. والمتأمل للفهارس يلاحظ أنّ العُنابيّ قد ضمّن رسالتَه معظم الشّواهد في باب المسوّغات، وبإحصاء هذه الشّواهد نجد أنّ العُنابيّ سار على منهج النّحاة في الاستشهاد بالنّصوص حيث استأثرت الشّواهد الشّعرية بالنّسبة الأكبر بين الشّواهد، يليها شواهد القرآن الكريم والقراءات القرآنية، ثم أقوال العرب والأمثال العربيّة والحديث النّبوي. وقد حاول العُنابيّ في هذه الرسالة استقراء النّصوص والقواعد الجامعة للمسوّغات، وجعل رّسالته متضمّنة جميع الحالات، التي رأى وقوع المبتدأ منكّرًا فيها، وجمع المسوغات التي ذكرها النّحاة، وأغفل موضعًا واحدًا فقط، وهو إذا كان ذلك الخبر للنّكرة من خوارق العادة نحو: شجرة سجدت، وبقرة تكلّمت. وقد ضمَّن المؤلِّف رسالته رأي المحمّد بن محمّد بن عمرون الحلبيّ ( 649 هـ) ، وهو من العلماء الذين لم تصلنا كتبهم. كما سجّل لمؤلف هذه الرّسالة أنها أول رسالة قد أفردت لقضيّة تسويغ الابتداء بالنّكرة. ومما يزيد من قيمة هذه الرّسالة أنها متخصّصة في جزء صغير من باب نحويّ. فالباب هو المبتدأ والخبر، وفصله: التّعريف والتّنكير، وأما الجزء فهو مسوّغات الابتداء بالنّكرة، وهذا الأسلوب العلميّ التّخصصيّ من الأساليب التي قلّما نجدها في الآثار والمؤلّفات المتقدّمة. وهذه الرسالة تقدّم صورة مضيئة لبعض الجهود التي بذلها طلابّ نابهون لأبي حيّان الأندلسيّ، قاموا بتدريس علماء وحُفّاظ ومشايخ، في القرن الثّامن الهجري، وإذا كان ابن عقيل - رحمه الله - قد برز في القطر المصريّ فإنّ العُنابيّ أيضا بزّ أقرانه وتصدّر للإقراء في القطر الشّاميّ. وذكر العُنابيّ رحمه الله اثنين وأربعين مسوّغًا، جمع لها نخُبة من الشّواهد القرآنية، والأحاديث النبويّة، والشّواهد الشّعريةّ، وأقوال العرب وأمثالهم. والمحقق هو د. "هادي أحمد الشجيري" أستاذ اللغة العربية في كلية التربية الجامعة العراقية - تخصص ‫النحو العربي، من مصنفاته وبحوثه: • "التضمين النحوي وأثره في المعنى". • "المعنى اللغوي وأثره في اتساع باب الأفعال الناسخة للابتداء". • "الدراسات اللغوية والنحوية في مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية". • "المعنى وأثره في التوجيه النحويّ في آي من التنزيل". • "طبقة الأساتذة في الدرس النحوي البصري في القرن الأول الهجري". • "فقه النحو وأثره في إدراك أسرار التعبير". • "ملامح الدرس النحوي في بغداد". • "بيان العلل في إعراب الجمل".
قصة موسى عليه السلام (6) نهاية الظلم
د. محمد منير الجنباز
09-03-2021
8,157
https://www.alukah.net//culture/0/145493/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-6-%d9%86%d9%87%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b8%d9%84%d9%85/
قصة موسى عليه السلام (6) نهاية الظلم لقد اقتحم فرعون بفرسه الطريق الذي شقه الله لموسى في البحر، ولما خرج موسى بقومه إلى الشاطئ الشرقي أطبق الله البحر على فرعون وجنوده فكانوا من المغرقين. وتركز الصورة على فرعون لتظهر لنا ما كان فيه وهو يصارع الموت وقد أيقن الغرق، لقد خارت قواه وتلفَّت حوله ليرى جنده الذين كانوا يحفون به وينصرونه فإذا به يراهم في حالة أسوأ من حالته، إنهم في حالة هلع وصراخ كلهم يصارعون الموت ثم يهوون إلى القاع، لقد أثقلهم الحديد فما استطاعوا النجاة، لقد أضحى وحيدًا بلا سند ولا قوة، أين الملك والأبهة والسلطان؟! لقد ذهب كل هذا في غمضة عين وهو الآن كالريشة في بحر متلاطم، لقد خلع من فكره عظمة الملك وترفع السلطان ونسي كل العز الذي رآه بهذه اللحظات الحالكة كأنه لم يعش بين الرياش وفاخر الأثاث والإحاطة بالأتباع والجنود لحظة واحدة، إنه رهين الحالة القاتلة، رهين الغرق، ضعف ما بعده ضعف، فعاد سريعًا إلى ما خبأته الذاكرة من دعوة موسى وأنها الحق، لكنه كان قد عاند، وكابر، والآن حصحص الحق وينبغي أن تظهر الحقيقة، وألا تضيع في خضم العناد، فصرخ بأعلى صوته: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]. الآن أيها الطاغية.. أيها الفرعون.. ولو قلتها قبل ذلك لكان لك شأن آخر ولمصر وللمنطقة بأسرها، كان إيمانًا غير مكتمل، كان عند لفظ الأنفاس.. عند الغرغرة، فلم يقبل منه: ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [يونس: 91] الآن وبعد سنين طويلة من الصد والجدال والتكبُّر والغطرسة والتقتيل والصَّلب تعلنها عند رؤية الموت وقد اعترفت بالضعف الإنساني وأنه لا حول له ولا قوة، وأن الله جلت قدرته هو القوي الخالق هو المعبود بحق لا سواه، خالق كل شيء، له الأمر، وإليه المرجع. ثم كان القول الفصل: ﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ﴾ [يونس: 92] وطَفَتْ جثة فرعون فوق الماء، وجرفتها الأمواج نحو الساحل، ورأى المستضعفون جثة فرعون وهو ذليل صاغر، هذا في الدنيا، وفي الآخرة: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ * يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ [هود: 96 - 98]، فهو الزعيم عليهم حين كان ملكًا، وسيكون زعيمهم يرِدُ بهم النار يوم القيامة، فتعسًا لهذا الزعيم، وتعسًا لأتباعه المُضلِّين.. وهكذا مصير أتباع كل زعيم ضال. ولعل الحكمة الإلهية في إهلاكه غرقًا هو وجنوده بعيدًا عن بلده ومركز حكمه كما حدث للأقوام الأخرى؛ لِما للحضارة الفرعونية من درجة رفيعة من الإتقان التي تبعث على التأمل في هؤلاء الأقوام ومدى تقدمهم العلمي لتبقى شاهدة لمن بعدهم على عظمة أولئك القوم وما كان من مجريات تاريخية على هذه الأرض، وليثبت قول الله فيهم حين خاطب مَن جاؤوا بعدهم: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ ﴾ [غافر: 21]، فاندثَروا وبقيت آثارُهم شاهدةً عليهم.
ترجمة المصطلح ونقله
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
08-03-2021
6,510
https://www.alukah.net//culture/0/145482/%d8%aa%d8%b1%d8%ac%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad-%d9%88%d9%86%d9%82%d9%84%d9%87/
ترجمة المصطلح ونقله مِن المهم هنا التعريج على فكرة أنه ليس بالضرورة أن من يجيد لغتين يجيد فن الترجمة والنقل بينهما، بما في ذلك القدرة على صياغة المصطلح،وإجادة النقل بين لغتين يجيدهما المرء انطباعٌ سائد عند كثير من الناس، مما يوقع في حرج الترجمة المتقنة التي لا يجيدها كل أحد، إلى درجة أن من يتقن اللغة المترجم منها من المستفيدين أو القراء قد يلجأ إلى قراءة الأصل المترجم عنه؛ نظرًا لما يواجهه من تعمية الترجمة لعدم القدرة على إيصال الفكرة التي أرادها المؤلف الأصلي. هذا على اعتبار أن الترجمة تعني هنا ترجمة الدلالة التي هي نقل معنى كلمة من لغة إلى أخرى عندما تتشابه مفهومات أصول الدلالة اللغوية [1] ، فتكون الترجمة بهذا المفهوم هي "نقل المصطلح الأجنبي إلى اللغة العربية بمعناه لا بلفظه، فيتخير المترجم من الألفاظ العربية ما يُقابل معنى المصطلح الأجنبي" [2] . وعليه تبرز صعوبة الترجمة، تلك الصعوبة المقدور على التغلُّب عليها بالاختصاص واحترام التخصُّص برجوع العلماء في الفنون المختلفة إلى أهل الاختصاص في البحث عن مصطلح يؤدي المفهوم المراد ليس موجودًا في المعاجم وقواميس المصطلحات؛ إذ إن وضع المصطلحات ليس بالأمر الهين اليسير؛ لأنه "يتطلب تمكنًا من المادة وفقهًا في اللغة وإحاطة بالتاريخ ووقوفًا على النشاط العلمي المعاصر،وفي حالة الترجمة فإن الأمر يقتضي - إلى جانب التخصص المعرفي - أن يكون المترجم مخضرمًا لغويًّا، إذا صح التعبير!" [3] . وهذه من القضايا التي ينبغي التوكيد عليها لدى بعض دور النشر العربية التي قد تلجأ إلى مترجم مزعوم جاهز؛ رغبة في سرعة نشر الكتاب باللغة العربية، وربما رغبة في قلة تكلفة الترجمة،يقول السعيد بوطاجين: "من سلبيات ترجمة المصطلح، كما يظهر مع المعاجم، وفي مجلات متخصصة يُفترض أن تتوخى بعض الاحترافية، إسناد فعل الترجمة لباحثين لا يُجيدون اللغة العربية، وقد لا يعرفون لغة ثانية تؤهلهم للتعامل الصحيح مع المعاجم، قديمها وحديثها" [4] . والأمثلة على هذا كثيرة في الفكر العربي المعاصر، ومنها على سبيل المثال، ومما له علاقة بموضوع هذه الورقة: كتاب إدوارد سعيد المشهور "الاستشراق"، الذي نقله إلى العربية كمال أبو ديب (1400هـ/ 1981م) بعنوان: الاستشراق: المعرفة - السلطة - الإنشاء،وجاءت ترجمته ترجمة صعبة جدًّا من حيث الصياغة، ربما لأن المترجم الضليع بالأدب والنقل قد عمد إلى التعبيرات الحداثية التي تعمد إلى الإبهام [5] . وقد ظهر أن هذه الترجمة على ما أخذت من المترجم من جُهد، وما تبعها من إشادات في الصحُف السيارة والمجلات الأدبية، قد أسهمت في غموض الفكرة التي أراد إدوارد سعيد إيصالها [6] ، بحيث أصبح الرجوع للنص الإنجليزي لمن يجيدون اللغة الإنجليزية أهون من قراءة الترجمة نفسها،حتى جاء محمد عناني وترجم الكتاب (1426هـ/ 2006م)، بعد أن أضاف إليه بعض الملاحق ذات العلاقة، بعنوان: الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق، وأعاد الترجمة بصياغة مقروءة مفهومة [7] ،ولا تخلو المكتبة العربية اليوم من نماذج لترجمات ركيكة تنبئ عن ضعف السيطرة على اللغتين المنقول منها والمنقول إليها،مما يستدعي دراسة أو دراسات لغوية تطبيقية مستقلة. انظر إن شئت على سبيل المثال فقط الكتاب الذي ألَّفه كلٌّ من ألان فوشون ودانيال فرنه، بعنوان: أمريكا المسيحانية، وترجمه موريس شربل، فلم أقرأ أكثر إلغازًا وتعميةً من هذه الترجمة [8] ، مع أني قرأت عددًا معقولًا من الكتب المترجمة، وفحصت بعضًا يسيرًا منها، فوجدتها لا تخلو من ملحوظات في نقل التعبيرات والأمثال والعبارات المعروفة في محيط المؤلف الأصلي، أي اللغة المترجم منها، وغير مألوفة في محيط المترجم، أي اللغة المترجم إليها،وفي هذا خلل مخلٌّ في مسألة السيطرة على اللغتين. ومن أمثلة ذلك أيضًا: أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس إيرل كارتر قد كتب أكثر من كتاب بعد تركه للرئاسة، سارعت بعض دور النشر إلى ترجمتها، ومن آخرها كتاباه: قيمنا معرضة للخطر، وفلسطين: السلام لا التمييز العنصري، اللذان نقلهما إلى العربية المترجم القدير الأستاذ محمد محمود التوبة،وتظهر فيهما تعبيرات أمريكية محلية، ذات علاقة بفكرة القاعدة وإطلاقات محلية هي أقرب إلى الأمثال، وهي عبارات معروفة لدى من يجيدون نظام هذه اللعبة طويلة النفس، وكذا من عايشوا المجتمع الأمريكي، وكثيرٌ من العرب من المتلقين للترجمة الحرفية لهذين الكتابين لا يُدركون المراد بإيراد هذه التعبيرات المغرقة في المحلية الأمريكية، مما يؤثر - في بعض المواقف - في فهم مُراد المؤلف من تأليفه للكتاب [9] . [1] انظر: حامد صالح قنبي. المعاجم والمصطلحات - جدة: الدار السعودية، 1410هـ/ 2000م - ص 136. [2] انظر: وجيهة السطل. جسم الإنسان في معاجم المعاني: دراسة تحليلية - الرياض: دار الفيصل الثقافية، 1418هـ/ 1998م - ص 336. [3] انظر: يوسف وغليسي. إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد - مرجع سابق - ص 69. [4] انظر: السعيد بوطاجين. الترجمة والمصطلح: دراسة في إشكالية ترجمة المصطلح النقدي الجديد - مرجع سابق - ص 208. [5] قد يلحظ المتابع أني تجنبت عمدًا الخوض في مفهوم الحداثة؛ لما اكتنفه من غموض حاد لا يزال مستشريًا في بعض الأوساط الثقافية العربية، حتى مع بروز مصطلح ما بعد الحداثة، وقد سعى السعيد بوطاجين إلى مناقشة المفهوم وأعطاه حقه من التجلية، مما يستحق العودة إليه؛ انظر: السعيد بوطاجين. الترجمة والمصطلح: دراسة في إشكالية ترجمة المصطلح النقدي الجديد - المرجع السابق - ص 115 - 123. [6] انظر: إدوارد سعيد. الاستشراق: المعرفة - السلطة - الإنشاء/ نقله إلى العربية كمال أبو ديب - بيروت: مؤسسة الأبحاث العربية، 1981م - 366ص. [7] انظر: إدوارد سعيد. الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق/ ترجمة محمد عناني - القاهرة: رؤية، 1426هـ/ 2006م) - 560ص. [8] انظر: ألان فوشون ودانيال فرنه. أمريكا المسيحانية/ ترجمة موريس شربل - طرابلس: دار جروس برس، 2005م - 255ص. [9] انظر: جيمي كارتر. قيمنا معرضة للخطر/ نقله إلى العربية محمد محمود التوبة - الرياض: مكتبة العبيكان، 1428هـ/ 2007م - 224ص، وانظر له أيضًا: فلسطين: السلام لا التمييز العنصري/ نقله إلى العربية محمد محمود التوبة - الرياض: مكتبة العبيكان، 1428هـ/ 2007م - 214ص.
الحوار الحضاري في الحروب الصليبية
أ. د. عبدالحليم عويس
08-03-2021
6,098
https://www.alukah.net//culture/0/145461/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b6%d8%a7%d8%b1%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d9%88%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%84%d9%8a%d8%a8%d9%8a%d8%a9/
الحوار الحضاري في الحروب الصليبية لم تكن الحروب الصليبية - كما هو المتوقَّع - حربًا كلُّها، على امتداد كلِّ الأيام أو الشهور؛ بل كانت تتخللها فتراتُ سِلمٍ كثيرة، تُمليها ضرورة الحياة والطبيعة الإنسانية لحرب استمرَّت قرنين ونصف قرن من الزمان. وفي ضوء هذا، لا يبدو من المستغرب أن تزدهر العلاقاتُ التجارية والثقافية بين الصليبيين الذين احتلُّوا الرُّها، وأنطاكية، وطرابلس، وبيت المقدس، واستوطَنوها، وبين المسلمين، في هذه الأيام الصليبية التي يتقاتل الناس فيها حينًا، ويتبادلون التجارة والثقافة حينًا آخر؛ في عملية حوارية من أطرَفِ العلاقات الجدَلية في التاريخ. وإذا كان (التتار) ، الذين دمَّروا بغداد، وقضَوا على الخلافة العباسية في العراق، قد خرجوا - وهم المنتصرون - مسلِمِين، بعد أن عمدوا - بفِطرة غير مركبة - إلى التعرف الموضوعي على الإسلام؛ فإن الأوربيين الذين يحملون تراثًا مركبًا، وفِطرة دنيوية مصلحية بحتة (براجماتزم) ، قد خرجوا - وهم المنتصرون أولًا، والمنهزمون أخيرًا - بإدراك حقيقة الإسلام، مع اتخاذ قرارهم بعدم الاقتراب الموضوعي منه، والعمد إلى تشويهه، والاكتفاء بنقل علومه وثقافته العامة، ونظمه، ونواحي تقدُّمه؛ وذلك خشية على أوربا من الإسلام. وزادوا الطينَ بِلَّةً، فكوَّنوا كتائبَ من المستشرقين ثم المستغربين للحفاظ على هذا التشويه؛ ولذلك فقد ظلَّ الجهل والتحيز قرونًا يُحيطانِ بمعرفة بيزنطة والغرب بالإسلام وبالعالم الإسلامي؛ فالبيزنطيون الذين تَصارَعوا مع المسلمين لثلاثة قرون كان لديهم أدبُهم الشعبي الذي يصوِّر المسلمين يعبدون ثلاثين إلهًا أكبرهم (مهومد) ، كما يذكر ذلك (ريتشارد سوذرن) ؛ مستغربًا فظاعةَ الأساطير المنتشرة عن الإسلام في الغرب خلال القرن التاسع إلى الثاني عشر، وعلى الرغم من التعايش عن قُربٍ مع المسلمين لعدة قرون في إسبانيا، والحروب الصليبية، مما يفترض معرفةً أفضل، فإن واقع الحال يذهب باتجاه مغاير [1] . ومن أدلة (الجهل المطبق) الذي كان عليه الصليبيون قبل أن يتعرفوا على المسلمين في الحروب الصليبية: ما هو معروف من الطبيعة الغوغائية لسلوكيات الحملات الصليبية الأولى، ليس ضد المسلمين وحدَهم، بل ضد البيزنطيين أيضًا، ويضاف إلى ذلك أنهم عندما احتلُّوا مدينة (طرابلس - الشام) - التي أصبحت إحدى مستعمراتهم - لم يتردَّدوا في إتلاف مكتبتها العامرة بمائة ألف كتاب، ومع هذا فالزمن وما يحمله من احتكاكٍ مباشر، وغير مباشر، والرغبة في معرفة العدوِّ - كلُّ هذه الأمور ستدفع الصليبيين باتجاه التعرف أكثرَ على معالم المسلمين، والاقتباس من المظاهر المختلفة للحضارة العربية الإسلامية، التي ستفرض نفسها كحضارة أرقى على رجال الغرب [2] . ♦ ♦ ♦ وعندما يتقدَّم الزمن تنداح - بالاحتكاك الحضاري - غشاواتُ الجهل تدريجيًّا؛ ولهذا فليس من المستغرب أن تزدهر التجارة الداخلية في عصر الحروب الصليبية؛ لحرص كلٍّ من المسلمين والصليبين على المواد التي توفِّرها لهم عائدات التجارة. وسوف يندهش الرحالة (ابن جُبير) في رحلته الشامية (1183م) لرؤيته القوافلَ تذهب وتجيء بيُسرٍ بين مصر ودمشق عبر بلاد الفرنج، وأن للنصارى على المسلمين ضريبةً يؤدونها في بلادهم، وتجار النصارى أيضًا يؤدون في بلاد المسلمين على سلعهم، وأهل الحرب مشتغلون بحربهم! وكذلك على المحور الآخر؛ كانت في المدن الصليبية علاقاتٌ طيبة بين التجار المسلمين والمسيحيين، ونقل التجار الطليان - عبر المدن الصليبية - تجارةَ الشرق الأقصى. بل إن المصالح الاقتصادية وعمليات التبادل التجاري نجحت في أن تُنافِسَ في حيويتها وأهميتها النواحيَ العسكرية، ومثال ذلك أن الجانب الإيطالي عرَفَ كيف يُطوِّع تشدُّدَه الديني لمصالحه الاقتصادية؛ ففي نهاية القرن الثاني عشر قدَّمَت البندقية يدَ العون للصليبين ضد صلاح الدين، ونقلت السلع - حتى الأسلحة - إلى المسلمين في مصر والشام. وبيزا التي قدمت للفاطميين والفرنجة المساعدة ضد صلاح الدين، لن تجد حرجًا في تقديم اليد نفسها للأيوبيين بعد انتصارهم، مثلما جرى مع البندقية [3] . ومع هذا التطور الذي أمْلَتْه الضرورات في النواحي الاقتصادية، كان لا بد من وجود تطور - ولو بدرجة متفاوتة - في النواحي الثقافية، وقد وقع هذا التطورُ - فعلًا - على النحو المصلحي الذي أشرنا إليه؛ فقد كيَّفت أوربا (الثقافة والعلوم) تكييفًا مصلحيًّا، لا علاقة له بالحق ولا بالموضوعية، ولا بإنصاف الآخر، بل حسْبُها أن تأخذ منه ما يفيدها - من جانب - وما يحميها من الإسلام والمسلمين (الأعداء الثابتين) من جانب آخر. وكما رأينا الجانب الإيطالي يُخضِع النواحي العسكرية للنواحي المصلحية والاقتصادية؛ كما تدلنا الوقائع التي أشرنا إليها، والتي ذكرها كثيرون مثل (ميخائيل زابوروف) صاحب كتاب: (الصليبيون في الشرق) ، و (قاسم عبده قاسم) في كتابه: (ماهية الحروب الصليبية) ، و (ستيفن رنسيمان) في تاريخه للحروب الصليبية (الجزء الثالث) . كما فعل الصليبيون هذا، في النظرة التكييفية، على النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، وبالتالي الدينية الخاصة بهم، كذلك فعلوا في نقلهم - وتعلُّمهم - من المعارف الإسلامية؛ خضوعًا للعنصرية، وحفاظًا على حاجز نفسيٍّ وفكريٍّ بينهم وبين المسلمين - على حساب الحقائق - ولا ندري ما الفائدة منه! بل إن عواقبه كانت ضارة ووخيمة. أجل، لقد حفَزَتِ الحروب الصليبية (الفرنجة) الهمجَ على التعلُّم من المسلمين، وقد اتسعت معرفتهم بما في العالم العربي من جغرافية بشرية، وتاريخ، وعلوم؛ مما خلق عندهم نهضة في دراسة القانون، والطب، والمنطق، وبدؤوا بتكوين نقابات من المدرسين أسَّسوا عليها فكرة الجامعة، وهكذا نشأت الجامعات من جامعة باريس إلى أكسفورد، وكمبردج، بدءًا من القرن الثاني عشر الميلادي. كما اتسعت خبرة الصليبين وثروتهم، ووقفوا على فنون الشرق وصناعته، وما فيها من رونق وفن ودقة، والراجح أن المستوى العام للمعيشة في الغرب - كما يشير إلى ذلك رنسيمان - لم يرتفع إلا بفضل رغبة العساكر والحجاج العائدين في أن يلجؤوا في أوطانهم إلى محاكاة ما اشتهر به الشرق من مظاهر الحياة [4] . وأيضًا - كما يعترف (رنسيمان) - سيصبح الأوربيون - بفضل ما يأخذونه من المسلمين في الحروب الصليبية - قادرين على أن يميِّزوا بين السلوك، وأساليب الحياة الحضارية الإسلامية: (العلوم، والتقنيات، والذهنيات، والتفلسف العربي والإسلامي...) ، وهذه يأخذونها، وقد يعترفون أحيانًا بفضلها، وقد لا يعترفون في أحيان أخرى كثيرة!! لكنهم - كما يؤكد (رنسيمان) - يظلُّون محافظين على جهلهم وعدائهم للإسلام وعقيدته (عقيدة التوحيد) ، وهو ما يمثِّل ظلمًا تاريخيًّا وأخلاقيًّا كبيرًا. ومع ذلك كله - يؤكد رنسيمان - على القيمة الحضارية للحوار أثناء فترة الحروب الصليبية، مشيرًا إلى أن هذه الفترة التي امتدت قرنين ونصف: "من أهم مراحل التاريخ المؤثِّرة في المدَنية الغربية؛ إذ إن أوربا لم تكد تخرج من مرحلة غارات المتبربرين الطويلة الأمد، التي يُطلَق عليها العصور المظلِمة (العصور الوسطى) ، حتى كانت - بفضل المسلمين - بَراعمُ ما نُطلِق عليه النهضة الأوربية تأخُذُ في الظهور" [5] . ونختم بالإشارة هنا إلى أن هذا التسامح والانفتاح من المسلمين جزءٌ من دينهم؛ فهم دائمًا يفتحون ذراعيهم للحوار، وتجاهل آلام الماضي؛ متغاضين عن الظلم الذي يُعامَلون به، تاركين الأمرَ لمحكمة الله العادلة. [1] شمس الدين الكيلاني: حقبة الحروب الصليبية، والوضع على طرفي المجابهة التاريخية - مجلة الاجتهاد، عدد 18، بيروت. [2] شمس الدين الكيلاني: المرجع السابق. [3] الكيلاني: المرجع السابق. [4] المرجع السابق. [5] نقلًا عن المرجع السابق بتصرف.
أحاديث الطب النبوي: حجيتها وضوابط فهمها لأبي بكر بن الطيب كافي
محمود ثروت أبو الفضل
08-03-2021
3,555
https://www.alukah.net//culture/0/145458/%d8%a3%d8%ad%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%88%d9%8a-%d8%ad%d8%ac%d9%8a%d8%aa%d9%87%d8%a7-%d9%88%d8%b6%d9%88%d8%a7%d8%a8%d8%b7-%d9%81%d9%87%d9%85%d9%87%d8%a7-%d9%84%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%a8%d9%83%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%8a%d8%a8-%d9%83%d8%a7%d9%81%d9%8a/
أحاديث الطب النبوي: حجيتها وضوابط فهمها لأبي بكر بن الطيب كافي صدر حديثًا كتاب "أحاديث الطب النبوي: حجيتها وضوابط فهمها"، تأليف: أ.د. "أبو بكر بن الطيب كافي". وهو بحث محرر يتناول الأسس والضوابط المنهجية للفهم السليم للسنة النبوية، وذلك من خلال دراسة تطبيقية لأحاديث الطب النبوي، والتي تم التركيز عليها لما تحمله من دلالات علمية قد يكون بعضها موضع ريبة بناء على المعطيات العلمية المعاصرة، والسبب في ذلك هو الفهم لهذه الأحاديث بمنأى عن القواعد العلمية المستمدة من أصول هذه الشريعة، ومن لغة الخطاب النبوي المتميز ببراعة البيان والجاري على سنن العرب في كلامها، ومعهود خطابها، مما ينبغي أن يراعيه الفقيه المعاصر المتبصر في السنة النبوية. وتعد أحاديث الطب النبوي من المجالات التي تحتاج إلى إرساء قواعد علمية ومنهجية لفهمها، لما اعتراها من إفراط وتفريط، وتكلف وتعسف بين راد لها جملة وتفصيلًا، واعتبارها اجتهادًا بشريًا خاصًا، ومن قائل بها دون معرفة لقواعد فهمها الفهم الصحيح الذي يحقق للسنة مكانتها ويرد عنها الشبهات والتأويلات المتكلفة والتفسيرات المتعسفة. ويتناول هذا البحث أهم الضوابط التي خرج بها الباحث لإعمالها على أحاديث الطب النبوي خاصةً وما يمكن أن تسهم به تلك الضوابط في فهم آلية ورود هذه الأحاديث. وذلك ضمن أربعة مطالب رئيسة؛ هي: المطلب الأول: وضوح دلالة الحديث وكونه صريحًا فيما يستدل به. المطلب الثاني: فهم نصوص الطب النبوي في ضوء دلالات اللغة العربية. المطلب الثالث: معرفة القيود الواردة في الحديث وعدم إهمالها. المطلب الرابع: فهم أحاديث الطب في ضوء النصوص الشرعية الأخرى الواردة في الموضوع. وخرج الكاتب في خاتمة البحث بمجموعة من النتائج والتوصيات، كان من أهمها: ♦ أهمية الجمع لألفاظ الحديث الواردة في الطب النبوي لمعرفة النص الكامل للحديث وما يفيده بصورة شاملة، فقد يقع من الرواة اختصار أو إدراج أو رواية بالمعنى قد يخفى معها المقصود من الحديث. ♦ من الأمور المقررة في أصول الشريعة في الاستدلال بالحديث ألا يعارض ما هو أثبت وأقوى منها، وعند وقوع المعارضة يلجأ العلماء إلى دفع هذا التعارض بالجمع والتوفيق بين الأحاديث المتعارضة أو الترجيح بينها أو النسخ، أو التوقف. ♦ ضرورة فهم أحاديث الطب وفق سياقاتها اللغوية والحالية، ولا نحملها ما لا تحتمل من دلالات غير مرادة. ♦ كشف البحث عن الموقف الشرعي الصحيح الذي ينبغي أن يسلكه المسلم تجاه ما قد يظهر بادئ الرأي أنه يعارض العلم من أحاديث الطب النبوي. ويوصي الباحث بضرورة البحث المعمق في أحاديث الطب النبوي حديثًا حديثًا وخاصة ما يشكل منها على ضوء معطيات العلم الحديث، ودراستها دراسة حديثية وأصولية وطبية ومخبرية من باحثين مؤهلين مع ضرورة التكامل بين علماء الشريعة والطب في فرق بحثية متخصصة ومتفرغة لتحقيق الغاية المرجوة على أكمل وجه. والمؤلف د. "أبو بكر بن الطيب كافي" أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، من مؤلفاته: ♦ "منهج الإمام أحمد في التعليل وأثره في الجرح والتعديل". ♦ "منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها".
الطريق إلى النهضة يمر من هنا
رابح عبدالقادر فطيمي
07-03-2021
2,236
https://www.alukah.net//culture/0/145436/%d8%a7%d9%84%d8%b7%d8%b1%d9%8a%d9%82-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%87%d8%b6%d8%a9-%d9%8a%d9%85%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d9%87%d9%86%d8%a7/
الطريق إلى النهضة يمر من هنا لم تنته الأسئلة كونها مصيريَّة، لماذا تقدم غيرنا وتأخَّرنا نحن؟ وحاول الكثير من الكتاب والمفكرين، وأصحاب الرأي أن يجد أجوبة تارة من التاريخ وتارة من الواقع، وما زلنا ندور حول تلك الأسئلة. لا شك أن الغرب كان جادًّا في التعاطي مع موضوع حساس يمثل للمجتمعات الحية قضية؛ إما أن تكون أو لا تكون، وأعطى أهمية كبرى للبحث والدراسة، وإحياء التراث القديم، وتجديد علاقته مع الدين، فالحضارة الغربية لم تهمل الدين؛ حيث جددت علاقتها معه، وشجعت الحرية الفكرية، وشجعت كل من الباحثين والاجتماعيين والمفكرين والفنانين والمبدعين من شعراء وأدباء ومفكرين، إلى أن تحولت إلى ورشة عمل كبيرة مهَّدت لنهضة الصناعية والفكرية التي نطلق عليها اليوم الحضارة الغربية. استفاد الغرب معتبرًا من إخفاقاته السابقة، ومعتبرًا من التاريخ، والسؤال: إذا نجح الغرب في ذلك لماذا نفشل؟ إذا لم ننجح فهناك خلل يجب إصلاحه أولًا، وإعطاؤه حقَّه من الدراسة والبحث قبل أن نتحدث في الموضوع الثاني الذي يليه في الأهمية وهو النهضة. لا أريد أن نناقش أصحاب القول أنه يجب أن نحذو حذوَ الغرب كي نصل إلى النتيجة، أو القول الذي يقول أن نتنازل عن جزء من هويتنا من لغة ودين؛ كي نحقق ما حققه الغرب، هذا التفكير جزء من الخلل الذي نعانيه اليوم، ومَن يقول بهذا لم يقرأ التاريخ جيدًا، فالعرب منذ الأزل منذ قوم عاد لم تقُم لهم قائمة، ولم يحقِّقوا حضارة، ولم يفوزوا بالغلب على الأمم، ولم يبنوا دولة كما بنتها الفرس والروم، وقبلهم دولة اليونان حتى جاء الإسلام، وقبل ذلك كنا نحتمي مرة بالفرس، وتارة أخرى بالروم مع دفع الجزية إلا أنه حين جاء الإسلام وفرضت ثقافة جديدة، أصبحت للعرب دولة قوية، ولم نعُد في حاجة للحماية، بل أكثر من هذا كان المجتمع الجديد له ثقة كبيرة في أدواته التي سخرها لخدمة الحضارة، عبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث: (ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين) . فمسألة التشكيك في قدرة الدين على بناء حضارة هي فكرة باطلة، طبعًا سخَّر لذلك بروباغندا واسعة عملت على التشكيك في أنه لا يمكن للعرب أن تقوم لهم قائمة، إلا أن يفصلوا بين ما هو ديني، وما هو سياسي، وما هو ثقافي، وتسربت الفكرة إلى بعض النخب، وبدأت تحاول تلقيننا أن الدين مكانه المتحف، والتعارض بين الدين والعلم، والدين والفن، والدين والديمقراطية، والدين والحرية، وبدأ الجدال العقيم، الأوربيون وغيرهم لم يطرحوا هذا السؤال ولم يجدوا تعارضًا بين عادتهم وحضارتهم، فشراء حضارة من الغرب معلَّبة، فكرة باطلة وسوقها كاسد، يقول الإمام الكبير عبدالرحمن بن خلدون في كتابه ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر: "اعلم أنه إذا قد تقدم لنا في غير موضع أن الاجتماع للبشر ضروري وهو معنى العمران الذي نتكلم فيه، وأنه لا بد لهم في الاجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه، وحكمه فيهم تارة يكون مستندًا إلى الشرع، منزَّل من عند الله، يوجب انقيادهم إليه إيمانهم بالثواب والعقاب عليه الذي جاءه به مبلِّغه، وتارة إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليها يتوقعونه من ثواب ذلك الحاكم بعد معرفته بمصالحهم, فالأولى يحصل نفعها في الدنيا والآخرة لعلم الشارع في المصالح في للعاقبة، ولمراعاته نجاة العباد في الآخرة، والثانية إنما يحصل ثوابها في الدنيا فقط" . فحين نذهب لنفكِّر في نهضة حضارية على نماذج العصر الحديث، حضارة مملوءة بالحركة وبمعاني الحرية، والإبداع، فأول الأشياء تخطر في بالنا أن التجربة لا تباع ولا تشترى، بل هي عصارة خبرة حياة ممزوجة بثقافة مجتمع، ليس بإمكانه انتزاعها من بيئة وزرعها في بيئة ثانية، تُصبح تشبه الأصلع الذي يشاهد شعر رجل جميل، فيحاول مساومته بكل الطرق؛ ليُجمل صلعته، والسُّذَّج من الناس يظن استعمالَه لغة غيره وعادتهم، وقليل من التفزلُك، قد يوصِل صاحبه بحضارة أخرى، وهذا كذلك غير ممكن، فالوصفة الأكيدة والمجربة هو العودة إلى الأصول، وهو الطريق الأقرب ولأضمن، أما التسكع بين الثقافات وتعليق الآمال عليها، فهو الضياع.
قصة موسى عليه السلام (5) الغرق
د. محمد منير الجنباز
02-03-2021
20,681
https://www.alukah.net//culture/0/145324/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-5-%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%b1%d9%82/
قصة موسى عليه السلام (5) الغرق ذكر عدد من المفسرين أن خروج موسى ببني إسرائيل كان بعد يوم الزينة؛ لما ورد في سورة طه، فبعد إيمان السحرة وما تم بينهم وبين فرعون من جدال وتمسكهم برأيهم، صلبهم فرعون، ثم جاءت هذه الآيات: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴾ [طه: 77]، وكذلك في سورة الشعراء، فقد ورد بعد جدال فرعون مع السحرة: ﴿ قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ * وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾ [الشعراء: 50 - 52]، وهناك دلائلُ إلى أن الخروج كان بعد الآيات التسع والنصح المستمر، وأن فرعون كان يعِد ولا يفي، ثم أراد التخلص من موسى ومن معه، فقد ورد بعد ذكر الآيات التسع في سورة الإسراء: ﴿ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا ﴾ [الإسراء: 103]، وفي سورة يونس ورد أيضًا بعد الجدال بين موسى وفرعون وطلب موسى من ربه أن يشدد عليهم الوطأة، ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ ﴾ [يونس: 90]، وقد ورد عن ابن عباس أن موسى مكث في آل فرعون بعدما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات والجراد والقمل والضفادع، وأنا أميل لهذا الرأي؛ أن هجرة موسى كانت بعد أن توالت الآيات القاهرة لهم؛ لذلك أراد فرعون أن يرد عليهم تجاهها بقسوة، فجمع لهم الجموع ليستأصلهم، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ﴾ [الشعراء: 52 - 54]، فمبادرة الشر كانت من فرعون. لقد أراد أن يحدِث سبقًا في الانقضاض على موسى وأتباعه، وعدَّهم شرذمة قليلة يمكن القضاء عليها بسهولة ودون كبير عناء؛ لأنه حشد من الجنود أضعاف أعداد خصمه، فكان عدد أتباع موسى ستمائة وسبعين ألفًا، وكانت مقدمة جيش فرعون سبعمائة ألف، لكن الله كان له بالمرصاد، فأوحى إلى موسى كاشفًا له غدر فرعون وتدبيره، وبدأ فرعون يصف موسى وقومه بعبارات تدل على الحقد والحنَق، وأنه يوم مرت عليه أحداث الآيات المرهقة كان الغضب من موسى قد بلغ منه الذروة، وفي قرارة نفسه كان يتمنى لو تخلص منه بلا إبطاء، لكن الله تعالى مانعٌ موسى من فرعون كما وعد؛ ﴿ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طه: 46]. فقال فرعون لجنوده وهو يحط من قوة موسى: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ﴾ [الشعراء: 54 - 56]، فجدَّ الجنود في طلبهم، وطمعوا في إبادتهم إرضاءً لفرعون، وكان موسى قد أعد لأمر الهجرة عدته؛ استعدادًا للإذن من الله تعالى في المغادرة. فكان منها التميز في السكنى عن القبط، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [يونس: 87]، بحيث اتفقوا على علامة سرية تميِّز بيت الإسرائيلي عن القبطي؛ لكي يسهل تبليغهم الأوامر، إضافة إلى جعلها للصلاة والعبادة والدعاء؛ لأنهم لا يستطيعون المجاهرة بالعبادة وبناء المساجد خشية من فرعون، ولتفريج همهم؛ ففي الصلاة التذلل لله والاتصال معه والقرب منه، وفيها سرعة الاستجابة من الله، وعند الخروج للتجمع كانت لهم إشارة توضع على الباب، فيعرف أن أهل هذا البيت قد خرجوا. ومنها طلب موسى من قومه أن يستعير نساؤهم من نساء القبط ما عندهم من زينة وحلي ذهبية أو فضية؛ ليوهموهم أنهم أخذوها للتزين للعيد، وأنهم ماكثون في البلد غير مغادرين له؛ لما يعرفون أن بني إسرائيل كانوا يؤتمنون على رد العارية، ولو كانوا غير ذلك، لكان طلب الحلي منهم مدعاةً إلى الشك بهربهم. كما طلبوا من فرعون السماح لهم للاحتفال بعيدٍ لهم، فأذن وهو كاره لذلك، لكن إذنه - في الحقيقة - كان مكرًا منه لكي يجعلهم تحت نظره ومراقبة عيونه. ومنها طلب موسى من قومه أن إذا جاء الإذن بالهجرة فليتركوا بيوتهم مضاءة؛ كيلا ينتبه جيرانهم من القبط فيَشُوا بهم، وأن يكونوا جاهزين للمغادرة والانطلاق فور التبليغ بلا معوقات، وهو ما يشبه الاستنفار العام في أيامنا هذه. هذا ما بلغ به قوم موسى آخذين بالأسباب، والله سبحانه يدبر لهم أمر النجاة والخلاص من فرعون، فأوقع بينهم في ليلة الخروج معوقات كثيرة شغلهم بها، فقد استجيبت فيهم دعوة موسى بحرمانهم من مقومات شدتهم وبأسهم من الزينة والأموال، ﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [يونس: 88]، فشغَلهم الله بطمسها حجارة على صورتها. وجاء الإذن من رب العالمين، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾ [الشعراء: 52، 53]، والسرى: السير في الليل، ولقد ورد الأمر ليلًا في سورة الدخان: ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ﴾ [الدخان: 23]، فاندفع بنو إسرائيل تحت جُنح الظلام من بيوتهم، فكان كلامهم الهمس والتخاطب بخفيض الصوت، ومنعوا من المناداة بعضهم لبعض. بَيْدَ أن عيون فرعون التقطت هذه الإشارات والهمسات، فأخبروا فرعون، ولما وصله الخبر طار صوابه؛ لقوة تدبيرهم، ومكنة أمرهم، وما استعملوه من الخداع والتمويه، وقال: أبَقَ عبيدي - هربوا - الويل لهم مني، فأرسل على وجه السرعة يستدعي جنوده من مدن مصر ليحشد ما استطاع من قوة ضاربة يؤدب بها بني إسرائيل، فكان حشده - كما ذكر ابن كثير - ألف ألف وستمائة ألف؛ أي بحساب اليوم مليون وستمائة ألف، وكان عدد المهاجرين مع موسى ستمائة ألف سوى النساء والأطفال والشيوخ، وهم من ذرية يعقوب الذي دخل مصر بدعوة من ابنه يوسف عزيز مصر، واستقر هؤلاء فيها وكانوا بادئ الأمر في حياة كريمة، ثم لما طال عليهم العهد اضطهدوا، خصوصًا في عهد هذا الفرعون، فأرسل الله موسى لإخراجهم من مصر إلى فلسطين، وكانت مدة إقامتهم إلى يوم الخروج مع موسى أربعمائة وستًّا وعشرين سنة شمسية. وسار موسى بقومه ليلًا باتجاه سيناء في غير طريق القوافل، وبعد سفر مُضْنٍ وجهد أيام في الطريق، كانت المفاجأة المرعبة لبني إسرائيل، إنه البحر، فماذا هم صانعون؟ وها هو ذا فرعون يطلع بجنوده مع الصباح وإشراقة شمس ذلك اليوم، فهو يحيط بهم من ورائهم، والبحر من أمامهم، فكان الخوف، وكانت الندامة من الغالبية العظمى على خروجهم مع موسى، وقد شق عنان السماء بكاء الأطفال واستغاثة النساء، وبلغت القلوب الحناجر، وشخص أمامهم الموت الكئيب في هذا المنقطع من الأرض. وأقبل فرعون بجنوده فوق ظهور الخيل المطهمة تثب فوق الأرض وثبًا كأن لم يهُدَّ قواها طول الطريق وحر الشمس وقفر المكان، وتخيَّل بنو إسرائيل مصارعهم على يد فرعون في هذا المكان، وتمنوا أن لو خدموا عنده عبيدًا مدى الدهر ولا أن يلقوا هذا المصير، ولكنهم ويا للأسف لم يفهموا سر الحياة وقيمة الإنسان الحر، وأن الدنيا دول، ونسوا الأمر الأهم؛ أن الله الذي أمر موسى بالهجرة من أرض مصر ضمن له ولقومه النجاة من فرعون. إن هذا المكان قد أعده الله تعالى لمصارع الطغاة، وستكتب فيه نهاية القصة الفرعونية، وهل يلتهم مثل هذه الجموع سوى بحر زاخر لا يشتكي ضيق المكان ولا ثقل الوجبة وعرام النهمة؟ ﴿ فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 60 - 63]. وكان قوم موسى مشاة يحملون أمتعتهم على دواب الحمل من الحمير والبغال، فلم يكن يسمح لهم فرعون بامتلاك الخيل ولا أدوات القتال، وكان مع موسى الأطفال والنساء والشيوخ، وليس مع الرجال المقاتلين سوى العصي والحجارة، وكانت ستحدث مجزرة يفنى فيها بنو إسرائيل لولا العناية الإلهية. وفي اللحظة الحاسمة التي ظن فيها فرعون أنه نائل مراده وأن بني إسرائيل في قبضته لا مفر، ضرب موسى البحر بعصاه، فانفلق اثني عشر طريقًا وفق عدد الأسباط أو القبائل التي هي من أبناء يعقوب، لكل منهم طريق؛ ليكون مرورهم وجوازهم سهلًا، كما في العيون التي فجرها الله لهم لاحقًا ﴿ قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ ﴾ [البقرة: 60]، ولقد استجر فرعون ومن معه لحتفهم في هذا البحر - وأعتقد أنه البحيرات المرة، وهي إحدى البحيرات الكبيرة التي تشكل قناة السويس الآن، وهذا هو الطريق المتجه شرقًا إلى سيناء - ﴿ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ ﴾ [الشعراء: 64]؛ أي: قرَّبناهم من قوم موسى حتى خيل إليهم أنهم سيقضون عليهم، فطمعوا فيهم واستحثوا خيلهم لإدراكهم، فلم ينتبهوا إلى حقيقة المعجزة بانفلاق البحر بأن ولوجها خطر عليهم، بل أقحموا خيلهم وراءهم دون تروٍّ ولا تفكير في الأمر. وكان موسى يريد أن يضرب البحر ثانية ليعود كما كان قبل أن يدخل فرعون في أثرهم، ولو فعل ذلك لما وقع فرعون في مصيدة الغرق؛ لذلك نبَّه الله موسى بأن يترك البحر بطرقاته كي يجوز عليه فرعون فلا خوف منه؛ ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ ﴾ [الدخان: 23، 24]؛ أي: ساكنًا كما هو بممراته الاثني عشر كي يغري سكونه فرعون فيقدم على مطاردة بني إسرائيل، ودخل فرعون وجنوده هذه الممرات، فلما أن استوعبت جيشه كاملًا كان في الطرف الآخر آخر مجموعة تخرج منه من بني إسرائيل إلى البر، ﴿ وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء: 65]. هنا أوحى الله إلى موسى أن يضرب بعصاه البحر فعاد متلاطم الأمواج وقد ابتلع فرعون وجنوده في مشهد سرَّ أهل الإيمان وشفى غيظهم مما كان يفعل بهم فرعون وأتباعه من القهر والظلم والعبودية، ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 66، 67]، وعادت الصحوة لفرعون وقد غشيه الماء وأيقن الهلاك فأدرك أن موسى كان على حق وهو مِن قبل لا شك مدرك، إلا أن سلطان الملك والجاه قد غلبا عليه، وقد ذكر القُرْآن لنا آخر لقطة من حياة فرعون وما اعتمل في نفسه: ﴿ وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 90 - 92].
الحوار والمناظرات الدينية في الأندلس.. إسبانيا الإسلامية
أ. د. عبدالحليم عويس
27-02-2021
7,401
https://www.alukah.net//culture/0/145224/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%88%d8%a7%d8%b1-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b8%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%86%d8%af%d9%84%d8%b3..-%d8%a5%d8%b3%d8%a8%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%8a%d8%a9/
الحوار والمناظرات الدينية في الأندلس.. إسبانيا الإسلامية كان من نتائج التعايش الطبيعي والدائم بين معتنقي الأديان السماوية الثلاثِ في أرض الإسلام بعامَّةٍ، وفي الأندلس بخاصَّة: أن المناظرات كانت وافرة جدًّا بين المسلمين من جهة، واليهود والمسيحيين من جهة ثانية، وقد طالت هذه المناظرات مجالَ العقيدة بشكل خاص [1] . وقد ظلَّت مساحة هذه المجادلات تتسع من قرنٍ إلى قرن، مع ازدهار الحضارة الإسلامية - من جانب - وخوفِ الأقليات اليهودية والمسيحية على خصوصيتها مع انتشار الإسلام، من جانب آخر. لقد شهدت قصورُ الأمويِّين، والعامريِّين (138 - 422هـ)، والطوائف (422 - 479هـ) ألوانًا من هذه المساجلات، قامت بين شعراء وأدباء؛ كابن العريف، وابن شهيد، والزبيدي، والقسطلي، والطبني، وأبي العلاء صاعد [2] ، وقد صارت قصصها ووقائعها مادة طيبة لحركة الفكر الأندلسي. وكانت هناك مساجلات أخرى هدفها الانتصار للرأي، ومقارعة الخصوم، سواء من خارج الدين الإسلامي أو من داخله، من أصحاب المذاهب الفقهية والكلامية الأخرى، ومساجلات أبي محمد بن حزم، وأبي الوليد الباجي من أشهر المساجلات التي تعكس هذا النوعَ من المبارزة الفكرية، التي تُعقَد لها المجالس، ويحضرها المثقفون من مؤيدين ومعارضين. ولم يكن مجال هذه المناظرات التنافُسَ والكسب فقط، كما أنها لم تكن لمجرد التسلية؛ وإنما كانت أسلوبًا من أساليب امتحان القدرة الفكرية والفنية، والطريف من هذه الامتحانات هي تلك التي يقوم بها العلماء بعضهم لبعض في المجالس العلَنيَّة، ويترك الأمر لنتائج هذه الامتحانات لمنح الألقاب العلمية، وقد كان لبعض المناظرات أثرٌ عظيم في تقرير مصير العلماء [3] . وشأن هذه المناظرات في الحياة العِلميَّة القرطبيَّة والأندلسية عامة شأنُها شأن الرسائل العلمية في عصرنا، بل لقد كان أثرها أبعد أثرًا؛ لأنها شملت ذوي المكنة والتمرُّس في العلم، ولم يسلم منها كبار الشيوخ [4] . وكانت هذه المناظرات تقوم على أسس علمية رصينة، في أغلب الأحيان، يؤكد هذا ما قيل من أن متكلِّمينِ اجتمعا، فقال أحدهما: هل لك في المناظرة؟ قال: على شرائط: ألا تغضب، ولا تعجب، ولا تشغب، ولا تحكم، ولا تُقبِل على غيري وأنا أكلِّمك، ولا تجعل الدعوى دليلًا، ولا تجوِّز لنفسك تأويل آية إلا جوَّزتَ لي تأويل مثلِها، وعلى أن تُؤْثِرَ التصادق، وتنقاد للتعارف، وعلى أن كلًّا منا يبني مناظرته على أن الحقَّ ضالَّتُه، والرشد غايتُه [5] . وكان القرن الخامس للهجرة في إسبانيا المسلمة، الذي تألَّق فيه أبو محمد بن حزم القرطبي، الجدلي الشهير (456هـ - 1063م)، في مناظراته مع ابن النغريلة (ويدعى صموئيل)، ثم ابنه يوسف، وقد كان وزراء الزيريين (البربر) في غرناطة (حبوس، ثما باديس). وقد أدان - ابن حزم - تدخُّلَهما القوي إلى جانب الملوك الصغار في إدارة شؤون المملكة، لكن مع ذلك فإن الجدل الحَزْميَّ قد اقتصر فقط على ما يتعلق بمجال العقيدة [6] . وقد توافرت لابن حزم في هذا السبيل أدواتُ البحث، فقد ناظَرَ كثيرًا من اليهود والنصارى، وكان له معهم مجالس محفوظة، وأخبار مكتوبة [7] ، واطَّلَع على كتبهم، وعاشَرَهم عن كثب، وقد شحذ همةَ ابن حزم لدراسة اليهودية، ومناقشتِها بصفة خاصة: أنه عاصر ظروفًا بلغ فيها اليهود وتطاوُلهم على المسلمين في الأندلس حدًّا لا يطيقه مسلمٌ غيور كابن حزم، وكان ذلك في الربع الثاني من القرن الخامس للهجرة [8] ، كما ألمعنا. ففي هذا الجو المشحون بالصراع، والذي يأخذ فيه كلُّ فريق عُدَّتَه في البحث، ناقش ابن حزم اليهودية، وكتب فيها فصولًا في موسوعته " الفِصَل "، ثم أفرد رسالة في الردِّ على اليهودي "يوسف بن النغريلة "، عُرِفَتْ باسم " الرد على ابن النغريلة "، وقد كتب يوسف المذكور ردًّا على ابن حزم لم يصل إلينا، وأغلب الظن أنه كُتِب بعد وفاة ابن حزم وأثناء ارتفاعه إلى الوزارة. وناقش ابن حزم في حديثه عن اليهود جوانبَ أربعة، هي: أ - كشف التناقض في نُسَخِ التوراة. ب - كشف الأكاذيب في نصوص التوراة المعتمدة لدى اليهود، والتناقض فيها. ج- والجانب الثالث من جوانب حديث ابن حزم عن اليهودية هو تفنيده لافتراءات بعض كُتَّاب اليهود على الإسلام. وقد لخص في صدر رسالته في الرد على ابن النغريلة شبهاتِ اليهود على الإسلام. د - ولا يكتفي ابن حزم بالردِّ على هذه الشُّبَهِ وغيرها، بعد أن يحصرها حصرًا وافيًا؛ لكنه يتبع ذلك بذكر "قليل من كثير من قبائحهم التي يدبِّرونها وينسُبونها إلى الباري تعالى في كتبهم التي طالعناها ووقَفْنا عليها" [9] . ومن قبائحهم التي ذكرها ابن حزم: استباحتُهم الكذب بغير العبرية، وتصويرهم اللهَ في صورة الخائف من يعقوب، ونِسبتُهم الزِّنا لأنبيائهم [10] ، وزعمهم أن كل نكاح على غير حكم التوراة هو زنا، ودعواهم أن السحَرة يقدِرون على إحالة الطبائع، كإحالة الإنسان حمارًا، أو العكس، وزعمهم أن الله حضَّهم على سرقة أموال المصريين حين خروجهم من مصر [11] ، وأن هارون هو الذي صنع لهم العجل ليعبدوه [12] ، وغير هذا كثير وكثير مما تحفل به التوراة [13] . وإلى جانب ابن حزم كانت هناك شخصيات كثيرة على المستويات المختلفة أسهمت في هذا الحوار والجدل، وحسْبُنا هذا النموذجُ للدَّلالة على الحركة الفكرية الحوارية في الأندلس. [1] عبدالمجيد تركي: مشروعية سكنى المسلمين في أرض استعادها المسيحيون، مجلة الاجتهاد، عدد 28، بيروت. [2] د/ طه الحاجري: ابن حزم صورة أندلسية، ص53، طبع ونشر: دار الفكر العربي، القاهرة. [3] د/ وديعة طه النجم: مقال/ العلاقات بين العلماء، عالم الفكر عدد 1، مجلد أبريل سنة 1970م، ص252، 257. [4] المكان السابق. [5] د/ وديعة طه النجم: مقال/ العلاقات بين العلماء (عالم الفكر) أبريل سنة 1970م، ص258، وانظر د/ أحمد شلبي: تاريخ التربية الإسلامية، ص85، دار النهضة المصرية. [6] عبدالمجيد تركي: المرجع السابق. [7] ابن بسام: الذخيرة، م1، ج-1، ص143، طبع القاهرة (1339هـ)، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر - مصر. [8] مقدمة الدكتور/ إحسان عباس: الرد على ابن النغريلة، ص18، دار العروبة، القاهرة 1960م. [9] انظر المصدر السابق، ص64، وانظر الفصل 1- 217. [10] انظر الفصل: 1 - 218، وانظر الدكتور/ أحمد شلبي: اليهودية، ص131 وما بعدها. [11] انظر الدكتور/ أحمد شلبي: اليهودية، ص166، 167. [12] انظر المرجع السابق، ص68، 167. [13] انظر الرد على ابن النغريلة، الصفحات من 65 إلى 81.
المجد الأثيل في مآثر العلامة المقرئ الشيخ حسنين جبريل (1346 هـ - 1442هـ)، رحمه الله تعالى
عمير الجنباز
24-02-2021
5,324
https://www.alukah.net//culture/0/145180/%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d9%84-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a6-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ad%d8%b3%d9%86%d9%8a%d9%86-%d8%ac%d8%a8%d8%b1%d9%8a%d9%84-1346-%d9%87%d9%80-1442%d9%87%d9%80-%d8%8c-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89/
المجدُ الأثيل في مآثر العلَّامة المقرئ الشَّيخ حسنين جبريل (1346ه،1442هـ)، رحمه الله تعالى وفيات تضاعفُ مَنْ سَنرثي...وهل غير الدُّعاء لهم جميعًا؟! في الثلاثاء الرَّابع من رجب لعام 1442هـ، توفِّي الأستاذ المقرئ الجليل شيخنا العلَّامة الشَّيخ حسنين بن إبراهيم بن محمَّد عفيفي جبريل الطَّحوري القليوبي المصري الأزهري، تغمَّده الله برحمته ورضوانه، وأورده موارد مغفرته وإحسانه، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.. وهو من علماء القراءات القرآنيَّة ونبلائها وفضلائها، وأعيانها وذوي شأنها، جمعَ منَ العلوم أشرفَها وأشرقَها، ومنَ المعارف أرقَّها وأروقَها، وجعلَ القرآن له جليسًا، وقراءاته نديمًا وأنيسًا.. التحقَ بمعهد القراءات بالقاهرة بمرحلتي العالية والتَّخصُّص، ثم أكمل دراسته في كليَّة الدِّراسات الإسلاميَّة والعربيَّة بالأزهر، وتلقَّى القراءات العشر الصُّغرى بمضمَّن الشَّاطبيَّة والدُّرَّة على شيخه المقرئ علي بن أحمد القليبوبي(ت:1407هـ)،ثمَّ تلقَّى القراءات العشر الكبرى بمضمَّن طيِّبة النَّشر على شيخه الإمام المقرئ الجليل أحمد عبدالعزيز الزَّيَّات (ت:1424هـ)، وتخرَّجَ به وانتفع بعلومه.. قد حاز أنواع المعالي جُملة *** بوراثةٍ من كابر عن كابرِ قال عنه صديقه العلَّامة المقرئ الشَّيخ: عبد الفتاح المرصفي (ت:1409هـ) في كتابه هداية القاري ص: 628: (الشَّيخ حسنين إبراهيم محمد عفيفي جبريل، من علماء الأزهر ومدرِّسيه الآن، وهذا الأخ الفاضل كان زميلنا في طلب العلم في قسم القراءات وكليَّة الدِّراسات الإسلاميَّة والعربيَّة جامعة الأزهر، وتخرَّجنا معًا، وسبقني هو في الأخذ عن المترجَم له العلَّامة الزيَّات) اهـ. تصدَّر للإفادةِ والتَّعليم، والاستفادةِ والتَّفهيم، وأخذَ في الإقراء وشرَع، وتميَّزَ وبرَع، فعمل مُدرِّسًا للعلوم الشَّرعيَّة والعربيَّة وعلوم القراءات في المعاهد الأزهريَّة إلى صار موجِّهًا ومفتِّشًا عامَّا بها، وكانَ واسعَ الحفظِ جيِّدَ الضَّبط للقراءات وأوجهها وحُجَجِها وطُرقِها وتحريراتها، ومُحيطًا بعلوم القرآن والرَّسم والضَّبط والفواصل، ذا جلَدٍ وصبرٍ على الإقراء والتَّعليم، وعفَّةٍ وديانة، وكمالٍ وصيانة، فاشتهرَ علمه وفَاق، وسما قدره في الآفاق، وانتفع بعلومه الكثير، وأخذَ عنه الجمُّ الغفير، وكان لا يُجيز إلَّا بقراءة ختمة كاملة بالتَّحرير والإتقان، وكثيرًا ما يوصي حفَّاظ القراءات العشر الكُبرى بحفظ نظم تنقيح فتح الكريم في أوجه القرآن العظيم وشرحه مع نظم عزو الطُّرق للمتولِّي، فكان مهبًّا لنسائم العرفان والتَّحقيق، ومصبًّا لمُزن الإتقان والتَّدقيق، ولم يزل في حياةٍ عامرةٍ بتعليم القرآن وقراءاته وعلومه، إلى أن حالَ حينَ وفاتِه، ودعَته المنيَّة لمماتِه، أحسن الله قراه، وجعل الجنَّة مأواه ومثواه، وبلَّغه ما يرجوه، وضوَّاه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه، وعوَّضَ الأمَّةَ بفقد علمائها العاملين، وأحسنَ عزاء أهله ومُحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا.. فجُوزِي بالحُسنى وتُوِّجَ بالرِّضا *** وقُوبلَ بالإكرام ممَّن له دعا.
مصطلحات قلقة في الفكر العربي
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
24-02-2021
6,316
https://www.alukah.net//culture/0/145176/%d9%85%d8%b5%d8%b7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%aa-%d9%82%d9%84%d9%82%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b1%d8%a8%d9%8a/
مصطلحات قلقة في الفكر العربي تقوم الصياغة اللغوية للمصطلحات على البناء الفكري الذي تترجمه اللغة إلى مصطلح، وبحسب قوة الأمة المتحدثة للغة تكون قوة المصطلح في بنائه أو صياغته أو ترجمته ووضوحه وتعبيره عن المعنى الذي صِيغ من أجله، بما في ذلك عدم اللجوء بالضرورة إلى نقل المصطلح حرفيًّا من اللغة التي صِيغ فيها، أو نقله مع قدر من التطويع للغة التي نُقل إليها،وبقدر وضوح المفهوم المراد التعبير عنه تكون القدرة على اختيار المصطلح الذي يعبر عن المفهوم دون لبس أو تعمية أو طلسمة. ومن الواضح أن صياغة المصطلح أضحت علمًا تعارف المعنيون على تسميته بـ "علم المصطلح"، وإن لم يكن قائمًا مستقلًّا بذاته عن سواه من العلوم [1] ،وهو علمٌ يحتاج إلى جهود العلماء الضَّليعين مجتمعين في الصياغة اللغوية، سواء أكان المصطلح المصوغ مصوغًا ابتداءً أم كان منقولًا،فإذا كان المصطلح منقولًا توجب الاضطلاع باللغة المنقول منها بالإضافة إلى اللغة المنقول إليها،ولكلمة "المصطلح" دلالات كثيرة، بعضها منقول من لغات لاتينية وجرمانية، وبعضها مصوغٌ ابتداءً [2] . ومع ضرورة الاجتماع على صياغة المصطلحات لا تخلو الساحة الفكرية العربية من أفراد يصوغون أو ينحتون مصطلحات في مجال تركيزهم العلمي أو الفكري، ربما لأنهم لا يجدون المصطلح الحاضر الذي يناسب ما في أذهانهم من مفهومات، وربما لأنهم لم يتتبعوا رحلة المصطلح في التراث العربي الإسلامي تتبعًا يقنعهم بأصالة المصطلح، وربما لأنهم لم يقتنعوا بما هو موجود؛ لأسباب تتعلق بعدم اقتناعهم باللغة نفسها، أو بعدم إحاطتهم بمقدرة اللغة على الصياغة الاصطلاحية التي خاضها السابقون،وربما لأن بعضهم يريد أن يستأثر بصياغة المصطلح؛ لينسب إليه فيما بعد، ويرون أنه يقصُر دون التعبير عن المفهوم؛ ولذا لا يُستغرب إذا ما قيل: إن هذا المصطلح أو ذاك يعود إلى هذا المفكِّر أو ذاك. يقول عصام عبدالله: "ثمة صعوبات تواجه الباحث في المفاهيم الإنسانية بوجه عام، أبرزها: أن هذه المفاهيم لا يمكن أن تقارب المصطلحات العلمية من حيث الدقة والضبط، أو أن يُجمع فيها الناس على تعريف واحد أو تحديد بعينه،وبعبارة أخرى فإن هناك بونًا شاسعًا بين المعنى المعجمي والمعنى الاصطلاحي والمعنى الإجرائي للألفاظ،والصعوبة الأخرى تتجلى في التطبيق بعد التحديد؛ أي بالبحث عن "الماصدقات" في الواقع والعمل" [3] . ومن الصعوبة الخوضُ في بحث هذه المصطلحات والسعي إلى إقناع الآخرين بإعادة النظر في إطلاقاتها المشاعة، والاستعاضة عنها بالبديل المؤصل عربيًّا،بل من الصعوبات أيضًا أن يبالغ من يطرق هذا الموضوع، فيشطح في الحماس للغة العربية، بحيث يجد نفسه قد بالغ في حمايتها إلى درجة الإساءة إليها وهو يحسب أنه يحسن صنعًا،والمطلب الملحُّ هنا هو اتباع المنهج الوسط في الذود عن لغة القرآن الكريم. وليست اللفظة "المصطلح" وليدة العصر الحديث، ففي التراث الإنساني إسهامات عالجت المفهوم؛ فقد عرَفه القدماء المسلمون أول ما عرَفوه بمصطلح الحديث، وتحدث عنه الجاحظ (225 هـ)، والكندي (206 هـ)، وأحمد بن حمدان (322)، والفارابي (350 هـ)، والآمدي (467 هـ)، والشهاب العُمري (749)، وعلي بن محمد القاحص العذري (801 هـ)، والجرجاني (816 هـ)، والتهانوي (1185 هـ)، وغيرهم [4] . ويدخل فيه ما أُلف في المعاني، مثل كتابَي تهذيب الألفاظ وإصلاح المنطق لابن السكيت (186 - 244 هـ) [5] ، وكتاب الألفاظ الكتابية لعبدالرحمن بن عيسى الهمذاني (320 هـ)، وكتاب التلخيص في معرفة أسماء الأشياء لأبي هلال العسكري (308 - 395 هـ)، وكتاب فقه اللغة لأبي منصور الثعالبي (429 هـ)، وكتاب المخصَّص لابن سِيدَهْ الأندلسي، أبي الحسن علي بن إسماعيل (458 هـ) في سبع عشرة مجلدة [6] . واشتهر عند المسلمين لفظ "الاصطلاح" أو المعنى الاصطلاحي، ويُقصد به نقل اللفظ من معناه اللغوي إلى معنى آخر تتفق عليه طائفة مخصوصة من العلماء أو المفكرين [7] ؛ فالصلاة في الفقه الإسلامي مثلًا، هي في اللغة الدعاء، وهي في الاصطلاح أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم،ومثل ذلك يقال مع المصطلحات العقدية الأخرى [8] ، وبقية العلوم العربية الإسلامية الأصيلة والمنقولة؛ولذلك دأبنا في تراثنا أن ننظر للفظ من حيث التعريف إلى معناه اللغوي أولًا، ثم معناه الشرعي أو الاصطلاحي،وربما عبَّر بعض المتأخرين عن هذا الاختيار الاصطلاحي بالتعريف الإجرائي للفظ، والتعريف الإجرائي أضيق من التعريف الاصطلاحي. وليس هذا مجال هذا البحث؛ فهذه المهمة العلمية هي مما تضطلع به المجامع العلمية واللغوية العربية المنتشرة في مشرق العالم العربي ومغربه، تلك التي ينتظر منها أن تكون على قدر من المتابعة، بل ربما الملاحقة لما يستجد من مصطلحات،ويستدعي هذا السعي إلى تقوية هذه المجامع وتفعيل أثرها ومؤازرتها في قراراتها في إثراء اللغة بالمصطلحات التي تستجد بصورة مستمرة تستدعي الملاحقة، بل ومع شيء من التفاؤل الاستباقي،وقد استعرض السعيد بوطاجين عرضًا لهذه المجامع ومراكز الترجمة في مشرق العالم العربي ومغربه، بما فيها مركَزَا التعريب بالمغرب وبالرياض بالمملكة العربية السعودية [9] . وتأتي المؤازرة من القيادة السياسية كما تأتي من القيادة العلمية ومن مراكز العلم والبحث، وذلك بالإصرار على تنفيذ قرارات المجامع العلمية واللغوية العربية، واعتمادها في شتى مناحي التعاملات المحلية والدولية،وتأتي كذلك من الموسِرين العرب والمسلمين ورجال الأعمال حين يلتفتون إلى أهمية دعم هذه المجامع العلمية وإعطائها القيمة العلمية والمكانة الاجتماعية، والإسهام في الارتقاء بمكانتها في الرقي باللغة والعلم والفكر، واعتماد قراراتها في التعاملات التجارية والتعاقدات الثنائية والاتفاقات بين رجال الأعمال العرب وغيرهم من رجال الأعمال الشرقيين والغربيين،وقد قالت العرب من قبلُ: إن الله يزَعُ بالسلطان ما لا يزَعُ بالقرآن [10] . [1] انظر: يوسف وغليسي. إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي الجديد - بيروت: الدار العربية للعلوم، 1429هـ/ 2008م - ص28 - 41. [2] انظر: محمود فهمي حجازي. الأسس اللغوية لعلم المصطلح - القاهرة: دار غريب، 1993م - ص 7 - 34. [3] انظر: عصام عبدالله. التسامُح - القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2006م - ص 12 - (سلسلة مكتبة الأسرة، سلسلة الفكر). [4] انظر: ممدوح محمد خسارة. علم المصطلح وطرائق وضع المصطلحات في العربية - دمشق: دار الفكر، 1429هـ/ 2008م - ص 11 - 20 و31. [5] المقصود بالمنطق هنا المعنى اللغوي ذو العناية بالنطق، لا المعنى الاصطلاحي المعروف بعلم المنطق. [6] انظر: ممدوح محمد خسارة. علم المصطلح وطرائق وضع المصطلحات في العربية - المرجع السابق - ص 11 - 20 و31. [7] انظر: ممدوح محمد خسارة. علم المصطلح وطرائق وضع المصطلحات في العربية - المرجع السابق - ص 14. [8] انظر: محمد بن إبراهيم الحمد. مصطلحات في كتُب العقائد - الرياض: دار ابن خزيمة، 1427هـ/ 2006م - 295ص. [9] انظر: السعيد بوطاجين. الترجمة والمصطلح: دراسة في إشكالية ترجمة المصطلح النقدي الجديد - الجزائر: منشورات الاختلاف، 1430هـ/ 2009م - ص 15 - 111. [10] يُعزى هذا القول الحكمة إلى الخليفة الراشد الثالث ذي النورين عثمان بن عفان (ت 35/ 655م)، ويزَعُ بمعنى يكفُّ.
إجابة الدعاء، أوقاته - أماكنه - أحواله لعلي بن محمد العمران
محمود ثروت أبو الفضل
24-02-2021
4,073
https://www.alukah.net//culture/0/145174/%d8%a5%d8%ac%d8%a7%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d8%a7%d8%a1%d8%8c-%d8%a3%d9%88%d9%82%d8%a7%d8%aa%d9%87-%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%83%d9%86%d9%87-%d8%a3%d8%ad%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%87-%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d8%b1%d8%a7%d9%86/
إجابة الدعاء، أوقاته - أماكنه - أحواله لعلي بن محمد العمران صدر حديثًا كتاب "إجابة الدعاء، أوقاته - أماكنه - أحواله وطائفة من الأدعية المأثورة"، تأليف: د. "علي بن محمد العمران"، نشر: "دار الحضارة للنشر والتوزيع" بالرياض. وهي رسالة مختصرة جمع فيها المؤلف ما وقف عليه مما ورد في السنة النبوية الشريفة من ذكر للأماكن والأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء. ومن المعلوم أن النص على أن المكان أو الزمان الفلاني يستجاب فيه أو عنده الدعاء من الأمور التوقيفية التي لا تعلم إلا بالنص، فلا يصح اختراع أماكن وأحوال لم ترد في نصوص الشريعة، فضلًا عن أن تكون تلك المواضع والأحوال منهيًا عن الدعاء عندها، كالقبور والمشاهد والموالد، والأذكار والأوراد المرتبة المخترعة ومحدثات العبادات. وقد توخى الكاتب في اختياراته الصحيح الثابت المتواتر، مبتعدًا عن كل ما كان ضعفه ظاهرًا أو شديدًا. يقول ابن تيمية - رحمه الله -: "ففي الأحزاب النبوية، والأوراد الشرعية غُنية لأهل الملة الحنيفية... ثم الأذكار والدعوات والعبادات الشرعية فيها من اتباع السنة واجتماع القلوب وحصول الألفة ما هو من أعظم رحمة الله لعباده". والمؤلف هو د. "علي بن محمد بن حسين العِمران" (بكسر العين). • ولد في اليمن عام 1390 في السودة، إحدى ضواحي مدينة عَمران (بفتح العين). ثم انتقل إلى المملكة وهو دون الخامسة، واستقر بمدينة الطائف، وأكمل بها المراحل التعليمية الثلاث. ثم التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بكلية الحديث والدراسات الإسلامية، وتخرج فيها عام 1412 بتقدير ممتاز. • حصل على درجة الماجستير في الحديث وعلومه ورسالته بعنوان «أبو جعفر النحاس وأثره في الحديث وعلومه». • حصل على رسالة الدكتوراه في جامعة أم درمان بالسودان. • وهو الآن المدير العلمي لمشاريع تحقيق كتب العلماء: «ابن تيمية، وابن القيم، والمعلمي» التي كان يشرف عليها العلامة بكر أبو زيد رحمه الله. الإنتاج العلمي: أولا: المؤلفات: 1) تعقُّبات الحافظ ابن حجر على الإمام الذهبي في ميزان الاعتدال، جمع وتعليق. 2) القواعد والفوائد الحديثية من منهاج السنة النبوية، جمع وتعليق. 3) المشوق إلى القراءة وطلب العلم. 4) العلماء الذين لم يتجاوزوا سنَّ الأشُدّ. 5) تذكرة الطالبين بمن تصدَّر للإفتاء والقضاء والتدريس قبل العشرين. 6) جزء في أحاديث التكلُّف، دراسة حديثية فقهية. 7) مصادر السيرة النبوية حتى القرن الخامس. 8) الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية- خلال سبعة قرون - جمع وتعليق وفهرسة فنية - بالاشتراك مع الشيخ محمد عزير شمس، قدم له الشيخ العلامة/ بكر بن عبدالله أبو زيد. 9) تكملة الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية. 10) الجامع لسيرة الإمام ابن قيم الجوزية. 11) الإمام أبو جعفر ابن النحاس وأثره في الحديث وعلومه، رسالة ماجستير. 12) ترجمة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد -رحمه الله-. 13) صفحات مشرقة من أخلاق العلماء.. 14) بحوث ومقالات. ثانيًا: التحقيقات: 15) منجد المقرئين ومرشد الطالبين، لابن الجزري (ت 833). 16) أسامي شيوخ البخاري، للصاغاني، إخراج مخطوطته بخط مؤلفه كما هو وقدم له ووضع فهارسه. 17) عمدة القاري والسامع في ختم الصحيح الجامع، للسخاوي (ت 902). 18) غنية المحتاج ختم صحيح مسلم بن الحجاج، للسخاوي (ت 902). 19) تجريد التوحيد المفيد، للمقريزي (ت 845). 20) منسك شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728). 21) تقييد المهمل وتمييز المشكل، لأبي علي الجيَّاني (ت 498)، دراسة وتحقيق، طُبع في ثلاثة مجلدات - بالاشتراك مع الشيخ محمد عزير شمس. 22) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم، لابن الوزير اليماني (ت 840)، دراسة وتحقيق في مجلدين - قدم له الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد، وأثنى على عمله يراجع في مقدمته. (طُبع في مجلدين). 23) النفحة القدسية والتحفة الأنسية، للحفظي (ت 1232). 24) مختصر الصارم المسلول، للبعلي (ت 778). 25) شفاء العليل اختصار بطلان التحليل، للبعلي. 26) المنهج القويم اختصار اقتضاء الصراط المستقيم، للبعلي. 27) ذيل التبيان لبديعة البيان، للحافظ ابن حجر (ت 852). 28) بدائع الفوائد، لابن القيم، في خمسة مجلدات. 29) صوارم اليقين لقطع شكوك القاضي أحمد بن سعد الدين، ليحيى بن الحسين بن القاسم 30) ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية، لابن عبدالهادي (ت 744)، (طُبع) باسم «العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية». ويليه في نفس المجلد: 31) الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية، للبزار. 32) تنبيه الرجل العاقل على تمويه الجدل الباطل، لابن تيمية، تحقيق بالاشتراك مع الشيخ عزير شمس، (طُبع) الطبعة الأولى في مجلدين، والطبعة الثانية مع مزيد من التنقيح والتصحيح في مجلد واحد. 33) شرح مراقي السعود (نثر الورود)، للشنقيطي، (في مجلدين). 34) السياسة الشرعية، لشيخ الإسلام ابن تيمية. 35) الرد على أبي الحسن الشاذلي في حزبه، لشيخ الإسلام ابن تيمية، (طُبع) طبعة أولى ناقصة، ثم طبعة ثانية تامة بعد العثور على النقص في المخطوط. 36) المجموعة السابعة من «جامع المسائل»، لشيخ الإسلام ابن تيمية. 37) رفع اليدين في الصلاة، لابن القيم. 38) تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته، لابن القيم، تحقيق بالاشتراك مع الشيخ نبيل السندي. 39) شرح العمدة، لابن تيمية، تحقيق بالاشتراك مع المشايخ: محمد أجمل الإصلاحي، ومحمد عزير شمس، وزاهر بالفقيه، ونبيل السندي. وضمن مشروع «آثار الشيخ المعلمي» (المطبوع): 40) تراجم مختارة، للشيخ المعلمي، مجلد. 41) الوحدان من الرواة، للشيخ المعلمي، مجلد. 42) المقدمات، للشيخ المعلمي، مجلد. 43) الرسائل المتبادلة، للشيخ المعلمي. 44) يسر العقيدة الإسلامية، للمعلمي. 45) منتخب طبقات المدلسين، للمعلمي. 46) علم الرجال، للمعلمي. 47) عمارة القبور- المبيضة، للمعلمي. 48) عمارة القبور - المسودة، للمعلمي. 49) الأنوار الكاشفة، للمعلمي. مجلد. 50) الاستبصار في نقد الأخبار، للمعلمي. 51) العبادة، للمعلمي. 52) رد المعلمي على بعض شراح الترمذي.
جني الثمر في نظم شرح نخبة الفكر لعادل محمد مختار المغربي
محمود ثروت أبو الفضل
23-02-2021
3,292
https://www.alukah.net//culture/0/145162/%d8%ac%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ab%d9%85%d8%b1-%d9%81%d9%8a-%d9%86%d8%b8%d9%85-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d9%86%d8%ae%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%83%d8%b1-%d9%84%d8%b9%d8%a7%d8%af%d9%84-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d9%85%d8%ae%d8%aa%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d8%b1%d8%a8%d9%8a/
جني الثمر في نظم شرح نخبة الفكر لعادل محمد مختار المغربي صدر حديثًا منظومة " جني الثمر في نظم شرح نخبة الفكر" ، لناظمها الشيخ " عادل محمد مختار المغربي الليبي "، من منشورات " مركز الدراسات السنوسية في مجمع ليبيا للدراسات المتقدمة ". وهي منظومة اشتملت على 525 بيتًا، وضعها الناظم في شرح كتاب الإمام ابن حجر المعروف بـ" نزهة النظر في شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر "، وهو كتاب في مصطلح الحديث ألفه الإمام شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر العسقلاني، وهو بدوره شرح لكتابهِ " نخبة الفكر في مصطلح أهل الأث ر"، الذي هو مختصر في علم الحديث النبوي على طريقة ابتكرها ابن حجر. ذكر ابن حجر في مقدمة كتاب " نخبة الفكر "، أنه سأله بعض الاخوان أن يلخص له المهم من مقدمة ابن الصلاح، قال: "فلخصته في أوراق لطيفة، سميتها: ( نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر ) على ترتيب ابتكرته أو سبيل انتهجته مع ما ضممته إليه من شوارد الفرائد وزوائد، فرغب إليّ ثانيًا أن أضع عليها شرحًا يحل رموزها، ويفتح كنوزها، ويوضح ما خفي على المبتدئ من ذلك فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك، فبالغت في شرحها في الإيضاح والتوجيه، ونبهت على خبايا زواياها، لأن صاحب البيت أدرى بما فيه، وظهر لي أن إيراده على صورة البسط أليق، ودمجها ضمن توضيحها أوفق، فسلكت هذه الطريقة القليلة السالك". وهذا النظم الجديد "جني الثمر في نظم شرح نخبة الفكر " ينظم الشرح كاملًا، نظمًا سهلًا، ليرغب في حفظه والاعتناء به طلبة علم الحديث، وقد جاء هذا النظم وسطًا بين التطويل الممل، والاختصار المخل، وامتاز بعبارته الميسرة. والناظم هو الشيخ " عادل بن محمد بن مختار المغربي " من مواليد بنغازي 1971 م، أخذ العلم عن شيوخه: العلامة الشيخ محمود بن محمد القزيري الأزهري، والعلامة القاضي علي بن محمد بن عبد اللطيف بن قنونو، كما أجيز عن كثير من العلماء في الشرق والغرب، تحصل على دبلوم الدراسات العليا في اللغة العربية من جامعة الزاوية الغربية بليبيا، ودبلوم الدراسات العليا من جامعة عمر المختار، اشتغل بتدريس العلوم والكتب وشرحها لطلابه، وأدار إحدى المكتبات التابعة للأوقاف ببنغازي. له مجموعة من الكتب والمنظومات منها منظومة في السيرة النبوية بعنوان: " مطالع السعود ومنابع الجود في سيرة النبي المحمود صلى الله عليه وسلم" ، و" رسالة في حُكم المسح على الجورب ".
قصة موسى عليه السلام (4) مرحلة التخويف بالمعجزات
د. محمد منير الجنباز
22-02-2021
8,791
https://www.alukah.net//culture/0/145136/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-4-%d9%85%d8%b1%d8%ad%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ae%d9%88%d9%8a%d9%81-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%ac%d8%b2%d8%a7%d8%aa/
قصة موسى عليه السلام (4) مرحلة التخويف بالمعجزات بعد المباراة المشهودة التي باء فيها فرعون بالفشل الذريع والخزي والخسران، فقتل السحرة وصلبهم على جذوع النخل؛ ليكونوا عبرة لمن يتفوه بالإيمان بما جاء به موسى عليه السلام، وقد حرضه خاصته ليقوم بعمل عنيف ضد موسى وأتباعه، ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]، فعاد فرعونُ لأسلوبه القديم؛ بقتل الأطفال، وترك البنات، والتنكيل ببني إسرائيل، ولما رأى موسى عودة هذه الجرائم لم يكن في وسعه إلا طلب المزيد من الصبر من قومه، ﴿ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. مع تقرير واقع معيش بأنه لا يدوم شيء في هذه الدنيا؛ فهي متقلبة، وهي ملك لله، يهَبها لمن يشاء من عباده، واعلموا أن العاقبة دومًا للمتقين، مع العلم أن عمر الأمم لا يقاس بعمر الأفراد، والتغيير قد يستغرق أجيالًا، وقد يحدث في بضع سنين، لكن صبر بني إسرائيل قصير متعجل، يحبون النصر العاجل، وهم على غير استعداد لأن يروا أبناءهم يقتلون؛ لذلك شكَوْا مِن هذا الإيذاء: ﴿ قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 129]؛ فالحالة واضحة كالشمس، إيذاء من قبل أن يأتي موسى برسالته، وها هم اليوم ينكل بهم في ظل وجود موسى ودعوته. فماذا استفادوا؟ بمعنى أنهم لو خنعوا لفرعون لسلِموا، أو لقل تعذيبهم وإيذاؤهم، هذا ما قصدوه، وهو قصور في النظر، ووهن في القوة، وخوَر وضعف أمام الشر، فلو أن كل شعب مال لهذا القول من الخنوع، لساد الظلم، ولما تحررت الشعوب من الاستعباد، ولكن لكل شيء ثمن؛ فثمن الحرية الدماء، والقتل في هذا السبيل شَهادة، وكان رد موسى عليهم ليزيل خوفهم؛ بالوعد بإهلاك عدوهم، والنصر على الظلم والكفر، والاستخلاف في الأرض طبقًا لسنن الله في هذا الكون؛ ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ﴾ [النور: 55]، وهنا نشط موسى بالدعاء، ومناجاة الخالق العظيم؛ ليحد من قوة فرعون وجبروته، ويسلبه ما عنده من قوة مادية ومعنوية، ﴿ وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88]. وبدأت بعد هذا محنة فرعون وقومه في أخذهم بالشدة والآيات المنهكة لقاءَ عنادهم واستكبارهم في الأرض، ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130]، فكان مما عوقبوا به الأخذُ بالسنين؛ أي: بالقحط والجفاف والجدب، وهي كالسنين السبع العجاف التي مرت في عهد يوسف، ولكن شتان بين هذه وتلك؛ فسِنِي يوسف كانوا قد استعدوا لها وخزنوا طعامهم لتجاوزها بسلام، ولكن هذه السنين كانت مفاجئة لفرعون وقومه، وموجَّهةً لإذلالهم، ويتبع الجدب بالطبع نقص الثمرات، قد تثمر الشجرة، ولكن انعدام الماء يضعف الثمر، ويجعله يتساقط قبل اكتمال النضج، وعليه فالسنين العجاف مرهقة للناس، يتبعها نقص في الأرزاق والأموال، مع غلاء في الأسعار، ويتعرَّض الناس للأمراض نتيجة قلة الماء، وتكثر الحشرات والآفات، وتضعف الحيوانات، فلا تجد ما تأكله، فيصيبها الهزال، وبالجملة فإن العقاب بالسنين أمر مجهد، خصوصًا إذا استمر الجفاف عددًا من السنين؛ ﴿ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 130]. فهذا العقاب المجهِد المقلق للناس، وهو بالطبع غير العقاب المستأصل، يكون عادة إنذارًا للردع والزجر، والعودة إلى الحق؛ فهو للتذكر والإقلاع عن الخطأ، ولكن هل تذكَّر آل فرعون أن هذا الجدب إنذار لهم ليرعَوُوا ويتركوا ما هم عليه من الضلال؟ أبدًا، لقد رفعوا عقيرتهم بالعناد، وأظهروا الصدود والتحدي لموسى، ﴿ وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأعراف: 132]، ما زالوا يتهمون موسى بالسحر، وأنهم لن يؤمنوا بما جاء به موسى مهما فعل وقدم من الآيات والمعجزات، ولكن هل يثبتون على هذا التحدي؟ إن الله القوي المتعال الذي أرسل موسى وأيده بكل أسباب التفوق على فرعون ليقضيَ على ظاهرة الظلم والإفساد في الأرض لن يدع هذه الطغمة تتحكم بمصير العباد وتفعل ما يحلو لها وفق هواها المدمر للنظام الذي أراد الله أن يسود. فلما أظهروا العناد وانقطع الأمل منهم توالت عليهم المصائب؛ ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133] لم تكن دفعة واحدة، وإنما أتت تباعًا، كلما تخلصوا من آفة دهتهم داهية أخرى، بعد الجفاف أتاهم الطوفان، فحاجتهم إلى الماء كانت ماسة ولكن ليس إلى حد الفيضانات المدمرة، فهي على هذه الحالة أكثر ضررًا وإيذاءً من الجفاف، وكلٌّ سيئٌ، والطوفان يأخذ الناس والأرزاق ويجرف التربة ويخرب المنازل على رؤوس أهلها، وما إن انتهى الطوفان وكادوا يهلكون جميعهم أتوا إلى موسى وطلبوا منه أن يدعو ربه لكشف هذا البلاء، ففعل ولكن القوم لم يقلعوا عن ظلمهم وعنادهم وكفرهم، وكان بعد الطوفان الجراد الذي أتلف محصولاتهم الزراعية، وفيه من الضرر ما يفوق الاحتمال، تعب وكد وفلاحة وزراعة ونماء للمحصول ثم قبل الحصاد تأتيه أرتال الجراد فتجعله أثرًا بعد عين، وفي كل بلاء ينزل يُهرَعون لموسى بدعاء ربه لكشف الضر عنهم فيفعل، وينكشف عنهم الضر ويلمسونه ويرونه رأي العين، ثم يعودون لما كانوا عليه من التكذيب، وهكذا حتى امتُحنوا بتسع آيات بينات متواليات، وهي: "العصا واليد والسنين - أي الجدب - ونقص الثمرات والطوفان والجراد والقُمَّل والضفادع والدم"، وأُعطوا فرصًا كثيرة للإيمان وترك ما هم عليه، ولهذه الآيات القاهرة لهم تفصيل عند المفسرين، وقد بينا بعضها، ولا تسل عن القُمَّل إذا فشا في المجتمع فإنه يضعف الجسم والذاكرة ويقلق الشخص المصاب به، ويسبب له حكة في الجسم والرأس، والضفادع لا تسل عن إزعاجها ونقيقها الذي يذهب النوم ويسبب الصداع، فضلًا عن أذاها في تلويث المياه إذا كثرت، ويسبب هذا الماء إذا ما شرب داء الاستسقاء، والدم المخالط لكل شيء دون أن يدروا ما مصدره، إنه مخيف يلوث ثيابهم وأطعمتهم وأشربتهم وفرشهم، أيحتمل هذا؟ لقد كان البلاء كبيرًا، ولكن الاستجابة لنداء الحق كانت وعودًا كاذبة خالطها الاستهزاء والسخرية، لكن الران قد غلف قلوبهم وأصبح حاجزًا يصد النور فلا يهتدون ولا يجدون إلى الإيمان سبيلًا. وقد لعب بهم الشيطان فأبعدهم عن الإيمان بُعْدَ ما بين المشرق والمغرب فضلوا ضلالًا بعيدًا، وقد وصفهم الله تعالى بأصدق وصف، ﴿ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ﴾ [الأعراف: 133]، ثم أخذوا يعزفون على نغمة إطلاق سراح بني إسرائيل إن رفع عنهم العذاب، ﴿ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَامُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الأعراف: 134]، والرِّجز بمعنى العذاب، وهو يشمل هنا كل معجزة تصيبهم؛ أي إن أصابهم الجدب طلبوا كشف هذا الرجز عنهم، وإن أصابهم الدم طلبوا كشف هذا الرجز عنهم، وهكذا، وفي الآية تصريح منهم بأن الحق قد ظهر لهم وتبينوه، فقولهم هذا ينطوي على اعتراف بنبوة موسى وأن إلهه قادر على كل شيء، وأن موسى حبيب الله قد استودعه علمًا ومعرفة، كما اعترفوا باضطهاد بني إسرائيل، ومع هذه المعرفة التي صرحوا بها وأظهرت أنهم على علم ودراية بأمر موسى ورسالته وقُربه من ربه أبوا أن يؤمنوا، ولعل مرد ذلك إلى الصلف والاستكبار، ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 14]، ألم يكن النبي موسى من بني إسرائيل الشعب المضطهد عندهم والأجير المسخر لخدمتهم؟ فهو التابع وهم المتبوعون، ولا يصح في عُرفهم أن يصبح المتبوع تابعًا حتى أبد الآبدين، ولكن الله الذي خلق البشر كلهم من نفس واحدة له مشيئة في الاستخلاف لا تتناسب مع عقلية فرعون وأتباعه، ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ﴾ [القصص: 5]، وأن قانونه في الأرض: أن الذي يعطى القوة ولا يؤتمن على استعمالها في الإصلاح وإعمار الأرض بالسلم والتوحيد والمحبة وعدم سفك الدماء، والذي يستعمل قوته الغاشمة في التدمير والإيذاء فإن الله تعالى لا بد مستبدله، عاجلًا أو آجلًا، والذي يعطى القوة ويفسد في الأرض يكون قد دق إسفينًا في نعشه وعجَّل بانتهاء أمره وشرذمته وتقزيمه، والتاريخ شاهد على مضاء هذه السنة الإلهية؛ لذلك فإن مقولة: "العدل أساس الملك" لها دلالتها في قانون الله في الأرض، ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ [الأنعام: 89]، ولكن فرعون ظن نفسه وقومَه مخلدين في الأرض، ونسِي مَن سبقهم من الأمم والملوك الذين غبروا، ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الأعراف: 135]، لقد أعطَوا عهودهم لموسى بالإيمان وإرسال بني إسرائيل معه وهم على نية نقض العهود، وقد ظنوا أن بإمكانهم خداع موسى، ونسُوا أن الله يعلم سرهم وجهرهم، وأنه لا يخفى عليه أمرهم وما بيَّتوه؛ لذلك لم يكن كشف الرجز عنهم تامًّا، وإنما لأجلٍ وقَّته رب العالين ليسجل عليهم إضاعة فرصة أخرى منحت لهم للأوبة، وليضم نكثهم للعهود إلى سجلِّ أعمالهم المهين ليأخذهم أخذ عزيز مقتدر بما أعده لهم من الغرق مع فرعون. وقد ذكرت الآيات التسع في سورة الإسراء: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ﴾ [الإسراء: 101، 102]، فقد كانت - كما ذكرنا - آيات بينات، فيها إيذاء فرعون وقومه، وكانت هذه الآيات ترهق قوم فرعون ولا تزول عنهم إلا بجنوح فرعون وقومه إلى الحق ووعدهم موسى بذلك، فكان موسى يدعو ربه لكشف الرجز عنهم، لكنهم سرعان ما ينقضون عهدهم فتأتيهم مصيبة أخرى، وهكذا إلى أن استنفدوا فرص العفو كلها، فقد كانوا يدندنون وفق نغمة واحدة: بأن ما أتى به موسى هو سحر بيِّن ظاهر، ﴿ فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [النمل: 13، 14]، ولقد كان الخوفُ مِن فرعون شديدًا حتى بالنسبة لبني إسرائيل، وكان الواجب عليهم ألا يعبَؤوا بفرعون وتهديده، وأن يعلنوا إيمانهم بموسى، ويكون مثلهم السحرة المؤمنون، لكن الخوف سيطر على كثير منهم، وربما تريثوا ليروا نتيجة الصراع بين موسى وفرعون، ﴿ فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [يونس: 83]، فكان سبب تأخُّرهم في اتباع موسى الخوف من أن يفتنهم فرعون بتسليط العذاب عليهم، وقد آثروا السلامة من بطش فرعون وأعوانه، ولكن موسى أراد منهم المفاصلة والوقوف معه بوضوح، ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]، فكان جواب المخلِصين من قومه الذين آمنوا إعلان المفاصلة والوقوف مع موسى بلا خوف من فرعون، ﴿ فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [يونس: 85]، والفتنة التي عنَوْها هنا هي تعرضهم للتعذيب من قبل فرعون، والضعف أمام تحمل التعذيب، وبالتالي الارتداد، وهذا ما كانوا يخشونه، فإذا ما ارتدوا كانوا نموذجًا للضعف وعدم رسوخ الإيمان، ومثلًا يتخذون للتراجع عن المبدأ؛ لذلك طلبوا من ربهم التثبيت وعدم امتحانهم بالشدة التي توقعهم في الارتداد، ومن هذا نعلم أن فرعون وأتباعه قد نشطوا ضد المؤمنين ولم ينفع فيهم النصح ولا الآيات، فما جزاؤهم الذي أعده الله لهم بعد هذا الجبروت؟
إضاءات دعوية من قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه
د. سامي بشير حافظ
20-02-2021
17,913
https://www.alukah.net//culture/0/145077/%d8%a5%d8%b6%d8%a7%d8%a1%d8%a7%d8%aa-%d8%af%d8%b9%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%85%d9%86-%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d8%a5%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d9%87%d9%8a%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-%d9%85%d8%b9-%d8%a3%d8%a8%d9%8a%d9%87/
إضاءات دعوية من قصة إبراهيم عليه السلام مع أبيه قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ﴿ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 42]. إبراهيم عليه السلام دعا أباه آزر إلى الإيمان بالله عز وجل، فاستخدم مع أبيه وسيلة من وسائل الدعوة وهي الإقناع العقلي؛ حيث أنكر عليه عبادة ما لا يسمع ولا يبصر، ولا يملك ولا يغني شيئًا من دفع ضر أو جلب نفع؛ كالأصنام من الحجارة. من الإضاءات الدعوية: 1- على الداعية الرفق واللين في الخطاب مع المدعو، واختيار العبارات اللطيفة التي لا تؤذي الآخرين، وتدخل إلى قلوبهم، فتؤثر فيهم، فإبراهيم عليه السلام مع أنَّ أباه كافر مشرك ناداه بقوله: (يا أبتِ) بعبارة جميلة لطيفة، قال ابن عاشور رحمه الله: " وافتتح إبراهيم خطابه أباه بندائه مع أنَّ الحضرة مغنية عن النِّداء قصدًا لإحضار سمعه وذهنه لتلقي ما سيُلقيه إليه،.. ثم قال: قال الجد الوزير: علِم إبراهيم أنَّ في طبع أهل الجهالة تحقيرهم للصغير كيفما بلغ حاله في الحذق وبخاصة الآباء مع أبنائهم، فتوجه إلى أبيه بخطابه بوصف الأبوة إيماءً إلى أنه مخلص له النصيحة" [1] ، وإذا كان هذا الخطاب مع الأب الكافر، فلا شك أن الأب المسلم العاصي أولى منه بذلك. 2- من وسائل الدعوة الإقناع العقلي؛ حيث إنَّ مثل هذه الوسيلة تجعل المدعو يرجع إلى نفسه ويُعمل عقله وفكره، ويُفكِّر تفكيرًا صحيحًا يقتنع من خلاله بصحة ما دُعي إليه. 3- وسيلة الإقناع العقلي استخدمها إبراهيم عليه السلام في عدة مواقف مع قومه، فاستخدمها مع أبيه كما في هذه الآيات، ومع قومه عند تكسيره للأصنام عندما قال لهم: ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ﴾ [الأنبياء: 63]، كذلك عندما قال لهم: ﴿ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ [الشعراء: 77 - 81]، وفي قصته مع من يعبدون الكواكب، فقال تعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ ﴾ [الأنعام: 78]، ومع النمرود في قصته في قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ ﴾ [البقرة: 258]. ♦ الداعية قد يُثير بعض الشكوك ويطرحها أمام المدعو المعارض؛ حتى يبث الشك فيما يدعو إليه، فيجعله في حيرة من أمره، وتفكر دائم، وتصادم مع عقله السليم، وقد تكون مثل هذه الوسيلة طريقًا لرجوعه وتوبته واتباعه للحق؛ ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا ﴾ [مريم: 43]. يُخبر الله عز وجل أنَّ إبراهيم عليه السلام وهو يُحاور أباه، أخبره بأنه قد جاءه شيء من العلم لم يصله ولم يعلم به، فلذلك يدعوه لاتباعه، وأن يسلك الطريق المستقيم الصحيح. من الإضاءات الدعوية: 1- إبراهيم عليه السلام تأدَّب مع أبيه وتواضع له، فلم يدَّعِ أنَّ عنده كل العلم، بل قال له: (قد جاءني من العلم ما لم يأتك)؛ أي: عندك علم وعندي شيء من العلم لم يصلك، مع أنه عليه السلام أبو الأنبياء وأعلم الناس بربه؛ قال السعدي رحمه الله: "وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل: "يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل"، أو "ليس عندك من العلم شيء"، وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علمًا، وأنَّ الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك" [2] ، وقال الزمخشري رحمه الله: " فلم يسمِّ أباه بالجهل المفرط، ولا نفسه بالعلم الفائق " [3] . 2- يجب على الداعية ألا يدَّعي أنه يعلم كل شيء ولو كان عالِمًا حقيقة، بل عليه أن يتواضع ويبيِّن أنَّ عنده شيئًا من العلم مما آتاه الله إياه، فالتواضع يرفع العبد، ويكتب له قبول الآخرين له. 3- يجب أن يُعلم أنَّ الأب مهما بلغ علم ولده ومكانته، فإنه يراه صغيرًا جاهلًا أمام عينيه، فلذا قد تأخذه العزة بالإثم، فلا يستجيب له، فوجب على الولد أن يتلطف معه بقدر الإمكان، وأن يعامله معاملة حسنة مختلفة عن الآخرين، وأن يكرِّر دعوته له، وأن يتواضع له ويلين جانبه، فحق الوالدين عظيم ولو كانوا مشركين. 4- فُسوق الوالد أو كفره ليس مبررًا للغلظة والشدة معه في القول والفعل، بل أمر الله الولد أن يصاحبهما بالمعروف ولو بلغوا في الكفر غايته بالدعوة إليه، بل بمجاهدة الولد على ذلك، فقال تعالى: ﴿ وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [لقمان: 15]. ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ﴾ [مريم: 45]. عند دعوة إبراهيم لأبيه أخبره بخوفه عليه أن يمسَّه عذاب من الرحمن، ثم يكون بعد ذلك للشيطان وليًّا ونصيرًا؛ قال السعدي رحمه الله: "فتدرَّج الخليل عليه السلام بدعوة أبيه، بالأسهل فالأسهل، فأخبره بعلمه، وأنَّ ذلك موجب لاتباعك إياي، وأنك إن أطعتني، اهتديت إلى صراط مستقيم، ثم نهاه عن عبادة الشيطان، وأخبره بما فيها من المضار، ثم حذَّره عقاب الله ونقمته إن أقام على حاله، وأنه يكون وليًّا للشيطان" [4] . من الإضاءات الدعوية: 1- الداعية دعوته للآخرين هي من باب الشفقة والرحمة بهم (إني أخاف)، فهو لا يرجو من دعوته إلا حب الخير للآخرين، وإنقاذَهم من دركات الشقاء ووحلِ المعاصي والآثام، إلى درجات الجنان والطاعات والخيرات. 2- إبراهيم عليه السلام تلطف مع والده، فحذَّره بلطف ولين، فقال له: ﴿ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 45]، ولم يقل له: يدخلك النار، فعبَّر بقوله: (يمسَّك)، ثم ختمها بقوله: (عذاب من الرحمن) مع أنَّ صفة الرحمن لا تناسب العذاب، ولكن ذكرها هنا من باب تذكير والده بأنَّ الله رحمن رحيم يرحم عباده إذا رجعوا وتابوا وأنابوا إليه، وقد ذكر هذه الصفة قبل ذلك، فقال: ﴿ يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا ﴾ [مريم: 44]. 3- بعض الدعاة قد يكون مجتهدًا في دعوة الآخرين الأبعدين، ومقصرًا في دعوة الأقربين، ومنهم الوالدان، وهما أحق بالدعوة والتوجيه والإرشاد والنصح، فحقهما عظيم، ودعوتهما أعظم وأوجب، فهما من كانا السبب في خروج هذا الداعية إلى الدنيا بعد الله وتربيته. 4- على الداعية أن يكون رفيقًا مع والديه، مجتنبًا كل قول وفعل يظهر عليه علامات العقوق من رفع صوت، أو حدة بصر، أو رد بجفاء وغلظة، أو عدم استجابة لمطالبهما ما لم تكن إثمًا، فالداعية أولى الناس بذلك كله مع والديه. 5- أهمية تذكير المدعوين بصفات الله عز وجل، فالظالم والمعتدي والمستكبر يخوَّف ويُذكَّر باسم الله الجبار والمتكبر والكبير، وأما غيره ممن وقع في بعض الذنوب، فيُذكَّر باسم الله الرحيم الرحمن الكريم التواب، وهكذا؛ ﴿ قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا * قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ [مريم: 46، 47]. عندما حاول إبراهيم عليه السلام دعوة أبيه للإيمان بالله، كرر ذلك معه بأساليب مختلفة، فكان رد أبيه عليه قويًّا شديدًا، فهدَّده بالرجم بالحجارة إن لم يؤمن بآلهته وينته عما يدعو إليه، وأمره بالبعد عنه وهجره وعدم مقابلته، فكان رد إبراهيم عليه لطيفًا لينًا؛ قال له: (سلام عليك)؛ أي: لن تسمع مني ما يؤذيك، وأنت في سلام مني ومن قولي وفعلي، ثم وعده بأن يستغفر له ربه لعله يغفر له؛ لأن ربه كان به محتفيًا معتنيًا به. من الإضاءات الدعوية: 1- من صفات الداعية الصبر على التهديدات والأذى، وتحمُّل المشاق التي تناله من قبل المدعوين، وخاصة إذا كان المدعو أحد الوالدين، فالصبر في حقهما آكد وأوجب من غيرهما، فطريق الدعوة محفوف بالمخاطر، والصبر على ذلك واجب محتم. 2- قد يرفق الداعية بالمدعو، ويخاطبه بأجمل الخطابات والعبارات، ومع ذلك قد لا يجد منه استجابة وردًا حسنًا، بل يجد عنادًا واستكبارًا وردًّا غليظًا شديدًا. 3- من صفات الداعية عدم مقابلة السيئة بالسيئة، بل يرد بالحسنى، فما أجمل أن يكون الرد على السوء والتهديد برد لطيف جميل، فالداعية مهما تعرض لمثل ذلك، فهو يحتسب الأجر عند ربه، فلا يرد السوء بالسوء، ولا القول القبيح بالقبيح، بل يصبر على ذلك ويرد القبيح بالحسن، فقد قال إبراهيم عليه السلام - ردًّا على قول أبيه -: (سلام عليك)، ليس هذا فقط، بل دعا له فقال: (سأستغفر لك ربي)، فيصبر الداعية ويُحسن لمن آذاه بالدعاء له بالتوبة والمغفرة ولو سمع منه ما سمع؛ لأنه فعل ذلك من أجل ربه والدعوة إليه. 4- الداعية يتذكر عند دعوته نعم الله عليه التي لا تُعد ولا تُحصى، ومنها نعمة الهداية والاستقامة والتوفيق للخير، وجعلِه داعيًا إلى ربه، فإبراهيم عليه السلام قال: (إنه كان بي حفيًّا)؛ أي: الله عز وجل؛ ﴿ وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا ﴾ [مريم: 48]. عندما علم إبراهيم عليه السلام برفض والده وقومه له ولدعوته، قام فاعتزلهم وتركهم وما هم عليه من عبادة الأصنام والأوثان، وبيَّن لهم أنه سيدعو ربه متوجهًا إليه عسى أن يسعده ربه بقبول دعائه وعمله. من الإضاءات الدعوية: 1- الداعية قد يعتزل مجتمعه أو قومه في بعض الحالات، ومن ذلك عندما يستنفد جميع الوسائل الدعوية الممكنة، وقد يخشى على نفسه من الإيذاء الشديد الذي لا يُحتمل، أو يخشى التأثر بهم عند مخالطتهم، فالفرار بالدِّين والاعتزال قد يكون هو الحل، خاصة في زمن الفتن التي يخشى منها، وقد ورد في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم، يتبع بها شَعَف الجبال أو سَعف الجبال [5] في مواقع القطر يفرُّ بدينه من الفتن) [6] ، وذلك في زمن شدة الفتن. 2- مع الاعتزال والبعد عمن طرَدوه وآذوه، لا يزال قلب الداعية معلقًا بربه بدعائه والتوجه إليه بأن يثبته أولًا، ويطلب من الله الهداية لمن اعتزلهم من قومه وعشيرته. 3- على الداعية إذا اعتزل قومه أن ينشغل بطاعة ربه وعبادته، وأن يتوجه إليه ويدعوه ويلتجئ إليه، ويوكل أمره إليه؛ قال السعدي رحمه الله: "وهذه وظيفة من أَيس ممن دعاهم، فاتبعوا أهواءهم، فلم تنجع فيهم المواعظ، فأصروا في طغيانهم يعمهون، أن يشتغل بإصلاح نفسه، ويرجو القبول من ربه، ويعتزل الشر وأهله" [7] . [1] التحرير والتنوير لابن عاشور: 16 /113. [2] تيسير كلام الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي: 494. [3] محاسن التأويل للقاسمي: 7 /100. [4] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي: 495. [5] المراد رؤوس الجبال. [6] أخرجه البخاري برقم: (3600). [7] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي: 495.
استثمار المواهب في بناء الدولة: علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجا
عبدالستار المرسومي
18-02-2021
4,083
https://www.alukah.net//culture/0/145053/%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%ab%d9%85%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d9%87%d8%a8-%d9%81%d9%8a-%d8%a8%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%a3%d8%a8%d9%8a-%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%b1%d8%b6%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b9%d9%86%d9%87-%d8%a3%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac%d8%a7/
استثمار المواهب في بناء الدولة علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنموذجًا هو (علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي أبو الحسن، أول الناس إسلامًا في قول كثير من أهل العلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح، تربى في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك فقال له بسبب تأخيره له بالمدينة ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى) [1] . لقد لفت نظرَ النبي صلى الله عليه وسلم وقبل مبعثه الذكاءُ الوقاد والشجاعة الإقدام اللافت لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو مازال صغير السن، لذلك قرر أن يضمه لعائلته، فإن ( قريشًا أصابتهم أزمة شديدة وكان أبو طالب في عيال كثير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمه العباس و كان من أيسر بني هاشم: • ( يا أبا الفضل إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله آخذُ من بنيه رجلًا، وتأخذ أنت رجلًا فنكفلهما عنه، فقال العباس: نعم، فانطلقا حتى أتيا أبا طالب: • إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه فقال لهما أبو طالب: • إذا تركتما لي عقيلًا فاصنعا ما شئتما. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليًّا فضمَّهُ إليه ، وأخذ العباس جعفرًا فضمه إليه، فلم يزل عليٌّ مع رسول الله رضي الله عنه حتى بعثه الله نبيًا فاتبعه وصدقه ) [2] . ولم يكتفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك بل زوجه ابنته فاطمة رضي الله عنها لتكون الوشائج العائلية سببًا إضافيًا لديمومة بقاء التواصل عن قرب مع هذه الموهبة الفريدة. لقد كانت مواهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه متعددة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركز على موهبتين منها وهي المهارات الحربية القتالية والذكاء المتميز في الفقه والقضاء، فأوكل له فيما بعد المهام وفقًا لهذه المواهب. ولقد كان نبوغ علي بن أبي طالب رضي الله عنه وظهور موهبته ومهاراته في ثلاثة محاور: المحور الأول : تمثل في إبداعه في مجال الأدب وتسخير ما يمتلك من حكمة وبيان في اللغة لشعره ونثره. والمحور الثاني : يتجلى في شجاعته ومهارته وإقدامه في الحرب والقراع والقتال. وأما المحور الثالث : فكان في علوم القرآن الكريم والفقه والقضاء وأحكام الإسلام، وكان رضي الله عنه يَعرف قيمة ما يعلم ولكن بتواضع وأمانة وإخلاص، فهو رضي الله عنه يقول: • ( سلوني عن كتاب الله فإنه ليس من آية إلا وقد عرفت بليل نزلت أم بنهار، في سهل أم في جبل ) [3] . وسنذكر هنا نماذج من الثمار التي جاءت على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووفق المحاور التي ذكرت: المحور الأول: الشعر والأدب فلقد اشتهر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وذاع صيتُهُ بشعر الحكمة، فكل بيت شعر يقوله فيه بيان لحال وعبرة مستفادة وفيه حكمة، ففي بيان عقيدة المسلم التي ينبغي أن يكون عليها، يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إذَا عَقَدَ القَضَاءُ عَلَيْكَ أَمْرًا فليس يحلُّهُ إلا القضاءُ فَمَا لَكَ قَدْ أَقَمْتَ بِدَارِ ذُلٍّ وأرضُ الله واسعةٌ فضاءُ تَبَلَّغْ باليَسِيْرِ فَكُلُّ شَيْىء من الدنيا يكونُ له انتهاءُ وفي بيان طلب الرزق، يقول رضي الله عنه: وما طلب المعيشة بالتمني وَلَكِنْ أَلْقِ دَلْوَكَ في الدِّلاَءِ تُجِئْكَ بملئِها يومًا ويومًا تُجِئْكَ بحَمأةٍ وقليل ماءِ وفي فوائد السفر قال رضي الله عنه: تَغَرَّبْ عَن الأَوْطَانِ في طَلَبِ الْعُلُى وَسَافِرْ فَفِي الأَسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ تَفَرُّجُ هَمٍّ، وَاكْتِسابُ مَعِيشَةٍ وَعِلْمٌ، وَآدَابٌ، وَصُحْبَةُ مَاجِدِ ومن بلاغته رضي الله عنه قوله: ( ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ ) [4] . ومن أشهر أقواله [5] : • المرءُ مخبوءٌ تحتَ لسانهِ. • قيمةُ كلُّ امرئٍ ما يُحسن. المحور الثاني: الفروسية والشجاعة والإقدام كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه فارسًا لا يشق له غبار، فارسًا نبيلًا وهو يقاتل الأعداء ، وكان شجاعًا ومقدامًا لا يلتفت إلى النتائج لكيلا لا تكون سببًا في تراجعه أو تردده، وكيف لا يكون كذلك وهو ذلك الموهوب الذي نشأ في كنف رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت نظره، فمن المواقف التي كانت تعد من النتائج العظيمة لاستثمار موهبة علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنختار حادثتين هنا لأنها كثيرة، وهما: 1- في غزوة الخندق سنة 5 هجرية لقد بلغ الحال بالمسلمين في غزوة الأحزاب بأن زاغت أبصارهم وبلغت القلوب الحناجر، وكانوا في وضع حرج جدًا فقد كان الابتلاء عظيمًا، وكما وصفهم القرآن الكريم: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ﴾ [ا لأحزاب 10-11]. كان المسلمون بحاجة ماسة لأي حدث يرفع من روحهم المعنوية، وهم على الحال الذي وصفهم فيه القرآن الكريم يخرج أحد صناديد قريش، فارس كبير وشرس، فيطلب المنازلة هو عمرو بن عبد ود العامري، فقد (خَرَجَ يَعْنِي يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدٍّ فَنَادَى: • مَنْ يُبَارِزُ؟ فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِى الْحَدِيدِ فَقَالَ: • أَنَا لَهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: • " إِنَّهُ عَمْرٌو، اجْلِسْ ". وَنَادَى عَمْرٌو: • أَلاَ رَجُلٌ وَهُوَ يُؤَنِّبُهُمْ، وَيَقُولُ – عمرو بن ود -: • أَيْنَ جَنَّتُكُمُ الَّتِي تَزْعُمُونَ أَنَّهُ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا أَفَلاَ يَبْرُزُ إِلَىَّ رَجُلٌ؟ فَقَامَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فَقَالَ: • أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: • " اجْلِسْ ". ثُمَّ نَادَى الثَّالِثَةَ وَذَكَرَ شِعْرًا [6] فَقَامَ عَلِيٌّ فَقَالَ: • يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : • " إِنَّهُ عَمْرٌو ". قَالَ - عليٌّ -: • وَإِنْ كَانَ عَمْرًا، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَشَى إِلَيْهِ حَتَّى أَتَاهُ وَذَكَرَ شِعْرًا [7] ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو: • مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: • أَنَا عَلِيٌّ قَالَ: • ابْنُ عَبْدِ مَنَافٍ؟ فَقَالَ: • أَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: • غَيْرُكُ يَا ابْنَ أَخِي مِنْ أَعْمَامِكَ مَنْ هُوَ أَسَنُّ مِنْكَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ. فَقَالَ عَلِي رضي الله عنه: • لَكِنِّي وَاللَّهِ مَا أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَكَ. فَغَضِبَ فَنَزَلَ وَسَلَّ سَيْفَهُ كَأَنَّهُ شُعْلَةُ نَارٍ ثُمَّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِىٍّ رضي الله عنه مُغْضَبًا وَاسْتَقْبَلَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِدَرَقَتِهِ فَضَرَبَهُ عَمْرٌو فِي الدَّرَقَةِ فَقَدَّهَا وَأَثْبَتَ فِيهَا السَّيْفَ وَأَصَابَ رَأْسَهُ بِشَجَّةٍ وَضَرَبَهُ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ فَسَقَطَ وَثَارَ الْعَجَاجُ وَسَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّكْبِيرَ فَعَرَفَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَدْ قَتَلَهُ ) [8] . 2- في غزوة خيبر سنة 7 هجرية وتأتي أهمية هذه الغزوة من آنها المواجهة القتالية الأولى بين المسلمين واليهود، فقد انتصر المسلمون على بني قريضة من غير قتال، لذلك لابد من إحراز نصر صريح في بداية النزال يكون فتحًا وفألًا حسنًا لما بعده، لذلك لابد من العناية الفائقة في اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة، وبالفعل اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره، فقد ( " قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ: • " لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " فَبَاتَ النَّاسُ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَى فَغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوهُ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: • أَيْنَ عَلِيٌّ؟ فَقِيلَ: • يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، فَبَصَقَ صلى الله عليه وسلم فِي عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ فَقَالَ – عليٌّ -: • أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: • انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ ) [9] . وكان مَرْحَبٌ وهو من كبار مقاتلة اليهود قد خرج طالبًا المبارزة الفردية، خرج وهو يقول: قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنِّي مَرْحَبُ شَاكِي السِّلاَحِ بَطَلٌ مُجَرَّبُ إِذَا الْحُـرُوبُ أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: أَنَا الَّذِى سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ كَلَيْثِ غَابَاتٍ كَرِيهِ الْمَنْظَرَهْ أُوفِيهِمُ بِالصَّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ قَالَ فَضَرَبَ – عليٌّ رضي الله عنه - رَأْسَ مَرْحَبٍ فَقَتَلَهُ ثُمَّ كَانَ الْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ رضي الله عنه) [10] . المحور الثالث: في الفقه والقضاء وحَسْبُ عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم له رضي الله عنه بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وأقضاهم علي بن أبي طالب ) [11] ويقصد صلى الله عليه وسلم أقضى الصحابة أي أعلمهم وأكثرهم معرفة بالقضاء، فهو من كبار وعلماء الصحابة، وهم الرعيل الأول ممن رافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان معهم العلم والفقه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( عليٌّ أقضانا ) [12] . وقال ابن قيم الجوزية رحمه الله:( والذين حُفِظت عنهم الفتوى من الصحابة مائة ونيِّف وثلاثون نفسًا ما بين رجل وامرأة، وكان المكثرون منهم سبعةً: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر ) [13] . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستشارًا وقاضيًا في الرأي والفقه والقضاء لا ترد له كلمة في عهد الخليفتين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعمر بن الخطابرضي الله عنه، يقول ابن الجوزي في ذكر غزارة علم علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( كان أبو بكر وعمر يشاورانه ويرجعان إلى رأيه، وكان كل الصحابة مفتقرًا إلى علمه، وكان عمر يقول: أعوذ باللَّه من معضلة ليس لها أبو الحسن) [14] . فمن قضايا القضاء والذكاء التي اجتهد فيها والتي أدهشت من شهدها أو سمع بها بعض ما كان قضى في اليمن وفي غيرها فكانت تعرض عليه رضي الله عنه القضايا التي تبدو أنْ لا حل لها ولكنه رضي الله عنه كان يقضي فيها القضاء المناسب والصحيح أو يخرجها التخريج المناسب والذي يعضده بعد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن تلك القضايا: 1- قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( لَمَّا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْيَمَنِ حَفَرَ قَوْمٌ زُبْيَةً لِلأَسَدِ فَازْدَحَمَ النَّاسُ عَلَى الزُّبْيَةِ وَوَقَعَ فِيهَا الأَسَدُ فَوَقَعَ فِيهَا رَجُلٌ وَتَعَلَّقَ بِرَجُلٍ وَتَعَلَّقَ الآخَرُ بِالآخَرَ حَتَّى صَارُوا أَرْبَعَةً فَجَرَحَهُمُ الأَسَدُ فِيهَا فَهَلَكُوا، وَحَمَلَ الْقَوْمُ السِّلاَحَ فَكَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فَقُلْتُ: • أَتَقْتُلُونَ مِائَتَي رَجُلٍ مِنْ أَجْلِ أَرْبَعَةِ أُنَاسٍ تَعَالَ أَقْضِ بَيْنَكُمْ بِقَضَاءٍ فَإِنْ رَضِيتُمُوهُ فَهُوَ قَضَاءٌ بَيْنَكُمْ وَإِنْ أَبَيْتُمْ رُفِعْتُمْ ذَلِكِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ رضي الله عنه وَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ. قَالَ فَجَعَلَ لِلأَوَّلِ رُبُعَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ لِلثَّانِي ثُلُثَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ لِلثَّالِثِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَجَعَلَ لِلرَّابِعِ الدِّيَةَ وَجَعَلَ الدِّيَاتِ عَلَى مَنْ حَضَرَ الزُّبْيَةَ عَلَى الْقَبَائِلِ الأَرْبَعَةِ . فَسَخِطَ بَعْضُهُمْ وَرَضِيَ بَعْضُهُمْ، ثُمَّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ الله اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصُّوا عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ:« أَنَا أَقْضِى بَيْنَكُمْ » الله وقصوا عليه الْقِصَّةَ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: • " أَنَا أَقْضِي بَيْنَكُمْ "، فَقَالَ قَائِلٌ: • فَإِنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه قَدْ قَضَى بَيْنَنَا، فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَضَى عَلِيٌّ رضي الله عنه، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: • " الْقَضَاءُ كَمَا يَقْضِى عَلِيٌّ ".) [15] . 2- اشترك جماعة في قتل رجل في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشك في أنهم يُقتلون به، فـ ( قال له عليٌّ رضي الله عنه: • يا أمير المؤمنين أرأيت لو أن نفرًا اشتركوا في سرقة جزور فأخذ هذا عضوًا وهذا عضوًا أكنت قاطعهم؟ • قال - عمر -: نعم، • قال عليٌّ: فذلك ) [16] . 3- لما أراد أبو سفيان بن حرب رضي الله عنه أن يُسلم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في البداية لِما كان قد بدر منه سابقًا من إساءة للإسلام ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجد له طريقًا مناسبًا لكسب رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد أشار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ابن عمه أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه بوسيلة يترضّى بها رسول الله رضي الله عنه فقال له: • ( ائته من قبل وجهه، وقل ما قال إخوة يوسف: • " تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنا وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ " يوسف: 91، فإنه لا يرضى أن يكون أحد أحسن منه جوابًا، ففعل ذلك أبو سفيان رضي الله عنه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: • " لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ " يوسف: 92 ) [17] . [1] الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر العسقلاني، ج4، ص564. [2] المستدرك للحاكم 6463. [3] الطبقات الكبرى لابن سعد، ج2، ص338. [4] صحيح البخاري باب في الأمل وطوله ج16، ص 220. [5] الإعجاز والإيجاز، للثعالبي، ص27. [6] كان شعر عمرو قوله: ولَقَدْ بُحِحْتُ مِن النداءِ بِجَمعِكُم هَلْ مِنْ مُبَارِزْ وَوَقَفْتُ إذْ جَبُنَ الشجاع مَوقِفَ البَطَل المُناجِزْ إنّي كذلك لم أزَلْ متسرّعًا نحو الهزاهزْ إنّ الشجاعة في الفَتى والجود خيرُ الغرائزْ [7] كان شعر عليّ قوله: لا تعجلنَّ فقَد أتاكَ مُجيبُ صَوتِكَ غيرُ عاجزْ ذُو نِيّة وبصيرة والصد ق مُنجيَ كلّ فائزْ إنّي لأرجو أن أُقيمَ عليكَ نائحةَ الجنائزْ مِن ضَرْبَة نَجلاء يبقى ذِكْرها عِندَ الهَزاهِزْ [8] السنن الكبرى للبيهقي 18812. [9] صحيح البخاري 3009. [10] صحيح مسلم 4779 [11] سنن ابن ماجه 154. [12] أخبار القضاة، البغدادي، ج1، ص89. [13] أعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، ج1، ص63. [14] المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، أبو الفرج ابن الجوزي، ج5، 68. [15] السنن الكبرى للبيهقي 16836. [16] مسند عبد الرزاق الصنعاني 18077. [17] الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن عبد البر، ج2 ص35.
العبث بالأذهان
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
17-02-2021
5,474
https://www.alukah.net//culture/0/145028/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b0%d9%87%d8%a7%d9%86/
العبث بالأذهان قابلتُ مرَّةً الدكتور محمَّد المهدي رئيس جمعية الصداقة العربية الأمريكية عام 1397هـ/ 1977م، في مطار هيثرو بلندن، وكنت مكبًّا - وزميل الرحلة العلمية الصديق العزيز الدكتور/ عجلان بن محمَّد العجلان - على متابعة زيارة الرئيس المصري الراحل محمَّد أنور السادات لتلِّ أبيب، في الجريدة، عندما نظر إلينا الرجل، وهو قريب منَّا، فبدأ الحديث بما يوحي بأنَّه يشاركنا الشعور نفسه. طال بنا الحديث حول الحدَث المذكور، لينتهي بأن يقرِّر الدكتور المهدي بأنَّنا أمام أفعى تسمَّى إسرائيل، رأسها في نيويورك وذيلها في فلسطين، فعلينا إنْ أردنا التعامُل معها البدء من رأسها، لا من ذيلها؛ حيث يعيش في الولايات المتَّحدة الأمريكية ما يزيد عن ثلاثة وأربعين بالمائة (1,43 %)؛ أي: بما يصل إلى خمسة ملايين وخمسمائة وخمسة عشر ألف (5,515,000) نسمة من عدد اليهود في العالم، بينما يعيش في فلسطين المحتلَّة، التي أراد لها اليهود أنْ تكون وطنهم القومي قرابة تسع وعشرين بالمائة (0,29 %)، أي: ما يصِل إلى ثلاثة ملايين وسبعمائة وسبعة عشر ألف (3,717,000) يهودي [1] . تؤيِّد البيانات حول الدعم المادِّي والمعنوي لهذا الذيل من قِبَل الرأس؛ إذ من المعلوم أنَّ دافع الضرائب الأمريكي يدعم دولة اليهود في فلسطين المحتلَّة بثلاثة مليارات (3,000,000,000) دولار سنويًّا، نقدًا، منذ سنة 1393هـ/ 1973م، بالإضافة إلى التسليح التقليدي والنووي، وتطوير صناعة السِّلاح للطائرات الحربية، والصواريخ التي وصَل مداها إلى 7,500 كيلو متر، هذا بالإضافة إلى التبرُّعات التي تؤثِّر على الإفادة محلِّيًّا من الضرائب؛ إذ إنَّها تحسم من المستحقَّات على دافعي الضرائب [2] ، والدعم السياسي غير المحدود، وحماية دولة الاحتلال في المحافل والمنظَّمات الدولية. الدكتور محمَّد المهدي لا يفتأ يدعو لذلك في كلِّ مجال، في مقابلته للزعماء العرب، وفي محاضراته هنا وهناك، وفي مقالاته وأحاديثه، وفي هذا دلالة على أنَّ التأثير موجود، ولا نزيد التوقُّف كثيرًا عند النِّسبة؛ فلعلَّ حلَّاق كليفلاند قد بالَغ في تفسير البعض لمجمل القضية. نقف أمام الرَّأي الآخر الذي يقول: إنَّ هناك مبالغةً وتهويلًا في تأثير اليهود على المجتمعات الغربية سياسيًّا واقتصاديًّا، وعلميًّا وفنيًّا، وأنَّ إعطاءهم مثل هذا القدر إنَّما هو عامِل نفسي أريد به أنْ يوهن من عزم غير اليهود بهذه الأوهام، هذا العامل النفسي سبق لهم أن استعملوه في مجالات عدَّة، منذ ظهورهم وشعورهم بأنَّهم شَعب الله المختار إلى تحوُّلهم إلى اعتناق مبادئ الصهيونية والماسونية [3] . استعملوا في تَرسيخ هذا العامل النَّفسي خدعًا كثيرة، وصلَت بهم إلى التضحية بأبناء عقيدتهم في سبيل الوصول إلى التأثير الادِّعائي هذا، فالذين دلُّوا النازية على مساكن اليهود الخربة (الغيتو) إنَّما هم يهود معروفون [4] ، والذين أُحرِقوا في معسكرات الغاز لم يكونوا كلُّهم يهودًا، ولم يكونوا ستة ملايين بمجملهم، كما تدَّعي أساطيرهم، والذي يُثبت هذه الحقائق مدلَّلةً قومٌ منهم كان لهم دور في الدعوة إلى اليهودية من رجال الدين اليهودي. لقد نُشرَت المقالات العديدة التي كتبها هؤلاء الحاخامات اليهود، ينفون فيها مسألة الستة ملايين نسمة، ويؤكِّدون على أنَّها لا تَعدو أنْ تكون مجرَّد أسطورة، أُريد من ورائها دغدغة العواطف، ونيل التعاطُف من قِبل الحكومات الديمقراطية الغربية، وقد كان لهم شيء ممَّا أرادوا، لكنه لا يصِل إلى أن يكون لهم الدور الأكبر في هذه الدول. لعلَّ من أمثلة استغلالهم للعواطف ما نشروه من مذكِّرات آن فرانك، التي تحكي فيها قصَّة مذبحتهم على يد النازية، إبَّان الحرب العالمية الثانية 1361 - 1366هـ الموافق 1939 - 1945م، وكاتبة المذكِّرات كانت قد توفِّيت، باعتراف والدها بالتيفوس، قبل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1366ه/ 1945م، وعندما توفِّي الوالد عام 1980م حصلَت محكمةٌ في هامبورغ بألمانيا على النسخة الأصلية من المذكِّرات، التي تؤكِّد وقوع المذبحة، واختبرَتها لتكتشف أنَّ المذكِّرات كلها كانت قد كُتبت بالخطِّ نفسه، وأنَّها كُتبت بالقلم الناشف، الذي لم يخترع قبل عام 1951م؛ أي: بعد ست سنين من وفاة كاتبة المذكِّرات، ولم يكن والد الفتاة يريد أنْ تقع مذكِّراتها الأصلية في أيدي الناس إبَّان حياته. ليس هذا مجال التفصيل في المذكِّرات، لكنها كانت شائعة، إلى درجة أنها وضعت في قائمة الكتب المطلوب قراءتها على طلَّاب المستوى السابع (الأول المتوسط) في إحدى مقاطعات ولاية فرجينيا بالولايات المتَّحدة، وقد طُبع منها حوالي أربعة عشر مليون (14,000,000) نسخة، بالإضافة إلى تمثيلها في السينما والتلفزيون، ممَّا أتاح لمئات الملايين مشاهدتها في أماكن متعدِّدة، لكنَّ مواطني المقاطعة طالبوا إدارةَ التعليم فيها برفع المذكِّرات من القائمة؛ نظرًا لما تحتويه من مشاهد سيئة أخلاقيًّا. هذا مثال واحد فقط لأسلوب من أساليب استدرار العطف على اليهود لمساعدتهم في إقامة وطَن قومي لهم في فلسطين من جهة، ولتسخير الموارد الاقتصادية، وغيرها، لهم من قِبل الدول الصناعية، عن طريق الهبات النَّقدية التعويضية العالية، التي تصرف لكلِّ يهودي في ألمانيا وفي فلسطين المحتلَّة، إمَّا بطريق مباشر أو غير مباشر. نحن - بحكم خلفيتنا الدينية - نؤمن إيمانًا يمليه علينا القرآن الكريم، من خلال قصصهم وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم من خلال مواقفهم منه، نؤمن أنَّهم قوم غير سويِّين ثقافيًّا، بأيِّ حال من الأحوال، وأنَّهم أُشربوا في نفوسهم حبَّ السيطرة على العالم، واتَّبعوا في ذلك كل الأساليب غير المشروعة، وفرَّقوا بين الناس، وحاولوا - ولا يزالون يحاولون - إدخالَ الشكوك والفرقة والتناحُر بينهم، في سبيل الهدم وإشاعة الفوضى والاضطراب. كان الأوس والخزرج من الأنصار مجتمعين في مكانٍ ما من المدينة المنوَّرة، جمع بينهم الإسلام، وكانوا قبله متفرِّقين، فلاحظ هذه الأُلفةَ رجلٌ من يهود بني قينقاع، يقال له: شاس بن عدي ، أو شاس بن قيس ، وكان من أحبار اليهود، وهو معروف، فجذب فتى يهوديًّا إليه، وأوعز له أنْ يذهب ويثير في هاتين القبيلتين النعرة القبليَّة، ويذكِّرهم بأيَّامهم غير المستقرَّة، وما جرى فيها من حروب وانتصارات ونحوها، مما دار أيام الجاهلية، فذهب الفتى وصنع ما صنع، مما أثار حفيظةَ الجمعَين، حتى كادا أنْ يلتحِما، لولا أن بلغ الخبرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فهرع إليهم، وذكَّرهم بما هم عليه مما يجُبُّ ما قبله، فاستعاذوا بالله من الشيطان الرجيم، وأدركوا الحيلة، والأمثلة المشابهة كثيرة. هذا يوحي لنا بالموقف الحازم الذي يَلزم أنْ نتَّخذه حيالَ اليهود، مهما بدا منهم من تقرُّب أو محاولة تقريب، فأمرهم لدينا معروف، ولكن علينا أنْ ندرك ذلك إدراك الموقنين المتذكِّرين المواقف الكثيرة التي حصلت، ولا تزال تحصل على مرِّ الأيام، ليس على المسلمين أو العرب فحسب، بل إنَّ عقيدة اليهود الراسخة تملي على أتباعها هذه المواقف [5] ؛ ﴿ لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [المائدة: 82]. [1] انظر: عبدالوهَّاب المسيري: الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتَّى انتفاضة الأقصى - مرجع سابق - ص (57). [2] يرى المستشار الاقتصادي الأمريكي توماس ستوفز أن مجمل المساعدات المادِّية المدنية والعسكرية والخسارات المعنوية التي تكبَّدها المواطن الأمريكي جرَّاء وقوف الإدارات الأمريكية المتعاقبة تقدَّر بتريليون وستمائة مليار دولار (1.600.000.000.000)، انظر: مصطفى الدبَّاغ: إمبراطورية تطفو على سطح الإرهاب: الكتاب الذي يجيب على التساؤل الأمريكي: لماذا يكرهوننا؟ - بيروت: المؤسَّسة العربية للدراسات والنشر، 2004م - ص (88)، ويفصِّل المؤلِّف هذه المساعدات في: الفصل الرابع من الكتاب: أمريكا تدخل بيت الطاعة الإسرائيلي - ص (75 - 96). [3] انظر: محمَّد جمال طحَّان: الخديعة الكبرى: هل اليهود حقًّا شعب الله المختار؟ - مرجع سابق - 240 ص. [4] انظر في التعريف بالغيتو اليهودي: سناء عبداللطيف حسين صبري: الجيتو اليهودي : دراسة للأصول الفكرية والثقافية والنفسية للمجتمع الإسلامي - دمشق: دار القلم، 1419هـ/ 1999م - 454 ص. [5] أوحت بهاتين الوقفتين الأخيرتين قطعةٌ كتبها الأستاذ عبدالعزيز الرفاعي رحمه الله تعالى بعنوان: حلَّاق كوالالمبور من كتابه: خمسة أيَّام في ماليزيا - ط 2 - الرياض: دار الرفاعي، 1397هـ/ 1977م - 58 ص - سلسلة المكتبة الصغيرة.
الحياة العلمية في مدينة الرياض لراشد بن محمد بن عساكر
محمود ثروت أبو الفضل
16-02-2021
4,866
https://www.alukah.net//culture/0/145001/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%b6-%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%b4%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%b3%d8%a7%d9%83%d8%b1/
الحياة العلمية في مدينة الرياض ل راشد بن محمد بن عساكر صدر حديثًا كتاب "الحياة العلمية في مدينة الرياض في عهد الدولة السعودية الثانية (1240-1309 هـ/1824-1891 م"، تأليف: د. "راشد بن محمد بن عساكر"، توزيع "مكتبة الثلوثية". وهذا الكتاب في أصله أطروحة علمية تقدم بها الباحث لنيل درجة الدكتوراه في قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة الملك سعود، تحت إشراف د. "عبدالله بن محمد المطوع"، وذلك عام 1440 هـ - 2019 م . وهذه الدراسة اهتمت بجمع واستيعاب مظاهر وأسس الحركة الحضارية العلمية في مدينة الرياض إبان حكم الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود عند تأسيس الدولة السعودية الثانية، حيث نجد أن أدبيات تلك الحقبة التاريخية ووثائقها تشير إلى أن الرياض أصبحت في عهد الدولة السعودية الثانية مركزًا علميًا مهمًا، نتيجة وجود عدد من العلماء البارزين؛ إضافة إلى عودة بعض العلماء ممن هجر "الدرعية" بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، وقد أدى ذلك إلى نشاط الحركة العلمية، وازدهارها، وعلو مكانتها، وأصبحت عامل جذبٍ لطلاب العلم؛ وهو ما أثر في مسيرة التعليم والنهوض، به، وعدت مدينة الرياض المركز العلمي الأول في عصر الدولة السعودية الثانية، وأدى ذلك إلى إقبال طلاب العلم إليها؛ إضافة إلى ما كان يلقاه العلماء والطلاب من دعم وتشجيع من قادة الدولة، ومن تجارها الموسرين في هذه المرحلة التاريخية. وقد كان لهذا الوضع المستجد آثار مهمة في النهضة العلمية، من حيث التنوع والتوسع والتغير وتعدد المراحل، ومع أهمية هذا التعدد والتنوع؛ فإن دراسة الجوانب العلمية، وما يرتبط بها من جوانب أخرى لم تحظ بالدراسة والبحث المفصل وفق وثائق جديدة، ومخطوطات نادرة، مدعومة بالمقابلات الشخصية. وهذه الدراسة التي جاءت في أكثر من ثمانمائة صفحة مزودة بالصور والمخطوطات والوثائق التي تخرج لأول مرة للعلماء وطلاب العلم والأمراء والأهالي والنساخ وأهم الخزائن الخطية عن تطور الحركة الثقافية العلمية في عهد تلك الدولة، ومظاهر اهتمام أمرائها بالعلم والعلماء. وهي الدراسة العلمية الأولى التي تتناول الحياة العلمية في مدينة الرياض في عهد الدولة السعودية الثانية، ويؤمل الباحث أن تشكل هذه الدراسة إضافة علمية جديدة لتاريخ المملكة العربية السعودية. وهدف هذه الدراسة هو التعرف على مراحل التعليم في مدينة الرياض، والوقوف على طرقه، وطبيعة الحياة العلمية والدينية، وأساليبها، وأثر المكانة العلمية لعلمائها؛ لأنها أصبحت مركزًا لإعادة نشر الدعوة الإصلاحية؛ إضافة إلى معرفة أبرز الأسر العلمية فيها، ودور المدارس ومعرفة الحلقات التعليمية في المدة الزمنية المحددة في هذه الدراسة، والإشارة إلى عوامل ازدهار التعليم في مدينة الرياض. وتهدف أيضًا إلى معرفة أهم المكتبات العلمية، وتأسيسها، وأبرز محتوياتها، ومعرفة تراجم علماء المدينة، وقضاتها، وطلاب العلم فيها، وبيان موقف علماء الرياض من الفتنة الداخلية بين أبناء الإمام فيصل بن تركي بعد وفاته عام 1282هـ، والآثار المترتبة على ذلك. وانقسمت الدراسة إلى خمسة فصول تندرج تحتها عدة مباحث وموضوعات على النحو التالي: تناول الفصل الأول مراحل التعليم ومؤسساته في مدينة الرياض إبان قيام الدولة السعودية الثانية حيث تحدث عن التعليم بمراحله الأول والمتوسط والمتقدم. وفي الفصل الثاني من الرسالة من هذه الرسالة تحدث العساكر عن المكانة العلمية للرياض، وعن مكانة قضاة الرياض وكذلك العلماء. وفي الفصل الثالث ناقش موضوع تواصل علماء الرياض مع العالم الإسلامي، فكان الحديث بتوسع عن العلوم والفنون المتداولة في الرياض تلك الفترة، وأبرز المؤلفات والكتب التي قدمها علماء الرياض. وعن تواصلهم مع علماء العالم الإسلامي. وتناول الفصل الرابع المكتبات العلمية في مدينة الرياض. وأما الفصل الخامس فتحدث عن أثر الأوضاع السياسية والأمنية على الحياة العلمية وموقف علماء الرياض منها، وتحدث عن مرحلتين مهمتين سياسيًا، وكيف تعامل علماء الرياض معها. وتناول في خاتمة الرسالة أهم النتائج التي خرجت بها الدراسة، ليتبعها بملاحق مصورة مهمة مع قائمة للمصادر والمراجع التي اعتمد عليها في كتابه. والمؤلف هو د. "راشد بن محمد بن عساكر" باحث ومؤرخ سعودي، ينشر في جريدة (الرياض) السعودية، ويركّز في عنايته بتاريخ المملكة العربية السعودية على تاريخ مدينة الرياض ومنطقة نجد، وأصدر على مدى عقدين من الزمن العديد من المؤلفات التي تختص بتاريخ وتراث الدولة السعودية، كما قام بتحقيق عدد من المخطوطات والوثائق من التراث العربي ومن تراث أمراء وعلماء منطقة نجد والدولة السعودية. حاصل على درجة الماجستير من قسم التاريخ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية 2009. وكان موضوع رسالته: "بلدة منفوحة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية". حاصل على شهادة الدكتوراه من قسم التاريخ في جامعة الملك سعود 2019م. وكان موضوع رسالته: "الحياة العلمية في مدينة الرياض (1240 - 1309هـ/ 1824 - 1891م) دراسة تاريخية". من إصداراته: • (الرياض الزاهر في تاريخ آل عساكر). • (نبذة في أنساب أهل نجد) تأليف: جبر بن سيّار. [تحقيق ودراسة]. • (قوافل الحج المارة بالعارض من خلال وثيقة عثمانية أشارت إلى جد الأسرة السعودية وشيخ الدرعية سنة 981هـ). صدر عن دار درة التاج للنشر. • (بواكير الوثائق والخطوط لبعض الأئمة من آل سعود). • (منفوحة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية ١١٥٧- ١٣٠٩هـ: دراسة تاريخية حضارية). صدر عن دار درة التاج للنشر. • (الأعمال الخيرية والأوقاف الشرعية في نجد للشيخ قاسم بن محمد آل ثاني). • (المخطوطات النجدية في الخزانة الشاويشية). قدّم له الشيخ زهير الشاويش. • (الأوقاف الشرعية والأعمال الخيرية للملك عبد العزيز في مدينة الرياض: دراسة وثائقية). • (تاريخ المساجد والأوقاف القديمة في بلد الدرعية إلى عام 1373هـ). • (أيام العرب في الجاهلية) تأليف أبو عبيدة معمر بن المثنى، جمع واختيار إبراهيم بن صالح العيسى [أعده للنشر]. • (التحفة الوضية في الأسانيد العالية المرضية المتصلة بصفوة الأمة المرحومة المحمدية) تأليف عثمان بن منصور النجدي الحنبلي [أعده وقدم له]. • (قصيدة ذات الفروع في نسب بني إسماعيل، شرح عالم مجهول) تأليف: محمد بن عبد الله بن حمزة. [تحقيق]. • (سيرة بني حنيفة في حروب الردة) تأليف: سليمان بن محمد بن سحيم النجدي. [تحقيق].
قصة موسى عليه السلام (3) يوم الزينة
د. محمد منير الجنباز
15-02-2021
12,834
https://www.alukah.net//culture/0/144980/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-3-%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b2%d9%8a%d9%86%d8%a9/
قصة موسى عليه السلام (3) يوم الزينة لقد وردت هذه القصة في سورة الأعراف: ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ * قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الأعراف: 104 - 110]. كانت الدعوة لفرعون بالإيمان، ولكنه لما أصر على كفره وعناده، تُرِك وشأنَه، على أن يسمح بخروج بني إسرائيل من مصر؛ ليعودوا إلى الأرض المقدسة؛ حيث كان إسحاق ويعقوب، وسبب طلب هذا الخروج ظلم فرعون لهم، وتسخيرهم بالقوة لعمل السخرة في مصر من زراعة وما يتبعها، وبناء، حتى عندما قال لوزيره هامان: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ ﴾ [القصص: 38] كان العمال الذين يبنون له الصرح من بني إسرائيل المسخرين المظلومين، كان موسى يطلب خروج بني إسرائيل معه، فحوَّل فرعون وأعوانه هذا الطلب إلى إخراج أهل مصر الذين يؤمنون به من إسرائيليين وأقباط؛ وذلك لتنفير الناس من موسى؛ ﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 57]، وفي سورة الشعراء: ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الشعراء: 34، 35]، وبهذه الفِرية جعل أهل مصر في مواجهة موسى؛ فأصمُّوا آذانهم عن سماع الحق، واتهموه بالسحر. وهنا أراد فرعون أن يسجل نصرًا على موسى، فأخذ برأي مستشاريه، ﴿ قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ ﴾ [الأعراف: 111، 112]؛ فراقَتِ الفكرة لفرعون، وبدأ يجمع كبار السحرة، وكانوا في مصر بأعداد كبيرة، وهم منتشرون في كل أرجائها، ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ * فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ﴾ [الشعراء: 34 - 38]، وكان هذا اليوم هو يوم عيد لهم، ﴿ قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَامُوسَى * فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى * قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ﴾ [طه: 57 - 59]، فكان يوم الزينة، وهو عيد معروف في مصر، يتزيَّن فيه الناس بأحلى زينة لهم، ويخرجون إلى مكان جعلوه لاجتماعهم، وأراد موسى أن يكون الاجتماع تاريخيًّا، يشهده معظم الناس في وضَح النهار. ولما حضر السحرة أوصاهم فرعون ليشُدَّ من أزرهم؛ ﴿ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى ﴾ [طه: 64]، ومع ذلك أتوا ليبرزوا مقدرتهم وقوتهم السحرية الخارقة، وينالوا مكافأة كبيرة من فرعون، ﴿ وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ [الأعراف: 113، 114] ، طلبوا الأجر، ووعدهم الأجر وزيادة؛ وذلك بأن يتخذهم جلساءه وأصفياءه، فلما أتوا واصطفوا، وكان عددهم كبيرًا بالآلاف، وقيل: أقل من ذلك، والمختار أنهم اثنان وسبعون ساحرًا، أكبرهم: ساتور وعادور وحطحط ومصفى، ولما رآهم موسى ورأى استعدادهم القوي، وقد أحضروا كل شيء للغلبة، قال لهم: ﴿ وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى ﴾ [طه: 61]، ولما سمعوا من موسى هذا الكلام، قالوا: ما هذا بقول شاعر، ثم خيروا موسى بين أن يلقيَ هو أولًا، أو أن يبدؤوا قبله، ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ﴾ [طه: 65]، وهذا فيه تقدير لموسى وتأدُّب معه؛ حيث خيروه ثقة منهم، وأنهم قد أعدوا كل شيء للغلبة، فلا يضرهم إن تقدموا أو تأخروا؛ فالأمر عندهم سيان، ﴿ قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾ [طه: 66]، وفي سورة [الأعراف]: ﴿ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ﴾ [الأعراف: 116]، ورأى الناس - كما رأى موسى وفرعون - ما هالهم من الأفاعي والحيَّات التي خرجت من الحبال والعصي، واستكبر فرعون وانتشى زهوًا، وظن أن الغلبة له؛ حيث قارن ما رأى في السابق من حية موسى فرأى أنَّ حيات السحرة ضخمة ومرعبة، حتى إن موسى نفسه خاف منها، ﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ﴾ [طه: 67]، وهكذا أحس موسى بالخوف، لكن ربه معه فلِم الخوف؟ وجاءت الطمأنينة من رب العالمين: ﴿ قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾ [طه: 68] المؤيَّد من الله، وأن ما شاهدته هو سحر لا حقيقة، سيزول أمام الحق، وسيكشف الله زيفه وخداعه للبصر، بأن هذه الحيات ما هي إلا حبال وعصي، لم تخرج عن حقيقتها، وما يراه الناسُ صورةٌ خادعة للعين، وهذا هو عمل السحر، ﴿ وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ﴾ [طه: 69]، إن عصاك يا موسى معجزة من رب العالمين، فلا يثبت السحر أمامها، ومهما بلغ الساحر من العلم فإنه ضعيف، لن يفلح أمام الحقيقة، وفي سورة الأعراف: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ * فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ ﴾ [الأعراف: 117 - 119]، كانت المفاجأة الكبرى، تُلقَى عصا موسى فتنقلب ثعبانًا أضخم مما على الساحة، فتأتي لهذه المئات من الثعابين فتبتلعها جميعها، ثم تعود عصًا يمسكها موسى، يا إلهي! أين الثعابين التي كانت بضخامتها كالجبال؟! دخلت في جوف أفعى موسى ثم عادت عصا صغيرة يمسكها موسى، أين تلاشت الأفاعي؟ هذا المنظر أمام الملأ من الناس في يوم الزينة أظهر صدق موسى، وصدق دعوته، وأنه يريد بالناس الخير، أما فرعون فقد صغر في هذا اليوم، وضعفت هيبته، وظهر للملأ كذبه فيما كان يدعيه من الألوهية، وجاءت الصدمة الكبرى لفرعون عندما أعلن السحرة إسلامهم لما رأوا هذه المعجزة الباهرة، وأنها ليست سحرًا، ﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى ﴾ [طه: 70]، وهكذا خرَّ السحرة معًا أمام الناس سجدًا لله، معلنين إيمانهم وتخلِّيَهم عن السحر، فاغتاظ فرعون لما رأى من إيمان السحرة، ﴿ قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]. لماذا قال هذا؟ هل كان يودُّ أن يأذَنَ لهم بإعلان إيمانهم بعد التشاور معه أم هذا الكلام لخداع الناس ليكون عقابهم من أجل التسرع وعدم أخذ الإذن منه؟ ثم اتهمهم فوق هذا بالتواطؤ مع موسى، وعدَّه كبير السحرة؛ وذلك أن موسى التقى مع كبير السحرة، فقال له موسى: أرأيتك إن غلبتك أتؤمن بي وتشهد أن ما جئت به هو الحق؟ قال: نعم، ثم قال كبير السحرة: لآتين بسحر لا يغلبه سحر؛ فوالله لئن غلبتني لأومنن بك، ولأشهدن أنك على حق؛ لذلك قال فرعون: ﴿ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا ﴾ [الأعراف: 123]، ثم توعَّدهم بالصَّلب في جذوع النخل، وقد ذكر النخل لارتفاعه عن بقية الشجر، وكثرته، وإيذاء جذوعه لأجساد المصلوبين؛ لأنها ليست ملساء كالشجر، وجذوعها كالسكاكين في ظهور المصلوبين، وكذلك كثرة عدد السحرة الذين آمنوا، بحيث يصعب عمل صلبان لهم بالسرعة المطلوبة، والجزاءُ السريع الذي اتخذه في حقهم تنفيس لغضبه وردع لمن يفكر في الإيمان واتباع موسى عليه السلام، ولن يكتفي بالصلب، بل سينكل بهم من قطع الأيدي والأرجل؛ ليذيقهم أشد العذاب؛ تنفيذًا لوعيده: ﴿ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى ﴾ [طه: 71]، وهو يظن أن هذا هو أقسى ما يستطيع فعله، لكن ما ينتظره في الآخرة من العذاب فوق ما يظن ويتخيل، وكان الرد من السحرة المؤمنين: ﴿ قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [طه: 72، 73]، قال ابن عباس: حين قالوا: ﴿ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ ﴾ [الأعراف: 126] كانوا في أول النهار سحرةً، وفي آخر النهار شهداء. ولكن ماذا فعل الناس الذين شاهدوا هزيمة فرعون وإيمان السحرة - خصوصًا المقربين منهم - بعد أن رأوا الآيات الباهرات الدالة على صدق موسى؟ كانوا المحرِّضين لفرعون على الانتقام من موسى؛ لتبقى لهم مصالحهم وامتيازاتهم، ﴿ وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]، فكان منهم التحريض على العناد والضلال والانتقام من موسى وقومه بشراسة وعنف منقطع النظير، فتوالت لأجل هذا الآياتُ والمعجزات المؤيدة لموسى، والمنكلة بفرعون وقومه.
ابن تيمية والمغول: تاريخ لم يقرأ لمحمد براء ياسين
محمود ثروت أبو الفضل
15-02-2021
14,336
https://www.alukah.net//culture/0/144972/%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ba%d9%88%d9%84-%d8%aa%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d9%84%d9%85-%d9%8a%d9%82%d8%b1%d8%a3-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d8%b1%d8%a7%d8%a1-%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d9%86/
ابن تيمية والمغول: تاريخ لم يقرأ لمحمد براء ياسين صدر حديثًا كتاب "ابن تيمية والمغول: تاريخٌ لم يُقرَأ"، تأليف: "محمد براء ياسين"، نشر: "آفاق المعرفة للنشر وا لتوزيع". وه ذا الكتاب دراسةٌ حافلةٌ تقصّى فيها المؤلف الأحداث التي خاضها ابن تيمية مع مغول إيران في عهدَي " قازان و خربندا "، واستنطق المصادر التاريخية لتكوين نظرة شاملة لتلك الأحداث مع ما دونه ابن تيمية وتلاميذه حول ذلك. كما نقضت الدراسة الدعوى القائلة بتقلب ابن تيمية في موقفه من الرافضة في ضمن مناقشةٍ لكتاب "حملات كسروان في التاريخ السياسي لفتاوى ابن تيمية". ثم ختمت الدراسة بنشر فتيا لابن تيمية في التتار على نسخ خطية قوّمت النشرة المطبوعة. ويعد شيخ الإسلام بن تيمية من تلك الشخصيات التي كان لها من قوة التأثير ما استطاعت به تجاوز قرون متطاولة، والوصول بتأثيرها إلى القرن الخامس عشر الهجري، حتى غدا ذلك التأثير ظاهرة فكرية واجتماعية يتنازع الناس في تحليلها، وفي اتخاذ المواقف منها. وهو من أبرز أولئك الرجال الذين كان لهم من الحضور في عصرنا بتركته العلمية وبمواقفه الاجتماعية والسياسية ما لا يخفى. ولأن تلك المواقف إنما تكونت في الظروف السياسية والاجتماعية لديار الإسلام في القرن الثامن الهجري، فإن من اشتغالات البحث العلمي المعاصر دراسة تلك الظروف وإبانة ما تضمنته من مواطن الاقتداء والاهتداء والاعتبار وهذا ما تناوله هذا البحث. كما أن هذا البحث يسهم في الإبانة على صورة ابن تيمية في عصره؛ مكتملة غير مُجتزأة. ومرتبة غير مبعثرة، وموثقة غير مزورة. والكاتب هو الأستاذ " محمد البراء ياسين " باحث شرعي . صدر له: • مقالات في تناقضات الأشعرية . • عقوبة المرتد في الشريعة الإسلامية وجواب معارضات المنكرين . • فضل غض البصر . • في جدليات ظاهرة الغلو . • ابن تيمية ومغول إيران. • محنة ابن تيمية. • النشاط الأشعري المعاصر.
تأصيل علم علل الحديث الإمام علي بن المديني نموذجًا لطارق العودة
محمود ثروت أبو الفضل
13-02-2021
8,873
https://www.alukah.net//culture/0/144934/%d8%aa%d8%a3%d8%b5%d9%8a%d9%84-%d8%b9%d9%84%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%8a-%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac%d9%8b%d8%a7-%d9%84%d8%b7%d8%a7%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%af%d8%a9/
تأصيل علم علل الحديث الإمام علي بن المديني نموذجًا لطارق العودة صدر حديثًا كتاب " تأصيل علم علل الحديث، دراسة نظرية تطبيقية "، الإمام علي بن المديني ( نموذجًا ) مشتملًا على الإجازة بمروياته وآثاره، تأليف : د. " طارق بن عودة بن عبد الله العودة "، نشر " دار طيبة الخضراء للنشر والتوزيع ". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية بعنوان "منهج الإمام علي بن المديني في إعلال الأحاديث دراسة نظرية تطبيقية من خلال الكتب التسعة" تقدم بها الكاتب لنيل درجة الماجستير في تخصص السنة وعلومها من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تحت إشراف د. "عبد العزيز بن محمد السعيد" وذلك عام 1424 هـ - 2003 م. وتناولت هذه الرسالة إبراز دراسة مناهج الأئمة الأوائل في تعليل الأحاديث، وعلى رأسهم الإمام علي بن المديني الذي اتفق أهل زمانه ومعاصروه أنه أعلم أهل عصره في علل الحديث حتى قال رفيقه في الطلب الإمام "أحمد بن حنبل": "أعلمنا بالعلل علي بن المديني". وقال تلميذه أبو حاتم الرازي: "كان ابن المديني علمًا في الناس في معرفة الحديث والعلل". ويكفي دلالة على مكانته أن نعرف أن جهابذة النقد في علم العلل هم تلاميذه وتخرجوا على يديه كأبي حاتم الرازي والبخاري الذي كان يقول: "ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني". فهو سليل مدرسة عريقة عميقة الجذور في الحديث وعلله، كيف ولا، وشيخاه: يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي هما من مدرسة الإمام الناقد شعبة بن الحجاج. وهذا الإمام فقدت أغلب كتبه التي حوت إعلاله للأحاديث والموجود منها نزر يسير مع أنه مكثر من التصانيف، فذكر له الخطيب في "الجامع" ما يزيد على خمسة وعشرين مصنفًا، لذا كانت أهمية نقل نقول ابن المديني وجمعها والعناية بها من مظان كتب التراث وكتب علوم العلل؛ للتعرف على أوجه الخلاف الواقع بينها، مع بيان الراجح منها. وقام الباحث بحصر الأحاديث التي أعلها ابن المديني بعلة مؤثرة، إما بإرسال، أو وقف، أو قلب، أو انقطاع خفي، أو إبدال راو بآخر، أو زيادته أو نقصه، أو رجّح بين رواتها.. إلى غير ذلك من صور تعليل الأحاديث، ولم يدخل في البحث الأحاديث التي ذكر ابن المديني فيها رأي غيره من العلماء، واقتصر من تلك الكتب على الكتب التسعة لتوسعها. وتكونت خطة البحث من مقدمة وتمهيد ودراسة نظرية ودراسة تطبيقية وخاتمة تتلوها الفهارس. المقدمة: وفيها: 1- أهمية الموضوع، وفوائده العلمية. 2- أسباب اختيار البحث. 3- خطة البحث. 4- منهج البحث. التمهيد: وفيه ترجمة موجزة للإمام علي بن المديني، وفيه: • اسمه ونسبه وكنيته ونسبته. • مولده ونشأته. • طلبه للعلم ورحلاته العلمية. • أشهر شيوخه. • أشهر تلاميذه. • عقيدته، ومكانته العلمية، وأقوال العلماء فيه. • أهم مؤلفاته. • وفاته. القسم الأول: (الدراسة النظرية) وفيها: منهج الإمام ابن المديني في إعلال الأحاديث من خلال أحاديث الدراسة، وفيه مدخل وأربعة فصول: المدخل، وفيه: تعريف موجز بالعلة في الحديث، وأنواعها، وأهمية هذا العلم. الفصل الأول: أنواع العلل في الأحاديث عند ابن المديني. الفصل الثاني: طرق معرفة العلة عند ابن المديني. الفصل الثالث: عبارات الإعلال والترجيح عند ابن المديني. الفصل الرابع: قرائن الإعلال والترجيح بين الروايات عند ابن المديني. القسم الثاني: الدراسة التطبيقية، وفيها: (دراسة الأحاديث التي أعلها الإمام علي بن المديني من أحاديث الكتب التسعة مرتبة على مسانيد الصحابة). وكان منهجه في البحث: 1- يسوق الحديث كاملًا من المصادر الأصلية التي توجد بها العلة، ثم ينقل عبارة ابن المديني على الحديث. 2- يقوم بتخريج الحديث من المصادر الأصلية مبتدأً بالكتب التسعة، مع مراعاة تخريج كل وجه على حدة. 3- بيان أوجه الاختلاف في الحديث على ما ذكره ابن المديني، فإن وجد غيره درس منه ما له صلة وتعلق بما ذكره ابن المديني، أو ما كان له تأثير في ترجيح وجه من أوجه الاختلاف. 4- تبيين أوجه الاختلاف في الحديث على ما ذكره ابن المديني، فإن وجد غيره فإنه يدرس منه ما له صلة وتعلق بما ذكره ابن المديني، أو ما كان له تأثير في ترجيح وجه من أوجه الاختلاف. 5- ترتيب الاختلاف بحسب المدارات، فيقول مثلًا: "الوجه الأول"، فإن تفرع اختلاف آخر يميزه بالأرقام، وإن تفرع ثانية فبالأحرف. 6- يترجم للراوي الذي وقع عليه الاختلاف وللرواة المختلفين عليه، إذ هم العمدة في الترجيح إلا إذا كان الوهم ممن دونهم فيترجم بإيجاز للراوي الذي وقع الوهم منه، وطريقته في الترجمة كالتالي: أ. إذا كان الراوي متفقًا على درجته تعديلًا أو تجريحًا، فإنه يكتفي غالبًا بكلام الحافظ ابن حجر في التقريب، أو الذهبي في الكاشف. ب. إذا كان الراوي مختلفًا فيه اختلافًا معتبرًا، فإنه يذكر كلام النقاد، ثم الراجح منها على ضوء قواعد الترجيح ما استطاع. جـ. إذا كان رواة أحد الأوجه كثيرين مشهورين، وفيهم من الحفاظ الأثبات، وكان المخالف لهم في الوجه الآخر واحدًا أو اثنين، بحيث لا يشك الناظر في رجحانهم عليه، ففي هذه الحالة يكتفي بسرد أسمائهم، ولكنه يترجم للمخالف لهم في المقابل من أجل الوقوف على حال روايته. 7- يقوم بدراسة الأوجه المختلف فيها، مع ذكر الوجه الراجح، مبينًا سبب الترجيح ما أمكن، ومستعينًا بدراسة أقوال أئمة هذا الشأن. 8- يلخص أوجه الاختلاف في الحديث عند الحاجة وذلك فيما إذا كثرت الطرق وتشعبت تسهيلًا وتقريبًا للفائدة. 9- يحكم على الحديث بعد النظر والدراسة من خلال الوجه الراجح، وإن احتاج الحديث إلى شواهد ذكرها إن وجدت. وتمتاز هذه الطبعة بكونها كتابٌ تعليميٌ وضع فيه الكاتب "تأصيل علم علل الحديث" بأسلوبٍ سهلٍ، ورسوم "انفوجرافك"، ومُشجّراتٍ، وتدريباتٍ، تعين الباحثين والدارسين لهذا العلم في الجامعات والدروس العلمية. والمؤلف د. "طارق بن عودة بن عبد الله العودة" أستاذ السنة وعلومها المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، من أبحاثه ومؤلفاته: • "أحاديث النهي عن الجلوس بين الشمس والظل: دراسة حديثية". • "اختلاف الرواة في أحاديث الخيلاء الذي يحبه الله وبيان عللها".
الأمير الأسير (من أعلام العصر الحديث)
عبدالله بن سعود آل معدي
10-02-2021
3,089
https://www.alukah.net//culture/0/144889/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%af%d9%8a%d8%ab/
الأمير الأسير (من أعلام العصر الحديث) لن آتي بجديد حين أكتب عن الأمير محمد عبدالكريم الخطابي -رحمه الله-... ولكن أحاول تجديد ذكر الأماجد في زمن الانبهار بأعلام الغرب.. والانكسار لمشاهير التواصل.. فلعلّ همة ترنو.. وعزة تسمو.. كرر عليَّ حديثَهم يا حادي *** فحديثُهم يجلو الفؤادَ الصادي نشأته: ولد الخطابي في بيت إيماني في الريف المغربي عام 1299هـ، ونشأ فيه نشأة صالحة، وحفظ القرآن مبكرًا، ولا زال يترقى في التعليم حتى درس بـمدينة (فاس) لما كبر، ثم عاد إلى مسقط رأسه قاضيًا. كان والده ممن قاوم الاحتلال الإسباني للمغرب، ولما رأى الإسبان عجزهم عن والده انتقموا منه بسجن ابنه محمد مدة 4 أشهر عام 1920م. الفرار من السجن: حاول الخطابي الفرار من السجن، فتدلى بحبل أو خرقة من نافذة السجن، لكن الارتفاع كان شاهقًا، والحبل قصيرًا، فرمى بنفسه فسقط وانكسرت ساقه، وظل يتلوى من الألم حتى أُغمي عليه. بحث عنه الجنود الإسبان لما افتقدوه، ثم عثروا عليه وأعادوه للسجن مرة أخرى! ثم مكث في السجن مدة حتى أطلق سراحه بعد ذلك. في أحد طرقات الريف المغربي: ظل الخطابي حانقًا على الإسبان كونهم كافرين لدينه ومحتلين بلاده وناهبين ثرواته، كيف لهؤلاء النصارى يتخطون العدوة ليملكونا بعد أن ملكناهم أكثر من ثمانية قرون أندلسية؟! كان يتأمل ذلك الشرطي الإسباني في زقاق المغرب والتعليم الغربي في المدارس والحكومة المتسلطة المحتلة، إضافة إلى الخضوع والانكسار الذي عشعش في قلوب بعض المسلمين، وكما كان يتأمل كان يتذكر أيضًا، كان يتذكر خيول المسلمين على تخوم باريس، ورايات المجاهدين على مرتفعات إشبيلية، ومنارات المساجد في كل شوارع البرتغال، كان لسان حاله كما قال حافظ: لم يبق شيء بأيدينا إلا بقية دمع في مآقينا كنا قلادة جيد الدهر وانفرطت وفي يمين العلا كنا رياحينا كانت منازلنا في العز شامخة لا تشرق الشمس إلا في مغانينا فلم نزل وصروف الدهر ترمقنا شزرًا، وتخدعنا الدنيا وتلهينا حتى غدونا ولا جاه ولا نسب ولا صديق ولا خل يواسينا مر الخطابي ذات يوم بأحد طرقات الريف، فصادف أن رأى مشهدًا ثارت له حميته الكامنة، كان مشهدًا يمثل الحلقة الأولى من مسلسل امتدت حلقاته سنين طوال، ثمنها جماجم المسلمين، وغايتها رفع راية الإسلام من جديد على شواهق المغرب. رأى الخطابي شرطيًا إسبانيًا يضرب بكل فرعونيته رجلًا أعزلًا بسياط شديدة، وبكل ما أوتي من قوة! لم يصبر الخطابي، بل توجه للشرطي واستوقفه ثم كلمه في أمر هذا الأعزل، لكن الشرطي بعتوه لم يلق للخطابي باله، فانصرف الخطابي من عنده يحث خطاه نحو رئيس الشرطة الإسبانية هناك في إحدى ضواحي الريف، فلما وصل، دخل على الرئيس، دخل بعزة، دخل دخول رِبعي بن عامر على كسرى فارس، فلما حاذى مكتب الرئيس كلّمه في أمر الشرطي والأعزل، علّه أن يتخذ في حقه عقابًا، لكن العتو والتجبر جعلت رئيس الشرطة يتفوه بكلمة كانت وبالًا – بتقدير الله- على إسبانيا بعد ذلك، إذ قال للخطابي: "ألا تدري أن الإسباني – مهما كانت منزلته – هو سيد هذه البلاد؟!". فما كاد رئيس الشرطة يلتقط أنفاسه بعد كلمته تلك التي كان يحسبها الزلزلة حتى جاءته الطامة الخطّابية حين بهته الخطابي بردٍ جعل الرئيس يجمد في مكانه ويجف ريقه، إذ رد الخطابي قائلًا: "وألا تدري أن هذا السوط سيكلف إسبانيا ثمنًا باهضًا وعبئًا ثقيلًا؟!" – وكأني هنا أنظر للخطابي وهو يهوي بجسمه ويضرب بيديه طاولة الرئيس ويُخرج من فِيه تلك الشهب التي أحرقت بعد ذلك أوراق الشرطة بل وأوراق الدولة الإسبانية بعد ذلك! زفرة المصدور: خرج الخطابي من مكتب رئيس الشرطة، ثم توجه نحو قومه وعشيرته عجل الخطى ومتحشرج الصدر من الحنق والغيظ، فاجتمع بقبيلته وصاح فيهم صيحة النذير العريان، صيحة الإيادي حين حذر قومه قائلًا: أبلغ إيادًا، وخلّل في سراتهم إني أرى الرأي إن لم أعصَ قد نصعا يا لهفَ نفسي إن كانت أموركم شتى َّ، وأُحْكِمَ أمر الناس فاجتمعا ألا تخافون قومًا لا أبا لكم أمسوا إليكم كأمثال الدّبا سُرُعا في كل يومٍ يسنّون الحراب لكم لا يهجعونَ، إذا ما غافلٌ هجعا مالي أراكم نيامًا في بلهنية وقد ترونَ شِهابَ الحرب قد سطعا فاشفوا غليلي برأيٍ منكمُ حَسَنٍ يُضحي فؤادي له ريّان قد نقعا صونوا جيادكم واجلوا سيوفكم وجددوا للقسيّ النَّبل والشّرعا لا تثمروا المالَ للأعداء إنهم إن يظفروا يحتووكم والتّلاد معا يا قومُ لا تأمنوا إن كنتمُ غُيُرًا على نسائكمُ كسرى وما جمعا هو الجلاء الذي تبقى مذلته إن طار طائركم يومًا وإن وقعا قوموا قيامًا على أمشاط أرجلكم ثم افزعوا، قد ينال الأمن من فزعا فقلدوا أمركم -لله دركم- رحبَ الذراع بأمر الحرب مضطلعا لا مترفًا إن رخاءُ العيش ساعده ولا إذا عضَّ مكروهُ به خشعا مُسهّدُ النوم تعنيه ثغوركم يروم منها إلى الأعداء مُطّلعا وليس يشغَله مالٌ يثمّرُهُ عنكم، ولا ولد يبغى له الرفعا لقد بذلت لكم نصحي بلا دخل فاستيقظوا إن خيرَ العلم ما نفعا هذا كتابي إليكم والنذير لكم لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا فأشعل جذوة الغَيرة على الدين والعرض والبلد، فاشتعلت الصدور واحترقت غيظًا على الإسبان، واجتمع له الرجال ممن منّ الله عليهم من بينهم. أنوال وما أدراك ما أنوال: كان الخطابي ورجاله يعدون العدة لانطلاق الثورة وفق تاريخ محدد، إلا أن قدر الله كان أسبق ﴿ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ﴾ [الأنفال: 42]، إذ إنه وبقدرة الله حدث ما حدث بين أحد رجالات الخطابي وبعض أفراد الشرطة الإسبانية مما استدعى إطلاق أول رصاصة تجاه الجيش الإسباني جعلت المعركة تبدأ قبل أوانها! هنا..كشرت إسبانيا عن أنيابها، وأعدت العدة لسحق هذه النواة الجهادية في الريف المغربي، فكونت جيشًا ضخمًا مقداره 60 ألف نصراني – كما يقال - مدججين بأحدث أنواع الأسلحة، إضافة إلى أنواع الأسلحة الأخرى والذخائر والمؤن، كان جيشًا يزحف بالحصى والخطي حمرٌ ثعالبه، يقوده الجنرال (سلفستر) الذي كان يقول باستهزاء: "أنا ذاهب لأمسح حذائي بالريف!". لم يكن مع الخطابي سوى 3000 مجاهد، يذودون عن دينهم، ويحامون عن شرفهم وعرضهم وأرضهم، فقط 3000 أمام 60 ألفًا! ومن كان منسوب يقينه يرتفع وينخفض قياسًا على الماديات فسيحسم المعركة نظريًا وهو يقرأ هذه الأعداد! لكن.. منذ متى غلبنا الكفر بالكثرة والمادة؟! دونك كتب التاريخ، فتش في صفحاتها، ودقق بين سطورها، واقرأ معارك المسلمين منذ فجر الإسلام إلى اليوم هل انتصرنا بالعدة والعتاد؟! هل اجتحنا النصرانية بغير اليقين بالوعد والأمل بالحسنى؟! بل حين تسللت هذه الماديات للحظة واحدة في تاريخ الدولة الإسلامية الأولى يوم حنين فقال القائل: (لن نغلب اليوم من قلة) وأعجبت البعض الكثرة الكاثرة جاء التأديب الرباني: ﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ﴾ [التوبة: 25، 26] كمُن الخطابي ورجاله في مكان يقال له: (أنوال)، وذلك عام 1339ه، ووزع الرجال في الخنادق، كل رجلين في خندق، وبين الخندق والآخر مسافة ليست باليسيرة لتقليل الخسائر في الأرواح إن كانت المعركة للعدو، وانتشر الأبطال هنا وهناك، واستعد الجميع. وحضر العدو بقضه وقضيضه، فلما وطئت أقدامه أنوال ثارت بنادق الرجال، واندلعت المعركة، واشتبك الجيشان، وتطايرت الأجساد، وكثر القتلى، واجتاح الجيش المغربي العدو، وعصفت رياح النصر؛ فاقتلعت الخيام وكفأت القدور وأعمت العيون، ونزل النصر المؤزر في حادثة تاريخية غير متوازنة القوى: ﴿ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 126] . وانتصر الخطابي، ومزقهم ورجالُه شر ممزق، وغنم المجاهدون الأسلحة المتنوعة والذخائر والمؤن الكثيرة، إضافة إلى نحو ألف أسير من مختلف الرتب العسكرية، وكبدهم 15 ألف جندي ما بين قتيل وجريح تناثروا على مساحة 5 أميال، ولم يسلم سوى القلة، وغنم 20 ألف بندقية و 400 رشاش ومئات الآلاف من الطلقات، وطائرتين! ومع هذا السيناريو العجيب لخط سير المعركة، ومع ضخامة النتيجة، وزحام الغنائم هذا، إلا أن وسائل الإعلام المتنوعة اليوم لا تكاد تنطق ببنت شفه عنها! بل الأعجب أن كثيرين لا يعرفون شيئًا عن الخطابي نفسه! تبعثرت أوراق الإسبان، وفُصِل كثير من القادة العسكريين في الحكومة، وتبادل المسؤولون التهم بينهم، وألقى الله الرعب في قلوبهم! وبعد هذا الانتصار الساحق: تمددت ثورة الخطابي، وتوسعت الإمارة الإسلامية التي قام بإنشائها في الريف، وخشي الغرب أنها نواة للخلافة الإسلامية، فقامت حكومات الغرب ولم تقعد! العدوان الثلاثي: الفترة الزمنية التي حدثت فيها تلك الأحداث كانت فيها المغرب كعكة اقتسمتها إسبانيا وفرنسا، حصل خلالها وبعدها خلافات سياسية بين الدولتين، لكن إسبانيا لما رأت توسع الثورة الخطابية وازدياد المناوشات مع المجاهدين وحرب الشوارع التي لم يعهدوها عزمت على عقد مؤتمر تتوحد فيه الصفوف الغربية لعدوها المشترك الذي تتهاوى أمامه كل صروح الخلافات بينهم، فالأهم أن تبقى جياد الإسلام معقولة! فقط تأكل الأعلاف ثم تنام! وفعلًا.. تصالحت الدولتان؛ لأن الهدف مشترك! دفعت الحكومتان بأعداد هائلة من الجنود بلغت مئات الآلاف، متدرعين بالعتاد الحربي المتطور، يطوون الأرض طيًا تجاه معاقل المسلمين، تجاه العزّل، تجاه 60 ألف مجاهد فقط! هذا الزحف كان برًا! أما جوًا فقد انتظمت الطائرات الحربية في 44 سربًا في السماء! تحلق فوق الخنادق! فوق أصحاب البنادق! وأما بحرًا فقد مخر البحر أسطولٌ بحري من أقوى الأساطيل البحرية آنذاك يمثل دورًا حربيًا لدولة ثالثة تنظم للحرب هي بريطانيا! كم هو الإسلام مرعب للغرب! يهابونه ويخافونه! والمسلمون في أعينهم ليسوا إلا أسدًا هصورًا مقفوصًا ينتظر لحظة الانقضاض وإن تطاول الزمن: ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8]. وبعد صدمات متوالية وقعت بين الأمير الخطابي والفرنسيين وأوقع بهم خسائر فادحة كان للكثرة الكاثرة من القوى الاستعمارية دور فاعل في ميل الكفة لصالح الأعداء! فالاجتياح البري، والقذف الجوي بالقنابل الحارقة والغازات السامة، والحصار البحري، للمجاهدين والعزّل والمدنين الضعفاء، وكثرة القتلى كلها أسباب -بإذن الله- في انتصار الدول الثلاث الكافرة! ولولا خيانة الصوفية وتخذيلهم عن القتال مع الخطابي لربما حدث أمر آخر! لكن الأمير محمد عبدالكريم الخطابي مع ذلك ظل قرابة العام الكامل يفَاوَض لأجل تسليم نفسه لكن كانت له طريقته الخاصة في هذا التفاوض! فلم يكن كأي أحد! لم يستسلم هكذا! ظل مقاوما ومناضلًا حتى قُتِل كثير من جيشه، ولم يبق معه سوى 200 مجاهد! أمام أعتى ثلاث دول غربية! شاور الخطابي من بقي معه قبل تسليم نفسه – وهكذا العظماء لا يُرون الناس ما رأوا-، فأشاروا إليه بحقن الدماء، فقبِل، وظل – كما ذكرت - عامًا كاملًا تقريبًا يتفنن في طريقة التسليم، ويملي على فرنسا شروطه، هكذا ببساطة! تخيل رجل واحد يفعل هذا مع دولة! وبعد ذلك المشوار الجهادي الطويل آن للفارس أن يترجل! وسلم الخطابي نفسه.. وأُسِر الخطابي سنة 1344ه لدى فرنسا التي غدرت ونكثت عهودها والشروط، إنها جينات وراثية لا تتغير، يرثونها عن آبائهم، عن أجدادهم! انظر أيها العالم.. فها هي الآن ترسف في القيود عزة ذلك الزمان! كان الخطابي يسير رويدًا في قيوده، صوت القيود يقطع صمت الموقف، وكأني به مطرق الرأس لا لذل للنصارى ولكن لقدر الله، أما النفس فلم تزل شامخة متطاولة: أُسِرت وما صحبي بعزُلْ ٍلدى الوغى ولا فرسي مُهرٌ ولا رَبُّه غَمر ولكن إذا حم القضاء على امرئ فليس له بر يقيه ولا بحر وقال أصيحابي: الفرار أو الردى فقلت: هما أمران أحلاهما مر ولكنني أمضي إلى ما لا يعيبني وحسبك من أمرين خيرهما الأسر سيذكرني قومي إذا جد جدهم وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر وطُويت صفحة من تاريخ المغرب المجيد، بل من تاريخ الجهاد الإسلامي التليد. في رينيون 1947م: غُرِّب الأمير وأهله في رينيون، في شرق مدغشقر، في جزيرة هناك، جزيرة صغيرة كأنها شامة في جبين البحر، ظل هناك ما يلتفت إلى جهة إلا وأمواج البحر قبالته، يسامرها الليالي الطوال، يحاكيها عن بلادٍ وجهاد، عن ثورة ورجال، عن حرب وسجال، عن دولة وقتال، وعترة وأبطال، ثم غربة وسجن وإذلال! ظل الأمير الأسير في عرض المحيط الهندي قرابة 21 عامًا غريبًا سجينًا كسيرًا. شيء من قدرة الله: إن كان من تعبير عن ما حدث بعد ذلك للأمير فلا أدلّ ولا أبلغ من تعبير النبي صلى الله عليه وسلم حين جلّى بوضوح تلك القدرة الربانية العظيمة؛ لئلا يبق في قلب المؤمن ذرة من يأس وقنوط من رحمة الله مهما تطاول ليله واسود جانبه، وليعلم أن الأمر كله لله - قال صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس: " واعلَم أنَّ الأمَّةَ لو اجتَمعت على أن ينفَعوكَ بشَيءٍ لم يَنفعوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ لَكَ، وإن اجتَمَعوا على أن يضرُّوكَ بشَيءٍ لم يَضرُّوكَ إلّا بشيءٍ قد كتبَهُ اللَّهُ عليكَ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجفَّتِ الصُّحفُ" صححه الألباني. ويشاء الله بعد تلك السنين أن يحدث أمر سياسي ما بين فرنسا والمغرب يستدعي من الحكومة الفرنسية ترحيل الأمير على متن باخرة عاجلة إلى سجنٍ داخل الدولة الفرنسية، وفعلًا يصعد الأمير على متن تلك السفينة، وتتحرك السفينة تجاه مصر التي لا بد للسفينة من الوقوف على ميناء فيها، لكن، وبقدرة الله ينتشر خبر اعتلاء الأمير المفقود متن الباخرة الفرنسية ممن رأى الخطابي إلى الناس، الذين لم تكد تحملهم أقدامهم من الفرح الذي لم يكتمل بعد، فتسامع الناس بخبر الخطابي، فأبرقوا من عدة دول إلى المكتب المغربي في مصر أنْ أنزِلوا الخطابي وفكوا قيود الشيخ، وفعلًا، لما رست السفينة على أحد موانئ مصر إبان حكم الملك فاروق صعد السفينة وفدٌ من جامعة الدول العربية وأخبروا قبطان السفينة بأن الملك فاروق يريد السلام على البطل المغربي محمد عبدالكريم الخطابي، فصدّق المسكين، وانطلت الحيلة على فرنسا، ونزل الخطابي ووطئت قدماه أرض مصر، ولم يصعد بعدها متن السفينة، فثارت ثائرة فرنسا ولكن بعد فوات الأوان. النهاية: وظل الأمير في مصر مكرمًا معززًا، واستمر في أعماله الإصلاحية للمغرب عن بعد. وفي مصر وفي القاهرة بالتحديد زاره أيقونة الثورات العالمية الشيوعي: (تشي جيفارا)، الذي أخذ عنه واستفاد منه حرب الشوارع، لذا فإن محمد عبدالكريم الخطابي هو أول من اخترع هذا النوع من الحروب ولا يعلم ذلك إلا القليل وللأسف! وإذا كان (جيفارا) بنفسه أتى ليأخذ هذا العلم الحربي عن الأمير فلماذا ترفع صورته، ويتسمى أبناء المسلمين في وسائل التواصل باسمه، ويتلقبون بلقبه، ويقلدون هيئته، وهو شيوعي وذاك مسلم، وهو التلميذ وذاك الأستاذ، وهو الثائر للباطل وذاك الثائر للحق؟! ظل الأمير في مصر حتى جاء زمان جمال عبدالناصر الذي كمم أفواه الصالحين وفعل ما لا يسع القارئ جهله، وقص أجنحة المصلحين وكان منهم في تلك الحقبة بطل قصتنا هذه، حتى مات الخطابي يوم مات سنة 1382ه ولم تذكره وسائل الإعلام بكلمة! مات -رحمه الله- ولسان حاله: ووالله ما قصرت في طلب العلا *** ولكن كأن الدهر عنّيَ غافلُ كلمة أخيرة: إن السعي لإعلاء كلمة الحق ثمنه الصدق والتضحية، وهذا الثمن ثمن باهض يهلك دونه الرجال إلا من ثبت الله جنانه وأعانه، ألا وإن كان جهاد الأمير في ساحات الوغى وفي ظروف سياسية استدعت ذلك فإن جهاد اليوم جهاد النفس في طلب العلم، فدونه تسلّ السيوف، وفي رحابه يثور النقع، فشمروا عن سواعد الجد لرفع الجهل عن الأمة بمشروع إصلاحي تعليمي للنشء، أو إيقاف سير عجلة التفاهة في طرقات المجتمع، ولعل بادئًا قبل أن يبدأ أن يبدأ بنفسه، والله المستعان وعليه التكلان [1] . [1] انظر: ♦ الأعلام للزركلي (6/ 216). ♦ إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع (2/ 513). ♦ سيرة محمد عبدالكريم الخطابي بطل الريف ورئيس جمهوريتها، رشدي الصالح . ♦ عظماء منسيون في التاريخ الحديث، محمد موسى الشريف. ♦ الموسوعة التاريخية - الدرر السنية.
دموع الرحمة على الشيخ غلام الله رحمتي 1355-1442هـ 1937-2021م
د. سعد الله المحمدي
10-02-2021
10,072
https://www.alukah.net//culture/0/144887/%d8%af%d9%85%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ba%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d8%aa%d9%8a-1355-1442%d9%87%d9%80-1937-2021%d9%85/
دموع الرحمة على الشيخ غلام الله رحمتي 1355-1442هـ 1937-2021م هو العلامة الأثري، المفسّر الجليل، المحدّث المسند، الفقيه الأصولي، خادمُ علومِ الكتاب والسنّة وحامل لوائها، من كبار علماء الإسلام، وعمالقة الدعوة، أوقفَ حياته لخدمة القرآن والحديث، والدفاع عن ثغور الدين، وشمّر للذّب عن السنّة النبوية، ينفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. كان عالمًا ربانيّا، ورجلا حكيما، شُجاعا في قول الحق، قويّ الحجة والبرهان، متمسّكا بالدليل، منحهُ الله تعالى ذهنا صافيا، وذكاءا نادرا، وذاكرة قويّة. له حبّ عجيب وتعلّق خاص بالكتاب، يجدُ لذّته في الجلوس إليه، فهو أنيسه ونديمه وسميره، ويبحثُ عن النسخ النادرة، وأحدث ما طُبع من التراث الإسلامي، ويحرصُ على اقتنائه، ويصرف كرائم أمواله فيها، ويكثر من القراءة بلا ملل، ويلتهم الكتاب التهاما بهمّةٍ عالية وعزيمةٍ صلبة، وقد وُجد مكتبُه الخاص مكتظا بالكتب التي كان يقرأها قبل وفاته رحمه الله. أعزّ مكان في الدنى سرج سابح ♦♦♦ وخير جليس في الزمان كتاب. الاسم والنسب: هو الشيخ غلام الله بن المولوي رحمة الله بن محمد بن أختر بن باران بن عثمان بن حكيم خان بن عظيم خان الأفغاني ثم البيشاوري. الكنية واللقب: يكنّي الشيخ باسم أكبر أولاده ( عبدالحليم ) فهو أبو عبدالحليم، ويكنّى بـ ( أبو محمد ) كذلك، ويلقّب بــ ( رحمتي ) نسبة إلى والده المولوي رحمة الله. المولد والنشأة: ولد عام 1355هـ الموافق لـ 1937م على الأصحّ، في أسرةٍ معروفةٍ بالسيادة والمجد، وعريقة في الوجاهة والمكانة بولاية قندوز شمال أفغانستان، وتعتبر قندوز منبع الرجال والأبطال في التاريخ. وينتمي الشيخ إلى قبيلة ( كاكر ) التي تُعدّ من أكبر القبائل في إقليم بلوشستان، ولها تواجد كبير في بعض الولايات الأفغانية، وينحدر من هذه القبيلة مجموعة من العلماء والمصلحين وقادة الجيوش الإسلامية. الملامح والصفات: كان رحمه الله أبيض البشرة مائلا إلى الحُمرة، وسيمًا مليحَ الوجه، تعلوهُ المهابة والوقار، والحياء والسيادة ، والتواضع والانبساط، كما كان آية في الحفظ والفهم، وقوّة العلم، وسرعة البديهة، وحسن الجواب، ولطف الحديث، كريما مضيافا، محبّا للخير، معروفا بسعة الصدر والعدل والرحمة حتى مع مخالفيه ومناوئي دعوته رحمه الله. الطريق إلى العلم: قرأ الكتب المتداولة على والده وعلى غيره من العلماء في بلدته، ثم رحل إلى مدينة كويتا الباكستانية، ودرس في مدرسة مظهر العلوم، ثم انتقل إلى الجامعة الأشرفية في لاهور، ودرس كتب الحديث والأجزاء الحديثية العديدة على الشيخين: المحدث محمد إدريس الكاندهلوي (1900-1974م) الذي كان يُطلق عليه لجلالة علمه أنه مكتبة تمشي على الأقدام، والشيخ رسول خان الهزاروي (1881-1971م) أحد كبار رجال الحديث في شبه القارة الهندية. كما درس تفسير القرآن الكريم على الشيخ أحمد علي اللاهوري (1887-1962م) وأجازه الشيخ المحدث المحقق بديع الدين شاه الراشدي السندي (1925-1996م) بمروياته. التحوّل الفقهي: تحوّل الشيخ غلام الله رحمتي بفضل الله تعالى وتوفيقه ثم بفطرته السليمة وقراءته لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وتلميذه شيخ الإسلام ابن القيم، وكتب شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله، تحوّل من دائرة المذهبية إلى رحاب السلفية، وإنّ مثل هذا التحوّل يُعتبر من الكبائر في المجتمع الأفغاني المعروف بانتمائه وشدّة تمسكه بالمذهب الحنفي، ولذا بدأت معاداة الناس له، واتّهم من قبل علماء السوء بالمنطقة بالوهابية والخروج عن الملّة. المشاكل والمحن: بدأ الشيخ بالتدريس في منطقته وأعلن دعوته الإصلاحية بالرجوع إلى الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وهمّ الناس بقتله مرارا، لاختياره المنهج السلفي، فسجن لمدّة عشر سنوات متفرّقة، منها 8 سنوات في عهد الملك محمد ظاهر شاه الذي حكم أفغانستان من 1933-1973م. ولم يترك الشيخ تعليم الناس والتدريس لطلاب العلم خلال في أوقات الأزمات والمحن، فكان يذهب إلى المحكمة ويحيط به عن يمينه ويساره عشرات الطلاب ينهلون من علمه وفيضه، وكان يدرّس بالسجّن كذلك. الهجرة والتدريس: في عام 1978م وبعد مقتل الرئيس محمد داود، خرج الشيخ من السجن، وهاجر من أفغانستان فرارًا بدينه ولم يكن يملك من متاع الدنيا إلا ملابسه فقط، فنزلَ في كويتا الحدودية مع أفغانستان، ثم دعاهُ الشيخ العلامة الدكتور شمس الدين الأفغاني ( 1953 - 1999م) صاحب كتاب عداء الماتريدية للعقيدة السلفية، دعاه إلى التدريس بالجامعة الأثرية التي كانت وقتها في منطقة ريجي ببشاور، فأصبح شيخ الحديث بالجامعة واهتمّ بالتدريس وانهمك فيه. النشاط التوعوي: بدأ الشيخ بتوعية الناس وتمكنّ بمساعدة بعض أخلص طلابه من إصدار جريدة ( المسلمون ) والتي لازلتُ أحتفظ بعدد منها، وكانت هذه الجريدة تركّز على الدعوة، وبيان مسائل العقيدة، ونشر التوحيد والرد على أهل البدع. جماعة الدعوة: في عام 1984م اجتمع العلماء السلفيون الأفغان بقيادة العالم المجاهد، المصلح الكبير، والقائد المحنّك الشيخ جميل الرحمن رحمه الله (1939-1992هـ) الذي قُتل غدرا وهو يتأهب لصلاة الجمعة في مدينة باجور الحدودية مع ولاية كنر الأفغانية. اجتمع العلماء لوضع نواة لجماعة الدعوة إلى القرآن والسنة للاعتناء بالتوحيد الخالص والدعوة إلى الله وتربية الجيل الجديد بجانب الجهاد ضدّ الشيوعيين في أفغانستان، فكان الشيخ رحمتي رحمه الله أحد أبرز أعضاء هذه الجماعة حيث أسندت إليه رئاسة الدعوة والإرشاد، ثم تدرّج في الوظائف حتى أصبح نائبا للشيخ جميل الرحمن رحمه الله في أمور الجماعة. ذكريات مع الشيخ: درستُ على الشيخ رحمه الله ترجمة وتفسير معاني القرآن الكريم في أواخر الثمانينات، وكنتُ ألقي عليه أسئلة طلاب الدراسات العليا حول العقيدة في عام 1993-1994م في باكستان، وبالتحديد في المجلس العلمي الأسبوعي بجامع أهل الحديث بمنطقة جلوزي بشاور، وجلستُ معه في بيته، وقد زوّدني بمصادر ومراجع من مكتبته الخاصة لإعداد أحد البحوث حبا متبادلا بين الشيخ وتلميذه، مع أنّ الشيخ كان حريصا على الكُتب، ويرى عدم إعارتها .. وهل أبصرت محبوبا يُعار؟ شرح ابن بطال: كان الشيخ رحمه الله يحبّ من بين شروح صحيح البخاري: فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني، وإرشاد الساري للإمام القسطلاني، وكشف الباري عما في صحيح البخاري للشيخ سليم الله خان (1926-2017م)، لكنّه كان مهتما بكلّ ما يتعلق بصحيح البخاري الذي شرحه لأكثر من 40 مرّة. وفي آواخر عام 2001م اجتمعنا بالشيخ في مجلس بمنطقة الرياض، وإذا بالشيخ أبوقتيبة نظر محمد الفاريابي يدخل المجلس، والشيخ نظر محمد ممّن خدم جملة من كتب السنّة، وله باع طويل في مجال التحقيق ، فبدأ الشيخ رحمتي يسأله عن أحدث الكتب وآخرها، وعندما أخبره الشيخ نظر محمد عن صدور أقدم الشروح للجامع الصحيح وهو شرح العلامة الفقيه أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك القرطبي ثم البلنسي المعروف بابن بطال (ت 449هـ) سرّ سرورا عظيما، وعندما أخبره أن الحافظ ابن حجر رحمه الله قد أكثر في شرحه من نقل المواعظ الزهدية عنه، ازداد اشتياقا ولوعة إلى الكتاب وطلبه في الحال. دار القرآن والحديث: في عام 1993م أسس الشيخ رحمه الله مركزا علميا لخدمة السنة، وتأهيل الدعاة في قرية ( قاضي كلي ) ببشاور، وهذه القرية منسوبة إلى أحد كبار العلماء السلفيين والشعراء المفلقين القاضي طلا محمد بن محمد أكبر بن محمد البشاوري، الذي ولد بمدينة بشاور عام 1812م وتولى منصب ديوان الإنشاء بمدينة كلكته، وزار الحجاز، وتوفي بمكة المكرمة عام 1892م وكان هدف تأسيس هذه الدار تقديم المتخصصين في أربع مجالات: التفسير والحديث والفقه واللغة، وبدأ الشيخ بالتدريس فيها بنفسه، وودّع كافة الأعمال والأنشطة الأخرى، وخرّج نخبة من الدعاة المؤهلين وطلبة العلم المتميّزين. ونظرا لحرص الشيخ على السنة وعنايته بها فقد اختصر التخصص في الدار على علم الحديث بما فيه علوم الجرح والتعديل، والتخريج ودراسة الأسانيد، وغريب الحديث، وعلم الرجال وغيره. دين النبيِّ محمدٍ أخبارُ نعمَ المطيّةُ للفتى الآثارُ لا ترغبنَّ عن الحديث وأهله فالرأيُ ليلٌ والحديث نهارُ مكتبة شيخ الإسلام: ذكرنا أن الشيخ يحب الكتب حبا وصل درجة العشق، وكانَ أحيانا يشتغل بالقراءة والمطالعة إلى أذان الفجر خاصة إذا وقع في يده كتاب جديد، ثم يصلّي وينامُ، ويقرأ مجلدا كاملا في ليلة كما ذكر ذلك ابنه الشيخ عبد الحميد رحمتي. أسس الشيخ هذه المكتبة، وتعدّ من كبريات المكتبات الأهلية الموجودة في بشاور، وتحتوي على كتب نادرة وذخائر حديثية، ومؤلفات قيمة في التفسير والحديث والفقه والأديان والفرق وغيرها. قوة الحافظة: كان الشيخ رحمه الله معروفًا بقوة الذاكرة، فكانَ يحفظُ القرآن الكريم وكتب الحديث الستة وتفسير ابن كثير، وغيره من الكتب حتى الهوامش حفظا عن ظهر قلب، ويحيلُ الإحالات اعتمادا على الذاكرة، وقد حفظ كُتب المذهب الحنفي بمتونها وهوامشها. وذكر الدكتور عبدالحكيم صابر قصة تظهر قوة حافظة الشيخ فيقول: زرنا الشيخ في مسألة الرضاع، وهي من المسائل الصعبة في باكستان، وعندما دخلنا عليه وعرضنا الأمر عليه، قال لي يا شيخ: خذ سنن أبي داود، واقرأ، فقلت: من أين أبدأ يا شيخ؟ فقال: من أيّ مكان في الكتاب. يقولُ: ففتحتُ الكتاب، وبدأت أقرأ حديثا من الأحاديث، وهنا استوقفني الشيخ و قال لي: تصفح ست صفحات إلى الأمام واقرأ الحديث الرابع ففيه الرضاع. الكتب والمؤلفات: انشغل الشيخ رحمه الله بالتدريس عن التأليف فكان قليل العناية بالتأليف، ومن أهم مؤلفاته: 1- تحذير المسلمين عن الحكم بغير ما أنزله رب العالمين 2- تهافت الفقهاء. 3- الأربعون. 4- ومن الكتب غير المطبوعة له رحمه الله: تفسيره للقرآن الكريم، وشرحه على الجامع الصحيح، وشرح على الترمذي، كلها مكتوبة من التسجيل، نسأل الله أن ييسر إكمالها. الأسانيد والإجازات: يقول الخطيب البغدادي في كتابه القيم ( الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ):"منزلة الحديث بمنزلة الذهب، إنّما يبصره أهله" وبما أن الإجازات الحديثية التي كانت لدى الشيخ رحمه الله كانت من أقرب الإجازات إلى كتب مؤلفيها ونظرا لحرص طلبة العلم على حصول تلك الإجازات فقد توافد طلاب العلم على مجالس الشيخ في باكستان والسعودية والكويت وغيرها، وكذلك عبر شبكة الإنترنت يأخذون عنه الإجازات، والأسانيد بمروياته، فانتفع به خلق كثير ولله الحمد والمنة. وقد جمع ابنه البار الشيخ عبد الحميد رحمتي ثبتا بأسانيد الشيخ وهو مطبوع متداولٌ. الوفاة والجنازة: توفي رحمه الله يوم الجمعة 16جمادى الآخر عام 1442هـ الموافق 29 يناير عام 2021م في منطقة بشاور باكستان، وتم تشييع جثمانه وسط جمع غفير من طلبة العلم والدعاة وأهل العلم وعامة المسلمين، كما أقيمت صلاة الغائب عليه في عدد كبير من المدن والقرى في باكستان وأفغانستان، مودعين إياه بدموع الرحمة والدعاء له بالمغفرة والرضوان. وإنِّي من القوم الذين عرفْتَهُمْ ♦♦♦ إذا مات منهمْ سيّدٌ قام صاحبُ شمعة أخيرة: عليكَ بأصحاب الحديث فإنهم على نَهج للدِّين لا زال معلمَا وما الدين إلا في الحديث وأهله إذا ما دَجى الليل البهيمُ وأَظْلَمَا
العبث اليهودي
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
10-02-2021
6,014
https://www.alukah.net//culture/0/144882/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%87%d9%88%d8%af%d9%8a/
العبث اليهودي سلَّمت رأسي إلى حلَّاق في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو بالولايات المتَّحدة الأمريكية، لم يكن الحلَّاق ثرثارًا ولكنه كان دمثًا، ينهي مهمَّته بمهارة، ويقرنها بما تحبُّ أنْ تسمع، لاحَظ عليَّ أنِّي غريب، فأطلق سؤالًا، طالما سمعناه في كل مناسبة: من أين أنت؟ فأجبتُه بأني من المملكة العربية السعودية، فقال بشيء من المرَح الذي لا تخلو نبراته من الحسد: نعم أنت من أرض النفط! ففتح هذا لي مجالًا أنْ أضعه حيث يستحقُّ، وأوقفه عند حدِّه ولكن بهدوء، لكنه سارعني معتذرًا قائلًا: هكذا يُقال عنكم كلَّما ذُكرتم، لكني أنا الحلَّاق - هنا - أعرف عنكم غيرَ ذلك مع ذلك؛ فأنتم أصحاب تراث وتاريخ وعلوم وثقافة، وهذا المجتمع - في نوعية من حضارته - امتدادٌ لحضارتكم، لكنَّه أخذ من حضارتكم العلمَ البحت والتقنية، ولم يقرنه بالروح، فبدا عليه الضياع والعبث، شعرت أنِّي أهتزُّ طربًا نشوانَ ممَّا يقول هذا الحلَّاق، في وقت تُتَّهم فيه هذه الفئة من بني الغرب بضيق الأفق. في هذه الأثناء دخل رجل بدا عليه وكأنَّه تاجر البندقيَّة في هيئته ونظراته وتأبُّطه حقيبته، فحيَّا الحلَّاق تحيَّةً أوحَت لي أنَّه يعرفه من قبل، فردَّ عليه حلَّاقنا تحيَّته بشيء من الفتور، فذكَّره تاجر البندقية بعرضٍ سبق أنْ قدَّمه له، وحلَّاقنا يحاول التخلُّصَ منه بالحُسنى، وذاك يصرُّ في العرض عليه حتى ضاق به الحلَّاق ذرعًا، وأخيرًا طلب تاجر البندقية، أو تاجر كليفلاند، من الحلَّاق الاتصال به للتفاوض أكثر فيما بعد، فانصرف غير مأسوف عليه. لم يكن يهمُّني أمرَ الرجل، لكنَّ إلحاحه في الطلب والعرض على الحلَّاق لفت انتباهي، وقبل أنْ أبادر بالاستنكار تأفَّف الحلَّاق، وقال: قاتل الله اليهود! فزاد شعوري بالاهتزاز وأنا عل كرسي الحلَّاق طربًا نشوانَ مما يقول، فهذه بادِرة أخرى لم أكن أتوقَّعها من عامَّة الناس، يصرِّحون بها ضد الجشع والابتزاز اليهودي، لا سيَّما في هذه البقعة الكبيرة من العالم الجديد، فهم - وإنْ كانوا يناصبونهم العداء حقًّا - إلا أنَّهم، بحكم التعاليم، يحاولون كتمانَ ذلك، على غير أصحابهم والمقرَّبين منهم. لكن صاحبنا هذا فتح لي صفحات من تاريخ العبَث اليهودي بالمجتمع الأمريكي؛ عبث يبدو من ظاهره أنَّه إسهام في حضارة الإنسان، ولكنَّه - في النهاية - محاولة لتطبيق البروتوكولات التي تَعاهدوا عليها، ومنها محاولة السيطرة على العالم، علميًّا وحضاريًّا وطبيًّا وفنِّيًّا، وبدا لي وكأنَّ حلَّاق كليفلاند يقرأ عليَّ الكتاب بروتوكولات حكماء صهيون، ويذكِّرني بفقراته فقرةً فقرة، وكنت قد مررتُ عليه زمنًا طويلًا مضى [1] . يقول لي الرجل: إنَّ اليهود بهذا المجتمع يحتلُّون حوالي خمسين بالمائة (50 %) من المجالات الجادَّة في الحياة الغربية، فتجد خمسين بالمائة (50 %) من الأطبَّاء والعلماء المفكِّرين والأدباء والفنيِّين والفنَّانين من اليهود، ولكنك لا تجد حوالي (5 %) منهم في المجالات الهازلة العابثة؛ كالتسكُّع والتشرُّد في الشوارع، ومتابعة تقليعات الشباب، التي طغت في الستينيات الميلادية، وإنْ كانوا هم الذين يغذُّونها من وراء حجاب. إذا نظرنا إلى عدد اليهود الذين يعيشون في الولايات المتَّحدة وجدناه لا يكاد يتجاوز الأربعة ملايين (4,000,000) نسمة في البلاد التي يكاد يزيد عدد سكَّانها على مائتين وخمسة وتسعين مليون (295,734,134) نسمة، حسب إحصائية عام 1428هـ/ 2007م، أي: إنَّ نسبة اليهود لا تكاد تصل إلى اثنين بالمائة (2 %) من عدد السكَّان، إذا نظرنا إلى هذه الأرقام ربَّما تبادر إلى أذهاننا أنَّ تأثير اليهود البالغ (50 %) على الجوانب الجادَّة في الحياة الأمريكيَّة يكاد يكون مبالغًا فيه نوعًا ما، فالتأثير معروف لدى الجميع، لكن مَوضع النِّقاش في النسبة، ولو كانت هذه النسبة منصبَّة على الجانب الاقتصادي، لكان الأمر ميسورَ التصديق [2] . ثم إنَّ عدد اليهود في العالم لا يكاد يصِل إلى ثلاثة عشر مليون (13,093,000) نسمة، أي: إنَّ نسبتهم عالميًّا لا تتجاوز (0,003 %) من مجموع سكَّان العالم، الذي يربو اليوم على الستَّة مليارات (6,000,000,000) نسمة، وعددهم هذا لا يوحي بعظم تأثيرهم على أيِّ مجتمع؛ وذلك لضآلة عددهم وعدم تقبُّل الكثيرين لهم، ومن سمات اليهود الديموجرافية أنهم يتناقصون؛ بحيث يتوقَّع معهد اليهودية المعاصرة التابع للجامعة العبرية بالقدس أنْ يصِل عددهم سنة 1430هـ/ 2010م إلى ثلاثة عشر مليون وأربعمائة وثمانية وعشرين ألف (13,428,000) نسمة فقط، حتَّى بدأ الحديث عن "موت الشعب اليهودي" [3] . يذكر بعض النقَّاد أنَّ التوكيد على تأثير اليهود على أيِّ مجتمع يعطيهم أكثرَ مما يستحقُّون، وأنَّ هذا التأثير إنما جاء لفترة من الزَّمن، حاولوا فيها استدرارَ عطف الناس بما روَّجوه من مذابح جرَت لهم، أيَّام الحرب العالمية الثانية على يد النازيين، الذين لا يزال اليهود يلاحقونهم في كلِّ مكان، لا سيَّما في أوروبَّا والأمريكتين الشمالية والجنوبية [4] . كما يؤكِّد هؤلاء النقَّاد على أنَّ الاعتراف بهذا التأثير له نتائجه غير المرغوبة في حياة الشعوب، لا سيَّما منها ما كان لها مساس مباشر بقضايا لليهود، في الوقت الراهن؛ كقضية فلسطين، وأنَّ إسباغ هذه "الهالة" عليهم، والتهويل من أمرهم فيه مدعاة للوهن والاستسلام، والاعتراف بأساطير يردِّدونها، تدور حول أنَّهم لا يُقهرون. أمام هذين الرأيين - رأي حلَّاق كليفلاند ورأي المحلِّلين المتابعين - يقِف المرء وهو في حيرة من أنْ يصل إلى رؤية صحيحة، يعتمد عليها، فرأي حلَّاق كليفلاند مَلموس هناك، ويتضايق الكثيرون من أمثال حلَّاق كليفلاند من وجود اليهود، بل إنَّ الوثائق الموروثة أشارت إلى أنَّ بنجامين فرانكلين، أحد مؤسِّسي الولايات المتَّحدة كتَب وثيقةً يحذِّر فيها من السَّماح لهجرة اليهود إلى الدنيا الجديدة؛ لأنَّه إنْ أُتيحَت لهم الهجرة "فسنصبح لهم زرَّاعًا وصنَّاعًا وعاملين، ونترك لهم المجالَ أنْ يجنوا ما نزرع فنصبح لهم مستعبدين"، كما تشير الوثيقة، ومثل هذه الوثيقة كلام أُثر عن جورج واشنطون، أبو أمريكا، كما يسمُّونه، فقد حذَّر من هجرة اليهود إلى أمريكا. الواقع يشير إلى أنَّ هجرة اليهود إلى أمريكا لم يُسمح بها إلَّا في بداية القرن الميلادي العشرين، وكانوا قبل ذلك يُمنعون من دخول الولايات المتَّحدة، وفي هذا دلالة على أنَّ لهم تأثيرًا ما، بغضِّ النظر عن نسبة التأثير، ولهم تأثير كذلك على الجوانب الجادَّة في الحياة الأمريكية والغربية والشرقية عن طريق الماسونيَّة على حدٍّ سواء، ليس في المجالات السياسية والاقتصادية فحسب، ولكن في المجالات الاجتماعية، التي ذُكرَت آنفًا [5] . [1] انظر: عجاج نويهض: بروتوكولات حكماء صهيون: نصوصها، رموزها، أصولها التلمودية - ط 3 - بيروت: دار الاستقلال، 1990م - ص 644. [2] انظر: عبدالوهَّاب المسيري: موسوعة اليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد - 8 مج - القاهرة: دار الشروق، 1999م، وقد اختصرها المؤلِّف في جزءين، ونشرَتها دار الشروق بالقاهرة في طبعتها الثانية سنة 2005م. [3] انظر الفصل الثالث: إشكالية الإحصاءات - ص (41 - 56). في: عبدالوهَّاب المسيري: الأكاذيب الصهيونية من بداية الاستيطان حتى انتفاضة الأقصى - القاهرة: دار المعارف، 2001م - 184ص - سلسلة اقرأ؛ 661. [4] انظر: المركز العالمي للدراسات الاستراتيجية، تبرئة هتلر من تهمة الهولوكوست - ط 2 - الرياض: المركز، 1425هـ/ 2005م – ص 98. [5] عبدالوهَّاب المسيري: اليد الخفية: دراسة في الحركات اليهودية الهدَّامة والسريَّة - القاهرة: دار الشروق، 2000م – ص 328 - سلسلة مكتبة الأسرة.
سبحة المرجان في مآثر المحدث المسند الشيخ ثناء الله بن عيسى خان، رحمه الله تعالى "1360هـ - 1442هـ"
عمير الجنباز
09-02-2021
2,450
https://www.alukah.net//culture/0/144863/%d8%b3%d8%a8%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%ac%d8%a7%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d9%8a%d8%b3%d9%89-%d8%ae%d8%a7%d9%86%d8%8c-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89-"1360%d9%87%d9%80-1442%d9%87%d9%80"/
سبحةُ المَرجان في مآثرِ المُحدِّثِ المُسندِ الشَّيخِ ثناء الله بن عيسى خان رحمه الله تعالى (1360هـ - 1442هـ) وفيات تضاعفُ مَنْ سَنرثي... وهل غير الدُّعاء لهم جميعًا؟! توالي رحيل العلماء والصَّالحين رحمهم الله تعالى، فالعلماء العاملون الرَّاسخون هُم في الأرض بمنزلة النُّجوم في السَّماء، بهم يهتدي الحيران في الظَّلماء، وحاجة النَّاس إليهم أعظم من حاجتهم إلى الطَّعام والشَّراب... في ذمَّة الله شيخنا العلَّامة المُحدِّث المُسند الفقيه الشَّيخ ثناء الله بن عيسى خان الكلسوي ثمَّ اللَّاهوري المدني "1360 ھ ،1442 ھ " ، مفتي أهل الحديث بلاهور باكستان، رحمه الله تعالى، وهو من أهل الحديث والإسناد، وأشياخ الرِّحلة إليه من البلاد، وأحدُ أربابه وفرسانه، وأعيانه وذوي شأنه، ممَّن تشرَّف بعلوِّ سلاسل الإسناد، وارتقى مراقي الفلاح والإسعاد، جعلَ الرِّوايةَ له جليسًا، والدِّرايةَ نديمًا وأنيسًا. التحق بالجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النَّويَّة وتخرَّج في الدُّفعات الأولى من كليَّة الشَّريعة، فأدركَ من العلوم حظًّا، وكادَ يستوعب السُّنن والآثار حفظًا، ثمَّ رجعَ إلى بلده يُفيد ويُفتي، وأخذَ في التَّدريس وشرَع، وتميَّزَ وبرَع، مسترشدًا بطريقة السَّلف والأخيار، سالكًا جادَّةَ السُّنَّة والآثار، وكانت له عناية فائقة بتدريس صحيح الإمام البخاري، وجامع أبي عيسى التِّرمذي، والاطَّلاع على ثناياها، والتفحُّص عن خباياها، وإقرائها مرارًا خلال سنوات عديدة، وله جلَدٌ على إسماع دواوين السُّنَّة، وتفرُّدٌ بغالب شيوخه سماعًا وقراءة وإجازة، وهم: ♦ الحافظ محمَّد عبد الله بن ميان الرُّوبري. ♦ والشَّيخ محمَّد عبده الفلاح الفيروزبوري. ♦ والشَّيخ عبد الحقِّ الهاشمي. ♦ والشَّيخ محمد علي بن محييِّ الدِّين اللَّكنوي. ♦ والشَّيخ حمَّاد الانصاري. ♦ والشَّيخ تقي الدِّين الهلالي. غفر الله لهم أجمعين!. وله عند النَّاس هيبةٌ ووقار، ورفعةٌ ذات اشتهار، وحُرمة وجلالة، وأبَّهةٌ في النُّفوس تزيِّن خِلاله، غيرَ أنَّه تعتريه حدَّة وشدَّة كطبائع أهل البنجاب!، وله فتاوى وتقريرات بهيَّة، ومؤلَّفات زهيَّة، وذهنٌ قويم، وفهمٌ مستقيم، ﺗ‍‍ﺸ‍‍ﻬ‍‍ﺪُ ‍ﻟ‍‍ﻪ‍ ‍ﺑ‍‍ﺴ‍‍ﻤ‍‍ﻮِّ ‍ﻣ‍‍ﻘ‍‍ﺎ‍ﻣ‍‍ِﻪ‍، ‍ﻭ‍ﻧ‍‍ﻤ‍‍ﻮِّ ‍ﺍ‍ﺣ‍‍ﺘ‍‍ﺮ‍ﺍ‍ﻣ‍‍ِﻪ‍، فاﻓ‍‍ﺘ‍‍ﺨ‍‍ﺮ ‍ﺑ‍‍ﻪ‍ قِطره، ﻭ‍ﺍ‍ﺷ‍‍ﺘ‍‍ﻬ‍‍ﺮ‍َ ‍ﺑ‍‍ﻪ‍ ‍ﻣ‍‍ِﺼ‍‍ﺮ‍ﻩ‍، وانتفع بعلومه الكثير، وأخذَ عنه الجمُّ الغفير، وممَّن شرفتُ بحضور مجالسه المُنيفة في إسماع دوواين السُّنَّةِ الشَّريفة أثناء زيارته للحرَمين الشَّريفين والرِّياض، غفرَ الله له وأعلى في المَدارج مُرتقاه، وجعلَ الجنَّة مثواه ومأواه، وبلَّغه ما يرجوه، وضوَّاه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه، وعوَّضَ الأمَّةَ بفقد علمائها العاملين، وأحسنَ عزاء أهله وطلَّابه ومُحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا.. وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون..
المفهم لصحيح مسلم لعبدالغافر بن إسماعيل الفارسي
محمود ثروت أبو الفضل
09-02-2021
5,767
https://www.alukah.net//culture/0/144856/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%81%d9%87%d9%85-%d9%84%d8%b5%d8%ad%d9%8a%d8%ad-%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d9%81%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d8%a5%d8%b3%d9%85%d8%a7%d8%b9%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%a7%d8%b1%d8%b3%d9%8a/
المفهم لصحيح مسلم لعبدالغافر بن إسماعيل الفارسي صدر حديثًا كتاب "المُفهِم لصحيح مسلم"، تأليف: الحافظ "أبي الحسن عبدالغافر بن إسماعيل الفارسي" (ت 529 هـ)، تحقيق: د. "مشهور بن مرزوق الحرازي". وقد طُبعَ هذا الكتاب ضمن مشروع إصدارات "دار أسفار" لنشر نفيس الكتب والرسائل العلمية بدولة الكويت. وأصله أطروحة علمية (دكتوراه) بجامعة أم القرى بقسم الكتاب والسنة بكلية الدعوة وأصول الدين بعنوان "المفهم لصحيح مسلم لابي الحسن عبد الغافر بن اسماعيل الفارسي (451-529هـ) دراسةً وتحقيقًا رسالة علمية" وذلك عام 1437 هـ / 2015 م. وهذا السفر من أوائل الشروح لصحيح الإمام مسلم؛ محل عناية المشارقة من الحفاظ بصحيح مسلم، كان في عداد ما فُقد من تراث السنة النبوية المشرفة، وعُني مؤلفه أصالةً بلغة حديث مسلم وغريب ألفاظه، وأضاف إليه نبذًا وفوائد من: بيان الدلالات اللفظية، والفوائد المصطلحية، وتعليل الأحكام الشرعية، وتقرير الخلافات الفقهية، وبيان مشكل الحديث، واستدراكه ألفاظًا من الغريب فاتت من قبله من الشراح، وتعقبه عليهم، وبيانه لاختلاف نسخ مسلم في الألفاظ، وغيرها من النكت والفوائد المتنوعة. هذا وإن كانت جل مادته في بيان الغريب، لكنه منتظم في سلك الشروح المختصرة، وقد راعى الفارسي في ذلك مقصدي التفهيم والاختصار. والمؤلف عبد الغافر الفارسي (451 - 529 هـ / 1059 - 1135م) من علماء العربية والتاريخ والحديث، من أهل نيسابور. هو عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر ابن محمد الفارسيّ، وهو سبط أبي القاسم القشيري صاحب "الرسالة القشيرية". سافر إلى خوارزم وغزنة والهند، وتوفي بنيسابور سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِيْنَ وَخَمْسِ مائَةٍ. وَكَانَ فَقِيْهًا مُحَقِّقًا، وَفَصِيْحًا مُفَوَّهًا، وَمُحَدِّثًا مُجَوِّدًا، وَأَدِيبًا كَامِلًا. من آثاره: • "المفهم لشرح غريب مسلم". • "السياق" في تاريخ نيسابور، وصل به إلى سنة 518 هـ. • "مجمع الغرائب ومنبع الرغائب" أو "مجمع الغرائب" في غريب الحديث، فرغ من تأليفه سنة 510 هـ.
قصة موسى عليه السلام (2) المواجهة مع فرعون
د. محمد منير الجنباز
08-02-2021
13,017
https://www.alukah.net//culture/0/144831/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-2-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%ac%d9%87%d8%a9-%d9%85%d8%b9-%d9%81%d8%b1%d8%b9%d9%88%d9%86/
قصة موسى عليه السلام (2) المواجهة مع فرعون بعد أن أكرم الله عبده موسى بالرسالة، وطلب موسى من ربه أن يشرك معه أخاه هارون في هذا الأمر، استجاب الله لموسى، وزوَّده بآيتين عظيمتين؛ العصا التي تنقلب أفعى كبيرة، واليد التي تنقلب بيضاء مضيئة، ثم زوده بعد ذلك بسبع آيات أُخَر، كما ورد في سورة النمل: ﴿ وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [النمل: 12]، ويروى أن موسى عندما دخل مصر بعد عودته من مدين ذهب إلى أمه، وكان حنينه إليها كبيرًا، ولما تم اللقاء بشر أخاه هارون بالرسالة، وطلب منه الذهاب معه إلى فرعون، فقصدَا قصره، وطلبَا مقابلته، ولما لم يؤذن لهما طرقا باب القصر بعنف لينتبه فرعون، ولما سأل عن الأمر قيل له: موسى ومعه أخوه يودان مقابلته لأمر عظيم، فسمح لهما بالدخول، ومن هنا بدأت الدعوة، ففي المقابلة الأولى كما مر قال لهم: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ثم لما ألحا عليه في قبول الدعوة مع تقديم البراهين اتهمهما بالسحر، وأن ما أظهره من العصا واليد هو من باب السحر، فكان أن أشار عليه مستشاروه بأن يبارزهما بالسحر. 1 - اللقاء الأول: لقاء موسى وهارون بفرعون، وقد ذكر تفصيله في سورة الشعراء: ﴿ وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ [الشعراء: 10 - 13]، فالبداية كانت مِن سيناء حيث تكليف موسى بالرسالة، ثم تزويده بالمعجزات ليذهب إلى القوم الظالمين فرعون وملئه، الذين أسرفوا بغيًا وعدوانًا على الناس، ودعوتهم إلى الإيمان وترك ما هم عليه من الظلم. وفي قوله تعالى: ﴿ أَلَا يَتَّقُونَ ﴾ [الشعراء: 11]؛ أي: يكفيهم هذا التمادي، وهو حضٌّ بمعنى التهديد، الذي سيعقبه بطش وانتقام، كما تقول للمشاكس: ألا ترعوي! أي: عُدْ إلى رشدك، كفاك تمردًا، وكان الخوف ظاهرًا في جواب موسى، وقد ذكر الأسباب؛ خوفه من تكذيبهم له، والرهبة من الموقف أمام الطاغية فرعون بألا ينطلق لسانه في الكلام، وأراد معه أخاه هارون؛ لأنه يثق به؛ ليحمل معه عبء الدعوة. والسبب الثالث: ﴿ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ [الشعراء: 14]، فإنه لا يزال يذكر ذلك القبطي الذي وكزه موسى فقضى عليه، ثم هرب إلى مدين من الذباحين الذين كانوا يطلبونه، فكيف يظهر أمامهم الآن؟ إنهم إن رأوه فسيقتلونه بلا شك، لكن الحامي هو الله؛ فهو الذي حماه من قبل، وهو الذي يحميه الآن، فكان الجواب من رب العالمين: ﴿ قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء: 15]، لن يصلوا إليك، كل ما تفكر فيه لن يكون، وعليك أن تذهب مع أخيك إلى فرعون، وتلقي عليه الدعوة، وأنا معكم أحميكم وأستمع لما يجيب به، وقولا له: ﴿ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 16]، فإن لم يستمع قولكما ويؤمن، فليكن طلبكم الثاني: ﴿ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 17]؛ لكي نعود بهم إلى الأرض المباركة، ونخلِّصهم من هيمنتك وظلمك، فماذا كان جواب فرعون؟ الصد في الحالين عدم الإيمان، وقوله لهم: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، ثم عاد بذاكرته إلى السنين التي خلت ليذكِّر موسى بفضله عليه، وتربيته له ثلاثين سنة، وهذا من باب الترغيب ليكون إلى جانبه، ثم ذكَّره - بما كان موسى يخشاه - بقتل القبطي، وهذا من باب الترهيب؛ أي: نستطيع أن نأخذك بهذه الجريرة، ونقتلك بها، إن لم تكفَّ عن دعوتك هذه؛ ﴿ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [الشعراء: 18، 19]، ولما ذكَّره فرعونُ بفضلِه عليه في الحالين، اتهمه بالكفر وجحود فضله عليه، فماذا كان جواب موسى: ﴿ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [الشعراء: 20]، هي فترة شباب وإعداد، ولم يكن قد آتاه الله العلم والرسالة، فضلًا عن عدم القصد في القتل أو الإيذاء، وإنما دفع الشر دفعًا، فقدر المولى عليَّ هذا؛ لذلك خفت ألا تفهموا قصدي، وتوقعوا بي العقوبة على ظاهر الأمر، ففررت منكم، وتغيبت هذه المدة، فكان فضل الله عليَّ عظيمًا، فشملني بالرعاية والتكريم، وجعلني من المرسلين: ﴿ فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الشعراء: 21]، أرأيتَ نعمة الله عليَّ وفضله على عباده؟! كنت خائفًا منكم فأمنني ربي وحماني، بل وزادني من فضله أن جعلني مرسَلًا وبعث بي إليك لأبلغك رسالته؛ لعلك تؤمن وتقلع عما أنت فيه من الضلال والادعاء الكاذب، ثم تمنُّ عليَّ بأنك ربيتني في قصرك، وكنتَ أنت السبب في نكبة بني إسرائيل؛ لأنك جعلتهم عبيدًا لك، ﴿ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ﴾ [الشعراء: 22]، وبعد الخوض في استعراض الماضي والحديث عنه عاد فرعون ليسأل عن الدعوة التي أتى بها موسى؛ ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 23]، وفكره في غاية الضمور والقصور، كأنه صدق ما كان يزعمه، وأن فكره في خلو تمامًا من وجود خالق لهذا العالم بما فيه، ولعله كان يسأل استخفافًا بموسى، ولكن موسى كان جادًّا، فأجابه: ﴿ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 24]، بأنه خالق السموات والأرض وما بينهما وما فيهما، إن كنتم بما أقول موقنين ومصدقين فآمنوا، لكن فرعون بعيد كل البعد عن التصديق بما يقوله موسى؛ علوًّا واستكبارًا؛ لذلك كان جوابه النهائي: ﴿ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴾ [الشعراء: 25]؛ أي: اسمَعوا ما يقول من التخريف والهذيان، يقول كلامًا بعيدًا عن الواقع، أهناك رب غيري؟! قال موسى مقاطعًا ومبينًا مزيدًا من صفات الله القوي العزيز: ﴿ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ﴾ [الشعراء: 26]، إذا كان فرعون يدَّعي الربوبية الآن، فمن ربُّ آبائكم الأولين وفرعونُ لم يكن في ذلك الوقت؟ ففي هذا القول تسفيه لفرعون، وإسقاط لدعواه؛ لذلك لم يتمالك أن سفَّه موسى واتهمه بالجنون؛ لأنه قرَّب الحقيقة إلى أذهان المستمعين، وخشي فرعون مزيدًا من الجدال مع موسى، الذي سينتهي بلا شك بانتصار موسى ودَحْض كل مزاعم فرعون، ﴿ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [الشعراء: 27]، وهذا أسهل اتهام، يطلقه الطغاة دائمًا على الأنبياء والمصلحين، ولكن موسى تابع ذكر صفات الخالق، متخطيًا مزاعم فرعون: ﴿ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [الشعراء: 28]. وهكذا بدأ موسى من المجمل إلى المفصل؛ كي يلامس الحديث شغاف القلوب، فترقَّ وتعيَ وتدرك الحقيقة التي كان فرعون يخفيها عن الناس ويلبس عليهم الأمر، فلا يفكرون إلا بما يمليه عليهم من التفكير: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29]، وعندما بدأت الحجة القوية من موسى تأخذ طريقها إلى القلوب انتفض فرعونُ بشدة، وقرَّر ألا تراجُعَ عن موقفه، وأنه هو الله، ﴿ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ ﴾ [الشعراء: 29]، فهدَّد موسى بالسجن، وأظهر له العداوة وعدم الإصغاء إليه، لكن موسى لم ييئَس، وقال لفرعون: تدعي هذا الادعاء حتى لو جئتك ببرهان على بطلانه؟ ﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 30]، ولما رأى إصرارَ موسى على موقفه، وأنه ماضٍ بالدعوة منهجًا لا محيد عنه، عاد يجاريه ظاهرًا مع إضمار عدم الاقتناع، ﴿ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ [الشعراء: 31]، وهنا بدأ في إظهار المعجزات التي زوده الله بها، وهي برهان قوي على صدقه، ﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ * وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ ﴾ [الشعراء: 32، 33]، ولكن مَن غلَّف قلبَه الرَّانُ لا يمكن أن يصله النور، خصوصًا إذا تواطأ العدد الكبير من أهل المصالح التي يجنونها من مواقعهم القريبة من الحاكم الطاغية، ﴿ قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الشعراء: 34، 35]؛ فقد أوحى لبطانته بأن هذا ساحر، فرددوا قول فرعون، ثم أشركهم في القرار، فكان قرارهم محاولة إنقاذ هيبة فرعون؛ فالساحر - بزعمهم - لا يحارب إلا بسلاح مماثل، وهكذا أشاروا بجمع كافة السحرة في البلاد؛ ليشتركوا في دحض سحر موسى - حسب زعمهم.
من الشجر الأخضر ذهب أسود
د. حسني حمدان الدسوقي حمامة
08-02-2021
5,485
https://www.alukah.net//culture/0/144828/%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ac%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b6%d8%b1-%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a3%d8%b3%d9%88%d8%af/
من الشجر الأخضر ذهب أسود سبقت إشارةُ القرآن العِلمَ الحديث في الإخبار بأن أهم مصدر للطاقة التي يستخدمها الإنسان - وهو البترول - إنما يأتي في الأصل من الشجر الأخضر. وقد ثبت علميًّا أن مصدر المادة العضوية المكوِّنة للبترول إنما تأتي من النباتات والحيوانات البحرية بعد موتها واختلاطها بطينة البحر، وأيضًا تسهم المادة العضوية المنقولة من الأرض بواسطة الأنهار إلى المناطق الضحلة من البحار بعد ترسيبها مع وحَلِ البحار. وبعد أن تُدفن تلك المادةُ العضوية، تتراكم عليها الرواسبُ الأخرى، وتتعرض للضغط والحرارة، ينكمش وحَلُ البحار إلى حجر مرقق يسمى الطفلة (Shale)، وتتحول المادة العضوية عبر مراحل متطاولة من الزمن إلى سائل، ويخزن السائل في حجر الرمل بعد هروبه من الطين المنضغط في خزائن تشقَّقت تسمح بحركة البترول، ويهاجر البترول إلى أن يتم اصطياده في مصايد محدَّدة، ويأتي الإنسان ليحصل على البترول والغاز الطبيعي عن طريق حفر الآبار في تلك الخزائن. شكل(3): يستغرق تحوُّل الشجر الأخضر بترولًا ملايين السنين تحت ظروف خاصة وخزائن يخزن فيها، ولا يَقدِر على ذلك سوى الله. وهكذا بدأت النشأة مع الشجر الأخضر الذي نما في الأرض، والنباتات والحيوانات التي علقت فوق مياه البحر الهادئة، وبموت الشجر الأخضر والنباتات الخضراء والحيوانات الدقيقة نتج البترول من مادتها، وتكفَّلتْ يد القدرة بحفظه حتى جاء الإنسان في القرن العشرين ليحصل على البترول، الذي تولَّتْ يد العناية تكوينه وحفظه عبر ملايين السنين قبل أن يعمر الإنسان الأرض. فهل يعي الإنسان عطاء الله مع كل قطرة من البترول، وكل حجم من الغاز، لم يكن للإنسان دخل في مراحل تكوينهما؟! كم تبقى لنا من البترول والفحم؟ يقدَّر احتياطي البترول (كمية النفط التي يمكن استخراجها من الأرض) على مستوى الوضع العالمي بـ 1000 - 1.100 بليون برميل (البرميل 42 جالونًا)، أما الرصيد الكليُّ فيبلغ وفقًا لأحدث التقديرات ثلاثة آلاف بليون برميل، وبما أن الاستهلاك العالمي من البترول يبلغ 24 بليون برميل سنويًّا، فمن المتوقع أن يستنفد الاحتياطي بعد 42 سنة - 45 سنة، وبالتالي سينفد الرصيد العالمي بعد مائة سنة. أما بالنسبة للفحم، فتختلف التقديرات حول رصيد واحتياطي الفحم في العالم، وبصفة عامة يوجد 1700 بليون طن من الفحم في الألف متر السطحية من الأرض، ويزداد التقدير كلما زاد العمق، ومن المتوقع أن تنفد الاحتياطيات في سنة 2200 م، ومع ذلك توجد تقديرات تُعلي من احتياطيات الفحم بحيث لا ينفد إلا في سنة 2700م، ووفقا لتلك التقديرات، فمن المتوقَّع أن يزداد الطلب على الفحم بحيث يبلغ قمته في عام 2200م، وحينما يصبح البترول نادرًا ربما يتم تسييل الفحم على مستوى كبير. وبالنسبة للغاز الطبيعي، تختلف التقديرات أيضًا، وكلما تقدَّمت التقنية أمكَنَ ترشيد الاستخدام؛ ففي ظل التقانة الحالية فلربما نفد الغاز الطبيعي في خلال 32 - 42 سنة.. بينما يستمر وجود الغاز الطبيعي خلال 48 - 77 سنة في ضوء التقانة المتقدمة، وتتراوح التكلفة في الحالتين من 3- 5 دولارات لكل ألف قدم مكعب من الغاز. وماذا بعد نفاد الفحم والنفط والغاز الطبيعي؟ يوجد الآن مصدر وفير للطاقة في العالم تحت مياه البحار، وقد أشار حديث النبي صلى الله عليه وسلم بوجود نار تحت البحر قبل اكتشاف (من عام 1970م) وجود تجمُّع للميثان المتميئ (هيدرات الميثان) في قيعان البحار. ويقدَّر محتوى المواد الهيدروكربونية بما يبلغ ضعف المحتوى الكربوني للبترول والفحم والغاز الطبيعي، ومن المحتم أن يزداد الطلب على استخراج هيدرات الميثان من حيد " جبل الميثان " الممتد تحت قيعان البحار على عمق يقارب 600 متر من سطح البحر. ومن المحتمل أن يتعاظم الحصول على الطاقة من المصادر البديلة؛ مثل الطاقة النووية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والمصادر المائية. شكل(4) الجليد اللهوب أو الذهب الأبيض في قاع البحر.
وفاة الشيخ ثناء الله المدني
محمد زياد التكلة
07-02-2021
12,031
https://www.alukah.net//culture/0/144812/%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ab%d9%86%d8%a7%d8%a1-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d9%86%d9%8a/
وفاة الشيخ ثناء الله المدني بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله وكفى، وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. أما بعد: فإن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا، فإن لله وإنا إليه راجعون، أُصبنا في الأيام القليلة الماضية بوفاة جملة من مشايخنا الأجلاء، من أكابر العلماء في الشرق والغرب، ومنهم العلّامة المحدّث الجليل غلام الله رَحْمَتي ، من أجل العلماء المحدّثين في أفغانستان، وممن له الأفضال الكثيرة عليّ، والعلّامة المعمّر الأصيل محمد الصدّيق الرُّونْده المغربي، وغيرهما. ثم وصلني ضحى اليوم الأحد 25 جمادى الآخرة سنة 1442 خبرًا آخر هدّني وآلمني، وهو وفاة شيخنا الإمام العلّامة المحدّث الكبير الحافظ ثناء الله المدني، مفتي أهل الحديث في باكستان، رحمه الله وإيانا ووالدينا ومشايخنا والمسلمين. وطَلَب مني بعض الإخوة المشايخ المعزّين فيه أن أكتب نبذةً عنه، لما كان للفقير من صلة خاصة به، وقد كان رحمه الله بمثابة الوالد، محبةً ومنزلةً وقَدْرًا، وهو من أكثر من انتفعتُ به وأكثرتُ في قراءة الحديث، فاستعنتُ بالله في تهذيب ما سبق أن كتبتُه عنه في كتابي ثبت الكويت، محتسبًا نشر شيءٍ من مآثره، فإنه كان من بقايا علماء الأمّة الأكابر، ممن خدم الحديث درايةً فضلًا عن الرواية، مع الجلالة والديانة، فأقول: ترجمته: هو أبو النصر، ثناء الله بن عيسى خان بن إسماعيل خان الكَلَسوي ثم اللاهَوْري. ويلقب بالحافظ، على طريقة أهل بلده فيمن يحفظ القرآن، ويُنسب المدني على طريقتهم أيضًا في النسبة لمكان التخرج، فقد تخرج من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وُلد في قرية « كَلَس » قرب مدينة لاهَوْر في البَنْجاب سنة 1360 (توافقها 1940 بتقويم النصارى) . وحصّل دراسته الابتدائية في قريته، وحفظ القرآن في سن مبكرة، ورحل بعد ذلك إلى لاهَوْر، ودرس في جامعة أهل الحديث بها، وقرأ أيضاً بعض الفنون في الجامعة المحمدية بأوكاره، ولازم شيخه العلامة الكبير الحافظ عبد الله الرُّوْبْري ملازمة تامة ثمان سنوات، [ وقد كتبتُ له ترجمة في ثبت الكويت وموقع الألوكة ] وتفوق ونبغ مبكرًا. وحصّل شهادة التخرج (ويسمونها الفراغة) سنة 1381 (توافقها 1961م) . ولما أسست الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ودرّس فيها كبار علماء المسلمين: التحق مع أفواجها الأولى في كلية الشريعة سنة 1383، وذلك بتزكية ومساعي شيخه الروبري، وتخرج بامتياز سنة 1388، واستفاد كثيرًا من مشايخها، ومن مشايخ الحرمين. رجع بعدها إلى بلده مدرّسًا وداعية، وواصل الدراسة العليا منتسباً في جامعة البنجاب، وحصل الشهادة العالية (الماجستير) سنة 1393، وفي السنة التالية نال شهادة التخصص في اللغة العربية. شيوخه: أخذ شيخنا عن عدد من كبار أهل العلم في باكستان والحرمين ومن ورد لها، ففي باكستان لازم شيخه الأكبر الحافظ عبد الله الروبري شيخ السنّة في باكستان، وكان شيخنا يقدّمه ويطنب في الثناء عليه. وممن درس عليهم فيها المشايخ: محمد عبده الفَلَاح، ومحمد حسن الأَمْرَتْسَري، وقادر بخش البهاوَلْبُوري -وقال لنا إنه من كبار العلماء-، ومحمد كنكنفوري، والدكتور مجيب الرحمن المقيم في أمريكا، وأصله من بنغلاديش. وأخبرني أنه قرأ القرآن على القارئ المشهور خدا بخش، عن تاج الدين الحنفي. وأخذ في المدينة على المشايخ: عبد العزيز بن باز، ومحمد ناصر الدين الألباني -وقال عنه إنه محدّث هذا العصر-، ومحمد الأمين الشّنقيطي، وعبد المحسن العَبّاد، وعبد الله الغُنيمان، وعبد الغفار حسن الرحماني، وحماد الأنصاري، ومحمد الغُونْدَلوي، وتقي الدين الهلالي، والمختار الشنقيطي، وأبو بكر الجزائري، ومحمد أمان الجامي، ومحمد علي اللكهوي، وعطية محمد سالم، وغيرهم. وكان يتردد على الرياض ويحضر دروس سماحة المفتي محمد بن إبراهيم آل الشيخ. وأخذ في مكة على الشيخ عبد الحق الهاشمي، والشيخ الحافظ فتحي الباكستاني، وغيرهما. ويأتي ذكر شيوخ الرواية. أعماله: تولى شيخنا التدريس في قريته عند عودته من المدينة سنة 1389، ودرّس في عدد من الجامعات والمدارس، من ذلك تعينه مديرًا للتعليم في الجامعة السلفية في فيصل آباد، ثم انتقل الى جامعة لاهَوْر الاسلامية ولا يزال مدرّسا فيها، وهو شيخ الحديث فيها، وقال لنا شيخنا أوائل سنة 1429 إنه أراد التقاعد من الجامعة والتفرغ للتأليف لكنهم تمسكوا به. وسبق أن عمل شيخنا عدة سنوات في التوعية الإسلامية بالحج، كما كان مبعوثًا من وزارة الشؤون الإسلامية السعودية، لكنه تقاعد. وكان شيخنا مشتهراً بلقب مفتي لاهَوْر، وفي سنة 1428 تم اختياره من قبل العلماء مفتيًا لعموم أهل الحديث في باكستان، وهذه الرتبة كانت متعطلة زمنًا. ولشيخنا نشاط كبير في التدريس والدعوة، وأقام منذ أكثر من عشر سنوات مدرسة للتحفيظ في جامع خالد بن الوليد، استفاد منها عشرات الآلاف، وبنى مركزاً كبيراً أسماه مركز أنصار السنّة سنة 1415، وجمع له كبار المدرسين ذوي العلم والخبرة، ويحوي مكتبة جيدة، ويكفل الطلاب المتميزين للتخصص والدراسات العليا فيه. وعمل على إنشاء جامعة كبيرة في لاهور باسم جامعة محمد بن عبد الوهاب. وسافر شيخنا لعدد من المؤتمرات العلمية والدعوية داخل باكستان وخارجها، وله جهود كبيرة في نشر التوحيد والسنة في الجاليات الباكستانية والهندية بأمريكا وأوروبا، وهو عضو في مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، وجريدة الاعتصام الأسبوعية بلاهور، ومجلس التحقيق الإسلامي بها. أعماله اليومية: أورد ما كتبه الشيخ آصف أريب بتصرف يسير: ما يزال شيخنا رغم شيخوخته ناشطًا في العمل، فهو يخرج للمشي في الصباح المبكر يوميا، ثم يجلس للتدريس إلى الضحى، ثم يجلس للكتابة وشرح الحديث إلى ما بعد العصر، وربما إلى المغرب. واختص يوم الخميس لكتابة الفتاوى، كما يخصص وقتًا لأولاده وأحفاده في تعليمهم وإرشادهم، وهذا ديدنه دائما إلا انقطاعات الأسفار الداخلية أو الخارجية. وله مشاركة فاعلة في مناسبات الناس، من أعراس وجنائز وغيرها، ويستقبل الضيوف. وهو خطيب الجمعة في قريته سرهالي. إضافة إلى حظِّ النفس من التلاوة والأذكار والأوراد والتهجد وغير ذلك. والشيخ ينجز هذه الأعمال التي يعجز عنها الشبان، وليس له همٌّ إلا خدمة الإسلام، وتصفية السنّة، والعمل على رفعة الأمة الإسلامية والمجتمع المسلم. من الثناء عليه: قال تلميذه الشيخ وليد المنيسي المصري: إن الشيخ من كبار علماء أهل الحديث بالباكستان إن لم يكن أكبرهم وأجلّهم حاليا، وأهل الباكستان يلقبونه بـ (الحافظ) واشتهر هذا اللقب حتى صار كأنه عَلَم له. وقال لي الشيخ فيصل العلي وفقه الله: الشيخ ثناء الله إمام أهل السنة في باكستان الآن، وليس له همٌّ إلا نشر العلم والدعوة، ولا يطلب لنفسه شيئا. قلت: وعلى كثرة من لقيتُ من المشايخ في البلدان فإن الشيخ من أجلهم وأعلمهم بالسنّة وألزمهم بها، بل هو حسب اطلاعي القاصر بقية العلماء في فقه الحديث، وسبق أن تذاكرت مع عدد من كبار الأصحاب المعتنين بالرواية، مثل الشيخ صالح العصيمي، والشيخ صلاح الشلاحي، والشيخ عبد الله العبيد، وكان الاتفاق أن أولى من يوصل مسلسل الحفاظ من طريقه في وقتنا هو شيخنا الحافظ ثناء الله، عن شيخه الروبري، عن الغزنوي، عن نذير حسين بسنده المعروف. وقد أسند عنه الشيخ العبيد المسلسل المذكور في كتابه الإمتاع (75) ، وحلّاه بالعلّامة المحدّث. ونعته في مكان آخر (118) بالعلامة المحقق الجليل. ووصفه أيضاً (66) : بالعلامة المحدّث الصالح. ولا أعرف من يضاهي شيخنا في هذا الاستحقاق إلا شيخنا المحدّث الجهبذ يونس الجَوْنْفُوري رحمه الله والجميع. مصنفاته: كان قال لي شيخنا قديمًا: أصدرنا آلاف الفتاوى، في 4 مجلدات كبار، الأول في العقائد في 900 صفحة، بالأردية، والآن على وشك طبع كتاب الصلاة في مجلد. [رأيت منه مجلدان مطبوعان ] وكتبت الكثير من الردود، وتُطبع في الفتاوى. وألّفتُ جائزة الأحوذي في التعليقات على شرح الترمذي، شرح متوسط مختصر، وأحيانا أطوّل، وشرح الشمائل مستقل حوالي 600 صفحة في مجلدين. وأكتب الحواشي على البخاري ووصلنا إلى كتاب الصيام. ونحن مستمرون في مشروع تحشية الكتب، ولكن تنقصنا الموارد والمصاريف، وليس من عادتي مد الأيدي. قلت: ثم طبع جائزة الأحوذي مرتين، وكذا شرح الشمائل، والحمد لله. شيوخه في الرواية: 1- عمدته هو الإمام العلامة الحافظ عبد الله الروبري (ت1384) : فقد قرأ عليه الكتب السبعة، بعضها غير مرة، وكثيراً من كتب الحديث كبارها وصغارها، ومن ذلك كما أخبرنا: الأدب المفرد، وخلق أفعال العباد، وجزء رفع الدين، وجزء القراءة خلف الإمام، كلها للبخاري، والشمائل للترمذي، ورسالة أبي داود لأهل مكة، ومسند الشافعي، والرسالة له، ومسانيد الطيالسي، والحميدي، وأحمد، وعبد بن حميد، والدارمي، والإيمان لابن أبي شيبة، ومنتقى ابن الجارود، ومعجم الطبراني الصغير، وبعض صحيح ابن خزيمة، وعلوم الحديث لابن الصلاح، والأربعون النووية، وألفية العراقي، ونزهة النظر، وبلوغ المرام، وتفسير جامع البيان للإيجي، والأمم للكوراني، ورسائل الشاه ولي الله الثلاثة: الفضل المبين، والنوادر، والدر الثمين، والتوحيد لمحمد بن عبد الوهاب، وقال شيخنا: لازمته ثماني سنوات. بل قال: قرأت عليه جميع الكتب الموجودة. وأثبت العلامة محمد علي اللكهوي في إجازته لشيخنا ملازمته الكبيرة لشيخه الروبري، وصرح أنه قرأ السبعة عليه، كما في ثبت شيخنا (54) . ويروي الروبري عن الإمام العلامة عبد الجبار الغزنوي، والعلامة المحدّث عبد المنان البنارسي، والإمام العلامة حسين بن محسن الأنصاري. 2- حماد بن محمد الأنصاري المدني (ت1418) : لازمه شيخنا طيلة بقائه في المدينة، وصرّح بأنه أكثر من استفاد منه هناك، وقرأ عليه الكثير، واستفاد من مكتبته الحديثية العامرة، وأجازه مرتين إحداهما في منزله بالمدينة في 10/ 7/ 1387. وهو يروي عن جماعة، سردهم ابنه الأخ الشيخ عبد الأول في كتابه الماتع «المجموع في ترجمة الشيخ العلامة المحدّث حماد الأنصاري». 3- محمد عبده الفلاح الفيروزبوري ثم الفيصل آبادي السلفي (ت1420) : قرأ عليه جزءاً من صحيح البخاري، وكامل سنن الترمذي، وكتب له الإجازة متأخرًا في 10/ 4/ 1417. 4- محمد علي بن محي الدين عبد الرحمن اللَّكَهوي السلفي المدني (ت1394) : قرأ عليه أطرافاً في الحديث، وهو قرأ السبعة على عبد المنان الوزير آبادي، وأجازه سنة 1326. 5- عبد الحق بن عبدا لواحد الهاشمي المكي (ت1392) : قرأ عليه أطرافا من أمّات كتب الحديث، وحضر دروسه في الحرمين، ومن ذلك في كتاب الأم للشافعي، وكتب له الإجازة في ثبته المختصر المسمى (إجازة الرواية) بتاريخ 14/ 9/ 1387. 6- تقي الدين بن عبد القادر الهلالي المغربي السلفي (ت1407) : سمع منه الأولية، وقرأ عليه أطرافا من كتب الحديث، وأطال مجالسته في المدينة، ومما قرأ عليه رسالة المكتوب اللطيف، وكتب له الإجازة بعد المغرب ليلة الأحد متم ربيع الأول سنة 1389 بالمسجد النبوي. 7- عبد الغفار حسن الرحماني بن عبد الستار بن عبد الجبار العمرفوري (ت1429) : استفاد منه في المدينة المنورة، وقرأ عليه في غاية المقصود للعظيم آبادي، وكتب له الإجازة في رجب سنة 1389. 8- يوسف محمد السلفي الباكستاني المدني، مدرس أصول الحديث بدار الحديث بالمدينة، وبالمسجد النبوي: كتب لشيخنا الإجازة في 22/ 4/ 1389، وهو يروي عن العلامة عبيدالله الرحماني المباركفوري صاحب مرعاة المفاتيح (ت1414) . 9- الحافظ محمد الغوندلوي: قرأ عليه قطعة من أول البخاري في المسجد النبوي. 10- محمد إسرائيل بن محمد إبراهيم السلفي. 11- عبد الوكيل بن عبد الحق الهاشمي: تدبج مع كليهما في الكويت. 12- عبد الله بن عبد العزيز العقيل: تدبجا الرواية أوائل سنة 1430. وتدبج بأَخَرة مع آخرين. أسرته: تزوج الشيخ مرتين، الأولى توفيت، وأنجب منها ابنه الأكبر نصر الله، وبنتاً، وبعد وفاتها تزوج الثانية، وأنجب منها خمسة ذكور وإناث. أبرز تلامذته: قال لي شيخنا: درس عليّ الآلاف، وأبرز تلاميذي في باكستان: الدكتور عبد القادر عبد الكريم، وأخوه الدكتور عبد الغفار، والقاري أنور، والحافظ محمد شريف من أبرزهم جميعا في علم الحديث في باكستان الآن، وكثيرون. ومنهم القارئ محمد إبراهيم مير محمدي، عميد كلية القرآن الكريم بجامعة لاهور الإسلامية. والشيخ محمد إسحاق زاهد. والشيخ عبد الرؤوف عبد الحنان. والشيخ عبد الستار قاسم. والشيخ محمد منير قمر بن نواب الدين. والدكتور حميد الله عبد القادر المدرس بجامعة بنجاب في لاهور. والشيخ فاروق أصغر صارم. والشيخ سعيد المجتبى السعيدي. والشيخ عبد الرشيد راشد رحمه الله. قلت: ومنه صهره الحافظ عبد الله. وأما العرب فأخذ عنه كثيرون، فقد أقرأ الكتب السبعة وغيرها في الكويت، وأقرأ البخاري والمسند وغيرهما في الدوحة، وأقرأ المسند وغيره في الرياض، وكذلك في المدينة، والسنن في مكة. والآخذون عنه من العرب كثير، وفي إحدى دورات البخاري عليه في الكويت كان عددهم فوق الألف، ومن الآخذين المكثرين عنه عددٌ من الأعيان، ذكرتُ بعضهم في ثبت الكويت. فوائد متفرقة سمعتها من الشيخ، أكثرها سنة 1428: قال حفظه الله: شيخنا الحافظ الروبري قرأنا عليه في أصول الفقه نور الأنوار، كان ينقّح جدا جدا، عندنا تعليقات مما أخذناه عنه. وقال: قرأت عليه جميع الكتب الموجودة، لا أستطيع أن أحصر ما قرأته عليه، منها الستة وغيرها كثير. وقال: قرأنا عليه بعض الكتب وهي مخطوطة. وسمى لي منها الإلماع للقاضي عياض، وقطعاً صغار من صحيح ابن خزيمة. وقال: كنا عند القراءة عليه نطالع صحيح البخاري ونراجع في شروحه ثلاث ساعات قبل أن نقرأه على شيخنا، فكان الشيخ إذا قُرئ عليه يعرف إذا كان الطالب قد راجع فيه قبل ذلك. وقال: ما كان الوالد من العلماء ولكنه يحبهم ويجالسهم، وكان من أهل الحديث. وقال: حفظت القرآن وعمري 13 سنة أو قبل ذلك، وعندنا يُقال الحافظ للذي يحفظ القرآن. وقال: قرأنا على شيخنا الروبري الكتب الموجودة آنذاك، خصوصا الأصول (الأمات) الست، وأصول الحديث، وأصول التفسير، وغير ذلك، قرأت عليه الكتب السبعة كاملة، وكثير، منها الدارمي والشمائل، وكنت معه في الدراسة وخارجها، كل حين معه، كنا نجلس في درسه من بعد صلاة الفجر حتى العصر، وأحياناً بعد صلاة المغرب والعشاء، وأنهينا صحيح مسلم نصف الليل، ومشكاة المصابيح الثامنة ليلا عند العشاء. وشيخنا هو الذي تخرجنا عليه، وأبرز زملائي الشيخ عبد السلام الكيلاني. وقال عن بعض ذكريات الجامعة الإسلامية: الشيخ ابن باز كان يدرّس في المسجد النبوي، درسنا عليه في الحديث والفقه، ويأتي الفصول ويدرس أحيانا. وكنا نجلس في مجالس الألباني كثيرا، مجالسه العلمية خارج الفصول، والرحلة الأسبوعية نهاية الأسبوع من يوم الخميس إلى مساء الجمعة برئاسته، وتكون في المجالس السؤالات والإجابات، وكنا نخرج مع الشيخ محمد عبد الوهاب البنا، وهو من شيوخنا. والألباني كان يدرّس أصول الحديث، وهو درّس في الجامعة ثلاث سنوات، وأنا أدركت نصف هذه المدة. وقرأنا على عبد الغفار حسن الرحماني في الحديث وأصوله والأسانيد في الجامعة، وفي بيته كنا نقرأ عليه في غاية المقصود في حل سنن أبي داود، وكتبا أخرى، وأجازني. وقرأنا أوائل البخاري على الغوندلوي في المسجد النبوي، وكان في الجامعة درّسنا الحديث. وتقي الدين الهلالي درسنا عليه وجلسنا في مجالسه، ومما قرأته عليه المكتوب اللطيف في المسجد النبوي، وكان في مكتبتها، ولما سمع قراءتي قال: هناك عُجمة في الكلام. والشيخ حماد الأنصاري قرأنا عليه الكثير في مجالسه، في الحديث، وأصوله، والأسانيد، وما إلى ذلك، وأجازنا، وكنا يومي الخميس والجمعة خاصة نجلس معه في مكتبته، ونقرأ عليه ونبحث معه المسائل. ومحمد الأمين الشنقيطي درسنا عليه أصول الفقه، وكنا نجلس في دروسه في المسجد النبوي في التفسير. كان الشيخ سعد الدين من أهل الحديث في الهند موجوداً بالمدينة. وكنا في مجلس الألباني وتدور بعض المسائل، فكتبناها وأجوبة الألباني، وأرسلناها لشيخنا الروبري، وانتقد بعض المسائل، وأعطيناها الشيخ الألباني، وكذلك أعطيناه الكتاب المستطاب في جواب فصل الخطاب لأنور شاه الكشميري في مسألة القراءة خلف الإمام، هو أخذ منا الكتاب، وبقي عنده مدة شهر تقريبا، ثم رده إلينا، وكذا المسائل، وقال: لي أوهام، وله أوهام، ولا أطوّل البحث. وكان بينهما إجلال متبادل، وكل واحد منهما يثني على الآخر بالغيب. وكنا في العُطل لا نرجع إلى باكستان، بل نذهب للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في الرياض، وكان يقرأ عليه الشيخ عبد العزيز الشلهوب في مسجد دخنة تفسير ابن جرير، وكانت قراءته جميلة، وحضرنا بعض دروسه في المسجد، وفي بيته، قرأنا عليه كتاب التوحيد، ليس كاملاً. التقيت بالشيخ العفيفي في الرياض، وجالسته، ولم أقرأ عليه. وأبرز أصحاب الدراسة في المدينة الشيخ عبد السلام الكيلاني، والشيخ محمد السلفي بكراتشي، والشيخ محمد لقمان السلفي، والشيخ عطاء الرحمن في دهلي، وعبد الحميد، ووصي الله، وعبد الرحمن المباركفوري، وآخرون. والشيخ عبيد الله الرحماني لم ألقه، جاء المدينة قبلي، والشيخ محمد أمين المصري جاء بعدنا. وكانت لي صلة مع الشيخ عبد الحق الهاشمي، كنا نجلس في الحرم والبيت، ونقرأ عليه بعض الكتب، مثل الكتب الأصول، وأطراف كتب الحديث، وكتاب الأم من دروسه في الحرم، وأجازنا. وأدركت الشيخ أبا سعيد اللكنوي في الحرم ولم أدرس عليه، وكنا نجلس مع الشيخ أبي السمح، ولم أقرأ عليه، ولم ألقَ الشيخ المعلمي ولا الشيخ سليمان بن حمدان. وحججتُ حجة الإسلام أول سنة التحقت فيها بالجامعة، وكنت أعمل في التوعية الإسلامية في الحج، وأما في المدينة في الدراسة فقط. والشيخ عبد العزيز بن صالح نعرفه وكنا نحضر مجلسه. مرة دعونا جميع أساتذة الجامعة في بيتنا المدينة في رمضان، وحضروا كلهم حتى الشيخ ابن باز، غير الشيخ ابن صالح اعتذر، وكانوا حوالي ثلاثين، وقال لنا الشيخ ابن باز: هذه أول مرة في حياتي آكل هذا الفلفل! ولكن نحن ما وضعنا إلا شيئا يسيرا! وكنا نجلس مع ابن باز مجالس كثيرة، وأذكره لما كانت حادثة كسر التماثيل والتصاوير في المدينة، جلس الشيخ ابن باز مع أصحاب الدكاكين في السوق ونصحهم، وأذكر أن المبتدعة قاموا ضد أهل التوحيد، وكتبوا للملك أن يسفّر الطلبة، ويُغلق الجامعة، وكان الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق موجوداً وشاهداً. والشيخ أبو بكر الجزائري كان من شيوخي، وكان الشيخ العبودي أمين الجامعة. وكان أقرب المدرسين للطلاب هو الشيخ الألباني، أقرب من الجميع، ويحبونه لأجل علم الحديث، ويأخذون منه، وإذا انتهى الدرس يخرج الطلبة من الفصول ويجلسون عنده كلهم، ولا يذهبون للاستراحة، وأحفظ ذلك بعض المدرسين، ولذلك حسدوه، وتسببوا في فصله. الشيخ محمد المختار الشنقيطي من شيوخنا، قرأنا عليه الكثير، في الفقه والتفسير فتح القدير، والنحو، وأشياء كثيرة. والشيخ محمد الأمين الشنقيطي كان بحراً في كل فن. وكان أكثر اهتمامي بفقه الحديث، وفي الجامعة درّسونا نيل الأوطار. وقال: في مكة كنت أحضّر الدروس للحافظ فتحي، وكان عجيباً في حفظه. وقال: عند كتابة الفتاوى أراجع دائما فتاوى ابن باز وابن عثيمين واللجنة الدائمة وشمس الحق العظيم آبادي ونذير حسين والروبري، وهذا إذا كان هناك تردد في المسألة، أتوقف حتى يظهر لي شيء. وقال: درّست وأقرأت البخاري أكثر من 45 مرة للرجال وللنساء. (وهذا قاله سنة 1428). وقال: في شروحنا لا أعتمد على ابن حجر فقط، وأزيد عليه كثيراً، وأحيانا لا نوافقه في المسائل. وقال لنا: العادة في الشرح أُمضي سنتين في البخاري، ومرة شرحته في 5 سنوات. (وهذا قاله سنة 1423) . وقال: بعد التخرج رجعت للبلد وبدأت التدريس، وأكملت دراسة الماجستير في العلوم الإسلامية بالعربية بجامعة البنجاب في لاهور، وتخرجت سنة 1973. وباشرت التدريس بعد التخرج من المدينة مباشرة، واشتغلت بالتدريس فقط، وكنت أدرّس جميع الكتب من الأول إلى الآخر، الأصول الستة وغيرها. وقال: ابتُعثتُ للدعوة والإرشاد مع شيخنا محمد أمان الجامي سوياً، وكنت أترجم له بعض الكتب من الأردية. وقال: أسست مركز الأنصار للتخصص في العلوم الشرعية، نختبر المتخرجين من الجامعة، ونأخذ المتميزين وندربهم، وهو مستقل عن الجامعة. والآن أدرّس البخاري في جامعة لاهور الإسلامية من مدة طويلة، وأتولى رئاسة الإفتاء من سنة 1970م. وقال: أعلم من لقيت عبد الله الروبري، ما رأيت مثله أحدا، وهو فوق ابن باز والألباني، هما بعده، درجته عالية جدا، في علوم الحديث وتحقيق المسائل ما وجدنا مثله، كان بحرًا، على عبادته، كان يصوم يوما ويُفطر يوما، ويبكي عند تدريسه، وتوفي عمره ثمانين أو فوق الثمانين. وقال لي في 9 / 5 / 1432: أنا أحب أن أزور دمشق، ودعيتُ لها الشهر القادم للتحديث، ولكن إذا كانت الأحداث شديدة (يعني الثورة الشعبية) فلن أذهب. وفاته: أصيب شيخنا رحمه الله بأمراض كثيرة، وابتلي في أوقات عديدة بأمراض عصيبة، وقدر الله معافاته منها، وعودته للبذل والإفادة. وقبل يومين من وفاته سقط في بيته سقطة قوية، وأصيب بكسر وشلل، وانقطع عن الكلام، وضاق نَفَسُه، ونُقل للمستشفى، وتردت حالته الصحية، ثم انتقل إلى رحمه الله ضحى الأحد 25 جمادى الآخرة سنة 1442، عن اثنين وثمانين سنة. فإنا لله وإنا إليه راجعون. من صلتي به رحمه الله: أول ما لقيتُ شيخنا في الرياض، ثالث رمضان سنة 1423، وكان ما يزال في لحيته سواد، زرتُه بصحبة أخي الشيخ عبد الوهاب الزيد، وأملانا من حفظه الدقيق فوائد وأسانيد ومتون من البخاري، وأجاز. وكان الشيخ مسرورًا باللقاء، ودعانا للسفر للقراءة عنده في باكستان. وأخبرني الأخ عبد الوهاب أنه لقيه في اليوم التالي وذَكَرني وقال به: إنه يحبني في الله، وأن سَمْتي سمت طالب العلم. ولعلي لقيتُه بعدها غير مرة في زياراته للرياض، إلى أن رتَّب الشيخان المكرمان صالح العصيمي وبدر العتيبي مجالس عليه فيها سنة 1427 لقراءة الموطأ، والرسائل الثلاث، والأَمَم، وغيرها، لتميز سماعه فيها. ثم حصلت المذاكرة مع الأخ الشيخ فيصل العلي حول ترتيب مجالس القراءة العامة في الكويت، فكان هو وشيخنا عبد الوكيل -أطال الله عمره بخير وعافية- من ابتُدئت بهما مجالسها المشهودة بين سنتي 1428 و1432، وكانا عماد المجالس، وقرئ عليهما فيها الصحيحان مرتين، وبقية السبعة، وغيرها كثير، وكنت القارئ الرئيس في تلك المجالس. وكذا لما دُعي من مجلة الوعي الإسلامي لإقامة دورة خاصة في كتب مصطلح الحديث سنة 1430، وكانت دورة متميزة، قرأنا عليه فيها الكثير من عيون كتب المصطلح. وآخر دورة خضرتها عليه هناك هي مجالس ابن خزيمة سنة 32. وكان شيخنا رضي الله عنه يحب قراءتي، ومما أحمد الله عليه أن شيخنا قال لي مرارًا: قراءتك من أجود القراءات السريعة. ومما أغتبط به أنه قال لي أمام جمع بتاريخ 9/ 5/ 1432: "أنت لا نظير لك في السرعة مع الإتقان، لم أر مثلك في هذا، ورَزَقنا الله بك" ! فجزاه الله عني خيرًا على تشجيعه وإحسان ظنه، وكم مرة يصرِّح لي بأنه يحبّني في الله. وكان رغم هيبته الكبيرة يهشُّ لي دومًا، ويقدّمني في مناسبات عديدة، ويسرًّ عندما أتصل به، ويدعو بما أرجو فيه من الله لي وله الخير. وكان يسأل دومًا عن الجديد من الكتب في الحديث، ولا سيما كتب الشروح، وكم كان يُسرّ لما أهديه بعض كتبي المتواضعة والمطبوعات الجديدة في الحديث مما يهمّه. ورأيتُه يهشُّ ويبشُّ لما صرتُ أحضر ولديّ عمر وعلي لمجالسه. وسمح لي أن أقرأ لهما أشياء مما سبق لي عليه. فجزاه الله عنّا خاصة وعامة خير الجزاء. وقرأت وسمعت على شيخنا لما أتى الرياض البخاري سنة 33، والمسند وغيره سنة 34، والنسائي وغيره سنة 35. ثم في المدينة المنورة في الترمذي وغيره سنة 35، وفي الدوحة سنة 36 المسند وسنة 37 في البخاري وكثير من البيهقي، وكان ذلك آخر لقائي الشخصي به رحمه الله، وأتممت خلالها عليه التسعة (بتكرار بعضها) ، وما يزيد على مائة كتاب ورسالة. وبعدها كنت أتواصل معه بالهاتف للسلام عليه، وقراءة أشياء يسيرة لبعض الزملاء، ومن أواخره مسلسل العيد أيام الأضحى سنة 41، وقبل أسابيع قليلة اتصلت به لقضاء فوت قديم لأحد الإخوة -وهو الشيخ المكرم محمد الشعار- في صحيح البخاري، فتمَّ له. ولعل هذا هو من إكرام الله لشيخنا أن يتمم له الأجر والنفع، ومثله هكذا أخبرنا الأخ المكرم الشيخ حماد البرني أنه شيخنا اتصل عليه ضحى الاثنين الماضي، وقال له: اقرأ. قال: فقرأت ما كان عندي من فوت من سنوات في الفضل المبين فتم لي الكتاب، وقال لي أنا أحبكم في الله جميعا. قلت: ولما اتصلت بُعيد خبر الوفاة، بالأخ الحبيب الحافظ عبد الله، صهر شيخنا، معزيًّا، بكى وأبكى، وكان يكرر لي: إن الشيخ كان يحبكم كثيرًا، ونحو ذلك. وأنا أشهد الله أني كنت أحب شيخنا في ذات الله حبًّا جمًّت، وأسأل الله أن ينفعني بمحبة ومحبة أمثاله ممن لهم قدمٌ في خدمة الإسلام والعلم. وليكن هذا خاتمة المقال بهذه الحال، إذ كانت دموعي تغالب كتابتي فيه، ولولا أن أكثره مكتوب عندي مسبقًا لما ظننتُ أني أنجزه. ولعل الله ييسر كتابة أوفى عنه مستقبلًا رحمه الله، وأن أكتب عن شيخنا غلام الله رحمتي وغيره من ذوي الحقوق علينا، رحمهم الله وإيانا والمسلمين أجمعين. ♦ ♦ ♦ رحمك الله يا شيخنا الجليل، وتولى جزاءك عنا، وأكرم نزلك، وبارك فيما خلفته من علم وذرية وطالبة. اللهم إنا نستودع شيخنا، وإنا أحببناه فيك، فاجمعنا به في الفردوس الأعلى، على الذين أنعمت عليهم، واجزه خير ما جزيتً شيخًا عن تلامذته. سلامٌ عليه يوم وُلد، ويوم يموت، ويوم يُبعث حيًّا. كتبه: محمد زياد بن عمر التُّكْلَة حامدًا مصلّيًا مسلّما ♦ ♦ ♦ صورة لإحدى الإجازات القديمة من شيخنا، زاد بعدها كثير
الأقوال المرضية لنيل المطالب الأخروية لمحمد الذهبي البسيوني الحنبلي
محمود ثروت أبو الفضل
07-02-2021
3,703
https://www.alukah.net//culture/0/144810/%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%82%d9%88%d8%a7%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d8%b6%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%86%d9%8a%d9%84-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b7%d8%a7%d9%84%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ae%d8%b1%d9%88%d9%8a%d8%a9-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b0%d9%87%d8%a8%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b3%d9%8a%d9%88%d9%86%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a8%d9%84%d9%8a/
الأقوال المرضية لنيل المطالب الأخروية لمحمد الذهبي البسيوني الحنبلي صدر حديثًا كتاب " الأقوال المرضية لنيل المطالب الأخروية "، تأليف: الشيخ " محمد بن سبع الذهبي البسيوني الحنبلي " (ت ١٣٦١ هـ)، تحقيق: د. " حمود بن محمد السبيعي "، تحت إشراف: د. " أحمد بن منصور آل سبالك ‎ "، تقديم: الشيخ " أحمد بن ناصر القعيمي "، نشر: " دار الغد الجديد للنشر والتوزيع ". وهذا المصنف كتاب فقهي يميل للاختصار في أبواب العبادات على المذهب الحنبلي، اقتصر فيه الشيخ العلامة " محمد بن سبع بن يحيى الذهبي البسيوني الحنبلي " على ما يحتاج إليه في فقه العبادات، وكان معتمده في جمعه وترتيبه وتحريره وتهذيبه على المعتبرات من كتب المذهب، ككتاب " الإقناع " للحجاوي، وشرحه المعروف بـ" كشاف القناع عن متن الإقناع " للبهوتي، وكتاب " منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات " لابن النجار محمد بن أحمد الفتوحي، وشرحه المعروف بـ" دقائق أولي النهى " المعروف بـ" شرح منتهى الإرادات " للإمام البهوتي. إضافة إلى اعتماده على العديد من كتب التفسير والحديث واللغة وغيرها، وللكتاب نسخة خطية معتمدة هي نسخة مكتبة الأزهر طبعت سنة 1920 م بدون كبير إتقان أو رعاية بالمتن، قام المحقق بالمقابلة عليها، وضبط فقراتها، والتعليق بما يلزم على عبارات الكتاب، مع تفصيل الكتاب وتقسيمه إلى فقرات وضبط ألفاظه والكلمات المشكلة فيه، وتخريج أحاديثه والآثار الواردة فيه. مع التقدمة للكتاب ببيان موضوعه، والترجمة لمصنفه، مع خدمة الكتاب بالفهارس اللازمة والوافية لمواضيعه. والمصنف الشيخ الفاضل العلامة الفقيه " محمد بن سبع بن يحيي الذهبي البسيوني الحنبلي "، شيخ السادة الحنابلة بالأزهر الشريف في النصف الأول من القرن العشرين وعضو جماعة كبار العلماء وعضو مجلس إدارة الأزهر.. ولد في مدينة بسيون عام 1289هـ / 1871م، ونشأ وترعرع بحي الأشراف وتعلم مبادئ العلوم والحساب في جامع جده سيدي سليمان البسيوني العلواني الإدريسي بمسقط رأسه حيث ينتهي نسب عائلته إلى الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم. ثم التحق بالأزهر الشريف وبرع في علوم الفقه والنحو وعلوم اللغة العربية، ثم عين بصفة دائمة للتدريس بالمعاهد الدينية الأزهرية في 7 شعبان 1320هـ/7 نوفمبر 1902م، كما حصل على بيورلدي عالي من الدرجة الثالثة من الأزهر بقرار رقم 952 لسنة 1320هـ /1902م، وتزوج من السيدة زهرة جاويش والتي تنتمي إلى عائلة الأشراف، وشهد على عقد زواجه شيخه وأستاذه العالم العلامة السيد أحمد الشيخ البسيوني شيخ السادة الحنابلة بالديار المصرية وذلك في عام 1910م، وعُين للتدريس بالسنة الأولي في الأزهر في عام 1329هـ/ 1911م. شارك في المؤتمر الإسلامي العام للخلافة بمصر عام 1344هـ / 1926م، حيث اُختير الشيخ الذهبي عضوًا استشاريًا في اللجنة العلمية التي ألفها المؤتمر الإسلامي وانعقدت في الفترة 16 - 18 مايو سنة 1926م لبحث المسائل التي كُلفت اللجنة ببحثها وهي: بيان حقيقة الخلافة وشروط الخليفة في الإسلام، والخلافة واجبة في الإسلام وبم تنعقد الخلافة، وانعقد المؤتمر في محاولة لإحياء الخلافة الإسلامية التي انتهت بسقوط الخليفة عبد المجيد الثاني آخر خليفة عثماني عام 1924م. ومن تلاميذه: العلامة الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع رائد التعليم الحديث في قطر والخليج وقرأ عليه النحو والعلوم السائدة في الأزهر، والقاضي الإماراتي الشيخ محمد بن سعيد غباش وأجازه في شهر شعبان 1348هـ /1930م، ومن أشهر مؤلفاته (الأقوال المرضية لنيل المطالب الأخروية في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل)، وفرغ من كتابته عام 1338هـ / 1920م، وحصل الكتاب على جائزة من الأزهر والمنصوص عليها في المادة 125 من القانون رقم 10 لسنة 1911م وكان ذلك في 25 ذي الحجة 1338هـ الموافق 9 سبتمبر 1920م. كذلك كتابه ( الفقه علي المذاهب الأربعة )، واشترك فيه مع عدد من علماء الأزهر حيث شكلت لجنة من علماء المذاهب الأربعة لوضع ذلك الكتاب، وكانت اللجنة مكونة من الشيخ محمد سبع الذهبي والشيخ أبو طالب حسنين من علماء الحنابلة، والشيخ محمد السمالوطي والشيخ محمد عبدالفتاح العناني من علماء المالكية، والشيخ عبدالرحمن الجزيري والشيخ محمود الببلاوي من علماء الحنفية، والشيخ محمد الباهي من علماء الشافعية، وصدرت الطبعة الأولى لذلك الكتاب سنة 1347هـ / 1928م مصدرة بمقدمة كتبها الشيخ عبد الوهاب خلاف رحمه الله. ثم طبع الكتاب طبعة ثانية في عام 1349هـ / 1930م مصدرةً بتقديم للشيخ عبد الرحمن حسن مدير قسم المساجد بوزارة الأوقاف في ذلك الوقت، ذكر فيها أن بعض العلماء أبدوا ملاحظات على بعض ما تضمنه الكتاب، ولهذا ألفت لجنة لدراسة تلك الملاحظات وتنقيح الكتاب قبل طبعه، وكانت تلك اللجنة مكونة من الشيخ محمد سبع الذهبي من علماء الحنابلة والشيخ عبد الجليل عيسى من علماء المالكية والشيخ عبد الرحمن الجزيري من علماء الحنفية والشيخ محمد الباهي والشيخ محمد إبراهيم شوري من علماء الشافعية. كما اشترك في تأليف رسالة في (الحج والعمرة علي المذاهب الأربعة )، والتي وضعت كطلب من مشيخة الأزهر لفائدة الحجاج والمعتمرين وكتبت بواسطة لجنة من حضرات أصحاب الفضيلة العلماء: الشيخ محمد سبيع الذهبي ( رئيس اللجنة) ، والشيخ محمود أبي دقيقة الحنفي والشيخ حسين البيومي الحنفي والشيخ عيسي منون الشافعي والشيخ أبو طالب حسنين الحنبلي والشيخ محمد عبد الفتاح العناني المالكي. وتوفي بعد رحلة عطاء في 24 ديسمبر 1942م ودفن في بلدته بسيون. وظلت مشيخة مذهب الحنابلة شاغرة منذ وفاته لعدم وجود من يشغلها حتى عُين الشيخ محمد عبداللطيف موسى السبكي شيخًا للمذهب الحنبلي في أكتوبر عام 1952م، حيث كان العذر في استمرار مذهب الحنابلة غير ممثل طوال تلك الفترة التي تجاوزت العشر سنوات هو عدم وجود عالم من علمائه بين جماعة كبار العلماء.
يوم المعلم
د. محمد زكي عيادة
06-02-2021
7,247
https://www.alukah.net//culture/0/144778/%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%85/
يوم المعلِّم كان الجميع يترقّب كلمته! اعتلى المنبر بتوءدةٍ مبتسمًا على غير عادته! فرش أوراقه على منصّة الإلقاء مستشعرًا تعطّش الآذان من حوله، أحنى قامته للحضور إكبارًا لهم في سابقة لم تُروَ! ثم قال: أيُّها المعلّم، يا خليفة خير خلق الله، يا مؤدّب الخلفاء، ومعلّم القادة، وصانع العظماء، إنّني - ومن منصبي هذا كمسؤولٍ- لعلى يقينٍ بأنّنا مهما رفعنا من قدرك، وأسهبنا في تعظيم نداك فإنّنا لن نبلغ مُدَّ أحدكم أو نصيفه! إنّه يومك سيّدي، وكلُّ أيام أمجادنا من صنعك، يا من تذود عن الأمَّة؛ فتبني بعطائك الأجيال، ويا من تواري سوءة الأُسَر؛ فتصنع من ضحاياها الأبطال. أيُّها المناضل بصمتٍ، إنَّا قد نضيق ذرعًا بأبنائنا وهم فلذة أكبادنا، ومهجة أرواحنا، أمّا أنت فتحتضن طيشهم، وتبدّد أوهامهم، وتستشرف آمالهم! إنّ الواحد منّا قد يشقى بعقلٍ وحيدٍ يملكه، فلّله درُّك! يا من تملك من العقول بعدد طلّابك وآبائهم وأمهاتهم! طوبى لك أيُّها العظيم، كم تحمّلت من طباعٍ متلوّنة أحاطت بك! وكم سايرت من أرواح متجبّرة تحكّمت بمصيرك! وكم تعايشت مع قراراتٍ متقلّبةٍ أثقلت كاهلك! هذا في زمن الرّخاء، أما في زمن الوباء فقد ازددت ألقًا ورفعةً، إذ جازفت بروحك لتبقى عجلة التعليم دائرةً، وأنوار العلم ساطعةً، لقد صنعت من المحنة منحةً تفجّرت فيها طاقاتُك، وعلت رغم الحظر إبداعاتُك، فمن درسٍ مصوّرٍ إلى درسٍ حيٍّ مباشرٍ إلى آخر عبر الأثير وآخر قيد التأليف والتصنيف! لقد استُهلكت حبال صوتك، وتعبت منك الأنامل والخطوات، وطال أهلَك الخطرُ والخوفُ، في حين كنّا آمنين في سربنا، نتقلّب في نعيم إجازاتٍ مفتوحةٍ، نشغل أنفسنا بالنقد والتنظير ومحاكمة أدائك عن بعدٍ، فنعلّق على جودة الصوت، وصفاء الصورة، وكسر الفتحة، وهامش الفكرة، وفوضى التوقيت! كواكبَ النورِ، ها نحن ذا في هذا اليوم الأغرّ، نخلع النرجسية عن ضمائرنا فنعترف بتقصيرنا بحقّكم، وهضمنا حقوقكم من سالف الزمان حتى الآن، فكم طمسنا من نور عطائكم بخططٍ من سرابٍ! وكم شغلنا أوقات عملكم وفراغكم ببدع المهام وألوان الكلام! وقد آن الأوان أن نزفّ إليكم بعض التباشير، وإن هي إلَّا غيضٌ من فيض امتناننا لكم. معلّمي، بعد اليوم سيُقيم الأمان والضمان في ربوع روحك، وستزول القيود الصمّاء عن تدريسك، وسينتظم التواصل، ويتلاشى التشتيت، ويُحترم الزمن، وتتذوّق طعمَ الأسرة والسجدة والعيد. بعد اليوم، لن يضطرّكم أحدٌ إلى الإساءة لمهنتكم بالبحث باسم الطالب، والقراءة عن الطالب، والكتابة بدل الطالب. ستبرؤون من وجع الحيرة بين مطرقة "التحصيل" وسندان "القيم". بعد اليوم، ستتحرّرون من كلّ الوظائف الغريبة التي أشغلتكم عن رسالتكم، لن تعملوا حرّاسًا على الأبواب، ولا شُرطًا في المرافق والساحات، ولا عيونًا، ولا أبواقًا. بعد اليوم، سنُطفئ كلّ الكاميرات المسلّطة على هفواتكم، ونلغي أجهزة البصمة التي حاربت وازع إيمانكم، سنعدم دفاتر التوقيع، وسنكبح جماح الإنذار والاستفسار والتنبيه، سنبني معًا سلطة الضمير، وصرح الوازع، ونقد الذات، فما الذي ينقصنا عن دولٍ جعلت من الرقابة الذاتية قائدًا يسير بها إلى الإنجاز؟ ألسنا أولى منهم بعبق الإخلاص وروح المسؤولية ونحن المرسلون إليهم هداةً ومُخلّصين؟ بعد اليوم، لن يتساوى المجتهد منكم والمقصّر، سنُفعّل التقييم الشفّاف، والتدريب الفعّال، وسنُطلق في سماء مهنتكم أقمار التشجيع، وسنُشعل في عتمة خواطركم نجومَ التحفيز، وسنزرع حبَّكم في قلوب الأبناء وضمائرهم، سنُعلّمهم معنى كلمة "المعلّم" وقداستها؛ ليُعلّموها للقادم من الأجيال. أصحابَ الفضلِ، لقد ولّى زمن انكساركم وتحسرّكم لسماعكم عن الغرب "أنّ لمعلّمهم حصانة الدبلوماسيّ وراتب الوزير"، ولكي لا يتوهّم أحدٌ منكم أنّ حديثي هذا مجرد تنظيرٍ أو جرعة تخديرٍ؛ أزفّ إليكم أجمل بشرى كخير دليلٍ، لقد تقرّر أن... فجأةً، انتفضَ المعلّم القابع خلف مكتبه على ضجيج الجرس الغاضب، أخذ يتلفّت حوله مرتبكًا كالمطرود من حُلمه، سكن لحظةً فأدرك أنها سِنةُ نومٍ أخذته شفقةً عليه بعد تدريس ساعاتٍ، وفسحةٍ مزدحمةٍ! بدأ يُلملم ذاته؛ ليدخل فصلًا جديدًا وفي ذهنه دهشةٌ عارمةٌ حول ذاك الحلم الدَّخيل! وبينما يحمل أشياءه وقعت عيناه على ورقةٍ تفترش مكتبه، تنتظر توقيعه! فرَّ ببصره منها، فلمح على اللوحة المعلّقة أمامه جدول مهامٍ جديدٍ، ووريقةً صفراء لا تسرّ الناظرين، كُتب عليها ( للتذكير... اليوم موعد تسليم خطّة متابعة الخطّة )!
الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض للسيوطي
محمود ثروت أبو الفضل
04-02-2021
6,108
https://www.alukah.net//culture/0/144764/%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%af-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d9%86-%d8%a3%d8%ae%d9%84%d8%af-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%b6-%d9%88%d8%ac%d9%87%d9%84-%d8%a3%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ac%d8%aa%d9%87%d8%a7%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d9%83%d9%84-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d9%81%d8%b1%d8%b6-%d9%84%d9%84%d8%b3%d9%8a%d9%88%d8%b7%d9%8a/
الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض للسيوطي صدر حديثًا تحقيق جديد لكتاب " الرد على من أخلد إلى الأرض وجهَل أن الاجتهاد في كل عصرٍ فرضٌ ‎ "، للإمام الحافظ ج لا ل الدين أبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (849 - 911 هـ)، ضبط وتعليق: " محمد سكحال المجاجي "، مراجعة " مصطفى صابر "، نشر " دار ابن حزم للنشر والتوزيع ". وهذا الكتاب يبحث إثبات أن الاجتهاد دائم ومستمر ولا ينقطع أبدًا في أي عصر من العصور، ويرد فيه الإمام السيوطي على من أنكر ذلك، وجهل أن الاجتهاد فرض في كل عصر، من خلال إيراد أقوال للعلماء الأكابر من فقهاء المالكية في هذا الموضوع، وأن الدهر لا يخلو من مجتهد، والحث على الاجتهاد، وفوائد تتعلق بالاجتهاد، وفصول عديدة تتعلق بهذه المواضيع. وقد وضع السيوطي رسالته في أربعة أبواب رئيسة: الباب الأول: في ذكر نصوص العلماء على أن الاجتهاد في كل عصر فرض من فروض الكفايات، وأنه لا يجوز شرعًا إخلاء العصر منه. الباب الثاني: في ذكر نصوص العلماء على أن الدهر لا يخلو من مجتهد، وأنه لا يجوز عقلًا أي لا يمكن خلو العصر منه. الباب الثالث: في ذكر من حث على الاجتهاد وأمر به، وذمّ التقليد. الباب الرابع: في فوائد منثورة تتعلق بالاجتهاد. وقد ملأ السيوطي كتابه بالنقولات والنكت من أقوال العلماء من كافة المذاهب الأربعة لتأييد دعواه الاجتهاد، وتنبيهه عليه في عصره الذي كثرت فيه البدع، وانتشر فيه التقليد والجمود الفكري والفقهي، ودعوى الإمام السيوطي الاجتهاد كانت سببًا لنيل الفقهاء منه، ونجد أن السيوطي نفسه كان يأمل أن يكون من طائفة المجتهدين المجددين في الدين على رأس كل قرن، فإنه لما ترجم لنفسه في كتابه " حسن المحاضرة " اختار لترجمته مكانًا بين تراجم ( المجتهدين )، وفي رسالته " الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف " بعد مناظرة شهيرة له مع العلماء بدعوى الاجتهاد ومرتبة المجتهد يقول فيها: "فإنَّ ثمَّ من ينفخ أشداقه ويدعي مناظرتي، وينكر عليَّ دعوى الاجتهاد والتفرد بالعلم على رأس هذه المائة، ويزعم أنه يعارضني...". ولعل هذه الرسالة كانت في طور الدفاع عن قضية الاجتهاد التي نادى بها السيوطي في القرن التاسع الهجري، مناديًا بتخليص الفقه الإسلامي من طور التقليد والجمود والنقولات والحواشي عن كتب الأئمة الأعلام، لتجديد ذلك الرافد الفقهي، وتجديد معينه. وقد قام المحقق بتحقيق هذه الرسالة الماتعة على نسخها الخطية العديدة، والمقابلة بينها، وإثبات الفروق في الحواشي، مع خدمة النص وتنقيحه من السقط والتصحيف، والتقدمة للكتاب بترجمات للكتاب ومؤلفه ومنهج السيوطي في دعوى الاجتهاد في مؤلفاته، مع خدمة النص علميًا بالترجمة لأعلامه وتخريج أحاديثه وضبط نصوصه، ووضع فهارس مساعدة للقارئ بنهاية التحقيق. والجَلَال السُّيُوطي (849 - 911 هـ = 1445 - 1505 م) هو عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ابن سابق الدين الخضيري السيوطي، جلال الدين. • إمام حافظ مؤرخ أديب. له أكثر من 600 مصنف، منها الكتاب الكبير، والرسالة الصغيرة. • نشأ في القاهرة يتيمًا ( مات والده وعمره خمس سنوات ). • اتجه إلى حفظ القرآن، فأتم حفظه وهو دون الثامنة، ثم حفظ بعض الكتب في تلك السن المبكرة مثل العمدة، ومنهاج الفقه والأصول، وألفية ابن مالك، فاتسعت مداركه وزادت معارفه. • وكان السيوطي محل العناية والرعاية من عدد من العلماء من رفاق أبيه، وتولى بعضهم أمر الوصاية عليه، ومنهم الكمال بن الهمام الحنفي أحد كبار فقهاء عصره، وتأثر به الفتى تأثرًا كبيرًا خاصة في ابتعاده عن السلاطين وأرباب الدولة. • وقام برحلات علمية عديدة شملت بلاد الحجاز والشام واليمن والهند والمغرب الإسلامي. ثم دَّرس الحديث بالمدرسة الشيخونية. • ولما بلغ أربعين سنة اعتزل الناس، وخلا بنفسه في روضة المقياس، على النيل، منزويًا عن أصحابه جميعا، كأنه لا يعرف أحدًا منهم، فألف أكثر كتبه. • وتلاميذ السيوطي من الكثرة والنجابة بمكان، وأبرزهم " شمس الدين الداودي " صاحب كتاب " طبقات المفسرين "، و" شمس الدين بن طولون "، و" شمس الدين الشامي " محدث الديار المصرية، والمؤرخ الكبير " ابن إياس " صاحب كتاب " بدائع الزهور في وقائع الدهور ". • وكان الأغنياء والأمراء يزورونه ويعرضون عليه الأموال والهدايا فيردها. وطلبه السلطان مرارًا فلم يحضر إليه، وأرسل إليه هدايا فردها. وبقي على ذلك إلى أن توفي. • وذُكرَ في كتاب ( المنح البادية ) أنه كان يلقب بابن الكتب، لأن أباه طلب من أمه أن تأتيه بكتاب، ففاجأها المخاض، فولدته وهي بين الكتب! من كتبه: • ( الإتقان في علوم القرآن ). • ( إتمام الدراية لقراء النقاية ). • ( الأحاديث المنيفة ). • ( الأرج في الفرج ). • ( الادكار في ما عقده الشعراء من الآثار ). • ( إسعاف المبطأ في رجال الموطأ ). • ( الأشباه والنظائر ) في العربية. • ( الأشباه والنظائر ) في فروع الشافعية. • ( الاقتراح ) في أصول النحو. • ( الإكليل في استنباط التنزيل ). • ( الألفاظ المعربة ). • ( الألفية في مصطلح الحديث ). • ( الألفية في النحو ) واسمها ( الفريدة ) وله شرح عليها. • ( إنباه الأذكياء لحياة الأنبياء ) رسالة. • ( بديعية وشرحها ). • ( بغية الوعاة، في طبقات اللغويين والنحاة ). • ( التاج في إعراب مشكل المنهاج ). • ( تاريخ أسيوط ) وكان أبوه من سكانها. • ( تاريخ الخلفاء ). • ( التحبير لعلم التفسير ). • ( تحفة المجالس ونزهة المجالس ). • ( تحفة الناسك ). • ( تدريب الراويّ ) في شرح تقريب النواوي. • ( ترجمان القرآن ). • ( تفسير الجلالين ). • ( تنوير الحوالك في شرح موطأ الإمام مالك ). • ( الجامع الصغير ) في الحديث. • ( جمع الجوامع، ويعرف بالجامع الكبير ) ستة أجزاء. • ( الحاوي للفتاوي ). • ( حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ). • ( الخصائص والمعجزات النبويّة ). • ( درّ السحابة، في من دخل مصر من الصحابة ). • ( الدر المنثور في التفسير بالمأثور ) ستة أجزاء. • ( الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الأثير ). • ( الدراري في أبناء السراري ). • ( الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة ). • ( الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج ). • ( ديوان الحيوان ) اختصره من حياة الحيوان للدميري، وقد ترجم إلى اللاتينية. • ( رشف الزلال ) ويعرف بمقامة النساء. • ( زهر الربى ) في شرح سنن النسائي. • ( زيادات الجامع الصغير ) مرتبة على الحروف. • ( السبل الجلية في الآباء العلية ). • ( شرح شواهد المغني ) سماه ( فتح القريب ). • ( الشماريخ في علم التاريخ ) رسالة. • ( صون المنطق والكلام، عن فن المنطق والكلام ). • ( طبقات الحفاظ ). • ( طبقات المفسرين ). • ( عقود الجمان في المعاني والبيان ) أرجوزة. • ( عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد ). • ( قطف الثمر في موافقات عمر ). • ( كوكب الروضة ) في ذكر جزيرة الروضة التي كان من سكانها. • ( مقامات ) 24 رسالة في مباحث مختلفة. • ( اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ). • ( لب اللباب في تحرير الأنساب ). • ( لباب النقول في أسباب النزول ). • ( ما رواه الأساطين في عدم المجيء إلى السلاطين ). • ( متشابه القرآن ). • ( مجموعان ) مخطوطان، يشتملان على 43 رسالة - ذكر أسماءها حبيب الزيات في ( خزائن الكتب ). • ( المحاضرات والمحاورات ). • ( المذهب في ما وقع في القرآن من المعرب ). • ( المزهر ) في اللغة. • ( مسالك الحنفا في والدي المصطفى ). • ( المستطرف من أخبار الجواري ). • ( مشتهى العقول في منتهى النقول ). • ( مصباح الزجاجة ) في شرح سنن ابن ماجة. • ( مفحمات الأقران في مبهمات القرآن ). • ( مقامات ) في الأدب. • ( المقامة السندسية في النسبة المصطفوية ). • ( مناقب أبي حنيفة ). • ( مناقب مالك ). • ( مناهل الصفا في تخريج أحاديث الشفا ). • ( المنجم في المعجم ) ترجم به أشياخه. • ( نزهة الجلساء في أشعار النساء ) في الظاهرية. • ( النفحة المسكية والتحفة المكية ) في عدة علوم. • ( نواهد الأبكار ) حاشية على البيضاوي. • ( همع الهوامع ) في النحو. • ( الوسائل إلى معرفة الأوائل ) وغير ذلك.
التفسير الفقهي للشيخ سعد بن ناصر الشثري
محمود ثروت أبو الفضل
03-02-2021
6,461
https://www.alukah.net//culture/0/144732/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%81%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%81%d9%82%d9%87%d9%8a-%d9%84%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b3%d8%b9%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d9%86%d8%a7%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%ab%d8%b1%d9%8a/
التفسير الفقهي للشيخ سعد بن ناصر الشثري صدر حديثًا كتاب "التفسير الفقهي"، تأليف: أ.د. "سعد بن ناصر الشثري"، نشر: "دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع". وأصل هذا الكتاب مجموعة من المحاضرات العلمية التي سجلها فضيلة الشيخ "سعد الشثري" في إذاعة القرآن الكريم، عبارة عن شرح مفصل وشامل لمعاني المصطلحات الفقهية التي تشكل على بعض الناس في معرفتها، حيث شملَ هذا التفسير أبواب الفقه المعروفة. حيث يرى المؤلف أن استنباط الأحكام الفقهية من كتاب الله من أجل ما اختص به العلماء، ودبجوا فيه المؤلفات مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83]. لذا حَسُنَ إظهار قواعد التفسير الفقهي من أجل أن تكون الاستنباطات الفقهية - وخصوصًا في النوازل المعاصرة - مبنية على قواعد وأسس صحيحة. وهذا الكتاب يعد استكمالًا للسلسلة الفقهية التي يعكف عليها المؤلف، والتي خرج منها حتى الآن: 1- علم الجدل والمناظرة. 2- النظريات الفقهية. 3- مقاصد الشريعة. وهو استكمال أيضًا لجهود الشيخ في السلسلة التي تعني بكتابات تأصيل علم التفسير، والتي عمل فيها على عدة مشاريع منها: 1- قواعد التفسير. 2- شرح مقدمة التفسير لابن تيمية. 3- شرح مقدمة التفسير للشيخ عبدالرحمن بن قاسم. 4- شرح أصول التفسير لابن عثيمين. وذلك لحماية جناب كلام الله من تحريف المحرفين، وتأويل المتأولين. وفي "التفسير الفقهي" للشيخ سعد الشثري يأتي بالآية موضع التعليق، ويستخلص منها الفوائد والمصطلحات الفقهية المنوعة في أبسط عبارة وأيسرها، ويرتبها في صورة نقاط مستدلًا عليها بأقوال العلماء واستنتاجاتهم التي اتفقوا عليها في المعنى الإجمالي للمصطلح الفقهي دون بسط أو استطراد في ذكر اختلافاتهم الفرعية. والشيخ سعد بن ناصر بن عبد العزيز أبو حبيب الشثري هو عضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، ومستشار في الديوان الملكي السعودي برتبة وزير، وعضو هيئة التدريس بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود. أكمل دراسته الجامعية في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ثم حصل على درجة الماجستير وكان عنوان رسالته فيها "التفريق بين الأصول والفروع"، ثم حصل على درجة الدكتوراه عام 1417هـ وقد كان عنوان أطروحته فيها "القطع والظن عند الأصوليين"، وقد عمل كأستاذ جامعي في كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من سنة 1409هـ إلى سنة 1422هـ. وقد كان عضوًا في هيئة كبار العلماء السعودية من سنة 1426هـ إلى أن عزل سنة 1431هـ. وفي سنة 1434هـ أصبح عضوًا في هيئة التدريس بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود. وفي سنة 1437هـ عُيِّن كعضو في هيئة كبار العلماء السعودية مجددًا، ومستشارًا في الديوان الملكي السعودي برتبة وزير. له العديد من المؤلفات والشروحات، وقد بلغ عدد مؤلفاته أكثر من 60 مؤلفًا في عدد من المواضيع مثل العقيدة والحديث والفقه والأصول والأخلاق، ومنها: ♦ المسابقات في الشريعة الإسلامية . ♦ التقليد وأحكامه في الشريعة . ♦ عقد الإيجار المنتهي بالتمليك . ♦ القطع والظن عند الأصوليين . ♦ تقسيم الشريعة إلى أصول وفروع . ♦ قوادح الاستدلال بالإجماع . ♦ مختصر صحيح البخاري . ♦ التفريق بين الأصول والفروع . ♦ مقدمة في مقاصد الشريعة . ♦ عبادات الحج . ♦ شرح الورقات . ♦ أخلاقيات الطبيب المسلم . ♦ مفهوم الغذاء الحلال . ♦ حقيقة الإيمان وبدع الإرجاء في القديم والحديث . ♦ حكم زيارة أماكن السيرة . ♦ آراء الصوفية في أركان الإيمان . ♦ شرح المنظومة السعدية في القواعد الفقهية . ♦ القواعد الأصولية المتعلقة بالمسلم غير المجتهد . ♦ الطرق الشرعية لإنشاء المباني الحكومية . ♦ العلماء الذين لهم إسهام في الأصول والقواعد الفقهية . ♦ شرح أصول العكبري . ♦ شرح مختصر ابن اللحام في الأصول. وله العديد من البحوث العلمية المنشورة في المجلات العلمية: ♦ المصلحة عند الحنابلة [مجلة البحوث الإسلامية (الإفتاء)]. ♦ آراء الإمام ابن ماجه الأصولية [مجلة البحوث الإسلامية (الإفتاء)]. ♦ الاستدلال بالقدر المشترك (مجلة جامعة الإمام). ♦ آراء الإمام البخاري الأصولية (مجلة جامعة الإمام). ♦ التخريج بين الأصول والفروع (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة). ♦ تطبيق القواعد الأصولية على حكم الإسراف في الماء (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة). ♦ مقاصد الشريعة ووسائلها في المحافظة على ضرورة العرض (مجلة البحوث الفقهية المعاصرة). ♦ المؤلفون في القواعد الفقهية في القرن (14) (مجلة الدرعية). ♦ العلماء الذين لهم إسهام في أصول الفقه (مجلة الدرعية). ♦ قياس العكس (مجلة جامعة أم القرى). ♦ القواعد الأصولية التي يمكن تطبيقها على بحوث الخلايا الجذرية (مجلة المجمع الفقهي بمكة).
صبيب الرحمة في مآثر المحدث المسند الشيخ غلام الله رحمتي، رحمه الله تعالى 1358-1442
عمير الجنباز
02-02-2021
4,097
https://www.alukah.net//culture/0/144721/%d8%b5%d8%a8%d9%8a%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%ad%d9%85%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%a2%d8%ab%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ad%d8%af%d8%ab-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%86%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%ba%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d8%aa%d9%8a%d8%8c-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d9%87-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%89-1358-1442/
صَبيبُ الرَّحمةِ في مآثرِ المُحدِّثِ المُسندِ الشَّيخِ غُلام الله رحمتِي، رحمه الله تعالى"1358-1442هـ " وفيات تضاعفُ مَنْ سَنرثي. ..وهل غير الدُّعاء لهم جميعًا؟! في ذمَّةِ الله شيخنا العلَّامة المحدِّث الجليل، والدرَّاكة المُسند الأصيل، الشَّيخ غُلام الله رحمتِي الكاكِري القندوزي ثمَّ البيشاوري، تغمَّده الله برحمته ورضوانه، وأورده موارد مغفرته وإحسانه، إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.. وهو أحدُ أعلام بلاد الأفغان وعلمائها، وهو محدِّثُها وفقيهُها، وخزانةُ معارفها وآدابها، ومنحةُ نبهائها، ونفحةُ ألبَّائها، حازَ من الرُّتب الشَّريفة أعلاها، ومن الأوصاف السَّنيَّة أغلاها وأسناها، درَّسَ وأفاد وأفتى، وتميَّز بمكارم وفنون شتَّى، نالَ من الفضائلِ والعرفان، ما قدَّمه على الأمثالِ والأقران، اشتغلَ منذ نشأته بالعلمِ والتَّحصيل، وأدرك كبارَ علماء مِصره ذوي القدر الجليل، وكان لطيفَ المعشرِ والكلام، حسنَ السِّيرةِ بين الأنام، عالمًا بمناهجِ المُحدِّثين واختلافِ المذاهب، مُطِّلعًا على المِلَل والنِّحل والغرائب، مُتمسِّكًا بالسُّنَّة، ذا نفسٍ مطمئنَّة، مواظبًا على الطَّاعة، حافظًا أوقاته عن الإضاعة، صدَّاعًا في قوله، معتمدًا على الله تعالى في قوَّتهِ وحولِه، لا يميلُ مع نفسِه إلى مُلائم، ولا تأخذُه في الله لومة لائم، مُحبَّا للكتب وجمعها، مُعتنًا بها وعارفًا لمخطوطها ومطبوعها، ذا جلَدٍ على إسماع أمَّاتِ الكُتبِ ودواوين السُّنَّة، وممَّا تميَّز به إحياؤه للسُّنن التي أُميتت، وإزالته للبدع التي أُذيعت، فاشتهر علمه وفَاق، وسما قدره في الآفاق، وانتفع بعلومه الكثير، وأخذَ عنه الجمُّ الغفير، وممَّن شرَّفني بحمد الله بالرِّواية عنه بعامَّةِ مرويَّاته ومؤلَّفاته، وحضور مجالسه المُنيفة في إسماع دوواين السُّنَّةِ الشَّريفة أثناء زيارته للحرمين الشَّريفين والرِّياض والشَّرقيَّة، بأسانيد مشايخه الأعلام الثَّلاثة: الشَّيخ محمد إدريس الكاندهلوي، والشَّيخ محمَّد رسول خان الهزاروي، والشَّيخ بديع الدِّين شاه الرَّاشدي، غفر الله لهم أجمعين، فكان مهبًّا لنسائم العرفان والتَّحقيق، ومصبًّا لمُزن الإتقان والتَّدقيق، أحسن الله قراه، وجعل الجنَّة مأواه ومثواه، وبلَّغه ما يرجوه، وضوَّاه بالمغفرة يوم تبيضُّ وجوه، وعوَّضَ الأمَّةَ بفقد علمائها العاملين، وأحسنَ عزاء أهله وطلَّابه ومُحبِّيه، وأخلف على المسلمين خيرًا.. تواضعَ للطُلَّاب فانتفعوا به على أنَّه بالحلمِ زاد ترفُّعًا وكان حليمًا واسعَ الصَّدر ماجدًا تقيًّا نقيًّا زاهدًا مُتورِّعًا ومَن يبتغي تعدادَ حُسنَ خصاله فليسَ ملومًا إن أطال وأشبعَا فجُوزِي بالحُسنى وتُوِّجَ بالرِّضا وقُوبلَ بالإكرام ممَّن له دعا
الإحكام شرح عمدة الأحكام لمنصور بن محمد عبد الله الصقعوب
محمود ثروت أبو الفضل
02-02-2021
11,604
https://www.alukah.net//culture/0/144711/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d8%b9%d9%85%d8%af%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d9%84%d9%85%d9%86%d8%b5%d9%88%d8%b1-%d8%a8%d9%86-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b5%d9%82%d8%b9%d9%88%d8%a8/
الإحكام شرح عمدة الأحكام لمنصور بن محمد عبد الله الصقعوب صدر حديثًا كتاب "الإحكام شرح عمدة الأحكام""، تأليف: د. "منصور بن محمد بن عبد الله الصقعوب"، في مجلدين، نشر "دار العقيدة للنشر والتوزيع". وهذا الكتاب شرح لكتاب " عمدة الأحكام في كلام خير الأنام "، وهو شرحٌ موجز مختصر، قصدَ به الكاتب توضيح مقاصد الأحاديث، وذكر أهم مسائلها، وبعض لطائفها، وقد راعى الكاتب في هذا الشرح وضوح العبارة، وعدم الإطالة في المسائل الفقهية، تيسيرًا على طالب العلم الحنبلي. وكتاب " العمدة " ألفه الحافظ عبد الغني المقدسي (541 هـ-600 هـ)، يورد المؤلف في كتابه مجموعة من أحاديث الأحكام الواردة في صحيح البخاري وصحيح مسلم، وقد اشتمل الكتاب على ستة عشر كتابًا من الأحكام، واحتوى على 407 أحاديث. قال الحافظ "عبد الغني المقدسي" في مقدمة الكتاب: "أما بعد، فان بعض إخواني سألني اختصار جملة من أحاديث الأحكام، مما اتفق عليه الإمامان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، ومسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، فأجبته إلى سؤاله، رجاء المنفعة به". وقد سلك الشارح في الشرح المنهج الآتي: • الترجمة للصحابي بإيجاز، ويحيل في ترجمته إلى أهم أربعة مصادر تكلمت عن ترجمته. • يذكر من الألفاظ ما كان غامضًا، أو لم يكن معناه غامضًا لكن احتاج لبيان لارتباطه بفقه الحديث، ويجعل للألفاظ عنوانًا مستقلًا إذا تعددت، فيقول ( ألفاظه الغريبة ). • ذكر أهم مسائل الحديث بدون استقصاء، مع العناية بذكر مذهب الحنابلة في المسألة، فإن وافقوا الجمهور فيكتفي بتسمية الجمهور، ولا يكتفي بذكر المسائل الفقهية، بل يذكر أحيانًا بعض لطائف الحديث وفوائده، ويجعلها ضمن المسائل المأخوذة من الحديث. • الاعتناء بنقل أقوال المذاهب من كتبهم المعتمدة. • يشير غالبًا إلى اختيار ابن تيمية وابن القيم في المسائل الخلافية. • عند البدء بباب جديد يذكر الشارح معنى الباب ومقاصده، وعدد أحاديث الباب، ومناسبة ترتيب الباب أو الإتيان به في هذا الموضع. • يعتني في الحاشية بذكر مواضع إخراج البخاري ومسلم لأحاديث "العمدة"، لأن هذه المواضع التبويبات نافعة، وتفيد في تصور مسائل الحديث وبعض فوائده. وقد قدَّمَ د. " منصور بن محمد بن عبد الله الصقعوب " بمقدمة نافعة عن الكتاب " العمدة "، وطبعاته السابقات، وعن شروحه التي وضعت عليه، مع الترجمة لصاحب المتن، ومكانة كتابه العلمية. ونجد أنه في كل حديث مرتب على الباب الفقهي يترجم لرواة الحديث، ثم يبين منزلة الحديث، ثم يتجه إلى بيان ألفاظه الغريبة، ثم بيان مناسبة الحديث للباب، ثم يرتب مسائل الباب الفقهية، ويفرع على الحديث أيضًا المسائل المستفادة منه المتعلقة بعلوم أخرى، وأهم المسائل الخلافية، ووجه الخلاف فيها مع الرأي الراجح. وراعى الكاتب تبسيط المسائل وترقيقها لعموم الطلاب؛ ليسهل الانتفاع بها أثناء مدراسة الكتاب. والشارح هو " منصور بن محمد بن عبد الله الصقعوب " عضو الدعوة والإرشاد بوزارة الشؤون الإسلامية بالمملكة العربية السعودية، فرع القصيم، وإمام وخطيب جامع الحبلين ببريدة. من مواليد عام 1398هـ في بريدة بمنطقة القصيم، بالمملكة العربية السعودية. أتم حفظ القرآن في عام 1413هـ، وشرع في تلك السنة في حفظ السنّة، فحفظ مختصر صحيح مسلم للمنذري، ثم زيادات البخاري عليه، ثم زيادات الكتب الستة، وحفظ جملةً من المتون العلمية الأخرى. طلب العلم عند جماعة من أهل العلم، منهم: الشيخ عبد الكريم الخضير، والشيخ خالد المشيقح، والشيخ عبد الله الغنيمان، والشيخ عبد الله بن صالح الفوزان، والشيخ إبراهيم اللاحم، والشيخ تركي الغميز، وغيرهم. • حصل على درجة البكالوريس من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، فرع القصيم، عام 1419هـ/1420هـ. • حصل على درجة الماجستير بامتياز، من جامعة القصيم، قسم السنة وعلومها، عام 1432هـ، وكانت رسالته بعنوان: "الاختلاف الوارد في القصص والأحداث في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بين اتحاد القصة وتعددها" . • وقد تحصل على شهادة العالمية العالية ( الدكتوراه ) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، كلية الحديث الشريف، قسم فقه السنة، وكان عنوان الرسالة: " التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي، تحقيق ودراسة، من باب الغصب، حتى آخر الكتاب ". مؤلفاته: • التعليق المقنع على زاد المستقنع. • تقريب الوصول إلى ثلاثة الأصول. • شرح منظومة القواعد الفقهية لابن سعدي . • بغية المستفيد شرح كتاب التوحيد. • الوقائع النبوية، بين اتحاد القصة وتعددها. • شرح الأربعين النووية له مؤلفات مخطوطة منها: • الأحاديث الواردة في المطر في الكتب الستة، دراسة موضوعية. • الأحاديث الواردة في اللقطة في الكتب الستة، دراسة حديثية فقهية. • حديث النعمان بن بشير في هبة الولد، دراسة حديثية فقهية. • حديث عروة بن مضرس، دراسة حديثية فقهية. • كتب أحاديث الأحكام، عرض ودراسة. • كتب علل الحديث، عرض ودراسة. • شرح العقيدة الواسطية لابن تيمية. • التحرير المشبع على زاد المستقنع. • التعليقات الجلية على منظومة الحائية.
وفاة شيخنا العلامة غلام الله رحمتي (1345- 1442هـ)
حاتم محمد شلبي
01-02-2021
7,459
https://www.alukah.net//culture/0/144691/%d9%88%d9%81%d8%a7%d8%a9-%d8%b4%d9%8a%d8%ae%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%ba%d9%84%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%b1%d8%ad%d9%85%d8%aa%d9%8a-1345-1442%d9%87%d9%80/
وفاة شيخنا العلامة غلام الله رحمتي (1345_1442 هـ ) خرجت لصلاة الفجر يوم الجمعة 16جمادى الأخر عام 1442هـ الموافق 29 يناير عام 2021م، وخطر ببالي وأنا في الطريق إليها شيخنا العلامة المجاهد غلام الله رحمتي رحمه الله، والله على ذلك شاهد. فلما أديت الصلاة وعدت لمنزلي، عمدت إلى ثبت لشيخنا كنت أجمعه بعدما استأذنت ولده البار وشيخنا فضيلة الشيخ عبدالحميد بن غلام الله، لأقوم على تحريره والنظر فيه. وانقطعت من حينها عن النت وكل مؤثر لمراجعته، وبقيت على ذلك إلى الساعة، ثم فتحته ففوجئت بخبر توقفت عنده برهة وأمعنت النظر فيه، فإذا هو خبر وفاة شيخنا العالم الرباني الشيخ غلام الله رحمتي رحمه الله يسوقه إلينا ولده الشيخ عبدالحميد صبره الله وذويه. نعم نعاه ولده إلينا وإلى كل آله ومحبيه وطلابه ومريديه، فنزل عليَّ ذلك النعي الفجائي نزول الصاعقة، وكدت أكذب عيني، التي استقبلته بدموع محب فقد حبيبه، وطالبًا فقد شيخه، وقلت في أول الأمر لعل صفحة شيخنا وابن شيخنا اخترقت. أو لعله يقصد من هو في مقام والده بالنسبة له، أو لعله.. ولعله!! ولما تأكدت ولم يعد لدي شكٌ في الخبر، استرجعت وقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لا معقب لحكمه ولا رادَّ لقضائه، فتعزيت بقول الله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155-157]. وبقول حبيبنا وقدوتنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم: " إذا أصيب أحدكم بمصيبةٍ فليذكرُ مصيبته بي؛ فإنَّها أعظم المصائب". وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أيُّما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبةٍ فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تُصيبه بغيري؛ فإنّ أحدًا من أمتي لن يُصاب بمصيبةٍ بعدي أشد عليه من مصيبتي ". وخطر ببالي قول أبو العتاهية: اصبر لكلِّ مصيبةٍ وتجلَّدِ واعلم بأنّ المرءَ غيرُ مخلَّدِ فإذا ذكرتَ مصيبةً تسلو بها فاذكر مُصابَك بالنبيِّ محمدِ وقول لبيد بن ربيعة: ومَا المالُ والأهْلُونَ إلاَّ وَديعَة ٌ*** وَلابُدَّ يَوْمًا أنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ لقد كان فقيدنا-رحمه الله- أحد أعلام الدعوة والعلم والفضل والجهاد. عرف بمكارم الأخلاق في عصره ومصره، وشهد له كل من التقاه بدماثة الأخلاق، وطيب القلب، ولين الجانب، ومحبة الخير للجميع شيوخًا وطلابًا. وأما عن جهوده في نشر القرآن والسنة، و العقيدة والتوحيد الخالص في بلده الأم أفغانستان، وبلده الثان باكستان، بل وخارجهما، فجهود عظيمة، حدث عنها ولا حرج، جعلها الله له ذكرى خير خالدة، وصدقة جارية عليه واردة. فشيخنا كان من الدعاة المصلحين إلى الله، ومن الرجال الصالحين الذين ينفقون أوقاتهم، وأموالهم، وأنفسهم في سبيل الله نحسبه والله حسيبه. ولذا هزّت وفاة الشيخ الأوساط العلمية ليس على مستوى بلده وحسب؛ بل هزته شرقا وغربا، عربا وعجما. وحضر جنازته وشيعها رغم أنها كانت ليلًا جماهير كثيرة، ودعا له بالرحمة والمغفرة جموع غفيرة، قد لا يحصيهم عد، ولا يحدهم حد، وهذه بطاقة مختصرة لشيخنا لمن لم تكتحل برؤياه عيناه، وأذنه بسماعه: هو: شيخنا العلامة، والحجة الفهامة، شيخُ الحديث والتفسير غلام الله بن المولوي رحمت الله بن محمد بن أختر بن باران بن عثمان بن حكيم خان بن عظيم خام الكاكري القندوزي الأفغاني ثم البيشاوري الباكستاني، مدير مدرسة دار القرآن والحديث السلفية، أبو عبد الحليم. ولد شيخنا في أفغانستان حوالي عام 1345هـ تقريبا، وتعلم في صباه علوم الآلة وأتقن جميعها في مدة وجيزة، ورحل في طلب العلم إلى باكستان، ثم رجع بعد التحصيل العلمي إلى بلاده أفغانستان، ولِما أعطاه الله ذكاء وهمة انهمك في دروس التفسير والحديث وأصبح لا يرغب عنهما بديلا، حتى اشتهر بالتوحيد والسنة – وعلى اصطلاح المقلدين والمبتدعين بالوهابية -. عانى كثيرا في سبيل نشر التوحيد والسنة، ومجاهدة أهل البدع، ومن ذلك: أن أودع في السجن بسبب سعي علماء أهل البدع مرارا، وكان جملة ما مكث في السجن يقرب على عشر سنوات في أوقات منقطعة، ضُرِب وأوذي وسُب وشُتم مرات ولا حول ولا قوة إلا بالله. بعد الغزو الروسي لأفغانستان كان الشيخ من أوائل المجاهدين في سبيل الله، حيث كان مؤسسا لمنظمة "المسلمون" وذلك في ابتداء الجهاد. وكان نائبا للشيخ جميل الرحمن (رحمه الله) مؤسس جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة في أفغانستان، والتي تولى شيخنا رحمه الله فيها رئاسة التعليم وعمل رئيسًا لقسم الإفتاء والدعوة والإرشاد بها، وشغل منصب رئيس المدرسين بالجامعة الأثرية ومشيخة الحديث فيها. وأشرف على الدعاة التابعين لوزارة الشئون الإسلامية والدعوة والإرشاد بمكتب الدعوة بإسلام آباد. كما أسس مدرسة [دار القرآن والحديث السلفية] في بشاور، وعمل مديرًا لها وشيخ الحديث والتفسير بها إلى أن توفي رحمه الله صباح اليوم. وصدق من قال: لو كان يخلد فينا عالمٌ أبدًا لَخُلِّد المصطفى في هذه الدارِ! لكنْ هو الموتُ لا يبقي على أحدٍ وفي تواردهِ رايات تذكارِ! فاللهم إنا نؤمن بقضائك ونحتسب عندك أجر الصبر على بلائك، ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة:155]. فنسأل الله تعالى أن يرحم شيخنا رحمة واسعة، وأن يسكنه الفردوس الأعلى، وأن يحسن عزاءنا وعزاء الأمة فيه، ويوفقنا في مصابنا لما يحبه سبحانه ويرضاه. صور من جنازة الشيخ رحمه الله رحمة واسعة
قصة موسى عليه السلام (1) ولادتة
د. محمد منير الجنباز
01-02-2021
34,533
https://www.alukah.net//culture/0/144688/%d9%82%d8%b5%d8%a9-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%89-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85-1-%d9%88%d9%84%d8%a7%d8%af%d8%aa%d8%a9/
قصة موسى عليه السلام (1) ذكر متتبعو القصص القُرْآني أن نبي الله موسى كان أكثر الأنبياء ذكرًا في القُرْآن الكريم، وله حياة حافلة منذ الولادة حتى الوفاة، وإذا كانت قد ذكرت ولادة عيسى لإعجازها فإن ولادة موسى ذكرت لنجاتها من بطش فرعون، ولقد ابتلي العصر الذي بعث فيه موسى بفرعون الطاغية، الذي اشتهر عصره بالظلم والعسف والإجرام وعدم احترام آدمية الإنسان، فكان مفسدًا في الأرض إفسادًا لم يسبق إليه أحد من الفراعنة الذين سبقوه، وقد مر شيء من سيرة الملك المعاصر ليوسف ورأينا إلحاحه في تفسير الحُلم الذي جر خيرًا على شعب مصر، وعين رجلًا صالحًا في وظيفة كبرى، وأطلق يده بعد أن تأكد من صلاحه وسيرته الحسنة بين الناس، ولزم تعاليم يوسف في توزيع الطعام وقت المجاعة، فلم يكن سيئ السيرة في قومه رغم كفره، فشتان بين الحاكمين!. ولادة موسى عليه السلام المولد والنشأة: ضمَّت أرض الكنانة عنصرين من الناس، الأقباط: وهم سكان مصر الأصليين، بنو إسرائيل: وهم أبناء يعقوب الذين وفدوا مع يوسف عليه السلام، وكسب أبناء يعقوب وأحفاده ود الأقباط وأحبوهم لحبهم يوسف، فعاشوا فترة معهم في وئام، وعمل الإسرائيليون بقطاع الزراعة والخدمات، بينما كان الأقباط هم الملاك والأسياد، واعتمد الأقباط في معيشتهم وكسب ثروتهم على جهد الإسرائيليين، فما عادوا يتقنون عملًا منتجًا، ولو تخلى عنهم بنو إسرائيل لماتوا جوعًا ولتعطلت أعمالهم، ومن هذا المنطلق شددوا عليهم في العمل وأبقوهم رهن الخدمة وعاشوا أسوأ أيامهم في عهد الطاغية فرعون الذي عاصره موسى، فكان جبارًا في الأرض عاتيًا، أذل بني إسرائيل وجعلهم أشبه بالأسرى الذين لا يستطيعون مغادرة البلاد، ولا حتى الأرض التي يعملون فيها، وفي غمرة الصراع مع بني إسرائيل والإيغال في ذلهم ومعاملتهم معاملة العبيد ظهرت منهم معارضةٌ، فقضى عليها الفرعون، ثم رأى رؤيا فسرها له المنجمون أن ذهاب ملكه سيكون على يد رجل من بني إسرائيل، فأهمه هذا الأمر، وبدأ يدبر الكيد لبني إسرائيل؛ لكيلا تقع هذه الكارثة، فأمر بتقتيل ذكور بني إسرائيل، والإبقاء على نسائهم، واستمر الأمر فترة وهو ينشر الجواسيس والعيون لإخباره عن كل مولود جديد، فيحضر الذباحون - وهي فرقة للموت شكلها فرعون - فيقتلعون الوليد من أحضان أمه فيذبحونه ويمضون، قسوة ما بعدها قسوة، وبدأ نسل بني إسرائيل يميل للانقراض، وضعفت أعمال الخدمة، وضج المنتفعون من خدمة بني إسرائيل؛ لنضوب اليد العاملة، وقالوا للفرعون: إن استمر الوضع على هذه الوتيرة فسيفنى القوم ويعم في الديار الخراب، فاتفقوا مع الفرعون على أن يقتل سنة ويعفو سنة، ﴿ وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 49]، وقد ركزت سورة القصص على قصة موسى منذ البداية، وستكون المحور الرئيس في قصة موسى: ﴿ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 3، 4]، فأخبر القُرْآن الكريم بما كان يفعله فرعون، من تقسيم شعبه إلى طوائف وطبقات سخرهم لخدمته، وكانت الطائفة المهانة عنده هم بني إسرائيل، وفي سنة تقتيل البنين ولد موسى، فخافت عليه أمه وحارت في أمرها كيف لها أن تخفيه عن جواسيس فرعون وتنقذه من الذبح؟ فكان الإيحاء الإلهي الذي رسم لها طريقة نجاته، ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]، والإيحاء هنا بمعنى الإلهام وما يشعر به القلب من إحساس يسيطر عليه ليتصرف وفقه، فكان الإلهام أن ترضعه بعد ولادته ثم تضعه في صندوق ثم تلقيه في اليم، والمقصود به نهر النيل، وطمأنها الوحي بألا تخاف ولا تحزن؛ فلن يضيع موسى، بل سيرده عليها، وأنه سيكون نبيًّا مرسَلًا، ففي هذا الإيحاء منتهى التطمين لها مع البشارة بما يتبع النبوة من العزة والتمكين لقومه بعد ضعف، وقد فعلت بدافع هذا الإيحاء ما طلب منها؛ ﴿ فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ﴾ [القصص: 8]، وجرى هذا الصندوق في النيل مع جريانه وطاف بقصر فرعون فالتقطه أعوان فرعون وأحضروا الصندوق إلى فرعون وفتحوه، فإذا غلامٌ رضيع هادئ يمص إصبعه يتلهى بها، من رآه أحبه وانشرح له صدره إلا فرعون الذي عرف بقسوة الطبع وشراسة النفس، فأظلم فؤاده وعشش هوى البغي والظلم في فكره، فلا يعرف الحب إلى قلبه سبيلًا، وقد توجس منه خيفة ودعا إلى قتله، لكن امرأته على عكس من هذا الطاغية شفيفة القلب رهيفة الإحساس، أودعت في الفؤاد حبًّا ونورًا وحنوًّا كبيرًا، ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون ﴾ [القصص: 9]، فتمسكت به وضمته إلى صدرها، فأنس بها، وكان فرعون عقيمًا، فأطمعته بتربيته واتخاذه ولدًا ينفعها، وما زالت به حتى تركه وكف عن قتله، وروي أنه قال: ينفعك أنت، أما أنا فلا أريده، وقد نفعها الله به فآمنت، أما فرعون الذي أباه، فلم ينتفع به، بل كان هلاكه على يديه كما سنرى، وجرت مقادير الله بحكمته البالغة ليبرهن للطاغية أنه مهما اتخذ من حيطة وحذر، فإن أمر الله نافذ لا محالة، وأن من كان يحذر منه يتربى الآن في بيته هادئًا مستقرًّا لا يعيش مهددًا، بخلاف ما لو خبأته أمه في مغارة أو مكان منقطع فإنها لا تبرح خائفة وجلة عليه، فتكون لهذا الخوف أيام طويلة، والساعة عند الخائف تمر بطيئة، فيحسبها يومًا، واليوم يظنه بطوله شهرًا، فلا يستقر عيش أو هناء لخائف. ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ ﴾ [القصص: 8]، ولما قرَّر هؤلاء الطغاة قتل الأولاد حفاظًا على الملك والمنافع من الضياع، نسوا بأن هناك ربًّا خالقًا لا يُعجزه شيء في الوصول إلى المجرمين وعقابهم، لقد أخطؤوا التفكير وضلوا الطريق، واستعملوا أقسى أنواع التنكيل بالناس لرؤيا مزعومة، فإذا كان كذلك، وقد صدقوا قول المنجمين، وهو الخوف على ملكهم من إسرائيلي يقوضه، إذًا فلتكن الرؤيا بهذا المنحى، وسيكون ذلك الإسرائيلي هو موسى الذي سيتربى في قصر الفرعون وتناله الرعاية منه ومن زوجه، أيظنون أن ما ابتدعوه من إجرام سيصلون به إلى بغيتهم؟ عليهم أن يعرفوا أن للكون ربًّا ينظمه، ولو كانوا حريصين على دوام الملك، فإن دوامه بالعدل، فالعدل أساس الملك. وعَوْدًا إلى أم موسى الولهى على طفلها، ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]، الإنسان يبقى إنسانًا، وتعتريه حالات ضعف عند المواقف الحاسمة التي تبدو له غاية في السوء والكدر، ألم يكن يعقوب نبيًّا والرؤيا التي رواها له يوسف كانت إشارة إلى أنه سيأتي يوم يسجد له أبوه وأمه وإخوته، وفقد يوسف قبل هذا، وادعى إخوته أن الذئب قد أكله، ثم ما كان من يعقوب إلا أن حزن عليه حزنًا أفقده بصره، وهو يعلم أن تفسير الرؤيا آتٍ فلم هذا الحزن وكأن يوسف قد فقد إلى الأبد وأضحى حقيقة في ظن يعقوب؟! أما كان الأجدر ألا يبالي؛ لأنه ضامن بالرؤيا ووحي النبوة أن يوسف حي وسيكون له شأن؟ ليس لهذا من تفسير إلا الضعف الإنساني، فما بالنا بأم موسى وهي لم تصل إلى درجة النبوة؟ لقد ألهمت إلهامًا؛ لذلك حق لها أن يداخلها القلق والخوف على مصير موسى، ولم تستطع نسيانه، ولو للحظة واحدة؛ فقد تفرغ فؤادها من كل شيء شاغل، إلا من التفكير في موسى، ولقد كادت أن تتكلم وتظهر ما فعلت من إلقاء موسى في اليم ووصوله إلى قصر فرعون وأنه ابنها، لكن الله صبرها وسكَّن قلبها بالطمأنينة، فلم تتكلم، ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ ﴾ [القصص: 11]؛ أي: تتبعي أثره وأخباره؛ كيلا يفوتنا شيء من العلم عنه، وانطلقت الأخت الذكية (كلثم) حذرة تتابع أخباره، ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 11]، ومع أنه في قصر فرعون المنيع، فقد استطاعت أن تعرف شيئًا عنه بطريقة ما بحيث اقتربت من موقع الحدث، وأدى انشغالهم بما هم فيه إلى عدم الشعور بوجودها وأنها تتابعه وتراقبه، ﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ ﴾ [القصص: 12]، وكان سبب انشغالهم أنه بكى من الجوع، فأُتي له من القصر بمرضع فرفض ثديها رغم جوعه، وأُتي له بأخرى فأبى أن يتقبل الثدي، فقد ألهمه الله نفرة الثدي وكأنه يأبى أن تكون له أم ثانية من الرضاعة، وأمام حيرة امرأة فرعون فيما تقدمه لهذا الرضيع برزت أخت موسى منقذة ومعها الحل لهذا الإشكال ﴿ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ ﴾ [القصص: 12]، وجاءهم العجب من قولها وكأنها واثقة من أنه سيقبل ثدي من سترشدهم إليها، فقالوا: ومن تكون هذه المرضع؟ قالت: أمي، فقيل لها: وهل لأمك لبن؟ قالت: نعم لبن أخي هارون المولود منذ سنة، عند ذلك رافقوها إلى بيت أم موسى فأعطته الثدي فقبله، وكانت الفرحة كبيرة عند زوجة فرعون؛ فقد ضمنت له المرضع، وبالتالي ستربيه لتتخذه ولدًا، وبالمقابل فقد رده الله تعالى إلى أمه سريعًا كما وعدها، فلم تؤرقها المعاناة طويلًا، بل كان الفرج عاجلًا، فقرَّتْ عينُها بعودته؛ ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 13]، وأم موسى امرأة صالحة مؤمنة، رسخ إيمانها أكثر، وازداد ثباتًا ويقينًا، وهي ترى رأي العين وليدها موسى يعود إليها سليمًا معافى، ألقته في اليم رضيعًا وهو في صندوق واليم متلاطم الموج هائج، فأتي به بعد سويعات لتضمه إلى صدرها ويعود إلى حِضنها تغذيه وهي آمنة من بطش فرعون به، ومن ذا الذي يلقي رضيعًا في اليم ثم يعود إليه، ولم يمس بأي سوء؟! إنها عناية الله وحكمته، ولهذا الحدث ما بعده، ﴿ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]؛ فالعناية الإلهية تحيط موسى حتى يبلغ الكتاب أجله، ومرت السنون وموسى ينعم بالرعاية من امرأة فرعون (آسية)، أما فرعون فكان في ريبة وشك من هذا الفتى الذي تربى في بيته، فلم يبدِ نحوه ارتياحًا قط، فعندما داعبه مرة وهو صغير أمسك موسى بلحيته بقوة ونزع منها شيئًا، فغضب فرعون وقال: هذا هو الذي أخشاه، وأرى أنه هو الذي سيهدد ملكي، وطلب الذباحين لقتله فتوسلت إليه زوجته بالإبقاء عليه؛ لأنه لا يعقل ولا يميز، وبرهنت على ذلك بأن وضعت بين يديه جواهر وجمرًا، فأمسك جمرة ورفعها إلى فيه، فأمسكت به ونزعتها منه، وقيل: هذه الجمرة أضرت بلسان موسى ونطقه، وترعرع موسى فتًى يافعًا قوي البنية في بيت فرعون، ﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [القصص: 14]؛ أي: تجاوز الطفولة إلى مرحلة الفتوة والشباب، تفتقت هذه السن عن علم وفهم وحكمة آتاها الله موسى فزينته وأضفَتْ عليه هيبة ووقارًا، ﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [القصص: 14]، لقاءَ إحسانهم وتصديقهم، ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا ﴾ [القصص: 15]، وذكر أن المدينة هي (منف): أكبر مدينة في ذلك الوقت، وكان قد ذكر له أن فرعون ركب إليها فتبعه - وكان يخرج في موكبه باعتباره تربى في قصره، وهذا الظهور أفاد بني إسرائيل؛ حيث حماهم وخفف عنهم الظلم، لا لأنه إسرائيلي، فلم يكن فرعون متأكدًا من ذلك، وإنما لأن امرأة منهم أرضعته؛ فهم على هذا أخواله - وكان دخوله لها نصف النهار، وفيه تغلق الأسواق حتى العصر، فالطرقات خالية من المارة إلا ما ندر، والناس في غداء أو قيلولة، وفي هذا الجو الهادئ الذي سكن فيه الناس، وتكاد تسمع فيه الهمس أو حفيف الشجر وخرير الماء، إذا به يفاجأ بارتفاع صوت شجار بين رجلين، ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]؛ ﴿ مِنْ شِيعَتِهِ ﴾؛ أي: إسرائيلي، فقد بدأ موسى يذم فرعون وأعماله وينتقد كفره وضلاله، وهو عارف أنه من بني إسرائيل، وأن القبط ظلموهم، فهذا إسرائيلي الآن يتعارك مع قبطي، وموسى معروف للإسرائيليين أنه نصيرهم؛ لذلك عندما شاهد موسى استنصر به، ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ [القصص: 15]، فأسرع موسى لمساعدة الإسرائيلي على أنه مظلوم والقبطي دائمًا هو الظالم، ﴿ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ ﴾ [القصص: 15]، ووكز موسى القبطي؛ أي: سدد له لكمةً فقتله بهذه اللكمة وموسى لم يشأ هذا، وإنما ظن أنها لن تؤدي به إلى الموت؛ لذلك سارع إلى الاعتراف بخطأ ما فعله، ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ﴾ [القصص: 15]، ونسب هذا التسرع إلى إغواء الشيطان، وأنه عدو ظاهر العداوة، وندم على ما فعل ثم انتحى جانبًا وهو في غاية الأسى والحزن، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16]، فعاد موسى بعد هذا وهو مقرٌّ بالذنب، معذَّب به، ودخلت نفسَه الراحةُ لهذه التوبة وهو يشعر من الأعماق أن الله قد غفر له خطأه الذي ارتكبه من قتل للنفس بلا قصد، ثم وعد ربه لقاء هذه التوبة ألا يعود لهذا التسرع ثانية، ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ ﴾ [القصص: 17]، وأن القوة التي منحتني إياها يا أللهُ وأنعمت بها عليَّ فلن أضعها إلا في سبيلك، ولن أكون عونًا أو مساندًا للمجرمين الذين يفسدون في الأرض ويثيرون الفتنة هنا وهناك. ﴿ فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 18]، وهكذا ينقلب من يبتلى بالقتل ممن لا يمارسه أو يقصده؛ فالإنسان الذي يرتكب القتل الخطأ عن غير قصد أو الذي يقتل للمرة الأولى غير محترف للقتل يصاب بالخوف والقلق، وتعتريه الهواجس والأحلام المفزعة والكوابيس الثقيلة المزعجة، إنها النفس الإنسانية التي خلقها الله وسوَّاها بيده ونفخ فيها من روحه، فقتلُها وإزهاقها مخيف ومفزع، لكن هناك مَن تبلد إحساسه في هذه الناحية، وأوتي مكرًا شيطانيًّا، يقتل بلا وجل أو خوف من حساب يوم القيامة وعقابه الأليم، ﴿ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ ﴾ [القصص: 18]، وفي اليوم التالي يستنجد به الإسرائيلي مرة أخرى، وكان موسى قد تاب وندم عن يوم نصره؛ لأن نصرته أدت إلى إزهاق نفس لم تكن فعلت ما تستحق عليه الموت؛ لذلك نظر موسى إلى هذا المستصرخ للنجدة وقال له: إنك بيِّن الضلال والإغواء، وكان كلام موسى بمثابة توبيخ للإسرائيلي، ومع ذلك فقد انساق موسى وراء العاطفة في نصرة الإسرائيلي؛ لاقتناعه بأن الحق معه، فهو مظلوم غالبًا، والقبطي ظالم غالبًا، عانى منه الإسرائيليون العسف زمنًا ليس باليسير، ﴿ فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ ﴾ [القصص: 19]، وبهذا الالتباس أراد رب العالمين ألا ينساق موسى وراء هذا الغويِّ مرة ثانية، فيستدرجه ثانية للقتل، فكشف - ما كان منه بالأمس حين استنصره - قتل القبطي، لكنه ظن الآن أن موسى سيبطش به بدل البطش بالقبطي، فأطلق صيحة الخوف: ﴿ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ﴾ [القصص: 19]، وتلقفها القبطي وأسرع يخبر قومه بأن قتيل الأمس الذي جهلنا قاتله تبين أن موسى هو القاتل، ووصل الخبر إلى فرعون، فأمر الذباحين بقتل موسى، وقد كان ينتظر مثل هذه الفرصة ليتخلص من موسى، فلم يكن يرتاح له في يوم من الأيام، وبدأت حملة البحث عن موسى والله تعالى ناصر نبيه ومؤيد له، نَعم لقد عصمه في المرة الثانية من البطش بالقبطي؛ لأن تكرار القتل يصبح عادة تتأصل عند القاتل بالممارسة، وعملًا غير مستهجن عنده، وقد برأ الله منه الأنبياء؛ لأنهم رحمة مهداة للناس، وطبيعتهم التي كونهم الله وفقها لا تنسجم مع القسوة، فأبعده بحكمته عن ارتكاب القتل - وإن كان فيه انكشاف أمره - لكن هيأ الله له بالمقابل من ينقل له خبر التآمر على حياته فينجو من نقمة فرعون، ﴿ وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ﴾ [القصص: 20]، وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون، وهو ذو عقل راشد، بما آتاه الله من الإيمان، خلافًا لبقية قومه الذين ضلوا وما اهتدوا، فأخبر موسى بجلية الأمر الذي عزم عليه كبار القوم، وعلى رأسهم فرعون، وهذا الأمر خطير لا يحتاج إلى مزيد وقت للتفكير؛ لذلك نصح موسى بالخروج من المدينة، والهجرة إلى بلد آخر، وعدم البقاء تحت سلطة فرعون مهددًا في كل لحظة، فالهجرة ضرورية لإيجاد الملاذ الآمن؛ صونًا للنفس والدين والعِرض والمال، ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ ﴾ [القصص: 21]، ولم يكن موسى ليضيع الوقت في التفكير في الخروج أو عدمه، فما إن أنهى المبلِّغ لموسى خبر الملأ حتى خرج من مدينة (منف) سراعًا ومن مصر كلها؛ لأن القتلة كانوا قد انتشروا في المدينة بحثًا عنه، وكل لحظة تأخير منه تُدْنيهم منه، وهو مترقب في أية لحظة أن يدركوه، فخرج ولم يكن مستعدًّا لهذا السفر، لكنه معتمد على الله، خرج داعيًا ربه، متضرعًا إليه، خائفًا من التيه والضياع، ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 21]، وهذا تعليم للمستضعفين في بلدانهم بأن يعلموا أن في الهجرة ملاذًا آمنًا، وإن كان فيها مشقة وبعد عن الأهل والوطن، وأن عليهم الاتكال على الله والتضرع إليه دائمًا، وأن يذكُروه ليخفف عنهم بعد المشقة وألم الغربة ومفارقة الأهل، ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ﴾ [القصص: 22]، وكانت وجهته بلاد مدين ما بين الحجاز وفلسطين، وهي بلد شعيب من قبل، وكانت غير خاضعة لفرعون، تعيش حياة بدوية، وتمر فيها القوافل التجارية، ولكن بلوغها فيه كثير من المشقة وبُعد الطريق، ودونها الفيافي والقفار، مع قلة الزاد والماء، فالطريق صحراوية إلا من محطات فيها الماء والطعام، كما تحتاج للرفقة والدليل، فلا يقطعها إلا الخِرِّيت المغامر. انطلق موسى متوكلًا على الله وهو يدعوه ويتضرع إليه ويطلب منه الهداية والتوفيق، وأن يرشده لأقصر الطرق وأيسرها للوصول إلى مدين، وعانى في الطريق مشقة وجوعًا، حتى أكل من نبات الأرض وورق الشجر يسد به جوعه؛ خشية الهلاك، إلى أن وصل إلى بئر الماء الذي بأرض مدين، {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: 23]، وبعد جُهد مُضْنٍ بلغ الماء والموطن الجديد، فشرب وجلس في ظل شجرة يريح جسمه من عناء السفر، ويتأمل جماعات الرعاة وهم يسقون أغنامهم ومواشيهم، ثم لفت نظره وجودُ امرأتين تذودان أغنامهما عن التقدم للسقاية، ﴿ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [القصص: 23]، وموسى مَن عُرف بنصرة الضعيف، فقد لفت نظره هذا الموقف؛ أناس يسقون مواشيهم بحماس ونشاط ولا يقدرون ضعف المرأة، وكأنما يستعرضون قوتهم وغلظتهم أمامها، يسقون أغنامهم ومواشيهم الكثيرة، ويضنُّون بإفساح المجال لهاتين الفتاتين - اللتين لا سند لهما - لسقاية أغنامهما القليلة، رآهما تقفان بعيدًا وهما تبعدان أغنامهما عن الاقتراب من الماء رغم دافع العطش الغريزي عند الحيوان للتقدم نحو الماء، ولكن تتجنبان بطش السفهاء الذين يتعالَوْن على الضعفاء بقوتهم الغاشمة، فاقترب موسى من الفتاتين وسألهما عن شأنهما وهذا الوقوف الوجل، فأخبرتاه بمعاناتهما اليومية في السقاية وعدم الاقتراب من الماء حتى يفرغ الجميع من سقاية مواشيهم، فهما امرأتان لا تملِكان القوة للسقاية، وأبوهما شيخ كبير، بالتالي عائلة مستضعفة تعيش وسط قوم لا يعترفون إلا بالقوة، وهنا أخذت موسى عزةُ الإيمان، وتقدم إلى حجَر البئر فرفعه بقوة، وأنزل الدلاء، واغترف الماء الصافي إلى الحياض، ولم يشأ أن تشرب أغنامهما من سؤر الغنم التي قبلهم، وفَضْلتهم المتبقية، ورُوي أنه قال لهما: هل من ماء غير هذا؟ قالتا: بئر هناك قريبة غطيت بحجر لا يطيق رفعَه النفرُ من الناس، فذهب إليها ورفع الحجر ودلى الدلو، فغرف الماء وسقى لهما، وقيل: كان الرعاء يغطون البئر بحجر كبير لا يطيق رفعه إلا عدد من الرجال، فإذا سقوا غطوه وانصرفوا، فتسقي الفتاتان أغنامهما من فضلة ما تبقى من الماء، فلما سقى موسى لهما عادتا إلى أبيهما مبكرتين، ﴿ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [القصص: 24]، وهكذا فإن الأنبياء لا يغيب عن لسانهم وفكرهم ذكر الله تعالى، خصوصًا عندما يُحسون السند والدعم الرباني؛ خشية أن تتسرب وساوس الشيطان إلى النفوس، ويظن النبي أن ما فعله قوة منه، كما يفعل كثير ممن أنعم الله عليهم بالقوة فينسبها إلى ذاته، وينسى يومًا أنه إن مرض وأقعده المرض لاحتاج إلى من يساعده، ولبدَتْ له حينذاك حقيقة قوته، لكن الأنبياء - وهم الصنف المتميز والخلاصة الوضيئة من البشر وهم أعبد الناس - يقدمون لنا النموذج القدوة، وبالرغم من معاناة موسى ومشقة سفره ووهنه وجوعه لم ينسَ ذكر الله وتسبيحه والالتجاء إليه {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص: 25]، وهذه صورة لطبيعة المرأة المتدينة عندما تضطر إلى محادثة الرجل الغريب، تأتي على استحياء، خجلة وجلة، تقدم رِجلًا وتؤخر أخرى، تستر وجهها حياءً وخجلًا وهو الذي يُظهِر أثر الحياء احمرارًا وتوردًا، وقفت هذه الفتاة على استحياء وهي تطلب من موسى الحضور، فإن والدها يدعوه ليجزيه أجر السقيا، وهو في الحقيقة يود التعرف إليه، والأنبياء لا يأخذون على فعل المعروف أجرًا، فلبى موسى الدعوة وانطلق مع الفتاة، ومشت الفتاة أمامه وكانت الريح من خلفها تدفع ثوبها فتجسد عجيزتها، فلم يستطع رؤية هذا المشهد فناداها لتكون من خلفه، ويكون هو أمامها، وأن ترمي بحصاة عن يمينه إن كان سيسير باتجاه اليمين، وعن يساره إن كان سيسير باتجاه اليسار، وهكذا إلى أن وصل بيت الشيخ، فسلم ودخل البيت ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 25]، سأله الشيخ عن حاله ولِم قصد مدين؟ فقص عليه خبره بالتفصيل، وما كان من أمر فرعون وطلبه ليقتله، وهنا طمأنه الشيخ بأنه نجا من سلطة فرعون؛ لأن مدين لا تخضع لحكمه، فمن هو هذا الشيخ والد الفتاتين يا ترى؟ قالوا: شعيب، وقالوا: أخو شعيب، وأقول: هو رجل صالح يعيش في مدين على دين شعيب، وربما ربطته بشعيب قرابة ما، أما كونه شعيبًا فهذا بعيد، فشعيب نبي مرسل، أدى رسالته وانتقل إلى ربه، ولا يعقل أن ينتهي الأمر بشعيب ليكون على هذا النمط من العيش، صاحب غنم، أو بدوي يعيش وسط قوم لا يراعون له أي تقدير، بنتاه ترعيان الغنم، ثم يحصل لهما منتهى الذل عند السقاية، فهل وصلت حالة النبي إلى هذه المذلة؟ كما أن مدة مكث موسى عنده لم يذكر له دعوة أو قيام بتبليغ، فهل كان في هذه الفترة متقاعدًا؟ والأنبياء تبقى مسؤوليتهم في الدعوة من يوم يبعثون إلى أن يموتوا، أما قوله لموسى: ﴿ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 25]، فهذا ليس فيه دلالة على نبوته، فأي إنسان مؤمن يقول مثل هذا حين يخبره شخص ما أن طاغيةً لاحقه ليقتله، فنجاه الله منه، يقول مثلًا: الحمد لله، كتب الله لك السلامة من بطش هذا الظالم، ثم إن شعيبًا قضى قبل ذلك بوقت طويل، فاختيار الرجل الصالح هو الأنسب. ﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26]، لقد وجدت هذه الفتاه الفرصة سانحة لكي ترتاح من عناء الرعي وسقاية الغنم في وجود هذا الشخص النزيه القوي الأمين، فاقترحت هذا على أبيها، وكان هذا نابعًا من المعاناة في عملها، وتوقها لتكون ربة بيت، وانتبه الوالد لهذا الاقتراح الذي لم يكن ليفكر فيه، لكن صاحبة الحاجة نبهته لذلك، ثم أراد الوالد الرزين أن يعرف مدى صدق الكلمات التي وصفت بها موسى، فقال لها: وما أدراك بقوته؟ قالت: رفع الحجر الثقيل عن البئر عند السقيا لنا، قال: وما أدراك بأمانته وهو حديث عهد عندنا؟ فأخبرته عن كيفية قدومهما عندما استدعته وأنه سار أمامها، فاطمأن الشيخ الصالح أكثر على أمانة موسى وتديُّنه، وأنه خيرُ مَن يقوم له بالعمل ويخالطه وهو في غاية الاطمئنان على بنتيه، ومع ذلك أراد أن يحصنه بالزواج، ﴿ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ ﴾ [القصص: 27]، وهكذا كان الاقتراح من البنت الذكية، وكانت الاستجابة من الوالد بشروطه الحكيمة، فهو بهذا العرض سيحقق عدة أمور: • تزويج إحدى ابنتيه. • وتكليف رجل قوي وأمين برعاية أغنامه بأجر مدفوع، وهو مهر ابنته. • وإحصان من يعمل عنده. ويبدو أن حال الرجل الصالح مستور، فهو ليس من أهل الثراء، وفي هذه الزيجة جعل المهر لقاء خدمة يقدمها موسى، وبهذا تجاوز الشيخ مشكلة الأجر، وكان هذا الإجراء بالنسبة لموسى أمرًا عادلًا، وفَّر لموسى - الذي لا يملِك المال - المأوى والغذاء والزوجة التي يسكن إليها، وهو الذي ذلَّل لموسى وحشة الغربة، وقدم له خدمة جليلة يحتاجها كل غريب، فأصبح كأنه من القوم بهذه المصاهرة، فاستلم موسى عمله، وقام به خير قيام، ولما خيَّره في المدة التي يخدم فيها عنده وفاه أعلى الأجلين؛ أي: خدم عشر سنين، ﴿ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القصص: 27]، وكان الترغيب باديًا في لغة الرجل الصالح، وترك له الخيار في المدة؛ لذلك قال موسى: ﴿ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [القصص: 28]، وقد جعلا الله عليهما وكيلًا وكفيلًا، وعمل موسى راعيًا لأغنام الرجل الصالح، ومرت الأيام والسنون سراعًا، ﴿ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا ﴾ [القصص: 29]، وحانت رحلة العودة إلى مصر، فحمل زوجه (صفورا)، وانطلق باتجاه مصر، وكان الجو باردًا؛ حيث انسدل الليل، وسكن الخلق، ولف الصحراء جو بارد، ازداد شدة مع انتصاف الليل، فاحتاج موسى وأهله إلى نار للتدفئة، فأخذ يتلفت يمينًا وشمالًا؛ علَّه يرى قافلة أو سيارة أو بيوتَ بدو قد أوقدوا نارًا؛ ليصطلي عندهم، فأبصر عند جانب الطور الأيمن نارًا، فأحس بالفرَج، ﴿ قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴾ [القصص: 29]، وانطلق موسى إلى مكان النار، ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص: 30]، فكان ما رأى من النار نورًا استجرَّه إلى هذا المكان المبارك؛ ليكون على انفراد، ويسمع ما يلقى إليه وهو بتمام الوعي والإصغاء، ناداه ربه في تلك البقعة المباركة من الشجرة: ﴿ أَنْ يَا مُوسَى ﴾ [القصص: 30]، وأنْ بمعنى أي المفسرة، ﴿ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [القصص: 30]؛ فالنداء كان من رب الخَلْق أجمعين، وعلى موسى أن يُصغيَ ويعيَ ما يلقى إليه، إنها الرسالة والنبوة، ومن هنا بدأ تحمل مسؤولية الدعوة والتبليغ، لقد اختاره الله نبيًّا مرسَلًا، وأمده بما يؤيده من المعجزات والحماية لشخصه من المعاندين والمجادلين، ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ [القصص: 31]، وكان بيد موسى عصًا يتخذها في سفره للدفاع عن نفسه من وحش أو عدو غادر، وقد طلب منه ربه أن يلقيَ هذه العصا، فألقاها، وإذا بها تهتز كأنها جانٌّ؛ أي: أفعى ضخمة، خاف منها موسى، فالتف إلى الخلف ليبعد عنها وأطلق ساقية للريح دون أن يلتفت، فناداه ربه: ﴿ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ ﴾ [القصص: 31]، عندما ولى مدبرًا ناداه للعودة، ﴿ أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ [القصص: 31]، أنت الآن في مرحلة الإعداد، وأمام رب العالمين؛ فهو الحامي لك، المتكفل بحفظك، فإذا كان هذا الوعد من الله تعالى فلِمَ الخوف؟ ﴿ اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ [القصص: 32]، والمعجزة الثانية التي زود بها موسى هي اليد، يضعها في جيبه ثم يخرجها فتصبح بيضاءَ مضيئة سليمة من غير مرض، فلا يظن أحد أنه قد أصابها مرض البهاق أو البرص، ثم إذا أعادها إلى جيبه وأخرجها تعود كما كانت، ﴿ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ﴾ [القصص: 32]؛ أي: أعِدْ يدك إن خفت من الإضاءة مرة أخرى إلى جيبك فتعود كما كان لونها، طبيعية بلون بشرتك، ﴿ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ﴾ [القصص: 32]، فهذا تكليف واضح من رب العالمين لموسى بالنبوة، مع تزويده بآيتين عظيمتين؛ العصا التي تنقلب أفعى، ويده السمراء التي تضيء كالشمس، أرسله بالتحديد إلى دعوة فرعون وملئِه إلى الإيمان، وقصد بالملأ الحاشية من ذوي النفوذ والرأي والمشورة المحيطين بفرعون، وكان هذا التكليف مخيفًا بالنسبة لموسى؛ فقد عاد بذاكرته إلى الوراء عشر سنين يوم قتل نفسًا بالخطأ، ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ ﴾ [القصص: 33]، وهذه الحادثة التي حصلت بالخطأ لا تزال تحفر في ذاكرة موسى، وتقض مضجعه وتؤرقه؛ لأنه ما كان ينوي - حين وكز القبطي - قَتْله، ولا قصد ذلك، وأن القتل عملٌ فظيع تمنى ألا يكون، بل بهذا التذكر عدَّه نقطة سوداء في تاريخه، وعندما يطلب الناس منه يوم القيامة أن يشفع لهم في الموقف؛ لأنه كليم الله، يعتذر ذاكرًا قتل النفس، ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34]، وطلب موسى من ربه أن يشرك معه أخاه هارون؛ لأنه لا يزال خائفًا من فرعون، وزكى موسى أخاه هارون بأنه أفصح لسانًا منه، فيكون معه سندًا وعضدًا، يساعده في هذه المهمة، ويحمل عنه شيئًا من الجدال المتوقع مع فرعون وملئه، ولكي تطمئن نفس موسى ويقبل على التكليف بقوة وحماسة، لبَّى له ربه طلبه، ﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ [القصص: 35]، وأضاف لموسى دعمًا آخرَ، ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ﴾ [القصص: 35]، وكان هذا غاية الدعم لموسى من ربه، تأمين الحماية والقوة والغلبة لموسى ومن يتبعه، وبهذا سيلجم فرعون ويقيد قدرته، فلا يأتي بما يؤذي موسى وهارون، وهنا انطلق موسى دون تردد، ودخل مصر، وذهب إلى أخيه هارون ليبشره بالنبوة، وقد كان جبريل قد سبقه، فانضم هارون إلى موسى، وقصدَا فرعون لدعوته إلى الله، ﴿ فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى ﴾ [القصص: 36]، وهذا الرد دائمًا يصدر عن الطغاة؛ فهم لا يتقبلون الإصلاح ولا الهدى للطريق السوي، يريدون أن يكون العالم وفق مشيئتهم، وما يحلو لهم أن يفعلوه، أما الدعوة للإصلاح والعودة إلى الفطرة السوية من حيث العبودية لله الخالق، فهذا أمر تجاوزوه، وعطلوا في داخلهم إشراقة الفطرة، فليس عندهم إلا التعالي والظلم والغطرسة واستعباد الناس؛ ليكونوا فوق الناس، وقد سخَّروا كل مكر وخديعة ومال وأتباع ممالئين، ليصلوا إلى هذه الدرجة من العلو؛ لذلك لم يكن متوقعًا منه أن يستجيب لدعوة موسى، وهذا ما خشي منه موسى عند التكليف، الرفض والصد، والعُجْب والكبر، ودعم جحودَه جلساؤُه فقالوا: ﴿ وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ ﴾} [القصص: 36]، وبهذا يعُدُّون ما أتى به موسى بدعة واختلاقًا للتغيير والانتقام من فرعون، ولهذا الموقفِ من الموالين لفرعون ازداد فرعون كبرًا وغطرسة، {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: 38]، وهكذا أعلَن على الملأ ألوهيته بلا حياء ولا خجل، ونسي إنسانيته، وأنه مخلوق ضعيف لا يثبت على حال من التغيرات التي تأتيه؛ ما بين صحة ونشاط، ومرض وضعف، ويسر وعسر، وسرور وحزن، وانفتاح نفس تارة وانقباضها أحيانًا أخرى، فأنَّى له هذا الادعاء؟! فلو ادعى أمورًا هي في نطاق حدود البشر لكان مقبولًا، ولكن رفَع نفسه الضعيفة إلى مقام الألوهية، إن هذا لمنتهى الجهل وضعف العقل واختلال الفكر، ثم خلط الأمر بالسخريَّة والبرهان المضلل، فقال: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴾ [القصص: 38]، وختم كلامه مسبقًا بتكذيب موسى، فلِم إذًا كل هذا التعب في بناء الصرح، وهو يحكم مسبقًا على موسى بالكذب؟ باب من التضليل، وخداع من يستمع إلى موسى؛ لينفضوا من حوله، وللملأ عنده؛ ليبقوا على ولائهم لفرعون، فأنَّى له أن يرى إله موسى حتى ولو اخترق السماء؟! ولكن ليقول لضعاف التفكير: ها قد ارتفعنا في السماء، فأين إله موسى؟! لا نراه؛ إذًا فهو غير موجود، وتعطي عبارة: ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ ﴾ [القصص: 38] دلالة على ظلم فرعون، وتسخيره الناس للعمل لصالحه، وتدل على أن أبنية مصر كانت من القرميد؛ لندرة الحجارة، أو بُعدها عن مكان المدن، وأنه من قديم الزمان كان هناك استنزاف للطمي الزراعي، وتخريب للأرض الزراعية، وعدم تقدير لقيمة هذا الطين، هذه هي المرحلة الأولى من دعوة موسى، وبداية الصراع مع فرعون، اخترتُها من سورة القصص؛ علمًا بأن هذه البداية أيضًا قد ذكرت في سورة طه. التشابه بين سورة طه وسورة القصص: بدأت قصة موسى في سورة طه من حين عودته من مدين مع زوجه: ﴿ وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ﴾ [طه: 9، 10]، وسورة القصص بدأت من الولادة، وهذا ما جعلني أبدأ بها القصة، ثم قال: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى ﴾ [طه: 11 - 13] ، وقد أفادت هذه الآية زيادة في وصف موسى؛ حيث أُمر بخلع نعليه، وعدَّ المفسرون السبب بأنهما كانا من جِلد حمار غير مدبوغ؛ أي: كانا نجسينِ، وقد خلع النبي صلى الله عليه وسلم نعليه وهو في الصلاة؛ لإخبار الوحي بوجود نجاسة فيهما، وقيل: خلعهما أبلغ في التواضع، وأقرب إلى التشريف والتكريم وحسن التأدب، وقيل: تفريغ القلب من الأهل والمال، وفي سورة القصص لم يرد هذا الوصف، كما بين هنا اسم الوادي، فاتضح المكان بلا لبس باجتماع الوصفين في السورتين، وفي هذه السورة أيضًا الأمر بالاستماع لما يوحى، وفيه الأمر بالعبادة وإقام الصلاة، وأن الساعة قريبة، وفيها يكون الحساب والجزاء، وأنها أمر أكيد، فلا يصدنَّك عن هذا الإيمان مَن لا يؤمن به، ويتشابه المشهد في شأن المعجزات مع تفاصيلَ في كل سورة تكمل الأخرى، ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ﴾ [طه: 17، 18]، فهنا ملاطفة لموسى قبل إظهار الآية في العصا؛ حيث سأله ما يمسك بيمينه، فأجاب موسى جوابًا مستفيضًا أكثر مما يطلب منه، فلو قال: عصًا، لكفاه، ولكنها الرهبة التي جعلته يجيب عنها وعن استعمالاتها، وفي القصص أمر بلا مقدمات بإلقاء العصا، وكانت المفاجأة المذهلة والخوف والهروب. تحليل الموقف: لم أقرأ لأي من المفسرين مناقشة الأمرين المختلفين لموسى من ربه في إلقاء العصا عند بدء التكليف بالرسالة، وعدوهما موقفًا واحدًا، علمًا بأن الأمر بإلقاء العصا كان في موقفين، لنستعرض الآيات التي ذكرت بهذا الشأن: ﴿ يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَامُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 9، 10]. ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ [القصص: 31]. ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾ [طه: 17 - 21]. ما ورد في سورتي النمل والقصص بشأن إلقاء العصا متشابهٌ، وما ورد في سورة [طه] مختلف عنهما، فهل قال الله لموسى: ألقِ عصاك، فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرًا، وفي اللحظة نفسها قال الله له: وما تلك بيمينك يا موسى؟ وبعد الجواب من موسى، قال له ربه: ألقها يا موسى، فهل خوطب موسى في الموقف الواحد بخطابين معًا، مختلفين في لغة الخطاب؟ إن التوفيق بين الخطابين - والله أعلم - يكون في الآتي: ﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ ﴾ [القصص: 31]، وفي سورة النمل: ﴿ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ ﴾ [النمل: 10]، زيادة شرح للأولى بأنه آمن، وأنه من المرسلين، من هذه الآية يتبين أن موسى كان خائفًا عند الوهلة الأولى؛ لذلك لما رأى العصا قد انقلبت أفعى ولَّى مدبرًا ولم يلتفت، فناداه ربه وطمأنه بأنك آمن، وأنه لا يخاف لديه المرسلون، فعاد موسى أدراجه إلى المكان الذي ألقى فيه العصا، فرأى عصاه، فحملها من جديد، ولكي يدخل الله إليه الطمأنينة سأله ثانية: ﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 17]، وهنا اطمأن موسى، وهدأ روعه، فأجاب بإسهاب عكس هذه الطمأنينة: ﴿ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾ [طه: 18 - 20]، هنا لم يهرب كما في المرة الأولى؛ لأنه اعتاد هذا المنظر، وإنما أمره بأخذها وهي على هيئة الأفعى؛ لأنه في المرة الأولى أخذها بعد أن عادت عصًا؛ تدريبًا له على أخذها وهي بهذه الهيئة، ﴿ قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى ﴾ [طه: 21]؛ أي: عندما تلتقطها وهي أفعى تسعى ستعود عصى، وبعد هذا التدريب اعتاد موسى على إلقائها وأخذها بلا خوف ولا تردد. أما الآيات التي فيها تكرار يعود بفائدة معنى أو شرح مفصل، فهي تختلف عن هذه الآيات التي مرت، ونمثل لها بضرب البحر بالعصا: ﴿ وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ﴾ [طه: 77]، ﴿ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ﴾ [الشعراء: 63]، فهنا الأمر واحد، والزيادة في الوصف الذي يوضح الصورة ويَزيد في معانيها الحسية والنفسية.
اختصار تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لمحمد طه
محمود ثروت أبو الفضل
01-02-2021
5,985
https://www.alukah.net//culture/0/144685/%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d8%b5%d8%a7%d8%b1-%d8%aa%d9%8a%d8%b3%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%85%d9%8a%d8%af-%d9%81%d9%8a-%d8%b4%d8%b1%d8%ad-%d9%83%d8%aa%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%ad%d9%8a%d8%af-%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b7%d9%87/
اختصار تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد لمحمد طه صدر حديثًا كتاب "اختصار تيسير العزيز الحميد" للشيخ العلامة سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى (ت 1233 هـ)، اختصره واعتنى به: "محمد طه"، نشر "دار اللؤلؤة للنشر والتوزيع"- مصر. وهذا الكتاب مختصر لطيف لكتاب " تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد " للشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، حفيد الإمام محمد بن عبدالوهاب وناشر لعلمه، قال فيه المُختصِر: "فهذا اختصار لكتاب ( تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد ) حاولت فيه تقريب هذا الكتاب البديع النافع إلى طلبة العلم المبتدئين بالإبقاء على ما يخص مسائل التوحيد فقط، فلم أحذف منها شيئًا إلا ما ندر، مع حذف ما سوى ذلك من كلام الرقائق، أو الأخلاق، أو التراجم، أو غير ذلك.. وفي أحيان قليلة أضع بعض كلام أهل العلم من خارج الكتاب لتوضيح المسألة". وكتاب "تيسير العزيز الحميد " هو أول كتاب يتصدى لشرح كتاب " التوحيد " الذي استوفى مصنفه الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب بيان جنس العبادة التي ينبغي إخلاصها لله تعالى، وذلك بالتنبيه على بعض أنواعها، وبيان ما يضادها من الشرك بالله تعالى في العبادات والإرادات والألفاظ، ولم يسهب الإمام محمد بن عبدالوهاب في كتاب "التوحيد" بالتفصيل والبيان، وإنما اكتفى بالآيات القرآنية التي ذكرها وما تبعها من الأحاديث والآثار دون التعرض لها بالتوضيح والشرح والتفصيل، فجاء هذا الشرح للشيخ سلمان ليفصل مجمله، ويوضح غريبه، ويشرح آياته، ويعلق على أحاديثه، وغير ذلك من الفوائد التي ضمنها - رحمه الله - في هذا الكتاب. كما أن الشارح حذا فيه حذو الشراح القدماء، حيث أنه في جانب الحديث لا يترك حديثًا إلا ويقف عليه إسنادًا والكلام على رجاله جرحًا وتعديلًا وقول الحفاظ فيه، وذكر تخريجه، وسرد طرقه والتعليق على متنه واستنباط الفوائد منه. كما تبرز ثقافة الشيخ سليمان من خلال تتبعه لأصول وجذور الكثير من الكلمات الواردة في المتن؛ لإظهار معناها مع بيان الوجوه الإعرابية التي تحتملها، إلى جانب تعريفها لغةً واصطلاحًا، كما أنه في الآيات الكريمة يقف عليها تفسيرًا وتأويلًا وتعليقًا، كما أنه حشى شرحه بأقوال الأئمة القدماء في جانب العقيدة كابن تيمية والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم. وجاء هذا الاختصار للتركيز على موضع تلك الفوائد الفريدة من كلام الشيخين، والتعليق بما يلزم لإبراز خلاصة الكتاب وثمرته. وصاحب "تيسير العزيز الحميد " هو الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية عام 1200 هـ. كان بارعً سير العزيز الحميد" عبدالوهابلزته. لك الفوائد الفريدة من كلام الشيخين، والتعليق بالمتن؛ لإظهار معناها مع بيان الوجوه الإعرابية ا في التفسير والحديث والفقه، وقد عاش الشيخ الفقيه المحدث سليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في فترة ذات شأن من تاريخ المنطقة حيث ولد بالدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود الذي اتسع نطاق الدولة في أيامه وامتد ملكه من شواطئ الفرات ووادي السرحان إلى رأس الخيمة وعمان ومن الخليج العربي إلى أطراف الحجاز وعسير، وتفرغ الشيخ للعلم وأنجز تأليف العديد من الكتب والرسائل، وقد درس على عدد من العلماء وأجازه البعض منهم وممن درس عليهم: والده الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب، وعمه الشيخ حسين بن محمد بن عبد الوهاب، الشيخ الفقيه حمد بن ناصر بن معمر، الشيخ عبد الله بن فاضل، الشيخ محمد بن علي بن غريب، الشيخ عبد الرحمن بن خميس، الشيخ حسين بن غنام، الشيخ محمد بن علي الشوكاني، الشيخ الإمام الشريف حسن بن خالد الحازمي الحسني العريشي. وقد جمع الله للمترجم مع هؤلاء العلماء الكبار الإقبال الشديد، والذكاء الحاد، والحفظ النادر، فبلغ في العلم مبلغًا كبيرًا، فصار مفسرًا محدثًا أصوليًا فقيهًا لغويًا خطاطًا. تولى الشيخ سليمان عددًا من الأعمال حيث تولى القضاء في مكة فبعد أن رأى الإمام سعود بن عبد العزيز صلاحه وتقواه، واطلع والده الشيخ عبد الله على سعة علومه وقوة إدراكه، جعلاه قاضيًا في مكة المكرمة بعد ولايتها مع حداثة سنه، وطراوة شبابه. كما جلس لتدريس الطلاب في سائر الأوقات، فقد عمر غالب أوقاته في التعليم، ونصح العامة، حتى نفع الله به خلقًا كثيرًا. قال ابن بشر: (وكان رحمه الله آية في العلم له معرفة تامة في الحديث ورجاله، وصحيحه وحسنه وضعيفه، والفقه والتفسير والنحو، وكان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا يتعاظم رئيسًا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يتصاغر ضعيفًا أتى إليه بطلب فائدة أو يستنصر وكانت له مجالس كثيرة في التدريس، وصنف ودرس وأفتى، وضرب به المثل في زمانه بالمعرفة، كان حسن الخط، وليس في زمانه من يكتب بالقلم مثله). واستشهد في حادث مؤسف بعد غزو إبراهيم باشا للدرعية حيث وشى به البعض إلى إبراهيم باشا بن محمد علي بعد دخوله الدرعية واستيلائه عليها فأحضره إبراهيم، وأظهر بين يديه آلات اللهو والمنكر إغاظة له، ثم أخرجه إلى المقبرة وأمر العساكر أن يطلقوا عليه الرصاص جميعًا فمزقوا جسمه. وكان ذلك عام 1233 هـ/1818 م. وعرف بعد ذلك بشهيد الدرعية وقد عاش 33 عامًا فقط من سنة 1200 إلى 1233هـ. وعندما قتل الشيخ سليمان، قال قاتله إبراهيم باشا لوالده الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام: (قتلنا ابنك يا عجوز)، فرد عليه الشيخ بمقالته الشهيرة: (لو لم تقتله لمات). من كتبه: • "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد". • "التوضيح عن توحيد الخلاق في جواب أهل العراق وتذكرة أولي الألباب في طريقة الشيخ محمد بن عبد الوهاب". • "أوثق عرى الإيمان". • "الدلائل في حكم موالاة أهل الإشراك". • "حاشية على كتاب التوحيد". • "تحفة الناسك في أحكام المناسك". • "رسالة في بيان عدد الجمعة". • فتاوى ورسائل محررة مفيدة، طبعت ضمن رسائل علماء الدعوة يبلغ عددها 25 مسألة. • حاشية على المقنع.
العبث بالديمقراطية
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
01-02-2021
2,175
https://www.alukah.net//culture/0/144682/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%8a%d9%85%d9%82%d8%b1%d8%a7%d8%b7%d9%8a%d8%a9/
العبث بالديمُقراطية يتنازع الولايات المتحدِّة الأمريكية حزبان متناقِضان في النَّظرة إلى القضايا الاجتماعية، في الداخل والخارج؛ فالحزب الجمهوري أقرَب إلى العقل في هذه النَّظرة، والحزب الديمقراطي أقرَب إلى العاطفة، في النظرة إليها، أو هكذا يبدو، والذي يريد تعبيرًا علميًّا قد يقول: إنَّ الحزب الديمقراطي أقرب إلى التحرُّرية في النَّظرة إلى القضايا الاجتماعية، والذي يريد تعبيرًا هجوميًّا قد يقول: إنَّ الحزب الديمقراطي هو أقرب من الحزب الجمهوري إلى الإباحية، في النظرة إلى القضايا الاجتماعية. فالحزب الديموقراطي - مثلًا - لا يقِف في وجه الشذوذ الجنسي؛ بين الرجال من جهة، وبين النساء من جهة، ويعدُّ ذلك من الحرِّيات الشخصيَّة؛ بحيث لم يعُدْ يعبَّر عنه بأنه شذوذ، بل إنه الحياة بين المثلين! وهو لا يقف في وجه رَغبة المرأة/ أو الفتاة في التخلُّص من الجنين بالإجهاض، إذا كانت لا ترغب فيه، ولكنه يريد السعي إلى تنظيم هذه العملية، بحيث تمارَس في جوٍّ حضاري صحِّي، وهو كذلك لا يعارِض عيش الرجل مع المرأة تحت سقف واحد، دون أنْ تُكتب بينهما وثيقة زواج، تسوِّغ العيش تحت سقف واحد. هذه النَّظرة الأخيرة قائمة - الآن - على أيِّ حال، حَكَم الحزب الجمهوري أم الحزب الديمقراطي، لكنَّ الجمهوريَّ لا يقرُّها في مبادئه، وإنْ لم يستطع الحيلولةَ دون قيامها على الواقع... وهكذا، ليس هذا دفاعًا عن الحزب الجمهوري على حساب الحزب الديمقراطي، فكلاهما حزبان لا ننتمي إليهما، إلا أنَّ المشكلة - هنا - تكمُن في الرغبة في تصدير أفكار الحزب الديمقراطي الأمريكي، والأحزاب الديمقراطية الأخرى، في أوروبَّا بالذات، التي تطبِّق الديمقراطية، بالقدر الذي لا يخلُّ بالثقافة الغربية، التي هي أقربُ ما تكون اجتماعيًّا إلى العبَث بطبيعة الإنسان والأشياء [1] . أمَّا الدول الأخرى، التي تزعم أنَّها تتبنَّى الديمقراطيةَ، فهي تؤمن بالديمقراطية القسرية، وهاتان كلمتان لا توصف إحداهما بالأخرى، فليس هناك ديمقراطية قسرية، وليس هناك قسر ديمقراطي، وتصدير الأفكار الديمقراطية ينهج أسلوب القسرية، في فرض قبولها لدى الآخرين، على حساب ثقافاتهم، التي تخاطب العقل أوَّلًا، وتسعى إلى بناء المجتمع، ولو على حساب الرغبات الفرديَّة غير الموجَّهة توجيهًا سليمًا [2] . المشكلة هنا تكمُن - أيضًا - في أنَّ هيئة الأمم المتحدة، بمنظَّماتها المختلفة، تميل ميلًا قويًّا إلى فرض تجربة الديمقراطية، من حيث منظورها الاجتماعي، على البلاد الأخرى، بحُجَّة أنَّ هذه التجربة هي التي تعين على التغلُّب على مشكلات كثيرة، ومنها النموُّ السكَّاني [3] . لا تملك هيئة الأمم المتحدة أنْ تنتقد - مثلًا - رميَ المحصولات الزراعية من قِبَل الأمم المتحضِّرة في البحر، على حساب الشعوب الجائعة الفقيرة، ولا تملك كذلك أن تنتقد الإنفاقَ الهائل على الحيوانات الأليفة، على حساب الشعوب الجائعة، كذلك [4] . الأصل أنَّ الهيئة تعبِّر عن جميع الدول الأعضاء فيها، ولا تعبِّر عن بعض الدول الأعضاء فيها، ولكنَّ هذا الأصل - على ما يبدو - مغيَّبٌ عن الواقع، ولذا قدَّمَت الأمم المتحدة الوثيقةَ التي عبَّرَت عن التجربة الغربية في النظرة إلى السكَّان، والعلاقات الاجتماعية، والأسْرية بينهم، بل إنَّ هناك فئات في المجتمع الغربي وقفت وقفاتٍ قويَّةً وواضحةً، بعيدةً عن الاعتذارية والتملُّق والاستحياء في وجه الوثيقة، وأعلنتها صراحة أنَّ الوثيقة لا تعبِّر عن المطلوب - عقلًا - ممَّا يوحي بأنها جاءت تدبيرًا لا يهدُف إلى البناء، وإنْ اتَّخذ من مشكلةٍ قائمةٍ شعارًا له. هذا يدعو إلى التفتيش عن العقول، التي عملَت على صياغة الوثيقة؛ من حيث منطلقاتُها وانتماءاتُها الفكرية، بعد أنْ تبيَّنت بعضُ أهدافها، هل نملك أنْ نقول: إنَّ هناك مؤامرةً على الجنس البشري، دبَّرها بعضُ أبناء هذا الجنس البشري؟ الذي نملك أنْ نقوله، باعتقاد جازم: إنَّ هناك شرًّا يقوده أشخاص وجماعات، وإنَّ هذا الشرَّ يصارع الخير، ويحاول أنْ يحلَّ محلَّه، والشرُّ لا يسري بذاته، بل هو بحاجة إلى من يسري به، وإنَّ هذا الصراع قائم مستمرٌّ، وطغيان الشرِّ - في حالات - لا يَعني طغيانه في كلِّ الحالات [5] . الذي يظهر كذلك أنَّ هيئة الأمم المتَّحدة لا تعبِّر عن ثقافات أعضائها جميعهم، بل تسعى إلى فرض ثقافة واحدة، هي ثقافة القوي في الوقت الحاضر، وهي ممثلة تمثيلًا دقيقًا في مبادئ الديمقراطية في الولايات المتَّحدة الأمريكية، ثم في بعض البلاد الأوروبِّية التي أضحَت مختطفة من قِبل النموذج الأمريكي، على هذا فإنَّ مصداقية الأمم المتَّحدة تتعرَّض باستمرار إلى الاهتزاز ما دام هذا هو توجُّهها [6] . [1] انظر: عبدالرزاق عيد ومحمَّد عبدالجبار: الديمقراطية بين العلمانية والإسلام - بيروت: دار الفكر، 1421هـ/ 2000م - 264 ص. [2] انظر: السيد ياسين: الإمبراطورية الكونية: الصراع ضد الهيمنة الأمريكية - القاهرة: دار نهضة مصر، 2004م - 320 ص. [3] انظر: عصمت سيف الدولة: الاستبداد الديموقراطي - بيروت: دار الكلمة، 1981م - 169 ص. حيث يعالج المؤلف في هذا الكتاب كلًّا من الاستبداد المتخلِّف، والاستبداد المتحضِّر، والاستبداد الديموقراطي. [4] انظر: جان ماري جيهينو: نهاية الديموقراطية - مرجع سابق - 120 ص. [5] انظر في مناقشة نظرية المؤامرة، من يحث نفيُ وجودها: جلال أمين: عصر التشهير بالعرب والمسلمين: نحن والعالم بعد 11 سبتمبر 2001 - القاهرة: دار الشروق، 2004م - ص (9)، وانظر أيضًا: عثمان العثمان: نقد نظرية المؤامرة في تفسير الهزائم القومية والإسلامية - دمشق: المؤلف، 2003م - 318 ص. [6] انظر في مناقشة نظرية المؤامرة، من حيث إثباتُ وجودها: محمَّد إبراهيم بسيوني: المؤامرة الكبرى: مخطَّط تقسيم الوطن العربي من بعد العراق - دمشق: دار الكتاب العربي، 2004م - 184 ص، وانظر أيضًا: محمَّد عبدالحليم عبدالفتَّاح: سرُّ المؤامرة الكبرى: التهويد والتنصير قادم، غرور العقل البشري وتحدِّي الإله - القاهرة: المؤلِّف، 1425هـ - 2004/ م - 112 ص، وانظر كذلك: مكرم محمَّد أحمد: مؤامرة أم مراجعة: حوار مع قادة التطرُّف في سجن العقرب - ط 2 - القاهرة: دار الشروق، 1423هـ - 2003م - 240 ص.
التواصل البشري التقني إلى أين؟
نايف ناصر المنصور
30-01-2021
4,224
https://www.alukah.net//culture/0/144643/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%88%d8%a7%d8%b5%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b4%d8%b1%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%82%d9%86%d9%8a-%d8%a5%d9%84%d9%89-%d8%a3%d9%8a%d9%86%d8%9f/
التواصل البشري التقني إلى أين؟ هذه خاطرة أكتبها حول ما جرى ويجري في عالمنا على سطح الأرض وفي عالمنا الحاسوبي، كان في السابق ومنذ زمن طويل التواصل بين البشر يشكل نوعًا من الصعوبة والمشكلة بسبب بعد المسافات وعدم وجود وسيلة النقل المناسبة والزمن المناسب للتواصل، ومع التطور البشري المستمر بدايةً من ظهور الرسائل البريدية المكتوبة، واختراع محركات السيارات إلى الطائرات ووسائل النقل الأخرى، وظهور الهاتف وجهاز الفاكس، والتلفاز والبث الفضائي وصولًا إلى ظهور شبكة الإنترنت في يوم 6 أغسطس 1991 والعالم بدأ يتحول تدريجيًا في اختصار طريقة التواصل بين الحكومات حتى مستوى الأفراد، وظهور برامج البريد الإلكتروني، وصدور الكثير من الدراسات حول مدى مصداقية التعامل في الإنترنت والتواصل التقني وحقيقة الشخصيات في عالم الإنترنت وقلة نسبة هذه المصداقية في البدايات، وضعف الأداء التقني لبعض الدول على مستوى الحكومات وخاصة في العالم العربي، فالمواقع الحكومية في السابق عبارة عن واجهة تعريفية للقطاع الخدمي ولا يوجد إلا النادر من التفاعل مع المستفيدين من خدماته من أفراد المجتمع، مما أدى إلى عزوف الكثير من الناس عن زيارة هذه المواقع وصار الشعار في ذلك الوقت بالنسبة للناس أن الموقع عبارة عن لوحة إعلانية فقط. ومع ظهور حسابات مواقع التواصل بأنواعها، وما تتميز به من سهولة التعامل معها وسعة انتشارها في العالم واستيعابها عدد كثير من الحسابات، انتشرت معها ثقافة التعرّف على الأصدقاء في أنحاء العالم، والتسويق لبعض السلع، وكذلك طلب الإعانات، وأصبح المرء يفضل التواصل مع الآخر البعيد وإهمال الشخص المجاور، والعيش بشخصية يتقمصها أو حتى ينتحلها لكي يحصل على إعجاب الآخرين والقدرة على توثيق العلاقة والاستفادة منها في عدة مجالات، واستخدمت أيضا مواقع التواصل في تجييش وتجنيد المعارضين للحكومات. ولكن لم يخطر ببال أحد أن يتم استخدام التقنية في التعليم المباشر بشكل رسمي في كثير من دول العالم حتى ظهور جائحة فايروس ( كورونا ) وانتشارها وظهور الهلع في الأوساط الرسمية في قطاعات التعليم من تفشي المرض بين الطلاب، حيث كان في السابق مفهوم التعليم المباشر لابد من وجود الطالب مع المعلم في قاعة واحدة، وإنجاز الأنشطة تحت نظر المعلم في تلك القاعة، وبسبب الجائحة تغير المفهوم وطرأت التعديلات الجذرية في طرق التعليم وتهيئة كافة السبل لهذا التغير وإنجاحه، وصار التعليم ظاهرة عالمية معترف بها شاء من شاء وأبى من أبى. لذا أقول إلى أين سوف يصل بنا مستوى التواصل التقني في المستقبل؟
شروح رسائل الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب للشيخ عبد العزيز الراجحي
محمود ثروت أبو الفضل
28-01-2021
7,218
https://www.alukah.net//culture/0/144614/%d8%b4%d8%b1%d9%88%d8%ad-%d8%b1%d8%b3%d8%a7%d8%a6%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%af%d8%af-%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%a8%d9%86-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%88%d9%87%d8%a7%d8%a8-%d9%84%d9%84%d8%b4%d9%8a%d8%ae-%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%b2%d9%8a%d8%b2-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d8%a7%d8%ac%d8%ad%d9%8a/
شروح رسائل الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب للشيخ عبد العزيز الراجحي صدر حديثًا "شروح رسائل الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب"، تأليف: فضيلة الشيخ "عبد العزيز بن عبد الله الراجحي"، نشر: "مؤسسة عبد العزيز الراجحي الوقفية". وهذه هي المجموعة الثالثة من شروح الشيخ "عبد العزيز الراجحي" على رسائل الشيخ محمد بن عبدالوهاب القصيرة التي وضعها في جملة من أصول التوحيد، وتضم هذه المجموعة رسالتين هما: • شرح "رسالة مسائل الجاهلية" يحتوي الكتاب على مسائل الجاهلية أو المسائل التي خالف فيها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - أهل الجاهلية، من الأميين والكتابيين، وهي أمور ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان ولا أخذت عن نبي من النبيين، عدها الشيخ "عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ" 120 مسألة فقال: "ولشيخنا - رحمه الله - مصنف لطيف ذكر فيه ما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أهل الجاهلية، بلغ مائة وعشرين مسألة". • شرح رسالة "الرسالة المفيدة المهمة الجليلة" ، وهي رسالة نافعة قصيرة في بيان أنواع التوحيد، وأنواع الشرك، وأنواع النفاق، مع ذكر الأدلة عليها من الكتاب والسنة. وقد سبق هذه المجموعة مجموعتان من قبل من شروح الشيخ "عبد العزيز الراجحي" لمؤلفات الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله -، هي: المجموعة الأولى: تضمنت شرح رسائل (فضل الإسلام - كشف الشبهات) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. المجموعة الثانية: تضمنت شرح رسائل (الأصول الثلاثة - القواعد الأربع - نواقض الإسلام - رسالة لأهل القصيم في بيان عقيدته) لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. والشارح هو فضيلة الشيخ "عبدالعزيز الراجحي"، ينتهي نسبه إلى قبيلة بني زيد المشهورة في نجد والتي ترجع إلى قضاعة - قبيلة قحطانية مشهورة-. ولد حفظه الله في مدينة البكيرية من مدن القصيم عام 1361هـ. درس الشيخ المرحلة الإبتدائية في مدينة البكيرية، ثم التحق بالمعهد العلمي بالرياض، ثم بكلية الشريعة، ثم حصل على درجة الماجستير من المعهد العالي للقضاء من نفس الجامعة، وكان عنوان الرسالة: "التقليد والإفتاء والاستفتاء". قرأ في البكيرية على مُقرئ البلدِ الشيخ "عبدالرّحمن بن سالم" - رحمه الله. حضر في بعض دروس وخطب الشيخ "محمد بن إبراهيم" - رحمه الله - مفتي الديار السعودية المتوفى 1389هـ. وللشيخ عدد من الإجازات العلمية في كتب السنة وغيرها. ومن أعماله: • تولى التدريس في جامعة الإمام محمد بن سعود في كلية أصول الدين قسم العقيدة حتى بعد تقاعده. • مع الإشراف والمناقشة لعشرات الرسائل العلمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه. • المشاركة مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في الحج، إفتاءً وتعليمًا. • التدريس في الحرمين الشريفين في المواسم المختلفة. • الخطابة للجمعة في مدينة الرياض. • إلقاء الدروس العلمية في مدينة الرياض، وتبلغ دروس الشَّيخ الأسبوعيَّة أكثر مِن عشرين درسًا في علوم الشَّريعة المختلفة.. • إلقاء الدورات العلمية المؤصلة في العقيدة وغيرها، في مدن المملكة العربية السعودية، وما قاربها من دول الخليج. إنتاجه العلمي: للشيخ عدد من المؤلفات نحو سبعين كتابا، ومنها: • منحة الملك الجليل بشرح صحيح محمد بن إسماعيل (البخاري) 14 مجلدًا. • توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم - 9 مجلدات. • شرح عدد كبير من رسائل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. • شروح رسائل الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله. • حل العقدة بشرح العمدة (عمدة الفقه) - مجلدان. • الإفهام بشرح بلوغ المرام - مجلدان. • الإعانة على تقريب الشرح والإبانة - مجلدان. • الهداية الربانية بشرح العقيدة الطحاوية. • التقليد والإفتاء والاستفتاء- رسالته للماجستير. إضافة إلى أكثر مِن عشرين ألف فتوى؛ ما بين فتاوى محررة، وفتاوى اللقاءات المفتوحة، والهاتفية، والدّروس اليوميَّة.
چون سورات الابن – الأمريكي المقبوض عليه في الإسكندرية ديسمبر 1866م
د. يسرا محمد سلامة
27-01-2021
2,347
https://www.alukah.net//culture/0/144589/%da%86%d9%88%d9%86-%d8%b3%d9%88%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d8%b1%d9%8a%d9%83%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%82%d8%a8%d9%88%d8%b6-%d8%b9%d9%84%d9%8a%d9%87-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%83%d9%86%d8%af%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d8%af%d9%8a%d8%b3%d9%85%d8%a8%d8%b1-1866%d9%85/
چون سورات الابن الأمريكي المقبوض عليه في الإسكندرية ديسمبر 1866م تبدأ القصة، بـ برقية أرسلها القنصل العام الأمريكي في مصر السيد تشارلز هيل Charles Hale من الإسكندرية في 2 ديسمبر عام 1866م، إلى وزير خارجيته وليام سيوارد William Seward في واشنطن، يُخبره فيها بـ أنه "تم القبض على چون سورات John Surratt jr المتهم الرئيس في قضية التآمر على اغتيال الرئيس الأمريكي الراحل أبراهام لنكولن Abraham Lincoln (ت. 1865) (مؤكدًا على هويته وبأنه الشخص المطلوب) "، فمن هو سورات المقبوض عليه على أرضٍ مصرية؟! وُلد چون سورات الابن في 13 أبريل عام 1844م، في واشنطن، وكان أصغر أبناء چون هاريسون وماري إليزابيث سورات – كان لديهم اِثنان آخران - أراد أنْ يُصبح كاهنًا، إلا أنه التحق بكلية سانت تشارلز في مقاطعة ماريلاند أثناء اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية عام 1861م، وفي أغسطس عام 1862م، تُوفي والده؛ فاضطر سورات إلى التخلي عن تعليمه الجامعي والعودة لـ بلدته سوراتسفيل Surrattsville ؛ لكي يعمل هناك مديرًا لمكتب البريد في الأول من سبتمبر من نفس العام وحتى 17 نوفمبر عام 1863م، حينما تمّ استبداله بـ شخص يُدعى أندرو روبي Androw Ruby ، وسرعان ما أصبح عميلاً سريًّا كونفيدراليًّا بحلول عام 1863م، فقد كان يحمل الرسائل إلى زوارق الكونفيدرالية على نهر بوتوماك Potomac River ، ويُرسل الرسائل أيضًا حول تحركات قوات الاتحاد في منطقة واشنطن جنوب ريتشموند، واستخدم حينها جميع الحيل الممكنة من تخبئة هذه الرسائل إما في حذائه، أو في ألواح العربات التي تجرها الدواب. قدم الدكتور صمويل ألكسندر مود Samuel Alexander Mudd - الفيزيائي وخبير التبغ في جنوب ماريلاند، وأحد الذين حوكموا بتهمة التآمر على قتل لنكولن فيما بعد - چون ويلكس بوث John Wilkes Booth - قاتل لنكولن في مسرح فورد بواشنطن – إلى سورات في 23 ديسمبر 1864م؛ عندما سمع سورات بمؤامرة بوث لاغتيال لنكولن، وبعدها انضمّ بإرادته إلى مجموعة بوث من المتآمرين، وفي ليلة الأربعاء الموافق 15 مارس 1865م، قام بوث بتعريف سورات على بقية المجموعة المشاركة في محاولة اختطاف لنكولن وتمت المقابلة في مطعم غوتييه في شارع بنسلفانيا؛ لمناقشة كيفية حدوث هذا الأمر. وفقًا لأقوال سورات، فإنه قد شارك بعد هذا الاجتماع بيومين – أي يوم 17 من نفس الشهر - في محاولة فاشلة لاختطاف الرئيس لنكولن؛ لتسنح لهم الفرصة على التفاوض مع حكومة الاتحاد على شروط أفضل للجنوب، حيث أنه كان من المفترض مشاهدته (لنكولن) لعرض مسرحي في مستشفى كامبل بضاحية خارج واشنطن، إلا أنه قد ظل في المدينة ولم يذهب إلى هناك؛ لإلقاء خطاب أمام حشد من ولاية إنديانا، وقد علم بوث بهذا التغيير في جدول المواعيد، لذا باءت المحاولة بالفشل (ذكرت العديد من المصادر الخاصة باغتيال لنكولن، محاولة الاختطاف هذه، إلا أنه من المحتمل أنها لم تحدث من الأساس) ، لكن حسب ما أفاده سورات فقد انقطعت صلته بمجموعة بوث بعد هذه المحاولة التي لم تنجح وفي 14 أبريل 1865م، قام بوث باغتيال لنكولن على مسرح فورد، فقامت الصحف في أنحاء البلاد بنشر صورتي بوث وسورات كـ مطلوبين لـقتل الرئيس الأمريكي، تحت عنوان واحد فقط "القتلة" ، ومما زاد الأمر سوءًا، أنه تم اتهامه هو فقط بطعن وليام سيوارد وزير الخارجية الأمريكي، في نفس ليلة اغتيال أبراهام، وقدمت السلطات 25 ألف دولار لمن يُدلي بمعلومات عنه. تمكنت الشرطة من قتل بوث بعد 12 يومًا من عملية الاغتيال عندما اشعلت النيران في حظيرة كان قد اختبأ بها في فيرچينيا، بعدها ألقت الشرطة القبض على ثمانية من عناصر مجموعته التي اشتركت في التآمر على قتل لنكولن، وكان من بينهم والدة سورات "ماري" ، التي خبأت السلاح الذي قُتل به لنكولن في منزلها، وحوكموا جميعًا في محكمة عسكرية سريعة، نفذت فيهم حكم الإعدام، وفي والدته في 7 يوليو 1865م - كانت أول امرأة يصدر حكم الإعدام في حقها. لكن لم يستطع أحد العثور على سورات الابن منذ ليلة الاغتيال، وقد قال هو نفسه بعد ذلك – أثناء محاكمته – أنه كان على بُعد 300 ميل في إلميرا (نيويورك) بعيدًا عن مسرح الأحداث في مهمة سرية؛ لمراقبة سجن كان يُحتجز به جنود الكونفيدرالية، ثم فرّ إلى مونتريال كندا – حيث كانت معقلاً للنشاط الكونفيدرالي - بعد سماعه نبأ إطلاق الرصاص على لنكولن من قِبل بوث، قضى هناك أسبوعًا، وبعدها شق طريقه إلى الريف هربًا من المحققين الأمريكيين الذين كانوا يجوبون المدينة بحثُا عنه، ثم اختبأ في منزل أحد الكهنة في قرية سانت ليبوار، وقامت السلطات باعتقال ثلاثة رجال على قدر كبير من الشبه به. في رسالة بعثها نائب القنصل في ليفربول هنري ويلدنج Henry Wilding إلى وزير خارجيته سيوارد، والمؤرخة بـ 27 سبتمبر 1865م، أبلغه فيها عن معلومات تُفيد بتوقع وصول سورات إلى المدينة الإنجليزية خلال يوم أو يومين، وأنّ الشخص الذي بلغه بذلك قد كتب إفادة خطية بما شاهده وكانت كالتالي "أنّ هذا الشخص من مونتريال، وأنه في الخامس عشر من شهر سبتمبر الحالي، وعلى متن الباخرة " مونتريال " التي كانت تُبحر من مونتريال إلى كيبيك، قابل أحد الرُكاب ويُدعي " مكارثي "، وخلال رحلتهم التي استغرقت ثلاثة أيام، دار حديث ودي بينهم أخبره فيه مكارثي هذا أنه قد واجه صعوبة في الهروب من الولايات المتحدة إلى كندا، وحكى له تفصيليًا بعد ذلك – أثناء رحلتهما على متن الباخرة إلى ليفربول - عن ما كان يقوم به في الولايات المتحدة وعن قصة اشتراكه في اختطاف لنكولن من قِبل بوث، لكنه لم يتحدث مُطلقًا عن اشتراكه في عملية الاغتيال، ثم أعطى مواصفات جسمانية لهذا الـ " مكارثي " بأنه شاب بين الخامسة والعشرين والثلاثين عامًا، يبلغ طوله حوالي 5 أقدام وثمانية بوصات، حاد جدًا ذو أنف رومانية وجبهة بارزة، وعيون غائرة صغيرة وشارب خفيف، وختم إفادته بالتوقيع باسم چورچ ميلي في 26 سبتمبر الغريب في الأمر، أنه على متن الباخرة (بيروڨيان) التي غادرت من كيبيك إلى ليفربول، قام سورات برواية تفاصيل أخرى عن ما كان يفعله في بلده الأم، لشخصٍ آخر لا يعرفه ويُدعى دكتور مكميلان Dr . McMillan ، الذي شهد هو الآخر بأنه قد رآه وقدم أوصافه كاملة عند إدلائه بشهادته، لكنه تنكر في زي رجل أيرلندي يرتدي نظارة طبية، وقام بقص شعره الطويل الأشقر، وصبغه باللون البني الداكن، وقبل أن يتمكن أحد من القبض عليه في ليفربول، استطاع الهرب مرة أخرى إلى لندن، ومنها إلى باريس، ثمّ إلى روما التي عمل فيها في الجيش الباباوي، حيث مكث هناك عام تقريبًا!! في 6 نوفمبر 1866م، بادرت السلطات الباباوية باعتقال سورات، إلا أنه اعترض رسالة اعتقاله وقام بالهروب، لكن في اليوم التالي استطاعت السلطات اعتقاله في بلدة فيرولي الواقعة على قمة جبل، وأُلقي به في السجن، وفي صباح اليوم التالي تمكن من الهرب من ستة من حراسه؛ بعد أنْ سمحوا له باستخدام الحمام. شق طريقه إلى نابولي، ومنها إلى الإسكندرية - أي أنه في عام ونصف تقريبًا كان قد سافر في 3 قارات مختلفة - لكن شاء الله تعالى أنْ تكون الإسكندرية آخر محطة له في خطة هروبه طوال هذه المدة، فقد توقفت السفينة في مالطة حيث تفشى مرض الكوليرا، ووُضع ركابها جميعًا في الحجر الصحي بعد وصولهم إلى مصر، الأمر الذي أعطى السلطات الأمريكية الوقت الكافي للقبض عليه واللحاق به؛ لأنه لم يتمكن من تغيير الزي البابوي الذي هرب به، فكانت مهمة هيل من السهولة بمكان في التعرف عليه، والإيقاع به بعد أنْ تمّ القبض عليه في الإسكندرية، بعث وليام سيوارد على قنصله العام في مصر تشارلز هيل، رسالة مؤرخة بـ 4 ديسمبر 1866م، يُخبره فيها أنّ وزير البحرية أصدر تعليماته للأدميرال جولدسبورو؛ بإرسال سفينة حربية مُسلحة مُناسبة إلى الإسكندرية؛ حتى يتم تسليم سورات لها، وبالفعل توجه قائد الأسطول الأمريكي في البحر المتوسط كوماندور (نيكولسون چيڨر) Nicolson Jiffer بالفرقاطة "سواتارة" Sawattara إلى الإسكندرية؛ لتسليم سورات الابن إلى واشنطن مباشرةً دون التوقف في أي ميناء، وترحيله بعدها إلى مقاطعة كولومبيا حيث ستتم محاكمته. تلقى الرئيس الأمريكي أندرو چونسون Andrew Johnson (1865 – 1869م) ، نبأ القبض على سورات بكثيرٍ من الترحيب، حتى أنه بعث برسالة إلى الخديوِ إسماعيل يشكره فيه على حُسن تعاون السلطات المصرية في القبض على الهارب، حتى تسليمه إلى القائد المعني بترحيله – كان هيل خائفًا من فكرة هروب سورات مرةً أخرى، حينها لن يستطيع أحد القبض عليه، إلا أنّ تشديد الحراسة عليه حال دون ذلك. وفي مارس عام 1867م، وصلت الفرقاطة سواتارة إلى مقاطعة كولومبيا، حيث تم احتجاز چون لحين البدء في محاكمته في التُهم الموجهة إليه، بدأت أولى جلسات المحاكمة بعد ثلاثة أشهر من وصوله أي في يونيو، واستمرت المحاكمة حتى صيف عام 1868م، وكانت المفاجأة أنه قد أُطلق سراحه دون إثبات أي تُهمة عليه عاش حياته بشكلٍ طبيعي بعدها، فقد اكتسب شهرة واسعة بسبب كل هذه الأحداث، التي جعلته يستغلها بعمل جولة في أرجاء الولايات المتحدة للحديث عن حياته تفصيليًا - حسب روايته بالطبع - حتى أنّ الصحف طاردته من أجل عمل أحاديث خاصة عن هذه التفاصيل المثيرة، وبعد الانتهاء من هذه الجولات، التحق بمهنة التدريس، واستقرّ في بالتيمور بعد زواجه وإنجابه لـ سبعة من الأبناء، وقد كانت وفاته في عام 1916م
العبث بتقنية المعلومات
أ. د. علي بن إبراهيم النملة
27-01-2021
5,215
https://www.alukah.net//culture/0/144581/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%ab-%d8%a8%d8%aa%d9%82%d9%86%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%88%d9%85%d8%a7%d8%aa/
العبث بتقنية المعلومات ممَّا يؤيِّد الانجراف نحو الألفيَّة الميلادية الثالثة، بدءًا بعام 2000م، نُظُم الحاسب الآلي وبرامجه التي كلَّفَت العالم - كما يقول صاحب كتاب حمَّى سنة 2000 - أكثرَ من ستمائة وخمسة وخمسين مليار (655،000،000،000) دولار، وأنَّ الولايات المتحدة نفسها قد خسرت مائتين وستة وسبعين مليار (276،000،000،000) دولار في سبيل تطويع البرامج للرقم الجديد، في التاريخ الميلادي المعتمد في الحاسوبات، وقد تكون هذه المبالغ مبالغًا فيها؛ إذ إنَّها مبالغُ ليست باليسيرة، ولكنَّها ذُكرت على أيِّ حال في الصحف والدوريات. بدأ الناس هناك يُصابون بالهلع الذي قد يصل إلى حدِّ قتل النفس، التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، ناهيك عن الأمراض النفسيَّة والمشكلات الاجتماعية؛ ذلك أنَّ حلول الألفية الثالثة يحمل اعتقادًا لدى المتديِّنين - من اليهود والنصارى على حدٍّ سواء - بأنَّها نهاية العالم [1] ، ونزول المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام الذي يعتقد النَّصارى بعودته، وكذلك اليهود، والمسلمون أيضًا، ولكن لكل اعتقاد من الثلاثة وجهته [2] . أمَّا نحن المسلمين فإنَّنا نعتقد أنَّ عيسى ابن مريم عليهما السلام سينزِل، ويملأ الأرض عدلًا، بعد أنْ تمتلئَ جورًا [3] ، ولكننا لا نملك تحديدَ ذلك بالسَّنَة، أو العقد من السنين، أو القرن؛ فإن ذلك يظلُّ في علم الغيب [4] ، مع أنَّ لدينا علامات تُفضي إلى ذلك، هي داخلة في علامات السَّاعة الكبرى، وقبلها علاماتها الصغرى [5] ، وفي الوقت ذاته تستمرُّ عمارة الأرض، والاستخلاف عليها، وتستمرُّ الجهود في بيان الحقِّ، والدعوة إلى اتِّباعه [6] . هذا من ناحية دينيَّة، أمَّا من الناحية الحاسوبية: فكان هناك هلعٌ على مستوًى عالٍ في العالم، خوفًا من عدم قدرة الآليَّة التي يسيِّرها الحاسوب على التأقلُم مع الرقم الجديد، وهذا موضوع مطروق عالميًّا، لا مجال للتوسُّع فيه. لم تسلم من هذا الهلع تحرُّكات الناس، ليلة الواحد من يناير لسنة 2000م، بما في ذلك السفر جوًّا؛ إذ كان هناك تخوُّف من تعطُّل المركبات لحظة الانتقال من سنَة إلى أخرى، أو - كما زعموا - من قرنٍ إلى آخر، وكانت هناك نصائح تُسدى للمسافرين بتجنُّب أنْ يكونوا على سفرٍ تلك اللحظات! تأتي هذه الخواطر امتدادًا لهمٍّ يقضي باحتمالية نهاية العالم عند الانتهاء من الألفية الميلادية الثانية [7] ، إلَّا أنَّنا لا ندَع هذا مجالًا للاجتهادات الشخصيَّة، غير المبنية على العلم الشرعي، المشتقِّ من نصوص الكتاب والسنَّة، ونهجر الإسرائيليات من الأخبار، التي وقع فيها بعض من المفسِّرين، وتبعهم فيها بعضُ المؤرِّخين، رصدًا لها في كتب التفسير والتاريخ، لا إيمانًا بها. عليه؛ فإنَّه مما يستحقُّ الإعجاب قول أحَد المعنيين: إنَّ الخروج من قَرن والدخول في قرن آخر إنما هو تمامًا، مثل، الخروج من يوم والدخول في يومٍ آخر جديد، إلَّا أنَّ الخروج من قرن إلى آخر إنَّما يتحقَّق في ذلك اليوم الأخير من السنة الميلادية 2000م، المكمِّلة للألفية الثانية، إلى اليوم الجديد 2001م، وهي انطلاقة الألفيَّة الثالثة، بمعنى أنَّنا لا نرى أنَّ هناك تغيُّرًا في نواميس الكون، سيطرأ في تلك الساعات. لن يتحوَّل العالم من حال سابقة إلى حالٍ لاحِقة مختلفة، تمامًا وجذريًّا، عن الحال التي كانوا عليها قبل يوم واحد، وإنما هو الإعلام، وبعض الطروحات الفكريَّة التي انقادت إلى الخلفية الدينية لهذا التحوُّل، تلك الخلفية الدينية المبنيَّة على معلومات غير موثَّقة في الديانتين اليهودية والنصرانية/ المسيحية، بفعل التحريف الذي طرأ عليهما، من قبل أنْ ينزَّل القرآن الكريم على نبيِّنا محمَّد بن عبدالله، (ولا يزال يطرأ عليهما إلى يومنا هذا، على اختلاف في مدى التحريف، فلِمَ ننساقُ إلى هذا كله، ما دام أنَّ الأمر قد مرَّ كما تمرُّ الأيام والليالي؟ وما عدا ذلك فهو من باب التصنُّع، ليس إلَّا. من الصَّعب الإقناع بهذه الفكرة غير المسلمين، وربَّما اقتنَع غيرهم معهم، ممَّن لا يدينون باليهودية والنصرانيَّة/ المسيحية، فلا يكون للانتقال عندهم خلفيةٌ ثقافيةٌ، إلا أنَّ هؤلاء أقربُ إلى الاقتناع؛ لقربهم من الخرافة. المرجو في هذا الموقف أن تكون نظرَتنا لهذا الزَّخم كلِّه منطلقةً من عقيدة صافية، تدرك تداول الأيام بين الناس، وأنَّ الوقت يمضي، بسنينه وعقودِه وقرونه، كما مضى من قبل مولد المسيح عيسى ابن مريم عليهما السلام ومِن بعد مولده عليه السلام، وأن سُنَّة الله تعالى في الكون ماضيةٌ في أنْ يكون لهذه الحياة نهاية، تكون بعدها حياة أخرى، لها طابع آخر مختلف، تمامًا، عما نحن عليه الآن؛ إذ إنَّها ستكون حياةً نجني بها ما عملناه في هذه الدنيا، إنْ خيرًا فخيرًا، وإنْ شرًّا فشرًّا، ورحمة الله واسعة، وفضله عظيم. فيما عدا هذا الهلع المبني على التغيير الرَّقمي للحاسوبات، الذي ينبغي علينا أخذ حسابه، فإنَّنا مؤمنون بأنَّ الانتقال يمرُّ - بإذن الله تعالى - بسلام، لا اختلافَ ولا تغيير، إلَّا فيما يجنيه المرء في يومه السَّابق، وما ينوي أنْ يعمله في يومه اللاحق، وهكذا كان: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾ [آل عمران: 140]. [1] انظر في نهاية التاريخ: فرانسيس فوكوياما: نهاية الإنسان: عواقب الثورة البيوتكنولوجية ، ترجمة: أحمد مستجير - القاهرة: سطور، 2002م - 304 ص، وفرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ، ترجمة: حسين الشيخ - بيروت: دار العلوم العربية، 1413هـ/ 1992م - 280 ص، وجان - ماري جيهينو: نهاية الديموقراطية ، ترجمة: حليم طوسون - القاهرة: مكتبة الشروق، 1995م - 120 ص. [2] صبري أحمد موسى: نبوءات نهاية العالم بين الأديان السماوية والواقع العلمي المعاصر: دراسة دينية مقارنة في اليهودية والمسيحية والعقيدة الإسلامية - القاهرة: دار البشير، 1998م - 240 ص. [3] انظر: علي سكيف: نهاية التاريخ في الفكر الإسلامي الحديث - دمشق: الأوائل، 2004م - 277 ص. [4] انظر: مصطفى مراد: نهاية العالم - القاهرة: دار الفجر للتراث، 1424هـ/ 2003م - 312 ص. [5] انظر: منصور عبدالحكيم: نهاية العالم وأشراط الساعة - دمشق: دار الكتاب العربي، 2004م - 262 ص. [6] انظر: مراد هوفمان: الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود - القاهرة: مكتبة الشروق، 1421هـ/ 2001م - 276 ص. [7] انظر في تقويم القرن الميلادي الماضي، والتطلُّع لقرن جديد: القرن العشرون بين اليأس والأمل - ص (127 - 167). في: شريف الشوباشي: نهاية التفكير - القاهرة: الهيئة المصرية العامَّة للكتاب، 2001م - 184 ص - سلسلة مكتبة الأسرة.
صيرفي العلماء، وصائغ طلاب العلم
السعيد صبحي العيسوي
25-01-2021
3,250
https://www.alukah.net//culture/0/144548/%d8%b5%d9%8a%d8%b1%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%a1%d8%8c-%d9%88%d8%b5%d8%a7%d8%a6%d8%ba-%d8%b7%d9%84%d8%a7%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%84%d9%85/
صيرفيُّ العلماء، وصائغ طلاب العلم لا يجد كاتبٌ مهما أوتي براعة اليراع إلا أن تلفَّه حيرة تُذهب معاقد تركيزه ولُبِّه، خاصة في الحديث عن حال شيخنا العلامة المحدث ساعد بن عمر غازي رحمه الله تعالى. فهو رجل ذو مواهب، جامعٌ من كل فضيلة بطرف، وحائز من الملكات أحسن وصف، بتواضعه مع رَوِيَّة في طرح أفكاره، وهذه الأخيرة كانت سببًا في تميُّز نوعية ملازميه وأصفيائه؛ من لا يعرفه يزهد فيه وييأس مما عنده، أما الملازِم فتنكشف له معالم ذهن حادّ وفكر وقّاد، تشغله الأفكار والنقاشات ليل نهار، لا يكاد يستجم، ينقد بأدب ويميز الغث من السمين، ويزن المعلومة، وينظرها بميزان دقيق؛ يستقري مردديها، وينقر عن قائلها الأول، ويقيد مطلقها، ويخصص عامها؛ فشعاره: «العلم أن تفيد وتستفيد»، «أصحح خطأ غيري أو يصحح خطأي». ولا يكاد يرضى عن معلومة مُرسلة، ذكرتَ شيئًا فأسنِده، وقلت فدلِّل عليه، ليكن علمك علم بحث لا علم تقليد وتبعية. وأعذروني فقد رأيت ذلك وأكثر، لذا فإني أسميه: "صَيرفيّ العلماء.. وصائغ الطلاب" . لمستُ منه الكثير، وعشته يومًا بيوم طيلة 14 عامًا، وعاش هو قلبي وأوراقي؛ في كل ورقة أكتبها، وكل مسألة أحررها؛ وقلت له كثيرًا: "إذا سقطتُ في إشكال علمي تذكرتُ طريقتكم في المباحثة، وأحاكيها" فكان يبتسم. وهنا سوف أذكر بعض أوجه استفادتي من شيخنا رحمه الله -ولعل الله يمنّ بعد بإفاضة - ومن ذلك: «فتح باب الاستفادة من الطلاب»: فمن جميل المعاني التي طُبع عليها -وحاول نشرها عمليًّا- الدندنة حول تلاقح العلم بين أجيال مختلفة وأفهام متباينة؛ بأن يشق العالم أو المعلم لنفسه طريقًا للاستفادة من تلامذته؛ بتكليفهم تارة، والسؤال والاستفتاء أخرى، والمناقشة تارات، فكم عرض عليَّ أفكارًا لنقدها ومسائل للبحث والنقاش، وأذكر أنا مكثنا عدة أشهر ليس لنا بحث إلا تخريج علة حديث وتوجيهها. فهذا والله! لكأنَّه بابٌ من النبوغ مُشرَع، وهي سنة سلفية، لكنها السنَّة المهجورة، والخير المغفول عنه؛ فلافتقاره إلى دُربة واتِّضاع وتأهُّل قلبي؛ فإن هذا الخُلُق لا يكاد يَلين إلا للواحد بعد الواحد، وهذا الزمن لا يُتَصَّور فيه أن يقوى قلبٌ على تحريرٍ منفردًا، إلا بمعونة، أو عرضٍ على مشايخه وإخوانه؛ بهم تَنجلي الإشكالات، وتنمو الفِطَن، وتعرف بما قالوا ما لم يُقَل، وأعرفُ مَن نبغ في عصرنا بنباهة طلابه، وتشاركه معهم في العلم والبحث. «لا تكثِّر أعداءك في مفتتح عمرك العلمي»: جئتُهُ يومًا حيث وهج الشباب والجرأة على المسائل والنقد، فقال: «لا تكثر أعداءك في مفتتح عمرك العلمي»، فكان من بركات ذلك تنوعُ التحصيل والاستفادة ما أمكن مِن كل مَن لاقيتُ وإن كنتُ أخالفه، وكان هذا النصح مفتاح خير عليَّ. وكان ينصح كثيرًا بتنويع المشايخ والاستفادة من الجميع، وكان يقول لي: "لازم فلانًا واستفد منه" ، و "مَن آخر مَن لاقيتَ؟" ، و "كيف هو علم فلان؟" ، و "ماذا استفدت منه؟" ، ويستمع وينصح، ويقول لي: "دَوّن هذه الأشياء، وابحث وراءه" . «لا تنبهر بأحد من الناس، واستفد من الجميع»: كثيرًا ما يذكر في مجالسه الخاصة وفي سياق النقاشات، وكثيرًا ما ردَّني عن الغلو في بعض أهل العلم ومنتسبيه، ويكبح جماح الغلو ويحرر العقلية وينمي الشخصية الناقدة البحاثة، بتلك العبارة ومثيلاتها القيمة: «لا تنبهر بأحد من الناس». ويقول: دائمًا: «طالب العلم ينبغي له أن يعرف أقدار العلماء، وأن يستفيد من جميع الناس، ولا ينبهر بأي أحد، ويعطي كل واحد قدره». ولا شك أن مقام الاستفادة غير مقام التبعية والتلمذة، فلا يلازم الطالب إلا مَن يثقُ في دينه وعلمه ومنهجه ومنهجيته، ولا تدل الطلاب إلا على مَن كان محل الثقة، أما الاستفادة العامة كتقرير فائدة، أو تعقُّب أو تحقيق مسألة أو حديث، فاستفد من أي إنسان، وانظر ما وافق الشرع فاقبله منه. «طالب العلم لا بد أن تكون لديه قابلية للتغيير وتطوير نفسه»: فكان الشيخ دائمًا ما يذكر بأن طالب العلم لا بد أن يغير من نفسه إلى الأمام، ويطور إمكاناته، ويتعلم جديدًا، ويحاول الاستفادة ما أمكن من كل ما يقرأه أو يسمعه. ومن جميل ما صرح به إلي على تردد في ذكره، أنه لما طُبع كتابي مدارج التعلم طبعته الأولى، صرَّح إليَّ أنه من جيل تعلم بطريقة صعبة، وخاطئة، ولم يكن في جيلهم من يدندن حول التأصيل العلمي والمنهجية في الطلب، فكان يقرأ كل ما يتاح له لا عن منهج صحيح في الطلب. وقال: «أنا أحد هؤلاء، ويعلم ما أحدثته المنهجيات الخاطئة في جيله، وما أحدثته فيمن تخرج عليها وما زال، لقد تركتُهم وعدتُ، فوجدت أن أمر الخلاص من ذلك في الأتباع أصعب». «قراءة نتاج طلابه والاستثمار فيهم والصدق في ذلك»: فقد أوتي شيخنا رحمه الله صبرًا على الصبر في هذا الأمر، ومن عانى المراجعة يعلم ثقلها، فكان الشيخ يجلس بالساعات الطوال تقارب 7 ساعات متواصلة في النقاش حول مسائل كتاب معين، والقراءة والتعقيب والرد والإبطال، وكان يشجع طلابه بشكل لافت، وما رأيت مثله في بعث همة الطالب على البحث والمواصلة، لكأنه يسحر الطالب بجميل عطفه وصدقه في النصح، والإفادة. ومن ذلك أني جالسته لمراجعة كتابي أعمال الكافر متعدية النفع، في عام 1428هـ، وقد امتدت الجلسة من صلاة العصر حتى الواحدة ليلًا، ولا يتبرم، ولا يخرج عن موضوع الجلسة، وتلا ذلك جلسات أخرى، وأذكر أيضًا أني قرأت عليه كتابي الغرور العلمي، مرتين؛ إحداها في الحرم المكي في آخر عمرة اعتمرها رحمه الله، والمرة الثانية فكانت عن طريق الاتصال بالهاتف، يعقب، ويثري، وينقح. ولا أنسى موقف الشفقة على طلابه، فقد كان يقلق جدًا لمرضهم أو تأخرهم أو تغيرهم، وقد رأيت من ذلك الكثير، ومنها أني ذكرت له نتاج تحليل طبي لي، واشتباه بمرض معين، فما كان منه إلا أن انفجر في البكاء، ولم يقدر مدة على الكلام، وظل يتمتم بالدعاء، وقابلت شيخنا الشيخ عبدالمنعم مطاوع حفظه الله بعد فترة، فذكر أن الشيخ ساعد كان قد تأثر لهذا الموقف، واتصل على إخوانه في رمضان يطلب منهم الدعاء لي. وأذكر في جانب رقة قلبه أنه في إحدى جلساتي معه قبل وفاته بعام، فقد زرته في بيته، في شقة مكتبته، ودخلت معه غرفة سريره يبحث عن كتاب، فأطلعني على كتاب لأحد مشايخنا قد بعثه إليه لينظر فيه ويراجعه قبل الطباعة الأخيرة، فأراني الشيخ موضعًا اعتذر المؤلف عن حل للإشكال، وأنه لم يجد نقلًا معينًا مع شدة تقصيه، فقال لي شيخنا، بحثت عن ذلك والحمد لله وجدته، وهو كذا وكذا، فسكت الشيخ وبكى، فلما انتهى من ذلك، حمد الله وأثنى عليه؛ أن أطلعه الله على ذلك، وذكر لي أنه شرب ماء زمزم قديمًا بنيَّة أن يوفقه الله في بحث مسائل العلم، وأنه إذا طلب شيئًا من المسائل وجدها. «الانحراف في البداية يولد انحرافًا كبيرًا في النهاية»: فكان شيخنا يدندن حول هذه دومًا، ليتحرى الطالب نوعية مَن يستفيد منه، ويكون عنده ميزان يَزِنُ به الأقوال والرجال والكتب. وصدق، فمن عُلم منه انحراف في الاعتقاد أو التزكية ولو يسيرًا، لا يلبث إلا أن يكون مناوئًا غاليًا، ويسرب خطأه في ثنايا الدروس. وأعلم فيمن لقيتُ شيخًا في القراءات يُعلِّم الاعتقاد الأشعري لبعض منتسبي أهل السنة والجماعة في ثنايا مجالس الإقراء. وأذكر أن طالب علم درس على يد أحد الغلاة في التكفير المتمكنين في علوم الآلة، وتساهل في ذلك، وما هو إلا أن آل أمر هذا الطالب إلى الغلو في التكفير؛ فخذ العلم عن المتّزن، السُّني، المستقيم، معظّم السلف، الذي يعلمُك البحث عن الحق، ويحذرك من التقليد، وليس شرطًا ألا يخطئ في العلم. «الرضا عن الله والصبر على أقداره»: وهذه والله كانت من أكثر ما يلفت نظر أصحابه وتلامذته، فكان يكثر من شكر الله تعالى جدًا، وذكره، والامتنان بما حباه، ورضاه عنه سبحانه، ودائمًا ما يُذكّر بهذا إخوانه وتلامذته. وقد ذكر لي أكثر من مرة قصة أحد من أضلهم الله، وقد كان إمامًا في العلم فزاغ، ومات على الإلحاد، وذكر أن سبب انتكاسته هي عدم رضاه عن الله، وعدم شكر الله، والاعتراف بجميله، سبحانه. فهذه نبذة يسيرة، وقليل من كثير استفدته واستفاده غيري ممن صحب شيخنا العلامة ساعد بن عمر غازي رحمه الله. والله تعالى أسأل أن يرحمه ويغفر له، ويجعل ما كتبه في العلم، ونُصحَه وتعليمَه حجة له، واجمعنا اللهم به مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تحرير قول ابن تيمية في مسألة: حكم طلب الدعاء من الأموات لأيمن سعود العنقري
محمود ثروت أبو الفضل
25-01-2021
8,826
https://www.alukah.net//culture/0/144543/%d8%aa%d8%ad%d8%b1%d9%8a%d8%b1-%d9%82%d9%88%d9%84-%d8%a7%d8%a8%d9%86-%d8%aa%d9%8a%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d9%85%d8%b3%d8%a3%d9%84%d8%a9-%d8%ad%d9%83%d9%85-%d8%b7%d9%84%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%af%d8%b9%d8%a7%d8%a1-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%85%d9%88%d8%a7%d8%aa-%d9%84%d8%a3%d9%8a%d9%85%d9%86-%d8%b3%d8%b9%d9%88%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%86%d9%82%d8%b1%d9%8a/
تحرير قول ابن تيمية في مسألة: حكم طلب الدعاء من الأموات لأيمن سعود العنقري صدر حديثًا كتاب " تحرير قول شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة: حكم طلب الدعاء من الأموات "، تأليف: د. "أيمن سعود العنقري" ، نشر: "دار الأوراق للنشر والتوزيع" . وهو بحث علمي تتبع فيه المؤلف الخلط الحاصل عند بعض العلماء في مسألة طلب الدعاء من الأموات مثل أن يقول: يا رسول الله ادع الله لي، أو سل الله لي، يا عبدالقادر الجيلاني ادع الله أن يقضي حاجتي، يا حسين سل الله أن يشفع في الرسول، ونحو ذلك، فقد وقع تداخل في كلام الإمام ابن تيمية حيث ذكر في موضع أنها بدعة، وأغلب تقريراته أنه شرك أكبر، مما استدعى من الكاتب جمع مواضع كلامه كاملة والتعليق عليها حيث تبين أن مراد الشيخ أن كل هذه الأقوال من الشرك. ثم وجه مراده في المواضع التي ذكر فيها أنها بدعة بما يفسر كلامه ويزيل ذلك التناقض والخلط الحادث. حيث خلص الكاتب في بحثه أن ما ورد في بعض كلام أبي العباس ابن تيمية أن طلب الدعاء من الأموات بدعة، فمراده: أنها بدعة شركية، وليس مراده: بالبدعة التي دون الشرك. وهذا يرد في كلامه: أنه يسمى الشرك بدعة، فمن ذلك ما جاء في "اقتضاء الصراط المستقيم" (2 /128) حيث يقول: "والشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء، ولهذا: كل من كان عن التوحيد والسنة أبعد، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب". فجعل الشرك داخلًا في البدعة. وفي "الاقتضاء" (2/203) أيضًا: "وقد أحدثتم في دينه من الشرك ما لم ينزل به وحيًا من السماء؟! فأي الفريقين أحق بالأمن؟ من كان لا يخاف إلا الله، ولم يبتدع في دينه شركاء، أم من ابتدع في دينه شركا بغير إذنه؟ بل من آمن ولم يخلط إيمانه بشرك فهؤلاء من المهتدين" فسمى الشرك بدعة. وهناك جواب آخر ذكره الشيخ "صالح آل الشيخ" بقوله: "هذا جاء في كلام شيخ الإسلام، صحيح. لكن البدعة يريد بها البدعة الحادثة، يعني: التي حدثت في هذه الأمة، وليس مراده - رحمه الله - بالبدعة أن البدعة التي ليست شركًا؛ لأن البدع التي حدثت في الأمة منها بدع كفرية شركية، ومنها بدع دون ذلك.. فكلام شيخ الإسلام صحيح أنها بدعة محدثة، وكونها بدعة لا يعني ألا تكون شركًا أكبر". وقد أراد الكاتب من هذا البحث الرد على بعض المعاصرين من المرجئة والصوفية وغيرهم ممن ينسبون للشيخ أنه يرى أن ذلك بدعة وليس شركًا، ويخلطون على العامة معتقدهم في حكم طلب السؤال والدعاء من الأموات. والمؤلف هو أيمن بن سعود العنقري أستاذ مساعد بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، من مؤلفاته: • سلسلة شرح المتون العلمية في العقيدة - شرح رسالة نواقض الاسلام لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب. • سلسلة شرح المتون العلمية في العقيدة - شرح لمعة الاعتقاد لابن قدامة المقدسي. • المسائل المستجدة في نوازل الزكاة.
يوسف بن يعقوب بن إسحاق (4)
د. محمد منير الجنباز
25-01-2021
7,460
https://www.alukah.net//culture/0/144534/%d9%8a%d9%88%d8%b3%d9%81-%d8%a8%d9%86-%d9%8a%d8%b9%d9%82%d9%88%d8%a8-%d8%a8%d9%86-%d8%a5%d8%b3%d8%ad%d8%a7%d9%82-4/
يوسف بن يعقوب بن إسحاق (4) ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [يوسف: 68] لقد عملوا بنصيحة والدهم، فهل أغنى عنهم ما كان ينتظرهم بتقدير الله؟ ﴿ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا ﴾ [يوسف: 68] وهي شفقته عليهم والحرص على سلامتهم. ﴿ وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 68]؛ فيعقوب نبي مرسل يوحى إليه، وهو بهذا يعلم أن قضاء الله نافذ لا محالة، وأن الحذر لا يدفع القدر، ولكن لا بد من اتخاذ الأسباب، وفي الحديث الذي أخرجه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد إلا كتب مقعده من النار أو الجنة) )، قالوا: ألا نتكل؟ قال: ((اعملوا؛ فكلٌّ ميسَّر) )، ثم قرأ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ﴾ [الليل: 5]. ووصل الإخوة جميعًا إلى باب يوسف وقد وفوا بوعدهم، وأحضروا معهم أخاهم بنيامين، وقد سر يوسف كثيرًا لما رآهم، وكتم حب أخيه في نفسه. ﴿ وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ ﴾ [يوسف: 69]، فكيف فعل هذا؟ ألم ينتبه إلى ذلك بقية الإخوة؟ قال المفسرون: صنع لهم طعامًا، ثم أنزلهم في غرف تسع الواحدة لاثنين، وبقي لبنيامين غرفة وحده، وهنا دخل إليه يوسف، ﴿ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [يوسف: 69]؛ فالله قد فرج همنا ووسع علينا وأصبحنا في أحسن حال، لقد ولَّت أيام الشقاء وحسد الإخوة، ولكن لا تخبرهم بما حصل الآن، واكتم حديثنا، ودبر أمرًا لاستحواذ أخيه. ﴿ فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ﴾ [يوسف: 70]، فالسقاية مكيال لكيل الحبوب، وهي أشبه بالصاع، وفي مصر كان يكال بمكيال موحد منعًا للغش، وهو صواع الملك، له علامات مميزة ومفضض، وهو ذو قيمة مادية ومعنوية، والرحل بمثابة الكيس اليوم، وهو خاص بالإبل، ملائم لحمولتها، فأمر غلمانه بأن يجهزوهم بكافة طلباتهم كأحسن ما يكون الجهاز، وأن يجعلوا مكيال الحبوب في رحل بنيامين، ولما فعلوا ما أمرهم به يوسف، خرجت العير باتجاه الشام، وصبر عليهم يوسف بعضًا من الوقت، ثم أرسل خيالة في طلبهم. ﴿ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ ﴾ [يوسف: 70]، ونزلت هذه العبارة على إخوة يوسف كالصاعقة، إن آخرَ ما توقعوه من العزيز أن يرميهم بهذه التهمة؛ لذلك كان جوابهم ردة فعل لما سمعوه تحمل الغضب والتشنج، فمثلهم من أبناء الأنبياء لا يُرمَون بهذه التهمة، ﴿ قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ ﴾ [يوسف: 71]، إنهم في أشد العجب لما حصل، فأوقف إخوة يوسف قافلتهم، والتفتوا إلى المؤذن ومن معه متسائلين: ﴿ مَاذَا تَفْقِدُونَ؟ ﴾ [يوسف: 71]، ﴿ قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ ﴾ [يوسف: 72]، أخبروهم بالسرقة التي ادعَوها، وجعلوا لمن يكشف عن السارق جائزة مغرية مؤداة، مقدارها حمل بعير من الطعام، ﴿ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ ﴾ [يوسف: 72]؛ أي: كافل وضامن لإعطاء هذه الجائزة لمن أدلى بما يفيد كشف السارق. ورأى إخوة يوسف أن الأمر جد لا هزل، فقال كبيرهم: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ ﴾ [يوسف: 73]، قال هذا؛ لأنه متأكد من نظافة أيديهم، ولم يخالجهم أدنى شك في كون الصواع ليس عندهم، والحلف بـ: "تالله" فيه معنى التعجب مما اتهموا به، فرد رسل يوسف بلغة الواثق من تهمة إخوة يوسف: ﴿ قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ ﴾ [يوسف: 74]، فأتى الجواب بلغة التهديد، وكأنهم يعلمون أن صواع الملك عندهم بلا أدنى شك، وهنا ارتبك إخوة يوسف في الرد، ﴿ قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ ﴾ [يوسف: 75]؛ أي: يجازى بما هو مقرر في شرعنا الذي ندين به. تم هذا الجدال قبل وصول يوسف، حيث جاء على أثرهم، وأعطاهم الأمر بالتفتيش، ﴿ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ ﴾ [يوسف: 76]، وفي هذا الصنيع بُعد عن إثارة الشك فيه، ونظر يوسف إلى إخوته نظرة ريبة وعتب وهو يظهر السقاية لهم وكأنه يقول لهم: أبعد الكرم والتقدير وزعمكم أنكم أبناء نبي تسرقون صواع الملك؟ وفهموا من تلكم النظرة ما أراد أن يكلمهم به يوسف، فقال كبيرهم يتكلم نيابة عنهم وكأنهم كلهم قالوا هذا: ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ ﴾ [يوسف: 77]، عبارة تظهر ما يخفيه أبناء يعقوب لأخويهم من أبيهم، فما زال القلب يحمل تجاههم حسدًا، وكان الأجدر أن يدافعوا عنه بكلام يبرر وجود هذا الصواع في رحل بنيامين بوصفه بالأمين، وأن أمرًا ما دبر لهذا الغلام، لكن أبى البغض إلا أن يظهر في هذه الساعة الحرجة. ولكن ما قصة ﴿ قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ ﴾ [يوسف: 77]؟ وهذا اتهام ليوسف، ذكر أهل التفسير أن عمة يوسف الكبرى ربت يوسف في بيتها لحبها له، ولما كبر طلبه أبوه منها، فامتنعت، وبعد إلحاح يعقوب ردته إليه وحزمته بمنطقة كانت لإسحاق، واتهمته بسرقتها؛ لتأخذه - وفق شريعتهم - عبدًا، فيبقى مقيمًا معها، وقيل: سرق صنمًا من ذهب كان لجده أبي أمه وحطمه؛ عملًا بتغيير المنكر، وقيل: لم يسرق، ولكن تهمة منهم جديدة، فأسر يوسف في نفسه قولهم هذا، ولم يبدِ لهم كذبهم؛ لأنه كان لا يريد كشف أمره بعد، وإلا لرد عليهم افتراءهم هذا، وأضاف هذا الذنب ليكون مع ما اقترفوه من ذنوب، ثم قال في نفسه: ﴿ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا ﴾ [يوسف: 77]؛ أي: أنتم مكان الشر، ومنكم خرج الشر وتأصَّل في قلوبكم، ثم قال لهم: ﴿ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 77]، ذكرتم شيئًا الله أعلم بصحته، والمهم عندي أن السقاية وُجدت في رحل بنيامين، وسنأخذه رقيقًا بها، وهنا عادوا إلى تذكر ميثاقهم مع والدهم بأن يحافظوا على أخيهم، فاستخدموا لغة تستدرُّ عطف يوسف عليهم، ﴿ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 78]، ولعلها لحظة صدق منهم بعد الموقف الصعب لأخيهم بنيامين، وأنه لن يعود معهم وسيتركونه في بلاد بعيدة عنهم، وأن أباهم إذا ما وصله النبأ سيكون له وقع أليم عليه، وتقدموا كلهم باذلين أنفسهم ليفدوا به أخاهم، ولكن يوسف الذي خطط لإبقاء أخيه عنده لم يرضَ بأي منهم؛ ﴿ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ ﴾ [يوسف: 79]، هذا من الإجحاف، أن يسرق ثم نتركه ونأخذ غيره بجريرته، ﴿ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ [يوسف: 79] فهذا عينُ الظلم لو فعلنا هذا، ونحن قد وطدنا أحكامنا على العدل، والعدل أن نأخذ بنيامين، فمِن رحله أخرجنا صواع الملك، وذهبت كل جهودهم الرامية لاستنقاذ أخيهم من هذا المأزق الذي وضع فيه أدراج الرياح. ﴿ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا ﴾ [يوسف: 80]، فلما يئسوا من الجدال مع يوسف بعد بذل الجهد في استنقاذه، وصمم على تنفيذ الحكم بتهمة السرقة، وقاده الحرس إلى مصيره - أسقط في أيديهم، وعلاهم الهم والحزن، وانتحوا جانبًا يناقشون ما جد من أمرهم بعد هذا الحدث، ﴿ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 80] ذكَّرهم أخوهم الأكبر بالموثق الذي التزموا به لوالدهم، فكيف سنقابله وبأي وجه؟ واليوم نخبره بما حدث صدقًا، وما أظن أنه سيصدقنا، وكأننا مسلطون على أولاده، ﴿ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾ [يوسف: 80]؛ أي: فرطتم بالعهد الذي قطعتموه لأبيكم بأن تحافظوا على يوسف، والآن نحن لم نفرط بالعهد، ولكن من يقنع أباكم بأننا التزمنا بعهدنا، وما حصل لا يد لنا فيه؟ إن المواجهة مع أبيكم صعبة، ولن أحتمل أن أرى وَقْعَ هذا الخبر على أبيكم، ﴿ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يوسف: 80]، سأبقى في هذا المكان النائي تنهشني الغربة وهي أهون عليَّ من المواجهة، يكفي ما سببناه لأبينا من آلام وهموم، ﴿ ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَاأَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81] أنتم واجهوا أباكم وأخبروه بما رأيتم، وعاد الإخوة وليس معهم بنيامين، ولا أخوهم الكبير، ولما وصلوا ديارهم دخلوا على أبيهم وأخبروه الخبر، ولو نعلم أنه سيسرق ما أخذناه معنا، ﴿ وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ ﴾ [يوسف: 81] فعندما أعطيناك موثقنا لم نكن نعلم ما خبأ لنا القدر وأن بنيامين سيرتكب هذه المخالفة، ولما وجدوا ملامح عدم التصديق لروايتهم على وجه أبيهم أردفوا قائلين: ﴿ وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾ [يوسف: 82] على تقدير مضاف محذوف؛ أي: اسأل أهل القرية، وأصحاب العير، كما أخبروه عن أخيهم الكبير، وأنه لن يبرح مصر حتى يأذن له بالعودة، أو الحكم فيه بأن يرسله لقتال العدو حتى يستشهد، ولما قدموا هذه البراهين، وكان أقربها أن يسأل يعقوب أصحاب القافلة العائدة عما شاهدوه، لكنه اكتفى بتنهيدة كبيرة، وزفرة حزينة، فيها معنى الرجاء والأمل، ﴿ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ﴾ [يوسف: 83]، والصبر الجميل: هو مَن يكتم ما به مِن حزن فلا يبوح به لأحد، وإنما البوح وتفويض الأمر القلبي لله تعالى، فما من أحد سواه قادر على جبر ما أصاب يعقوب، ورد أبنائه إليه سالمين، ﴿ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ﴾ [يوسف: 83]، وعسى في القُرْآن تفيد التحقيق، فكان هذا رجاء يعقوب وتعلق قلبه بالله، وأن قلبه الشفيف لم يكن موقنًا بفقد أبنائه يوسف وبنيامين وبكره "روبيل" الذي تخلف في مصر خوف مواجهة والده فيما حصل لبنيامين؛ لذلك كان قلبه المتعلق بالله يشعره باجتماع شمل الجميع، وأنهم سيأتونه في الوقت المناسب، ﴿ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 83]؛ فالله عليم بما هم عليه، وأين مكانهم؟ ولحكمة هو يعلمها جل شأنه وعظمت قدرته جرت الأمور على ما جرت عليه، وها بدأت تتكشف ليعقوب الأمور بعدما تغيبت عنه لفترة ما، ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ ﴾ [يوسف: 84] ثم ابتعد عن أولاده متذكرًا يوسف وأيام صباه، والسنين التي مرت وفِلذة كبده بعيد عنه وهو لا يطيق عن بعده صبرًا، ﴿ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، وبلغ الحزن منه مبلغه في قوله: ﴿ يَا أَسَفَا ﴾، وقد أودى الحزن بسواد عينيه ففقد البصر، فلمَ كل هذا الحزن على يوسف وعنده من اليقين أنه حي؟ ألا يملك مزيدًا من الصبر بلا شائبة الحزن أم ترى اختلط عليه الأمر؟ إنه نبي الله، وكان حزنه الكبير على البعد والفراق الطويل، وعلى عيش يوسف في بيئة ملحدة، فخشي من طول المقام ليوسف أن يتأثر بها، وتبعه أولاده يواسونه وهو بحالته المحزنة، فلما سمعوا ذكره ليوسف ولم تنسه إياه السنون، خافوا غطرفته وذهاب عقله لما يعانيه من كبت الحزن، وكان من الغرابة أن يذكر فقد يوسف الذي طواه الزمن من سنين، وألا يذكر فقد بنيامين وهو لا يزال حديث الساعة، ولم يدركوا أن مصيبة اليوم نبشت من الذاكرة مصيبة الماضي فأججت عرام الفقد ومواجع الفراق، فقالوا له مشفقين لما وصل إليه حاله: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85]، فقالوا: يمين الله لا زلت تذكر يوسف فلم تنسه، إلى متى يا والدنا؟ إلى أن تشرف على الهلاك ويهزل جسمك وتعتريك الأمراض البدنية والعقلية؟! نخشى عليك يا أبانا أن تهيم على وجهك من هذا الذي يعتريك فتكون من الهالكين، لكن يعقوب كان أكثر صمودًا منهم، وأشد رباطة جأش، وهذا لا يمنعه من بث شكواه وحزنه إلى ربه، وفي ذلك سلوان له وبرهان على صادق العبودية والالتجاء إلى الله، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86] أتشكُّون في نبوتي وصلتي بربي؟ إن ربي لم يتخلَّ عني؛ فأنا أعلم منه عن طريق الوحي ما لا تعلمونه أنتم، وأعلم أن ما أصاب أسرتي هو امتحان وابتلاء وأنا صابر محتسب، ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ ﴾ [يوسف: 87]، وبعد أن تجلى له الأمر ووضح دعا أبناءه للبحث عن أخويهم يوسف وبنيامين، وقد أسقط ذكر ولده الأكبر روبيل؛ لأنه اختار البعد اختيارًا، وربما يكون قد رجع إلى أبيه بعد أن بلغه خبر بنيامين وكان تغيبه لكيلا يرى أثر وقع الخبر على أبيه؛ لذلك طلب منهم البحث عن يوسف وبنيامين، وشدد على عدم اليأس والقنوط؛ فاليأس يبعث في النفس الغم والهم، كما أن التفاؤل يبعث في النفس الراحة والسكينة، ورَوْح الله رحمته بالعبد وتفريج همه، ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، واليأس ليس من صفات المؤمنين؛ لذلك نشط الأبناء وجمعوا على عجل ما عندهم من بضاعة ومال، وقرروا السفر إلى مصر، وفي مصر كانت تبدو عليهم علامات التعب والإرهاق وما قاسَوه من هم أبيهم وفقد أخيهم؛ فالحالة في البيت اليعقوبي لم تكن على ما يرام، فانعكس هذا سلبًا على الجميع، ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ ﴾ [يوسف: 88]، وقد عرض أبناء يعقوب معاناتهم على يوسف؛ لما لمسوه منه من طيب وخلق رفيع، وشكوا إليه فاقتهم وحاجتهم، وأن ما جلبوه من بضاعة لمبادلتها لشراء الطعام هي بضاعة ليست لها الجودة السابقة، وهذا كل ما يملكونه، وكان طلبهم أن يعطيهم من الرزق كالمرة السابقة دون النظر إلى ما قدموه من بضاعة قليلة أو رديئة، وقد رق يوسف لمنظر إخوته، وكاد يفصح عن نفسه لولا أن تماسك ليعرف المزيد من أخبار أبيه، وأما قولهم: ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88] فقد أشكل هذا الطلب على المفسرين بأن يطلب أبناء يعقوب الصدقة، والمعلوم أن الأنبياء وآلهم لا تحل لهم الصدقة، وتحل لهم الهدية، فكان جواب بعضهم بأن هذا في شرعنا، وربما هو غير موجود في شريعة يعقوب، وقيل: عنَوا بعبارة: ﴿ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 88] أن يرد عليهم أخاهم بنيامين من أسره وعبوديته؛ فقد تعب أبوهم لفقده، وأتعبهم معه، وهنا أظهر يوسف شخصيته؛ فقد انتهى الدور الذي خطط له، والاستمرار فيه سيجعل النهاية كارثية وقد وصل إلى ما يريد، ﴿ قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ ﴾ [يوسف: 89]، ووقع هذا السؤال عليهم وقع الصاعقة، استفهام توبيخي وتقريعي؛ لأنهم يعلمون ما فعلوه بيوسف، وأنهم هم أسباب هذه الهموم، وهنا رجعوا إلى أنفسهم، ودققوا النظر في ملامح يوسف، ثم عادوا إلى ذاكرتهم، ﴿ قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ ﴾ [يوسف: 90]، ووقفوا ينتظرون الجواب وهم في حيرة من أمرهم، بين قلب واجف وآخر راجٍ، فخوفهم أن يكون يوسف وهو في هذا السلطان فينتقم منهم باقتدار، وراجٍ أن يكون هو فيعود للبيت اليعقوبي صفاؤه وبهاؤه، ويلتئم الشمل مع إمكانية الاستفادة من مركز يوسف، ﴿ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ [يوسف: 90]، وهنا أخذ الخوف منهم كل مأخذ، وجاءهم ما كانوا يخشونه، وتابع يوسف تذكيرهم ما نسوه من وجوب تعميق الإيمان والتقوى والتوكل على الله؛ ﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [يوسف: 90]؛ فالتعجُّل وسلوك الطرق الملتوية لتحقيق المنافع عاقبته الخسران والضياع ومَقْت الله وغضبه، وهنا عرفوا فضل يوسف عليهم، وأن كل ما فعلوه لقلب الموازين لصالحهم باء بالفشل، ولم يصح إلا الصحيحُ، وإلا الذي كتبه الله من خير ليوسف رغم كل الكيد، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 91]، ولما قرأ في وجوه الإخوة أثر الندم لما فعلوه به، وهم بالتالي أولاد نبي موحِّدون لم يتخلوا عن الإيمان، وإن كانوا قد وقعوا في المعصية في حال التخلص من يوسف، إلا أن يوسف مؤمن بأن ما حدث مكتوب، وأن الحكمة منه عند الله؛ لذلك طمأن إخوته؛ كي يريح بالهم، ويبعد عنهم دوامة الصراع النفسي، ﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92]، عفوٌ ممن يملك القدرة على العقاب، فهم إخوته، فإذا كان الأنبياء يعفون عن خصومهم الغرباء، وهو من شيمهم، فهل تراهم ينتقمون من إخوتهم؟ وهذا ما يميزهم عن بقية الناس، قلوب رحيمة، وصدور رحبة فسيحة، هم المثل والقدوة، وهم الرحمة المهداة للأمة؛ ﴿ اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ﴾ [يوسف: 93]، ورأى يوسف أنه باستبقاء بنيامين عنده قد تسبب في ذهاب بصر أبيه، وكان يرجو من الله تعالى أن يجد الوسيلة في مداواته ليرتد إليه بصره، وأتاه جبريل فأخبره بالوسيلة المناسبة، لقد كان مع يوسف قميص إبراهيم وهو حرير من الجنة ألبسه الله إبراهيم حين ألقي في النار، فحماه الله بقدرته من لهيبها، ثم تداوله أبناؤه من بعده، فآل إلى يعقوب الذي أعطاه يوسف، فأخبر جبريلُ يوسفَ بأن يرسله إلى يعقوب، وأن يلقوه على وجهه فيرتد بصيرًا، وكان هذا بداية الانفراج عن هذه الأسرة الكريمة، ﴿ وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [يوسف: 93]؛ لذلك أحب يوسف أن يلقى أباه - كما تركه - مبصرًا؛ ليرى ما حل عليه من النعيم، ثم طلب أن يأتوه بأهلهم أجمعين؛ ليعيشوا معززين مكرمين مع يوسف ما تبقى من السنين العجاف، فيأمنوا بالعيش في مصر شرَّ القحط والمجاعة، ولما انطلق الأبناء إلى الشام ومعهم قميص يوسف، ﴿ وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ﴾ [يوسف: 94]، فهاجت ريح من مصر إلى الشام وهم ما زالوا في أول الطريق فوصلت يعقوب، فقال لمن حوله: إني لأجد ريح يوسف، لولا أن تسفهوا قولي، أو تتهموني بذهاب العقل، وهذه معجزة لنبي الله يعقوب؛ أن تصله ريح قميص يوسف وهو على بعد بضع مئات من الأميال، وكانت هذه الريح من باب الطمأنينة ليعقوب بأن ابنه على قيد الحياة، ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [يوسف: 95]، ومع هذه المقدمة من يعقوب فإنه لم يسلم من اتهامهم، وأنه قد عاد إلى زعمه السابق في تكرار ذكر يوسف، وأنه لا يزال حيًّا يرزق، فهذه نوبات تعاوده بين حينٍ وآخر فهو يرددها ولا يكاد ينساها، واليوم وقد تقدمت به السن يخرج علينا ببدعة جديدة؛ أنه يجد ريح يوسف، لكن يعقوب أصر على زعمه وقال لهم: لن يطول بكم الوقت حتى تعلموا حقيقة ما أقول، ﴿ فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا ﴾ [يوسف: 96]، وقصد بالبشير حامل القميص وأحد أبناء يعقوب "يهوذا" ، وكان قد حمل من قبل قميص الدم؛ فأحزن والده؛ فأحب أن يحمل قميص البشارة ليفرحه، فألقاه على وجه والده فارتد بإذن الله بصيرًا، ﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 96]، ولم ينسَ يعقوب في غمرة فرحه وعودة بصره أن يذكرهم بأنه كان في كامل قواه يحرسه الله؛ لأنه نبيه، فلم يخبرهم إلا بالوحي، وأنه لم يكن يهذي كما ظنوا، وإنما كان كلامه إضاءات وإشارات لما سيحصل مستقبلًا، وقد تحقق ما كان يخبرهم به من أن يوسف حي يرزق، ﴿ قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ﴾ [يوسف: 97]، ولما وقف يعقوب على الحقيقة الجلية بشأن يوسف، التي ذكرها له إخوته العائدون توًّا من عنده، وقف هؤلاء الإخوة موقفًا لا يحسدون عليه من حيث الخجل مما فعلوا، وأنهم كانوا عصبة فاسدة متآمرة على أخيهم المسكين يوسف لمجرد حب أبيه له لصغر سنه، وقد باؤوا بالفشل والخزي فلم يعد أمامهم سوى التوبة والندم على ما بدر منهم، وأن يعاهدوا أباهم على الاستقامة والبعد عن عمل كل قبيح؛ فهم أبناء نبي، رباهم يعقوب على القيم النبيلة، وأن ما وقعوا فيه من الغدر والكراهية والحقد لا يليق بهم، فقد أغواهم الشيطان في فترة ضعف وغضب، واليوم بعد هذا الدرس الصعب الأليم، يعودون نادمين وقد أعلنوا عن خطئهم ورغبتهم في العودة إلى متابعة حياتهم بقلب طاهر نظيف لا يعرف الكراهية والحقد، وإنما يحمل في أعماقه نصاعة الحب الذي يؤهلهم للقيام بدورهم المهم في هذه الحياة، وهو الدعوة إلى الله، فطلبوا من والدهم الرضا عنهم، والاستغفار لهم؛ ليبدؤوا حياة جديدة يملؤها الإيمان والحب وصفاء القلب ونقاؤه من درن الأخطاء ووساوس الشيطان، فما كان من الأب الشفيق على أبنائه إلا أن وعدهم بالاستغفار، ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يوسف: 98]، واستعمل حرف الاستقبال ﴿ سَوْفَ ﴾ الذي يفيد التريث والتأخير، قال المفسرون: أخَّره إلى آخر الليل ليكون أدعى للإجابة، وأقول: أخره إلى ما بعد الالتقاء بيوسف عندما سيكون استغفاره أكثر رقة وشفقة ونسيانًا لما فعلوه بيوسف، فإذا ما رأى نعم الله على يوسف طابت نفسه عليهم، وزال ما كان يحمله من كره وشك، وانطلق يعقوب وزوجه وأبناؤه وكل أفراد بيته واتجهوا إلى مصر، ﴿ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99]، وهذا السياق القُرْآني يدل على أن يوسف تلقاهم في الضواحي في خيمة ملكية أعدها لاستقبالهم، ومعنى: ﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ ﴾ انزلوا فيها، أو أقيموا فيها، وجرى استقبال مناسب ليعقوب أمام وجهاء مصر، فتشرفوا بالسلام على نبي الله متبركين به ويوسف في غاية السرور بلقيا والديه وهو يقول: ﴿ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ ﴾ [يوسف: 99]، ﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا ﴾ [يوسف: 100] أجلس أبويه معه على سرير الملك، وجلس الإخوة أمامه، ثم سجد الجميع ليوسف سجود تحية، وكان هذا جائزًا في شرعهم، لم يُخفِ يوسف الرؤيا التي كان رآها في صغره، وقصها حينها على أبيه، ﴿ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا ﴾ [يوسف: 100]، وذلك عندما قال: ﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4]؛ فقد تحقَّقت رؤياه بعد هذه المدة الطويلة، ثم قال: ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ [يوسف: 100] ومنَّ الله عليَّ فأخرجني من السجن، وكثير من السجناء في ذلك الوقت يضرب عليهم النسيان في السجن فلا يفطن لإخراجهم أحد، خصوصًا إذا كانوا غرباء مثل يوسف، فكانت رؤيا الملك سببًا لإخراج يوسف من السجن معززًا مكرمًا، فارتقى بسببها أعلى الدرجات، ﴿ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ﴾ [يوسف: 100]، فكان يعدِّدُ آلاء الله ونعمه متجاوزًا عددًا من النعم المهمة، فلم يذكر نجاته من الجب خشية جرح شعور إخوته، ولم يذكر نجاته سليمًا من إغراء زوجة العزيز؛ كيلا تعود من جديد على ألسنة الناس بعد نسيانها، وإثارتها من جديد تسيء إلى زوجة العزيز، ويوسف قد صفح عنها بعد اعترافها بالحق وتبرئته، وبعد عودة المياه إلى مجاريها واستقرار البيت اليعقوبي عاش يوسف ومن أتى من أهله في مصر عيشة هانئة، وقد روي أن يعقوب أقام في مصر حوالي عقدين، كانت سني خير وبركة، ثم حضرته الوفاة، فماذا قال لأبنائه؟! ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 133]، وهكذا ذكَّر أبناءه بكلمة التوحيد قبل أن يلقى ربه، فمات وهو يرمقهم بعين الرضا، ثم حمل إلى فلسطين بناءً على وصيته، ودفن قرب قبر أبيه إسحاق، وعاش يوسف في مصر ما شاء الله له أن يعيش، وقيل: عاش بعد وفاة والده ثلاثًا وعشرين سنة، تاقت نفسه بعدها إلى العيش الدائم في رحاب جنات الرحمن، وأن الملك مهما طال في الدنيا فهو زائل، فقال: ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]؛ فاستجاب الله ليوسف دعاءه، فتوفي وقد بلغ من العمر مائة وعشرين سنة، ولحب المصريين له جعلوه في صندوق من مرمر، ودفنوه في أعلى النيل؛ لتعمَّ البركة هذا النهر، وسيمر معنا كيف أعادته الملائكة إلى فلسطين في عهد طالوت. تُعَدُّ قصة يوسف قمة في القصة الطويلة، وقد حوت على كافة عناصرها، وهي الوحيدة التي ذكرت في القُرْآن كاملة في سورة واحدة. أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أكرم الناس؟ قال: ((أتقاهم لله) )، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فأكرم الناس يوسف، نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله) )، قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: ((فعن معادن العرب تسألونني؟ الناس معادن؛ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) )، وعن أبي هريرة أيضًا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يرحم الله لوطًا؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم أتاني الداعي، لأجبته) )، وفي هذا القول لنا وقفة: • صحيح أن دعوة الأنبياء واحدة في الأصول مع الاختلاف في بعض الفروع. • الأنبياء خلاصة البشر، وأفضل خلق الله، لكن بينهم أيضًا فروق؛ فهم ليسوا نسخة واحدة مكررة، فسيرتهم تظهر ذلك، حتى الأخوان موسى وهارون كانا بين لين وشديد، وجاء الحديث الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم: ((ولو لبثت في السجن...) ) ليؤكد هذا؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم انطلق في هذا من بيئته العربية التي تهتم بالعفو والصفح ونسيان الماضي عندما يشرق لها الحاضر، وكذلك بمبدأ أنه ما كان يغضب إلا لله، وأما ما كان شخصيًّا فقد كان يسامح فيه، فهذا ابن عمه وأخوه في الرضاعة سفيان بن الحارث قد وقف معاديًا له وهاجيًا سنين طويلة، وقبل فتح مكة قرر الدخول في الإسلام فلم يقبله بادئ الأمر عقابًا له على موقفه الذي تخطى المعقول، وعندما قبله وعفا عنه لم يطلب منه أن يعتذر عما قاله بقصيدة أو سواها. • وقد ورث العرب المسلمون هذه الميزة، وهي ميزة الصحراء التي لا تقبل سواها. • بينما نجد قرار يوسف بعدم الخروج من السجن إلا بعد التبرئة، وهذا أيضًا يظهر مدى بيئته التي لا تقبل الصفح إلا بإجراءات معينة، وأمام الشهود، دون الالتفات إلى مدة هذه الإجراءات طالت أو قصرت، ألم يقل يعقوب لأبنائه عندما قالوا له: ﴿ يَاأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ﴾ [يوسف: 97]، ﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾ [يوسف: 98] طاوَلهم وهم أبناؤه. • هذا اجتهاد في تفسير الموقفين، وكلاهما صواب. وأخرج البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام) ). لم يرد في قصة يوسف كلمة (فرعون) لقبًا لملك مصر، بل ورد كلمة (ملك) ؛ وذلك لأن قومًا يسمون الهكسوس غزَوْا مصر فاحتلوها وأبعدوا الفراعنة عن الحكم، وقيل: أبعدوهم نحو الصعيد، أما هم فقد حكموا منطقة الشمال؛ لذلك لم تكن ألقابهم (فرعون) ، وإنما كان لقب الحاكم منهم "الملك" ، وهذه الفترة استمرت مائتي سنة، وكان ضمن الحاكم هذه الفترة حياة يوسف في مصر، ثم استرد الفراعنة ملكهم من الهكسوس.
فقه آيات الأحكام على مذهب الحنابلة لعبد الله بن صالح منكابو
محمود ثروت أبو الفضل
24-01-2021
14,772
https://www.alukah.net//culture/0/144521/%d9%81%d9%82%d9%87-%d8%a2%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%ad%d9%83%d8%a7%d9%85-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d9%85%d8%b0%d9%87%d8%a8-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%86%d8%a7%d8%a8%d9%84%d8%a9-%d9%84%d8%b9%d8%a8%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%84%d9%87-%d8%a8%d9%86-%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad-%d9%85%d9%86%d9%83%d8%a7%d8%a8%d9%88/
فقه آيات الأحكام على مذهب الحنابلة لعبد الله بن صالح منكابو صدر حديثًا كتاب "فقه آيات الأحكام على مذهب الحنابلة"، تأليف: د. "عبد الله بن صالح بن عبد المعز منكابو"، نشر "دار طيبة الخضراء للنشر والتوزيع". وأصل هذا الكتاب أطروحة علمية تقدم بها الكاتب لنيل درجة الماجستير في تخصص الفقه من كلية الشَّريعةِ والدراساتِ الإسلامية بجامعة أم القرى، تحت إشراف فضيلة الشيخ د. "ناصر بن محمد الغامدي" وذلك عام 1440 هـ - 2019 م. وتناولت هذه الرسالة إبراز فِقْهِ الحنابِلَةِ - رحمهم الله - في آياتِ الأحْكَامِ، ومَنْهَجِهِمْ في الاسْتِنْبَاطِ والاستدلال، وذلك من خلال دراسة كتابِ "المبدع في شرح المقن ع" للبُرهانِ ابنِ مُفْلِح، فهو كتابٌ حَافِلٌ بالأدِلَّةِ وأَوْجُهِ الاستِدْلالِ، ثَرِيٌّ بالاستنباطِ والتَّفْرِيْعِ، وفيه مِنْ آياتِ الأحْكَامِ وفِقْهِهَا ما يَصْلُح أنْ يكُوْنَ مادةً لمِثْلِ هذا البَحْث. ومؤلِّفُهُ: البرهانُ ابن مفلح رحمه الله، كانَ فَقِيْهًا، أُصُوْلِيًّا، نَحْوِيًّا، عالِمًا بالقراءات السَّبْعِ، مشارِكًا في عُلُومٍ كثيرة، وله مصنَّفاتٌ في الفِقْهِ والأصُوْلِ والنَّحْوِ وغيرها. واستنباطُ الأحْكَامِ مِنَ القُرآنِ، وبَيَانُ أَوْجُهِ الاستدلالِ عليها، يَعْتَمِدُ كثيرًا على تلكَ العلوم، وَحَرِيٌّ بِمَنْ حَازَها، وأَحْرَزَ فيها قصبَ السَّبقِ، أنْ يُبْدِعَ في استنباطِ الأحكامِ مِنَ النُّصُوْصِ، كما هو حَالُ صَاحِبِ "المبدع". إلى جانب عَدَمُ وُجُوْدِ دراسةٍ سابِقَةٍ حَوْلَ كتابِ " المبدع "، تُبيِّنُ مِنْ خِلالِهِ فِقْهَ آياتِ الأحكامِ عنْدَ الحنابِلَةِ، وتُحَرِّرُهُ، وتُقَرِّبُهُ. والبحث تقوم فكرته على اسْتِخْلاصِ كتابٍ في ( أحْكَامِ القُرْآنِ ) من كتابٍ ( فِقْهِيٍّ عام ). وبَلَغَ عَدَدُ آياتِ الأحكامِ الوَارِدَةِ في البحْثِ (251) آيةً، وعَدَدُ المسَائلِ الفقهية المستنبَطَةِ منها (875) مسألةً. وهذه المسَائِلُ مُتَنَوِّعَةٌ؛ تَنْدَرِجُ تحتَ أكثَرِ الأبوابِ الفقهيَّةِ، وتَحْتَوِي على مَبَاحِثَ مُختَلِفَةٍ، مِنْ عِلْمِ التفسيرِ، والقراءاتِ، والفِقْهِ، والأصُولِ، واللغةِ، والنَّحْوِ وغير ذلك. يتكوَّنُ البحثُ مِنْ مُقَدِّمَةٍ، وتَمْهيدٍ، وقِسْمٍ دراسيٍّ، وصُلْبٍ، وخاتمةٍ، وفهارس. وتفصيلُها على النَّحو التالي: ♦ المقدِّمة. وتَشْتَمِلُ على: فِكْرَةِ البحث، وأسبابِ اختيارِ الموضُوْعِ، وأسبابِ اختيارِ كِتَابِ "المبدع" لهذه الدِّراسَةِ، وفوائِدِ البَحْثِ، وصُعُوباتِهِ، والدِّراساتِ السَّابِقَةِ، وخِطَّةِ البحث، ومَنْهَجِهِ. ♦ التمهيد. ويَشْتَمِلُ على ثلاثة مطالب: المطلب الأول: التَّعْرِيْفُ بمُصْطَلَحِ "آيات الأحكام". المطلب الثاني: نُبْذَةٌ عن عِلْمِ التَّفْسيرِ الفِقْهيِّ، ونَشْأَتِهِ. المطلب الثالث: أَهَمُّ المصنَّفاتِ في أحْكَامِ القُرآن. ♦ القسم الدراسي: ويتناوَلُ ترجمةَ البُرهَانِ ابنِ مُفْلِحٍ - رحمه الله - في تسعة مطالب: المطلب الأول: اسْمُهُ، ونَسَبُهُ. المطلب الثاني: مَوْلِدُهُ. المطلب الثالث: نَشْأَتهُ، وطَلَبُهُ للعِلْمِ. المطلب الرابع: شُيُوْخُهُ. المطلب الخامس: أعْمَالُهُ. المطلب السادس: تلامِيذُهُ. المطلب السابع: مُصَنَّفَاتُهُ. المطلب الثامن: مكانَتُهُ، وثَنَاءُ العُلماءِ عليه. المطلب التاسع: وَفَاتُهُ. ♦ صُلْبُ البحث: وَيَشْتَمِلُ على آياتِ الأحْكَامِ الوَارِدَةِ في كتابِ المبدع، والأحْكَامِ الفقهيَّةِ المُسْتَنْبَطَةِ منها. ♦ الخاتمة: وفيها أهمُّ نَتَائجِ البَحْثِ وتَوْصِيَاتِهِ. ♦ الفهارس : وتَشْتَمِلُ على: 1- فهرس الآيات القرآنية. 2- فهرس الأحاديث النبوية. 3- فهرس الآثار. 4- فهرس المسائل الفقهية. 5- فهرس الأعلام المترجَم لهم. 6- فهرس الأشعار. 7- فهرس المصادر والمراجع. 8- فهرس الموضوعات. وسَارَ البحثُ على أَرْبَعِ مَرَاحِلَ رئيسة، هي: جَمْعُ المادَّةِ مِنْ كتاب المبدع، وتَرْتِيْبُهَا، وصِيَاغَتُها، ثمَّ دِرَاسَتُها وتَوْثِيْقُها. أولًا: جَمْعُ المادَّةِ مِنْ كتابِ المُبْدِع: 1- استخرج الكاتب جميعَ آياتِ الأحكام الوارِدَةِ في كتاب المبدع. 2- استخرج الكاتب جميعَ الأحْكَامِ الفِقْهِيَّةِ التي اسْتُدِلَّ عليها بتِلْكَ الآياتِ مِنْ خِلالِ كتابِ المبدع، سواء كان القَوْلُ بها مُعْتمَدًا في المذهب، أو غَيْرَ مُعْتمَدٍ، أو كان قَوْلًا خارِجَ المذهب. 3- استخرج الكاتب ما ذَكَرَهُ ابنُ مفلح - رحمه الله - مِنْ أَوْجُهِ الاسْتِدْلالِ بالآيةِ على الحكْمِ الفِقْهِيِّ، ويَشْمَلُ ذلك ما يَعْتَمِدُ عليه الاسْتِدْلالُ بالآية: مِنْ حديثٍ نَبَوِيٍّ، أو قاعدةٍ أصُوْليَّةٍ، أو مَبْحَثٍ لُغَوِيٍّ، ونحوه. 4- استخرج الكاتب ما ذَكَرَهُ ابنُ مفلح - رحمه الله - مِنَ الأجْوِبَةِ عن استدلالِ المُخَالِفِ بالآية، ومُناقَشَتِهِ لذلك الاستدلال. 5- استفاد الكاتب ممَّا ذَكَرَهُ ابنُ مفلح - رحمه الله - مِنَ التَّعْرِيْفاتِ اللغوِيَّةِ والشَّرْعيَّةِ والاصْطِلَاحيَّةِ عند الحاجَةِ إليها، وانْتَقى منها ما يُنَاسِبُ البحثَ، دونَ اسْتِقْصَاء. 6- قد يُوْرِدُ ابنُ مفلح - رحمه الله - الآيةَ للاستدلال على مَعْنىً لُغَوِيٍّ، أو يَذْكُرُ فيها ما يتعلَّقُ بالتفسيرِ أو الإعرابِ، فلا يذْكُرُهُ في البَحْثِ إلا أنْ يكونَ له أثَرٌ في استنباطِ الحكْمِ الفِقْهِيِّ. 7- لا يذْكُر غالبًا بقيةَ الأدِلَّةِ التي يَسْتَدِلُّ بها على الحكمِ الفقهيِّ المسْتَنْبَطِ مِنَ الآية، كالسُّنَّةِ والقِيَاسِ وأقوالِ الصَّحَاب ة ، وإذا ذكرها في مواضع فهو لِسَبَبٍ، كأنْ تكونَ دلالةُ الآيةِ على الحكْمِ غيرَ ظَاهِرَةٍ، وقد وَرَدَتِ السُّنَّةُ الصَّريحةُ بذلك الحُكْمِ. ثانيًا: الترتيب: 1- يسِيْرُ في البحثِ غالِبًا على الطَّرِيْقَةِ المَعْهُوْدَةِ في أكثَرِ مُصَنَّفاتِ أحْكَامِ القرآن: ♦ يتنَاوَلُ السُّوَرَ - التي تَشْتَمِلُ على آياتِ الأحْكَامِ الوارِدَةِ في المبدع - سُوْرَةً سُوْرَةً حَسَبَ ترتيبِها في المصحف. ♦ ويبْدَأُ بِذِكْرِ اسْمِ السُّورَةِ، وعَدَدِ آياتِ الأحكامِ التي يَتَنَاوَلُها البحْثُ منها، ويسْرُدُ هذه الآياتِ حَسَبَ ترتيبِها في السُّورة. ♦ ثم يوْرِدُ تلك الآياتِ مُفَصَّلَةً، ويصَدِّرُ كلَّ آيةٍ منها بِذِكْرِ ترتيبِها، بِقَوْلِه: الآية الأولى، الآية الثانية،...إلخ، ويتْبِعُ كلَّ آيةٍ بِعَدَدِ المسائلِ الوارِدَةِ تحتَها. ♦ ثم يذكر المسائلَ المتعلِّقَةَ بالآية مِنْ كتابِ «المبدع» كلِّه، ويرَتِّبُهَا حَسَبَ مَوْضِعِ شاهِدِهَا مِنَ الآية، وقَدْ يخالِفُ هذا الترتيبَ لِجَمْعِ مَسَائلِ الآية المتشابِهَةِ في نَسَقٍ واحد. ♦ ثم يصَدِّرُ كلَّ مسألةٍ منها بِذِكْرِ ترتيبِها بالنِّسْبَةِ إلى مسائلِ الآية بِقَوْلِه: المسألة الأولى، المسألة الثانية،...إلخ. وقد يجْمَعُ في المسألة الواحدة عِدَّةَ أحكامٍ فقهية؛ لمناسَبةٍ، كاتِّفاقِهَا في الموضوعِ، أو في وَجْهِ الاستدلالِ، أو كَوْنِ بَعْضِها مُفَرَّعًا على بعض، ونحو ذلك. 2- كثيرًا ما يَسْتَدِلُّ ابنُ مفلح - رحمه الله - في المسألة الواحدة بِعِدَّةِ آياتٍ، فَجْعَل الكاتب المسألةَ تحتَ إحْدَاها، ويتَحرَّى في ذلك الموْضِعَ الأنْسَبَ، ولا يعِيْدُها في الموَاضِعِ الأُخْرَى. كما أنه قد ألْحق المسألةَ الفقهيةَ بنظائرها إلْحَاقًا مَوْضُوْعِيًّا، مع كَوْنِها مُسْتَنْبَطَةً مِنْ آيةٍ أُخْرَى، رَغْبَةً في حَصْرِ الموضوع، وحَذَرًا مِنْ تَشْتِيْتِهِ. ويُمْكِنُ الرُّجوعُ إلى جميع مواضعِ آياتِ الأحكامِ بسهولةٍ مِنْ خِلالِ فهرسِ الآيات القُرْآنية. ثالثًا: صِيَاغَةُ المادَّة: 1- يبْدَأُ الكاتب المسألةَ غالبًا بِذِكْرِ الحكْمِ الفقهيِّ المستنبَطِ مِنَ الآية، مُسْتَعِينًا في صِيَاغَتِهِ بعباراتِ مُتُوْنِ الحنابلة، كالمقنع والإقناع والمنتهى وزاد المستقنع ونحوها، ويمَيِّزُ الحكْمَ المستنبَطَ بالخطِّ العريضِ. وقد يسْتَغْنِيْ بِذِكْرِ كلام ابنِ مفلح - رحمه الله - مباشرةً، دون تَصْدِيْرِ المسألةِ بالحكْمِ المستنبَطِ، إذا كان ذلك وافيًا بالمقصود. 2- ثم يوْرِدُ ما ذَكَرَهُ ابنُ مفلح - رحمه الله - في المسألة ممَّا يُوَافِقُ غَرَضَ البحث ومنهجَهُ - على ما سَبَقَ بيانُه في فقرة: "جمع المادة من كتاب المبدع" -، ويسْتَفِيْدُ مِنْ عباراتِهِ دون أنْ يلْتَزِمَ بِنَصِّها، بلْ يتصرَّفُ فيها بالزِّيادةِ، والاخْتِصَارِ، والتَّرْتيبِ، ونحوِ ذلك، مع الحِفَاظِ على المعنى. وقد يكونُ في عبارة "المبدع" خَلَلٌ أو بَتْرٌ أو إِبْهَامٌ، فيسْتَفِيْدُ مِنَ المصادِرِ التي نَقَلَ عنها ابنُ مفلح - رحمه الله - - كالمغني، وشرحِ الزَّرْكَشِي، والممتعِ لابن المنجى- وينْقُلُ عِبَارَتَها إذا كانَتْ أتَمَّ وأَوْضَحَ، مع تَوْثيقِ ذلك في الهامش. 3- قد يذكُرُ ابنُ مفلح - رحمه الله - طَرَفَ الآية، أو جُزْءًا مِنْ شاهِدِهَا، أو يُشِيْرُ إليها دونَ تَصْرِيْحٍ، وحِيْنَئذٍ يقُوُمُ الكاتب بِإثْبَاتِها، وإكْمالِ القَدْرِ الذي يتمُّ به الاستدلالُ منها. رابعًا: الدراسة والتوثيق: 1- يعتني بِتَحْريرِ مذهبِ الحنابلة، وبَيَانِ المعتمَدِ منه عند المتأخِّرِيْنَ، فإن اتَّفَقَ "الإقناعُ" و"المُنْتَهَى" على قولٍ فهو المذهب، وإن اخْتَلَفَا أَشَار إلى ذلك غالبًا، ونَقَل عن المصادِرِ التي يُرَجَّحُ بها عند اختلافِهِمَا، كـ"التَّنْقِيْح المُشْبِع"، و"غَايَة المُنْتَهَى"، ونحوها. وحيثُ قال: "المذهب كذا" أو "وهو المذهب" ونحو ذلك، فَمُرَادِه: المعتمَد من المذهب عند مُتأخِّرِيْ الحنابلة - رحمهم الله - . 2- ينْسُبُ الأقوالَ الفقهيةَ الواردةَ في صُلْبِ البحث إلى قائلِيْها، وذلك في إطَارِ المذهب قَدْرَ الإمكان، فإنْ كانَ القَوْلُ مُعْتمَدًا في المذهب بَيَّنْهُ - على ما سبق -، وإنْ كانَ رِوَايةً عن الإمام أحمد - رحمه الله - أو قَوْلًا لبعْضِ أَصْحَابِه، نَسَبهُ إليه واكْتَفَى بذلك، وإلا نَسَبْه لقائلِه مِنْ غيرِ الحنابلة، ولا يتجاوَز المذاهبَ الأربعةَ غالبًا. 3- يكْتَفِي بتَحْرِيْرِ المذهبِ وتَقْرِيْرِه، ولا يتعرَّضُ غالبًا للمناقشة والتَّرجيح ، وي عْتَنِي بإيْرَادِ أَوْجُهِ الاستدلالِ بالآيةِ على الحكْمِ الفقهيِّ المستنبَطِ منها، وإثْراءِ هذا الجانب مِنْ خِلالِ مُصَنَّفاتِ الحنابلة في التَّفْسيرِ والفِقْهِ والأُصُولِ وغيرها، مع الإِفَادِة مِنْ كتبِ التَّفْسِيْرِ وأحْكَامِ القرآنِ على وَجْهِ العُموم. 4- مع الترجمة للأعلامِ الوَارِد ذِكْرُهُم في صُلْبِ البحثِ دون مُقَدِّمَتِهِ وتَمْهِيْدِهِ وقِسْمِهِ الدِّراسِي، ولا يتَرْجِمُ لمن اسْتَفَاضَتْ شُهْرَتُهُ مِنَ الصَّحَابة - كالخلفاء الأربعة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص- رضي الله عنهم - ، ومَنْ بَعْدَهُم -كالأئمةِ الأربعة، وعمر بن عبد العزيز، وابن عبد البر، والنوويِّ، وابن تيمية رحمهم الله جميعًا . وتَكُوْنُ الترجمةُ عند أَوَّلِ مَوْضِعٍ يُذْكَرُ فيه المتَرْجَمُ، ولا يحِيْلُ عليها كُلَّما تَكَرَّرَ ذِكْرُهُ؛ لِسُهُولَةِ الوُصُولِ إلى التراجِم مِنْ خلال فهرسِ الأعلامِ المتَرْجَمِ لهم. 5- ي وَثِّقُ المعاني اللغوية بِذِكْرِ الجزءِ ورَقَمِ الصفحةِ، مع الإشارةِ إلى مادَّةِ الكَلِمَةِ في المصدر، وذلك بِوَضْعِهَا بين قَوْسَيْنِ نحو: (نصر). فإن اتَّفَقَتْ المصادِرُ كُلُّها في مادة الكلمة، خَتَمَ الإحالةَ عليها بِقَوْلِه: جميعها ( نصر ). وإن اتَّفَقَ مَصْدَرانِ في ذلك، قال: ( نصر ) فيهما. 6- يوَثِّقُ المعلوماتِ مِنْ مَصَادِرِهَا الأصليةِ والمعتمَدَةِ قَدْرَ الإمكان، ويرَاعِي عند ذِكْرِهَا الترتيبَ الزَّمَنِيَّ باعتبارِ وفياتِ مُؤَلِّفِيْها، فإن اتَّفَقَتْ فيه راعى التَّرتيبَ الهِجَائي. ووَثِّقَ أقوالُ المذاهب الفقهية مِنْ كُتُبِ أصحابِها المعتمَدَةِ، مُقَدِّمًا كتبَ الحنفيةِ، فالمالكيةِ، فالشافعيةِ، فالحنابلةِ. مراعيًا الترتيبَ الزَّمَنِيَّ بين كتبِ المذهبِ الواحِدِ. فإن اجتمع في الإحالةِ الواحدةِ مَصَادِرُ متنوِّعةٌ، قَدَّم كتبَ التفسير وأحكام القرآن، ثم الفقه، ثم أصول الفقه. وإنْ كانت المسألةُ مِنْ مسائلِ الإجماع، رَاعَى في ترتيبِ مَصَادِرِهَا الترتيبَ الزمنيَّ فقط، بِغَضِّ النَّظَرِ عن مذهبِ المؤلِّفِ والفَنِّ الذي صُنِّفَتْ فيه . وإذا نَقَلْ نَصًّا في الحاشية صَدَّرْه أو أَتْبَعه بِذِكْرِ مَصْدَرِهِ، ولا يذكر بياناتِ المصدر - كاسْمِ المؤلِّفِ، والمحقِّقِ، ودارِ النشر - في الحاشية؛ اكْتِفَاءً بقائمةِ المصَادِرِ والمراجِعِ في نهاية البحث، وقد يذكر اسمَ المؤلِّفِ أو المُحَقِّقِ أو دار النَّشْرِ أحيانًا؛ لإزالةِ اللبْسِ. والمؤلف هو د. "عبد الله بن صالح بن عبد المعز منكابو" الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، وعضو مؤسس لمركز راسخ العلمي- بمدينة جدة، وعضو الجمعية الفقهية السعودية، له تحت الطبع من مؤلفات: ♦ حاشية الشيخين علي بن عيسى وإبراهيم بن عيسى على الروض المربع - قسم العبادات - رسالة دكتوراه. ♦ ملحة الفقيه. ♦ شرح المختصر في القواعد الأصولية وتطبيقاتها، وشواهده من كتب المفسرين والفقهاء. ♦ المختصر في القواعد الأصولية وتطبيقاتها (كتاب تعليمي).
الطموح النطوح
ابتسام أزاد
24-01-2021
6,335
https://www.alukah.net//culture/0/144512/%d8%a7%d9%84%d8%b7%d9%85%d9%88%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b7%d9%88%d8%ad/
الطُموح النَطوح [1] بسم الله أفتتح وأستفتح من كنوز المعارِف فَهْما، الحمد لله الذي أمر رسوله بدعاء الاستزادة من العلم فقال ﴿ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [2] ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد مَن بشّر بخبر «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» كي يَجدَ ﴿ لَهُ عَزْمًا ﴾ [3] ، وعلى آله وصحبه وسلم ومن تبعهم بإحسان مِن "رُهبانِ اللية وفرسانِ النهار" حِلمًا وحَزمًا، أما بعد... يسرني أن أشعِل اليومَ عشْرَةَ قناديلَ على مائدة معشر قرّائِنا الأعزّاء مِن سوانحِ "الطُموح"...فـ ﴿ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ﴾ [4] . القنديل الأول: الطُموح النَطوح: الطُموح نقطة تحول...حينَ يتطور الْهَمّ إلى الهِمّة، ثم تربو وتنمو وتسمو إلى «مَعالي الأُمورِ وأَشرافها». فمن يطمَح أي يتطلّع ويتوق إلى أمر فهو طامح؛ وإن بالغ في الطُموح فهو طَمّاح وطَموح، ولبلوغ الآمال لحوح. وهذا "الطُموح" بين الفينة والأخرى "ينطَح" ذُرى السحاب بمتعدد المواهب والعبقريات، ومتنوّع القوالب والألمعيّات. القنديل الثاني: الطُموح الواقعيّ : ولكن "الطُموح النَطوح"، حتى ينضبط ويرفرِف بأجنحته في غدٍ صَبُوح، لا بد أن يُعقَل أي يُربط بعِقال الحكمةِ على بصيرة، وبِفُهومٍ راسخةٍ بالوحيين مستنيرةٍ. ""خيرُ الأمورِ أعدلُها"". وإلا قد ينقلب من حِدّة الإفراط إلى طيش وتهوّر، أو من شِدّة التفريط إلى بخس وتندّر...«القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا». القنديل الثالث: معالم أرباب الطُموح : أصحاب "الطُموح النَطوح" الفُطَناء...شِعارهم ﴿ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ ﴾ [5] ، ودِثارهم «اسْتَعِنْ بِاَللَّهِ وَلا تَعْجِزْ»، ونهجهم «القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا»، وقُدوتهم مَن ""كَانَ خُلُقُه القُرآنَ""، ونِبراسهم «المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعيفِ»، فهُم ﴿ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ [6] ، لعِلْمِهم: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمورِ وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها»، استجابةً للتوجيه النبويّ «فإذا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ، فإنَّه أوْسَطُ الجَنَّةِ وأَعْلَى الجَنَّةِ»، ومدى بُعْدِ طُموحِهم « إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا » ؛ فيُضحّون في سبيل نيل ذلك مستوفقين اللهَ عزّ وجلّ عزائمَ نفوسِهم ونفائسَ أعمارِهم وكرائم أموالِهم. القنديل الرابع: التسديد والمقاربة : ليس خطأً أن يرفع المرء سقف الطُموح ولكن لا بد أن تكون "نسبة" من هذا " الطُموح العالي "، ولا سيما أساساتُه ومبادؤُه، متوافقة مع أرض الواقع، من أجل إصابة مرمَى المواقع. ليس تشاؤمًا من أصل الطُموح ولا تثبيطا لمن يطمحون إلى المعالي، إنما من أجل "التدرج" للانطلاق بخطواتٍ أوثقَ وأحكم، من باب ﴿ لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾ [7] ، وفْق الوَصيّة النبويّة الخالدة «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا»؛ للوصول إلى تلك المراقي من الطُموح التي «فِيْمَا يَبْدُو للنَّاس» لأول وهلة أنها غيرُ متوافقةٍ مع الواقع، وكأنّ بينهما بَون شاسع. والتدرّج سنّة الله الماضية ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ [8] ، ولا ﴿ تَحْوِيلًا ﴾. القنديل الخامس: التولي يوم الزحف: ليس الإشكال في الواقع نفسه بقدر ما هو كيف نتعامل مع هذا الواقع وكيف "نُنزِّل المظِنّةَ منْزِلةَ المئِنّةِ" باختلاف الوقائع. خيار الهزيمة والرضا بالدُّون ليس حلّا يُستساغ، لا شرعًا ولا فطرةً ولا عقلا، ولا مكانة له في قواميس ذوي العقول الراجحة والأهداف السامقة. «وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ» من الْمُهلكات، خصوصًا في عُرف "طُلابِ إرثِ النُبُوّة"، الذين «أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ يَقْرَؤُوْنَها»، ﴿ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ ﴾ [9] ، فتلك من عُمْق معاني السياسة الشرعية. القنديل السادس: الاستبدال في الاستخلاف : "طلب الكل – مع تجاهل الواقع يؤدي إلى – فوات الكل"". و""ما لا يُدرك كلُّه لا يُترك جُلّه"". وإلا مَن ﴿ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ [10] يكفيهم الوعيد ﴿ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ﴾ [11] في الاستخلاف، أي: في عمارةِ الأرض بـ"حراسة الدين وسياسة الدنيا". و""النكرةُ في سياق الإثبات تفيد الإطلاق أي عموم أوصاف، لا عموم أشخاص""؛ بمعنى أنها تفيد العموم في حيثيات التولي والاستبدال والمستبدَل والمستبدَل به؛ وبما أن المقام مقام إيجاز ونِذارة، فلذلك""حُسن الإشارة يغني عن بَسْط العبارة"". القنديل السابع: التكيف لا يعني التنازل: فمراعاة الأحوال هي "فقه الواقع" وهذا من باب "التكيف"، و""التكيف لا يستلزم التنازل"". ومن تمام ثبات المرء أن يتعايش مع أناسٍ مختلفي الأذواق والمشارب، لحاجةٍ معتبرةٍ أو مصلحةٍ راجحةٍ، مع رسوخه وصموده على المبادئ والقيم التي يتبناها. «المؤمِنُ الذي يُخَالِطُ الناسَ ويَصْبِرُ على أَذَاهُمْ، خيرٌ مِنَ الذي لا يُخَالِطُ الناسَ، ولا يَصْبِرُ على أَذَاهُمْ»، فمن يغدو ويكبو خيرٌ ممن يغفو ولا يسهو. القنديل الثامن: التأجيل غير التسويف: والتكيف قد يقتضي التوقف المؤقت أو التأجيل. و""التأجيل لا يعني التعطيل"". التأجيل غير التسويف؛ التسويف أحبولة من أحابيل الشيطان، والتأجيل لعذر بنيّة الاستئناف متناغم مع نواميس الرحمن؛ لا هو علامة ضَعْف ولا مؤشّر عَطْف. بل التكيف عين الحكمة، والذي يعني: فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي... ﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [12] . القنديل التاسع: الإجمال في الطلب: لا بد من "الإجمال في الطلب"، أي: الطلب وفاق ما يجمُل ويحسُن ويطِيب لدى النفوس السوية، بشيء من الهدوء والرَويّة. «إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ، وَيُعْطِي على الرِّفق ما لا يُعطي عَلى العُنفِ، وَما لا يُعْطِي عَلى مَا سِوَاهُ». فـ«أَجمِلوا في الطَّلَبِ، فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتى تستوفِيَ رزقَها، وإن أبطأَ عنها»...«فإنّ كُلا مُيسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَه». ""الإعمال أولى من الإهمال وإن طرأ شيء من الإمهال."" المتقرر أنه ""لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة""ولكن ""يجوز تأخير البيان إلى وقت الحاجة"". والذي شيّد "صرح الطُموح" على "هيكل أحلام اليقظة"، فبناؤه على ﴿ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ﴾ [13] ، ومَثَله كمَثَل «المُنْبَتّ، لا أَرْضًا قَطَعَ وَلا ظَهْرًا أَبْقَى». القنديل العاشر: المِيزة لا تقتضي الأفضليّة: المتفنن ليس بالضرورة هو الأتقى والأصلح من غير المتفنن، وإن كان التفنن والاستزادة بصدق وإخلاص مُعينة على التزود من مَعين التقوى والصلاح. ""الميزة لا تقتضي الأفضلية"". الفيصل في الأمر أن تتحقق الخيرية التي أرادها الله سبحانه في الحديث «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». ولا تتحقق هذه الخيرية إلا من انتفع بهذا الفقه في خاصة نفسه ونفع به غيره، بإصلاح العلاقة مع الخالق بحُسن العبادة، وإصلاح العلاقة مع الخَلْق بحُسن الخُلُق. وبهذين تُنال التقوى والتي هي الغاية من طلب العلم ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [14] . وبالتقوى يتفاضل شُداة المعالي منزلةً في الكرامةِ ورفعةِ الدرجات عند الله عزّ وجلّ ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [15] . هذه قناديلُ عشرة... ﴿ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ﴾ [16] . وفي لحظة الوداع أقتبس من نظمي فحْوى المقال، فأستقي من فَيْحاء أحْوى الظِلال: مَعالي الأمورِ اطْمَح لها، سِرْ مُهرْوِلا وباللهِ ثِقْ دومًا، تجشّمْ مُقَنْقِلا وسدِّدْ وقاربها، تَدُمْ ثابتَ الخُطى تَمَهّل، إذِ التّسوِيف إنْ جا تُعُطِّلا خيارَ الهزيمةِ امْنعَنْ منهُ نفْسَكَا رِضا المرْءِ بالنُقْصانِ عيبٌ، لِتَعْقِلا بِتَقْوى الإِلهِ ارْقَ مراقي الفُحُول، تُقْ تحلّقْ مُرَفْرِفًا لِتَعْلوَ مَنْزِلا والحمد لله أولا وآخرًا على حسن الختام وبلوغ المرام. [1] ابتسام أزاد (غُرّة جمادى الأولى، 1442). [2] [طه: 114]. [3] [طه: 115]. [4] [الحاقة: 19]. [5] [الكهف: 60]. [6] [الأنبياء: 90] [المؤمنون: 61]. [7] [الانشقاق: 19]. [8] [فاطر: 43]. [9] [الأنفال: 16]. [10] [القمر: 45]. [11] [محمد: 38]. [12] [البقرة: 269]. [13] [التوبة: 109]. [14] [فاطر: 28]. [15] [الحجرات: 13]. [16] [البقرة: 196].
المناهج المعاصرة في التعامل مع النص الشرعي
د. أحمد عبدالمجيد مكي
21-01-2021
4,167
https://www.alukah.net//culture/0/144477/%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%87%d8%ac-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d8%a7%d8%b5%d8%b1%d8%a9-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b9%d8%a7%d9%85%d9%84-%d9%85%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b5-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d8%b9%d9%8a/
المناهج المعاصرة في التعامل مع النَّص الشرعي يُمَثِّلُ النَّص الشرعي (قرآن وسنة) المصدر الأول لهذا الدين بعقائده وأخلاقه وأحكامه، وهو أصل بقية المصادر، ولم يزل العلماء - حتى الذين عُرِفَ عنهم التوسع في الرأي - يعظمونه ويحتجون به في الأصول والفروع، ويرون تقديمه على كل رأي، بعد فهمه وإدراك معناه، فلا يوجد أحد من الأئمة المشهود لهم بالعلم والفضل يَتَعَمَّدُ مخالفة نص صحيح صريح. وإذا وُجِدَ فلابد له من عُذْرٍ في تَرْكِهِ. وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (ت: 728هـ): وَلِيُعْلَمَ أَنَّهُ ليس أحد من الأئمة المقبولين عند الأمة قبولًا عامًا يتعمد مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء مِنْ سُنَّتِهِ؛ دَقِيقٍ ولا جَلِيلٍ؛ فَإِنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ اتِّفَاقًا يَقِينِيًّا على وجوب اتباع الرسول، وعلى أنَّ كل أحد من الناس يُؤخذ من قوله ويُتْرَك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا وُجِدَ لواحد منهم قول- قد جاء حديث صحيح بخلافه- فلا بُدَّ لَهُ مِنْ عُذْرٍ فِي تَرْكِهِ. وجميع الأعذار ثلاثة أصناف: أحدها: عدم اعتقاده أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قاله. والثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول. والثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ [1] . ومن المهم جدًا أن نشير إلى بعض الاتجاهات والمواقف التي وقفها بعض المعاصرين من النص؛ ليتنبه إليها طالب العلم فيحذرها. ولأن المقام هنا مقام إجمال وليس مقام شرح وتحليل فلن أدخل في التفاصيل الجزئية، وسأكتفي بالحديث عن اتجاهين لهما حضورهما القوي على الساحة، وتقف كل منهما في جهة مقابلة للأخرى: الأولى: تجهل فقه النَّص. والأخرى: تجحد النَّص ذاته، كما سيقتصر حديثنا على نصوص الأحكام، وهي: كل نصٍّ يمكن أن يستفاد منه حُكْم فقهي، بطريقٍ مباشرةٍ أو بطريق الاستنباط. الطائفة الأولى: الذين يجهلون فقه النَّص: أي يجهلون الأسس المنهجية الصحيحة في التعامل معه استنباطًا وتنزيلًا، وهؤلاء فريقان: ♦ فريق يهتم بتحرير المسألة وذكر تفريعاتها نقلًا عن كتب الفقهاء، دون أن يعتني بالأدلة، إمَّا بعدم إيرادها أصلًا، وإما بإيرادها مع عدم التمييز بين الصحيح والضعيف. ♦ وفريق يهتم بإيراد الأدلة ومدى ثبوتها لكنه يهمل تحرير المسألة فقهيًّا، وغالبًا لا يهتم بدلالة النص على المسألة محل البحث، فلا يعطي الدليل حقَّه مِن الفقه والفِكْر والتدبُّر والاستنباط، بل يأخذ بالنظر الأول والفهم الحرفي للنص بِغَضِّ النظر عن موافقة هذا الفهم أو مخالفته لقواعد الاستدلال المعروفة في أصول الفقه. وهم - بدعوى اتباع الدليل – قد يبالغون في ذم مخالفيهم من العلماء والفقهاء، وقد أصاب الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت: 321هـ) في قوله: "لا ينبغي لأحد أن يأتي إلى خبر قد احتمل تأويلات فيعطفه على أحدها بلا دليل يدله على ذلك من كتاب أو سنة أو إجماع، ثم يزعم أن من خالف ذلك مخالف لما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكيف يكون مخالفًا لما قد روي عن رسول الله وقد تأول ذلك على معنى يحتمل ما قال؟ بل ما خالف إلا تأويل مخالفه ولم يخالف شيئًا من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم" [2] . الطائفة الثانية: الذين يجحدون النَّص: ويمثِّلهم الجهلة والمستغربون وغلاة العلمانيين وغيرهم ممن أصبحت عقولهم مناطق نفوذ للشرق أو الغرب في العالم الإسلامي. فهؤلاء يتنكرون للدِّين ويسعون للحيلولة بينه وبين الأمة، داعين إلى التحرر من سلطة النَّص الديني وإقامة الحياة بعيدًا عنه وطرده من دوائر التشريع، وحصره بين جدران المساجد، وإبقائه شأنًا شخصيًّا، مجاله فقط ضمير الإنسان، اللهم إلا في بعض مسائل الأحوال الشخصية كالزواج والطلاق، ...، حتى باتت المسلَّمات والثوابت وما هو معلومٌ مِن الدين بالضرورة محلَّ نقاش وأَخْذٍ ورَدٍّ، تحت دعاوَى شتى!! ولا شك أنَّ تعامُل هؤلاء مع النَّص لا يُسمَّى فقهًا أو تفسيرًا. أثر الطائفتين على الدين: وقد كثرت الطائفتان في عصرنا، وعَمَّتْ بِهم البَلِيَّةُ، وعَظُمَتْ بِسَبَبِهم الرَّزِيَّةُ، مما يجعلنا نتذكَّر قول القائل: فحَقٌّ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَتَمَثَّلُوا بِبَيْتٍ قَدِيمٍ شَاعَ في كُلِّ مَجْلِسِ لقد هَزُلَتْ حتى بَدَا مِنْ هُزَالِهَا كُلَاهَا [3] وحتى سَامَهَا كُلُّ مُفْلِسِ وقول آخر: فَلَوْ كان سَهْمًا واحدًا لاَتَّقَيْتُهُ ♦♦♦ ولكنه سَهْمٌ وثانٍ وثالثُ كما وصل الحال إلى حد الاغتراب الذي ينطبق عليه قول الشاعر: وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَوْقَ غُرْبَتِنَا التي ♦♦♦ لها أَضْحَتِ الأَعَدَاءُ فينا تَحَكَّمُ ولكل طائفة من الطائفتين أثرها وخطرها على الدين، فالأمر كما يقول الإمام ابن قَيِّم الجوزية (ت: 751هـ): "وضَرَرُ الدِّين وما جاءت به الرسل بهؤلاء مِن أعظم الضرر، فهما ضرران؛ ضررُ مَن يَطعن فيه، وضررُ مَن يَنصره بغير طريق، وقد قيل: إِنَّ العدو العاقل أقل ضررًا مِن الصديق الجاهل!!" [4] . ومن هذه الآثار: تشويه حقيقة الدين والجرأة على ثوابته ورَدِّ محكماته، وتشكيك الناس فيه، وغلبة الجهل، وتعميق واقع الفُرْقة والتخلُّف والاختلاف، وتقديم ما حَقُّه التأخير، وتأخير ما حَقُّه التقديم، والخلط بين المُحْكَمات والمتشابهات، والإغراق في الجزئيات والفروع على حساب الفروض والواجبات والأصول والمقاصد، وحرمان الأمة والبشرية من تفجير طاقات الإبداع الإنسانية ومن فيض العطاء الإلهي المتجدد، وشيوع الأقوال الضعيفة والمذاهب العَسِرَة، وترجيح ما كان مرجوحًا أيام الازدهار الثقافي للأمة، حتى ظن الناس أن الإسلام إذا حكم عاد إلى الدنيا التَّزمُّتُ والجمود!!، ولعل َّ المطَّلِعَ على الساحة العلمية والدعوية والإعلامية المعاصرة يَلمس كثيرًا مِن ذلك!! ولا يعني هذا خلو العصر من أصحاب المنهج الصحيح في التعامل مع النَّص الشرعي فقها واستنباطا، فهؤلاء-بفضل الله- موجودون بكثرة في كل مكان وزمان- وهم يحرصون دائما على أن يحفظوا على النَّص هَيْبته مِن جهة، ويضمنوا صحة استنباط وتنزيل الأحكام المستفادة منه مِنْ جهة أخرى . [1] مجموع الفتاوى (20/ 232)، رفع الملام عن الأئمة الأعلام (ص: 9 ) . [2] شرح معاني الآثار (4/ 146). [3] هُزِلَتْ: أَصَابَها الهزال والضعف. الكُلا والكُلْوات والكُلًى: جمع كُلية بضم الكاف، عُضْو معروف في جسم الإنسان والحيوان. [4] مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة (2/ 212).